الأخلاقيَّات التي ينبغي أن يتحلى بها المحقق عند ضبط النصِّ وتحقيقه :
إن الحمد لله ، نحمده تعالى ، ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ، ومن سيِّئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهدُ أن لا إله إلّا الله ، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد :
مما لاشك فيه أن التحقيق ليس مجرد عمليات إجرائية ، تقوم على جمع المخطوطات ، والمقابلة بينها ، وتخريج النصوص والتعريف بمواد المخطوط فحسب، وإنما هو قبل ذلك كله ، كما يرى الأستاذ : أحمد محمود شاكر ، (زادٌ علميٌّ كبيرٌ)، جمعه الممارسُ من سنوات دراسته ، ومطالعاته ، وسياحته العريضة ، في مجالات التراث الكثيرة والمتنوعة ، وسبر أغوارها ، واطلاعٍ على أعماق فكر الأمة ، وقيمها الثابتة ، وشخصيتها الشامخة .
إن ثقافة ذلك المحقق ؛ تقوم على منظومة تتكون من عناصر ثلاثة :
أولاً : العلم النظري .
ثانياً : الخبرة العملية ,
ثالثاً : الممارسة الدؤوبة .
لذا هو نوعٌ من الصناعات المعقدة ، لما تتسم به من السِّعة والتشعب ، لا يؤهَّل للقيام بها ؛ من لم يتصف بأنه : { القوي الآمين }.
ولا بد لمن يتصدي لتحقيق التراث المخطوط من امتلاكه ، زمام أداتين أساسيتين :
الأولى : تتصل بما يمكن أن نسميه بــ(المنهجية العلمية القويمة) .
والثانية : تتصل بما يمكن أن نسميه ، بــ(المرجعية الواسعة السليمة) .
كما لا بد له من أدواتٍ مكملة تتمثل بالمعرفة اللغوية ، وضبظ ما يلزم من المصطلحات المتعلقة ، بعلم المخطوط ، وعلم التحقيق .
وأخيرا لا بد من أن يتحلى المحقق بالأخلاقيات التي تكسب عمله ، قيمة ً عالية رفعيةً ، وكل ذلك يندرج تحت مظلة ما يمكن أن نطلق عليه : "ثقافة المحقق" .
ولتقريب دراسة "ثقافة المحقق" يمكننا أن نصنفها ؛ إلي خمسة أنواعٍ :
أولاً : الثفافة اللُّغوية .
ثانياً : الثقافة المصطلحيَّة .
ثالثاً : الثقافة المنهجيَّة .
رابعاً : الثقافة المرجعيَّة .
خامساً : الثقافة الأخلاقيَّة .
أولاً :الثقافة اللُّغوية :
إن اللغة لا تقتصر أهميتها ؛ على كونها أداةٌ للتفكير والتعبير ، وإنما تتجاوز ذلك لكونها ؛ العنصر الأساسي ؛ في الثفافة والهوية ، فهذا الوعاء الذي حمل ذلك التراث الحضاري ، صار جزءاً منه ، والتعامل مع أي نصٍ من النصوص ينبغي أن يأخذ ذلك بعين الاعتبار ، مهما كان نوع العلم ، الذي يتوجه إلى التحقيق فيه .
فلابد للمحقق من التمكن من النحو ، والصرف ، وأساليب العربية ، وأشكال بلاغتها ، وتطور دلالات الألفاظ ، وقواعد الرسم والكتابة ، وأنواع الخطوط ، وتطورها ، عبر العصور المختلفة ، ولا بد من الاطلاع علىالمعجمات العربية ، ومعرفة أنواعها ، وطرق استخدامها ، والإفادة منها ، ثم إن لكلِّ عصرٍ ؛ سماته اللغوية الرائجة ، التي يجب التنبه من أجل حسن فهم النص ، وحسن التعامل معه .
وقد جعل الشاهد البوشيخي ، من أوجه معضلة التعامل مع التراث : "وجه فهم الألفاظ اللغوية والاصطلاحية" ، إذ هو تراث قرون وقرون ، والمعاجم اللغوية _ على كثرتها _ اهتمت أو كادت لا تهتم إلَّا بلغة بعض القرون ، وهو تراث أعلام ٍ ، ومدارس ، واتجاهات ، وعلومٍ ، وفنونٍ ، وصناعات ، ولكل صنعةٍ ألفاظ ، ولكلِّ قومٍ ألفاظ .....والمعاجم الاصطلاحية على _قلتها_ لم تعن ، أو كادت لا تعني إلَّا برأي الجمهور ، في اصطلاحات العلوم والفنون ، وحتى الآن ؛ لما ينجز المعجم التاريخي ؛ للغة العربية ، ووجه فهم مقاله ، في إطار مقامه ، زماماً ومكاناً ، ومخاطَباً ومخاطِباً ، فكما أنه عند البيان ؛ لكلِّ مقامٍ مقالٍ ، فكذلك عند التبيِّين ؛ لكلِّ مقامٍ مقام ، وقياساً على بلاغة البيان ، يجوز القول ببلاغة التبيين ، ولا حظ في الفهم والوصل ؛ لمن أقام منهج تبيينه ، أو قرأءته _بلغة بعض أهل العصر_ على القطع ، أو العزل .
وإن التمكن من كلِّ ما سبق من النقاط ، سوف يوظف خلال عملية التحقيق ؛ فيما يأتي :
· فهم النص فهماً جيداً ، مما يؤدي إلى تجنب تشويه النص ، وإخراجه بصورة ٍ بعيدةٍ عمَّا يريده المؤلف .
· التمكن من توجيه العبارة ، وترجيح قرآءة على أخرى .
· التمكن من تصحيح النصِّ ، بناءً على الضوابط اللغوية المتعارف عليها ، خطَّاً ، ونحواً ، ولغةً .
· التمكن من تحديد دلالات الألفاظ الواردة في المخطوط .
· التمكن من قرآءة ما يُشكل من المخطوط ، فإن بعض المخطوطات ، كتبت برسمٍ يعسر تبيُّن ملامحه ، إلَّا على الخبير المتمرس بقرآءة المخطوط .
· التمكمن من معرفة اللغة الصحيحة ، الجارية على ألسن القدماء ، كيلا يقع في التصحيف ، والتحريف ، خصوصاً ؛ في عناوين الكتب . فلا يقرأ مثلاً عنوان كتاب " معجم السفر" للحافظ السكفي " معجم الشعر" .
· التمكن من التعرف على أسلوب المؤلف .
· التمكن من ربط عبارات المؤلف ببعضها ، مما يقرب النص ، وييسره على القارئ .
· التمكن من نسبة الكتاب إلى عصرٍ معينٍ ، في حال جهل مؤلفه ، وذلك ؛ من خلال معرفة طبيعة التراكيب الخاصة ، والمعجم اللغوي ، وبعض الخصائص المتعلقة بحروف الجر ، واستعمال المجاز والأفعال .
هذا ؛ وإلى الثفافة المصطلحية في اللقاء القادم إن شاء الله .
مقالات الدكتور : محمود المصري .
إن الحمد لله ، نحمده تعالى ، ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ، ومن سيِّئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهدُ أن لا إله إلّا الله ، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد :
مما لاشك فيه أن التحقيق ليس مجرد عمليات إجرائية ، تقوم على جمع المخطوطات ، والمقابلة بينها ، وتخريج النصوص والتعريف بمواد المخطوط فحسب، وإنما هو قبل ذلك كله ، كما يرى الأستاذ : أحمد محمود شاكر ، (زادٌ علميٌّ كبيرٌ)، جمعه الممارسُ من سنوات دراسته ، ومطالعاته ، وسياحته العريضة ، في مجالات التراث الكثيرة والمتنوعة ، وسبر أغوارها ، واطلاعٍ على أعماق فكر الأمة ، وقيمها الثابتة ، وشخصيتها الشامخة .
إن ثقافة ذلك المحقق ؛ تقوم على منظومة تتكون من عناصر ثلاثة :
أولاً : العلم النظري .
ثانياً : الخبرة العملية ,
ثالثاً : الممارسة الدؤوبة .
لذا هو نوعٌ من الصناعات المعقدة ، لما تتسم به من السِّعة والتشعب ، لا يؤهَّل للقيام بها ؛ من لم يتصف بأنه : { القوي الآمين }.
ولا بد لمن يتصدي لتحقيق التراث المخطوط من امتلاكه ، زمام أداتين أساسيتين :
الأولى : تتصل بما يمكن أن نسميه بــ(المنهجية العلمية القويمة) .
والثانية : تتصل بما يمكن أن نسميه ، بــ(المرجعية الواسعة السليمة) .
كما لا بد له من أدواتٍ مكملة تتمثل بالمعرفة اللغوية ، وضبظ ما يلزم من المصطلحات المتعلقة ، بعلم المخطوط ، وعلم التحقيق .
وأخيرا لا بد من أن يتحلى المحقق بالأخلاقيات التي تكسب عمله ، قيمة ً عالية رفعيةً ، وكل ذلك يندرج تحت مظلة ما يمكن أن نطلق عليه : "ثقافة المحقق" .
ولتقريب دراسة "ثقافة المحقق" يمكننا أن نصنفها ؛ إلي خمسة أنواعٍ :
أولاً : الثفافة اللُّغوية .
ثانياً : الثقافة المصطلحيَّة .
ثالثاً : الثقافة المنهجيَّة .
رابعاً : الثقافة المرجعيَّة .
خامساً : الثقافة الأخلاقيَّة .
أولاً :الثقافة اللُّغوية :
إن اللغة لا تقتصر أهميتها ؛ على كونها أداةٌ للتفكير والتعبير ، وإنما تتجاوز ذلك لكونها ؛ العنصر الأساسي ؛ في الثفافة والهوية ، فهذا الوعاء الذي حمل ذلك التراث الحضاري ، صار جزءاً منه ، والتعامل مع أي نصٍ من النصوص ينبغي أن يأخذ ذلك بعين الاعتبار ، مهما كان نوع العلم ، الذي يتوجه إلى التحقيق فيه .
فلابد للمحقق من التمكن من النحو ، والصرف ، وأساليب العربية ، وأشكال بلاغتها ، وتطور دلالات الألفاظ ، وقواعد الرسم والكتابة ، وأنواع الخطوط ، وتطورها ، عبر العصور المختلفة ، ولا بد من الاطلاع علىالمعجمات العربية ، ومعرفة أنواعها ، وطرق استخدامها ، والإفادة منها ، ثم إن لكلِّ عصرٍ ؛ سماته اللغوية الرائجة ، التي يجب التنبه من أجل حسن فهم النص ، وحسن التعامل معه .
وقد جعل الشاهد البوشيخي ، من أوجه معضلة التعامل مع التراث : "وجه فهم الألفاظ اللغوية والاصطلاحية" ، إذ هو تراث قرون وقرون ، والمعاجم اللغوية _ على كثرتها _ اهتمت أو كادت لا تهتم إلَّا بلغة بعض القرون ، وهو تراث أعلام ٍ ، ومدارس ، واتجاهات ، وعلومٍ ، وفنونٍ ، وصناعات ، ولكل صنعةٍ ألفاظ ، ولكلِّ قومٍ ألفاظ .....والمعاجم الاصطلاحية على _قلتها_ لم تعن ، أو كادت لا تعني إلَّا برأي الجمهور ، في اصطلاحات العلوم والفنون ، وحتى الآن ؛ لما ينجز المعجم التاريخي ؛ للغة العربية ، ووجه فهم مقاله ، في إطار مقامه ، زماماً ومكاناً ، ومخاطَباً ومخاطِباً ، فكما أنه عند البيان ؛ لكلِّ مقامٍ مقالٍ ، فكذلك عند التبيِّين ؛ لكلِّ مقامٍ مقام ، وقياساً على بلاغة البيان ، يجوز القول ببلاغة التبيين ، ولا حظ في الفهم والوصل ؛ لمن أقام منهج تبيينه ، أو قرأءته _بلغة بعض أهل العصر_ على القطع ، أو العزل .
وإن التمكن من كلِّ ما سبق من النقاط ، سوف يوظف خلال عملية التحقيق ؛ فيما يأتي :
· فهم النص فهماً جيداً ، مما يؤدي إلى تجنب تشويه النص ، وإخراجه بصورة ٍ بعيدةٍ عمَّا يريده المؤلف .
· التمكن من توجيه العبارة ، وترجيح قرآءة على أخرى .
· التمكن من تصحيح النصِّ ، بناءً على الضوابط اللغوية المتعارف عليها ، خطَّاً ، ونحواً ، ولغةً .
· التمكن من تحديد دلالات الألفاظ الواردة في المخطوط .
· التمكن من قرآءة ما يُشكل من المخطوط ، فإن بعض المخطوطات ، كتبت برسمٍ يعسر تبيُّن ملامحه ، إلَّا على الخبير المتمرس بقرآءة المخطوط .
· التمكمن من معرفة اللغة الصحيحة ، الجارية على ألسن القدماء ، كيلا يقع في التصحيف ، والتحريف ، خصوصاً ؛ في عناوين الكتب . فلا يقرأ مثلاً عنوان كتاب " معجم السفر" للحافظ السكفي " معجم الشعر" .
· التمكن من التعرف على أسلوب المؤلف .
· التمكن من ربط عبارات المؤلف ببعضها ، مما يقرب النص ، وييسره على القارئ .
· التمكن من نسبة الكتاب إلى عصرٍ معينٍ ، في حال جهل مؤلفه ، وذلك ؛ من خلال معرفة طبيعة التراكيب الخاصة ، والمعجم اللغوي ، وبعض الخصائص المتعلقة بحروف الجر ، واستعمال المجاز والأفعال .
هذا ؛ وإلى الثفافة المصطلحية في اللقاء القادم إن شاء الله .
مقالات الدكتور : محمود المصري .