ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    شرح ابن عقيل للشيخ أحمد بن عمر الحازمي

    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    شرح ابن عقيل للشيخ أحمد بن عمر الحازمي Empty شرح ابن عقيل للشيخ أحمد بن عمر الحازمي

    مُساهمة من طرف أحمد الأربعاء يناير 23, 2013 11:13 pm

    الدرس الأول

    بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحمَنِ ٱلرَّحِيمِ
    شــرح ألفية ابن مالك

    للعلامة اللغوي المحقق: أحمد بن عمر الحازمي


    إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَه إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.

    مستعدون أو... المشوار طويل؟ ولا نريد نركض حتى لا نتعب، لا يفهم البعض أن الدورة معناها بسرعة بسرعة لا! الدرس كما هو إن شاء الله، لكن هو زيادة وقت وإطالة بحسب ما يسمح به الوقت، ما دام ثلاثة أوقات فما يحتاج إلى شرح يشرح كما هو، وما هو قابل للاختصار يختصر، وما فيه شحذ للأذهان حينئذٍ يذكر على جهة الفائدة، وهذه الأذهان فأمر معقول قريب من الذهن، وأما الأمور البعيدة والشذوذات والتكلفات هذه الأصل البعد عنها، سواء كان في النحو أو في غيرها، لكن ثمة أمور وخاصة بعلل النحو لها مردها في فهم العربية، وما أتقنها طالب هي التي ما يتعلق بالنحو وما يتعلق بالصرف إلا ويتأكد ويترجح، ويكاد أن يجزم بأن اللغة توقيفية على أصح قولي أو أقوال أهل العلم الأصوليين وأهل اللغة:
    توقيفٌ اللغاتُ عند الأكثرِ
    ومنهم ابن فورك والأشعري

    توقيف اللغات: اللغات توقيفية، كلها توقيفية سواء كانت العربية أو الإنجليزية أو الفرنسية، أو غيرها كلها توقيف، بمعنى: أن الله عز وجل علمها آدم عليه السلام: (( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا )) [البقرة:31] .
    واللغة الرب لها قد وضعها

    هذه العلل تفيد ماذا؟ تفيد التأكيد على هذا القول، وهذا حق، من مارس علل النحو والصرف ونظر في ما تكلم به أهل البيان يجد أن هذه اللغة محكمة، لها أول ولها آخر ولها ظاهر ولها باطن، ولها أصول مطردة، هذه الأصول المطردة بعضها قد ينكشف بشاذ لا يكاد يذكر ولا ينطق في لسان العرب.
    لكن يقولون: الأصول المهجورة هذه تكشف الأصول المطردة، قاعدة عن الصرفيين: الأصول المهجورة الشاذة:
    فإنه أهْلٌ لأنْ يُؤَكْرَمَا

    يكرم هذا الأصل، لما قال الشاعر:
    فإنه أهْلٌ لأنْ يُؤَكْرَمَا.
    لأن أصله: أكرم، هذا الأصل، فعل ماضي، فتدخل عليه ياء وهمزة ونون وتاء فاعل، حرف المضارعة، فالأصل: أأكرم: ( أُو أَ ) الهمزة الأولى همزة مضارع.. المتكلم، أأكرم هذا الأصل، كما تقول: ضرب.. أضرب أضرب يدخل على الثلاثي، أكرم رباعي.. فالأصل: أأكرم، لكن نحن نقول: أكرم ونكرم ويكرم.
    هذا الحكم مطرد أو لا ؟ مطرد في كل رباعي مفتتح بهمزة الاستفهام، تحذف هذه الهمزة من باب التخفيف؛ لئلا يجتمع عندنا مثلان أأكرم، هذا فيه ثقل، ثم حذفت مع الياء والتاء والنون طرداً للباب، هذا نقول:
    فإنه أهْلٌ لأنْ يُؤَكْرَمَا: أصل مهجور، هو الأصل، أليس كذلك؟ لكنه مهجور، كشف لنا أصلاً مطرداً وهو: يُكرمُ، ونُكرِمُ، وتُكرمُ، وأُكرم.
    هذا يدل على أن اللغة محكمة، ينطق الله عز وجل بعض أرباب اللسان الفصيح العربي بكلمة تكشف للنحاة والصرفيين كثير من الأصول عندهم، ولذلك يفرحون بمثل هذه الشذوذات؛ لأنها تفسر لهم بعض الأحكام المطردة عندهم.
    فأقول: ما سنجري عليه إن شاء الله تعالى لا يفهم أنه دورة، نمشي عقارب الساعة تطاردنا هيا هيا؟! لا، رويداً رويداً، سنمشي قليلاً قليلاً، ومن حيث الشرح.. فك العبارات، والنظر في كلام الناظم رحمه الله تعالى، وكما ذكرنا ما يحتاج إلى إعراب أعربناه، وما لا يحتاج تركناه إحالة عليك أنت.. أنت الذي تقرأ، وأنت الذي تفهم، وأنت الذي تحفظ، وأنت الذي تراجع لست أنا، أنا حفظت وذاكرت وبقي ما بقي، وضاع ما ضاع، والله المستعان.
    لكن أنت الذي الآن تؤصل نفسك فتذاكر وتحفظ وتعرب لا بد من الإعراب، ولذلك لو حاول بعضكم أن يجعل ولو بالمذاكرة أن يجعل تمرين الطلاب للأزهري.. خالد الأزهري محلاً للمذاكرة والمدارسة، أظنه ما يخرج من هذه الألفية إلا وقد أتقن أصول النحو كلها عن بكرة أبيها.
    وأكاد أجزم ومن يتحدى فليفعل، يجلس مع صاحبه فيفتح الكتاب ثم يعرب كلمةً كلمة، وجرى خالد الأزهري في تمرين الطلاب على أنه قد يذكر بعض الفوائد، وهذه مفيدة جداً، يعني: الإعراب قد يكون محيي الدين يعرب، لكنه قد لا يؤصلك، بمعنى: أنه لا يذكر قاعدة إلا على جهة اليسير جداً، يذكر أن هذا مخالف لأصل كذا، وأن هذا لو أعرب بدل.. البدل من بدل ممنوع عند الجماهير من النحاة، هذا قليل.
    لكن الأزهري يكثر من هذه التعليلات، إذاً: كما ذكرت أنه لا بد من تشمير الليلة ونستعين الله عز وجل ونطلبه العون، وأن يبارك بالوقت، وفي الفهم والحفظ، فالكتاب طويل والوقت قصير، ولا نقول: عقارب الساعة تطاردنا!
    طيب:
    بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ
    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
    قال الناظم المصنف الإمام محمد بن مالك رحمه الله تعالى.. جمال الدين بن عبد الله بن مالك الطائي نسباً، الشافعي مذهباً، الجيّاني منشئاً، الأندلسي إقليماً، الدمشقي داراً ووفاًة، قال رحمه الله تعالى:
    بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ:
    قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ مَالِكِ
    مُصَلِّياً عَلَى النَّبيِّ الْمُصْطفَى
    وَأَسْتعِينُ اللهَ فِي ألْفِيَّهْ
    تُقَرِّبُ الأقْصى بِلَفْظٍ مُوجَزِ
    وَتَقْتَضي رِضاً بِغَيرِ سُخْطِ
    وَهْوَ بِسَبْقٍ حَائِزٌ تَفْضِيلاَ
    واللهُ يَقْضِي بِهِبَاتٍ وَافِرَهْ
    أَحْمَدُ رَبِّي اللهَ خَيْرَ مَالِكِ
    وآلِهِ المُسْتكْمِلِينَ الشَّرَفَا
    مَقَاصِدُ النَّحْوِ بِهَا مَحْوِيَّهْ
    وَتَبْسُطُ الْبَذْلَ بِوَعْدٍ مُنْجَزِ
    فَائِقَةً ألْفِيَّةَ ابْنِ مُعْطِي
    مُسْتَوْجِبٌ ثَنَائِيَ الْجَمِيلا
    لِي وَلَهُ في دَرَجَاتِ الآخِرَهْ

    قال رحمه الله تعالى:
    بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ:
    بدأ نظمه بالبسملة، وهذه.. أو ذكر البسملة في الشعر إذا كان علماً ومشتملاً على الآداب الشرعية متفق على حله وإباحته، فهو جائز بالإجماع، وهذا لا نزاع فيه بين أهل العلم، وإنما وقع النزاع فيما إذا كان الشعر محرماً أو مكروهاً أو مباحاً.
    والصحيح: أنه إذا كان محرماً أو مكروهاً فحكمه حكم الشعر، بمعنى: أنه يكره مع المكروه ويحرم مع المحرم.
    وأما المباح فالأصل الإباحة، حينئذٍ نقول: المسألة فيها تفصيل: هل يجوز أن يفتتح الشعر بالبسملة؟ نقول: ما كان من العلم والآداب الشرعية فهو متفق على حله وإباحته، وأما ما ورد عن الشعبي من المنع والزهري، حيث قال رحمه الله: مضت السنة ألا يكتب أمام الشعر بسم الله الرحمن الرحيم، هذا محمول على الشعر الذي يكون محرماً أو مكروهاً أو فيه نوع غزل ونحو ذلك.
    فأما هذه المنظومات فهذه جرى أهل العلم على أنها مما يندب أن تفتتح بالبسملة، ولكن الأولى ألا تجعل نظماً.. ألا تدخل في النظم، كما قال الشاطبي:
    بدأت ببسم الله في النظم أولاً..
    قالوا: هذا خلاف الأولى، وبعضهم صرح بأنه مكروه، وأما جعلها مستقلًة تكتب في وسط السطر فهذا أمر مندوب فيما إذا كان من العلوم الشرعية.
    بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ
    الكلام في البسملة يطول ذكره، وقد مضى معنا كثير من ذلك، الأحكام المتعلقة بها، وأهم ما يذكر: أنه افتتح بالبسملة أو افتتح نظمه بالبسملة اقتداًء بالكتاب العزيز، حيث بدأ الله تعالى القرآن كتاب بقوله: (( بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )) إلى آخر السورة [الفاتحة: 1 - 2] .
    وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فأقول: فعل النبي، ولا أقول: السنة قولية لضعفها، وأما حديث: { كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر ـ أو قال ـ: أجذم } أو نحو ذلك، نقول: هذا الحديث لا تثبت به الحجة، فهو ضعيف، والضعيف لا يحتج به لا في الأحكام ولا في فضائل الأعمال.
    والحجة فيه: السنة الفعلية، حيث كان النبي  يكتب إلى عماله، أو يكتب إلى الملوك والرسائل، ونحو ذلك بالبسملة، فجاء في صحيح البخاري: { بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ، من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم } فدل على أن هذا من الأمور المستحبة فعلها، إذا كتب كتاباً أو درس أو علم أو تكلم بكلام مهم يلتفت إليه أن يأتي بالبسملة:

    بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ.
    والبسملة هذا اللفظ، هكذا: البسملةُ، هذا مصدر مولد، مصدرٌ مولد أو نقول: من قبيل.. ليس مصدراً مولداً، بل هو مصدر قياسي، مصدر قياسي لبسمل يبسمل بسملة، بسملة: هذا مصدر قياسي؛ لأن فعلل يأتي في اللغة مصدره قياساً على: فعللة.. دحرج يدحرج دحرجةً، دحرج: هذا فعل ماضي، يدحرج: هذا المضارع، دحرجةً: هذا القياس.
    بسمل يبسملُ بسملًة، نقول: بسملةً: هذا مصدر قياسي، مصدر قياسي للفعل الماضي الرباعي: بسمل.
    ويرد السؤال في: بسمل هذا منحوت، بمعنى: أنه اختصر من كلمات، كما يقال: حولق.. حوقل، هذا اختصار لـ: لا حول ولا قوة إلا بالله، وهلل.. هيلل، لـ: لا إله إلا الله، وسمعل: السلام عليكم، نقول: هذا كله يعتبر من النحت.
    وهذا النحت على قسمين في لسان العرب، منه ما هو قياسي، ومنه ما هو سماعي، وهل: بسمل هذا، من السماعي أو القياس؟ فيه خلاف والصواب أنه من السماعي، يعني: مسموع وليس بمولد، كا: الفذلكة، والبلكفة، والكذلكة، هذه كلها من قبيل النحت، لكنها مولدة، يعني: مصنوعة صنعها المتأخرون، لم ينطق بها من يحتج بلسانه.
    وأما: بسمل، الصواب أنه سمع..
    لقد بَسْملَتْ ليلَى غَداةَ لَقِيتُها
    فيا حَبَّذا ذَاك الحديثُ المُبَسْمَلُ

    لقد بسملت ليلى، هكذا قال ابن أبي ربيعة، فدل على أنه قياسي وليس بسماعي.
    وبسمل: من حيث الإفراد.. مفرداتها، ومن حيث المعاني، قلنا: ذكرنا شيئاً مما سبق، لكن نقول: بسم الله: هذا جار ومجرور متعلق بمحذوف الأصح أنه يقدر فعلاً مؤخراً خاصاً، فعلاً: لأن الأصل في العمل للأفعال، ولأن الشرع جاء بذلك مصرحاً به: (( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ))[العلق:1] اقرأ باسم، باسم: جار ومجرود متعلق بقوله: اقرأ، وجاء في النص: حديث { باسمك ربي وضعت جنبي } وضعت.. باسمك: هذا جار ومجرور متعلق بقوله: وضعت، وهو فعل، فدل على أن الأصل في متعلق البسملة أن يكون فعلاً، خاصاً: لأنه أدل على المقام؛ لأن من بسمل لشيء لا بد وأنه يضمر في نفسه ما جعل البسملة مبدأً له، هذا أولى من أن يقدر فعلاً عاماً أو اسماً عاماً؛ لأنه إذا قال: بسم الله أؤلف.. بسم الله أشرب.. أنام.. آكل.. بسم الله إلى آخره نقول هذا: أدل على المراد من الفعل العام.
    أما: بسم الله أبدأ، أو ابتدائي، أبدأ ماذا ؟ هذا لفظ عام لا يفهم منه الحدث الخاص، حينئذٍ إذا أضمر في نفسه حدثاً خاصاً، نقول: قدر في نفسه ونوى في نفسه ما جعل البسملة مبدأً له، وهذا أصح من حيث المعنى.
    ثالثاً: مؤخراً لماذا ؟ لفائدتين:
    أولاً: الاهتمام باسم الله تعالى، ألا يتقدم عليه شيء، بسم الله أؤلف.. أنظم.
    والفائدة الثانية: إفادة القصر والحصر، والقصر والحصر إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عدى.
    باسم الله لا باسم غيره، أستعين: الباء هنا للاستعانة، أو للمصاحبة على وجه التبرك.
    باسم الله لا باسم غيره: مثل قوله: (( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ))[الفاتحة:5] إياك نعبد: نعبدك، هذا الأصل، فأريد الحصر والقصر فانفصل الضمير فقدم، فصار المعنى: لا نعبد إلا إياك، وإياك نستعين: لا نستعين إلا بك، فتقديم ما حقه التأخير يفيد القصر والحصر، وهو إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عدى.
    لهذه الأمور الثلاثة نقدره على الأصح فعل لا اسم.. مؤخر لا مقدم، خاص لا عام، لهذه العلل التي ذكرناها.
    وأما قوله تعالى: (( اقْرَأْ بِاسْمِ ))[العلق:1] هذا جاء مقدماً هنا، أليس كذلك ؟ نحن نحتج بالآية على أن المتعلق يكون فعلاً، وهنا جاء مقدماً في الآية.
    نقول: هنا المراد الاهتمام بالقراءة لأن لها شأن يختص به المقام، فإذا قدم المعمول أو المتعلق.. إذا قدم المتعلق لفائدة ترجى من التقديم لا بأس، وأما الأصل فالتأخير،
    وَقَدْ يُفيدُ فِي الجَمِيعِ ٱلاِهتِمَامْ
    تَقديرُ مَا عُلِّقَ بِاسْمِ اللهِ بِهْ
    تَقدِيمُهُ فِي سُورِةِ ٱقْرأْ فَهُنَا
    بِهِ وَمِنْ ثَمَّ الصَّوابُ فِي المقَامْ
    مُؤَخَّراً فَإِنْ يَرِدْ بِسَبَبِهْ
    كَان القِراءةُ ٱلأَهمَّ ٱلمُعْتَنَى

    إذاً: لما كانت القراءة هي أهم وهو المراد من إرسال الوحي، أنزال جبريل عليه السلام للنبي  حينئذٍ بدأ بالفعل، باسم: عرفنا أنه جار ومجرود متعلق بمحذوف، وهذا المحذوف فعل، وهو مؤخر وخاص.
    بِاسْمِ: اسم هذا له معنىً لغوي، وله معنىً اصطلاحي، والمعنى الاصطلاحي سيأتينا، والمراد به من حيث اللغة: ما دل على مسماه، كل ما دل على مسمى فهو اسم، فيشمل الأفعال الاصطلاحية والحروف الاصطلاحية عند النحاة، فلذلك قوله عز وجل: (( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ ))[البقرة:31] الأسماء ليست هذه الأسماء الاصطلاحية، وإنما الأسماء اللغوية، الشاملة للأفعال الاصطلاحية والحروف الاصطلاحية، فقام وجاء وضرب ويضرب واضرب، هذه كلها أسماء لأنها دلت على مسماها، كذلك: إلى ومن وثم وهل وبل، هذه كلها أسماء، وإنما باعتبار خاص عند النحاة جعلت مقابلة للأسماء وقسيماً لها.
    إذاً، باسم: نقول: الاسم هنا المراد به ما دل على مسماه، وهو مضاف، ولفظ الجلالة مضاف إليه، وهو مشتق على الصحيح، وأصله: الإله، الإله فِعال بمعنى: مفعول، ولذلك نقول: آلله.. لا إله إلا الله: لا إله: لا معبود بحق إلا الله، فنفسر الإله بمعنى: معبود.
    إله: هو أصل لفظ الجلالة: الله، هو أصله ولذلك نقول: هو مشتق، لماذا هو مشتق؟ لأنه دل على صفة، وأسماء الله عز وجل كلها دالة على صفات، ولذلك قال سبحانه: (( وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ))[الأعراف:180] أي: البالغة في الحسن غايتها، بهذه الآية نرد على من قال بأن الله جامد ولا يدل على صفة، نقول: هذا المعنى فاسد، أو هذا القول باطل، لماذا ؟ لأن الله تعالى عمَّ فقال: (( وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ))[الأعراف:180] الأسماء: جمع دخلت عليه أل، يفيد العموم، إذاً: الله علم أم لا؟ نقول: علم، إذاً: دخل أو لا؟ دخل، يصدق عليه أن له الغاية في إثبات المعنى.. معنى الكمال له: (( وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ))[الأعراف:180] أي: التي بلغت في الحسن غايتها.
    وهذا إنما مرده إلى اللفظ أو إلى المعنى؟ إلى المعنى لا شك، أما اللفظ في نفسه فلا يوصف بذلك، وإنما الذي يوصف هو المعنى، فقول من يقول بأنه جامد، يدل على ذات فحسب، نقول: هذا قول فاسد.
    وقوله سبحانه: (( وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ ))[الأنعام:3] في السماوات: جار ومجرور متعلق بقوله: الله، ولا يتعلق الجار والمجرور إلا بمشتق أو ما فيه رائحة الاشتقاق، يعني: بفعل أو ما فيه رائحة الفعل.
    وهذه الآية يفسرها قوله تعالى: (( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ ))[الزخرف:84] فدل على أن الله المراد به الإله، حذفت الهمزة تخفيفاً، ثم اجتمع عندنا مثلان: اللام الساكنة الأولى، والثانية متحركة فوجب الإدغام فقيل: الله، ثم فخم بعد الضم وبعد الفتح تفخيماً:
    وفخِّمِ اللاَّمَ منِ اسمِ اللهِ
    عَن فتحٍ ٱو ضَمٍّ كَعبدُ اللهِ

    وبعد الكسر ترقق هذا مذهب الجمهور، أن ثم تفصيلاً، فقيل: ترقق مطلقاً، وقيل: تفخم مطلقاً، والصواب: التفصيل: أن اللام هذه تفخم بعد الضم وبعد الفتح، وأما بعد الكسر فترقق، قال ابن الجزري:
    وفخم اللام من اسم الله عن فتح عن.. بمعنى: بعد، عن فتح أو ضم كعبد الله.
    إذاً: أصل الله: الإله، معناه كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين.
    حاصل أن الذي ينبغي أن يعلم: أن لفظ الجلالة: الله، علم مشتق على الصحيح، بل ابن القيم رحمه الله تعالى أنكر صحة نسبة قول بالجمود لسيبويه، قال: بل سيبويه يرى أنه مشتق، وأن أصحابه أو بعضهم قد غلطوا عليه.
    الله: أي المعبود.
    الرحمن الرحيم.. باسم: قلنا: اسم هذا مضاف ولفظ الله الجلالة مضاف إليه، وهنا الإضافة من إضافة الاسم إلى المسمى، حينئذٍ تكون بيانية، فتفيد العموم، باسم: باسم الله، أي: بكل اسم هو لله عز وجل، فحينئذٍ فيه نوع تعلق قلب بالله عز وجل، وهو أن الباء هذه للاستعانة، أو المصاحبة على وجه التبرك، حينئذٍ إذا استحضر في قلبه أنه مستعين بكل اسم هو لله عز وجل زاده يقيناً وتعلقاً بربه.
    الرحمن الرحيم: اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة، إلا أن الرحمن أكثر مبالغةً من الرحيم؛ لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، رحمن: على خمسة أحرف، ورحيم: على أربعة أحرف، وزيادة المبنى حروف مادة جوهر الكلمة تدل على زيادة المعنى غالباً، احترازاً من حذرٍ وحاذر.
    الرحمن الرحيم، الرحمن: من جهة المعنى عام، ومن جهة اللفظ والإطلاق خاص، والرحيم: من جهة اللفظ عام، ومن جهة المعنى خاص، فبينهما عموم وخصوص.
    الرحمن: عام المعنى، من حيث إن الرحمة تشمل الكافر والمؤمن، بل حتى البهائم، ومن حيث اللفظ لا يجوز إطلاقه إلا على الله عز وجل، فهو خاص بالرب جل وعلا، والرحيم: هذا من حيث المعنى خاص بالمؤمنين: (( وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً ))[الأحزاب:43] قدم ما حقه التأخير فأفاد القصر والحصر، أي: بالمؤمنين لا بغيرهم، فدل على أن رحيم: لا يتعلق برحمة الكافرين، بخلاف الرحمن.
    أما من حيث اللفظ فهذا عام، قل: جاء زيد الرحيم، جاء: فعل ماضي، وزيد: فاعل، والرحيم: نعت، إذاً: وصف به المخلوق، فليس خاصاً من حيث اللفظ، فالاشتراك في اللفظ لا في المعنى، الاشتراك في اللفظ، هذا يتعلق بقاعدة الأسماء والصفات: أن اللفظ إذا كان مطابقاً للفظ أطلق على الرب جلا وعلا حينئذٍ الاشتراك في القدر المشترك من حيث الجنس، وأما من حيث اللفظ فاللفظ هو هو، وأما من حيث المعنى، حينئذٍ إذا أطلق دون إضافة إلى الرب جل وعلا أو إضافة إلى المخلوق حينئذٍ اشتركا في الجنس، أو القدر المشترك، ثم إذا أضيف إلى الرب انفصل المعنى، وإذا أضيف إلى المخلوق انفصل المعنى، كما قرره ابن تيمية في التدمُرية.
    إذاً: بسم الله الرحمن الرحيم، باسم الله الرحمن: رحمن من حيث السنة المتبعة، تجر: رحمنِ، على أنه نعت للفظ الجلالة، وأعربه بعضهم: بدل، بناءً على أن الرحمن هل هو علم أو كالعلم؟ مسألة خلافية عند النحاة، جاء استعمال الرحمن مستقلاً أضيفت إليه الأوصاف، فقال: (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ))[طه:5] إذاً: هذا صار علماً، (( الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ ))[الرحمن: 4 - 2 ] صار علماً.
    ثم جاء بلفظ الرحمن في ظاهره صفةً لغيره: بسم اللهِ الرحمنِ، هل هو علم؟ فحينئذٍ لا يجوز أن ينعت به، سيأتي معنا في القاعدة: أن من المعارف ما ما تنعت.. هي تنعت، لكن لا ينعت بها، كالعلم، فالعلم تقول: جاء زيد الكريم، زيد: علم فاعل، الكريم: نعته، إذاً: نعت، لكن هل يصح أن تقول: جاء الكريم زيد، وتجعل زيد نعتاً للكريم؟ لا، لا يجوز هذا عند النحاة، حينئذٍ إذا كان علماً كيف نقول هنا: الله: مضاف إليه، والرحمن: هذا نعتٌ وهو علمٌ؟ فحينئذٍ أشكل على بعضهم فقالوا: إذاً هو ليس بعلم، بل هو كالعلم؛ لأنه وقع نعتاً لغيره.
    والصحيح أن يقال: إن أعلام الرب جل وعلا أعلام وأوصاف، جمعت بين أمرين، بخلاف أعلام المخلوقين، فإذا قيل: صالح، لا يلزم منه أن يكون اللفظ دالاً على مسماه، وأن يكون المسمى الذي هو الشخص ذاته متصفاً بمعنى الصلاح، هذا ليس في حق البشر إلا النبي صلى الله عليه وسلم مختلف فيه، هل أعلامه مشتقة دالة على معان اتصفت بها الذات أم لا؟ أما الرب جل وعلا فهذا محل وفاق عند أهل السنة، أن أعلام الرب جلا وعلا: أعلام وأوصاف، فمن حيث هي أعلام حينئذٍ نقول: لا ينعت بها، ومن حيث هي أوصاف صح النعت بها، فإذا وقعت نعتاً كما في الجزء الذي معنا: باسم الله ِالرحمنِ، هذه نعت، كيف صح أن يقع الرحمن نعت وهو علم لله عز وجل؟ والقاعدة: أن الأعلام لا ينعت بها؟
    نقول: لم ينعت به من حيث إنه علم، وإنما نعت به من حيث إنه وصف، والشيء إذا كان له اعتباران يجوز إعمال أحد الاعتبارين دون نظرٍ للآخر، الشيء إذا كان له عدة اعتبارات اعتباران فأكثر حينئذٍ يجوز أن يراعى أحد هذه الاعتبارات بغض النظر أو قطع النظر عن الاعتبار الآخر.
    فالرحمن هنا: إذا أورد بأنه علم فكيف نعت به؟ نقول: لا ينعت بالأعلام مطلقاً في أعلام المخلوقين؛ لأنها لا تتضمن أوصافاً، وأما أعلام الرب جل وعلا فهي أعلام وأوصاف، فمن حيث إنه علم لا ينعت به، ومن حيث إنه وصف يصح النعت به وهنا كذلك، فالرحمن هنا: نعت، بعضهم يعربه: بدل، ولا يصح عنده أن يعربه نعتاً بناًء على هذا الخلاف، فليس الرحمن عنده علم، وإنما هو بدل، يعربه: بدل.
    نقول: هذا ليس بصواب، فلا تعارض بين العلمية والوصفية في حق الله عز وجل.
    لا تعارض بين العلمية والوصفية في حق الرب جلا وعلا .
    الرحيم: هذا نعت بعد نعت، يعني: جُرَّ الرحمن وجُرَّ الرحيم، وهذه سنة متبعة، ويجوز فيه تسعة أوجه قل ما شئت إلا حالتين:
    إذا رفعت أو نصبت الأول الرحمن حينئذٍ لا يجوز لك جر الرحيم:
    إن ينصب الرحمن أو يرتفعا
    فالجر في الرحيم قطعاً مُنعا

    الرحمنُ.. الرحمنَ، الرحيمُ.. الرحيمَ يجوز، إن رفعته فهو خبر لمبتدأ محذوف، وإن نصبته فهو مفعول به لفعل محذوف تقديره: أمدح، وهذا واجب الحذف كما سيأتي في باب النعت.
    إذاً: بسم الله الرحمنِ الرحيمِ.. بسم الله الرحمنُ الرحيمُ.. بسم الله الرحمنَ الرحيمَ.. بسم الله الرحمنِ الرحيمُ.. بسم الله الرحمنِ الرحيمَ.. يجوز، لكن وجهان لا يجوز، وهو: ما هو ؟ إذا رفع الرحمن أو نصب حينئذٍ لا يصح جر الرحيم:
    إن ينصب الرحمن أو يرتفعا
    فالجر في الرحيم قطعاً مُنعا

    لأنه إذا قطع عن التبعية لما قبله لا يصح الرجعة بعدها، أنت قطعت فكيف ترجع؟ إذا قلت: بسم الله الرحمنُ: خبر المبتدأ المحذوف، ثم تقول: الرحيمِ على أنه نعت للفظ الجلالة، قالوا: هذا فيه نكارة؛ فلذلك منعوه، ولعدم السماع هذا الأصل.. الأصل فيه الاحتجاج في اللغة السماع وعدمه، فما سمع على جهة الطرد والعموم حينئذٍ صح أن يجعل قاعدة، وما سمع مخالفاً لهذه القواعد المطردة حينئذٍ يحكم عليه بأنه شاذ عند البصريين، ويجعل جوازاً عند الكوفيين، وما لم يسمع حينئذٍ يرد أو ترد مسألة: هل تثبت اللغة بالقياس أو لا؟ فمنهم من منع ومنهم من جوز.

    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    شرح ابن عقيل للشيخ أحمد بن عمر الحازمي Empty رد: شرح ابن عقيل للشيخ أحمد بن عمر الحازمي

    مُساهمة من طرف أحمد الأربعاء يناير 23, 2013 11:15 pm

    العلامة أبو عبدِالله جمال الدين بن عبد الله بن مالك، رحمه الله تعالى.
    هُوَ ابْنُ مَالِكِ، هو: هذا ضمير فصل للمفرد مبني على الضم في محل رفع مبتدأ، وابن: هذا خبره، وهو مضاف، ومالك مضاف إليه.
    هل ابن نعت في الأصل لمحمد ثم قطعه، أم أنها جملة معترضة ابتداءً؟ قال محمد هو ابن مالك، هذا محل خلاف بين الشراح، هل قوله: هو ابن مالك: جملة معترضة ابتداءً أم أن الأصل: قال محمد ابن مالك، ثم قطعه؟ لأن الإتباع كما ذكرناه في البسملة: بسم الله الرحمن: هذا إتباع، أليس كذلك؟ إتباع نعت له، والنعت يأخذ حكم المنعوت.
    بِسْمِ اللهِ الرَّحمنُ.. قطعناه، لم يصر نعتاً لما قبله، فحينئذٍ نقول: الرحمنُ، هذا خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هو الرحمن، هذه الجملة ليست متصلة بما قبلها من حيث الإعراب في الظاهر، حينئذٍ نقول: قطع النعت، فإذا قيل: أتبع النعت بمعنى: أنه حكم عليه بحكم المنعوت جره أو نصبه أو رفعه، وإذا قطعه حينئذٍ نقول: فصله، هل قوله: ابن، في الأصل نعتاً لمحمد ثم فصله؟ هذا محل النزاع؛ لأنه إذا قيل بأنه نعت له ثم قطعه يرد إشكال، وهو أنه لا يجوز القطع إلا إذا كان المنعوت معلوماً دون النعت حقيقةً أو ادعاءً كما سيأتي معنا.
    يعني: إذا قال: قال محمد بن مالك، يجوز القطع بشرط: إذا أطلق محمد يعرف المراد منه، من هو المراد، من هو محمد؟ إذا عرف حقيقةً أو ادعاءً حينئذٍ نقول: يجوز القطع، وإذا لم يكن كذلك، لم يعرف محمد مبهم، هذا اسم مشترك، قد يدل على الناظم وقد يدل على غيره فهو مشترك، إذا لم يفهم منه الاسم الدال على مسماه حينئذٍ لا يجوز القطع.
    ثم يبقى إشكال آخر: إذا قيل بأنه قطع، قوله: هو ابن مالك، هل القطع هنا من أجل المدح أو الذم أو البيان والإيضاح؟ من حيث المعنى: هل المراد بالقطع هنا المدح أو الذم أو البيان؟ إن كان المدح أو الذم وجب حذف العامل في النعت الذي قطعه، ابنُ: يجب حذف العامل فيه وهو: هو، وهو قد ذكره هنا، هذا محل إشكال.
    أجيب بأن الوجوب إنما يكون إذا كان الفعل أَمدَحُ أو أَذُمُّ، وأما إذا كان مبتدئاً فحينئذٍ صار المعنى للإيضاح فقط، وإذا كان كذلك جاز ذكره وجاز حذفه، وهنا قد ذكره، أجيب بهذا عن هذا الاعتراض، وقد يسلم وقد لا يسلم.
    وأما القول بأنه يعلم محمد من المراد به بعد قطع النعت، فهذا محل إشكال، ولذلك الأولى أن نقول: هو ابن مالك: جملة معترضة، لا محل لها من الإعراب، ولا نقول أنه نعت مقطوع عما قبله؛ لأنه إذا كان نعتاً مقطوعاً عما قبله حينئذٍ لا بد أن يكون المنعوت معلوماً حقيقةً أو ادعاءً ، وإذا قيل: قال محمد، من محمد هذا؟ لو تركه هكذا ما عرفنا من الناظم، إذاً: لم يعلم إذا قطع النعت، وهذا محل إشكال ولا جواب عنه، إلا ما أجاب به الصبان: بأنه معلوم ادعاءً، وهذا فيه نوع تكلف.
    وأما الثاني: وهو أنه إذا قطع النعت وجب حذف عامله، وهنا قطع ابن كان مرفوعاً على أنه نعت لمحمد، ثم رفع على أنه خبر للمبتدأ، والرفع ليس هو عين الرفع، الضمة هذه ليست هي عين الضمة التي تكون في قولنا: قال محمد بن مالك.. الضمة هذه أحدثها… ما الذي أحدثها ما هو العامل؟ قال على الصحيح وليست التبعية، كما سيأتي.
    إذاً: قَالَ محمدٌ ابنُ.. هذه الضمة أحدثها قال، إذا فصلته وقطعته، قلت: قال محمدٌ هو ابنُ.. ابنُ الضمة هذه أحدثها: هو، الذي هو المبتدأ، قالوا: وجب حذف العامل مطلقاً سواء كان للمدح أو للذم أو للإيضاح، وهذا قول مو…...
    وقيل: بل يجب الحذف إذا كان العامل مدحاً أو ذماً، وإذا لم يكن كذلك جاز ذكره وجاز حذفه، والذي معنا من باب الإيضاح لا من باب المدح والذم.
    قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ مَالِكِ: هو ابن مالك: ابن هذا خبر لمبتدأ.. لقوله هو وهو مضاف، ومالك: مضاف إليه، وهذه جملة معترضة على الصحيح، ولا نقول: نعتاً مقطوعاً أو مفصولاً، بل هي جملة معترضة بين قال ومقوله، لا محل لها من الإعراب.
    وفائدة الاعتراض بها كما قال الصبان: تمييز المصنف عن غيره ممن شاركه في اسمه، فليست من قطع النعت؛ لأن القطع إنما يجوز إذا تعين المنعوت بدونه.. بدون النعت، إذا حذفته عرف المراد.
    قَال محُمَّدٌ: ليس عندنا إلا محمد واحد، حينئذٍ علم أو لا؟ علم، قال محمد وهو ناظم، وعندنا محمد آخر وهو الجاهل، إذا قال: قال محمد علم أو لا؟ علم، لكن إذا كان ثمَ كثر من أهل العلم من اسمه محمد، وكلهم ينظمون، وكلهم من أهل العربية، حينئذٍ قال: قال محمد، لا يعرف.
    إذاً: ليست هذه الجملة؛ لأنها وقع فيها نزاع كبير.. ليست هذه الجملة من قطع النعت؛ لأن القطع إنما يجوز إذا تعين المنعوت بدونه.. بدون النعت، ولوجوب حذف المبتدأ في القطع بالرفع على قول، وإذا سلم أنها من قطع النعت، نقول: يكفي في جوازه تعين المنعوت ادعاءً كما هنا، هذا إجابة الصبان وفيها نوع ضعف.
    وأما وجوب حذف عامل النعت المقطوع فمحله إذا كان النعت لمدح أو ذم أو ترحم، وأما إذا كان للبيان والإيضاح كما هو معنا فلا يجب حذف العامل، وهذا قد يكون له وجه كبير، وأما الأول ففيه نوع تكلف.


    قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ مَالِكِ ، ماذا قال؟ أحمد الله ربي خير.. إذاً: قال: هذه تنصب جملةً أو مفرداً في معنى الجملة، قال: أحمد ربي.. قال: وما تصرف منه، قال: يقول يقول قولاً والقول وقائل ومقول، هذه تنصب جملةً، يعني: مبتدأ وخبر بمحل نصب، وفعل وفاعل أو نائبه في محل نصب، وقد يورد لفظ واحد مفرد، لكن معناه: جملة أو جمل.
    قلت قصيدةً: قصيدة: هذا مفعول به لقال، لماذا نقول: قصيدًة مفرد، ونحن نقول: القول وما تصرف منه لا ينصب إلا جملةً؟ نقول: هذا في معنى الجملة؛ لأن القصيدة مسماها ليست كلمة واحدة.. قلت شعراً.. قلت كلمةً، على المعنى اللغوي، حينئذٍ نقول: هذه الألفاظ مفردة من حيث اللفظ، ولكن من حيث المعنى معناها: جمل أو جملة.
    أَحْمَدُ رَبِّي: هذه الجملة نقول: مقول لقال، فهي في محل نصب.
    أحمدُ: هذا فعل مضارع مرفوع ورفعه ضمه ظاهرة في آخره، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنا، أي: المتكلم.
    أَحْمَدُ رَبِّي، رب: هذا مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، وهي مناسبة الياء، رب: مضاف، والياء: ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف إليه.
    اجتمع في هذه الجملة: أحمد ربي الله.. أحمد ربي: اجتمع فيها أنواع الإعراب الثلاثة، 1- الظاهر في أحمد 2- ورب تقديري 3- والياء المحلي.
    اجتمع فيها ثلاثة أمثلة: أحمد ربي.. أحمد: هذا إعراب ظاهر؛ لأنه تلفظ به، وربي: نقول: هذا منصوب ونصبه فتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة.
    إذاً: المانع هو الحرف الأخير.. المانع منه هو الحرف الأخير وليس جوهر الكلمة، بدليل أنك تقول: أحمد رباً، هنا نصب أو لا؟ إذا قطع عن الإضافة رجع إلى أصله، والياء، نقول: ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف إليه، هذه الكسرة المقدرة هنا منع من ظهورها جوهر الكلمة، وليس الحرف الأخير.
    إذاً: اجتمع في هذه الجملة ثلاث أنواع للإعراب: الظاهر والتقديري والمحلي، الظاهر: واضح كاسمه ظاهر، والتقديري: يكون محل ظهور الإعراب هو المانع الذي الحرف الأخير، مثل: الفتى والقاضي، وكذلك المضاف إلى ياء المتكلم.
    وأما المبني: فاللفظ كله الجوهر غير قابل للإعراب:
    إذا قالت حذامي فصدقوها
    أَحْمَدُ رَبِّي اللهَ خَيْرَ مَالِكِ ، أحمد: أي: أثني عليه الثناء الجميل اللائق بجلال عظمته وجزيل نعمته، التي هذا النظم من آثارها تعظيماً له وشكراً له سبحانه وتعالى لبعض ما يجب علينا له.
    أحمد ربي، الحمد عند أهل اللغة وغيرهم له معنيان: معنىً لغوي، ومعنىً اصطلاحي:
    أما المعنى اللغوي: فهو الثناء بالجميل على الجميل الاختياري على جهة التبجيل والتعظيم، سواء كان في مقابلة نعمة أم لا.
    وفي الاصطلاح عندهم، الحمد: فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعماً على الحامد أو غيره، وهذا التعريف فيه نظر؛ لأنهم قيدوا الحمد في مقابلة الإنعام فحسب، فيحمد الله تعالى على هذا التعريف في مقابلة إحسانه، فالصفات المتعدية التي لها تعلق وارتباط بالخلق يحمد عليها، وأما الصفات الذاتية كالحياة والكبرياء فهذه لكونها غير متعدية بالخلق هذه لا يحمد عليها، ولذلك قالوا: فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعماً! فإن لم يكن منعماً كاتصافه باستوائه على عرشه لا يحمد على هذه الصفة؛ لأن هذه الصفة غير متعدية للخلق، وهذا ضعيف.
    ولذلك ابن تيمية رحمه الله تعالى يقول: الحمد: هو ذكر محاسن المحمود مع حبه وتعظيمه وإجلاله، محاسن: هذا يشمل الصفات الذاتية اللازمة والصفات الفعلية، سواء كانت متعلقة بالخلق على جهة الإكرام والجود والإحسان، أم لم تكن كذلك، وهذا عام وهو أولى بالترجيح.
    أَحْمَدُ رَبِّي اللهَ: هنا نطق بالجملة الفعلية، وهل هي مراداً من حيث المعنى أم لا؟ نقول: فرق بين الجملة الاسمية والجملة الفعلية المضارعية، والجملة الماضوية من حيث الدلالة على التجدد والاستمرار، فالجملة الفعلية المضارعية تدل على الاستمرار التجددي، بمعنى: أن هذا الشيء الذي علق بالفعل المضارع مطلوب استمراره وحصوله ووجوده مرة بعد أخرى، ولذلك اختار المصنف هنا رحمه الله هذه الجملة: أحمد ربي، لماذا؟ لأن الرب بمعنى: المربي، وإذا كان مربياً فآلاؤه ونعماؤه لا تزال تتجدد وقتاً بعد وقت، فناسب هذه الآلاء أن يأتي بصيغة تدل على التجدد والحصول مرة بعد أخرى.
    وأما الماضوية فهذه لا تدل على هذا المعنى.. لا تدل على الاستمرار أصلاً، ولا تدل على التجدد بمعنى: حصول الشيء مرةً بعد أخرى، وإنما تدل على التجدد بمعنى: الحصول بعد العدم، قام زيد: لم يكن قام ثم قام أليس كذلك؟ لكن هل هذا القيام مستمر وقت بعد وقت وحال بعد حال؟ الجواب: لا.

    الجملة الاسمية تدل على الاستمرار، لكن لا تدل على التجدد الذي هو بمعنى حصول الشيء مرةً بعد أخرى، وكلا المعنيين ثابت بغلبة الاستعمال على الصحيح عند النحاة، ولذلك جاء حديث: { إن الحمد لله نحمده } لو كان اللفظ الثاني: نحمده، بمعنى: قوله إن الحمد لكان حشواً، وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يكون في كلامه ما هو حشو، لكن نصرف الجملة الأولى: إن الحمد، يعني: هذا الحمد مستمر، ولذلك علق بلفظ الجلالة الجامع للمعاني والصفات العليا.
    إن الحمد لله نحمده.. نعلق هذا الوصف أو الحمد بماذا؟ بآلائه ونعمائه؛ لأنها قابلة للتجدد.
    أَحْمَدُ رَبِّي اللهَ خَيْرَ مَالِكِ: ربي الله، الله ما إعرابه؟ نقول: هذا بدل أو عطف بيان، وكل ما جاز إعرابه بدلاً جاز إعرابه عطف بيان إلا ما استثني كما سيأتي.
    خير مالك: خير أيضاً نصب على أنه بدل، قيل: إنه بدل، لكنه ضعيف؛ لأن البدل في المشتق قليل جداً، بل حكى ابن هشام رحمه الله تعالى امتناعه، أنه يمتنع أن يعرب المشتق بدلاً؛ لأن خير هذا: أفعل التفضيل، أصله: أخير.. أفعل، كأكرم وأعلم، لكن لكثرة الاستعمال حذفت هذه الهمزة التي هي همزة أفعل:
    وغالباً أغناهم خير وشر
    عن قولهم أخير منه وأشر

    فالأصل: أخير وأشر، أليس كذلك؟ هذا هو الأصل، أفعل التفضيل، وحذفت الهمزة.. همزة أفعل التفضيل هنا في هاتين الكلمتين لكثرة الاستعمال.
    أحمد ربي الله خير مالك، خير مالك: ربي: المراد به المربي، فهو حينئذٍ يكون مشتقاً، وخير مالك: خير: بمعنى أفضل؛ لأن الخيرية هنا ثابتة من حيث الذات ومن حيث الوصف، فهو خير مالك جل وعلا.
    ابْنُ مَالِكِ: مالك الأول: هذا علم، ومالك الثاني: وصف، فإذا كتب مالك الذي هو العلم بالألف: مالك، حينئذٍ وقع الجناس التام اللفظي الخطي، وإن لم تكتب حينئذٍ وقع الجناس التام اللفظي لا الخطي.. إذا كتبت الألف في الأول فبين اللفظين جناس تام لفظي؛ لأنه ينطق به، مالك مالك، سواء كتبت الألف أم لا، فهذا جناس تام لفظي.
    وإذا كتبت الألف في الأول الذي هو العلم، حينئذٍ نقول: هذا جناس تام لفظي خطي، وإذا لم تكتب فهو جناس تام لفظي لا خطي.
    مُصَلِّياً عَلَى النَّبيِّ الْمُصْطفَى
    وآلِهِ المُسْتكْمِلِينَ الشَّرَفَا

    مُصَلِّياً: هذا حال من فاعل أحمد، والأصل في الحال أنها مقارنة، وإذا كان كذلك حينئذٍ يلزم أن يحمدَ ويصلي في وقت واحد بآلة واحدة وهذا متعذر، يعني يقول: الحمد لله وصلى الله وسلم على نبينا محمد في وقت واحد، في ثواني واحدة يمكن أو لا؟ لا يمكن، لا يمكن أن يكون مصلياً حال مقارنة لفاعل أحمد، لماذا؟ لأنه إذا قال: أحمد ربي، يعني: سيحمد بلسانه، فمورد الحمد هو اللسان، والصلاة موردها اللسان، إذاً: اتفقا في مورد واحد في وقت واحد، وهذا متعذر، ولذلك أولت إلى أنها حال مقدرة.
    والحال المقدرة: هي التي يتأخر مضمونها عن مضمون عاملها، وقيل: بل مقارنة على الأصل، ومقارنة كل شيء بحسبه، فمقارنة لفظ للفظ وقوعه عقبه، رجعنا إلى الأصل وهو أنها حال مقارنة، هذا الأصل في الحال: أنها مقارنة، مقارنة للفاعل والعامل من حيث الفعل ومن حيث الوقت، هذا هو الأصل فيها، لكن هل مقارنة كل شيء لشيء لا بد وأن تكون معه في الوقت والآلات نفسها؟ الجواب: لا.
    ولذلك في الفاء التي تفيد التعقيب هناك: تزوج زيد فولد له، فتدل على التعقيب، بمعنى: أنه تزوج فولد مباشرة، كتب الكتاب ولد العشاء له ولد، كذلك الفاء تدل على التعقيب، تعقيب الشيء بمعنى: وقوعه عقبه مباشرة هذا الأصل، لكن نقول: مقارنة كل شيء لشيء بحسبه، ووقوع الشيء بعد الشيء أيضاً بحسبه، فإذا تزوج فولد له لا بد أن يكون بين الزواج وبين الولادة ما يكون به الحمل والوطء، الوطء و الحمل، ثم بعد ذلك تحصل الولادة، وأما مباشرةً فلا.
    إذاً: التعقيب هنا تعقيب كل شيء بحسبه، كذلك المقارنة هنا في الحال مقارنة كل شيء بحسبه، فحينئذٍ مقارنة لفظ للفظ وقوعه عقبه، إذاً: مُصَلِّياً ، نقول: هذا حال من فاعل أحمد، وهي حال مقارنة على الأصل فإن امتنع حمله على مقارنة بحسب كل شيء بحسبه نقول: نؤولها إلى أنها حال مقدرة، وإذا كانت كذلك فهي التي يتأخر مضمونها عن مضمون عاملها.
    مُصَلِّياً: ما المراد بالصلاة هنا؟ أي: طالباً من الله صلاته، والصلاة عند الجمهور بمعنى: الرحمة، صلاة الله تعالى على الخلق العباد بمعنى: رحمتهم، وصلاة الملائكة بمعنى: الاستغفار، وصلاة الآدميين بمعنى: الدعاء، هذا المشهور عند الجمهور، ولكن ابن القيم رحمه الله تعالى يأبى ذلك فيفسر الصلاة بمعنى: الثناء، صلاة الله تعالى على عبده: ثناؤه عليه في الملأ الأعلى.
    مُصَلِّياً: هذا مفرد، والصلاة إما تكون جملةً إنشائية من حيث المعنى، خبرية من حيث اللفظ، وهذا المفرد لا يمكن أن يوصف بكونه خبرياً أو إنشائياً؛ لأن الوصف بالخبر والإنشاء إنما يكون للكلام، الذي هو المركب من مسند ومسند إليه، وهنا مصلياً: هذا مفرد، لكننا نقول: هو مفرد في قوة الجملة.
    مُصَلِّياً: أي طالباً من الله صلاته، أي: رحمته، أو ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى.
    عَلَى النَّبيِّ: جار ومجرور متعلق بقوله: مصلياً، وهذه رواية المشارق على النبي، ورواية المغارب: على الرسول كما هو موجود في بعض النسخ، على النبي: النبي: هو إنسان أوحي إليه بشرع، ولم يؤمر بتبليغه على المشهور عند الجمهور، فإن أمر به، يعني: بالتبليغ، فهو رسول، فكل رسول نبي ولا عكس، وقيل: النبي من أرسل إلى قوم موافقين، وإن كان بإيحاء كتاب جديد، والرسول: من أرسل إلى قوم مخالفين، يعني: محاربين مضادين منكرين لدعوته،

    و النَّبيِّ: مشتق من النبوة أو من النبه، كلاهما معنيان صحيحان.
    عَلَى النَّبيِّ يعني: إذا قيل بأنه مشتق من النبأ، والنبأ: قيل مرادف للخبر، وقيل: بأنه الخبر العظيم، والثاني مردود بقوله تعالى: (( عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ))[النبأ: 1 - 2] فوصفه، فلو كان دالاً عليه لما صح الوصف، وإذا كان من النبأ فحينئذٍ النبي فعيل، نبييءُ وقعت الهمزة متطرفة، فقلبت ياًء ثم أدغمت الياء في الياء، فالأصل: فعيل.. نبيئٌ، نبيئٌ: نبيئ : هذا إما أن يأتي بمعنى اسم الفاعل وإما أن يأتي بمعنى اسم المفعول، فإما أن يكون مُنبِئاً أو مُنَبَئاً وكلاهما ثابتان في حق النبي صلى الله عليه وسلم، فهو مُخبِرٌ عن الله عز وجل للخلق، وهو مُخبَرٌ عن لله عز وجل بواسطة جبريل عليه السلام.
    وإما أن يكون مأخوذاً من النبوة، وهي: الرفعة، وأيضاً هذا المعنى صحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوع الرتبة لكونه سيد البشر، وبإحياء الرب جل وعلا إليه، يعني: بإنزال الوحي، فإذا كان كذلك حينئذٍ فعيل من النبوة، إما أن يكون بمعنى فاعل وإما أن يكون بمعنى مفعول، فإذا كان بمعنى: فاعل فهو رافع رتبة من اتبعه، وإذا كان بمعنى مفعول فهو مرفوع الرتبة لكونه منبأ عن الرب جل وعلا.
    المصطفى أي: المختار، وأصل الطاء هنا منقلبة عن تاء، المصطفى، أصلها: مستفى، وقعت التاء بعد الطاء وبعد من أحرف الإطباق فوجب قلبها طاء، كما هو الشأن في المصطلح.
    إذاً: مصلياً على النبي المصطفى: مصطفى مفتعل من الصفوة وهو: الخلوص من الكدر، قلبت تاؤه طاءً لمجاورة الصاد؛ لأنها من حروف الإطباق الأربعة: الصاد والضاد والطاء والظاء، فإذا وقعت التاء بعد أحدها وجب قلبها طاءً كما هو مقرر في فن الصرف.
    ولامه مبدلة عن واو، مصطفَوٌ هذا الأصل.. مصطفَوٌ تحركت الواو وفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً.
    مُصَلِّياً عَلَى النَّبيِّ الْمُصْطفَى: هنا صلى ولم يسلم، بناًء على القول الراجح أنه لا يكره إفراد أحدهما عن الآخر، بل يجوز أن يصلي في مجلس ثم يسلم في مجلس آخر ولو طالت المدة، وأما قوله: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ))[الأحزاب:56] فهذا لا يدل على وجوب القران بينهما، أو ندبية القران بينهما، بل الامتثال يحصل بما إذا جمع بينهما في وقت واحد، وبما إذا فرق بينهما، ودلالة الاقتران عند جماهير الأصوليين تعتبر ضعيفة، والصواب عدم كراهة إفراد الصلاة عن السلام، ولا السلام عن الصلاة، فلا يرد اعتراضاً على المصنفين بأنه صلى ولم يسلم، أو سلم ولم يصل، نقول: الصواب أنه لا يكره، نعم تمام الامتثال يحصل بالجمع بينهما ولو افترقا في المجلس؛ لأن قوله: صلوا وسلموا، نقول: هذا فيه عطف، والعطف يقتضي أن يجمع بينهما، هذا الأصل؛ لأنها لمطلق الجمع، ثم لمطلق الجمع لا يدل على أنها في مجلس واحد، بل هو يشمل ما كان في مجلس واحد وما كان في مجلسين ولو طالت المدة.
    فزيد من الناس إذا صلى في مجلس وسلم في مجلس آخر نقول: هذا امتثل قوله تعالى: (( صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ))[الأحزاب:56].
    مُصَلِّياً عَلَى النَّبيِّ الْمُصْطفَى: والمراد هنا المختار من الناس، كما قال صلى الله عليه وسلم: { إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم } فهو مختار عليه الصلاة والسلام.
    وآلِهِ: يعني: وعلى آله، مصلياً على النبي: هذا حق النبي صلى الله عليه وسلم، وآله، أي: مصلياً على آله، امتثالاً لقوله عليه الصلاة والسلام: { قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد } إذاً: هذا مأمور به نصاً، بخلاف الصحب هذا من باب القياس، وأما الصلاة على الآل فهذا يعتبر امتثالاً للنص، لكن لا على جهة الاستقلال، وإنما على جهة التبعية.
    وآله، يعني: وعلى آله، آله: أصل آل: أهل أو أول، هذا مختلف فيه بين سيبويه و الكسائي، فسيبويه يرى أن آل أصله: أهل، قلبت الهاء همزةً، ثم قلبت الهمزة ألفاً، قيل: آل، بدليل تصغيره على أهيل، هذا مذهب سيبويه، ومذهب الكسائي: أن آل أصله: أول، تحركت الواو وانفتح ما قبلها وقلبت ألفاً، أول كجمل، تحركت الواو وفتح ما قبلها فقلبت ألفاً، وعلى كلٍ هذا أو ذاك فكل منهما له شاهد في لسان العرب.
    وآلِهِ: المراد بالآل: أقاربه المؤمنين من بني هاشم والمطلب، هكذا قيل وهكذا يفسر في كثير من هذه المواضع، والصواب أنه في مقام الدعاء يعمم، فيقال: وآله، أي: أتباعه على دينه، وخاصةً إذا لم يذكر الصحب، وهنا لم يذكر الصحب، يعني: الصحابة، والأصل اقترانهم بالآل.
    مُصَلِّياً: على النبي عليه الصلاة والسلام، وعلى آله وصحبه، ولكن ذكر الصحبِ إما أن يكون نصاً وإما أن يكون ضمناً، فإذا كان نصاً فلا إشكال فيه، فيكون من باب عطف الخاص على العام، إذا أريد بالآل أتباعه على دينه، وإذا أريد بهم أقاربه من بني هاشم والمطلب حينئذٍ صار من عطف الخاص على الخاص، وأما إذا لم يذكر الصحب حينئذٍ يعمم الآل فيقال: المراد به أتباعه على دينه، فمن اتبع النبي صلى الله عليه وسلم فهو داخل فيه.
    ويطلق الآل مراد به الأتباع: (( أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ ))[غافر:46] ليس المراد أقاربه، وإنما المراد أتباعه، فدل على أن الآل يطلق ويراد به الأتباع، قالوا: ولا يضاف إلا إلى ذي شرف بخلاف أهل، أما آل فرعون فإن له شرفاً باعتبار الدنيا، والصحيح جواز إضافته للضمير، وجاء في الحديث: { اللهم صلي على محمد وآله } إذاً: أضافه إلى الضمير، وهذا هو الصواب أنه يجوز إضافته إلى الضمير.
    وآلِهِ المُسْتكْمِلِينَ الشَّرَفَا: مستكملين: هذا جمع لمستكمل، ومستكمل هذا اسم فاعل، استكمل يستكمل فهو مستكمل، السين والتاء إذا قيل: مستكمل أومستكملين السين والتاء لهما احتمالان:
    1- إما أن يكونا للطلب.
    2- وإما أن يكونا زائدين.
    فإذا كانا كذلك حينئذٍ يفسر إذا كان المراد به الطلب، أي: الطالبين للكمال، وإذا كانت زائدة حينئذٍ، أي: الكاملين، والكمال يكون في.... إذاً: السين والتاء للطلب أو زائدتان، وعلى كل فالمُسْتكْمِلِينَ الشَّرَفَا: إما مفرد إذا كان بفتح الشين فهو مفرد، فالمعنى على زيادتهما: الكاملين في الشرف، إذا كانت زائدة، لأنه ليس فيهِ ثمة طلب فالسين تكون زائدة، فالمعنى على زيادتهما: الكاملين في الشرف، وعلى أنهما للطلب، أي: الطالبين كمال الشرف، فالسين لها تأثير من جهة المعنى.
    وإما أن يكون الشرفا ليس بفتح الشين وإنما بضم الشين، فيكون جمعاً: شُرفاء بالهمز ولكن قصره لضرورة النظم، مثلما يقال: ظريف وظرفاء، وكريم وكرماء، وشريف وشرفاء، حينئذٍ بالضم يكون جمعاً، فمفعول المستكملين محذوف، أي: الكاملين كل المجد أو الطالبين كمال المجد، إذاً: إذا كان بالفتح فالشرفا يكون مفعولاً للمستكملين وهذا هو أصح مرجح عند أرباب الشروح، أن يكون الشرفا بالفتح فتح الشين، وهو مفرد وهو مفعول به للمستكملين والألف هذه تكون للإطلاق، وأما الشرفاء فحينئذٍ لا بد من تقدير مفعول به للمستكملين، ويكون الشرفاء هذا نعت لآله.
    وآله: هذا منعوت، المستكملين: هذا نعت أول، الشرفاء: هذا نعت ثاٍن، الشرفاء بالكسر على الأصل؛ لأنه دخلت عليه أل فردته إلى أصله:
    وَجُرَّ بِالْفَتْحَةِ مَالا يَنْصَرِفْ
    مَالَمْ يُضَفْ أَوْيَكُ بَعْدَ ألْ رَدِفْ

    وإذا كان المستكملين الشرفاء، جعلنا الشرفاء هذا نعتاً لآل، والمفعول به للمستكملين محذوف تقديره: المستكملين كل المجد، المستكملين باتباعه الشرف، المراد بالشرف: العلو والألف للإطلاق.
    ثم قال:
    وَأَسْتعِينُ اللهَ فِي ألْفِيَّهْ
    مَقَاصِدُ النَّحْوِ بِهَا مَحْوِيَّهْ

    أَسْتعِينُ: السين هذه للطلب، يعني: أطلب العون عون الله تعالى
    والعون أو طلب العون المراد به: المعاونة والمظاهرة، بأن يعينه الله عز وجل، وأن يسدده، وأن يمكنه، وأن يزيل العوائق والعلائق عن إتمام هذا النظم.
    وَأَسْتعِينُ اللهَ فِي ألْفِيَّهْ: أستعين في ألفية، استعان وما تصرف منها في لسان العرب يتعدى بعلى: (( وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ))[يوسف:18] .. (( وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ))[الفرقان:4] أو بالباء: (( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ))[البقرة:45] بالصبر، أليس كذلك؟ تعدى بماذا؟ بالباء، هنا تعدى بفي.. فالظاهر أن في بمعنى: على، حينئذٍ صار الحرف نائباً مناب حرفٍ آخر، وهذا مذهب مجوز عند بعضهم، فالظاهر أن: في، بمعنى: على، فإن الاستعانة وما تصرف منها إنما جاءت متعدية بعلى أو بفي، وهذا مذهب الكوفيين، فإنهم يضمنون الحرف لا يرون تضمين الفعل، بل يرون تضمين الحرف، فعندهم إما أن يقال: أستعين مضمن معنى فعل آخر، وإما أن نجعل في مضمناً معنى حرف آخر، إما هذا وإما هذا، أيهما أخف؟ عند الكوفيين تضمين الحرف أخف، ولذلك المذهب المرجح عندهم هو هذا، أنه يضمن الحرف.
    أو يجعل أستعين مضمناً معنى فعل يتعدى بفي، وهو أستخير الله في ألفية، إذاً: أستعين الله مستخيراً في ألفية، يعني: في نظم أرجوزة ألفية، فإما أن يضمن الحرف وإما أن يضمن الفعل، الأول مذهب الكوفيين، والثاني مذهب البصريين، وأستعين الله، أي: أطلب العون مستخيراً، ورد الثاني في هذا الموضع بأن الاستخارة إنما تكون للمتردد قبل الشروع في الفعل.
    والناظم هنا يقول: قال محمد هو ابن مالك، ثم يقول: وأستعين الله، هل أستخير، لا يتأتى هذا لا يتأتى أن يكون المراد هنا، أستعين مضمناً معنى أستخير، وإن كان مذهب البصريين هو تضمين الفعل، فهو أولى عندهم من تضمين الحرف؛ لأن التضمين أكثر فائدة، ولذلك هنا نقدره: أستعين مستخيراً، زاد معنى الاستخارة، والأولى أن يجعل: في، بمعنى: على، أستعين الله على ألفية.
    وَأَسْتعِينُ اللهَ فِي ألْفِيَّهْ: الاستعانة إنما تكون على الفعل، والألفية هذه ألفاظ، فهل يستعين الله تعالى على نفس الألفاظ، أم يستعين الله على فعل يفعله هو بنفسه؟ لا شك أنه الثاني، ولذلك قدر الشراح: وأستعين الله في نظم قصيدة أو أرجوزة على قولين، وأستعين الله في نظم أرجوزة فنقدر نظم؛ لأن الأفعال إنما تكون على الفعل، وأرجوزة: للإشارة إلى موصوف الألفية قبل العلمية، وإلى أنها كلها من الرجز، ولا نقدر قصيدة؛ لأن القصيدة ما بني على حرف واحد بخلاف الأرجوزة فإنها من بحر الرجز:
    مستفعلٌ مستفعلٌ مستفعلٌ ... هذا الشطر الأول.
    مستفعلٌ مستفعلٌ مستفعلٌ ... هذا الشطر الثاني.
    وَأَسْتعِينُ اللهَ فِي ألْفِيَّهْ: أي: في نظم أرجوزة ألفية، أي: عدة أبياتها ألفٌ، بناءً على أنها من قبيل الرجز الكامل، والرجز الكامل: أن يكون كل بيت فيه ستة تفعيلات، مستفعلٌ مستفعلٌ مستفعلٌ هذا شطر، والشطر الآخر: مستفعلٌ مستفعلٌ مستفعلٌ، هذا كله بيت واحد، لذا قيل بأنه من كامل الرجز.
    وألفية يحتمل ماذا؟ أنها ألفان، والنون حذفت للإضافة أو النسبة، بناءً على أنها من مشطور الرجز، فحينئذٍ إذا كان من مشطور.. الشطر: النصف، مشطور الرجز فيحسب كل ثلاثة تفعيلات أنها بيت كامل.
    قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ مَالِكِ
    أَحْمَدُ رَبِّي اللهَ خَيْرَ مَالِكِ

    هذا يحتمل أنه بيت، ويحتمل أنه بيتان، إذا جعلته من كامل الرجز حينئذٍ هو بيت واحد؛ لأنه اشتمل الشطر الأول على ثلاث تفعيلات والثاني صار مكملاً له على ثلاث تفعيلات فهذه ست.
    ويحتمل أن الأول: قال محمد هو ابن مالك، بيت كامل بناءً على أن مشطور الرجز يتألف من ثلاث تفعيلات، أحمد ربي الله خير مالك: هذا يعتبر بيتاً مستقلاً، حينئذٍ إذا حفظتها قل: حفظت ألفين، وقبل الحفظ قل: أحفظ ألفاً حتى تخفف عن نفسك، وأما بعد الحفظ فقل ما شئت، يعني: توسع في العبارة. نقف على هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 14, 2024 9:21 pm