الدرس الأول
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَه إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.
مستعدون أو... المشوار طويل؟ ولا نريد نركض حتى لا نتعب، لا يفهم البعض أن الدورة معناها بسرعة بسرعة لا! الدرس كما هو إن شاء الله، لكن هو زيادة وقت وإطالة بحسب ما يسمح به الوقت، ما دام ثلاثة أوقات فما يحتاج إلى شرح يشرح كما هو، وما هو قابل للاختصار يختصر، وما فيه شحذ للأذهان حينئذٍ يذكر على جهة الفائدة، وهذه الأذهان فأمر معقول قريب من الذهن، وأما الأمور البعيدة والشذوذات والتكلفات هذه الأصل البعد عنها، سواء كان في النحو أو في غيرها، لكن ثمة أمور وخاصة بعلل النحو لها مردها في فهم العربية، وما أتقنها طالب هي التي ما يتعلق بالنحو وما يتعلق بالصرف إلا ويتأكد ويترجح، ويكاد أن يجزم بأن اللغة توقيفية على أصح قولي أو أقوال أهل العلم الأصوليين وأهل اللغة:
توقيفٌ اللغاتُ عند الأكثرِ
ومنهم ابن فورك والأشعري
توقيف اللغات: اللغات توقيفية، كلها توقيفية سواء كانت العربية أو الإنجليزية أو الفرنسية، أو غيرها كلها توقيف، بمعنى: أن الله عز وجل علمها آدم عليه السلام: (( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا )) [البقرة:31] .
واللغة الرب لها قد وضعها
هذه العلل تفيد ماذا؟ تفيد التأكيد على هذا القول، وهذا حق، من مارس علل النحو والصرف ونظر في ما تكلم به أهل البيان يجد أن هذه اللغة محكمة، لها أول ولها آخر ولها ظاهر ولها باطن، ولها أصول مطردة، هذه الأصول المطردة بعضها قد ينكشف بشاذ لا يكاد يذكر ولا ينطق في لسان العرب.
لكن يقولون: الأصول المهجورة هذه تكشف الأصول المطردة، قاعدة عن الصرفيين: الأصول المهجورة الشاذة:
فإنه أهْلٌ لأنْ يُؤَكْرَمَا
يكرم هذا الأصل، لما قال الشاعر:
فإنه أهْلٌ لأنْ يُؤَكْرَمَا.
لأن أصله: أكرم، هذا الأصل، فعل ماضي، فتدخل عليه ياء وهمزة ونون وتاء فاعل، حرف المضارعة، فالأصل: أأكرم: ( أُو أَ ) الهمزة الأولى همزة مضارع.. المتكلم، أأكرم هذا الأصل، كما تقول: ضرب.. أضرب أضرب يدخل على الثلاثي، أكرم رباعي.. فالأصل: أأكرم، لكن نحن نقول: أكرم ونكرم ويكرم.
هذا الحكم مطرد أو لا ؟ مطرد في كل رباعي مفتتح بهمزة الاستفهام، تحذف هذه الهمزة من باب التخفيف؛ لئلا يجتمع عندنا مثلان أأكرم، هذا فيه ثقل، ثم حذفت مع الياء والتاء والنون طرداً للباب، هذا نقول:
فإنه أهْلٌ لأنْ يُؤَكْرَمَا: أصل مهجور، هو الأصل، أليس كذلك؟ لكنه مهجور، كشف لنا أصلاً مطرداً وهو: يُكرمُ، ونُكرِمُ، وتُكرمُ، وأُكرم.
هذا يدل على أن اللغة محكمة، ينطق الله عز وجل بعض أرباب اللسان الفصيح العربي بكلمة تكشف للنحاة والصرفيين كثير من الأصول عندهم، ولذلك يفرحون بمثل هذه الشذوذات؛ لأنها تفسر لهم بعض الأحكام المطردة عندهم.
فأقول: ما سنجري عليه إن شاء الله تعالى لا يفهم أنه دورة، نمشي عقارب الساعة تطاردنا هيا هيا؟! لا، رويداً رويداً، سنمشي قليلاً قليلاً، ومن حيث الشرح.. فك العبارات، والنظر في كلام الناظم رحمه الله تعالى، وكما ذكرنا ما يحتاج إلى إعراب أعربناه، وما لا يحتاج تركناه إحالة عليك أنت.. أنت الذي تقرأ، وأنت الذي تفهم، وأنت الذي تحفظ، وأنت الذي تراجع لست أنا، أنا حفظت وذاكرت وبقي ما بقي، وضاع ما ضاع، والله المستعان.
لكن أنت الذي الآن تؤصل نفسك فتذاكر وتحفظ وتعرب لا بد من الإعراب، ولذلك لو حاول بعضكم أن يجعل ولو بالمذاكرة أن يجعل تمرين الطلاب للأزهري.. خالد الأزهري محلاً للمذاكرة والمدارسة، أظنه ما يخرج من هذه الألفية إلا وقد أتقن أصول النحو كلها عن بكرة أبيها.
وأكاد أجزم ومن يتحدى فليفعل، يجلس مع صاحبه فيفتح الكتاب ثم يعرب كلمةً كلمة، وجرى خالد الأزهري في تمرين الطلاب على أنه قد يذكر بعض الفوائد، وهذه مفيدة جداً، يعني: الإعراب قد يكون محيي الدين يعرب، لكنه قد لا يؤصلك، بمعنى: أنه لا يذكر قاعدة إلا على جهة اليسير جداً، يذكر أن هذا مخالف لأصل كذا، وأن هذا لو أعرب بدل.. البدل من بدل ممنوع عند الجماهير من النحاة، هذا قليل.
لكن الأزهري يكثر من هذه التعليلات، إذاً: كما ذكرت أنه لا بد من تشمير الليلة ونستعين الله عز وجل ونطلبه العون، وأن يبارك بالوقت، وفي الفهم والحفظ، فالكتاب طويل والوقت قصير، ولا نقول: عقارب الساعة تطاردنا!
طيب:
بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
قال الناظم المصنف الإمام محمد بن مالك رحمه الله تعالى.. جمال الدين بن عبد الله بن مالك الطائي نسباً، الشافعي مذهباً، الجيّاني منشئاً، الأندلسي إقليماً، الدمشقي داراً ووفاًة، قال رحمه الله تعالى:
بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ:
قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ مَالِكِ
مُصَلِّياً عَلَى النَّبيِّ الْمُصْطفَى
وَأَسْتعِينُ اللهَ فِي ألْفِيَّهْ
تُقَرِّبُ الأقْصى بِلَفْظٍ مُوجَزِ
وَتَقْتَضي رِضاً بِغَيرِ سُخْطِ
وَهْوَ بِسَبْقٍ حَائِزٌ تَفْضِيلاَ
واللهُ يَقْضِي بِهِبَاتٍ وَافِرَهْ
أَحْمَدُ رَبِّي اللهَ خَيْرَ مَالِكِ
وآلِهِ المُسْتكْمِلِينَ الشَّرَفَا
مَقَاصِدُ النَّحْوِ بِهَا مَحْوِيَّهْ
وَتَبْسُطُ الْبَذْلَ بِوَعْدٍ مُنْجَزِ
فَائِقَةً ألْفِيَّةَ ابْنِ مُعْطِي
مُسْتَوْجِبٌ ثَنَائِيَ الْجَمِيلا
لِي وَلَهُ في دَرَجَاتِ الآخِرَهْ
قال رحمه الله تعالى:
بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ:
بدأ نظمه بالبسملة، وهذه.. أو ذكر البسملة في الشعر إذا كان علماً ومشتملاً على الآداب الشرعية متفق على حله وإباحته، فهو جائز بالإجماع، وهذا لا نزاع فيه بين أهل العلم، وإنما وقع النزاع فيما إذا كان الشعر محرماً أو مكروهاً أو مباحاً.
والصحيح: أنه إذا كان محرماً أو مكروهاً فحكمه حكم الشعر، بمعنى: أنه يكره مع المكروه ويحرم مع المحرم.
وأما المباح فالأصل الإباحة، حينئذٍ نقول: المسألة فيها تفصيل: هل يجوز أن يفتتح الشعر بالبسملة؟ نقول: ما كان من العلم والآداب الشرعية فهو متفق على حله وإباحته، وأما ما ورد عن الشعبي من المنع والزهري، حيث قال رحمه الله: مضت السنة ألا يكتب أمام الشعر بسم الله الرحمن الرحيم، هذا محمول على الشعر الذي يكون محرماً أو مكروهاً أو فيه نوع غزل ونحو ذلك.
فأما هذه المنظومات فهذه جرى أهل العلم على أنها مما يندب أن تفتتح بالبسملة، ولكن الأولى ألا تجعل نظماً.. ألا تدخل في النظم، كما قال الشاطبي:
بدأت ببسم الله في النظم أولاً..
قالوا: هذا خلاف الأولى، وبعضهم صرح بأنه مكروه، وأما جعلها مستقلًة تكتب في وسط السطر فهذا أمر مندوب فيما إذا كان من العلوم الشرعية.
بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ
الكلام في البسملة يطول ذكره، وقد مضى معنا كثير من ذلك، الأحكام المتعلقة بها، وأهم ما يذكر: أنه افتتح بالبسملة أو افتتح نظمه بالبسملة اقتداًء بالكتاب العزيز، حيث بدأ الله تعالى القرآن كتاب بقوله: (( بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )) إلى آخر السورة [الفاتحة: 1 - 2] .
وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فأقول: فعل النبي، ولا أقول: السنة قولية لضعفها، وأما حديث: { كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر ـ أو قال ـ: أجذم } أو نحو ذلك، نقول: هذا الحديث لا تثبت به الحجة، فهو ضعيف، والضعيف لا يحتج به لا في الأحكام ولا في فضائل الأعمال.
والحجة فيه: السنة الفعلية، حيث كان النبي يكتب إلى عماله، أو يكتب إلى الملوك والرسائل، ونحو ذلك بالبسملة، فجاء في صحيح البخاري: { بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ، من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم } فدل على أن هذا من الأمور المستحبة فعلها، إذا كتب كتاباً أو درس أو علم أو تكلم بكلام مهم يلتفت إليه أن يأتي بالبسملة:
بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ.
والبسملة هذا اللفظ، هكذا: البسملةُ، هذا مصدر مولد، مصدرٌ مولد أو نقول: من قبيل.. ليس مصدراً مولداً، بل هو مصدر قياسي، مصدر قياسي لبسمل يبسمل بسملة، بسملة: هذا مصدر قياسي؛ لأن فعلل يأتي في اللغة مصدره قياساً على: فعللة.. دحرج يدحرج دحرجةً، دحرج: هذا فعل ماضي، يدحرج: هذا المضارع، دحرجةً: هذا القياس.
بسمل يبسملُ بسملًة، نقول: بسملةً: هذا مصدر قياسي، مصدر قياسي للفعل الماضي الرباعي: بسمل.
ويرد السؤال في: بسمل هذا منحوت، بمعنى: أنه اختصر من كلمات، كما يقال: حولق.. حوقل، هذا اختصار لـ: لا حول ولا قوة إلا بالله، وهلل.. هيلل، لـ: لا إله إلا الله، وسمعل: السلام عليكم، نقول: هذا كله يعتبر من النحت.
وهذا النحت على قسمين في لسان العرب، منه ما هو قياسي، ومنه ما هو سماعي، وهل: بسمل هذا، من السماعي أو القياس؟ فيه خلاف والصواب أنه من السماعي، يعني: مسموع وليس بمولد، كا: الفذلكة، والبلكفة، والكذلكة، هذه كلها من قبيل النحت، لكنها مولدة، يعني: مصنوعة صنعها المتأخرون، لم ينطق بها من يحتج بلسانه.
وأما: بسمل، الصواب أنه سمع..
لقد بَسْملَتْ ليلَى غَداةَ لَقِيتُها
فيا حَبَّذا ذَاك الحديثُ المُبَسْمَلُ
لقد بسملت ليلى، هكذا قال ابن أبي ربيعة، فدل على أنه قياسي وليس بسماعي.
وبسمل: من حيث الإفراد.. مفرداتها، ومن حيث المعاني، قلنا: ذكرنا شيئاً مما سبق، لكن نقول: بسم الله: هذا جار ومجرور متعلق بمحذوف الأصح أنه يقدر فعلاً مؤخراً خاصاً، فعلاً: لأن الأصل في العمل للأفعال، ولأن الشرع جاء بذلك مصرحاً به: (( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ))[العلق:1] اقرأ باسم، باسم: جار ومجرود متعلق بقوله: اقرأ، وجاء في النص: حديث { باسمك ربي وضعت جنبي } وضعت.. باسمك: هذا جار ومجرور متعلق بقوله: وضعت، وهو فعل، فدل على أن الأصل في متعلق البسملة أن يكون فعلاً، خاصاً: لأنه أدل على المقام؛ لأن من بسمل لشيء لا بد وأنه يضمر في نفسه ما جعل البسملة مبدأً له، هذا أولى من أن يقدر فعلاً عاماً أو اسماً عاماً؛ لأنه إذا قال: بسم الله أؤلف.. بسم الله أشرب.. أنام.. آكل.. بسم الله إلى آخره نقول هذا: أدل على المراد من الفعل العام.
أما: بسم الله أبدأ، أو ابتدائي، أبدأ ماذا ؟ هذا لفظ عام لا يفهم منه الحدث الخاص، حينئذٍ إذا أضمر في نفسه حدثاً خاصاً، نقول: قدر في نفسه ونوى في نفسه ما جعل البسملة مبدأً له، وهذا أصح من حيث المعنى.
ثالثاً: مؤخراً لماذا ؟ لفائدتين:
أولاً: الاهتمام باسم الله تعالى، ألا يتقدم عليه شيء، بسم الله أؤلف.. أنظم.
والفائدة الثانية: إفادة القصر والحصر، والقصر والحصر إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عدى.
باسم الله لا باسم غيره، أستعين: الباء هنا للاستعانة، أو للمصاحبة على وجه التبرك.
باسم الله لا باسم غيره: مثل قوله: (( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ))[الفاتحة:5] إياك نعبد: نعبدك، هذا الأصل، فأريد الحصر والقصر فانفصل الضمير فقدم، فصار المعنى: لا نعبد إلا إياك، وإياك نستعين: لا نستعين إلا بك، فتقديم ما حقه التأخير يفيد القصر والحصر، وهو إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عدى.
لهذه الأمور الثلاثة نقدره على الأصح فعل لا اسم.. مؤخر لا مقدم، خاص لا عام، لهذه العلل التي ذكرناها.
وأما قوله تعالى: (( اقْرَأْ بِاسْمِ ))[العلق:1] هذا جاء مقدماً هنا، أليس كذلك ؟ نحن نحتج بالآية على أن المتعلق يكون فعلاً، وهنا جاء مقدماً في الآية.
نقول: هنا المراد الاهتمام بالقراءة لأن لها شأن يختص به المقام، فإذا قدم المعمول أو المتعلق.. إذا قدم المتعلق لفائدة ترجى من التقديم لا بأس، وأما الأصل فالتأخير،
وَقَدْ يُفيدُ فِي الجَمِيعِ ٱلاِهتِمَامْ
تَقديرُ مَا عُلِّقَ بِاسْمِ اللهِ بِهْ
تَقدِيمُهُ فِي سُورِةِ ٱقْرأْ فَهُنَا
بِهِ وَمِنْ ثَمَّ الصَّوابُ فِي المقَامْ
مُؤَخَّراً فَإِنْ يَرِدْ بِسَبَبِهْ
كَان القِراءةُ ٱلأَهمَّ ٱلمُعْتَنَى
إذاً: لما كانت القراءة هي أهم وهو المراد من إرسال الوحي، أنزال جبريل عليه السلام للنبي حينئذٍ بدأ بالفعل، باسم: عرفنا أنه جار ومجرود متعلق بمحذوف، وهذا المحذوف فعل، وهو مؤخر وخاص.
بِاسْمِ: اسم هذا له معنىً لغوي، وله معنىً اصطلاحي، والمعنى الاصطلاحي سيأتينا، والمراد به من حيث اللغة: ما دل على مسماه، كل ما دل على مسمى فهو اسم، فيشمل الأفعال الاصطلاحية والحروف الاصطلاحية عند النحاة، فلذلك قوله عز وجل: (( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ ))[البقرة:31] الأسماء ليست هذه الأسماء الاصطلاحية، وإنما الأسماء اللغوية، الشاملة للأفعال الاصطلاحية والحروف الاصطلاحية، فقام وجاء وضرب ويضرب واضرب، هذه كلها أسماء لأنها دلت على مسماها، كذلك: إلى ومن وثم وهل وبل، هذه كلها أسماء، وإنما باعتبار خاص عند النحاة جعلت مقابلة للأسماء وقسيماً لها.
إذاً، باسم: نقول: الاسم هنا المراد به ما دل على مسماه، وهو مضاف، ولفظ الجلالة مضاف إليه، وهو مشتق على الصحيح، وأصله: الإله، الإله فِعال بمعنى: مفعول، ولذلك نقول: آلله.. لا إله إلا الله: لا إله: لا معبود بحق إلا الله، فنفسر الإله بمعنى: معبود.
إله: هو أصل لفظ الجلالة: الله، هو أصله ولذلك نقول: هو مشتق، لماذا هو مشتق؟ لأنه دل على صفة، وأسماء الله عز وجل كلها دالة على صفات، ولذلك قال سبحانه: (( وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ))[الأعراف:180] أي: البالغة في الحسن غايتها، بهذه الآية نرد على من قال بأن الله جامد ولا يدل على صفة، نقول: هذا المعنى فاسد، أو هذا القول باطل، لماذا ؟ لأن الله تعالى عمَّ فقال: (( وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ))[الأعراف:180] الأسماء: جمع دخلت عليه أل، يفيد العموم، إذاً: الله علم أم لا؟ نقول: علم، إذاً: دخل أو لا؟ دخل، يصدق عليه أن له الغاية في إثبات المعنى.. معنى الكمال له: (( وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ))[الأعراف:180] أي: التي بلغت في الحسن غايتها.
وهذا إنما مرده إلى اللفظ أو إلى المعنى؟ إلى المعنى لا شك، أما اللفظ في نفسه فلا يوصف بذلك، وإنما الذي يوصف هو المعنى، فقول من يقول بأنه جامد، يدل على ذات فحسب، نقول: هذا قول فاسد.
وقوله سبحانه: (( وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ ))[الأنعام:3] في السماوات: جار ومجرور متعلق بقوله: الله، ولا يتعلق الجار والمجرور إلا بمشتق أو ما فيه رائحة الاشتقاق، يعني: بفعل أو ما فيه رائحة الفعل.
وهذه الآية يفسرها قوله تعالى: (( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ ))[الزخرف:84] فدل على أن الله المراد به الإله، حذفت الهمزة تخفيفاً، ثم اجتمع عندنا مثلان: اللام الساكنة الأولى، والثانية متحركة فوجب الإدغام فقيل: الله، ثم فخم بعد الضم وبعد الفتح تفخيماً:
وفخِّمِ اللاَّمَ منِ اسمِ اللهِ
عَن فتحٍ ٱو ضَمٍّ كَعبدُ اللهِ
وبعد الكسر ترقق هذا مذهب الجمهور، أن ثم تفصيلاً، فقيل: ترقق مطلقاً، وقيل: تفخم مطلقاً، والصواب: التفصيل: أن اللام هذه تفخم بعد الضم وبعد الفتح، وأما بعد الكسر فترقق، قال ابن الجزري:
وفخم اللام من اسم الله عن فتح عن.. بمعنى: بعد، عن فتح أو ضم كعبد الله.
إذاً: أصل الله: الإله، معناه كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين.
حاصل أن الذي ينبغي أن يعلم: أن لفظ الجلالة: الله، علم مشتق على الصحيح، بل ابن القيم رحمه الله تعالى أنكر صحة نسبة قول بالجمود لسيبويه، قال: بل سيبويه يرى أنه مشتق، وأن أصحابه أو بعضهم قد غلطوا عليه.
الله: أي المعبود.
الرحمن الرحيم.. باسم: قلنا: اسم هذا مضاف ولفظ الله الجلالة مضاف إليه، وهنا الإضافة من إضافة الاسم إلى المسمى، حينئذٍ تكون بيانية، فتفيد العموم، باسم: باسم الله، أي: بكل اسم هو لله عز وجل، فحينئذٍ فيه نوع تعلق قلب بالله عز وجل، وهو أن الباء هذه للاستعانة، أو المصاحبة على وجه التبرك، حينئذٍ إذا استحضر في قلبه أنه مستعين بكل اسم هو لله عز وجل زاده يقيناً وتعلقاً بربه.
الرحمن الرحيم: اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة، إلا أن الرحمن أكثر مبالغةً من الرحيم؛ لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، رحمن: على خمسة أحرف، ورحيم: على أربعة أحرف، وزيادة المبنى حروف مادة جوهر الكلمة تدل على زيادة المعنى غالباً، احترازاً من حذرٍ وحاذر.
الرحمن الرحيم، الرحمن: من جهة المعنى عام، ومن جهة اللفظ والإطلاق خاص، والرحيم: من جهة اللفظ عام، ومن جهة المعنى خاص، فبينهما عموم وخصوص.
الرحمن: عام المعنى، من حيث إن الرحمة تشمل الكافر والمؤمن، بل حتى البهائم، ومن حيث اللفظ لا يجوز إطلاقه إلا على الله عز وجل، فهو خاص بالرب جل وعلا، والرحيم: هذا من حيث المعنى خاص بالمؤمنين: (( وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً ))[الأحزاب:43] قدم ما حقه التأخير فأفاد القصر والحصر، أي: بالمؤمنين لا بغيرهم، فدل على أن رحيم: لا يتعلق برحمة الكافرين، بخلاف الرحمن.
أما من حيث اللفظ فهذا عام، قل: جاء زيد الرحيم، جاء: فعل ماضي، وزيد: فاعل، والرحيم: نعت، إذاً: وصف به المخلوق، فليس خاصاً من حيث اللفظ، فالاشتراك في اللفظ لا في المعنى، الاشتراك في اللفظ، هذا يتعلق بقاعدة الأسماء والصفات: أن اللفظ إذا كان مطابقاً للفظ أطلق على الرب جلا وعلا حينئذٍ الاشتراك في القدر المشترك من حيث الجنس، وأما من حيث اللفظ فاللفظ هو هو، وأما من حيث المعنى، حينئذٍ إذا أطلق دون إضافة إلى الرب جل وعلا أو إضافة إلى المخلوق حينئذٍ اشتركا في الجنس، أو القدر المشترك، ثم إذا أضيف إلى الرب انفصل المعنى، وإذا أضيف إلى المخلوق انفصل المعنى، كما قرره ابن تيمية في التدمُرية.
إذاً: بسم الله الرحمن الرحيم، باسم الله الرحمن: رحمن من حيث السنة المتبعة، تجر: رحمنِ، على أنه نعت للفظ الجلالة، وأعربه بعضهم: بدل، بناءً على أن الرحمن هل هو علم أو كالعلم؟ مسألة خلافية عند النحاة، جاء استعمال الرحمن مستقلاً أضيفت إليه الأوصاف، فقال: (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ))[طه:5] إذاً: هذا صار علماً، (( الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ ))[الرحمن: 4 - 2 ] صار علماً.
ثم جاء بلفظ الرحمن في ظاهره صفةً لغيره: بسم اللهِ الرحمنِ، هل هو علم؟ فحينئذٍ لا يجوز أن ينعت به، سيأتي معنا في القاعدة: أن من المعارف ما ما تنعت.. هي تنعت، لكن لا ينعت بها، كالعلم، فالعلم تقول: جاء زيد الكريم، زيد: علم فاعل، الكريم: نعته، إذاً: نعت، لكن هل يصح أن تقول: جاء الكريم زيد، وتجعل زيد نعتاً للكريم؟ لا، لا يجوز هذا عند النحاة، حينئذٍ إذا كان علماً كيف نقول هنا: الله: مضاف إليه، والرحمن: هذا نعتٌ وهو علمٌ؟ فحينئذٍ أشكل على بعضهم فقالوا: إذاً هو ليس بعلم، بل هو كالعلم؛ لأنه وقع نعتاً لغيره.
والصحيح أن يقال: إن أعلام الرب جل وعلا أعلام وأوصاف، جمعت بين أمرين، بخلاف أعلام المخلوقين، فإذا قيل: صالح، لا يلزم منه أن يكون اللفظ دالاً على مسماه، وأن يكون المسمى الذي هو الشخص ذاته متصفاً بمعنى الصلاح، هذا ليس في حق البشر إلا النبي صلى الله عليه وسلم مختلف فيه، هل أعلامه مشتقة دالة على معان اتصفت بها الذات أم لا؟ أما الرب جل وعلا فهذا محل وفاق عند أهل السنة، أن أعلام الرب جلا وعلا: أعلام وأوصاف، فمن حيث هي أعلام حينئذٍ نقول: لا ينعت بها، ومن حيث هي أوصاف صح النعت بها، فإذا وقعت نعتاً كما في الجزء الذي معنا: باسم الله ِالرحمنِ، هذه نعت، كيف صح أن يقع الرحمن نعت وهو علم لله عز وجل؟ والقاعدة: أن الأعلام لا ينعت بها؟
نقول: لم ينعت به من حيث إنه علم، وإنما نعت به من حيث إنه وصف، والشيء إذا كان له اعتباران يجوز إعمال أحد الاعتبارين دون نظرٍ للآخر، الشيء إذا كان له عدة اعتبارات اعتباران فأكثر حينئذٍ يجوز أن يراعى أحد هذه الاعتبارات بغض النظر أو قطع النظر عن الاعتبار الآخر.
فالرحمن هنا: إذا أورد بأنه علم فكيف نعت به؟ نقول: لا ينعت بالأعلام مطلقاً في أعلام المخلوقين؛ لأنها لا تتضمن أوصافاً، وأما أعلام الرب جل وعلا فهي أعلام وأوصاف، فمن حيث إنه علم لا ينعت به، ومن حيث إنه وصف يصح النعت به وهنا كذلك، فالرحمن هنا: نعت، بعضهم يعربه: بدل، ولا يصح عنده أن يعربه نعتاً بناًء على هذا الخلاف، فليس الرحمن عنده علم، وإنما هو بدل، يعربه: بدل.
نقول: هذا ليس بصواب، فلا تعارض بين العلمية والوصفية في حق الله عز وجل.
لا تعارض بين العلمية والوصفية في حق الرب جلا وعلا .
الرحيم: هذا نعت بعد نعت، يعني: جُرَّ الرحمن وجُرَّ الرحيم، وهذه سنة متبعة، ويجوز فيه تسعة أوجه قل ما شئت إلا حالتين:
إذا رفعت أو نصبت الأول الرحمن حينئذٍ لا يجوز لك جر الرحيم:
إن ينصب الرحمن أو يرتفعا
فالجر في الرحيم قطعاً مُنعا
الرحمنُ.. الرحمنَ، الرحيمُ.. الرحيمَ يجوز، إن رفعته فهو خبر لمبتدأ محذوف، وإن نصبته فهو مفعول به لفعل محذوف تقديره: أمدح، وهذا واجب الحذف كما سيأتي في باب النعت.
إذاً: بسم الله الرحمنِ الرحيمِ.. بسم الله الرحمنُ الرحيمُ.. بسم الله الرحمنَ الرحيمَ.. بسم الله الرحمنِ الرحيمُ.. بسم الله الرحمنِ الرحيمَ.. يجوز، لكن وجهان لا يجوز، وهو: ما هو ؟ إذا رفع الرحمن أو نصب حينئذٍ لا يصح جر الرحيم:
إن ينصب الرحمن أو يرتفعا
فالجر في الرحيم قطعاً مُنعا
لأنه إذا قطع عن التبعية لما قبله لا يصح الرجعة بعدها، أنت قطعت فكيف ترجع؟ إذا قلت: بسم الله الرحمنُ: خبر المبتدأ المحذوف، ثم تقول: الرحيمِ على أنه نعت للفظ الجلالة، قالوا: هذا فيه نكارة؛ فلذلك منعوه، ولعدم السماع هذا الأصل.. الأصل فيه الاحتجاج في اللغة السماع وعدمه، فما سمع على جهة الطرد والعموم حينئذٍ صح أن يجعل قاعدة، وما سمع مخالفاً لهذه القواعد المطردة حينئذٍ يحكم عليه بأنه شاذ عند البصريين، ويجعل جوازاً عند الكوفيين، وما لم يسمع حينئذٍ يرد أو ترد مسألة: هل تثبت اللغة بالقياس أو لا؟ فمنهم من منع ومنهم من جوز.
بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحمَنِ ٱلرَّحِيمِ
شــرح ألفية ابن مالك
للعلامة اللغوي المحقق: أحمد بن عمر الحازمي
شــرح ألفية ابن مالك
للعلامة اللغوي المحقق: أحمد بن عمر الحازمي
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَه إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.
مستعدون أو... المشوار طويل؟ ولا نريد نركض حتى لا نتعب، لا يفهم البعض أن الدورة معناها بسرعة بسرعة لا! الدرس كما هو إن شاء الله، لكن هو زيادة وقت وإطالة بحسب ما يسمح به الوقت، ما دام ثلاثة أوقات فما يحتاج إلى شرح يشرح كما هو، وما هو قابل للاختصار يختصر، وما فيه شحذ للأذهان حينئذٍ يذكر على جهة الفائدة، وهذه الأذهان فأمر معقول قريب من الذهن، وأما الأمور البعيدة والشذوذات والتكلفات هذه الأصل البعد عنها، سواء كان في النحو أو في غيرها، لكن ثمة أمور وخاصة بعلل النحو لها مردها في فهم العربية، وما أتقنها طالب هي التي ما يتعلق بالنحو وما يتعلق بالصرف إلا ويتأكد ويترجح، ويكاد أن يجزم بأن اللغة توقيفية على أصح قولي أو أقوال أهل العلم الأصوليين وأهل اللغة:
توقيفٌ اللغاتُ عند الأكثرِ
ومنهم ابن فورك والأشعري
توقيف اللغات: اللغات توقيفية، كلها توقيفية سواء كانت العربية أو الإنجليزية أو الفرنسية، أو غيرها كلها توقيف، بمعنى: أن الله عز وجل علمها آدم عليه السلام: (( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا )) [البقرة:31] .
واللغة الرب لها قد وضعها
هذه العلل تفيد ماذا؟ تفيد التأكيد على هذا القول، وهذا حق، من مارس علل النحو والصرف ونظر في ما تكلم به أهل البيان يجد أن هذه اللغة محكمة، لها أول ولها آخر ولها ظاهر ولها باطن، ولها أصول مطردة، هذه الأصول المطردة بعضها قد ينكشف بشاذ لا يكاد يذكر ولا ينطق في لسان العرب.
لكن يقولون: الأصول المهجورة هذه تكشف الأصول المطردة، قاعدة عن الصرفيين: الأصول المهجورة الشاذة:
فإنه أهْلٌ لأنْ يُؤَكْرَمَا
يكرم هذا الأصل، لما قال الشاعر:
فإنه أهْلٌ لأنْ يُؤَكْرَمَا.
لأن أصله: أكرم، هذا الأصل، فعل ماضي، فتدخل عليه ياء وهمزة ونون وتاء فاعل، حرف المضارعة، فالأصل: أأكرم: ( أُو أَ ) الهمزة الأولى همزة مضارع.. المتكلم، أأكرم هذا الأصل، كما تقول: ضرب.. أضرب أضرب يدخل على الثلاثي، أكرم رباعي.. فالأصل: أأكرم، لكن نحن نقول: أكرم ونكرم ويكرم.
هذا الحكم مطرد أو لا ؟ مطرد في كل رباعي مفتتح بهمزة الاستفهام، تحذف هذه الهمزة من باب التخفيف؛ لئلا يجتمع عندنا مثلان أأكرم، هذا فيه ثقل، ثم حذفت مع الياء والتاء والنون طرداً للباب، هذا نقول:
فإنه أهْلٌ لأنْ يُؤَكْرَمَا: أصل مهجور، هو الأصل، أليس كذلك؟ لكنه مهجور، كشف لنا أصلاً مطرداً وهو: يُكرمُ، ونُكرِمُ، وتُكرمُ، وأُكرم.
هذا يدل على أن اللغة محكمة، ينطق الله عز وجل بعض أرباب اللسان الفصيح العربي بكلمة تكشف للنحاة والصرفيين كثير من الأصول عندهم، ولذلك يفرحون بمثل هذه الشذوذات؛ لأنها تفسر لهم بعض الأحكام المطردة عندهم.
فأقول: ما سنجري عليه إن شاء الله تعالى لا يفهم أنه دورة، نمشي عقارب الساعة تطاردنا هيا هيا؟! لا، رويداً رويداً، سنمشي قليلاً قليلاً، ومن حيث الشرح.. فك العبارات، والنظر في كلام الناظم رحمه الله تعالى، وكما ذكرنا ما يحتاج إلى إعراب أعربناه، وما لا يحتاج تركناه إحالة عليك أنت.. أنت الذي تقرأ، وأنت الذي تفهم، وأنت الذي تحفظ، وأنت الذي تراجع لست أنا، أنا حفظت وذاكرت وبقي ما بقي، وضاع ما ضاع، والله المستعان.
لكن أنت الذي الآن تؤصل نفسك فتذاكر وتحفظ وتعرب لا بد من الإعراب، ولذلك لو حاول بعضكم أن يجعل ولو بالمذاكرة أن يجعل تمرين الطلاب للأزهري.. خالد الأزهري محلاً للمذاكرة والمدارسة، أظنه ما يخرج من هذه الألفية إلا وقد أتقن أصول النحو كلها عن بكرة أبيها.
وأكاد أجزم ومن يتحدى فليفعل، يجلس مع صاحبه فيفتح الكتاب ثم يعرب كلمةً كلمة، وجرى خالد الأزهري في تمرين الطلاب على أنه قد يذكر بعض الفوائد، وهذه مفيدة جداً، يعني: الإعراب قد يكون محيي الدين يعرب، لكنه قد لا يؤصلك، بمعنى: أنه لا يذكر قاعدة إلا على جهة اليسير جداً، يذكر أن هذا مخالف لأصل كذا، وأن هذا لو أعرب بدل.. البدل من بدل ممنوع عند الجماهير من النحاة، هذا قليل.
لكن الأزهري يكثر من هذه التعليلات، إذاً: كما ذكرت أنه لا بد من تشمير الليلة ونستعين الله عز وجل ونطلبه العون، وأن يبارك بالوقت، وفي الفهم والحفظ، فالكتاب طويل والوقت قصير، ولا نقول: عقارب الساعة تطاردنا!
طيب:
بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
قال الناظم المصنف الإمام محمد بن مالك رحمه الله تعالى.. جمال الدين بن عبد الله بن مالك الطائي نسباً، الشافعي مذهباً، الجيّاني منشئاً، الأندلسي إقليماً، الدمشقي داراً ووفاًة، قال رحمه الله تعالى:
بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ:
قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ مَالِكِ
مُصَلِّياً عَلَى النَّبيِّ الْمُصْطفَى
وَأَسْتعِينُ اللهَ فِي ألْفِيَّهْ
تُقَرِّبُ الأقْصى بِلَفْظٍ مُوجَزِ
وَتَقْتَضي رِضاً بِغَيرِ سُخْطِ
وَهْوَ بِسَبْقٍ حَائِزٌ تَفْضِيلاَ
واللهُ يَقْضِي بِهِبَاتٍ وَافِرَهْ
أَحْمَدُ رَبِّي اللهَ خَيْرَ مَالِكِ
وآلِهِ المُسْتكْمِلِينَ الشَّرَفَا
مَقَاصِدُ النَّحْوِ بِهَا مَحْوِيَّهْ
وَتَبْسُطُ الْبَذْلَ بِوَعْدٍ مُنْجَزِ
فَائِقَةً ألْفِيَّةَ ابْنِ مُعْطِي
مُسْتَوْجِبٌ ثَنَائِيَ الْجَمِيلا
لِي وَلَهُ في دَرَجَاتِ الآخِرَهْ
قال رحمه الله تعالى:
بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ:
بدأ نظمه بالبسملة، وهذه.. أو ذكر البسملة في الشعر إذا كان علماً ومشتملاً على الآداب الشرعية متفق على حله وإباحته، فهو جائز بالإجماع، وهذا لا نزاع فيه بين أهل العلم، وإنما وقع النزاع فيما إذا كان الشعر محرماً أو مكروهاً أو مباحاً.
والصحيح: أنه إذا كان محرماً أو مكروهاً فحكمه حكم الشعر، بمعنى: أنه يكره مع المكروه ويحرم مع المحرم.
وأما المباح فالأصل الإباحة، حينئذٍ نقول: المسألة فيها تفصيل: هل يجوز أن يفتتح الشعر بالبسملة؟ نقول: ما كان من العلم والآداب الشرعية فهو متفق على حله وإباحته، وأما ما ورد عن الشعبي من المنع والزهري، حيث قال رحمه الله: مضت السنة ألا يكتب أمام الشعر بسم الله الرحمن الرحيم، هذا محمول على الشعر الذي يكون محرماً أو مكروهاً أو فيه نوع غزل ونحو ذلك.
فأما هذه المنظومات فهذه جرى أهل العلم على أنها مما يندب أن تفتتح بالبسملة، ولكن الأولى ألا تجعل نظماً.. ألا تدخل في النظم، كما قال الشاطبي:
بدأت ببسم الله في النظم أولاً..
قالوا: هذا خلاف الأولى، وبعضهم صرح بأنه مكروه، وأما جعلها مستقلًة تكتب في وسط السطر فهذا أمر مندوب فيما إذا كان من العلوم الشرعية.
بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ
الكلام في البسملة يطول ذكره، وقد مضى معنا كثير من ذلك، الأحكام المتعلقة بها، وأهم ما يذكر: أنه افتتح بالبسملة أو افتتح نظمه بالبسملة اقتداًء بالكتاب العزيز، حيث بدأ الله تعالى القرآن كتاب بقوله: (( بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )) إلى آخر السورة [الفاتحة: 1 - 2] .
وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فأقول: فعل النبي، ولا أقول: السنة قولية لضعفها، وأما حديث: { كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر ـ أو قال ـ: أجذم } أو نحو ذلك، نقول: هذا الحديث لا تثبت به الحجة، فهو ضعيف، والضعيف لا يحتج به لا في الأحكام ولا في فضائل الأعمال.
والحجة فيه: السنة الفعلية، حيث كان النبي يكتب إلى عماله، أو يكتب إلى الملوك والرسائل، ونحو ذلك بالبسملة، فجاء في صحيح البخاري: { بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ، من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم } فدل على أن هذا من الأمور المستحبة فعلها، إذا كتب كتاباً أو درس أو علم أو تكلم بكلام مهم يلتفت إليه أن يأتي بالبسملة:
بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ.
والبسملة هذا اللفظ، هكذا: البسملةُ، هذا مصدر مولد، مصدرٌ مولد أو نقول: من قبيل.. ليس مصدراً مولداً، بل هو مصدر قياسي، مصدر قياسي لبسمل يبسمل بسملة، بسملة: هذا مصدر قياسي؛ لأن فعلل يأتي في اللغة مصدره قياساً على: فعللة.. دحرج يدحرج دحرجةً، دحرج: هذا فعل ماضي، يدحرج: هذا المضارع، دحرجةً: هذا القياس.
بسمل يبسملُ بسملًة، نقول: بسملةً: هذا مصدر قياسي، مصدر قياسي للفعل الماضي الرباعي: بسمل.
ويرد السؤال في: بسمل هذا منحوت، بمعنى: أنه اختصر من كلمات، كما يقال: حولق.. حوقل، هذا اختصار لـ: لا حول ولا قوة إلا بالله، وهلل.. هيلل، لـ: لا إله إلا الله، وسمعل: السلام عليكم، نقول: هذا كله يعتبر من النحت.
وهذا النحت على قسمين في لسان العرب، منه ما هو قياسي، ومنه ما هو سماعي، وهل: بسمل هذا، من السماعي أو القياس؟ فيه خلاف والصواب أنه من السماعي، يعني: مسموع وليس بمولد، كا: الفذلكة، والبلكفة، والكذلكة، هذه كلها من قبيل النحت، لكنها مولدة، يعني: مصنوعة صنعها المتأخرون، لم ينطق بها من يحتج بلسانه.
وأما: بسمل، الصواب أنه سمع..
لقد بَسْملَتْ ليلَى غَداةَ لَقِيتُها
فيا حَبَّذا ذَاك الحديثُ المُبَسْمَلُ
لقد بسملت ليلى، هكذا قال ابن أبي ربيعة، فدل على أنه قياسي وليس بسماعي.
وبسمل: من حيث الإفراد.. مفرداتها، ومن حيث المعاني، قلنا: ذكرنا شيئاً مما سبق، لكن نقول: بسم الله: هذا جار ومجرور متعلق بمحذوف الأصح أنه يقدر فعلاً مؤخراً خاصاً، فعلاً: لأن الأصل في العمل للأفعال، ولأن الشرع جاء بذلك مصرحاً به: (( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ))[العلق:1] اقرأ باسم، باسم: جار ومجرود متعلق بقوله: اقرأ، وجاء في النص: حديث { باسمك ربي وضعت جنبي } وضعت.. باسمك: هذا جار ومجرور متعلق بقوله: وضعت، وهو فعل، فدل على أن الأصل في متعلق البسملة أن يكون فعلاً، خاصاً: لأنه أدل على المقام؛ لأن من بسمل لشيء لا بد وأنه يضمر في نفسه ما جعل البسملة مبدأً له، هذا أولى من أن يقدر فعلاً عاماً أو اسماً عاماً؛ لأنه إذا قال: بسم الله أؤلف.. بسم الله أشرب.. أنام.. آكل.. بسم الله إلى آخره نقول هذا: أدل على المراد من الفعل العام.
أما: بسم الله أبدأ، أو ابتدائي، أبدأ ماذا ؟ هذا لفظ عام لا يفهم منه الحدث الخاص، حينئذٍ إذا أضمر في نفسه حدثاً خاصاً، نقول: قدر في نفسه ونوى في نفسه ما جعل البسملة مبدأً له، وهذا أصح من حيث المعنى.
ثالثاً: مؤخراً لماذا ؟ لفائدتين:
أولاً: الاهتمام باسم الله تعالى، ألا يتقدم عليه شيء، بسم الله أؤلف.. أنظم.
والفائدة الثانية: إفادة القصر والحصر، والقصر والحصر إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عدى.
باسم الله لا باسم غيره، أستعين: الباء هنا للاستعانة، أو للمصاحبة على وجه التبرك.
باسم الله لا باسم غيره: مثل قوله: (( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ))[الفاتحة:5] إياك نعبد: نعبدك، هذا الأصل، فأريد الحصر والقصر فانفصل الضمير فقدم، فصار المعنى: لا نعبد إلا إياك، وإياك نستعين: لا نستعين إلا بك، فتقديم ما حقه التأخير يفيد القصر والحصر، وهو إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عدى.
لهذه الأمور الثلاثة نقدره على الأصح فعل لا اسم.. مؤخر لا مقدم، خاص لا عام، لهذه العلل التي ذكرناها.
وأما قوله تعالى: (( اقْرَأْ بِاسْمِ ))[العلق:1] هذا جاء مقدماً هنا، أليس كذلك ؟ نحن نحتج بالآية على أن المتعلق يكون فعلاً، وهنا جاء مقدماً في الآية.
نقول: هنا المراد الاهتمام بالقراءة لأن لها شأن يختص به المقام، فإذا قدم المعمول أو المتعلق.. إذا قدم المتعلق لفائدة ترجى من التقديم لا بأس، وأما الأصل فالتأخير،
وَقَدْ يُفيدُ فِي الجَمِيعِ ٱلاِهتِمَامْ
تَقديرُ مَا عُلِّقَ بِاسْمِ اللهِ بِهْ
تَقدِيمُهُ فِي سُورِةِ ٱقْرأْ فَهُنَا
بِهِ وَمِنْ ثَمَّ الصَّوابُ فِي المقَامْ
مُؤَخَّراً فَإِنْ يَرِدْ بِسَبَبِهْ
كَان القِراءةُ ٱلأَهمَّ ٱلمُعْتَنَى
إذاً: لما كانت القراءة هي أهم وهو المراد من إرسال الوحي، أنزال جبريل عليه السلام للنبي حينئذٍ بدأ بالفعل، باسم: عرفنا أنه جار ومجرود متعلق بمحذوف، وهذا المحذوف فعل، وهو مؤخر وخاص.
بِاسْمِ: اسم هذا له معنىً لغوي، وله معنىً اصطلاحي، والمعنى الاصطلاحي سيأتينا، والمراد به من حيث اللغة: ما دل على مسماه، كل ما دل على مسمى فهو اسم، فيشمل الأفعال الاصطلاحية والحروف الاصطلاحية عند النحاة، فلذلك قوله عز وجل: (( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ ))[البقرة:31] الأسماء ليست هذه الأسماء الاصطلاحية، وإنما الأسماء اللغوية، الشاملة للأفعال الاصطلاحية والحروف الاصطلاحية، فقام وجاء وضرب ويضرب واضرب، هذه كلها أسماء لأنها دلت على مسماها، كذلك: إلى ومن وثم وهل وبل، هذه كلها أسماء، وإنما باعتبار خاص عند النحاة جعلت مقابلة للأسماء وقسيماً لها.
إذاً، باسم: نقول: الاسم هنا المراد به ما دل على مسماه، وهو مضاف، ولفظ الجلالة مضاف إليه، وهو مشتق على الصحيح، وأصله: الإله، الإله فِعال بمعنى: مفعول، ولذلك نقول: آلله.. لا إله إلا الله: لا إله: لا معبود بحق إلا الله، فنفسر الإله بمعنى: معبود.
إله: هو أصل لفظ الجلالة: الله، هو أصله ولذلك نقول: هو مشتق، لماذا هو مشتق؟ لأنه دل على صفة، وأسماء الله عز وجل كلها دالة على صفات، ولذلك قال سبحانه: (( وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ))[الأعراف:180] أي: البالغة في الحسن غايتها، بهذه الآية نرد على من قال بأن الله جامد ولا يدل على صفة، نقول: هذا المعنى فاسد، أو هذا القول باطل، لماذا ؟ لأن الله تعالى عمَّ فقال: (( وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ))[الأعراف:180] الأسماء: جمع دخلت عليه أل، يفيد العموم، إذاً: الله علم أم لا؟ نقول: علم، إذاً: دخل أو لا؟ دخل، يصدق عليه أن له الغاية في إثبات المعنى.. معنى الكمال له: (( وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ))[الأعراف:180] أي: التي بلغت في الحسن غايتها.
وهذا إنما مرده إلى اللفظ أو إلى المعنى؟ إلى المعنى لا شك، أما اللفظ في نفسه فلا يوصف بذلك، وإنما الذي يوصف هو المعنى، فقول من يقول بأنه جامد، يدل على ذات فحسب، نقول: هذا قول فاسد.
وقوله سبحانه: (( وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ ))[الأنعام:3] في السماوات: جار ومجرور متعلق بقوله: الله، ولا يتعلق الجار والمجرور إلا بمشتق أو ما فيه رائحة الاشتقاق، يعني: بفعل أو ما فيه رائحة الفعل.
وهذه الآية يفسرها قوله تعالى: (( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ ))[الزخرف:84] فدل على أن الله المراد به الإله، حذفت الهمزة تخفيفاً، ثم اجتمع عندنا مثلان: اللام الساكنة الأولى، والثانية متحركة فوجب الإدغام فقيل: الله، ثم فخم بعد الضم وبعد الفتح تفخيماً:
وفخِّمِ اللاَّمَ منِ اسمِ اللهِ
عَن فتحٍ ٱو ضَمٍّ كَعبدُ اللهِ
وبعد الكسر ترقق هذا مذهب الجمهور، أن ثم تفصيلاً، فقيل: ترقق مطلقاً، وقيل: تفخم مطلقاً، والصواب: التفصيل: أن اللام هذه تفخم بعد الضم وبعد الفتح، وأما بعد الكسر فترقق، قال ابن الجزري:
وفخم اللام من اسم الله عن فتح عن.. بمعنى: بعد، عن فتح أو ضم كعبد الله.
إذاً: أصل الله: الإله، معناه كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين.
حاصل أن الذي ينبغي أن يعلم: أن لفظ الجلالة: الله، علم مشتق على الصحيح، بل ابن القيم رحمه الله تعالى أنكر صحة نسبة قول بالجمود لسيبويه، قال: بل سيبويه يرى أنه مشتق، وأن أصحابه أو بعضهم قد غلطوا عليه.
الله: أي المعبود.
الرحمن الرحيم.. باسم: قلنا: اسم هذا مضاف ولفظ الله الجلالة مضاف إليه، وهنا الإضافة من إضافة الاسم إلى المسمى، حينئذٍ تكون بيانية، فتفيد العموم، باسم: باسم الله، أي: بكل اسم هو لله عز وجل، فحينئذٍ فيه نوع تعلق قلب بالله عز وجل، وهو أن الباء هذه للاستعانة، أو المصاحبة على وجه التبرك، حينئذٍ إذا استحضر في قلبه أنه مستعين بكل اسم هو لله عز وجل زاده يقيناً وتعلقاً بربه.
الرحمن الرحيم: اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة، إلا أن الرحمن أكثر مبالغةً من الرحيم؛ لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، رحمن: على خمسة أحرف، ورحيم: على أربعة أحرف، وزيادة المبنى حروف مادة جوهر الكلمة تدل على زيادة المعنى غالباً، احترازاً من حذرٍ وحاذر.
الرحمن الرحيم، الرحمن: من جهة المعنى عام، ومن جهة اللفظ والإطلاق خاص، والرحيم: من جهة اللفظ عام، ومن جهة المعنى خاص، فبينهما عموم وخصوص.
الرحمن: عام المعنى، من حيث إن الرحمة تشمل الكافر والمؤمن، بل حتى البهائم، ومن حيث اللفظ لا يجوز إطلاقه إلا على الله عز وجل، فهو خاص بالرب جل وعلا، والرحيم: هذا من حيث المعنى خاص بالمؤمنين: (( وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً ))[الأحزاب:43] قدم ما حقه التأخير فأفاد القصر والحصر، أي: بالمؤمنين لا بغيرهم، فدل على أن رحيم: لا يتعلق برحمة الكافرين، بخلاف الرحمن.
أما من حيث اللفظ فهذا عام، قل: جاء زيد الرحيم، جاء: فعل ماضي، وزيد: فاعل، والرحيم: نعت، إذاً: وصف به المخلوق، فليس خاصاً من حيث اللفظ، فالاشتراك في اللفظ لا في المعنى، الاشتراك في اللفظ، هذا يتعلق بقاعدة الأسماء والصفات: أن اللفظ إذا كان مطابقاً للفظ أطلق على الرب جلا وعلا حينئذٍ الاشتراك في القدر المشترك من حيث الجنس، وأما من حيث اللفظ فاللفظ هو هو، وأما من حيث المعنى، حينئذٍ إذا أطلق دون إضافة إلى الرب جل وعلا أو إضافة إلى المخلوق حينئذٍ اشتركا في الجنس، أو القدر المشترك، ثم إذا أضيف إلى الرب انفصل المعنى، وإذا أضيف إلى المخلوق انفصل المعنى، كما قرره ابن تيمية في التدمُرية.
إذاً: بسم الله الرحمن الرحيم، باسم الله الرحمن: رحمن من حيث السنة المتبعة، تجر: رحمنِ، على أنه نعت للفظ الجلالة، وأعربه بعضهم: بدل، بناءً على أن الرحمن هل هو علم أو كالعلم؟ مسألة خلافية عند النحاة، جاء استعمال الرحمن مستقلاً أضيفت إليه الأوصاف، فقال: (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ))[طه:5] إذاً: هذا صار علماً، (( الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ ))[الرحمن: 4 - 2 ] صار علماً.
ثم جاء بلفظ الرحمن في ظاهره صفةً لغيره: بسم اللهِ الرحمنِ، هل هو علم؟ فحينئذٍ لا يجوز أن ينعت به، سيأتي معنا في القاعدة: أن من المعارف ما ما تنعت.. هي تنعت، لكن لا ينعت بها، كالعلم، فالعلم تقول: جاء زيد الكريم، زيد: علم فاعل، الكريم: نعته، إذاً: نعت، لكن هل يصح أن تقول: جاء الكريم زيد، وتجعل زيد نعتاً للكريم؟ لا، لا يجوز هذا عند النحاة، حينئذٍ إذا كان علماً كيف نقول هنا: الله: مضاف إليه، والرحمن: هذا نعتٌ وهو علمٌ؟ فحينئذٍ أشكل على بعضهم فقالوا: إذاً هو ليس بعلم، بل هو كالعلم؛ لأنه وقع نعتاً لغيره.
والصحيح أن يقال: إن أعلام الرب جل وعلا أعلام وأوصاف، جمعت بين أمرين، بخلاف أعلام المخلوقين، فإذا قيل: صالح، لا يلزم منه أن يكون اللفظ دالاً على مسماه، وأن يكون المسمى الذي هو الشخص ذاته متصفاً بمعنى الصلاح، هذا ليس في حق البشر إلا النبي صلى الله عليه وسلم مختلف فيه، هل أعلامه مشتقة دالة على معان اتصفت بها الذات أم لا؟ أما الرب جل وعلا فهذا محل وفاق عند أهل السنة، أن أعلام الرب جلا وعلا: أعلام وأوصاف، فمن حيث هي أعلام حينئذٍ نقول: لا ينعت بها، ومن حيث هي أوصاف صح النعت بها، فإذا وقعت نعتاً كما في الجزء الذي معنا: باسم الله ِالرحمنِ، هذه نعت، كيف صح أن يقع الرحمن نعت وهو علم لله عز وجل؟ والقاعدة: أن الأعلام لا ينعت بها؟
نقول: لم ينعت به من حيث إنه علم، وإنما نعت به من حيث إنه وصف، والشيء إذا كان له اعتباران يجوز إعمال أحد الاعتبارين دون نظرٍ للآخر، الشيء إذا كان له عدة اعتبارات اعتباران فأكثر حينئذٍ يجوز أن يراعى أحد هذه الاعتبارات بغض النظر أو قطع النظر عن الاعتبار الآخر.
فالرحمن هنا: إذا أورد بأنه علم فكيف نعت به؟ نقول: لا ينعت بالأعلام مطلقاً في أعلام المخلوقين؛ لأنها لا تتضمن أوصافاً، وأما أعلام الرب جل وعلا فهي أعلام وأوصاف، فمن حيث إنه علم لا ينعت به، ومن حيث إنه وصف يصح النعت به وهنا كذلك، فالرحمن هنا: نعت، بعضهم يعربه: بدل، ولا يصح عنده أن يعربه نعتاً بناًء على هذا الخلاف، فليس الرحمن عنده علم، وإنما هو بدل، يعربه: بدل.
نقول: هذا ليس بصواب، فلا تعارض بين العلمية والوصفية في حق الله عز وجل.
لا تعارض بين العلمية والوصفية في حق الرب جلا وعلا .
الرحيم: هذا نعت بعد نعت، يعني: جُرَّ الرحمن وجُرَّ الرحيم، وهذه سنة متبعة، ويجوز فيه تسعة أوجه قل ما شئت إلا حالتين:
إذا رفعت أو نصبت الأول الرحمن حينئذٍ لا يجوز لك جر الرحيم:
إن ينصب الرحمن أو يرتفعا
فالجر في الرحيم قطعاً مُنعا
الرحمنُ.. الرحمنَ، الرحيمُ.. الرحيمَ يجوز، إن رفعته فهو خبر لمبتدأ محذوف، وإن نصبته فهو مفعول به لفعل محذوف تقديره: أمدح، وهذا واجب الحذف كما سيأتي في باب النعت.
إذاً: بسم الله الرحمنِ الرحيمِ.. بسم الله الرحمنُ الرحيمُ.. بسم الله الرحمنَ الرحيمَ.. بسم الله الرحمنِ الرحيمُ.. بسم الله الرحمنِ الرحيمَ.. يجوز، لكن وجهان لا يجوز، وهو: ما هو ؟ إذا رفع الرحمن أو نصب حينئذٍ لا يصح جر الرحيم:
إن ينصب الرحمن أو يرتفعا
فالجر في الرحيم قطعاً مُنعا
لأنه إذا قطع عن التبعية لما قبله لا يصح الرجعة بعدها، أنت قطعت فكيف ترجع؟ إذا قلت: بسم الله الرحمنُ: خبر المبتدأ المحذوف، ثم تقول: الرحيمِ على أنه نعت للفظ الجلالة، قالوا: هذا فيه نكارة؛ فلذلك منعوه، ولعدم السماع هذا الأصل.. الأصل فيه الاحتجاج في اللغة السماع وعدمه، فما سمع على جهة الطرد والعموم حينئذٍ صح أن يجعل قاعدة، وما سمع مخالفاً لهذه القواعد المطردة حينئذٍ يحكم عليه بأنه شاذ عند البصريين، ويجعل جوازاً عند الكوفيين، وما لم يسمع حينئذٍ يرد أو ترد مسألة: هل تثبت اللغة بالقياس أو لا؟ فمنهم من منع ومنهم من جوز.