للشيخ عصام البشير (حفظه الله)
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=33258
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد
فهذه سلسلة من الدروس النظرية والتطبيقية في علم العروض، الذي به تعرف بحور الشعر العربي، وقواعد الوزن والقافية.
وغني عن الذكر أن هذا العلم من الأهمية بمكان، لأنه مفتاح نظم الشعر لمن كان ذا نفس شاعرية فياضة، تعشق جمال الألفاظ، وتتذوق حلاوة المعاني؛ وهو السياج الذي يحمي دواوين شعر العرب من التغيير والتحريف، ويميز الشعر مما يقاربه كالسجع، فيعلم أن القرآن ليس شعرا؛ وهو أداة نظم المتون العلمية لمن احتاج إلى نظم فن من الفنون، يخشى عليه الضياع والنسيان؛ وهو سبيل تمييز صحيح الأوزان من سقيمها، ومعرفة مكسورها من سليمها.
ورب واعظ أو داعية سمعناه يستشهد ببيت من الشعر، فيكسره كسرا، ويعجنه عجنا، حتى لا يبقى منه إلا صورة المعنى المراد، في قالب غير منظوم، وتركيب غير مسبوك.
وقد اتفق أهل الفن على أن حفظ النظم أيسر من حفظ النثر – إلا ما يسر الله حفظه في الصدور، وهو كلام اللطيف الخبير - ، ومن المعلوم أن من لا معرفة له بقواعد الوزن، فالنظم عنده والنثر سيان.
وكم من بيت أعجزني تطلب ألفاظه وتذكرها، فاستعنت بالأوزان حتى استرجعت ما فاتني منه، في أقرب وقت، وأيسر حال. ومن جرّب عرف، وليس الخبر كالعيان.
وقد جربتُ القريض بالعربية، والنظم بالفرنسية، وبلغتُ في الثاني شأوا، حتى حصلت على جائزة من مركز فرنسي متخصص منذ نحو عشر سنوات، وآن لي أن أقول: أين الثرى من الثريا؟ وأين الحش من العرش؟
بل أقول:
ألم تر أن السيف ينقص قدره *** إذا قيل إن السيف أمضى من العصا؟!
إن المتأمل المنصف لا بد أن يطأطئ رأسه إجلالا وإكبارا لهذا التراث العلمي الضخم في تناسق، والعظيم في تكامل، الذي سار عليه شعراء العربية منذ أمد بعيد، ووضع قواعدَه الألمعي العبقري علامة العربية: الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري، في القرن الثاني الهجري، فأعجز العلماء من بعده، ولم يحوجهم إلى تكلف الزيادة، أو تجشم عناء التصويب والإلحاق (إلا ما كان من الأخفش في بحر المتدارك وهو يسير).
وكلما أجلت الطرف في تراث العرب في الشعر وعلومه، والخطابة وفنونها، والإنشاء والترسل ولطائف البيان، وعلوم العربية من نحو وصرف وبلاغة وعروض وغير ذلك، كلما قلت: سبحان الذي جعل العربية لغة القرآن الكريم، وحفظها بحفظه لكلامه العظيم، وهيأ لها أسباب التطور والرسوخ.
بقي أن تعلم أيها الأخ الكريم، أن النظم غير الشعر. فإذا أتقنت فنون النظم، لم يؤهلك ذلك لأن تكون شاعرا، بل الشعر قدر زائد منبعه إحساس النفس بالجمال، وتطلبها شريف المعاني، مع إدمان النظر في تصرفات الأدباء، وطرائق فحول الشعراء.
وقد آن الأوان للشروع في المقصود، وربنا المحمود على عظيم نعمه، وسابغ آلائه.