العز بن عبد السلام هو من ذلك الطراز الفريد الذي يجب أن نستلهم سيرته في حياتنا المعاصرة، فقد كان هذا الرجل أنموذجاً رائعاً للسياسي البارع، والعالم المستنير، والاجتماعي المخلص، المتعبد على طريقة السلف الصالح، فكان أمة في عصره أحيا الله به موات المسلمين.
لماذا نتحدث عن حياة هذا الإمام؟ ولماذا هو سلطان العلماء؟
إن اهتمامنا بدراسة سيرة هذا الإمام -وغيره من العلماء- يرجع السبب فيه إلى أن التاريخ يعيد نفسه؛ فأحداث الأمس هي نفسها أحداث اليوم، والمواقف المنتظرة من رجال اليوم، هي المواقف التي كان يفعلها رجال الأمس، والأمة تمر بها أزمات متكررة في عصورها المتعاقبة تحتاج فيها إلى أن ترجع إلى ماضيها، وتعيد النظر فيه.
بالله سَلْ خَلْفَ بَحْرِ الرُّومِ عَنْ عَرَبٍ*** بالأمس كانوا هنا واليوم قد تاهوا
الله يعلـم ما قلَّبْتُ سيـــــرتهـم يومًا ***وأخطـأ دَمْعُ العَيْـنِ مجـــراه
استَرْشَـدَ الغَرْبُ بالماضي فَأَرْشَدَهُ ***ونحـن كانَ لنـــــــــا ماضٍ نسينـاه
إن علينا أن نعود إلى ماضينا، نستلهم منه الدرس والعبرة ونستنطق مواقف أئمة الهدى ومشايخ الإسلام.
ولد في دمشق عام577هـ، وتوفي بالقاهرة عام 660هـ، ودفن بسفح المقطم.
وحين بلغ الثانية والستين، بدأ حياة جديدة، وغير كل ما تعوده وهو صغير: فقد ترك دمشق ماضبا وهاجر إلى الله من بغي حاكم دمشق، واستقر في القاهرة، وشرع في تأليف الكتب. فوضع كل مصنفاته فيها، وما كان من قبل قد كتب شيئا يعتد به، ذلك أنه كان ينفق كل وقته في لتدريس والخطابة والوعظ.. وفي القاهرة جمع إلى هذه الأعباء مسؤولية الكتابة، فصنف كتبا في الفقه والتفسير والأصول والتصوف. وصاول الحكام!.
أطلق عليه أبوه اسم العز عز الدين عبد العزيز.. ولكنه عندما كبر اشتهر باسم عز الدين وباسم العز، وقلما كان يناديه الناس عبد العزيز.
وقد فتح العز بن عبد السلام عينيه على حياة الحرمان... كان أبوه عبد السلام فقيرا جهد الفقر وكان يجوب الأسواق بحثا عن عمل.
وحين شب الطفل صحبه أبوه ليسعده في بعض الأعمال الشاقة كإصلاح الطرق وحمل الأمتعة، وتنظيف ما أمام محلات التجار..
وكان أبوه عبد السلام يأخذه إلى الجامع الأموي إذا حان وقت الصلاة، ورآه أحد شيوخ المسجد، فأعجب به ودعا له.
مات أبوه فلم يجد في نفسه القوة على القيام بالأعمال الشاقة التي كان يؤديها أبوه، ولم يجد الصبي مكانا يأوي إليه، فذهب إلى ذلك الشيخ يلتمس عنده المساعدة في الحصول على عمل يقتات منه ومكان يبيت فيه.
وتوسط له الشيخ فألحقوا الصبي بالجامع الأموي، يساعد الكبار في أعمال النظافة، وفي حراسة نعال المصلين وأهل الحلقات التي يتكرونها عند أحد أبواب الجامع، وسمحوا له بأن ينام الليل في زاوية بأحد دهاليز الجامع، على الرخام.
وكان الصبي يعايش مرائي الغنى والمتاع خلف أسوار القصور بحدائقها الفيحاء في دمشق، ويشاهد الجياد الفارهة على صهواتها رجال تنعكس الشمس على خوذاتهم، وملابسهم الزاهية وسيوفهم المرصعة بالذهب، ويتأمل حاله وثوبه الذي تقتحمه العيون، ومضجعه البارد على رخام زاوية في المسجد، ثم يتساءل في أغوار نفسه كيف يعيش في بلد واحد رجال ونساء كهؤلاء الغارقين في النعيم، والذين يسقطون من الحرمان، ويقتاتون بالأسى والأحلام؟!
على أنه صرف همه إلى ما يقوله الشيوخ في الحلقات… كان يتناهى إلى سمعه وهو على باب المسجد يحرس النعال كلام يثير خياله، ويلهب أشواقه إلى دنيا أخرى لا يجوع فيها ولا يعرى!
وتسلل إلى إحدى الحلقات ذات يوم، ودس جسده النحيل الصغير بين الطلبة الكبار. ورآه شيخ الحلقة، فنهره، وسأله كيف يسمع لنفسه أن يجلس بثوب ممزق في مجلس للعلم ينبغي على الطالب فيه أن يأخذ زينته..؟!
وجرى الصبي إلى باب المسجد، وتكور على نفسه يبكي!. حتى إذا حان خروج الشيوخ والطلاب، رآه الشيخ الذي ألحقه بالجامع وهو الفخر ابن عساكر صاحب حلقة الفقه الشافعي، وسأله الشيخ عما يبكيه، روى له ما كان من أمره، فطيب الشيخ خاطره، ووعده أن يتعهده، وسيحضر الحلقات عندما يبلغ الشباب. ومن يدري!؟ فربما أصبح هذا الصبي نفسه شيخا لحلقة في هذا الجامع ذات يوم!..
وضحك الصبي، والتمعت عيناه، والتحمت نظراته الجدران إلى آفاق المستقبل، ورأى نفسه طالب علم، ثم شيخا لحلقة، فأوشك أن يطير من الفرح، وقبل يد الشيخ، وسأله متى يبدأ التعليم، فقد جاوز سن الطلب؟!.. وقال له الشيخ الفخر بن عساكر، أنه سيبدأ من الغد.
حتى إذا كان الغد، أخذه الشيخ إلى مكتب ملحق بالمسجد وأوصى بأن يتعلم القراءة والكتابة والخط وأن يحفظ القرآن، وتعه الشيخ بنفقة الصبي.
وأقبل العز على المكتب في شغف عظيم، وحفظ القرآن، وأتقن القراءة والكتابة والخط الحسن، وعوض ما فاته من سنوات الدرس
وكان كلما لقي شيخه على باب الجامع سأله عن حاله، فيسمعه الصبي ما حفظ من القرآن، ويطلعه على مما يكتب في اللوح الصفيح من الآيات الكريمة.
وأعجب الشيخ ابن عساكر بما يبدو عل العز من مخايل النجابة والذكاء، وحسن ترتيله للقرآن، وأعجب بصفة خاصة ببشاشة الصبي على الرغم من فقره الطاحن.!
ومرت أعوام، واطمأن الشيخ فخر الدين إلى أن الصبي قد أتقن حفظ القرآن وجوده، وإلى أنه قد أصبح يحذق القراءة والكتابة بخط جميل، فبشره الشيخ بأنه سيضم إلى الطلاب الذين يحضرون حلقته، ودفع إليه بما يعينه على شراء ثوب صالح لحضور حلقات العلم.
وأمضى الصبي ليلته يحلم بالمستقبل!
إنه الآن ليثب إلى مرحلة الشباب، وهو في حاجة إلى عمل يكفل له دفء المسكن والثوب اللائق والطعام الطيب..! هو في حاجة إلى مال يوفر له شراء أدوات التحصيل من دفاتر وأقلام وأوراق ومحبرة، وما يلزم من كتب.
وتحرج أن يكلم الشيخ ليساعده في الحصول على عمل آخر يحصل منه على أجر أكبر ويوفر له ما ينبغي لطالب العلم!.. لقد منعه الحياء!..
وقبل أن تنتهي ليلته استيقظ فجأة!.
ويحدثنا السبكي في طبقات الشافعية عن تلك الليلة فيقول: «كان الشيخ عز الدين في أول أمره فقيرا جدا، ولم يشتغل إلا على كبر، وسبب ذلك أنه كان يبيت في كلاسة «زاوية» من جامع دمشق، فبات فيها ليلة ذات برد شديد فاحتلم، فقام مسرعا ونزل في بركة الكلاسة فحصل له ألم شديد من البرد، وعاد فنام، فاحتلم ثانيا، فعاد إلى البركة لأن أبواب الجامع مغلقة وهو لا يمكنه الخروج، فطلع غمي عليه من شدة البرد.. ثم سمع النداء: يا ابن عبد السلام أتريد العلم أم العمل؟ فقال: بل العمل لأنه يهدي إلى العلم».
وأصبح الفتى عز الدين، وروى لشيخه ابن عساكر ما كان من أمر تلك الليلة. وقال الشيخ له: «لقد بلغت مبلغ الرجال. وهذا النداء هاتف من السماء يأمرك أن تهب نفسك للعلم».
وأعطاه الشيخ كتاب «التنبيه» في الفقه الشافعي، وأعطاه أسبوعين مهلة ليحسن قراءته واستيعابه. وعاد العز إلى شيخ بعد ثلاثة أيام وقد استوعب الكتاب وحفظه عن ظهر قلب!
وضمه الشيخ إلى حلقته، ونظم له حضور حلقات أخرى في اللغة وآدابها، وفي الحديث وأصول الفقه. ونصحه أن يتقن علوم اللغة من نحو وصرف وأن يحفظ الشعر ويدرسه ليحسن فهم نصوص القرآن.
ولزم عز الدين شيخه ابن عساكر، وتعلم منه الفقه الشافعي، وكان الشيخ زاهدا ورعا واسع المعرفة كثير الصدقات، خطيبا، لاذعا، وهو في الوقت نفسه شديد الحياء، وكان مرحا متألق الظرف، فتأثر تلميذه عز الدين ونقل عنه كثيرا من خصاله وسجاياه
شيوخه وتلامذته:
فخر الدين بن عساكر:
كان فخر الدين بن عساكر في دمشق وحاولوا أن يلزموه بالقضاء فرفض، وكان ابن عساكر قويًّا في الحق، حتى إنه أنكر على حاكم دمشق أنه كان يضمِّن الناس الخمر والمكوس التي كانوا يتلفونها.
عبد الصمد الحرستاني:
ومن شيوخ العزّ أيضًا: رجل اسمه عبد الصمد الحرستاني وهذا الرجل ألزم بالقضاء أيضًا، فلمّا ألزموه القضاء سار به على طريقة السلف الصالح وعلى الجادة، حتى إنه في إحدى المرات كان في مجلس القضاء، فجاءه خصمان قدم له أحدهم رقعة، فجعلها في الدرج ثم قال: ماذا عندك؟ وقال لخصمه: وأنت ماذا عندك؟
ثم حكم بعد ذلك فجاء حكمه ضدّ الرجل صاحب الرقعة، ثم فضّ الرسالة، وقرأه، فإذا به خطاب من الحاكم يشفع لهذا الرجل الذي حكم عليه، يقول له: حاول أن تنظر في أمره، وأن تجعل الحق معه، فأتلف ذلك الكتاب، وقال: قد غلب كتاب الله هذا الرجل.
فكان هذا من شيوخ العز بن عبد السلام، وعلى يد هؤلاء العلماء تعلّم العز بن عبد السلام دروس القوة، والشجاعة، والغيرة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والزهد في المناصب، حيث عزل العز بن عبد السلام نفسَه من القضاء أربع مرات، فكلما حدثت مشكلة بينه وبين السلاطين يعزل نفسه عن القضاء ويقول : مالي به حاجة! أنتم ألزمتموني، لا أحتاجه، ثم يعزل نفسه. تلاميذ العزّ يحملون الراية من بعده:
ثم تلقى على يد العز بن عبد السلام بعد ذلك رجال آخرون حملوا الراية من بعده، وساروا على دربه ومن هؤلاء:
ابن دقيق العيد:
الذي عزل نفسَه من القضاء أربع مرات، فكلما حدثت مشكلة يقوم ابن دقيق العيد بعزل نفسه عن القضاء، ويقول: مالي به حاجة! أنتم ألزمتموني، لا أحتاجه، ثم يعزل نفسه.
وقد حصل لابن دقيق العيد موقف مشابه لموقف شيخه العز ابن عبد السلام، فإن السلطان محمد بن قلاوون أراد أن يجمع المال من الناس لأجل حرب التتار ولو بالقرض، وهذا شبيه بما فعله قطز من قبل مع العز بن عبد السلام، فجمع السلطان محمد بن قلاوون العلماء؛ ليحظى بتأييدهم في هذا الأمر.
فقال له ابن دقيق العيد: لا يمكن أن تأخذ الأموال من الناس إلا بعد أن تجمع الأموال من السلاطين، والأمراء، ومن نسائهم، حتى قال له: إن من أمرائكم من جهز ابنته لتزف إلى زوجها، وعمل بحفلها الجواهر، واللآلئ، والحلي الفاخرة، وجعل معها الأواني من الذهب والفضة، وإن منكم من رَصّع مداس زوجته بالجوهر، فإذا أتيت بهذه الأموال ولم تكف ننتقل إلى أموال الرعية.
إذن القضية هي تربية العزّ التي تلقَّاها مِنْ مشايخه من أمثال: ابن عساكر وعبد الصمد الحرستاني، ومن ثم أدّى الأمانة وسلّم الراية إلى من بعده كابن دقيق العيد وغيره من التلاميذ.
• وقال الشيخ ابن عساكر له عندما حكى العز له حلماً : «لقد بلغت مبلغ الرجال. وهذا النداء هاتف من السماء يأمرك أن تهب نفسك للعلم»
• وحين استقر جثمان الشيخ آخر الدهر تحت سفح المقطم، وعاد السلطان الظاهر بيبرس إلى قصر ملكه تنفس الصعداء وقال: «الآن استقر أمري في الملك لأن هذا الشيخ لو كان يقول للناس: أخرجوا عليه، لانتزعوا الملك مني»
• قال ملوك الإفرنج للسلطان الصالح إسماعيل: لو كان هذا قسيساً لغسلنا رجليه وشربنا مرقها.
• لما خرج العز بن عبد السلام من الشام إلى مصر كان المفتي في مصر هو الإمام عبد العظيم المنذري وكان هو المفتى والعالم المبجل فيها، فلما جاء العز بن عبد السلام قال الإمام المنذري : قد كنت أُفتي يوم لم يكن الإمام العز موجوداً، أما الآن فإن منصب الإفتاء متعين عليه ورفض أن يفتي، من جاءه قال له: اذهب إلى العز بن عبد السلام.
• أيضاً مرة أخرى لما غضب عليه أحد أمراء الشام ومنعه من التدريس والخروج وفرض عليه الإقامة الجبرية، ذهب أحد الفقهاء الأحناف وكان فقيهاً مهيباً، فوقف عند الباب على حماره، فقال الحاكم: دعوه يدخل، فلما دخل قام إليه وأنـزله بنفسه، وقدمه، وقدره، وأبى أن يأكل إلا بعده، فقال له: ما الذي جاء بالشيخ؟ قال: ما الذي حدث بينك وبين الإمام العز بن عبد السلام . قال: كذا، وكذا، وذكر القضية.فقال هذا الفقيه: والله لو كان العز بن عبد السلام في الصين أو الهند لكان جديراً بك أن تسعى في أن يحضر إليك فإنه شرفٌ لك أن تملك أمة فيها مثل العز بن عبد السلام ، فينبغي أن تسترضيه، فوافق على ذلك، وأرضى العز بن عبد السلام ، وجعله في مقام رفيع.
تنطلق مواقف العز بن عبد السلام من مبدأ صريح، وموقف واضح عَبَّر عنه في كلام له حيث قال: "فإنّا نزعم أنا من جملة حزب الله - عز وجل -، وأنصار دينه وجنده، والجندي إذا لم يخاطر بنفسه فليس بجندي".
موقفه من الملك الصالح في دمشق:
عندما كان العز بن عبد السلام في دمشق كان الحاكم رجلاً يقال له: "الملك الصالح إسماعيل" من بني أيوب، فولّى العز بن عبد السلام خطابة الجامع الأموي، وبعد فترة قام الملك الصالح إسماعيل هذا بالتحالف مع النصارى الصليبيين، أعداء الله ورسله، فحالفهم وسلّم لهم بعض الحصون، كقلعة الشَّقِيف ، وصَفَد ، وبعض الحصون، وبعض المدن وذلك من أجل أن يستعين بهم على قتال الملك الصالح أيوب في مصر.
فلما رأى العز بن عبد السلام هذا الموقف الخائن الموالي لأعداء الله ورسله - عليهم السلام- ، لم يصبر فصعد على المنبر، وتكلّم وأنكر على الصالح إسماعيل تحالفه مع الصليبيين، وقالها له صريحة، وقطع الدعاء له في الخطبة، بعدما كان اعتاد أن يدعو له ، وختم الخطبة بقوله: "اللهم أبرم لهذه الأمة أمرًا رشدًا تُعِزُّ فيه وليَّك، وتُذِلُّ فيه عدوَّك، ويُؤْمَر فيه بالمعروف، ويُنْهَى فيه عن المنكر" . ثم نزل.
وعرف الأمير الملك الصالح إسماعيل أنه يقصده، فغضب عليه غضبًا شديدًا، وأمر بإبعاده عن الخطابة، وسجنه، وبعدما حصل الهرج والمرج، واضطرب أمر الناس، أخرجه من السجن ومنعه من الخطبة بعد ذلك.
وخرج العز مغاضباً إلى مصر (639 هـ) فأرسل إليه الصالح أحدَ أعوانه يتلطف به في العود إلى دمشق، فاجتمع به ولايَنَهُ وقال له: ما نريد منك شيئاً إلا أن تنكسر للسلطان وتقبّل يده لا غير. فقال له الشيخ بعزة وإباء العالم المسلم: "يا مسكين، ما أرضاه يقبّل يدي فضلاً أن أقبّل يده! يا قوم، أنتم في واد ونحن في واد، والحمد لله الذي عافانا مما ابتلاكم"
قال: إذًا نسجنك، فقال: "افعلوا ما بدا لكم". فأخذوه وسجنوه في خيمة، فكان يقرأ فيها القرآن ويَتَعَبَّد ويذكر الله تعإلى.
موقفه من بيع الأسلحة للأعداء:
هذا موقف صرّح فيه العز بن عبد السلام - رحمه الله - بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على رؤوس المنابر، ورأى أن هذا الذي يسعه، مع أنه كان يستطيع غير ذلك، ولكنه رأى أن هذا هو الأسلوب المناسب، خاصة أن الصليبيين في تلك الوقعة دخلوا شوارع دمشق ومدنها، وتجوَّلوا في أسواقها ودكاكينها، وكانوا يشترون الأسلحة من المسلمين؛ ولذلك وُجِّه إليه الاستفتاء: هل يجوز أن نبيع السلاح للنصارى؟
فأفتى - رحمه الله - بأن بيع السلاح إليهم لا يجوز؛ لأن من يبيعهم السلاح يعلم أنهم سوف يصوِّبون هذه الأسلحة إلى صدور المسلمين.
لماذا نتحدث عن حياة هذا الإمام؟ ولماذا هو سلطان العلماء؟
إن اهتمامنا بدراسة سيرة هذا الإمام -وغيره من العلماء- يرجع السبب فيه إلى أن التاريخ يعيد نفسه؛ فأحداث الأمس هي نفسها أحداث اليوم، والمواقف المنتظرة من رجال اليوم، هي المواقف التي كان يفعلها رجال الأمس، والأمة تمر بها أزمات متكررة في عصورها المتعاقبة تحتاج فيها إلى أن ترجع إلى ماضيها، وتعيد النظر فيه.
بالله سَلْ خَلْفَ بَحْرِ الرُّومِ عَنْ عَرَبٍ*** بالأمس كانوا هنا واليوم قد تاهوا
الله يعلـم ما قلَّبْتُ سيـــــرتهـم يومًا ***وأخطـأ دَمْعُ العَيْـنِ مجـــراه
استَرْشَـدَ الغَرْبُ بالماضي فَأَرْشَدَهُ ***ونحـن كانَ لنـــــــــا ماضٍ نسينـاه
إن علينا أن نعود إلى ماضينا، نستلهم منه الدرس والعبرة ونستنطق مواقف أئمة الهدى ومشايخ الإسلام.
ولد في دمشق عام577هـ، وتوفي بالقاهرة عام 660هـ، ودفن بسفح المقطم.
وحين بلغ الثانية والستين، بدأ حياة جديدة، وغير كل ما تعوده وهو صغير: فقد ترك دمشق ماضبا وهاجر إلى الله من بغي حاكم دمشق، واستقر في القاهرة، وشرع في تأليف الكتب. فوضع كل مصنفاته فيها، وما كان من قبل قد كتب شيئا يعتد به، ذلك أنه كان ينفق كل وقته في لتدريس والخطابة والوعظ.. وفي القاهرة جمع إلى هذه الأعباء مسؤولية الكتابة، فصنف كتبا في الفقه والتفسير والأصول والتصوف. وصاول الحكام!.
أطلق عليه أبوه اسم العز عز الدين عبد العزيز.. ولكنه عندما كبر اشتهر باسم عز الدين وباسم العز، وقلما كان يناديه الناس عبد العزيز.
وقد فتح العز بن عبد السلام عينيه على حياة الحرمان... كان أبوه عبد السلام فقيرا جهد الفقر وكان يجوب الأسواق بحثا عن عمل.
وحين شب الطفل صحبه أبوه ليسعده في بعض الأعمال الشاقة كإصلاح الطرق وحمل الأمتعة، وتنظيف ما أمام محلات التجار..
وكان أبوه عبد السلام يأخذه إلى الجامع الأموي إذا حان وقت الصلاة، ورآه أحد شيوخ المسجد، فأعجب به ودعا له.
مات أبوه فلم يجد في نفسه القوة على القيام بالأعمال الشاقة التي كان يؤديها أبوه، ولم يجد الصبي مكانا يأوي إليه، فذهب إلى ذلك الشيخ يلتمس عنده المساعدة في الحصول على عمل يقتات منه ومكان يبيت فيه.
وتوسط له الشيخ فألحقوا الصبي بالجامع الأموي، يساعد الكبار في أعمال النظافة، وفي حراسة نعال المصلين وأهل الحلقات التي يتكرونها عند أحد أبواب الجامع، وسمحوا له بأن ينام الليل في زاوية بأحد دهاليز الجامع، على الرخام.
وكان الصبي يعايش مرائي الغنى والمتاع خلف أسوار القصور بحدائقها الفيحاء في دمشق، ويشاهد الجياد الفارهة على صهواتها رجال تنعكس الشمس على خوذاتهم، وملابسهم الزاهية وسيوفهم المرصعة بالذهب، ويتأمل حاله وثوبه الذي تقتحمه العيون، ومضجعه البارد على رخام زاوية في المسجد، ثم يتساءل في أغوار نفسه كيف يعيش في بلد واحد رجال ونساء كهؤلاء الغارقين في النعيم، والذين يسقطون من الحرمان، ويقتاتون بالأسى والأحلام؟!
على أنه صرف همه إلى ما يقوله الشيوخ في الحلقات… كان يتناهى إلى سمعه وهو على باب المسجد يحرس النعال كلام يثير خياله، ويلهب أشواقه إلى دنيا أخرى لا يجوع فيها ولا يعرى!
وتسلل إلى إحدى الحلقات ذات يوم، ودس جسده النحيل الصغير بين الطلبة الكبار. ورآه شيخ الحلقة، فنهره، وسأله كيف يسمع لنفسه أن يجلس بثوب ممزق في مجلس للعلم ينبغي على الطالب فيه أن يأخذ زينته..؟!
وجرى الصبي إلى باب المسجد، وتكور على نفسه يبكي!. حتى إذا حان خروج الشيوخ والطلاب، رآه الشيخ الذي ألحقه بالجامع وهو الفخر ابن عساكر صاحب حلقة الفقه الشافعي، وسأله الشيخ عما يبكيه، روى له ما كان من أمره، فطيب الشيخ خاطره، ووعده أن يتعهده، وسيحضر الحلقات عندما يبلغ الشباب. ومن يدري!؟ فربما أصبح هذا الصبي نفسه شيخا لحلقة في هذا الجامع ذات يوم!..
وضحك الصبي، والتمعت عيناه، والتحمت نظراته الجدران إلى آفاق المستقبل، ورأى نفسه طالب علم، ثم شيخا لحلقة، فأوشك أن يطير من الفرح، وقبل يد الشيخ، وسأله متى يبدأ التعليم، فقد جاوز سن الطلب؟!.. وقال له الشيخ الفخر بن عساكر، أنه سيبدأ من الغد.
حتى إذا كان الغد، أخذه الشيخ إلى مكتب ملحق بالمسجد وأوصى بأن يتعلم القراءة والكتابة والخط وأن يحفظ القرآن، وتعه الشيخ بنفقة الصبي.
وأقبل العز على المكتب في شغف عظيم، وحفظ القرآن، وأتقن القراءة والكتابة والخط الحسن، وعوض ما فاته من سنوات الدرس
وكان كلما لقي شيخه على باب الجامع سأله عن حاله، فيسمعه الصبي ما حفظ من القرآن، ويطلعه على مما يكتب في اللوح الصفيح من الآيات الكريمة.
وأعجب الشيخ ابن عساكر بما يبدو عل العز من مخايل النجابة والذكاء، وحسن ترتيله للقرآن، وأعجب بصفة خاصة ببشاشة الصبي على الرغم من فقره الطاحن.!
ومرت أعوام، واطمأن الشيخ فخر الدين إلى أن الصبي قد أتقن حفظ القرآن وجوده، وإلى أنه قد أصبح يحذق القراءة والكتابة بخط جميل، فبشره الشيخ بأنه سيضم إلى الطلاب الذين يحضرون حلقته، ودفع إليه بما يعينه على شراء ثوب صالح لحضور حلقات العلم.
وأمضى الصبي ليلته يحلم بالمستقبل!
إنه الآن ليثب إلى مرحلة الشباب، وهو في حاجة إلى عمل يكفل له دفء المسكن والثوب اللائق والطعام الطيب..! هو في حاجة إلى مال يوفر له شراء أدوات التحصيل من دفاتر وأقلام وأوراق ومحبرة، وما يلزم من كتب.
وتحرج أن يكلم الشيخ ليساعده في الحصول على عمل آخر يحصل منه على أجر أكبر ويوفر له ما ينبغي لطالب العلم!.. لقد منعه الحياء!..
وقبل أن تنتهي ليلته استيقظ فجأة!.
ويحدثنا السبكي في طبقات الشافعية عن تلك الليلة فيقول: «كان الشيخ عز الدين في أول أمره فقيرا جدا، ولم يشتغل إلا على كبر، وسبب ذلك أنه كان يبيت في كلاسة «زاوية» من جامع دمشق، فبات فيها ليلة ذات برد شديد فاحتلم، فقام مسرعا ونزل في بركة الكلاسة فحصل له ألم شديد من البرد، وعاد فنام، فاحتلم ثانيا، فعاد إلى البركة لأن أبواب الجامع مغلقة وهو لا يمكنه الخروج، فطلع غمي عليه من شدة البرد.. ثم سمع النداء: يا ابن عبد السلام أتريد العلم أم العمل؟ فقال: بل العمل لأنه يهدي إلى العلم».
وأصبح الفتى عز الدين، وروى لشيخه ابن عساكر ما كان من أمر تلك الليلة. وقال الشيخ له: «لقد بلغت مبلغ الرجال. وهذا النداء هاتف من السماء يأمرك أن تهب نفسك للعلم».
وأعطاه الشيخ كتاب «التنبيه» في الفقه الشافعي، وأعطاه أسبوعين مهلة ليحسن قراءته واستيعابه. وعاد العز إلى شيخ بعد ثلاثة أيام وقد استوعب الكتاب وحفظه عن ظهر قلب!
وضمه الشيخ إلى حلقته، ونظم له حضور حلقات أخرى في اللغة وآدابها، وفي الحديث وأصول الفقه. ونصحه أن يتقن علوم اللغة من نحو وصرف وأن يحفظ الشعر ويدرسه ليحسن فهم نصوص القرآن.
ولزم عز الدين شيخه ابن عساكر، وتعلم منه الفقه الشافعي، وكان الشيخ زاهدا ورعا واسع المعرفة كثير الصدقات، خطيبا، لاذعا، وهو في الوقت نفسه شديد الحياء، وكان مرحا متألق الظرف، فتأثر تلميذه عز الدين ونقل عنه كثيرا من خصاله وسجاياه
شيوخه وتلامذته:
فخر الدين بن عساكر:
كان فخر الدين بن عساكر في دمشق وحاولوا أن يلزموه بالقضاء فرفض، وكان ابن عساكر قويًّا في الحق، حتى إنه أنكر على حاكم دمشق أنه كان يضمِّن الناس الخمر والمكوس التي كانوا يتلفونها.
عبد الصمد الحرستاني:
ومن شيوخ العزّ أيضًا: رجل اسمه عبد الصمد الحرستاني وهذا الرجل ألزم بالقضاء أيضًا، فلمّا ألزموه القضاء سار به على طريقة السلف الصالح وعلى الجادة، حتى إنه في إحدى المرات كان في مجلس القضاء، فجاءه خصمان قدم له أحدهم رقعة، فجعلها في الدرج ثم قال: ماذا عندك؟ وقال لخصمه: وأنت ماذا عندك؟
ثم حكم بعد ذلك فجاء حكمه ضدّ الرجل صاحب الرقعة، ثم فضّ الرسالة، وقرأه، فإذا به خطاب من الحاكم يشفع لهذا الرجل الذي حكم عليه، يقول له: حاول أن تنظر في أمره، وأن تجعل الحق معه، فأتلف ذلك الكتاب، وقال: قد غلب كتاب الله هذا الرجل.
فكان هذا من شيوخ العز بن عبد السلام، وعلى يد هؤلاء العلماء تعلّم العز بن عبد السلام دروس القوة، والشجاعة، والغيرة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والزهد في المناصب، حيث عزل العز بن عبد السلام نفسَه من القضاء أربع مرات، فكلما حدثت مشكلة بينه وبين السلاطين يعزل نفسه عن القضاء ويقول : مالي به حاجة! أنتم ألزمتموني، لا أحتاجه، ثم يعزل نفسه. تلاميذ العزّ يحملون الراية من بعده:
ثم تلقى على يد العز بن عبد السلام بعد ذلك رجال آخرون حملوا الراية من بعده، وساروا على دربه ومن هؤلاء:
ابن دقيق العيد:
الذي عزل نفسَه من القضاء أربع مرات، فكلما حدثت مشكلة يقوم ابن دقيق العيد بعزل نفسه عن القضاء، ويقول: مالي به حاجة! أنتم ألزمتموني، لا أحتاجه، ثم يعزل نفسه.
وقد حصل لابن دقيق العيد موقف مشابه لموقف شيخه العز ابن عبد السلام، فإن السلطان محمد بن قلاوون أراد أن يجمع المال من الناس لأجل حرب التتار ولو بالقرض، وهذا شبيه بما فعله قطز من قبل مع العز بن عبد السلام، فجمع السلطان محمد بن قلاوون العلماء؛ ليحظى بتأييدهم في هذا الأمر.
فقال له ابن دقيق العيد: لا يمكن أن تأخذ الأموال من الناس إلا بعد أن تجمع الأموال من السلاطين، والأمراء، ومن نسائهم، حتى قال له: إن من أمرائكم من جهز ابنته لتزف إلى زوجها، وعمل بحفلها الجواهر، واللآلئ، والحلي الفاخرة، وجعل معها الأواني من الذهب والفضة، وإن منكم من رَصّع مداس زوجته بالجوهر، فإذا أتيت بهذه الأموال ولم تكف ننتقل إلى أموال الرعية.
إذن القضية هي تربية العزّ التي تلقَّاها مِنْ مشايخه من أمثال: ابن عساكر وعبد الصمد الحرستاني، ومن ثم أدّى الأمانة وسلّم الراية إلى من بعده كابن دقيق العيد وغيره من التلاميذ.
• وقال الشيخ ابن عساكر له عندما حكى العز له حلماً : «لقد بلغت مبلغ الرجال. وهذا النداء هاتف من السماء يأمرك أن تهب نفسك للعلم»
• وحين استقر جثمان الشيخ آخر الدهر تحت سفح المقطم، وعاد السلطان الظاهر بيبرس إلى قصر ملكه تنفس الصعداء وقال: «الآن استقر أمري في الملك لأن هذا الشيخ لو كان يقول للناس: أخرجوا عليه، لانتزعوا الملك مني»
• قال ملوك الإفرنج للسلطان الصالح إسماعيل: لو كان هذا قسيساً لغسلنا رجليه وشربنا مرقها.
• لما خرج العز بن عبد السلام من الشام إلى مصر كان المفتي في مصر هو الإمام عبد العظيم المنذري وكان هو المفتى والعالم المبجل فيها، فلما جاء العز بن عبد السلام قال الإمام المنذري : قد كنت أُفتي يوم لم يكن الإمام العز موجوداً، أما الآن فإن منصب الإفتاء متعين عليه ورفض أن يفتي، من جاءه قال له: اذهب إلى العز بن عبد السلام.
• أيضاً مرة أخرى لما غضب عليه أحد أمراء الشام ومنعه من التدريس والخروج وفرض عليه الإقامة الجبرية، ذهب أحد الفقهاء الأحناف وكان فقيهاً مهيباً، فوقف عند الباب على حماره، فقال الحاكم: دعوه يدخل، فلما دخل قام إليه وأنـزله بنفسه، وقدمه، وقدره، وأبى أن يأكل إلا بعده، فقال له: ما الذي جاء بالشيخ؟ قال: ما الذي حدث بينك وبين الإمام العز بن عبد السلام . قال: كذا، وكذا، وذكر القضية.فقال هذا الفقيه: والله لو كان العز بن عبد السلام في الصين أو الهند لكان جديراً بك أن تسعى في أن يحضر إليك فإنه شرفٌ لك أن تملك أمة فيها مثل العز بن عبد السلام ، فينبغي أن تسترضيه، فوافق على ذلك، وأرضى العز بن عبد السلام ، وجعله في مقام رفيع.
تنطلق مواقف العز بن عبد السلام من مبدأ صريح، وموقف واضح عَبَّر عنه في كلام له حيث قال: "فإنّا نزعم أنا من جملة حزب الله - عز وجل -، وأنصار دينه وجنده، والجندي إذا لم يخاطر بنفسه فليس بجندي".
موقفه من الملك الصالح في دمشق:
عندما كان العز بن عبد السلام في دمشق كان الحاكم رجلاً يقال له: "الملك الصالح إسماعيل" من بني أيوب، فولّى العز بن عبد السلام خطابة الجامع الأموي، وبعد فترة قام الملك الصالح إسماعيل هذا بالتحالف مع النصارى الصليبيين، أعداء الله ورسله، فحالفهم وسلّم لهم بعض الحصون، كقلعة الشَّقِيف ، وصَفَد ، وبعض الحصون، وبعض المدن وذلك من أجل أن يستعين بهم على قتال الملك الصالح أيوب في مصر.
فلما رأى العز بن عبد السلام هذا الموقف الخائن الموالي لأعداء الله ورسله - عليهم السلام- ، لم يصبر فصعد على المنبر، وتكلّم وأنكر على الصالح إسماعيل تحالفه مع الصليبيين، وقالها له صريحة، وقطع الدعاء له في الخطبة، بعدما كان اعتاد أن يدعو له ، وختم الخطبة بقوله: "اللهم أبرم لهذه الأمة أمرًا رشدًا تُعِزُّ فيه وليَّك، وتُذِلُّ فيه عدوَّك، ويُؤْمَر فيه بالمعروف، ويُنْهَى فيه عن المنكر" . ثم نزل.
وعرف الأمير الملك الصالح إسماعيل أنه يقصده، فغضب عليه غضبًا شديدًا، وأمر بإبعاده عن الخطابة، وسجنه، وبعدما حصل الهرج والمرج، واضطرب أمر الناس، أخرجه من السجن ومنعه من الخطبة بعد ذلك.
وخرج العز مغاضباً إلى مصر (639 هـ) فأرسل إليه الصالح أحدَ أعوانه يتلطف به في العود إلى دمشق، فاجتمع به ولايَنَهُ وقال له: ما نريد منك شيئاً إلا أن تنكسر للسلطان وتقبّل يده لا غير. فقال له الشيخ بعزة وإباء العالم المسلم: "يا مسكين، ما أرضاه يقبّل يدي فضلاً أن أقبّل يده! يا قوم، أنتم في واد ونحن في واد، والحمد لله الذي عافانا مما ابتلاكم"
قال: إذًا نسجنك، فقال: "افعلوا ما بدا لكم". فأخذوه وسجنوه في خيمة، فكان يقرأ فيها القرآن ويَتَعَبَّد ويذكر الله تعإلى.
موقفه من بيع الأسلحة للأعداء:
هذا موقف صرّح فيه العز بن عبد السلام - رحمه الله - بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على رؤوس المنابر، ورأى أن هذا الذي يسعه، مع أنه كان يستطيع غير ذلك، ولكنه رأى أن هذا هو الأسلوب المناسب، خاصة أن الصليبيين في تلك الوقعة دخلوا شوارع دمشق ومدنها، وتجوَّلوا في أسواقها ودكاكينها، وكانوا يشترون الأسلحة من المسلمين؛ ولذلك وُجِّه إليه الاستفتاء: هل يجوز أن نبيع السلاح للنصارى؟
فأفتى - رحمه الله - بأن بيع السلاح إليهم لا يجوز؛ لأن من يبيعهم السلاح يعلم أنهم سوف يصوِّبون هذه الأسلحة إلى صدور المسلمين.