( سيرة سفيان الثوري )
الشيخ محمد صالح المنجد
عناصر الموضوع :
1. أهمية معرفة سير السلف
2. سيرة سفيان الثوري رحمه الله
3. حاجتنا إلى معرفة سير السلف واقتفاء آثارهم
سيرة سفيان الثوري:
إننا بحاجة إلى معرفة سير سلفنا الصالح، أولئك الرجال الأفذاذ الذين أنجبتهم هذه الأمة المباركة المعطاءة، وذلك حتى نسير على ما ساروا عليه، ونترسم خطاهم ونقتفي آثارهم، فإنهم هم القدوة الحسنة لمن أراد الاقتداء، وهم خير متَّبع لتابع... من أولئك الرجال الأفذاذ سفيان الثوري رحمه الله.. فقد تكلم الشيخ عن جوانب من سيرته الفذة، وذكر بعض أقوال العلماء في الثناء عليه، وذكر بعض فضائله.
أهمية معرفة سير السلف:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1]. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].
أما بعـد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
لقد ضيعت هذه الأمة فيما ضيعت حفظ سير السلف والتعرف على رجالها في القرون الماضية، يوم أن التفتنا إلى أسماء اللاهين واللاعبين، وسير العابثين والفاسقين، ضيعنا من ضمن ما ضيعنا سير الأجداد المصلحين، والآباء الفاتحين، والعلماء العاملين. أيها المسلمون: إن ديناً في رقابنا أن نتعرف على سير أسلافنا، وخصوصاً رجال خير القرون الذين مضوا وخلفوا سيراً وعبراً. إن سير أولئك الرجال لتبعث في النفس الشجاعة في الحق، والحماسة في طلب العلم، والسعي لتغيير المنكر، والقيام لله بالعبادة، وسائر الفوائد التي تنبع من دراسة سير أولئكم الأفذاذ.
سيرة سفيان الثوري رحمه الله:
ونحن مع سيرة رجل من الرجال الذين أنجبتهم هذه الأمة.. إنه عَلَم بحق، كان رأساً في العلم، ورأساً في الزهد والورع وإنكار المنكر والجهر بالحق والعبادة والحفظ.. رحمه الله تعالى ورضي عنه وأرضاه، وقل من الناس من يعرفه، فلا تكاد ترى له عند العامة ذكراً أو تسمع له عندهم حساً وخبراً.
نسبه ومولده:
إنه أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب الثوري رحمه الله تعالى، من قبيلة ثور، وهي قبيلة من مضر، ولد -رحمه الله- سنة سبع وتسعين للهجرة، ودرس على أبيه سعيد بن مسروق ، الذي كان ثقة عند المحدثين، وأخرج له أصحاب الكتب الستة.
طلبه للعلم ورحلته:
طلب سفيان العلم وهو حدثٌ باعتناء والده المحدث الصادق، وأمه كان لها أثر حسن في توجيهه، قالت أم سفيان لـسفيان : يا بني! اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي. كانت تعمل بالغزل وتقدم لولدها نفقة الكتب والتعلم.. وقالت له مرة: يا بني! إذا كتبت عشرة أحرف فانظر هل ترى في نفسك زيادة في خشيتك وحلمك ووقارك، فإن لم تر ذلك فاعلم أنها تضرك ولا تنفعك! من هذا البيت خرج هذا الرجل، فالتربية التربية يا عباد الله! فإن النشء يخرج هكذا. أفنى عمره في طلب العلم وطلب الحديث، وقال رحمه الله: لما أردت أن أطلب العلم قلت: يا رب! لا بد لي من معيشة، ورأيت العلم يُدرس -أي: يذهب ويندثر تدريجياً- فقلت: أفرغ نفسي في طلبه، قال: وسألت الله الكفاية. وقال: أنا في هذا الحديث منذ ستين سنة. وقال: ينبغي للرجل أن يكره ولده على طلب الحديث، فإنه مسئول عنه. وكان -رحمه الله- يقول: لا نزال نتعلم العلم ما وجدنا من يعلمنا. وقال: لو لم يأتني أصحاب الحديث ليسمعوا ويكتبوا لأتيتهم في بيوتهم. وبلغ عدد شيوخه ستمائة شيخ، وعن المبارك بن سعيد قال: رأيت عاصم بن أبي النجود -وكان شيخاً جليلاً- يجيء إلى سفيان الثوري يستفتيه، ويقول: يا سفيان ! أتيتنا صغيراً وأتيناك كبيراً. أي: أتيتنا صغيراً تطلب العلم عندنا فتفوقت علينا فجئناك وأنت كبير.. وكان يكتب ويتعلم حتى آخر عمره يشتغل بطلب العلم. دخلوا على سفيان في مرض موته، فحدثه رجل بحديث أعجبه، فضرب سفيان بيده إلى تحت فراشه فأخرج ألواحاً فكتبه -كتب الحديث وهو على فراش الموت- فقالوا له: على هذه الحال منك! فقال: إنه حسن! إن بقيت فقد سمعت حسناً، وإن مت فقد كتبت حسناً. رحل إلى مكة والمدينة ، وحج ولم يخط وجهه بعد، وزار بيت المقدس ، ورحل إلى اليمن للقاء معمر ، وكانت أسفاره ما بين طلب علم وتجارة وهرب.. كان نابغة بحق. عن الوليد بن مسلم قال: رأيت سفيان الثوري بـمكة يستفتى ولم يخط وجهه بعد. وعن أبي المثنى قال: سمعت الناس بـمرو يقولون: قد جاء الثوري قد جاء الثوري ، فخرجت أنظر إليه فإذا هو غلام قد بقل وجهه. أي: نبت شعره من قريب، كان ينوه بذكره في صغره من فرط ذكائه وقوة حفظه. وقال محمد بن عبيد الطنافسي : لا أذكر سفيان الثوري إلا وهو يفتي، أذكره منذ سبعين سنة، ونحن في الكتاب تمر بنا المرأة والرجل فيسترشدوننا إلى سفيان يستفتونه ويفتيهم، ولما رآه أبو إسحاق السبيعي مقبلاً في صغره تمثل بقول الله: وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً [مريم:12] .
الشيخ محمد صالح المنجد
عناصر الموضوع :
1. أهمية معرفة سير السلف
2. سيرة سفيان الثوري رحمه الله
3. حاجتنا إلى معرفة سير السلف واقتفاء آثارهم
سيرة سفيان الثوري:
إننا بحاجة إلى معرفة سير سلفنا الصالح، أولئك الرجال الأفذاذ الذين أنجبتهم هذه الأمة المباركة المعطاءة، وذلك حتى نسير على ما ساروا عليه، ونترسم خطاهم ونقتفي آثارهم، فإنهم هم القدوة الحسنة لمن أراد الاقتداء، وهم خير متَّبع لتابع... من أولئك الرجال الأفذاذ سفيان الثوري رحمه الله.. فقد تكلم الشيخ عن جوانب من سيرته الفذة، وذكر بعض أقوال العلماء في الثناء عليه، وذكر بعض فضائله.
أهمية معرفة سير السلف:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1]. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].
أما بعـد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
لقد ضيعت هذه الأمة فيما ضيعت حفظ سير السلف والتعرف على رجالها في القرون الماضية، يوم أن التفتنا إلى أسماء اللاهين واللاعبين، وسير العابثين والفاسقين، ضيعنا من ضمن ما ضيعنا سير الأجداد المصلحين، والآباء الفاتحين، والعلماء العاملين. أيها المسلمون: إن ديناً في رقابنا أن نتعرف على سير أسلافنا، وخصوصاً رجال خير القرون الذين مضوا وخلفوا سيراً وعبراً. إن سير أولئك الرجال لتبعث في النفس الشجاعة في الحق، والحماسة في طلب العلم، والسعي لتغيير المنكر، والقيام لله بالعبادة، وسائر الفوائد التي تنبع من دراسة سير أولئكم الأفذاذ.
سيرة سفيان الثوري رحمه الله:
ونحن مع سيرة رجل من الرجال الذين أنجبتهم هذه الأمة.. إنه عَلَم بحق، كان رأساً في العلم، ورأساً في الزهد والورع وإنكار المنكر والجهر بالحق والعبادة والحفظ.. رحمه الله تعالى ورضي عنه وأرضاه، وقل من الناس من يعرفه، فلا تكاد ترى له عند العامة ذكراً أو تسمع له عندهم حساً وخبراً.
نسبه ومولده:
إنه أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب الثوري رحمه الله تعالى، من قبيلة ثور، وهي قبيلة من مضر، ولد -رحمه الله- سنة سبع وتسعين للهجرة، ودرس على أبيه سعيد بن مسروق ، الذي كان ثقة عند المحدثين، وأخرج له أصحاب الكتب الستة.
طلبه للعلم ورحلته:
طلب سفيان العلم وهو حدثٌ باعتناء والده المحدث الصادق، وأمه كان لها أثر حسن في توجيهه، قالت أم سفيان لـسفيان : يا بني! اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي. كانت تعمل بالغزل وتقدم لولدها نفقة الكتب والتعلم.. وقالت له مرة: يا بني! إذا كتبت عشرة أحرف فانظر هل ترى في نفسك زيادة في خشيتك وحلمك ووقارك، فإن لم تر ذلك فاعلم أنها تضرك ولا تنفعك! من هذا البيت خرج هذا الرجل، فالتربية التربية يا عباد الله! فإن النشء يخرج هكذا. أفنى عمره في طلب العلم وطلب الحديث، وقال رحمه الله: لما أردت أن أطلب العلم قلت: يا رب! لا بد لي من معيشة، ورأيت العلم يُدرس -أي: يذهب ويندثر تدريجياً- فقلت: أفرغ نفسي في طلبه، قال: وسألت الله الكفاية. وقال: أنا في هذا الحديث منذ ستين سنة. وقال: ينبغي للرجل أن يكره ولده على طلب الحديث، فإنه مسئول عنه. وكان -رحمه الله- يقول: لا نزال نتعلم العلم ما وجدنا من يعلمنا. وقال: لو لم يأتني أصحاب الحديث ليسمعوا ويكتبوا لأتيتهم في بيوتهم. وبلغ عدد شيوخه ستمائة شيخ، وعن المبارك بن سعيد قال: رأيت عاصم بن أبي النجود -وكان شيخاً جليلاً- يجيء إلى سفيان الثوري يستفتيه، ويقول: يا سفيان ! أتيتنا صغيراً وأتيناك كبيراً. أي: أتيتنا صغيراً تطلب العلم عندنا فتفوقت علينا فجئناك وأنت كبير.. وكان يكتب ويتعلم حتى آخر عمره يشتغل بطلب العلم. دخلوا على سفيان في مرض موته، فحدثه رجل بحديث أعجبه، فضرب سفيان بيده إلى تحت فراشه فأخرج ألواحاً فكتبه -كتب الحديث وهو على فراش الموت- فقالوا له: على هذه الحال منك! فقال: إنه حسن! إن بقيت فقد سمعت حسناً، وإن مت فقد كتبت حسناً. رحل إلى مكة والمدينة ، وحج ولم يخط وجهه بعد، وزار بيت المقدس ، ورحل إلى اليمن للقاء معمر ، وكانت أسفاره ما بين طلب علم وتجارة وهرب.. كان نابغة بحق. عن الوليد بن مسلم قال: رأيت سفيان الثوري بـمكة يستفتى ولم يخط وجهه بعد. وعن أبي المثنى قال: سمعت الناس بـمرو يقولون: قد جاء الثوري قد جاء الثوري ، فخرجت أنظر إليه فإذا هو غلام قد بقل وجهه. أي: نبت شعره من قريب، كان ينوه بذكره في صغره من فرط ذكائه وقوة حفظه. وقال محمد بن عبيد الطنافسي : لا أذكر سفيان الثوري إلا وهو يفتي، أذكره منذ سبعين سنة، ونحن في الكتاب تمر بنا المرأة والرجل فيسترشدوننا إلى سفيان يستفتونه ويفتيهم، ولما رآه أبو إسحاق السبيعي مقبلاً في صغره تمثل بقول الله: وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً [مريم:12] .