تلتقي نظريات علم النفس الحـديـث مــع الإسلام في أن العقوبة أمر مشروع لمن لم تُفد معه الأساليب التربوية الأخرى كالمدح والثـنـاء في وضع حد للسلوك الخاطئ وإطفائه؛ ذلك أن بعض الناس لا يرتدعون إلا بالعقوبة؛ وقد جاء في الأثر: (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن).
والإسـلام يُجيز العقوبة ويشرّع لها؛ ولذلك وضع عقوبات وحدوداً معينة لبعض الجرائم الأخلاقـيـة: فجريمة القتل حدها القتل، وجريمة السرقة حدها قطع اليد، وجريمة شرب الخمر حدها الجلد، وكذلك جريمة الزنا لغير المحصن حدها الجلد أيضاً.
وهكذا نجد في القرآن الكريم تفاصيل هذه الحدود بما لا يدع مجالاً للشك؛ قال ـ تعالى ـ في حد القتل: ((وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأََلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) [البقرة: 179]. فجعل حـيــاة المجتمع وقفاً على موت بعض أفراده السيئين قطعاً لجذور الفساد وردعاً لمن تسول له نفسه القيام بذلك جزاء وفاقاً.
وقال في حد الـسـرقــة: ((وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ واللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) [المائدة: 38].
وقال في حد الزنا: ((الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَاًخُذْكُم بِهِمَا رَاًفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ المُؤْمِنِينَ)) [النور: 2].
وقال ـ تعالى ـ في جواز ضرب الرجل زوجته ضرباً غير مبرح: ((وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِياً كَبِيراً)) [النساء: 34].
وفي تأديب الصبي وجواز ضربه على إهمال الصلاة إذا بلغ عشراً، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع)(1).
وهكذا يتبين لنا من هـــذه الأدلة أن الإسلام يجيز مبدأ العقاب ويشرع له، ولذلك لا نجد من التربويين المسلمين الأوائل من أنكر مبدأ العقاب في التربية؛ ولكنهم أحاطوه بسياج من الشروط والقيود، وجعـلـــوه تالياً للمدح، وقدموا عليه الرفق؛ عملاً بقول الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-: (إن الـرفــق لا يكـــون فـي شــيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه)(2).
وعـــن عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (يا عائشة! إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه)(3).
ونـجــــد من بين التربويين الأوائل الذين تكلموا في هذا الموضوع: الإمام الفقيه محمـد بن سحنون (ت 256هـ)، وأبا الحسن القابسي (ت 324 هـ)، وابن الجزار القيرواني الطبيب (ت 369هـ)، والغزالي (ت 505 هـ)، وبرهان الدين الزرنوجي (ت 640 هـ)، وابن جماعة الكناني (ت 733هـ) وابن خلدون (ت 808 هـ) وغيرهم.
قال ابن سـحـنـون: (ولا بــــأس أن يضربهم ـ يعني المؤدب أو المعلم ـ على منافعهم، ولا يتجاوز بالأدب ثلاثاً إلا أن يأذن الأب فـي أكـثـر من ذلك إذا آذى أحداً، ويؤدبهم على اللعب والبطالة، ولا يجاوز بالأدب عشراً، وأما على القرآن فلا يجاوز أدبه ثلاثاً)(4).
ويعلل ابن سحنون ذلك بقوله: (لأن عشرة غاية الأدب؛ وكذلك سمعت مالكاً يقول: وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (لا يضرب أحدكم أكثر من عشرة أسواط إلا في حد).
وقد جاء في وصية ابن سحنون لمعلم ولده: (لا تؤدبــه إلا بالمدح ولطيف الكلام، وليس هو ممن يؤدّب بالضرب والتعنيف)(5).
ويلتقي أبو الحسن القابسي مع ابن سحنون في ضرورة الرفق بالصبيان وعدم تجاوز الثلاثة فـي التأديب، وإنما يلجأ إلى الضرب فقط عندما لا ينفع العذل والتقريع بالكلام الذي فيه الـتـوعــد من غير شتم ولا سب لعِرْض، يقول أبو الحسن القابسي: (وإذا استأهل الضرب فاعلم أن الضرب من واحدة إلى ثلاث، فليستعمل اجتهاده لئلا يزيد رتبة فوق استئهالها، وهذا هو أدبه إذا فرّط فتثاقل عن الإقبال على المعلم، فتباطأ في حفظه، أو أكثر الخطأ في حزبه، أو في كتابة لوحه.
ولئن سـمـح القابسي للمعلم بمعاقبة التلاميذ بهذا القدر من الضرب إلا أنه علّق ذلك على مدى استـئهـال التلميذ لذلك، وقيّده بثلاثة، واشترط في تجاوز الثلاثة إلى العشرة مشورة أبي الصبي أو ولي أمره ومدى احتمال الصبي للضرب فوق الثلاثة إذا استأهل ذلك، وألا يتعدى أثر الـضــــرب الألم إلى التأثير المشنع أو الوهن المُضِر. وعلى الجملة: فالمعلم عنده عوض عن الأب بالـنـسـبة للصبيان (فهو المأخوذ بأدبهم، والناظر في زجرهم عما لا يَصْلح لهم، والقائم بإكرامهم عـلـى مـثـل مـنـافـعهم؛ فهو يسوسهم في كل ذلك بما ينفعهم، ولا يخرجهم ذلك من حسن رِفْقه بهم، ولا مـن رحـمـتـــه إيـاهـــم؛ فإنما هو لهم عوض من آبائهم)(6) ويعلل القابسي ذلك بقول الرسـول -صلى الله عليه وسلم-: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفـق بـه)(7)، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله يحب الرفق في الأمر كله)(8).
وقد تحدث ابن الجزار القيرواني الطبيب عن الفرق بين الصبيان في مدى قبولهم للأدب؛ إذ منهم من يتقبل الأدب قبولاً سهلاً، ومنهم من لا يقبل ذلك، ومنهم من إذا مُدِحَ تعلم علماً كثيراً، ومنهم من يتعلم إذا عاقبه المعلم ووبخه، ومنهم من لا يتعلم إلا إذا استعملت معه أساليب أشد تعنيفاً كالضرب مثلاً. ولذلك قرر ابن الجزار مراعاة هذه الفروق الفردية، واتباع الأسلوب المناسب لتأديب كل صبي بما يناسبه من الأساليب؛ حيث قال: (فأما إذا كــان الـصـبـي طبيعته جيدة، أعني: أن يكون مطبوعاً على الحياء وحب الكرامة والألفة محباً للصــدق؛ فإن تأديبه يكون سهلاً، وذلك أن المدح والذم يبلغان منه عند الإحسان أو الإساءة ما لا تبلغه العقوبة من غيره، فإن كان الصبي قليل الحياء، مستخفاً للكرامة، قليل الألفة، مـحـبـاً للـكــذب، عـسـراً تأديباً، ولا بد لمن كان كذلك من إرهاب وتخويف عند الإساءة، ثم يحقق ذلك بالضرب إذا لم ينجح التخويف(9).
وقد بين الغزالي أن الطريق في ريـاضــة الـصـبـيـان وتأديـبـهـم ينبغي أن يؤسس على الرفق واللين، والثواب والمدح لا العقاب والشدة والتعنيف؛ حيث قال: (ثم مهما ظهر من الصبي من خلق جميل وفعل محمود فينبغي أن يكرم عليه، ويجازى عليه بما يفرح به ويمدح بين أظهر الناس، فإن خالف ذلك في بعض الأحوال مرة واحدة؛ فـيـنبغي أن يتغافل عنه، ولا يهتك ستره، ولا يكاشفه، ولا يظهر له أنه يتصور أن يتجاسر أحـــد على مثله، ولا سيما إذا ستره الصبي واجتهد في إخفائه؛ فإن إظهار ذلك عليه ربما يفيده جسارة حتى لا يبالي بالمكاشفة، فعند ذلك إن عاد ثانية فينبغي أن يعاقب سراً ويعظم الأمر فيه، ويقال له: إياك أن تعود بعد ذلك لمثل هذا، وأن يُطّلع عليك في مثل هذا فتُفضح بين الناس. ولا تكثر القول عليه بالعتاب في كل حين فإنه يهون عليه سماع الملامة، وركـــوب القبائح، ويسقط وقع الكلام من قلبه)(10).
أمـــــا العلاّمة ابن خلدون فقد عقد في مقدمته فصلاً في أن الشدة على المتعلمين مُضرّة بهم، أشار فـيــــه إلى الأضرار الخطيرة التي تعود على الفرد في مرحلة الرشد، وعلى المجتمع بأسره نتيجة الشدة والتعنيف في تأديب الولدان في الصّغر، وما ينجرّ عنها من فساد وسوء خلق وتـعــوّد على الكذب والخبث والكيد والمكر والخديعة؛ لأن الراشد قد تعوّد في صغره التظاهر بغير ما في ضميره خوفاً من انبساط الأيدي بالقهر عليه، فصار ذلك له خلقاً وعادة لم يستطع منها فكاكاً في الكبر.
يقول ابن خلدون: (ومن كان مَرْباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم سطا به القهر، وضيّق على النّفْسِ في انبساطها، وذهب بنشاطها، ودعاه ذلك إلى الكسل،وحمله على الكذب والخبث وهو التظاهر بغير ما في ضميره خوفاً من انبساط الأيدي بالقهر عليه، وعلمه المكر والخديعة لذلك، وصارت له هذه عادة وخلقاً، وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمدّن، وهي الحمية والمدافعة عن نفسه ومنزله، وصار عيالاً على غيره في ذلك، بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل؛ فانقبضت عـــن غايتها ومدى إنسانيتها، فارتكس وعاد في أسفل السافلين)(11).
ولم يكـتـف ابـن خلدون بهذه الإشارة الجميلة للآثار المترتبة على العنف في التربية؛ بل ضرب لنا مثلاً واقـعـيـــاً باليهود وما اتصفوا به من خبث ومكر وكيد؛ ومردّ ذلك حسب تحليله يعود إلى ما لـقــــوه من قهر وعسف نتيجة تيههم وتفرقهم في الأمصار. يقول ابن خلدون: (وانظره في اليهود وما حصل بذلك فيهم من خلق السوء، حتى إنهم يوصفون في كل أفق وعصر بالحرج؛ ومعناه في الاصطلاح المشهور: التخابث والكيد؛ وسببه ما قلناه. (أي: العسف والقهر في التأديب)(12). ولذلك دعا ابن خلدون إلى الرفق بالمتعلم واجتناب الشدة في تأديبه وتهذيبه، واستحسن وصية الرشيد لمعلم ولده محمد الأمين، واعتبرها من أحسن مذاهب التعليم، ومما جاء فيها: (يا أحمر! إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه، وثمرة قلبه، فصيّر يدك عليه مبسوطة، وطاعته لك واجبة، فكن له بحيث وضعك أمير المؤمنين: أقرئه القرآن، وعرّفه الأخبار، وروّه الأشعار، وعلّمه السنن، وبصّره بمواقع الكلام وبدئه، وامنعه من الضحك إلا في أوقاته، وخذه بتعظيم مشايخ بني هاشم إذا دخلوا عليه، ورفع مجالس القواد إذا حضروا مجلسه، ولا تمرّنّ بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة تفيدها إياه، من غير أن تحــزنـــه فتميت ذهنه، ولا تمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ ويألفه، وقوّمه ما استطعت بالقرب والملاينة؛ فإنْ أباهما فعليك بالشدة والغلظة)(13).
وأجمل منها وصية مسلمة بن عـبـد الـمـلـك إلى مؤدب ولده؛ حيث قال: (إني قد وصَلْتُ جناحك بعضدي، ورضيتُ بك قريناً لولدي؛ فأحسن سياستهم تدم لك استقامتهم، وأسْهِلْ بهم في التأديب عن مذاهب العنف، وعـلّـمـهــــم معروف الكلام، وجنّبهم مثاقبة اللئام، وانههم أن يُعرَفوا بما لم يَعْرِفوا، وكن لهم سائساً شفيقاً، ومؤدباً رفيقاً تكسبك الشفقة منهم المحبة، والرفق حسن القبول ومحمود المغبة، ويمـنـحك ما أرى من أثرك عليهم، وحسن تأديبك لهم مِني جميل الرأي، وفاضل الإحسان ولطيف العناية)(14).
ومما سبق يتضح أن المربين المسلمين الأوائل وإن أقرّوا بـدور الـعـقـاب في التربية إلا أنهم جعلوه من باب: (آخر العلاج الكي) بحيث لا يلجأ إليه المربي إلا عند الضرورة القصوى، وضمن حدود معينة، وشروط محددة؛ فهم قد فاضلوا بين الأساليب التربوية على النحو الآتي:
1- المدح والثناء والترغيب:
اعتبر التربويـون المسلمون الأوائل الثواب والمدح والثناء الأسلوب الأمثل، والحافز الأقوى للتعلم، ولذلك طالبوا المعلم بالمبادرة به قبل غيره، وأن لا يلجأ إلى غيره إلا لحاجة ملحّة قـد تفـرضـهـا طبيعة الصبي كأن يكون الصبي قليل الحياء مستخفّاً بالكرامة، قليل الألفة محباً للكذب. وفي ذلك يقول أبو الحسن القابسي: (وإذا هو أحسن يغبطه بإحسانه من غير انبساط إليه ولا منافرة له لـيـعـرف وجــــه الـحـســن مــن الـقـبـيـح فيتدرج على اختيار الحسن)(15).
وفي ذلك أيضاً يقول الغزالي: (ثم مهما ظهر من الصبي خلق جميل، وفعل محمود فينبغي أن يكرم عليه ويجازى عليه بما يفرح به ويمدح بين أظهر الناس)(16).
وقد مر معنا وصية ابن سحنون لمؤدب ولده: (ولا تؤدبه إلا بالمدح ولطيف الكلام)(17).
كذلك أوصى ابن جماعة المعلم بشكر التلميذ إذا أصاب الجواب ومــدحــــه والثناء عليه، فقال: (فمن رآه مصيباً في الجواب، ولم يخف عليه شدة الإعجاب شكره وأثنى عليه بين أصحابه ليبعثه وإياهم على الاجتهاد في طلب الازدياد)(18). وقد كان الـمـربـون الأوائل يتحينون الفرص لتشجيع الأولاد وحثهم على المنافسة النزيهة في العلم وتحصيله. قال ابن سحنون في حث المعلم على ذلك: (وينبغي أن يجعل لهم وقتاً يعلمهم فيه الكتاب ويجعلهم يتجاوزون؛ لأن ذلك مما يصلحهم ويخرجهم، ويبيح لهم أدب بعضهم بعضاً)(19).
وكانوا إذا حذق الصبي القرآن ـ أي أصبح ماهراً فيه ـ جمعوا له الناس وعمـلـوا له وليمة لتشجيعه ومدحه بين الناس بما يدفعه إلى الاستزادة من العلم وتحصيله؛ خصـوصـــاً إذا علمنا أن أول ما يتعلمه الصبي في الكتّاب القرآن الكريم، فهو بختمه القرآن الكريم وحذقه لا يزال في بداية الطريق. جاء في: (كتاب العيال) للحافظ ابن أبي الدنيا: (حدثني بشر بن مـعــاذ الـعـبـدي، حدثنا أبو عمارة الرازي، حدثنا يونس، قال: حذق ابنٌ لعبد الله بن الحسن بن أبي الحسن، فقال الحسن: إن فلاناً قد حذق.
فقال الحسن: كان الغلام إذا حذق قبل اليوم نحروا جزوراً وصنعوا طعاماً للناس)(20).
وبهذا يكون المربون الأوائل قد سبقوا بأشواط كثيرة علماء النفس المحدثين في تقرير أهمية المدح والثناء فـي الـتـربـيـــة. ويشار إلى أسلوب التشجيع والثواب في علم النفس بمصطلح (التعزيز). ومعناه المكافأة ويعـتـبر التعزيز، سواء كان معنوياً كالمدح والثناء، أو مادياً، من أهم الأساليب الحديثة في تعديل السلوك وتهذيبه. وهكذا يتضح أن التربويين المسلمين قد لامسوا الموضوع عن قرب ولكن دون الـدخــــول في تفصيلات كبيرة كما هو الشأن بالنسبة لعصرنا الحالي الذي تشعبت فيه التخصصات.
2- الإيحاش والإعراض والتّرْك:
ويعتبر الإيحاش والإعراض والترك أقل درجــــات العقوبة المعنوية؛ فالمعلم قد يلحظ على الصبي ملحظاً أو يرى منه تصرفاً غير لائق؛ ولكنه يُعرض عنه ويتغافل عنه ولا يعنفه أو يشتد عليه في العقوبة؛ ربما لأن الصبي قام بهذا السلوك مرة واحدة فيعفو عنه، أو لأنه كان يتوقع أن ما قام به يعتبر لائقاً وينتظر عليه مـكـافــأة من المعلم ولو في صورة مدح أو بشاشة وجه أو اهتمام به، فيعرض المعلم عنه ويبدي له نوعاً من الإيحاش وعدم البشاشة. وقد أشار الغزالي إلى هذا الأسلوب بقوله: (فإن خالف ذلك (أي: أتى فعلاً غير محمود أو تخلق بخلق غير جميل) في بعض الأحوال مرة واحدة فـيـنـبغي أن يتغافل عنه ولا يهتك ستره ولا يكاشفه ولا يظهر له أنه يتصور أن يتجاسر أحد على مثله، ولا سيما إذا ستره الصبي واجتهد في إخفائه)(21).
ويشار إلى هذا الأسلوب في نظريات التعلم بمصطلح: (الانطفاء).
ومـعـنـاه أن الصبي إذا قام بسلوك غير لائق وتجاهله المعلم وأعرض عنه ولم يُبْدِ نوعاً من الإيناس وبشاشة الوجه للصبي؛ فإن الصبي يبدي رغبة أقل في تكراره ويتركه؛ فينطفئ. وقد قدم لنا كل من (مارتن وبير) في كتابهما: (تعديل السلوك) عدة شروط يجب مراعاتها لكي يـكـون اسـتـخـدامـنـا للانطفاء أكثر فعالية في تعديل السلوك، يمكن الرجوع إليها في مظانها لمن رام المزيد.
3- الذم والتوبيخ والترهيب:
إذا لم ينفع مع الصبي أسلوب الإيحاش والإعراض والترك يلجأ المعلم إلى أسلوب أشد في العقوبة المعنويـة وهو أسلوب الذم والتوبيخ والترهيب والوعيد الشديد دون إيقاع الضرب ودون الـتـبذل فـي العذل والتقريع في الكلام أو اللجوء إلى الشتم والسب. وقد جعل أبو الحسن القابسي هـذا الأسلوب في العقوبة أعلى درجات العقوبة المعنوية، ويليه مباشرة إيقاع العقوبة البدنية بالصبي إذا استأهل ذلك.
كذلك أشار الغزالي إلى أن الصبي إذا نُهي عن التخلق بسيئ الأخلاق فلم ينته، ولم ينفع معه أسلوب الإيحاش والإعراض والترك فينبغي أن يعاقب سراً ويعظم الأمر فيه؛ فيقال له: إياك أن تعود بعد ذلك لمثل هذا وأن يُطّلع عليك في مثل هذا فتُفتضح بين الناس(22). فإن لم ينته الصبي عن ذلك يُلجأ إلى العقاب الجهري والتغليظ في القول لينزجر السامع ومن معه ويتأدبوا بذلك؛ فإن لم ينفع معه ذلك يُلجأ إلى العقوبة البدنية على النحو الذي سيأتي ذكره.
4- العقوبة البدنية:
إذا لم تفلح أساليب العقوبة المعنوية من إيحاشٍ وإعراضٍ وذمٍ وتوبيخٍ وتخويفٍ يَلجأ المعلم إلى العقوبة البدنية؛ حيث أجاز الإسلام العقوبة البدنية وشرع لها كما أسلفت، كما أجاز المربون المسلمون استعمال الضرب لتأديب الصبيان؛ ولكنهم جعلوه آخر أسلوب في التربية، وأحاطوه بسياج من القيود والشروط. وفيما يلي الشروط التي وضعها أبو الحسن القابسي للعقوبة البدنية(23):
1- ألاّ يستعمل المعلم الضرب إلا لذنب.
2- أن يوقع المعلم الضرب بقدر الاستئهال الواجب في الجُرْم (وإذا استأهل الضرب فاعلم أن الضرب من واحدة إلى ثلاث،فليستعمل اجتهاده لئلا يزيد في رتبة فوق استئهالها)(24).
3- أن يكون الضرب من واحدة إلى ثلاث، ويستأذن القائم بأمر الصبي في الزيادة إلى عشر ضربات. فإن اكتسب الصبي جرمـــاً من أذى ولعب، وهروب من الكتّاب، وإدمان البطالة فينبغي للمعلم أن يستشير أباه، أو وصيه إن كان يتيماً، ويُعْلمه إذا كان يستأهل من الأدب فوق الثلاث، فتكون الزيادة على مـا يوجبه التقصير في التعلم عن إذن من القائم بأمر هذا الصبي، ثم يزاد على الثلاث ما بينه وبين العشر(25).
4- أن يزاد على عشر ضربات إذا كـان الـصـبــي يطيق ذلك أو كان سيئ التربية غليظ الخلق. (وربما كان من صبيان المعلم من يناهز الاحتلام ويكون سيئ الرعية، غليظ الخلق، لا يروعه وقوع عشر ضربات عليه ويرى للزيادة عليه مكاناً، وفيه محتمل مأمون، فلا بأس ـ إن شاء الله ـ من الزيادة على العشر ضربات)(26).
5- أن يقوم المعلم بضرب الصبيان بنفسه: (ولْيـتـولّ أدبهم بنفسه؛ فقد أحب سحنون ألا يُولي أحداً من الصبيان الضرب)(27).
6- أن يوقع المعلم الضرب على الرّجْلين دون الوجه والرأس: (وليتجنب أن يضرب رأس الـصـبـي أو وجـهــه؛ فإن سحنون قال فيه: لا يجوز له أن يضربه، وضرر الضرب فيهما بيّن، قد يوهن الدمـاغ، أو تطرف العين أو يؤثر أثراً قبيحاً، فلْيُجتنبا؛ فالضرب على الرّجْلين آمن وأحمل للألم في سلامة)(28).
7- أن يكون الضرب بحـيـث لا يـتـعـدى الألم إلى التأثير المشنع أو الوهن المضر: (وصِفَة الضرب: هو ما يؤلم ولا يتعدى الألم إلى التأثير المشنع، أو الوهن المضر)(29).
8- أن تكون الدّرّة التي يضرب بها المعلم الصبيّ رطبة مأمونة لئلا تؤثر أثراً سيئاً.
9- ألاّ يكون الضرب انتقاماً من الصبي وإنما يكون لعلاجه وتأديبه: (ينبغي لمعلم الأطفال أن يراعي منهم حتى يخلص أدبهم لـمـنافعهم، وليس لمعلمهم في ذلك شفاء من غضبه، ولا شيء يريح قلبه من غيظه؛ فإن ذلك إن أصـابـه فإنما ضَرَبَ أولاد المسلمين لراحة نفسه، وهذا ليس من العدل)(30).
ومن اسـتـعـراض هذه الأساليب ومفاضلة التربويين المسلمين بينها يتبين لنا مدى حرصهم على الرفق بالصبيان عند تعليمهم وتأديبهم ومدى تضييقهم على مسلك العقاب في التربية.
ونجد فـي الــدراسات النفسية الحديثة دعوة ملحة لاجتناب استخدام العقاب في التعليم، وإشارات عديدة لكون العقاب يعد أقل الأساليب التربوية فعالية في التعليم، ومع ذلك فإنِ احـتـاج المعلــم إليه فعليه أن ينبه الصبيّ إلى مواضع الخطأ قبل إيقاع العقاب عليه، وأن يبين له السلــوك البديل فيما أخطأ فيه، وإذا أوقع عليه العقاب فليكن القصد منه مصلحة الصبي دون التهجم على شخصه.
الهوامش:
(1) سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الصبي بالصلاة، حديث رقم 494.
(2) صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الرفق، حديث 6549.
(3) صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الرفق، حديث 6548.
(4) محمد بن سحنون، آداب المعلمين، ملحقة في كتاب التربية في الإسلام، أحمد فؤاد الأهواني، دار المعارف دت، 354.
(5) المرجع السابق، ص 148.
(6) القابسي، 1986، 128.
(7) ورد هذا الحديث في مسند الإمام أحمد بالصيغة الآتية: حـدثنا عبد الله، حـدثني أبي، حدثنا وكيع قال: حدثنا جعفـر بن برقان، عـن عبد الله البهي، عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (اللهم من رفق بأمتي فارفق به، ومن شق عليهم فشق عليه) مسند أحمد، حديث السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ، حديث 23876.
(8) صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب الرفق في الأمر كله، حديث 5802.
(9) ابن الجزار، 1404 هـ، 116.
(10) الغزالي، ج3، ص 73.
(11) ابن خلدون، 1979م، ج3، 1253 ـ 1254.
(12) المرجع نفسه، 1979م، ج3، 1252.
(13) ابن خلدون، 1979م، ج3، 1254.
(14) ابن أبي الدنيا، 1410 هـ، ج1، ص 518.
(15) القابسي، 1986م، ص 133.
(16) الغزالي، د ت، ج3، ص 73.
(17) الأهواني، 1984م، ص 148.
(18) ابن جماعة، ص 54.
(19) ابن سحنون، 1984م، ص 357.
(20) ابن أبى الدنيا، 1410هـ، ج1، ص 489.
(21) الغزالي، ج 3، ص 73.
(22) الغزالي، ج 3، ص 73.
(23) انظر الأهواني، 1984م، ص 152 ـ 153.
(24) المرجع نفسه، ص 309.
(25) المرجع نفسه، ص 310.
(26) المرجع نفسه، ص 310.
(27) انظر الأهواني، 1984م، ص 310.
(28 المرجع نفسه، ص 310 ـ 311.
(29-30) المرجع نفسه، ص 310.
مجلة البيان، العدد (137)، محرم 1420،يونيو 1999
http://www.albayan-magazine.com/zwaya/trbwi/40.htm
والإسـلام يُجيز العقوبة ويشرّع لها؛ ولذلك وضع عقوبات وحدوداً معينة لبعض الجرائم الأخلاقـيـة: فجريمة القتل حدها القتل، وجريمة السرقة حدها قطع اليد، وجريمة شرب الخمر حدها الجلد، وكذلك جريمة الزنا لغير المحصن حدها الجلد أيضاً.
وهكذا نجد في القرآن الكريم تفاصيل هذه الحدود بما لا يدع مجالاً للشك؛ قال ـ تعالى ـ في حد القتل: ((وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأََلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) [البقرة: 179]. فجعل حـيــاة المجتمع وقفاً على موت بعض أفراده السيئين قطعاً لجذور الفساد وردعاً لمن تسول له نفسه القيام بذلك جزاء وفاقاً.
وقال في حد الـسـرقــة: ((وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ واللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) [المائدة: 38].
وقال في حد الزنا: ((الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَاًخُذْكُم بِهِمَا رَاًفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ المُؤْمِنِينَ)) [النور: 2].
وقال ـ تعالى ـ في جواز ضرب الرجل زوجته ضرباً غير مبرح: ((وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِياً كَبِيراً)) [النساء: 34].
وفي تأديب الصبي وجواز ضربه على إهمال الصلاة إذا بلغ عشراً، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع)(1).
وهكذا يتبين لنا من هـــذه الأدلة أن الإسلام يجيز مبدأ العقاب ويشرع له، ولذلك لا نجد من التربويين المسلمين الأوائل من أنكر مبدأ العقاب في التربية؛ ولكنهم أحاطوه بسياج من الشروط والقيود، وجعـلـــوه تالياً للمدح، وقدموا عليه الرفق؛ عملاً بقول الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-: (إن الـرفــق لا يكـــون فـي شــيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه)(2).
وعـــن عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (يا عائشة! إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه)(3).
ونـجــــد من بين التربويين الأوائل الذين تكلموا في هذا الموضوع: الإمام الفقيه محمـد بن سحنون (ت 256هـ)، وأبا الحسن القابسي (ت 324 هـ)، وابن الجزار القيرواني الطبيب (ت 369هـ)، والغزالي (ت 505 هـ)، وبرهان الدين الزرنوجي (ت 640 هـ)، وابن جماعة الكناني (ت 733هـ) وابن خلدون (ت 808 هـ) وغيرهم.
قال ابن سـحـنـون: (ولا بــــأس أن يضربهم ـ يعني المؤدب أو المعلم ـ على منافعهم، ولا يتجاوز بالأدب ثلاثاً إلا أن يأذن الأب فـي أكـثـر من ذلك إذا آذى أحداً، ويؤدبهم على اللعب والبطالة، ولا يجاوز بالأدب عشراً، وأما على القرآن فلا يجاوز أدبه ثلاثاً)(4).
ويعلل ابن سحنون ذلك بقوله: (لأن عشرة غاية الأدب؛ وكذلك سمعت مالكاً يقول: وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (لا يضرب أحدكم أكثر من عشرة أسواط إلا في حد).
وقد جاء في وصية ابن سحنون لمعلم ولده: (لا تؤدبــه إلا بالمدح ولطيف الكلام، وليس هو ممن يؤدّب بالضرب والتعنيف)(5).
ويلتقي أبو الحسن القابسي مع ابن سحنون في ضرورة الرفق بالصبيان وعدم تجاوز الثلاثة فـي التأديب، وإنما يلجأ إلى الضرب فقط عندما لا ينفع العذل والتقريع بالكلام الذي فيه الـتـوعــد من غير شتم ولا سب لعِرْض، يقول أبو الحسن القابسي: (وإذا استأهل الضرب فاعلم أن الضرب من واحدة إلى ثلاث، فليستعمل اجتهاده لئلا يزيد رتبة فوق استئهالها، وهذا هو أدبه إذا فرّط فتثاقل عن الإقبال على المعلم، فتباطأ في حفظه، أو أكثر الخطأ في حزبه، أو في كتابة لوحه.
ولئن سـمـح القابسي للمعلم بمعاقبة التلاميذ بهذا القدر من الضرب إلا أنه علّق ذلك على مدى استـئهـال التلميذ لذلك، وقيّده بثلاثة، واشترط في تجاوز الثلاثة إلى العشرة مشورة أبي الصبي أو ولي أمره ومدى احتمال الصبي للضرب فوق الثلاثة إذا استأهل ذلك، وألا يتعدى أثر الـضــــرب الألم إلى التأثير المشنع أو الوهن المُضِر. وعلى الجملة: فالمعلم عنده عوض عن الأب بالـنـسـبة للصبيان (فهو المأخوذ بأدبهم، والناظر في زجرهم عما لا يَصْلح لهم، والقائم بإكرامهم عـلـى مـثـل مـنـافـعهم؛ فهو يسوسهم في كل ذلك بما ينفعهم، ولا يخرجهم ذلك من حسن رِفْقه بهم، ولا مـن رحـمـتـــه إيـاهـــم؛ فإنما هو لهم عوض من آبائهم)(6) ويعلل القابسي ذلك بقول الرسـول -صلى الله عليه وسلم-: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفـق بـه)(7)، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله يحب الرفق في الأمر كله)(8).
وقد تحدث ابن الجزار القيرواني الطبيب عن الفرق بين الصبيان في مدى قبولهم للأدب؛ إذ منهم من يتقبل الأدب قبولاً سهلاً، ومنهم من لا يقبل ذلك، ومنهم من إذا مُدِحَ تعلم علماً كثيراً، ومنهم من يتعلم إذا عاقبه المعلم ووبخه، ومنهم من لا يتعلم إلا إذا استعملت معه أساليب أشد تعنيفاً كالضرب مثلاً. ولذلك قرر ابن الجزار مراعاة هذه الفروق الفردية، واتباع الأسلوب المناسب لتأديب كل صبي بما يناسبه من الأساليب؛ حيث قال: (فأما إذا كــان الـصـبـي طبيعته جيدة، أعني: أن يكون مطبوعاً على الحياء وحب الكرامة والألفة محباً للصــدق؛ فإن تأديبه يكون سهلاً، وذلك أن المدح والذم يبلغان منه عند الإحسان أو الإساءة ما لا تبلغه العقوبة من غيره، فإن كان الصبي قليل الحياء، مستخفاً للكرامة، قليل الألفة، مـحـبـاً للـكــذب، عـسـراً تأديباً، ولا بد لمن كان كذلك من إرهاب وتخويف عند الإساءة، ثم يحقق ذلك بالضرب إذا لم ينجح التخويف(9).
وقد بين الغزالي أن الطريق في ريـاضــة الـصـبـيـان وتأديـبـهـم ينبغي أن يؤسس على الرفق واللين، والثواب والمدح لا العقاب والشدة والتعنيف؛ حيث قال: (ثم مهما ظهر من الصبي من خلق جميل وفعل محمود فينبغي أن يكرم عليه، ويجازى عليه بما يفرح به ويمدح بين أظهر الناس، فإن خالف ذلك في بعض الأحوال مرة واحدة؛ فـيـنبغي أن يتغافل عنه، ولا يهتك ستره، ولا يكاشفه، ولا يظهر له أنه يتصور أن يتجاسر أحـــد على مثله، ولا سيما إذا ستره الصبي واجتهد في إخفائه؛ فإن إظهار ذلك عليه ربما يفيده جسارة حتى لا يبالي بالمكاشفة، فعند ذلك إن عاد ثانية فينبغي أن يعاقب سراً ويعظم الأمر فيه، ويقال له: إياك أن تعود بعد ذلك لمثل هذا، وأن يُطّلع عليك في مثل هذا فتُفضح بين الناس. ولا تكثر القول عليه بالعتاب في كل حين فإنه يهون عليه سماع الملامة، وركـــوب القبائح، ويسقط وقع الكلام من قلبه)(10).
أمـــــا العلاّمة ابن خلدون فقد عقد في مقدمته فصلاً في أن الشدة على المتعلمين مُضرّة بهم، أشار فـيــــه إلى الأضرار الخطيرة التي تعود على الفرد في مرحلة الرشد، وعلى المجتمع بأسره نتيجة الشدة والتعنيف في تأديب الولدان في الصّغر، وما ينجرّ عنها من فساد وسوء خلق وتـعــوّد على الكذب والخبث والكيد والمكر والخديعة؛ لأن الراشد قد تعوّد في صغره التظاهر بغير ما في ضميره خوفاً من انبساط الأيدي بالقهر عليه، فصار ذلك له خلقاً وعادة لم يستطع منها فكاكاً في الكبر.
يقول ابن خلدون: (ومن كان مَرْباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم سطا به القهر، وضيّق على النّفْسِ في انبساطها، وذهب بنشاطها، ودعاه ذلك إلى الكسل،وحمله على الكذب والخبث وهو التظاهر بغير ما في ضميره خوفاً من انبساط الأيدي بالقهر عليه، وعلمه المكر والخديعة لذلك، وصارت له هذه عادة وخلقاً، وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمدّن، وهي الحمية والمدافعة عن نفسه ومنزله، وصار عيالاً على غيره في ذلك، بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل؛ فانقبضت عـــن غايتها ومدى إنسانيتها، فارتكس وعاد في أسفل السافلين)(11).
ولم يكـتـف ابـن خلدون بهذه الإشارة الجميلة للآثار المترتبة على العنف في التربية؛ بل ضرب لنا مثلاً واقـعـيـــاً باليهود وما اتصفوا به من خبث ومكر وكيد؛ ومردّ ذلك حسب تحليله يعود إلى ما لـقــــوه من قهر وعسف نتيجة تيههم وتفرقهم في الأمصار. يقول ابن خلدون: (وانظره في اليهود وما حصل بذلك فيهم من خلق السوء، حتى إنهم يوصفون في كل أفق وعصر بالحرج؛ ومعناه في الاصطلاح المشهور: التخابث والكيد؛ وسببه ما قلناه. (أي: العسف والقهر في التأديب)(12). ولذلك دعا ابن خلدون إلى الرفق بالمتعلم واجتناب الشدة في تأديبه وتهذيبه، واستحسن وصية الرشيد لمعلم ولده محمد الأمين، واعتبرها من أحسن مذاهب التعليم، ومما جاء فيها: (يا أحمر! إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه، وثمرة قلبه، فصيّر يدك عليه مبسوطة، وطاعته لك واجبة، فكن له بحيث وضعك أمير المؤمنين: أقرئه القرآن، وعرّفه الأخبار، وروّه الأشعار، وعلّمه السنن، وبصّره بمواقع الكلام وبدئه، وامنعه من الضحك إلا في أوقاته، وخذه بتعظيم مشايخ بني هاشم إذا دخلوا عليه، ورفع مجالس القواد إذا حضروا مجلسه، ولا تمرّنّ بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة تفيدها إياه، من غير أن تحــزنـــه فتميت ذهنه، ولا تمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ ويألفه، وقوّمه ما استطعت بالقرب والملاينة؛ فإنْ أباهما فعليك بالشدة والغلظة)(13).
وأجمل منها وصية مسلمة بن عـبـد الـمـلـك إلى مؤدب ولده؛ حيث قال: (إني قد وصَلْتُ جناحك بعضدي، ورضيتُ بك قريناً لولدي؛ فأحسن سياستهم تدم لك استقامتهم، وأسْهِلْ بهم في التأديب عن مذاهب العنف، وعـلّـمـهــــم معروف الكلام، وجنّبهم مثاقبة اللئام، وانههم أن يُعرَفوا بما لم يَعْرِفوا، وكن لهم سائساً شفيقاً، ومؤدباً رفيقاً تكسبك الشفقة منهم المحبة، والرفق حسن القبول ومحمود المغبة، ويمـنـحك ما أرى من أثرك عليهم، وحسن تأديبك لهم مِني جميل الرأي، وفاضل الإحسان ولطيف العناية)(14).
ومما سبق يتضح أن المربين المسلمين الأوائل وإن أقرّوا بـدور الـعـقـاب في التربية إلا أنهم جعلوه من باب: (آخر العلاج الكي) بحيث لا يلجأ إليه المربي إلا عند الضرورة القصوى، وضمن حدود معينة، وشروط محددة؛ فهم قد فاضلوا بين الأساليب التربوية على النحو الآتي:
1- المدح والثناء والترغيب:
اعتبر التربويـون المسلمون الأوائل الثواب والمدح والثناء الأسلوب الأمثل، والحافز الأقوى للتعلم، ولذلك طالبوا المعلم بالمبادرة به قبل غيره، وأن لا يلجأ إلى غيره إلا لحاجة ملحّة قـد تفـرضـهـا طبيعة الصبي كأن يكون الصبي قليل الحياء مستخفّاً بالكرامة، قليل الألفة محباً للكذب. وفي ذلك يقول أبو الحسن القابسي: (وإذا هو أحسن يغبطه بإحسانه من غير انبساط إليه ولا منافرة له لـيـعـرف وجــــه الـحـســن مــن الـقـبـيـح فيتدرج على اختيار الحسن)(15).
وفي ذلك أيضاً يقول الغزالي: (ثم مهما ظهر من الصبي خلق جميل، وفعل محمود فينبغي أن يكرم عليه ويجازى عليه بما يفرح به ويمدح بين أظهر الناس)(16).
وقد مر معنا وصية ابن سحنون لمؤدب ولده: (ولا تؤدبه إلا بالمدح ولطيف الكلام)(17).
كذلك أوصى ابن جماعة المعلم بشكر التلميذ إذا أصاب الجواب ومــدحــــه والثناء عليه، فقال: (فمن رآه مصيباً في الجواب، ولم يخف عليه شدة الإعجاب شكره وأثنى عليه بين أصحابه ليبعثه وإياهم على الاجتهاد في طلب الازدياد)(18). وقد كان الـمـربـون الأوائل يتحينون الفرص لتشجيع الأولاد وحثهم على المنافسة النزيهة في العلم وتحصيله. قال ابن سحنون في حث المعلم على ذلك: (وينبغي أن يجعل لهم وقتاً يعلمهم فيه الكتاب ويجعلهم يتجاوزون؛ لأن ذلك مما يصلحهم ويخرجهم، ويبيح لهم أدب بعضهم بعضاً)(19).
وكانوا إذا حذق الصبي القرآن ـ أي أصبح ماهراً فيه ـ جمعوا له الناس وعمـلـوا له وليمة لتشجيعه ومدحه بين الناس بما يدفعه إلى الاستزادة من العلم وتحصيله؛ خصـوصـــاً إذا علمنا أن أول ما يتعلمه الصبي في الكتّاب القرآن الكريم، فهو بختمه القرآن الكريم وحذقه لا يزال في بداية الطريق. جاء في: (كتاب العيال) للحافظ ابن أبي الدنيا: (حدثني بشر بن مـعــاذ الـعـبـدي، حدثنا أبو عمارة الرازي، حدثنا يونس، قال: حذق ابنٌ لعبد الله بن الحسن بن أبي الحسن، فقال الحسن: إن فلاناً قد حذق.
فقال الحسن: كان الغلام إذا حذق قبل اليوم نحروا جزوراً وصنعوا طعاماً للناس)(20).
وبهذا يكون المربون الأوائل قد سبقوا بأشواط كثيرة علماء النفس المحدثين في تقرير أهمية المدح والثناء فـي الـتـربـيـــة. ويشار إلى أسلوب التشجيع والثواب في علم النفس بمصطلح (التعزيز). ومعناه المكافأة ويعـتـبر التعزيز، سواء كان معنوياً كالمدح والثناء، أو مادياً، من أهم الأساليب الحديثة في تعديل السلوك وتهذيبه. وهكذا يتضح أن التربويين المسلمين قد لامسوا الموضوع عن قرب ولكن دون الـدخــــول في تفصيلات كبيرة كما هو الشأن بالنسبة لعصرنا الحالي الذي تشعبت فيه التخصصات.
2- الإيحاش والإعراض والتّرْك:
ويعتبر الإيحاش والإعراض والترك أقل درجــــات العقوبة المعنوية؛ فالمعلم قد يلحظ على الصبي ملحظاً أو يرى منه تصرفاً غير لائق؛ ولكنه يُعرض عنه ويتغافل عنه ولا يعنفه أو يشتد عليه في العقوبة؛ ربما لأن الصبي قام بهذا السلوك مرة واحدة فيعفو عنه، أو لأنه كان يتوقع أن ما قام به يعتبر لائقاً وينتظر عليه مـكـافــأة من المعلم ولو في صورة مدح أو بشاشة وجه أو اهتمام به، فيعرض المعلم عنه ويبدي له نوعاً من الإيحاش وعدم البشاشة. وقد أشار الغزالي إلى هذا الأسلوب بقوله: (فإن خالف ذلك (أي: أتى فعلاً غير محمود أو تخلق بخلق غير جميل) في بعض الأحوال مرة واحدة فـيـنـبغي أن يتغافل عنه ولا يهتك ستره ولا يكاشفه ولا يظهر له أنه يتصور أن يتجاسر أحد على مثله، ولا سيما إذا ستره الصبي واجتهد في إخفائه)(21).
ويشار إلى هذا الأسلوب في نظريات التعلم بمصطلح: (الانطفاء).
ومـعـنـاه أن الصبي إذا قام بسلوك غير لائق وتجاهله المعلم وأعرض عنه ولم يُبْدِ نوعاً من الإيناس وبشاشة الوجه للصبي؛ فإن الصبي يبدي رغبة أقل في تكراره ويتركه؛ فينطفئ. وقد قدم لنا كل من (مارتن وبير) في كتابهما: (تعديل السلوك) عدة شروط يجب مراعاتها لكي يـكـون اسـتـخـدامـنـا للانطفاء أكثر فعالية في تعديل السلوك، يمكن الرجوع إليها في مظانها لمن رام المزيد.
3- الذم والتوبيخ والترهيب:
إذا لم ينفع مع الصبي أسلوب الإيحاش والإعراض والترك يلجأ المعلم إلى أسلوب أشد في العقوبة المعنويـة وهو أسلوب الذم والتوبيخ والترهيب والوعيد الشديد دون إيقاع الضرب ودون الـتـبذل فـي العذل والتقريع في الكلام أو اللجوء إلى الشتم والسب. وقد جعل أبو الحسن القابسي هـذا الأسلوب في العقوبة أعلى درجات العقوبة المعنوية، ويليه مباشرة إيقاع العقوبة البدنية بالصبي إذا استأهل ذلك.
كذلك أشار الغزالي إلى أن الصبي إذا نُهي عن التخلق بسيئ الأخلاق فلم ينته، ولم ينفع معه أسلوب الإيحاش والإعراض والترك فينبغي أن يعاقب سراً ويعظم الأمر فيه؛ فيقال له: إياك أن تعود بعد ذلك لمثل هذا وأن يُطّلع عليك في مثل هذا فتُفتضح بين الناس(22). فإن لم ينته الصبي عن ذلك يُلجأ إلى العقاب الجهري والتغليظ في القول لينزجر السامع ومن معه ويتأدبوا بذلك؛ فإن لم ينفع معه ذلك يُلجأ إلى العقوبة البدنية على النحو الذي سيأتي ذكره.
4- العقوبة البدنية:
إذا لم تفلح أساليب العقوبة المعنوية من إيحاشٍ وإعراضٍ وذمٍ وتوبيخٍ وتخويفٍ يَلجأ المعلم إلى العقوبة البدنية؛ حيث أجاز الإسلام العقوبة البدنية وشرع لها كما أسلفت، كما أجاز المربون المسلمون استعمال الضرب لتأديب الصبيان؛ ولكنهم جعلوه آخر أسلوب في التربية، وأحاطوه بسياج من القيود والشروط. وفيما يلي الشروط التي وضعها أبو الحسن القابسي للعقوبة البدنية(23):
1- ألاّ يستعمل المعلم الضرب إلا لذنب.
2- أن يوقع المعلم الضرب بقدر الاستئهال الواجب في الجُرْم (وإذا استأهل الضرب فاعلم أن الضرب من واحدة إلى ثلاث،فليستعمل اجتهاده لئلا يزيد في رتبة فوق استئهالها)(24).
3- أن يكون الضرب من واحدة إلى ثلاث، ويستأذن القائم بأمر الصبي في الزيادة إلى عشر ضربات. فإن اكتسب الصبي جرمـــاً من أذى ولعب، وهروب من الكتّاب، وإدمان البطالة فينبغي للمعلم أن يستشير أباه، أو وصيه إن كان يتيماً، ويُعْلمه إذا كان يستأهل من الأدب فوق الثلاث، فتكون الزيادة على مـا يوجبه التقصير في التعلم عن إذن من القائم بأمر هذا الصبي، ثم يزاد على الثلاث ما بينه وبين العشر(25).
4- أن يزاد على عشر ضربات إذا كـان الـصـبــي يطيق ذلك أو كان سيئ التربية غليظ الخلق. (وربما كان من صبيان المعلم من يناهز الاحتلام ويكون سيئ الرعية، غليظ الخلق، لا يروعه وقوع عشر ضربات عليه ويرى للزيادة عليه مكاناً، وفيه محتمل مأمون، فلا بأس ـ إن شاء الله ـ من الزيادة على العشر ضربات)(26).
5- أن يقوم المعلم بضرب الصبيان بنفسه: (ولْيـتـولّ أدبهم بنفسه؛ فقد أحب سحنون ألا يُولي أحداً من الصبيان الضرب)(27).
6- أن يوقع المعلم الضرب على الرّجْلين دون الوجه والرأس: (وليتجنب أن يضرب رأس الـصـبـي أو وجـهــه؛ فإن سحنون قال فيه: لا يجوز له أن يضربه، وضرر الضرب فيهما بيّن، قد يوهن الدمـاغ، أو تطرف العين أو يؤثر أثراً قبيحاً، فلْيُجتنبا؛ فالضرب على الرّجْلين آمن وأحمل للألم في سلامة)(28).
7- أن يكون الضرب بحـيـث لا يـتـعـدى الألم إلى التأثير المشنع أو الوهن المضر: (وصِفَة الضرب: هو ما يؤلم ولا يتعدى الألم إلى التأثير المشنع، أو الوهن المضر)(29).
8- أن تكون الدّرّة التي يضرب بها المعلم الصبيّ رطبة مأمونة لئلا تؤثر أثراً سيئاً.
9- ألاّ يكون الضرب انتقاماً من الصبي وإنما يكون لعلاجه وتأديبه: (ينبغي لمعلم الأطفال أن يراعي منهم حتى يخلص أدبهم لـمـنافعهم، وليس لمعلمهم في ذلك شفاء من غضبه، ولا شيء يريح قلبه من غيظه؛ فإن ذلك إن أصـابـه فإنما ضَرَبَ أولاد المسلمين لراحة نفسه، وهذا ليس من العدل)(30).
ومن اسـتـعـراض هذه الأساليب ومفاضلة التربويين المسلمين بينها يتبين لنا مدى حرصهم على الرفق بالصبيان عند تعليمهم وتأديبهم ومدى تضييقهم على مسلك العقاب في التربية.
ونجد فـي الــدراسات النفسية الحديثة دعوة ملحة لاجتناب استخدام العقاب في التعليم، وإشارات عديدة لكون العقاب يعد أقل الأساليب التربوية فعالية في التعليم، ومع ذلك فإنِ احـتـاج المعلــم إليه فعليه أن ينبه الصبيّ إلى مواضع الخطأ قبل إيقاع العقاب عليه، وأن يبين له السلــوك البديل فيما أخطأ فيه، وإذا أوقع عليه العقاب فليكن القصد منه مصلحة الصبي دون التهجم على شخصه.
الهوامش:
(1) سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الصبي بالصلاة، حديث رقم 494.
(2) صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الرفق، حديث 6549.
(3) صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الرفق، حديث 6548.
(4) محمد بن سحنون، آداب المعلمين، ملحقة في كتاب التربية في الإسلام، أحمد فؤاد الأهواني، دار المعارف دت، 354.
(5) المرجع السابق، ص 148.
(6) القابسي، 1986، 128.
(7) ورد هذا الحديث في مسند الإمام أحمد بالصيغة الآتية: حـدثنا عبد الله، حـدثني أبي، حدثنا وكيع قال: حدثنا جعفـر بن برقان، عـن عبد الله البهي، عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (اللهم من رفق بأمتي فارفق به، ومن شق عليهم فشق عليه) مسند أحمد، حديث السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ، حديث 23876.
(8) صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب الرفق في الأمر كله، حديث 5802.
(9) ابن الجزار، 1404 هـ، 116.
(10) الغزالي، ج3، ص 73.
(11) ابن خلدون، 1979م، ج3، 1253 ـ 1254.
(12) المرجع نفسه، 1979م، ج3، 1252.
(13) ابن خلدون، 1979م، ج3، 1254.
(14) ابن أبي الدنيا، 1410 هـ، ج1، ص 518.
(15) القابسي، 1986م، ص 133.
(16) الغزالي، د ت، ج3، ص 73.
(17) الأهواني، 1984م، ص 148.
(18) ابن جماعة، ص 54.
(19) ابن سحنون، 1984م، ص 357.
(20) ابن أبى الدنيا، 1410هـ، ج1، ص 489.
(21) الغزالي، ج 3، ص 73.
(22) الغزالي، ج 3، ص 73.
(23) انظر الأهواني، 1984م، ص 152 ـ 153.
(24) المرجع نفسه، ص 309.
(25) المرجع نفسه، ص 310.
(26) المرجع نفسه، ص 310.
(27) انظر الأهواني، 1984م، ص 310.
(28 المرجع نفسه، ص 310 ـ 311.
(29-30) المرجع نفسه، ص 310.
مجلة البيان، العدد (137)، محرم 1420،يونيو 1999
http://www.albayan-magazine.com/zwaya/trbwi/40.htm