السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
نظرات في (سُوْرَةُ المَسَد)
بسم الله الرحمن الرحيم
تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ{1} مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ{2} سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ{3} وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ{4} فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ{5}
شرح الغريب :
تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ : أي خسرت يداه وخابت ، وضلّ عمله وسعيه (وَتَبَّ) أي: وتحققت وتمت خسارته وهلاكه فالأولى دعاء, والثانية خبر .
مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ: أي : لم يُفده مالُه شيئاً ، ولم يصرف عنه سوءً ولم يدفع عنه ضراً !
وَمَا كَسَبَ : أي : حتى ولده الذي هو من كسبه لم يغن عنه شيئاً كذلك !!
ذَاتَ لَهَبٍ : أي : ذات شرر وإحراق شديد! .
وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ : أي وكذلك امرأته ستصلى ناراً مثله بل ستحمل الحطب في جهنم فتلقيه على زوجها !
فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ : في عنقها حبل من نار .
هِدَايَةُ السورة :
إنّ أعداء الرسالة لا يدّخرون جهداً في الكيد والمكر ، والبغض والعداوة لدعاة الحق ، ورسل الرحمة !
وسورة " المسد " تَعْرِضُ أنموذج البُغضِ والعدوان ، والكُره ، والشنآن ، والكيد الخبيث ، والمكر الكُبّار متمثلاً في شخصية أبي لهب وامرأته أروى بنت حرب ، فقد كانا أنموذجين مثاليين للانحطاط الإنساني والردة البشرية في أسوأ صورها !
فقد لعب أبو لهب دور الرجل الثائر على الرسالة ، والباذل كلّ الوسع والطاقة للصد عن سبيل الله .
فمع كونه عمّ رسول الله r وأقرب الناس إليه إلا أنه كان أعظم خصوم النبيr وأكثرهم عداوة ومحاربة له !
ففي المسند ([1]) عن ربيعة بن عبّاد من بني الديل ، وكان جاهلياً فأسلم قال : رأيت النبي r في الجاهلية في سوق ذي المجاز ، وهو يقول : " يا أيها الناس قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا ، والناس مجتمعون عليه ووراءه رجل وضيء الوجه ، أحول ذو غديرتين يقول : إنه صابئ كاذب يتبعه حيث ذهب فسألت عنه فقالوا: هذا عمه أبو لهب ، كما قامت امرأته الخبيثة بدور غايةً في الخُبْث والخسة فجمعت بين الإيذاء المعنوي عبر الغيبة والنميمة والسب والشتم لرسول الله r والإيذاء الحسي بوضع الشوك في طريقه rوغير ذلك من ألوان الإيذاء!! .
ولما كانت عداوتهما مشتركة ، وكيدهما واحد استحقا أن يُجمع لهما العذاب ويُغلظ في حقها الخطاب والعقاب ، وتنزل في شأنهما سورة تتلى إلى يوم الدين ،
ولن يغني عن أبي لهب مالهُ ولا ولدُه ولا جاهُه ولا نسبُه ولا قرابتُه ، من شديد عذاب الله وأليم عقابه وستكون زوجته اللعينة رفيقاً دائماً له في دركات جهنم إمعاناً في إذلاله وإهانته !
وفي هذه السورة تحذير وأي تحذير لكل زوجين بأن لا يغتر أحدهما بالآخر ، فيتابعه على ضلاله وفسقه أو كفره وجحوده فلن يغني أحدهما عن الآخر ..
وما أكثر ما يقع الأزواج ضحايا الاستجابة العمياء لأهواء نسائهم فتمتلئ البيوت بآلات اللهو المحرمة وأجهزة الفساد الخبيثة !!
وما أكثر ما تقع الزوجات ضحايا الاستجابة البلهاء لأهواء أزواجهن فيخلعن جلباب الحياء ويتبرجن تبرج الجاهلية الأولى !
وما أحرى من أحب النجاة أن يلتمس أسبابها ويهرب من مضلات الفتن ، وطرائق المحن ، وأن يكون على ذكر من قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } التغابن (14) .
فوائد السورة :
1-الإعلام بهلاك أبي لهب ، وزوجته اللعينة في الدنيا والآخرة .
2-عدم إغناء المال والولد عن الكافر شيئاً!
3-عدم إغناء الزوج عن زوجته ، أو الزوجة عن زوجها شيئاً !
4-في السورة معجزة ظاهرة ، ودليل واضح على نبوة محمد r ففيها إخبار عن أبي لهب وامرأته بالشقاء الأبدي وعدم الإيمان وضرورة الموت على الكفر ، وهكذا كان فلم يؤمنا ولم يتوبا حتى ماتا !!