(1)00يقول الجاحظ
**********
نبدأ بأهل خراسان لإكثار الناس في أهل خراسان.
ونخص بذلك أهل مرو بقدر ما خصوا به.
قال أصحابنا: يقول المروزي للزائر إذا أتاه وللجليس إذا طال جلوسه: تغديت اليوم فإن قال: نعم قال: لولا أنك تغديت لغديتك بغداء طيب.
وإن قال: لا قال: لو كنت تغديت لسقيتك خمس أقداح.
فلا يصير في يده على الوجهين قليل ولا كثير.
***************************************************
(2)00وكنت في منزل ابن أبي كريمة وأصله من مرو.
فرآني أتوضأ من كوز خزف فقال: سبحان الله تتوضأ بالعذب والبئر لك معرضة! قلت: ليس بعذب إنما هو من ماء البئر.
قال: فتفسد علينا كوزنا بالملوحة! فلم أدر كيف أتخلص منه
***************************************************
(3)وحدثني عمرو بن نهيوي قال: تغديت يوماً عند الكندي.
فدخل عليه رجل كان له جاراً وكان لي صديقاً.
فلم يعرض عليه الطعام ونحن نأكل.
وكان أبخل من خلق الله.
قال: فاستحييت منه فقلت: سبحان الله لو دنوت فأصبت معنا مما نأكل! قال: قد والله فعلت.
فقال الكندي: ما بعد الله شيء! قال عمر: فكتفه والله كتفاً لا يستطيع معه قبضاً ولا بسطاً وتركه.
ولو مد يده لكان كافراً ولو مد يده لكان كافراً أو لكان قد جعل مع الله - جل ذكره - شيئاً!
*****************************************************
(4)وقال ثمامة: لم أر الديك في بلدة قط فلا وهو لاقط يأخذ الحبة بمنقاره ثم يلفظها قدام الدجاجة فلا ديكة مرو فإني رأيت ديكة مرو تسلب الدجاج ما في مناقيرها من الحب! قال: فعلمت أن بخلهم شيء في طبع البلاد وفي جواهر الماء.
فمن ثم عتم جميع حيوانهم.
****************************************************
(5)فحدثت بهذا الحديث أحمد بن رشيد فقال: كنت عند شيخ من أهل مرو وصبي له صغير يلعب بين يديه فقلت له إما عابثاً وإما ممتحناً: أطعمني من خبزكم قال: لا تريده هو مر! فقلت: فاسقني من مائكم قال: لا تريده هو مالح! قلت: هات من كذا وكذا قال: لا تريده هو كذا وكذا! إلى أن عددت أصنافاً كثيرة.
كل ذلك يمنعنيه ويبغضه إلي! فضحك أبوه وقال: ما ذنبنا هذا من علمه ما تسمع! يعني أن البخل طبع فيهم وفي أعراقهم وطينتهم.
*****************************************************
(6)حدثني مويس بن عمران قال رجل منهم لصاحبه وكانا إما متزاملين وإما مترافقين: لم لا نتطاعم فإن لم نتطاعم فإن يد الله مع الجماعة وفي الاجتماع البركة.
وما زالوا يقولون: طعام الإثنين يكفي ثلاثة وطعام الثلاثة يكفي الأربعة.
فقال له صاحبه: لولا أني أعلم أنك آكل مني لأدخلت لك هذا الكلام في باب النصيحة.
فلما كان الغد وأعاد عليه القول قال له: يا عبد الله معك رغيف ومعي رغيف.
ولولا أنك تريد أكثر ما كان حرصك على مؤاكلتي! تريد الحديث والمؤانسة اجعل الطبق واحداً ويكون رغيف كل منا قدام صاحبه.
وما أشك أنك إذا أكلت رغيفك ونصف رغيفي ستجده مباركاً! غنما كان ينبغي أن أكون أجده أنا لا أنت.
***************************************************
(7)ومن أعاجيب أهل مرو ما سمعناه من مشايخنا على وجه الدهر.
وذلك أن رجلاً من أهل مرو كان لا يزال يحج ويتجر وينزل على رجل من أهل العراق فيكرمه ويكفيه مؤنته.
ثم كان كثيراً ما يقول لذلك العراقي: ليت أني رأيتك بمرو حتى أكافئك لقديم إحسانك وما تجدد لي من البر في كل قدمة.
فأما هاهنا فقد أغناك الله عني.
قال: فعرضت لذلك العراقي بعد دهر طويل حاجة في تلك الناحية.
فكان مما هون عليه مكابدة السفر ووحشة الاغتراب مكان المروزي هناك.
فلما قدم مضى نحوه في ثياب سفره وفي عمامته وقلنسوته وكسائه ليحط رحله عنده كما يصنع الرجل بثقته وموضع أنسه.
فلما وجده قاعداً في أصحابه أكب عليه وعانقه.
فلم يره أثبته وسأل به سؤال من رآه قط.
قال العراقي في نفسه: لعل إنكاره إياي لمكان القناع.
فرمى بقناعته وابتدأ مسألته.
فكان له أنكر.
فقال: لعله أن يكون إنما أتي من قبل العمامة فنزعها.
ثم انتسب وجدد مسألته فوجده أشد ما كان إنكاراً.
قال: فلعله إنما أتي من قبل القلنسوة.
وعلم المروزي أنه لم يبق شيء يتعلق به المتغافل والمتجاهل.
قال: لو خرجت من جلدك لم أعرفك!.
**********
نبدأ بأهل خراسان لإكثار الناس في أهل خراسان.
ونخص بذلك أهل مرو بقدر ما خصوا به.
قال أصحابنا: يقول المروزي للزائر إذا أتاه وللجليس إذا طال جلوسه: تغديت اليوم فإن قال: نعم قال: لولا أنك تغديت لغديتك بغداء طيب.
وإن قال: لا قال: لو كنت تغديت لسقيتك خمس أقداح.
فلا يصير في يده على الوجهين قليل ولا كثير.
***************************************************
(2)00وكنت في منزل ابن أبي كريمة وأصله من مرو.
فرآني أتوضأ من كوز خزف فقال: سبحان الله تتوضأ بالعذب والبئر لك معرضة! قلت: ليس بعذب إنما هو من ماء البئر.
قال: فتفسد علينا كوزنا بالملوحة! فلم أدر كيف أتخلص منه
***************************************************
(3)وحدثني عمرو بن نهيوي قال: تغديت يوماً عند الكندي.
فدخل عليه رجل كان له جاراً وكان لي صديقاً.
فلم يعرض عليه الطعام ونحن نأكل.
وكان أبخل من خلق الله.
قال: فاستحييت منه فقلت: سبحان الله لو دنوت فأصبت معنا مما نأكل! قال: قد والله فعلت.
فقال الكندي: ما بعد الله شيء! قال عمر: فكتفه والله كتفاً لا يستطيع معه قبضاً ولا بسطاً وتركه.
ولو مد يده لكان كافراً ولو مد يده لكان كافراً أو لكان قد جعل مع الله - جل ذكره - شيئاً!
*****************************************************
(4)وقال ثمامة: لم أر الديك في بلدة قط فلا وهو لاقط يأخذ الحبة بمنقاره ثم يلفظها قدام الدجاجة فلا ديكة مرو فإني رأيت ديكة مرو تسلب الدجاج ما في مناقيرها من الحب! قال: فعلمت أن بخلهم شيء في طبع البلاد وفي جواهر الماء.
فمن ثم عتم جميع حيوانهم.
****************************************************
(5)فحدثت بهذا الحديث أحمد بن رشيد فقال: كنت عند شيخ من أهل مرو وصبي له صغير يلعب بين يديه فقلت له إما عابثاً وإما ممتحناً: أطعمني من خبزكم قال: لا تريده هو مر! فقلت: فاسقني من مائكم قال: لا تريده هو مالح! قلت: هات من كذا وكذا قال: لا تريده هو كذا وكذا! إلى أن عددت أصنافاً كثيرة.
كل ذلك يمنعنيه ويبغضه إلي! فضحك أبوه وقال: ما ذنبنا هذا من علمه ما تسمع! يعني أن البخل طبع فيهم وفي أعراقهم وطينتهم.
*****************************************************
(6)حدثني مويس بن عمران قال رجل منهم لصاحبه وكانا إما متزاملين وإما مترافقين: لم لا نتطاعم فإن لم نتطاعم فإن يد الله مع الجماعة وفي الاجتماع البركة.
وما زالوا يقولون: طعام الإثنين يكفي ثلاثة وطعام الثلاثة يكفي الأربعة.
فقال له صاحبه: لولا أني أعلم أنك آكل مني لأدخلت لك هذا الكلام في باب النصيحة.
فلما كان الغد وأعاد عليه القول قال له: يا عبد الله معك رغيف ومعي رغيف.
ولولا أنك تريد أكثر ما كان حرصك على مؤاكلتي! تريد الحديث والمؤانسة اجعل الطبق واحداً ويكون رغيف كل منا قدام صاحبه.
وما أشك أنك إذا أكلت رغيفك ونصف رغيفي ستجده مباركاً! غنما كان ينبغي أن أكون أجده أنا لا أنت.
***************************************************
(7)ومن أعاجيب أهل مرو ما سمعناه من مشايخنا على وجه الدهر.
وذلك أن رجلاً من أهل مرو كان لا يزال يحج ويتجر وينزل على رجل من أهل العراق فيكرمه ويكفيه مؤنته.
ثم كان كثيراً ما يقول لذلك العراقي: ليت أني رأيتك بمرو حتى أكافئك لقديم إحسانك وما تجدد لي من البر في كل قدمة.
فأما هاهنا فقد أغناك الله عني.
قال: فعرضت لذلك العراقي بعد دهر طويل حاجة في تلك الناحية.
فكان مما هون عليه مكابدة السفر ووحشة الاغتراب مكان المروزي هناك.
فلما قدم مضى نحوه في ثياب سفره وفي عمامته وقلنسوته وكسائه ليحط رحله عنده كما يصنع الرجل بثقته وموضع أنسه.
فلما وجده قاعداً في أصحابه أكب عليه وعانقه.
فلم يره أثبته وسأل به سؤال من رآه قط.
قال العراقي في نفسه: لعل إنكاره إياي لمكان القناع.
فرمى بقناعته وابتدأ مسألته.
فكان له أنكر.
فقال: لعله أن يكون إنما أتي من قبل العمامة فنزعها.
ثم انتسب وجدد مسألته فوجده أشد ما كان إنكاراً.
قال: فلعله إنما أتي من قبل القلنسوة.
وعلم المروزي أنه لم يبق شيء يتعلق به المتغافل والمتجاهل.
قال: لو خرجت من جلدك لم أعرفك!.