اعلم - أيها الولد - المحب العزيز أطال الله - تعالى - بقاءك بطاعته، وسلك بك سبيل أحبائه - أن منشور النصيحة يكتب من معدن الرسالة - عليه الصلاة والسلام -.
إن كان قد بلغك منه نصيحة فأي حاجة لك في نصيحتي؟ وإن لم تبلغك فقل لي: ماذا حصلت في هذه السنين الماضية؟! ص93
2- أيها الولد، من جملة ما نصح به رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أمته قوله: "علامة إعراض الله - تعالى - عن العبد اشتغاله بما لا يعنيه، وإن امرءاً ذهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له لجدير أن تطول عليه حسرته، ومن جاوز الأربعين ولم يغلب خيره شره فليتجهز إلى النار".
وفي هذه النصيحة كفاية لأهل العلم.ص93 - 94
3- أيها الولد، النصيحة سهل، والمشكل قبولها؛ لأنها في مذاق متبعي الهوى مرٌّ؛ إذ المناهي محبوبة في قلوبهم، على الخصوص لمن كان طالب العلم الرسمي مشتغلاً في فضل النفس ومناقب الدنيا، فإنه يحسب أن العلم المجرد له سيكون نجاته وخلاصه فيه، وأنه مستغن عن العمل، وهذا اعتقاد الفلاسفة.
سبحان الله العظيم! لا يعلم هذا القدر أنه حين حصَّل العلم إذا لم يعمل به تكون الحجة عليه آكد، كما قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالم لا ينفعه الله بعلمه".ص94 - 95
4- وتيقن أن العلم المجرد لا يَأْخُذُ باليد: مثاله لو كان على رجل في برية عشرة أسياف هندية مع أسلحة أخرى، وكان الرجل شجاعاً وأهل حرب، فحمل عليه أسد عظيم مهيب، فما ظنك؟ هل تدفع الأسلحة شره عنه بلا استعمالها وضربها؟
ومن المعلوم أنها لا تدفع إلا بالتحريك والضرب.
فكذا لو قرأ رجل مائة ألف مسألة علمية وتعلمها، ولم يعمل بها، لا تفيده إلا بالعمل.
ومثاله- أيضاً -: لو كان لرجل حرارة ومرض صفراوي يكون علاجه بالسكنجبين والكشكاب، فلا يحصل البرء إلا باستعمالهما.ص98 - 99
5- كم من ليلة أحييتَها بتكرار العلم ومطالعة الكتب، وحرَّمَت على نفسك النوم، لا أعلم ما كان الباعث فيه؟ إن كانت نيتُك نيلَ عرض الدنيا، وجذبَ حطامها، وتحصيل مناصبها، والمباهاةَ على الأقرانِ والأمثالِ - فويلٌ لك ثم ويل لك.
وإن كان قصدك فيه إحياء شريعة النبي-صلى الله عليه وسلم-وتهذيب أخلاقك، وكَسْرَ النفس الأمارة بالسوء - فطوبى لك ثم طوبى لك.
ولقد صدق من قال شعراً:
سهر العيون لغير وجهك ضائع * وبكاؤهن لغير فقدك باطل
ص105 - 106
6- عش ما شئت؛ فإنك ميت، وأحبب من شئت؛ فإنك مفارقه، واعمل ما شئت؛ فإنك مجزي به.ص106
7- أيها الولد، العلم بلا عمل جنون، والعمل بغير علم لا يكون.
واعلم أن علماً لا يبعدك اليوم عن المعاصي، ولا يحملك على الطاعة، لن يبعدك غداً عن نار جهنم، وإذا لم تعمل اليوم، ولم تدارك الأيام الماضية تقول غداً يوم القيامة: [فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً] السجدة: 12، فيقال: يا أحمق أنت من هناك تجيء.ص108 - 109
8- لو كان العلم المجرد كافياً لك ولا تحتاج إلى عمل سواه - لكان نداء الله -تعالى- : "هل من سائل؟ هل من مستغفر؟ هل من تائب؟" ضائعاً بلا فائدة.ص112
9- أيها الولد، [وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ] أمرٌ، [وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ] شكر، [وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ] ذكر.ص113
10- أيها الولد، روي في بعض وصايا لقمان الحكيم لابنه أنه قال: يا بني لا يكونن الديك أكيس منك، ينادي بالأسحار وأنت نائم.ص115 - 116
11- أيها الولد، خلاصة العلم: أن تَعَلَمَ أن الطاعة والعبادة ما هي؟
اعلم أن الطاعة والعبادة متابعة الشارع في الأوامر والنواهي بالقول والفعل، يعني: كل ما تقول وتفعل، وتترك قوله وفعله يكون باقتداء الشرع، كما لو صمت يوم العيد وأيام التشريق تكون عاصياً، أو صليت في ثوب مغصوب -وإن كانت صورة عبادة - تأثم.ص117
12- أيها الولد، ينبغي لك أن يكون قولك وفعلك موافقاً للشرع؛ إذ العلم والعمل بلا اقتداء الشرع ضلالة.
وينبغي لك ألا تغتر بشطح الصوفية وطاماتهم؛ لأن سلوك هذا الطريق يكون بالمجاهدة وقطع شهوة النفس وقتل هواها بسيف الرياضة، لا بالطامات والتُرَّهات.ص117 - 118
13- واعلم أن اللسان المطلق، والقلب المطبق المملوء بالغفلة والشهوة - علامة الشقاوة.ص118
14- أيها الولد إذا علمت هذا الحديث لا حاجة إلى العلم الكثير، وتأمل في حكاية أخرى وهي: أن حاتم الأصم كان من أصحاب شقيق البلخي - رحمة الله تعالى عليهما - فسأله يوماً قال: صاحبتني منذ ثلاثين سنة ما حصَّلت فيها؟
قال: حصلت ثماني فوائد من العلم، وهي تكفيني منه؛ لأني أرجو خلاصي ونجاتي فيها.
فقال شقيق: ما هي؟
قال حاتم:
الفائدة الأولى: أني نظرت إلى الخلق فرأيت لكل منهم محبوباً ومعشوقاً يحبه ويعشقه، وبعض ذلك المحبوب يصاحبه إلى مرض الموت، وبعضه يصاحبه إلى شفير القبر، ثم يرجع كله ويتركه فريداً وحيداً، ولا يدخل معه في قبره منهم أحد.
فتفكرت وقلت: أفضل محبوب المرء ما يدخل معه في قبره ويؤنسه فيه، فما وجدته غير الأعمال الصالحة، فأخذتها محبوبة لي؛ لتكون لي سراجاً في قبري، وتؤنسني فيه، ولا تتركني فريداً.
الفائدة الثانية: أني رأيت الخلق يقتدون أهواءهم، ويبادرون إلى مرادات أنفسهم، فتأملت قوله - تعالى - :[وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)] النازعات: 40 - 41.
وتيقنت أن القرآن حق صادق، فبادرت إلى خلاف نفسي وتشمرت بمجاهدتها، وما متعتها بهواها، حتى ارتاضت بطاعة الله - تعالى - وانقادت.
الفائدة الثالثة: أني رأيت كل واحد من الناس يسعى في جمع حطام الدنيا ثم يمسكه قابضاً يده عليه، فتأملت في قوله - تعالى - : [مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ] النحل: 96 فبذلت محصولي من الدنيا لوجه الله - تعالى - ففرقته بين المساكين ليكون ذخراً لي عند الله - تعالى -.
الفائدة الرابعة: أني رأيت بعض الخلق يظن أن شرفه وعزه في كثرة الأقوام والعشائر؛ فاعتز بهم، وزعم آخرون أنه في ثروة الأموال وكثرة الأولاد؛ فافتخروا بها، وحسب بعضهم أن العز والشرف في غصب أموال الناس وظلمهم وسفك دمائهم، واعتقدَتْ طائفة أنه في إتلاف المال وإسرافه، وتبذيره؛.فتأملت في قوله - تعالى - : [إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ] الحجرات: 13 فاخترت التقوى، واعتقدت أن القرآن حقٌ صادق، وظنَّهم وحسبانهم كلها باطل زائل.
الفائدة الخامسة: أني رأيت الناس يذم بعضهم بعضاً، ويغتاب بعضهم بعضاً، فوجدت أصل ذلك من الحسد في المال والجاه والعلم، فتأملت في قوله -تعالى- : [نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا] الزخرف: 32 فعلمت أن القسمة كانت من الله - تعالى - في الأزل، فما حسدت أحداً، ورضيت بقسمة الله - تعالى -.
الفائدة السادسة: إني رأيت الناس يعادي بعضهم بعضاً لغرض وسبب؛ فتأملت في قوله -تعالى-: [إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً] فاطر:6 فعلمت أنه لا يجوز عداوة أحد غير الشيطان.
الفائدة السابعة: أني رأيت كل أحد يسعى بجد، ويجتهد بمبالغة لطلب القوت والمعاش، بحيث يقع به في شبهة وحرام، ويذل نفسه وينقص قدره؛ فتأملت في قوله - تعالى - : [وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا] هود: 6 فعلمت أن رزقي على الله -تعالى- وقد ضمنه؛ فاشتغلت بعبادته، وقطعت طمعي عمن سواه.
الفائدة الثامنة: أني رأيت كل واحد معتمداً على شيء مخلوق، بعضهم على الدينار والدرهم، وبعضهم على المال والملك، وبعضهم على الحرفة والصناعة، وبعضهم على مخلوق مثله، فتأملت في قوله -تعالى- : [وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً] الطلاق: 3 فتوكلت على الله - تعالى - فهو حسبي ونعم الوكيل.
فقال شقيق: وفقك الله - تعالى - إني قد نظرت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، فوجدت الكتب الأربعة تدور على هذه الفوائد الثماني، فمن عمل بها كان عاملاً بهذه الكتب الأربعة.ص121 - 128
15- وحسن الخلق مع الناس: ألا تحمل الناس على مراد نفسك، بل تحمل نفسك على مرادهم ما لم يخالفوا الشرع.ص131
16- وسألتني عن الإخلاص: وهو أن تكون أعمالك كلها لله - تعالى - ولا يرتاح قلبك بمحامد الناس، ولا تبالي بمذمتهم.
واعلم أن الرياء يتولد من تعظيم الخلق.
وعلاجه أن تراهم مسخرين تحت القدرة، وتحسبهم كالجمادات في عدم قدرة إيصال الراحة والمشقة؛ لتخلص من مرئياتهم.
ومتى تحسبهم ذوي قدرة وإرادة لن يبعد عنك الرياء.ص133
إن كان قد بلغك منه نصيحة فأي حاجة لك في نصيحتي؟ وإن لم تبلغك فقل لي: ماذا حصلت في هذه السنين الماضية؟! ص93
2- أيها الولد، من جملة ما نصح به رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أمته قوله: "علامة إعراض الله - تعالى - عن العبد اشتغاله بما لا يعنيه، وإن امرءاً ذهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له لجدير أن تطول عليه حسرته، ومن جاوز الأربعين ولم يغلب خيره شره فليتجهز إلى النار".
وفي هذه النصيحة كفاية لأهل العلم.ص93 - 94
3- أيها الولد، النصيحة سهل، والمشكل قبولها؛ لأنها في مذاق متبعي الهوى مرٌّ؛ إذ المناهي محبوبة في قلوبهم، على الخصوص لمن كان طالب العلم الرسمي مشتغلاً في فضل النفس ومناقب الدنيا، فإنه يحسب أن العلم المجرد له سيكون نجاته وخلاصه فيه، وأنه مستغن عن العمل، وهذا اعتقاد الفلاسفة.
سبحان الله العظيم! لا يعلم هذا القدر أنه حين حصَّل العلم إذا لم يعمل به تكون الحجة عليه آكد، كما قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالم لا ينفعه الله بعلمه".ص94 - 95
4- وتيقن أن العلم المجرد لا يَأْخُذُ باليد: مثاله لو كان على رجل في برية عشرة أسياف هندية مع أسلحة أخرى، وكان الرجل شجاعاً وأهل حرب، فحمل عليه أسد عظيم مهيب، فما ظنك؟ هل تدفع الأسلحة شره عنه بلا استعمالها وضربها؟
ومن المعلوم أنها لا تدفع إلا بالتحريك والضرب.
فكذا لو قرأ رجل مائة ألف مسألة علمية وتعلمها، ولم يعمل بها، لا تفيده إلا بالعمل.
ومثاله- أيضاً -: لو كان لرجل حرارة ومرض صفراوي يكون علاجه بالسكنجبين والكشكاب، فلا يحصل البرء إلا باستعمالهما.ص98 - 99
5- كم من ليلة أحييتَها بتكرار العلم ومطالعة الكتب، وحرَّمَت على نفسك النوم، لا أعلم ما كان الباعث فيه؟ إن كانت نيتُك نيلَ عرض الدنيا، وجذبَ حطامها، وتحصيل مناصبها، والمباهاةَ على الأقرانِ والأمثالِ - فويلٌ لك ثم ويل لك.
وإن كان قصدك فيه إحياء شريعة النبي-صلى الله عليه وسلم-وتهذيب أخلاقك، وكَسْرَ النفس الأمارة بالسوء - فطوبى لك ثم طوبى لك.
ولقد صدق من قال شعراً:
سهر العيون لغير وجهك ضائع * وبكاؤهن لغير فقدك باطل
ص105 - 106
6- عش ما شئت؛ فإنك ميت، وأحبب من شئت؛ فإنك مفارقه، واعمل ما شئت؛ فإنك مجزي به.ص106
7- أيها الولد، العلم بلا عمل جنون، والعمل بغير علم لا يكون.
واعلم أن علماً لا يبعدك اليوم عن المعاصي، ولا يحملك على الطاعة، لن يبعدك غداً عن نار جهنم، وإذا لم تعمل اليوم، ولم تدارك الأيام الماضية تقول غداً يوم القيامة: [فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً] السجدة: 12، فيقال: يا أحمق أنت من هناك تجيء.ص108 - 109
8- لو كان العلم المجرد كافياً لك ولا تحتاج إلى عمل سواه - لكان نداء الله -تعالى- : "هل من سائل؟ هل من مستغفر؟ هل من تائب؟" ضائعاً بلا فائدة.ص112
9- أيها الولد، [وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ] أمرٌ، [وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ] شكر، [وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ] ذكر.ص113
10- أيها الولد، روي في بعض وصايا لقمان الحكيم لابنه أنه قال: يا بني لا يكونن الديك أكيس منك، ينادي بالأسحار وأنت نائم.ص115 - 116
11- أيها الولد، خلاصة العلم: أن تَعَلَمَ أن الطاعة والعبادة ما هي؟
اعلم أن الطاعة والعبادة متابعة الشارع في الأوامر والنواهي بالقول والفعل، يعني: كل ما تقول وتفعل، وتترك قوله وفعله يكون باقتداء الشرع، كما لو صمت يوم العيد وأيام التشريق تكون عاصياً، أو صليت في ثوب مغصوب -وإن كانت صورة عبادة - تأثم.ص117
12- أيها الولد، ينبغي لك أن يكون قولك وفعلك موافقاً للشرع؛ إذ العلم والعمل بلا اقتداء الشرع ضلالة.
وينبغي لك ألا تغتر بشطح الصوفية وطاماتهم؛ لأن سلوك هذا الطريق يكون بالمجاهدة وقطع شهوة النفس وقتل هواها بسيف الرياضة، لا بالطامات والتُرَّهات.ص117 - 118
13- واعلم أن اللسان المطلق، والقلب المطبق المملوء بالغفلة والشهوة - علامة الشقاوة.ص118
14- أيها الولد إذا علمت هذا الحديث لا حاجة إلى العلم الكثير، وتأمل في حكاية أخرى وهي: أن حاتم الأصم كان من أصحاب شقيق البلخي - رحمة الله تعالى عليهما - فسأله يوماً قال: صاحبتني منذ ثلاثين سنة ما حصَّلت فيها؟
قال: حصلت ثماني فوائد من العلم، وهي تكفيني منه؛ لأني أرجو خلاصي ونجاتي فيها.
فقال شقيق: ما هي؟
قال حاتم:
الفائدة الأولى: أني نظرت إلى الخلق فرأيت لكل منهم محبوباً ومعشوقاً يحبه ويعشقه، وبعض ذلك المحبوب يصاحبه إلى مرض الموت، وبعضه يصاحبه إلى شفير القبر، ثم يرجع كله ويتركه فريداً وحيداً، ولا يدخل معه في قبره منهم أحد.
فتفكرت وقلت: أفضل محبوب المرء ما يدخل معه في قبره ويؤنسه فيه، فما وجدته غير الأعمال الصالحة، فأخذتها محبوبة لي؛ لتكون لي سراجاً في قبري، وتؤنسني فيه، ولا تتركني فريداً.
الفائدة الثانية: أني رأيت الخلق يقتدون أهواءهم، ويبادرون إلى مرادات أنفسهم، فتأملت قوله - تعالى - :[وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)] النازعات: 40 - 41.
وتيقنت أن القرآن حق صادق، فبادرت إلى خلاف نفسي وتشمرت بمجاهدتها، وما متعتها بهواها، حتى ارتاضت بطاعة الله - تعالى - وانقادت.
الفائدة الثالثة: أني رأيت كل واحد من الناس يسعى في جمع حطام الدنيا ثم يمسكه قابضاً يده عليه، فتأملت في قوله - تعالى - : [مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ] النحل: 96 فبذلت محصولي من الدنيا لوجه الله - تعالى - ففرقته بين المساكين ليكون ذخراً لي عند الله - تعالى -.
الفائدة الرابعة: أني رأيت بعض الخلق يظن أن شرفه وعزه في كثرة الأقوام والعشائر؛ فاعتز بهم، وزعم آخرون أنه في ثروة الأموال وكثرة الأولاد؛ فافتخروا بها، وحسب بعضهم أن العز والشرف في غصب أموال الناس وظلمهم وسفك دمائهم، واعتقدَتْ طائفة أنه في إتلاف المال وإسرافه، وتبذيره؛.فتأملت في قوله - تعالى - : [إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ] الحجرات: 13 فاخترت التقوى، واعتقدت أن القرآن حقٌ صادق، وظنَّهم وحسبانهم كلها باطل زائل.
الفائدة الخامسة: أني رأيت الناس يذم بعضهم بعضاً، ويغتاب بعضهم بعضاً، فوجدت أصل ذلك من الحسد في المال والجاه والعلم، فتأملت في قوله -تعالى- : [نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا] الزخرف: 32 فعلمت أن القسمة كانت من الله - تعالى - في الأزل، فما حسدت أحداً، ورضيت بقسمة الله - تعالى -.
الفائدة السادسة: إني رأيت الناس يعادي بعضهم بعضاً لغرض وسبب؛ فتأملت في قوله -تعالى-: [إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً] فاطر:6 فعلمت أنه لا يجوز عداوة أحد غير الشيطان.
الفائدة السابعة: أني رأيت كل أحد يسعى بجد، ويجتهد بمبالغة لطلب القوت والمعاش، بحيث يقع به في شبهة وحرام، ويذل نفسه وينقص قدره؛ فتأملت في قوله - تعالى - : [وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا] هود: 6 فعلمت أن رزقي على الله -تعالى- وقد ضمنه؛ فاشتغلت بعبادته، وقطعت طمعي عمن سواه.
الفائدة الثامنة: أني رأيت كل واحد معتمداً على شيء مخلوق، بعضهم على الدينار والدرهم، وبعضهم على المال والملك، وبعضهم على الحرفة والصناعة، وبعضهم على مخلوق مثله، فتأملت في قوله -تعالى- : [وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً] الطلاق: 3 فتوكلت على الله - تعالى - فهو حسبي ونعم الوكيل.
فقال شقيق: وفقك الله - تعالى - إني قد نظرت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، فوجدت الكتب الأربعة تدور على هذه الفوائد الثماني، فمن عمل بها كان عاملاً بهذه الكتب الأربعة.ص121 - 128
15- وحسن الخلق مع الناس: ألا تحمل الناس على مراد نفسك، بل تحمل نفسك على مرادهم ما لم يخالفوا الشرع.ص131
16- وسألتني عن الإخلاص: وهو أن تكون أعمالك كلها لله - تعالى - ولا يرتاح قلبك بمحامد الناس، ولا تبالي بمذمتهم.
واعلم أن الرياء يتولد من تعظيم الخلق.
وعلاجه أن تراهم مسخرين تحت القدرة، وتحسبهم كالجمادات في عدم قدرة إيصال الراحة والمشقة؛ لتخلص من مرئياتهم.
ومتى تحسبهم ذوي قدرة وإرادة لن يبعد عنك الرياء.ص133