[center]إن صخرة بيت المقدس المشرفة هي إحدى صخور المرتفعات في المدينة لم تهذب أوجهها وهي شبه مستديرة، ويتجه جانبها المنحدر إلى الشرق بينما يتجه جانبها المستقيم المرتفع إلى الغرب، وترتفع في بعض نواحيها عن سطح الأرض حوالي مترا، وتبلغ مقايسها الداخلية حوالي (5م×7م×3م الارتفاع) ومقايسها الخارجية (17.5م×13.5م×2م السمك).
والصخرة مقدسة منذ أقدم الأزمنة، فقد ذكرت بعض نصوص التلمود (أن الله تعالى خلق الأرض ابتداء من هذه الصخرة).
وعند هذه الصخرة المشرفة صعد الرسول محمد عليه الصلاة والسلام إلى السماء، ثم عاد إلى الأرض في نفس المكان أيضا. وكان المسلمون يتوجهون في صلاتهم ناحية السخرة إلى أن كان أمر الله سبحانه وتعالى أن يتجه الرسول والمسلمون جميعا في صلاتهم نحو الكعبة.
قال تعالى: (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره).
هذا وقد اختلف بعض المؤرخون في الأسباب الحقيقية التي دفعت بعبد الملك بن مروان لبناء مسجد قبة الصخرة، وقد عزا كل واحد منهم ذلك إلى دوافع مختلفة، أذكر أهم ما ورد منها:
قال اليعقوبي أن الدافع سياسي، وأن الغاية من بناء مسجد الصخرة بهذا الشكل البديع هي للاستعاضة بها عن الكعبة المشرفة بمكة المكمة بسبب ثورة عبدالله بن الزبير على الأمويين واستقلاله عنهم في بلاد الحجاز سنة 61هـ /680م وأن عبدالملك بن مروان أراد أن يصرف الناس عن الكعبة خشية أن يأخذهم ابن الزبير عند الحج بالبيعة.
لكن اليعقوبي مؤرخ شيعي، وكان معاديا لبني أمية، ونستبعد تماما أن الخليفة عبدالملك أراد أن يصرف الناس عن الحج إلى الكعبة لأن الحج إلى الكعبة بمكة المكرمة ركن من اركان الإسلام، ولا يمكن أن يفكر خليفة من خلفاء المسلمين بتحويل الحج إلى بيت المقدس.
ومنهم من ذكر أن عبدالملك بن مروان إنما بنى قبة الصخرة حتى يكون للمسلمين مسجد يضاهي في بهائه وعظمته ما لكنائس النصارى من الروعة، وخاصة أنه كان في سوريا وفلسطين يومئذ من الكنائس البالغة في العظمة.
ونحن نرى أن رأي المقدس كان أقرب إلى الصواب، فقال قال في كتابه أحسن التقاسيم (أن عبدالملك لما رأة عظم قبة القيامة وهيئتها خشي أن تعظم في قلوب المسلمين، فنصب على الصخرة قبة على ما ترى).
بناء قبة الصخرة:
كان من خبر البناء أن عبد الملك بن مروان حين قدم من دمشق إلى بيت المقدس وأمر ببناء القبة على الصخرة الشريفة، بعث الكتب إلى جميع عماله وإلى سائر الأمصار: (إن عبد الملك قد أراد أن يبني قبة على صخرة بيت المقدس تقي المسلمين من الحر والبرد، وكره أن يفعل ذلك دون رأي رعيته، فلتكتب الرعية إليه برأيهم وما هم عليه .. فوردت الكتب إليه من سائر الأمصار … ، نرى رأي أمير المؤمنين موفقا رشيدا إن شاء الله يتم له ما نوى من بناء بيته وصخرته ومسجده، ويجري ذلك على يديه ويجعله تذكره له ولمن مضى من سلفه). فشرع عبدالملك بن مروان الخليفة الأموي الخامس في البناء سنة 68هـ /688م وفرغ منه سنة 72هـ /691م. ويوجد هناك كتابة مزخرفة بالفسيفساء على قناطر التثمينة الوسطى في الناحية الجنوبية الشرقية من الداخل، وبالخط الكوفي المذهب تقول (بنى هذه القبة عبدالملك بن مروان أمير المؤمنين في سنة اثنتين وسبعين. تقبل الله منه ورضي عنه آمين).
أتى الخليف بالصناع من مختلف أنحاء البلاد، ووكل على صرف المال كلا من رجاء بن حيوة بن جود الكندي وكان من العلماء الأعلام ومن جلساء عمر بن عبدالعزيز، ويزيد بن سلام مولى عبدالملك بن مروان وهو من أهل بيت المقدس وولديه.
ولما تم الانتهاء من بناء قبة الصخرة، تبقى من الميزانية مائة ألف دينار، فكتب رجاء ويزيد إلى عبدالملك بدمشق، فرد الخليفة عليهما بتقاسم المبلغ بينهما، فرفضا قائلين أنهما أولى بزيادته من حلي نسائهما فضلا عن أموالهما الخاصة لينفقها الخليفة في أحب الأشياء إليه، فأمر الخليفة بأن تسك ذهبا وتفرغ على القبة والأبواب.
أما بالنسبة لمواد البناء التي استعملت في بناء مسجد قبة الصخرة، فقد ذكر بعض المؤرخين أن عبدالملك قد استعمل بعض الحجارة والأعمدة التي كانت مستخدمة في كنائس فلسطين المهدمة، والبعض الآخر ذكر بأنه استعمل بقايا حجارة وأعمدة وكنائس البيزنطيين التي هدمها الفرس في عهد كسرى سنة 614م أي قبل الفتح الإسلامي بثلاث وعشرين سنة، في حين تجمع الدراسات والاختبارات الأثرية الكثيرة التي أجراها العلماء المختصون على البناء، والتي اثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن قبة الصخرة بكامل أساسها وجدرانها الخارجية هي من إنشاء عبدالملك بن مروان، وأنها بناء متجانس الأجزاء لا يضم أي بقاي من أي بناء قديم كما توهم بعضهم.
التصميم الهندسي لقبة الصخرة:
لقد روعيت في إنشاء قبة الصخرة اتجاهات دينية في تحديد موقع البناء المباشر فوق الصخرة الشريفة، كما روعيت الاتجاهات الفنية في اختيار الشكل الثماني والقبة المركزية المزدوجة (فهي مكونة من قبتين واحدة داخلية والأخرى خارجية) والأبواب في الاتجاهات الأربعة، والكتابات الإسلامية، واستعمال النسب الهندسية في التصميم والزخرفة.
يتكون المبنى من قبة خشبية قطرها (20.44م) متكئة على إسطوانة تشتمل على 16 شباكا، وترتكز على أربع دعامات و12 عمودا منظمة في شكل دائري، بحيث يوجد 3 أعمدة بين كل دعامتين. وتقع القبة في مركز الشكل الثماني الذي يبلغ طول ضلعه (20.59م) وارتفاعه (9.50م) وهناك تصوينة فوق الجدران يبلغ ارتفاعها (2.60م) ويوجد في الجزء العلوي من كل جدار همسة شبابيك، كما هناك أربعة أبواب في الجدران الخارجية الأربعة الذي يبلغ قياس كل منها (2.55م العرض ×4.35 الارتفاع) أما زخرفة البناء الفسيفسائية فتغطي أكثر من1200م من مساحة الجدران.
ومما لا شك فيه أن مسجد قبة الصخرة بقبته الجميلة وبنائه المتين وتكوينه الرائع جاءة آية في فن الهندسة المعمارية على مر العصور والأيام، حتى أن الداخل من أي جهة إلى المسجد تظهر أمامه جميع أطراف المكان ويرى القسم القريب والبعيد دون أن يقاطع بصره شيء من الأبنية، وهذا ما أكسب البنار روعة وجمالا وأظهره باتساع أكثر مما هو عليه في الحقيقة.
قال الأستاذ هايتر لويس وهو الأستاذ في فن العمارة الهندسية (إن مسجد الصخرة بلا شك من أجمل المباني على سطح الأرض بل إنها أجمل الآثار التي خلدها التاريخ).
وقال الأستاذ كريزول (إن قبة الصخرة أهمية ممتازة في تاريخ العمارة الإسلامية، فقد بهرت ببهائها ورونقها وفخامتها وسحرها وتناسقها ودقة نسبها كل من حاول دراستها من العلماء والباحثين).
ــــ
المسجد الأقصى
مفهوم المسجد الأقصى:
كان اسم المسجد الأقصى يطلق فيما مضى على الحرم القدسي الشريف كله، بما فيه المسجد الحالي الذي ندعوه بالأقصى وقبة الصخرة وما بينهما، وبعبارة أخرى جميع الأماكن والمعابد الإسلامية القائمة ما بين الأسوار. وهذا ما قصدته الآية الكريمة (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله)
كما ورد في الحديث الصحيح أن الرسول الكريم حينما أخبر قومه عن إسرائه ليلا إلى لقدس استنكروه وأرادوا أن يمتحنوه بالاستيضاح عن الموقع، فأخذ يصفه لهم ويعد أبوابه بابا بابا، وكانوا يعرفونه فتحققوا من صفة الوصف.
هذا وقد اصدر علماء المسلمين في الضفة الغربية عام 1976 فتوى دينية، صرحوا فيها على أن (الأقصى اسم لجميع المساجد مما دار عليه السور9 وذلك استنادا إلى نصوص دينية وتاريخية موثقة، وقد أيد هذه الفتوى مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الشريف الذي عقد عام 1968م.
وأما في أيامنا هذه فيطلق اسم المسجد الأقصى على المسجد الواقع جنوبي قبة الصخرة في الناحية القبلية من الحرم القدسي الشريف.
من هو باني المسجد الأقصى ؟؟
ينسب معظم المؤرخين المسلمين بناء المسجد الأقصى إلى الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان، ومن هؤلاء المقدسي ومجير الدين الحنبلي والسيوطي، ويقولون أنه بناه سنة 72هـ /691م في حين ينسبه بعض المؤرخين ومنهم ابن البطريق وابن الُير إلى الوليد بن عبدالملك الذي حكم من سنة 86 هـ 705م إلى سنة 96هـ /714م.
ويستدل هذا الفريق على صحة قوله بما جاء في مجموعات من أوراق البردي والتي تضم مراسلات بين قرة بن شريك عامل الأمويين على مصر في عهد الخليفة الوليد بن عبدالملك إلى أحد حكام الصعيد بين عامي (90هـ /709م ـ96هـ/714م) وتتضمن ذكر نفقات العمال الذين كانوا يتلوون بناء مسجد القدس، كما ويطلب منه أن يرسل إليه صناعا مهرة لمسجد بيت المقدس، وتدل هذه الأوراق بصورة قاطعة على أن العمل في بناء المسجد كان جاريا حوالي سنة 90هـ /709م ولهذا يميل الاعتقاد بأن الخليفة عبدالملك بن مروان بعد أن انتهى من بناء قبة الصخرة عام 72هـ شرع في بناء المسجد الأقصى إلا أن ابنه الوليد أتم بناءه.
مكان بناء المسجد الأقصى:
ذكر الأستاذ كرزويل وهو أستاذ في علوم فن العمارة الإسلامية (إن المسجد الأقصى قد بناه الوليد بن عبدالمك بن مروان مكان المسجد الذي بناه الخليفة عمر بن الخطاب)
وقد حذا حذوه الكثير من المؤرخين العرب فقالوا (إن المسجد الذي بناه عمر بن الخطاب يوم الفتح أقيم في نفس المكان الذي فيه المسجد الأقصى الحالي، أي في الطرف الجنوبي من ساحة الحرم).
في حين ذكر بعض المؤرخين أن المسجد الأقصى بني في الموضع الذي كان تقوم عليه الكنيسة التي بناها الإمبراطور البيزنطي جوستنيان عام 543م، غلا أن المؤرخ جيمس فرغسون قد أنكر هذا الكلام بقوله: (إن المسجد الأقسى ليس بكنيسة جوستنيان ولا صحة أيضا للقول القائل أنه بني في الموضع الذي كانت تقوم عليه تلك الكنيسة فلا القناطر ولا العقود التي تحمل الأقصى ولا الأعمدة والتيجان التي فوق الأعمدة من النوع الذي كان معروفا على عهد جوستنيان، وبناء المسجد نفسه لا يشبه أية كنيسة من الكنائس التي بنيت في تلك العهود، كما لم يكن لأية كنيسة من الكنائس التي بنيت في تلك العهود قبة كقبة المسجد الأقصى).
ويؤيد هذاالقول الأستاذ كرزويل بقوله أن منطقة الحرم الشريف لم تبن وتعمر منذ تدمير تيطس الروماني للهيكل عام 70م إلا في عهد عمر بن الخطاب.
من المؤرخين الذين يؤيدون فكرة عدم عدم وجود أي بناء لأية كنيسة في ساحة الحرم القدسي وأن المسجد الأقصى لم يبن على أطلال كنيسة الأب مرمجي الدومنكي الذي قال: (إن الروم لم يعظموا مكان الهيكل ولم يبنوا عليه كنيسة لقول السيد المسيح في إنجيله (هو ذا يترك لكم بيتكم خرابا، وقال أيضا لا يبقى هاهنا حجر على حجر إلا ويهدم) ولهذا ترك النصارى هذا المكان خرابا ولم يبنوا عليه كنيسة).
منقول
والصخرة مقدسة منذ أقدم الأزمنة، فقد ذكرت بعض نصوص التلمود (أن الله تعالى خلق الأرض ابتداء من هذه الصخرة).
وعند هذه الصخرة المشرفة صعد الرسول محمد عليه الصلاة والسلام إلى السماء، ثم عاد إلى الأرض في نفس المكان أيضا. وكان المسلمون يتوجهون في صلاتهم ناحية السخرة إلى أن كان أمر الله سبحانه وتعالى أن يتجه الرسول والمسلمون جميعا في صلاتهم نحو الكعبة.
قال تعالى: (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره).
هذا وقد اختلف بعض المؤرخون في الأسباب الحقيقية التي دفعت بعبد الملك بن مروان لبناء مسجد قبة الصخرة، وقد عزا كل واحد منهم ذلك إلى دوافع مختلفة، أذكر أهم ما ورد منها:
قال اليعقوبي أن الدافع سياسي، وأن الغاية من بناء مسجد الصخرة بهذا الشكل البديع هي للاستعاضة بها عن الكعبة المشرفة بمكة المكمة بسبب ثورة عبدالله بن الزبير على الأمويين واستقلاله عنهم في بلاد الحجاز سنة 61هـ /680م وأن عبدالملك بن مروان أراد أن يصرف الناس عن الكعبة خشية أن يأخذهم ابن الزبير عند الحج بالبيعة.
لكن اليعقوبي مؤرخ شيعي، وكان معاديا لبني أمية، ونستبعد تماما أن الخليفة عبدالملك أراد أن يصرف الناس عن الحج إلى الكعبة لأن الحج إلى الكعبة بمكة المكرمة ركن من اركان الإسلام، ولا يمكن أن يفكر خليفة من خلفاء المسلمين بتحويل الحج إلى بيت المقدس.
ومنهم من ذكر أن عبدالملك بن مروان إنما بنى قبة الصخرة حتى يكون للمسلمين مسجد يضاهي في بهائه وعظمته ما لكنائس النصارى من الروعة، وخاصة أنه كان في سوريا وفلسطين يومئذ من الكنائس البالغة في العظمة.
ونحن نرى أن رأي المقدس كان أقرب إلى الصواب، فقال قال في كتابه أحسن التقاسيم (أن عبدالملك لما رأة عظم قبة القيامة وهيئتها خشي أن تعظم في قلوب المسلمين، فنصب على الصخرة قبة على ما ترى).
بناء قبة الصخرة:
كان من خبر البناء أن عبد الملك بن مروان حين قدم من دمشق إلى بيت المقدس وأمر ببناء القبة على الصخرة الشريفة، بعث الكتب إلى جميع عماله وإلى سائر الأمصار: (إن عبد الملك قد أراد أن يبني قبة على صخرة بيت المقدس تقي المسلمين من الحر والبرد، وكره أن يفعل ذلك دون رأي رعيته، فلتكتب الرعية إليه برأيهم وما هم عليه .. فوردت الكتب إليه من سائر الأمصار … ، نرى رأي أمير المؤمنين موفقا رشيدا إن شاء الله يتم له ما نوى من بناء بيته وصخرته ومسجده، ويجري ذلك على يديه ويجعله تذكره له ولمن مضى من سلفه). فشرع عبدالملك بن مروان الخليفة الأموي الخامس في البناء سنة 68هـ /688م وفرغ منه سنة 72هـ /691م. ويوجد هناك كتابة مزخرفة بالفسيفساء على قناطر التثمينة الوسطى في الناحية الجنوبية الشرقية من الداخل، وبالخط الكوفي المذهب تقول (بنى هذه القبة عبدالملك بن مروان أمير المؤمنين في سنة اثنتين وسبعين. تقبل الله منه ورضي عنه آمين).
أتى الخليف بالصناع من مختلف أنحاء البلاد، ووكل على صرف المال كلا من رجاء بن حيوة بن جود الكندي وكان من العلماء الأعلام ومن جلساء عمر بن عبدالعزيز، ويزيد بن سلام مولى عبدالملك بن مروان وهو من أهل بيت المقدس وولديه.
ولما تم الانتهاء من بناء قبة الصخرة، تبقى من الميزانية مائة ألف دينار، فكتب رجاء ويزيد إلى عبدالملك بدمشق، فرد الخليفة عليهما بتقاسم المبلغ بينهما، فرفضا قائلين أنهما أولى بزيادته من حلي نسائهما فضلا عن أموالهما الخاصة لينفقها الخليفة في أحب الأشياء إليه، فأمر الخليفة بأن تسك ذهبا وتفرغ على القبة والأبواب.
أما بالنسبة لمواد البناء التي استعملت في بناء مسجد قبة الصخرة، فقد ذكر بعض المؤرخين أن عبدالملك قد استعمل بعض الحجارة والأعمدة التي كانت مستخدمة في كنائس فلسطين المهدمة، والبعض الآخر ذكر بأنه استعمل بقايا حجارة وأعمدة وكنائس البيزنطيين التي هدمها الفرس في عهد كسرى سنة 614م أي قبل الفتح الإسلامي بثلاث وعشرين سنة، في حين تجمع الدراسات والاختبارات الأثرية الكثيرة التي أجراها العلماء المختصون على البناء، والتي اثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن قبة الصخرة بكامل أساسها وجدرانها الخارجية هي من إنشاء عبدالملك بن مروان، وأنها بناء متجانس الأجزاء لا يضم أي بقاي من أي بناء قديم كما توهم بعضهم.
التصميم الهندسي لقبة الصخرة:
لقد روعيت في إنشاء قبة الصخرة اتجاهات دينية في تحديد موقع البناء المباشر فوق الصخرة الشريفة، كما روعيت الاتجاهات الفنية في اختيار الشكل الثماني والقبة المركزية المزدوجة (فهي مكونة من قبتين واحدة داخلية والأخرى خارجية) والأبواب في الاتجاهات الأربعة، والكتابات الإسلامية، واستعمال النسب الهندسية في التصميم والزخرفة.
يتكون المبنى من قبة خشبية قطرها (20.44م) متكئة على إسطوانة تشتمل على 16 شباكا، وترتكز على أربع دعامات و12 عمودا منظمة في شكل دائري، بحيث يوجد 3 أعمدة بين كل دعامتين. وتقع القبة في مركز الشكل الثماني الذي يبلغ طول ضلعه (20.59م) وارتفاعه (9.50م) وهناك تصوينة فوق الجدران يبلغ ارتفاعها (2.60م) ويوجد في الجزء العلوي من كل جدار همسة شبابيك، كما هناك أربعة أبواب في الجدران الخارجية الأربعة الذي يبلغ قياس كل منها (2.55م العرض ×4.35 الارتفاع) أما زخرفة البناء الفسيفسائية فتغطي أكثر من1200م من مساحة الجدران.
ومما لا شك فيه أن مسجد قبة الصخرة بقبته الجميلة وبنائه المتين وتكوينه الرائع جاءة آية في فن الهندسة المعمارية على مر العصور والأيام، حتى أن الداخل من أي جهة إلى المسجد تظهر أمامه جميع أطراف المكان ويرى القسم القريب والبعيد دون أن يقاطع بصره شيء من الأبنية، وهذا ما أكسب البنار روعة وجمالا وأظهره باتساع أكثر مما هو عليه في الحقيقة.
قال الأستاذ هايتر لويس وهو الأستاذ في فن العمارة الهندسية (إن مسجد الصخرة بلا شك من أجمل المباني على سطح الأرض بل إنها أجمل الآثار التي خلدها التاريخ).
وقال الأستاذ كريزول (إن قبة الصخرة أهمية ممتازة في تاريخ العمارة الإسلامية، فقد بهرت ببهائها ورونقها وفخامتها وسحرها وتناسقها ودقة نسبها كل من حاول دراستها من العلماء والباحثين).
ــــ
المسجد الأقصى
مفهوم المسجد الأقصى:
كان اسم المسجد الأقصى يطلق فيما مضى على الحرم القدسي الشريف كله، بما فيه المسجد الحالي الذي ندعوه بالأقصى وقبة الصخرة وما بينهما، وبعبارة أخرى جميع الأماكن والمعابد الإسلامية القائمة ما بين الأسوار. وهذا ما قصدته الآية الكريمة (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله)
كما ورد في الحديث الصحيح أن الرسول الكريم حينما أخبر قومه عن إسرائه ليلا إلى لقدس استنكروه وأرادوا أن يمتحنوه بالاستيضاح عن الموقع، فأخذ يصفه لهم ويعد أبوابه بابا بابا، وكانوا يعرفونه فتحققوا من صفة الوصف.
هذا وقد اصدر علماء المسلمين في الضفة الغربية عام 1976 فتوى دينية، صرحوا فيها على أن (الأقصى اسم لجميع المساجد مما دار عليه السور9 وذلك استنادا إلى نصوص دينية وتاريخية موثقة، وقد أيد هذه الفتوى مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الشريف الذي عقد عام 1968م.
وأما في أيامنا هذه فيطلق اسم المسجد الأقصى على المسجد الواقع جنوبي قبة الصخرة في الناحية القبلية من الحرم القدسي الشريف.
من هو باني المسجد الأقصى ؟؟
ينسب معظم المؤرخين المسلمين بناء المسجد الأقصى إلى الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان، ومن هؤلاء المقدسي ومجير الدين الحنبلي والسيوطي، ويقولون أنه بناه سنة 72هـ /691م في حين ينسبه بعض المؤرخين ومنهم ابن البطريق وابن الُير إلى الوليد بن عبدالملك الذي حكم من سنة 86 هـ 705م إلى سنة 96هـ /714م.
ويستدل هذا الفريق على صحة قوله بما جاء في مجموعات من أوراق البردي والتي تضم مراسلات بين قرة بن شريك عامل الأمويين على مصر في عهد الخليفة الوليد بن عبدالملك إلى أحد حكام الصعيد بين عامي (90هـ /709م ـ96هـ/714م) وتتضمن ذكر نفقات العمال الذين كانوا يتلوون بناء مسجد القدس، كما ويطلب منه أن يرسل إليه صناعا مهرة لمسجد بيت المقدس، وتدل هذه الأوراق بصورة قاطعة على أن العمل في بناء المسجد كان جاريا حوالي سنة 90هـ /709م ولهذا يميل الاعتقاد بأن الخليفة عبدالملك بن مروان بعد أن انتهى من بناء قبة الصخرة عام 72هـ شرع في بناء المسجد الأقصى إلا أن ابنه الوليد أتم بناءه.
مكان بناء المسجد الأقصى:
ذكر الأستاذ كرزويل وهو أستاذ في علوم فن العمارة الإسلامية (إن المسجد الأقصى قد بناه الوليد بن عبدالمك بن مروان مكان المسجد الذي بناه الخليفة عمر بن الخطاب)
وقد حذا حذوه الكثير من المؤرخين العرب فقالوا (إن المسجد الذي بناه عمر بن الخطاب يوم الفتح أقيم في نفس المكان الذي فيه المسجد الأقصى الحالي، أي في الطرف الجنوبي من ساحة الحرم).
في حين ذكر بعض المؤرخين أن المسجد الأقصى بني في الموضع الذي كان تقوم عليه الكنيسة التي بناها الإمبراطور البيزنطي جوستنيان عام 543م، غلا أن المؤرخ جيمس فرغسون قد أنكر هذا الكلام بقوله: (إن المسجد الأقسى ليس بكنيسة جوستنيان ولا صحة أيضا للقول القائل أنه بني في الموضع الذي كانت تقوم عليه تلك الكنيسة فلا القناطر ولا العقود التي تحمل الأقصى ولا الأعمدة والتيجان التي فوق الأعمدة من النوع الذي كان معروفا على عهد جوستنيان، وبناء المسجد نفسه لا يشبه أية كنيسة من الكنائس التي بنيت في تلك العهود، كما لم يكن لأية كنيسة من الكنائس التي بنيت في تلك العهود قبة كقبة المسجد الأقصى).
ويؤيد هذاالقول الأستاذ كرزويل بقوله أن منطقة الحرم الشريف لم تبن وتعمر منذ تدمير تيطس الروماني للهيكل عام 70م إلا في عهد عمر بن الخطاب.
من المؤرخين الذين يؤيدون فكرة عدم عدم وجود أي بناء لأية كنيسة في ساحة الحرم القدسي وأن المسجد الأقصى لم يبن على أطلال كنيسة الأب مرمجي الدومنكي الذي قال: (إن الروم لم يعظموا مكان الهيكل ولم يبنوا عليه كنيسة لقول السيد المسيح في إنجيله (هو ذا يترك لكم بيتكم خرابا، وقال أيضا لا يبقى هاهنا حجر على حجر إلا ويهدم) ولهذا ترك النصارى هذا المكان خرابا ولم يبنوا عليه كنيسة).
منقول