بسم الله الرحمن الرحيم
( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ )
أى لا بد من تربية النفوس بالبلاء ليصلب عود أصحاب العقيدة ويقوى.
فالشدائد تستجيش مكنون القوى ومذخور الطاقة وتفتح في القلب منافذ ومسارب ما كان ليعلمها المؤمن في نفسه إلا تحت مطارق الشدائد .
والقيم والموازين والتصورات ما كانت لتصح وتدق وتستقيم إلا في جو المحنة التي تزيل الغبش من العيون ، والران عن القلوب.
أخبرنا تعالى أنه يبتلي عباده أي يختبرهم ويمتحنهم: {ولنبونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم} فتارةً بالسرّاء، وتارة بالضراء من خوف وجوع، فإن الجائع والخائف كل منهما يظهر ذلك عليه، {ونقص من الأموال} أي ذهاب بعضها {والأنفس} كموت الأصحاب والأقارب والأحباب، {والثمرات} أي لا تغل الحدائق والمزارع كعادتها ، وكل هذا وأمثاله مما يختبر اللّه به عباده، فمن صبر أثابه ومن قنط أحل به عقابه، ولهذا قال تعالى: {وبشر الصابرين}.
ثمَّ بيَّن تعالى مَنِ الصابرون الذين شكرهم فقال: {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون} أي تسلوا بقولهم هذا عمّا أصابهم، وعلموا أنهم ملك للّه يتصرف في عبيده بما يشاء، وعلموا أنه لا يضيع لديه مثقال ذرة يوم القيامة، فأحدث لهم ذلك اعترافهم بأنهم عبيده وأنهم إليه راجعون في الدار الآخرة، ولهذا أخبر تعالى عما أعطاهم على ذلك فقال: {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة} أي ثناء من اللّه عليهم {وأولئك هم المهتدون}.