بسم الله الرحمن الرحيم
أثارتْ بعضُ المناظراتِ العِلمية في مسائلِ الدِّين والعقيدة بين المسلمين والنصارى -بتنشيط بعض القنوات الفضائية- جُملةً من الشُّبُهات في دعوى التعارض بين النصوص القرآنية منها: قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾ [الحج: 47]، فقد ذكر الله تعالى أنَّ اليوم عنده كأَلْفِ سنةٍ مِمَّا يَعُدُّهُ العادُّون من خلقه، وهي تعارض الآيةَ في المعارج في قوله تعالى: ﴿تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [المعارج: 4]، فإنَّها تخالف ظاهرَ الآية السابقة بزيادة خمسين ضِعْفًا، فهل بالإمكان دفعُ التعارض الحاصلِ بين الآيتين بما يُزيل الإيهامَ والاضطرابَ؟
الجواب: ففي هذه المسألةِ يُدْفَعُ التعارضُ من وجهي جمعٍ ذكرهما العلماءُ فيما يلي:
الوجه الأول: إنَّ اختلافَ زمنِ الأيامِ معتبرٌ بينَ الخلقِ الأولِ للكونِ، وكذا مقدارُ سَيْرِ أمرِه وعروجِه وبينَ يومِ القيامةِ. فالآيةُ في سورة الحجِّ: ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾ فهي من الأيام التي خَلَقَ اللهُ فيها السمٰواتِ والأرضَ، أمَّا قولُه تعالى: ﴿يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾ [السجدة: 5]، فهو مقدارُ سَيْرِ أمرِه وعروجِه إليه سبحانه، وأمَّا قوله تعالى: ﴿تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾، فهو يوم القيامةِ بلا خلافٍ(١- تفسير ابن كثير: (3/228)، «أضواء البيان» للشنقيطي: (5/719)).
الوجه الثاني: إنَّ اختلاف زمن اليوم -قلةً وكثرةً- إنَّما يحصُلُ يومَ القيامةِ، غيرَ أنَّ وقتَه يطولُ ويقصرُ باعتبارِ حالِ المؤمنينَ والكفَّارِ، فأصلُ زمنِ يومِ القيامةِ كألفِ سنةٍ، ولكنَّهُ يخِفُّ على أهلِ الإيمانِ ويقصر حتى يكونَ كنصفِ نهارٍ، لقوله تعالى: ﴿أَصْحَابُ الجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً﴾ [الفرقان: 24]، فدلَّتِ الآيةُ على انقضاءِ الحسابِ في نصفِ نهارٍ الذي هو استراحةُ المقيلِ، وبهذا قال ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم وابن جُبَيْرٍ وغيرُهم.
أمّا حالُ الكفارِ فإنَّ زمنَ اليومِ في حقِّهمْ يَشتدُّ عليهِمْ ويعسرُ، لأنَّهُ يومُ عدلٍ وقضاءٍ وفصلٍ فيطول الوقتُ عنْ أصلِهِ، ولهذا قال الله تعالى: ﴿الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا﴾ [الفرقان: 26]، وقال تعالى: ﴿فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ، عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ﴾ [المدّثر: 9-10]، وقال تعالى -أيضًا-: ﴿مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ﴾ [القمر: 8]، فالآياتُ دلَّتْ بمنطوقِهَا على أنَّ اليومَ عسيرٌ عَلَى الكافرينَ غيرُ يسيرٍ، ودَلَّتْ بمفهومهَا المخالفِ أنَّه يسيرٌ على المؤمنينَ غيرُ عسيرٍ، قال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا،ً وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا﴾ [الانشقاق: 7-8-9]، وقال تعالى: ﴿لاَ يَحْزُنُهُمُ الفَزَعُ الأَكْبَرُ﴾ [الأنبياء: 103]، وقد أخرج الإمامُ أحمدُ وغيرُه من حديث أبي سعيدٍ الخُدري رضي الله عنه قال: «قِيلَ: يَا رَسُولَ الله، يَوْم كَانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مَا أَطْوَلَ هَذَا اليَوْمَ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ: «وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لَيُخَفَّفُ عَلى المُؤْمِنِ حَتَّى يَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ مِنْ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ يُصَلِّيهَا في الدُّنْيَا»(٣- أخرجه ابن حبان في «صحيحه»: (7334)، وأحمد في «مسنده»: (11474)، قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/340): «رواه أحمد وأبو يعلى وإسناده حسن على ضعف في راويه»، وقال ابن كثير في «تفسيره» (4/524): «ورواه ابن جرير عن يونس عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن دراج به، إلا أنَّ دراجًا وشيخه أبا الهيثم ضعيفان»، والحديث ضعفه الألباني في «ضعيف الترغيب»: (2095))، والحديثُ وإن كانَ فيه ضعفٌ ولم يثبت سَنَدُهُ إلاَّ أنَّه لا يتعارضُ معْنَاهُ مَعَ ما تقرَّرَ سَابقًا.
ويَشْهدُ للوجهِ الثاني للجَمْعِ قولُهُ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «يَدْخُلُ فُقَرَاءُ المُسْلِمِينَ الجنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بِنِصْفِ يَوْمٍ، وَهُوَ خَمْسُمائَةِ عَامٍ»
والله الموفق لكل خير
أثارتْ بعضُ المناظراتِ العِلمية في مسائلِ الدِّين والعقيدة بين المسلمين والنصارى -بتنشيط بعض القنوات الفضائية- جُملةً من الشُّبُهات في دعوى التعارض بين النصوص القرآنية منها: قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾ [الحج: 47]، فقد ذكر الله تعالى أنَّ اليوم عنده كأَلْفِ سنةٍ مِمَّا يَعُدُّهُ العادُّون من خلقه، وهي تعارض الآيةَ في المعارج في قوله تعالى: ﴿تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [المعارج: 4]، فإنَّها تخالف ظاهرَ الآية السابقة بزيادة خمسين ضِعْفًا، فهل بالإمكان دفعُ التعارض الحاصلِ بين الآيتين بما يُزيل الإيهامَ والاضطرابَ؟
الجواب: ففي هذه المسألةِ يُدْفَعُ التعارضُ من وجهي جمعٍ ذكرهما العلماءُ فيما يلي:
الوجه الأول: إنَّ اختلافَ زمنِ الأيامِ معتبرٌ بينَ الخلقِ الأولِ للكونِ، وكذا مقدارُ سَيْرِ أمرِه وعروجِه وبينَ يومِ القيامةِ. فالآيةُ في سورة الحجِّ: ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾ فهي من الأيام التي خَلَقَ اللهُ فيها السمٰواتِ والأرضَ، أمَّا قولُه تعالى: ﴿يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾ [السجدة: 5]، فهو مقدارُ سَيْرِ أمرِه وعروجِه إليه سبحانه، وأمَّا قوله تعالى: ﴿تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾، فهو يوم القيامةِ بلا خلافٍ(١- تفسير ابن كثير: (3/228)، «أضواء البيان» للشنقيطي: (5/719)).
الوجه الثاني: إنَّ اختلاف زمن اليوم -قلةً وكثرةً- إنَّما يحصُلُ يومَ القيامةِ، غيرَ أنَّ وقتَه يطولُ ويقصرُ باعتبارِ حالِ المؤمنينَ والكفَّارِ، فأصلُ زمنِ يومِ القيامةِ كألفِ سنةٍ، ولكنَّهُ يخِفُّ على أهلِ الإيمانِ ويقصر حتى يكونَ كنصفِ نهارٍ، لقوله تعالى: ﴿أَصْحَابُ الجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً﴾ [الفرقان: 24]، فدلَّتِ الآيةُ على انقضاءِ الحسابِ في نصفِ نهارٍ الذي هو استراحةُ المقيلِ، وبهذا قال ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم وابن جُبَيْرٍ وغيرُهم.
أمّا حالُ الكفارِ فإنَّ زمنَ اليومِ في حقِّهمْ يَشتدُّ عليهِمْ ويعسرُ، لأنَّهُ يومُ عدلٍ وقضاءٍ وفصلٍ فيطول الوقتُ عنْ أصلِهِ، ولهذا قال الله تعالى: ﴿الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا﴾ [الفرقان: 26]، وقال تعالى: ﴿فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ، عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ﴾ [المدّثر: 9-10]، وقال تعالى -أيضًا-: ﴿مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ﴾ [القمر: 8]، فالآياتُ دلَّتْ بمنطوقِهَا على أنَّ اليومَ عسيرٌ عَلَى الكافرينَ غيرُ يسيرٍ، ودَلَّتْ بمفهومهَا المخالفِ أنَّه يسيرٌ على المؤمنينَ غيرُ عسيرٍ، قال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا،ً وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا﴾ [الانشقاق: 7-8-9]، وقال تعالى: ﴿لاَ يَحْزُنُهُمُ الفَزَعُ الأَكْبَرُ﴾ [الأنبياء: 103]، وقد أخرج الإمامُ أحمدُ وغيرُه من حديث أبي سعيدٍ الخُدري رضي الله عنه قال: «قِيلَ: يَا رَسُولَ الله، يَوْم كَانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مَا أَطْوَلَ هَذَا اليَوْمَ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ: «وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لَيُخَفَّفُ عَلى المُؤْمِنِ حَتَّى يَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ مِنْ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ يُصَلِّيهَا في الدُّنْيَا»(٣- أخرجه ابن حبان في «صحيحه»: (7334)، وأحمد في «مسنده»: (11474)، قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/340): «رواه أحمد وأبو يعلى وإسناده حسن على ضعف في راويه»، وقال ابن كثير في «تفسيره» (4/524): «ورواه ابن جرير عن يونس عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن دراج به، إلا أنَّ دراجًا وشيخه أبا الهيثم ضعيفان»، والحديث ضعفه الألباني في «ضعيف الترغيب»: (2095))، والحديثُ وإن كانَ فيه ضعفٌ ولم يثبت سَنَدُهُ إلاَّ أنَّه لا يتعارضُ معْنَاهُ مَعَ ما تقرَّرَ سَابقًا.
ويَشْهدُ للوجهِ الثاني للجَمْعِ قولُهُ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «يَدْخُلُ فُقَرَاءُ المُسْلِمِينَ الجنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بِنِصْفِ يَوْمٍ، وَهُوَ خَمْسُمائَةِ عَامٍ»
والله الموفق لكل خير