بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف -رحمه الله- تعالى وعن أبي مسعود عقبة بن عامر الأنصاري البدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت رواه البخاري.
------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة، والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
هذا الحديث فيه الكلام على شعبة من شعب الإيمان ألا وهي الحياء، فقد أُسند الكلام هنا إلى ما بقي للناس من النبوة الأولى فقد قال -عليه الصلاة والسلام- هنا: إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت .
فقوله -عليه الصلاة والسلام- هنا: إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى يقتضي أن هناك كلاما أدركه الناس من كلام الأنبياء، ومعنى الإدراك: أنه فشا في الناس، وتناقلوه عن الأنبياء.
وقوله: مما أدرك الناس من هنا تبعيضيه فيكون هذا القول وهو: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت يكون بعض ما أُدرك من كلام النبوة الأولى، فقال -عليه الصلاة والسلام-: إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى والنبوة الأولى المقصود بها: النبوات المتقدمة، يعني: أوائل الرسل والأنبياء كنوح -عليه السلام-، وإبراهيم -عليه السلام- وهكذا.
فإن نوحا -عليه السلام- له كلام فشا في أتباعه فيما بعده، وإبراهيم -عليه السلام- كذلك في كلام له، وكذلك مما أعطاه الله -جل وعلا- وأوحاه إليه فيما في صحفه.
فالنبوة الأولى المقصود بها: النبوات السابقة البعيدة عن إرث الناس لذلك الكلام، فيكون مقتضى النبوة الأولى أن هناك نبوات متأخرة، وهذا صحيح؛ لأنه إذا أُطلق النبوات الأولى فإنما يُعنَى به الرسل والأنبياء المتقدمون، أما موسى -عليه السلام-، وعيسى -عليه السلام-، وهكذا أنبياء بني إسرائيل، داود وغيره هؤلاء من النبوات المتأخرة، يعني: من الأنبياء والرسل المتأخرين.
وقوله -عليه الصلاة والسلام-: مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى هذا يعني: أن هذا الكلام كلام أنبياء، وله تشريعه، وله فائدته العظيمة، فهذا فيه لفت النظر إلى الاهتمام بهذا الكلام.
قال: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت تستحي يعني: الحاء هنا؛ لأن الفعل استحى يستحي فهنا تستحي فجزم لم أثَّرَ في الفعل بحذف الياء؛ لأن هناك يائين، وتظهر هذه في قول الله -جل وعلا-: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي فثم ياءان، هنا لما أتت لم حذفت الياء التي هي من الفعل، وبقيت الياء الأخرى الداخلة، وإذا قيل لم تستحِ على كسر الحاء إشارة إلى حذف الياء فلا بأس في نظائرها المعروفة في النحو.
قوله هنا: لم تستحي فاصنع ما شئت هذا فيه ذكر الحياء، والحياء كما جاء في الحديث الآخر شعبة من الإيمان، وهو ملكة باطنة، والحياء هذا يأتي تارة بالجبلة والخلق المطبوع عليه الإنسان، وتارة يأتي بالاكتساب، أما بالجبلة والطبع فهذا يكون بعض الناس حييا.
كما جاء في الصحيح أن رجلا من الأنصار كان يعظ أخاه في الحياء -يعني: يقول له: لماذا تستحي؟ لماذا أنت كذا وكذا فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: دعه فإن الحياء لا يأتي إلا بخير فالحياء شعبة باطنة، ويكون جبليا طبعيا، ويكون مكتسبا، والمكتسب مأمور به، وهو أن يكون مستحيا من الله -جل وعلا- وأن يكون مبتعدا عن المحرمات، وما يشينه عند ربه -جل وعلا-، ممتثلا للأوامر مقبلا عليها؛ لأن الله -جل وعلا- يحب ذلك ويرضاه، فالحياء المكتسب ما يكون في القلب من الخُلق الذي يجعله آنفا أن يغشى الحرام، أو أن يترك الواجب، وهذا يكون بملازمة الإيمان، وبالعلم والعمل الصالح حتى يكون ذلك ملكة.
وقوله -عليه الصلاة والسلام-: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت فسر بتفسيرين، يعني: العلماء اختلفوا فيه على قولين: ومجمل هذين القولين: أن هذا إما أمر، وإما ليس بأمر، ومن قال: إنه أمر قال: معنى الحديث إذا كان الأمر الذي تريد إتيانه مما لا يستحيا منه فاصنع ما شئت من تلك الأمور التي لا يستحيا منها عند المؤمنين.
يعني: إذا كان الأمر ليس حراما، وليس مما يخرم مكارم الأخلاق والمروءات، ولم يكن فيه تفريط بواجب، ولم يكن مما يستحي منه في الشرع فاصنعه ولا تبال؛ لأن هذا دليل أنه لا بأس به، وهذا قول جماعة من أهل العلم، منهم إسحاق وأحمد، وجماعة كثيرون.
والقول الثاني: أنه ليس بأمر، وأهل العلم في هذا -أيضا- لهم توجيهان:-
الأول: قالوا: إنه خرج عن معنى الأمر الذي هو الإلزام بالفعل إلى التهديد فمعنى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت يعني: إذا لم يكن لك حياء يمنعك من مقارفة الحرام والمنكر، والتفريط في الواجبات فاصنع ما شئت، فإن من لا حياء له لا خير فيه، وهذا يكون خرج للتهديد؛ لأن صيغة "افعل" عند الأصوليين، وعند أهل اللغة تأتي ويراد بها التهديد، كما في قوله -جل وعلا-: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ في سورة فصلت اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ وهذا مخاطب به المشركون، يعني: اعملوا ما شئتم من الأعمال، وليس هذا تخييرا لهم، ولكنه تهديد، ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ هذا توبيخ ليس فيه الأمر الذي هو يوجب الامتثال، ولكن هذا من باب التهكم والتوبيخ والتخويف وهكذا.
فإذن صيغة "افعل" تخرج عن مرادها من أنه إلزام بالفعل إلى صيغ أخرى بلاغية منها: التهديد والتوبيخ، وأشباه ذلك، فهنا في قوله: فاصنع ما شئت هذا على جهة التهديد، إذا لم يكن لك مانع من الحياء يمنعك عن مقارفة المنكر فإنه افعل ما شئت، وستلقى الحساب وستلقى سوء هذا الفعل الذي لم يمنعك عنه الحياء.
والوجه الثاني لهذا القول: أن طائفة من أهل العلم قالوا: هذا خرج مخرج الخبر، يعني: أن ما لا يستحيا منه فإن الناس يصنعونه، وهذا خبر عن الناس، وعما يفعلونه، وهو أن الأمور التي لا يستحيون منها يصنعونها، إذا لم تستح من ذلك الفعل فلك صنعه، أو فالناس يفعلونه، فهو أمر في ظاهرة خبر في باطنه.
وهذان القولان ظاهران، في الأول، وفي الثاني، يعني: أنه أمر أو أنه ليس بأمر خرج على التهديد، أو على الخبر، كل هذا قريب، والحديث يحتمل القول الأول، ويحتمل القول الثاني.
____________
نقلا عن كتاب شرح الأربعين النووية للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
أسأل الله أن ينفعنا به
قال المصنف -رحمه الله- تعالى وعن أبي مسعود عقبة بن عامر الأنصاري البدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت رواه البخاري.
------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة، والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
هذا الحديث فيه الكلام على شعبة من شعب الإيمان ألا وهي الحياء، فقد أُسند الكلام هنا إلى ما بقي للناس من النبوة الأولى فقد قال -عليه الصلاة والسلام- هنا: إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت .
فقوله -عليه الصلاة والسلام- هنا: إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى يقتضي أن هناك كلاما أدركه الناس من كلام الأنبياء، ومعنى الإدراك: أنه فشا في الناس، وتناقلوه عن الأنبياء.
وقوله: مما أدرك الناس من هنا تبعيضيه فيكون هذا القول وهو: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت يكون بعض ما أُدرك من كلام النبوة الأولى، فقال -عليه الصلاة والسلام-: إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى والنبوة الأولى المقصود بها: النبوات المتقدمة، يعني: أوائل الرسل والأنبياء كنوح -عليه السلام-، وإبراهيم -عليه السلام- وهكذا.
فإن نوحا -عليه السلام- له كلام فشا في أتباعه فيما بعده، وإبراهيم -عليه السلام- كذلك في كلام له، وكذلك مما أعطاه الله -جل وعلا- وأوحاه إليه فيما في صحفه.
فالنبوة الأولى المقصود بها: النبوات السابقة البعيدة عن إرث الناس لذلك الكلام، فيكون مقتضى النبوة الأولى أن هناك نبوات متأخرة، وهذا صحيح؛ لأنه إذا أُطلق النبوات الأولى فإنما يُعنَى به الرسل والأنبياء المتقدمون، أما موسى -عليه السلام-، وعيسى -عليه السلام-، وهكذا أنبياء بني إسرائيل، داود وغيره هؤلاء من النبوات المتأخرة، يعني: من الأنبياء والرسل المتأخرين.
وقوله -عليه الصلاة والسلام-: مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى هذا يعني: أن هذا الكلام كلام أنبياء، وله تشريعه، وله فائدته العظيمة، فهذا فيه لفت النظر إلى الاهتمام بهذا الكلام.
قال: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت تستحي يعني: الحاء هنا؛ لأن الفعل استحى يستحي فهنا تستحي فجزم لم أثَّرَ في الفعل بحذف الياء؛ لأن هناك يائين، وتظهر هذه في قول الله -جل وعلا-: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي فثم ياءان، هنا لما أتت لم حذفت الياء التي هي من الفعل، وبقيت الياء الأخرى الداخلة، وإذا قيل لم تستحِ على كسر الحاء إشارة إلى حذف الياء فلا بأس في نظائرها المعروفة في النحو.
قوله هنا: لم تستحي فاصنع ما شئت هذا فيه ذكر الحياء، والحياء كما جاء في الحديث الآخر شعبة من الإيمان، وهو ملكة باطنة، والحياء هذا يأتي تارة بالجبلة والخلق المطبوع عليه الإنسان، وتارة يأتي بالاكتساب، أما بالجبلة والطبع فهذا يكون بعض الناس حييا.
كما جاء في الصحيح أن رجلا من الأنصار كان يعظ أخاه في الحياء -يعني: يقول له: لماذا تستحي؟ لماذا أنت كذا وكذا فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: دعه فإن الحياء لا يأتي إلا بخير فالحياء شعبة باطنة، ويكون جبليا طبعيا، ويكون مكتسبا، والمكتسب مأمور به، وهو أن يكون مستحيا من الله -جل وعلا- وأن يكون مبتعدا عن المحرمات، وما يشينه عند ربه -جل وعلا-، ممتثلا للأوامر مقبلا عليها؛ لأن الله -جل وعلا- يحب ذلك ويرضاه، فالحياء المكتسب ما يكون في القلب من الخُلق الذي يجعله آنفا أن يغشى الحرام، أو أن يترك الواجب، وهذا يكون بملازمة الإيمان، وبالعلم والعمل الصالح حتى يكون ذلك ملكة.
وقوله -عليه الصلاة والسلام-: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت فسر بتفسيرين، يعني: العلماء اختلفوا فيه على قولين: ومجمل هذين القولين: أن هذا إما أمر، وإما ليس بأمر، ومن قال: إنه أمر قال: معنى الحديث إذا كان الأمر الذي تريد إتيانه مما لا يستحيا منه فاصنع ما شئت من تلك الأمور التي لا يستحيا منها عند المؤمنين.
يعني: إذا كان الأمر ليس حراما، وليس مما يخرم مكارم الأخلاق والمروءات، ولم يكن فيه تفريط بواجب، ولم يكن مما يستحي منه في الشرع فاصنعه ولا تبال؛ لأن هذا دليل أنه لا بأس به، وهذا قول جماعة من أهل العلم، منهم إسحاق وأحمد، وجماعة كثيرون.
والقول الثاني: أنه ليس بأمر، وأهل العلم في هذا -أيضا- لهم توجيهان:-
الأول: قالوا: إنه خرج عن معنى الأمر الذي هو الإلزام بالفعل إلى التهديد فمعنى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت يعني: إذا لم يكن لك حياء يمنعك من مقارفة الحرام والمنكر، والتفريط في الواجبات فاصنع ما شئت، فإن من لا حياء له لا خير فيه، وهذا يكون خرج للتهديد؛ لأن صيغة "افعل" عند الأصوليين، وعند أهل اللغة تأتي ويراد بها التهديد، كما في قوله -جل وعلا-: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ في سورة فصلت اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ وهذا مخاطب به المشركون، يعني: اعملوا ما شئتم من الأعمال، وليس هذا تخييرا لهم، ولكنه تهديد، ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ هذا توبيخ ليس فيه الأمر الذي هو يوجب الامتثال، ولكن هذا من باب التهكم والتوبيخ والتخويف وهكذا.
فإذن صيغة "افعل" تخرج عن مرادها من أنه إلزام بالفعل إلى صيغ أخرى بلاغية منها: التهديد والتوبيخ، وأشباه ذلك، فهنا في قوله: فاصنع ما شئت هذا على جهة التهديد، إذا لم يكن لك مانع من الحياء يمنعك عن مقارفة المنكر فإنه افعل ما شئت، وستلقى الحساب وستلقى سوء هذا الفعل الذي لم يمنعك عنه الحياء.
والوجه الثاني لهذا القول: أن طائفة من أهل العلم قالوا: هذا خرج مخرج الخبر، يعني: أن ما لا يستحيا منه فإن الناس يصنعونه، وهذا خبر عن الناس، وعما يفعلونه، وهو أن الأمور التي لا يستحيون منها يصنعونها، إذا لم تستح من ذلك الفعل فلك صنعه، أو فالناس يفعلونه، فهو أمر في ظاهرة خبر في باطنه.
وهذان القولان ظاهران، في الأول، وفي الثاني، يعني: أنه أمر أو أنه ليس بأمر خرج على التهديد، أو على الخبر، كل هذا قريب، والحديث يحتمل القول الأول، ويحتمل القول الثاني.
____________
نقلا عن كتاب شرح الأربعين النووية للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
أسأل الله أن ينفعنا به