عبد الكريم قاسم - الجزء الاول
عبدالكريم قاسم (1914 - 1963) رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع في العراق من 14 يوليو 1958 ولغاية 9 فبراير 1963 حيث أصبح أول حاكم عراقي بعد الحكم الملكي. كان عضوا في تنظيم الضباط الوطنيين " أو الأحرار" وقد رشح عام 1957 رئيسا للجنة العليا للتنظيم الذي أسسه العميد رفعت الحاج سري الدين عام 1949. ساهم مع قادة التنظيم بالتخطيط لحركة أو 14 يوليو / تموز 1958 التي قام بتنفيذها زميله في التنظيم عبد السلام محمد عارف والتي أنهت الحكم الملكي وأعلنت قيام الجمهورية العراقية. هو عسكري عراقي عرف بوطنيته وحبه للطبقات الفقيرة التي كان ينتمي لها. ومن أكثر الشخصيات التي حكمت العراق إثارةً للجدل حيث عرف بعدم فسحه المجال للاخرين بالإسهام معه بالحكم واتهم من قبل خصومه السياسيين بالتفرد بالحكم حيث كان يسميه المقربون منه وفي وسائل إعلامه "الزعيم الأوحد" .
أحد ضباط الجيش العراقي الذين شاركوا في القتال بفلسطين، حكم العراق 4 سنوات و 6 أشهر و 15 يوماً، تم إعدامه دون تحقيق ومن خلال محكمة صورية عاجلة في دار الإذاعة في بغداد يوم 9 فبراير 1963. هناك جدل وتضارب حول الإرث التاريخي لقاسم فالبعض يعتبره "نزيهاً وحريصاً على خدمة الشعب العراقي لم يكن يضع لشخصه ولأهله وأقرباءه أي أعتبار أو محسوبية أمام المسؤولية الوطنية" واتخاذه سياسة التسامح والعفو عن المتآمرين الذين تآمروا على الثورة "سياسة عفا الله عما سلف" وأصدر الكثير من قرارات بإعفاء المحكومين بالإعدام ولم يوقع على أحكام إعدام، بينما يعتبره البعض الآخر زعيما عمل جاهداً للإستثئار بالسلطة وسعيه إلى تحجيم جميع الأحزاب الوطنية منها والقومية والأخرى التقدمية وإصداره لأحكام إعدام جائرة بحق زملائه من أعضاء تنظيم الضباط الوطنيين "أو الأحرار" كالعميد ناظم الطبقجلي و العقيد رفعت الحاج سري وغيرهم، كما يتهمه خصومه السياسيين بأنه أبعد العراق عن محيطه العربي من خلال قطع علاقاته الدبلوماسية مع أكثر من دولة عربية وانتهى به المطاف لسحب عضوية العراق من الجامعة العربية، وكذلك يتهمه خصومه بأنه ابتعد عن الإنتماء الإسلامي للعراق الاسلامي بالتقرب من الشيوعيين وارتكب المجازر في الموصل وكركوك وأعدم الكثير من خصومه السياسيين والعسكريين وقرب أفراد أسرته من الحكم وأسند لبعضهم المناصب ومنح البعض الآخر الصلاحيات كإبن خالته المقدم فاضل المهداوي ذو الإرتباطات الماركسية وأخيه الأكبر حامد قاسم الذي كان يلقب بالبرنس حامد وهو المشرف عن توزيع أراضي الإصلاح الزراعي للفلاحين والذي جمع أموال طائلة من هذه العملية. إلا أن هناك نوع من الإجماع على شعبية قاسم بين بعض الشرائح كالعسكريين ومن ذوي الإنتماءات الشيوعية وكذلك الفلاحين في المدن والمناطق التي تقطنها الطبقات الفقيرة في جنوب العراق.
حدثت إبان حكم قاسم مجموعة من الإضطرابات الداخلية جعلت فترة حكمه غير مستقرة على الصعيد الداخلي أما على الصعيد الإقليمي فقد أثار موقف عبدالكريم قاسم الرافض لكل أشكال الوحدة مع الأقطار العربية ومنها رفضه الإنضمام إلى الإتحاد العربي الذي كان يعرف بالجمهورية العربية المتحدة التي كانت في وقتها مطلبا جماهيريا، ولد خيبة أمل لجماهير واسعة من العراقيين ولمراكز القوى والشخصيات السياسية العراقية والعربية ومنها الرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي أشيع أنه في سبتمبر 1959 ساند ومول المعارضين لقاسم والذي أدى إلى محاولة انقلاب عسكري على حكم قاسم في الموصل. وفي المقابل كانت تصريحات عبدالكريم قاسم لها آثار متناقضة والخاصة بأنه كان وراء انفصال مشروع الوحدة بين مصر وسوريه من خلال تمويله ودعمه للعميد السوري عبدالكريم النخلاوي والعقيد موفق عصاصة الذين قادا الإنقلاب في الشطر السوري من الوحدة، كما كانت لمطالب قاسم بضم الكويت تداعيات تسببت برد فعل عبدالكريم قاسم وغضبه انتهت بانسحابه من عضوية العراق في الجامعة العربية في وقت كانت للجامعة العربية هيبتها وأهميتها في تلبية مطالب الدول العربية. كما حدثت إبان حكم قاسم أيضا حركات تمرد أو إنتفاضة من قبل الأكراد في سبتمبر 1961 مما أدى إلى إضعاف أكثر للهيمنة المركزية لقاسم على حكم العراق وكانت آخر الحركات المعارضة ضد حكمه حركة أو انقلاب أو ثورة 8 شباط 1963 التي قام بها مجموعة من الضباط العسكريين العراقين الذين كان معظمهم ينتمي إلى حزب البعث .
قاسم وتنظيم الضباط الوطنيين
تخرج قاسم من الكلية العسكرية العراقية والتي كانت تسمى في حينها "الثانوية الحربية" وعمره 20 سنة وبدأ حياته العسكرية برتبة ملازم ثاني في كتيبة للمشاة وتم تعيينه لاحقا كمدرس في الكلية العسكرية وفي عام 1941 تخرج من كلية الأركان العسكرية وفي عام 1955 وصل قاسم إلى رتبة مقدم ركن وبعد أن اصبح عقيدا تم نقله آمراًً للواء المشاة 20. وصف قاسم سياسته الخارجية بمصطلح "الحيادية الإيجابية" ولكن مع تطور الأحداث السياسية إبان السنة الأولى من حكمه ظهرت بوادر تقارب بينه وبين الحزب الشيوعي العراقي والكتلة اليسارية ولكن ومع إطلالة عام 1959 ظهر للعيان بوادر محاولاته لكبح جماح بعض التيارات الشيوعي بسبب تسلطها على مراكز القرار وضغوطاتها على قاسم من أجل تبني إجراءات أكثر ماركسيةً، من جهة أخرى وبسبب الإحراج الذي واجهه قاسم من الأوساط المحلية والعربية والدولية بالإرتماء في أحضان الماركسيين في زمان ومكان محافظ يحترم التقاليد الدينية والعشائرية التي لم يكن يأبه بها الشيوعيون. حيث اتخذ إجراءات تقويظ بعض التيارات الشيوعية من المناصب الحكومية وقوات الشرطة وسحب السلاح من ميليشيا الحزب الذي كان يعرف بالمقاومة الشعبية.
عند تشكيل نخبة من الضباط المستنيرين لتنظيم الضباط الوطنيين الذي أسماه الإعلاميون لاحقا بتنظيم "الضباط الأحرار" أسوةً بتنظيم الضباط الاحرار في مصر. انضم لهذا التنظيم العقيد الركن عبد السلام عارف الذي طلب انضمام زميله العميد عبدالكريم قاسم إلى خليته وقد تردد التنظيم بضمه لهم في باديء الأمر لأسباب وصفه "بالمزاجية والتطلعات الفردية". وبسبب تأجيل تنظيم الضباط الوطنيين بالقيام بالحركة لأكثر من مرة اتفق عبدالسلام عارف مع عبدالكريم قاسم وبالإتفاق مع بعض الضباط من أعضاء التنظيم وهم الفريق نجيب الربيعي والعميد ناظم الطبقجلي والعقيد رفعت الحاج سري والعميد عبد الرحمن عارف والعقيد عبد الوهاب الشواف بالمبادرة للشروع بالتحرك للإطاحة بالحكم الملكي دون الرجوع للتنظيم، مستغلين فرصة قيام الإتحاد الهاشمي وتحرك القطعات العراقية لإسناد الأردن ضد تهديدات إسرائيلية لقيام الاتحاد. تولى العميد عبدالكريم قاسم بعد نجاح الثورة منصب رئيس الوزراء ووزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة والفريق نجيب الربيعي منصب رئيس مجلس السيادة ريثما يتم انتخاب رئيسا للجمهورية. أما العقيد الركن عبد السلام عارف فتولى منصبي نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية. ووزعت باقي الوزارات على أعضاء التنظيم حسب إسهامهم بالثورة.
شريكه في الثورة عبد السلام عارف
تمتد علاقة الصداقة والود بين العميد عبد الكريم قاسم والعقيد الركن عبد السلام عارف إلى عام 1938 حيث التقى عبدالسلام عارف بعبدالكريم قاسم في الكلية العسكرية. وبعد أن تخرج عبد السلام من الكلية العسكرية التقى بعبد الكريم قاسم في البصرة في إحدى القطعات العسكرية بعد نقل عارف بسبب اشتراكه بثورة رشيد عالي الكيلاني باشا عام 1941، وأثناء اللقاءات التي كانت تجمعهما كانا يتداولان موضوعات الساعة يومذاك من سوء الأوضاع التي يعيشها المواطن العراقي من جراء سياسة نوري السعيد باشا رئيس الوزراء والأمير عبد الاله الوصي على العرش، وخضوعهما للسياسة البريطانية في العراق كما التقيا مرة أخرى في كركوك في عام 1947 وجمعتهما مرة أخرى الحياة العسكرية فالتقيا في الحرب الفلسطينية 1948 حيث أرسل قاسم إلى مدينة كفر قاسم وأرسل عارف إلى مدينة جنين وهما قريبتان الواحدة عن الاخرى فكانت تتم بينهما اللقاءات المستمرة واستمرت علاقتهما حتى عام 1951 حيث فارق عبدالسلام عارف رفيق سلاحه لمدة خمس سنوات حيث التحق في ذلك العام بالدورة التدريبية الخاصة بالقطعات العسكرية البريطانية ثم مالبث وأن أصبح معلما للطلبة - الضباط العراقيين المبتعثين للدورات التدريبية والتي كانت تقام في مدينة دوسلدورف الالمانية الغربية واستمر في الخدمة هناك حتى عام 1956.
بعد عودة عارف للعراق نقل إلى اللواء 20عام 1956 حيث انتمى إلى تنظيم الضباط الوطنيين وبعد عام على انتمائه التقيا ثانيةً عام 1957 حين فاتح العقيد عبد السلام عارف قيادة التنظيم لضم زميله العميد عبدالكريم قاسم للتنظيم الذي تردد بضمه باديء الأمر لأسباب عزوها نزعته الفردية ومزاجيته وبعد انضمام قاسم وبعد تغيب الفريق نجيب الربيعي عن اجتماعات التنظيم لأسباب تتعلق بالتحاقة لوحداته في أماكن مختلفة تم تعيينه سفيرا للعراق في السعودية، تم اختيار الضابط الأعلى رتبةً حسب السياقات العسكرية العميد ناجي طالب للرئاسة المؤقتة للتنظيم لحين عودة الفريق نجيب الربيعي إلا أن تدخل العضو الفاعل في التنظيم العقيد عبدالسلام عارف حال دون ذلك حيث دخل في تفسير وشرح لمبررات طلب ترشيح زميله العميد عبدالكريم قاسم مبرراً إمكانيتهما بالعمل المشترك للقيام بالثورة كونهما يعملان في موقع عسكري استراتيجي قرب بغداد ومع وجود كتائب مدفعية ودروع ومشاة وأسلحة وصنوف ساندة أخرى وختم قوله مبتسماً لا زعيم الا كريم ، الامر الذي أحرج المجتمعين مما أدى إلى موافقتهم على مقترحه.
أتاح ترأس عبدالكريم قاسم للجنة العليا للتنظيم لعبدالسلام عارف الفرصة للعمل المشترك مع قاسم لتحقيق آمالهما في إحداث تغيير في البلد. وبعد ورود بعض المعلومات للقصر الملكي ودار السراي للحكومة العراقية بأن تنظيما سريا قد تشكل هدفه إحداث تغيير في البلد سارعت الحكومة بإصدار تعليماتها لقيادة الجيش بإحداث حركة تنقلات شمل بها العميد عبدالكريم قاسم والعقيد عبد السلام عارف الذين نقلا إلى المنصورية في محافظة ديالى حيث تم تنصيب قاسم آمرا للواء 19وعارف آمرا للواء 20 الذي أصبح مع مجموعة القطعات الذاهبة إلى الأردن تحت إمرة اللواء أحمـد حقي.
وفي حركة سياسية لافتة للإنتباه لامتصاص نقمة الضباط على الحكم وإحداث تفرقة في صفوف الضباط المشتبه بانضمامهم للتنظيم قام الوصي على العرش الأمير عبد الاله مع الملك فيصل الثاني وبرفقتهما الفريق نوري السعيد باشا رئيس الوزراء بعدد من الزيارات للمواقع العسكرية المهمة الأولى بضمنها معسكر المنصورية، وفي الزيارة عرض نوري باشا على عبدالكريم قاسم منصب نائب القائد العام للجيش الذي اعتذر عنه وعرض على نجيب الربيعي منصب سفير العراق في السعودية فقبله، وفي الزيارة التالية عرض نوري السعيد على عبد السلام عارف منصب وزير الدفاع والذي كان مرشحا قريبا لرتبة عميد ركن الذي اعتذر عنه هو الآخر حيث كان عارف معروف لديهم من خلال عضويته في القيادة العامة للقوات المسلحة وعمله ملحقا عسكريا وضابط ارتباط في ألمانيا. فما كان من ديوان سراي الحكومة إلا أن يعالج الأمر بنقل عبدالسلام عارف مع عدد من الضباط المشتبه بإنتمائهم للتنظيم إلى الأردن وهم من المعروف عنهم استيائهم المعلن أو مشاركتهم بثورة رشيد عالي الكيلاني باشا عام 1941، حيث استغلت الحكومة قيام الإتحاد الفيدرالي الهاشمي بين المملكتين العراقية والأردنية عام 1958 وتوتر الحدود الأردنية الإسرائيلية بسبب قيام الإتحاد من جهة وبسبب قيام الجمهورية العربية المتحدة في نفس العام من الجهة الأخرى.
في مطلع يوليو عام 1958 وعند إصدار الأوامر بتحرك القطعات للمفرق بالأردن مروراً ببغداد دعا ذلك كل من قاسم وعارف لعقد اجتماع عاجل للتنظيم حيث ابلغا التنظيم الذي تلكأ كثيرا بالقيام بالثورة بأنهما سيقودا عدداً من ضباط التنظيم لاستغلال هذه الفرصة للإطاحة بالنظام الملكي. ثم اتفق عارف مع قاسم بإعطاء التنظيم فرصة أخيرة للتحرك من خلال ضم الفرق الأربعة العسكرية الموزعة في المحافظات العراقية الأخرى لمساندة تحرك قطعات المنصورية فذهب عارف لوحده قائلا "أنا والزعيم نخبركم لآخر مرة بأنه في حالة عدم الإشتراك معنا سنقول لكم هذا حدنه وياكم " ثم وضعا خطط التحضير والقيام بثورة ثوره يوليو 1958 حيث كان توجس العميد عبدالكريم قاسم من تصرفات الحكومة وأي عملية ثورة مضادة فاتفق مع العقيد عبد السلام عارف بإنشاء غرفة عمليات سرية يديرها قاسم من مقرة في معسكر المنصورية من خلالها يتمكن توجيه العمليات والحفاظ على ظهر الثورة وأوكلت لبقية الضباط تنفيذ العمليات داخل وخارج بغداد فأوكلت إلى عبدالسلام عارف تنفيذ ثلاثة عمليات وهي السيطرة على مقر قيادة الجيش والسيطرة على مركز اتصالات الهاتف المركزي والسيطرة على دار الإذاعة حيث أذاع عارف بنفسه البيان الأول للثورة صبيحة 14 يوليو 1958 وبهذا تكون الثورة قد نجحت بالإطاحة بالحكم الملكي.