السلام عليكم
تقدم لي خاطب على خلق ودين ويصلي، وهو متمسك بي ومعجب جدا، ويقول أنه من الصعب أن يجد أفضل مني، لكنه يُرضي أهله على حساب نقابي، ويقولون لي تنازلي، فهل حقا يجب أن أتنازل؟ وهل أنا فعلاً عنيدة؟ وهل أنا غير واقعية؟!
وهل تمسكي بالنقاب على حساب الزواج يعتبر قلة عقل وعدم واقعية أو تشدد أو عدم فقه في الأولويات؟ وهل يقيني أنني لو تنازلت عن خاطب أبرز عيب فيه أنه يريدني أن أتخلى عن نقابي إرضاء لأمه وأخواله وأعمامه وأهله فإن الله عز وجل سيرزقني ويعوضني خيرا منه حتى لو لم أكن على قدر عال من الجمال؟ وهل هذا اليقين يعتبر شطحات خيال أو عدم واقعية؟ وهل يجب أن أتنازل عن حلمي في الدرجات العليا عند الله وأسرة صالحة مثالية؟ وهل هذا لم يعد موجوداً في هذا الزمان؟!
علما أني لا أبحث عن الكمال، لكني لست أعرف حدود المعقول في التدين بالنسبة لكثير من الناس، فما هو الحد الأدنى الذي يجب أن أرضى به؟!
لقد تعبت من الكلام عن مفاهيم ظننتها أساسية، لكني لا أجد من يفهم قصدي، وكل من حولي يعترضون ويهاجمونني ويقولون اقبلي به لأنه يريدك وسوف يتغير بعد الزواج، لكن التغيير والنية الصالحة تظهر على العمل، وعلى الأقل كان من الممكن أن يشجعني على تمسكي بالنقاب، وقد غير رأيه ثلاث مرات، وأحيانا يقول وافقت على نقابك ثم يغير رأيه، وربما يظن أنه يستطيع أن يجبرني على خلعه بعد الزواج بحكم أن طاعته أولى، فهل يعقل هذا؟! نعم هو خلوق لكن ليس هذا ما عشت عمري أحلم به لنفسي، فهل تفكيري هذا فيه شيء من التشدد؟!
وشكرا.الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنها كلمات فتاة مؤمنة تريد أن تصل إلى رضا ربها، وتريد كما يحب لها جل وعلا أن تكون متمسكة بطاعته عاملة بمرضاته متشبثة بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، إنك تريدين أن تكوني على نهج أمهات المؤمنين رضي الله عنهنَّ جميعًا، وتريدين أن تكوني على نهج الصحابيات الكريمات مستمسكة بحبل الله المتين، تريدين أن تستمسكي بقوله تعالى:
{فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، ثم تلتفتين فتجدين أن الأوضاع لا تعين، وتجدين أنك على يقينك بربك وعلى توكلك عليه تجدين أنك تلقين مشقة ظاهرة، مشقة ليست فقط من النفس التي تحتاج إلى حقها الفطري في أن تكون في بيت الزوجية، في بيت زوج يفرغ عليها من عطفه وحبه وحنانه، وتتبادل معه المشاعر الكريمة التي جُبلت على تحصيلها، فهي ليست مشقة النفس فقط ولكنَّ الأعظم من ذلك تخذيل المخذلين ممن حولك من الناس حتى ربما كانوا من أقرب الناس، فتجدين أن الصعوبة حينئذ تشتد، فيا ليت أن الكلمة تكون مواسية أو على أقل تقدير أن تكون تاركةً إياك وتمسكك وتشبثك بطاعة الرحمن لتجدي بعض الكلمات التي تفتُّ في العضد وتخذل النفس فيشق عليك ذلك مشقة عظيمة، وإنك لمعذورة في ذلك كله.
نعم إنه ازدحام هذه المشاعر على نفسك وازدحام هذه الآلام التي تجعلك تشعرين بأنك كالحائرة مع أنك بحمد الله لم تكوني تترددين يومًا في أن ما تقومين به هو طاعة عظيمة لله عز وجل، بل إنها من أعظم الأسباب التي ترغب الزوج الصالح فيك، فأنت عندما ارتديت هذا النقاب أعلنت أنك ترتدينه طاعة للرحمن وأخذًا بما أمرك جل وعلا به حتى وإن كان قد وقع فيه خلاف بين أهل العلم عليهم جميعًا رحمة الله تعالى هل هو واجب أم لا؟ إلا أنك أردت أن تأخذي الأكمل والأفضل، فهمتك بحمد الله معلقة في النجوم، إن همتك هي تلك التي قال فيها صلوات الله وسلامه عليه: (إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها) أي المحقرات منها، والحديث أخرجه الطبراني في المعجم، فأنت مستعلية بنفسك، تريدين أن تأخذي أفضل الأحوال وأكرمها عند الله جل وعلا، فيأتيك الرجل الصالح الذي يرغب في هذا التستر وفي هذا الفضل ولكن تأتيه الضغوط الاجتماعية، إنه سلطان العادات التي تجعل من الحق شيئًا مذمومًا غير مرغوب وربما قلبته إلى باطل، فإن لهذه العادات سلطانا على النفس ولا يخرج من سلطانها إلا من شرح الله صدره للتمسك بطاعته وكان قادرًا على مواجهة نفسه أولاً ثم بعد ذلك الثبات على مواجهة المنتقدين ولو كثروا.
ولكن ومع هذا فأنت بحمد الله ثابتة على طاعة الرحمن، تريدين لنفسك أن تكوني على أتم الصفات وأكملها، فهذا الخاطب يا أختي الذي تقدم إليك إن كان سيأخذك زوجة صالحة متمسكة بطاعة الرحمن آخذة بهذا التستر الكريم الذي أكرمك الله عز وجل فبها ونعمت، وأما أن يفرض عليك أن تخلعي نقابك فهذا مما لا يسوغ له أبدًا، بل إنه لا يحل له شرعًا أن يطلب منك هذا الطلب، ولو قُدر أنه تزوجك ثم أراد منك أن تخلعي نقابك لم يكن له ذلك ولك مخالفته في هذا ولا يعد هذا خروجًا عن طاعة الزوج التي أمر الله تعالى بها، فإن الطاعة إنما تكون في المعروف، كما خرجه البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما الطاعة في المعروف).
وأيضًا فإن ستر الوجه وإن كان قد اختلف فيه بين أهل العلم عليهم جميعًا رحمة الله تعالى إلا أن الأمة مجمعة على أنه فضيلة كريمة مطلوبة مرغوبة، وهل هي على الاستحباب أم على الوجوب؟ على قولين معروفين عند أهل العلم عليهم جميعًا رحمة الله تعالى، فلا بد إذن من البيان الواضح، فما الداعي لأن تكشف الفتاة المؤمنة وجهها وقد اختارت أن تكون صاحبة نقاب وصاحبة ستر في هذا الأمر، فما الداعي إلى ذلك؟ كيف وقد قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ *
وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}؟
فهذا أدعى إلى طاعة الله وأدعى إلى غض البصر وأعون على طاعته، ولو قدر أن فتاة كريمة ملتزمة بالحجاب الشرعي إلا أنها تكشف وجهها وكفيها، فالأمر في ذلك واسع، وقد نصَّ كثير من أهل العلم على جواز ذلك، فهي ليست بالفاسقة بحمد الله ولا هي بالمرتكبة للحرام بناء على ما تقدم من كلام أهل العلم ووقع الخلاف بينهم في ذلك، ومع هذا فالتي أخذت بالستر هي الأكمل والأفضل بلا خلاف بين أئمة الإسلام عليهم جميعًا رحمة الله تعالى، فهذا أمر لا بد أن يحرر.
والرجل الصالح الذي يتزوج فتاة ملتزمة بالحجاب الشرعي تكشف وجهها وكفيها ينبغي له أن يندبها إلى ستر وجهها، ولو طلب منها أن تغطي وجهها كان عليها طاعته لأن هذا من حقه الشرعي أن يأمر زوجته بذلك، وأما أن يأمر الزوج زوجته لأن تخلع نقابها فهذا ليس من حقه، فإنه إنما يُنزلها من رتبة عالية إلى رتبة دونها، والمؤمنة تتمسك بحبل الله المتين، وهذا الخاطب إن كان يريدك على ما أنت عليه من التمسك بحجابك الإسلامي الذي بقيت عليه ولله الحمد متشبثة مستسهلة الصعب لأجله فبها ونعمت، وإلا فإن الرجال بحمد الله عز وجل كثيرون ومنهم الصالحون، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إنك لن تدع شيئًا لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه) أخرجه الترمذي في سننه، ولكن ومع هذا فالمطلوب أن يكون هنالك رفق في التفاهم معه، فقولي له: إنما فعلت هذا طاعة لله وبيِّني له أنك إنما تلتزمين بنقابك طلبًا للأكمل والأفضل عند الله عز وجل وأنه ينبغي أن يفرح لأن تكون زوجته على هذا القدر الكريم، وأن طلبه لأن تخلعي نقابك أنه مخالف لأمر الله عز وجل لأنه على أقل أحواله هو أمر لترك الفاضل إلى المفضول، فكيف إذا كان هذا من الواجبات عند طائفة كثيرة من أهل العلم عليهم جميعًا رحمة الله تعالى!
فالصواب هو البيان الواضح لهذا الخاطب الكريم حفظه الله تعالى ورعاه، وبيان أنك إنما تلتزمين بنقابك طاعة للرحمن وليس طلبًا لرضا الناس، وأنك ملتزمة بذلك، فإن أرادك على ما أنت عليه فهذا هو المطلوب وقد حصل المقصود ولله الحمد، وإلا فليتقدم لفتاة تناسبه في هذا الأمر الذي ينتهجه، وأما أن يقدم كلام الأهل على كلام الرحمن وعلى كلام النبي الأمين صلوات الله وسلامه عليه وعلى ما اتفقت الأمة على فضيلته فهذا أمر لا ينبغي أن يقع من الشاب المؤمن الصالح - كما هو الظن بهذا الخاطب الكريم حفظه الله تعالى ورعاه -.
إذن فيقينك يا أختي على ما هو عليه وثباتك على ما أنت عليه وقد قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}، وقد قدمنا قوله صلوات الله وسلامه عليه: (إنك لن تدع شيئًا لله عز وجل إلا بدلك الله ما هو خير لك منه)، فالطريق إذن هو التفاهم في هذا الأمر والصراحة فيه، فإن أرادك على ما أنت عليه من الالتزام بحجابك الإسلامي الكامل الذي قد أخذت به واستمسكت به قبل أن يأتي إليك فهذا هو المطلوب، وإلا فإن الله عز وجل قد وسع من فضله، قال تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً}، فعليك بالثبات على ما قد عرفت من الخير والزمي الدعاء والاستغاثة بالله جل وعلا فإن العوض من ربك الكريم، ومن قال: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيرًا منها؛ إلا آجره الله في مصيبته وأخلفه خيرًا منها، كما أخرجه مسلم في صحيحه.
نسأل الله لك الثبات على دينك وأن يشرح صدرك وأن ييسر أمرك وأن يوفقك وهذا الخاطب لما يحبه ويرضاه وأن يرده للحق ردًّا جميلاً وأن يجعلكم من عباد الله الصالحين.
وبالله التوفيق.
المجيب: أ\ الهنداوى
المصدر : الشبكة الاسلامية[/center]
تقدم لي خاطب على خلق ودين ويصلي، وهو متمسك بي ومعجب جدا، ويقول أنه من الصعب أن يجد أفضل مني، لكنه يُرضي أهله على حساب نقابي، ويقولون لي تنازلي، فهل حقا يجب أن أتنازل؟ وهل أنا فعلاً عنيدة؟ وهل أنا غير واقعية؟!
وهل تمسكي بالنقاب على حساب الزواج يعتبر قلة عقل وعدم واقعية أو تشدد أو عدم فقه في الأولويات؟ وهل يقيني أنني لو تنازلت عن خاطب أبرز عيب فيه أنه يريدني أن أتخلى عن نقابي إرضاء لأمه وأخواله وأعمامه وأهله فإن الله عز وجل سيرزقني ويعوضني خيرا منه حتى لو لم أكن على قدر عال من الجمال؟ وهل هذا اليقين يعتبر شطحات خيال أو عدم واقعية؟ وهل يجب أن أتنازل عن حلمي في الدرجات العليا عند الله وأسرة صالحة مثالية؟ وهل هذا لم يعد موجوداً في هذا الزمان؟!
علما أني لا أبحث عن الكمال، لكني لست أعرف حدود المعقول في التدين بالنسبة لكثير من الناس، فما هو الحد الأدنى الذي يجب أن أرضى به؟!
لقد تعبت من الكلام عن مفاهيم ظننتها أساسية، لكني لا أجد من يفهم قصدي، وكل من حولي يعترضون ويهاجمونني ويقولون اقبلي به لأنه يريدك وسوف يتغير بعد الزواج، لكن التغيير والنية الصالحة تظهر على العمل، وعلى الأقل كان من الممكن أن يشجعني على تمسكي بالنقاب، وقد غير رأيه ثلاث مرات، وأحيانا يقول وافقت على نقابك ثم يغير رأيه، وربما يظن أنه يستطيع أن يجبرني على خلعه بعد الزواج بحكم أن طاعته أولى، فهل يعقل هذا؟! نعم هو خلوق لكن ليس هذا ما عشت عمري أحلم به لنفسي، فهل تفكيري هذا فيه شيء من التشدد؟!
وشكرا.الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنها كلمات فتاة مؤمنة تريد أن تصل إلى رضا ربها، وتريد كما يحب لها جل وعلا أن تكون متمسكة بطاعته عاملة بمرضاته متشبثة بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، إنك تريدين أن تكوني على نهج أمهات المؤمنين رضي الله عنهنَّ جميعًا، وتريدين أن تكوني على نهج الصحابيات الكريمات مستمسكة بحبل الله المتين، تريدين أن تستمسكي بقوله تعالى:
{فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، ثم تلتفتين فتجدين أن الأوضاع لا تعين، وتجدين أنك على يقينك بربك وعلى توكلك عليه تجدين أنك تلقين مشقة ظاهرة، مشقة ليست فقط من النفس التي تحتاج إلى حقها الفطري في أن تكون في بيت الزوجية، في بيت زوج يفرغ عليها من عطفه وحبه وحنانه، وتتبادل معه المشاعر الكريمة التي جُبلت على تحصيلها، فهي ليست مشقة النفس فقط ولكنَّ الأعظم من ذلك تخذيل المخذلين ممن حولك من الناس حتى ربما كانوا من أقرب الناس، فتجدين أن الصعوبة حينئذ تشتد، فيا ليت أن الكلمة تكون مواسية أو على أقل تقدير أن تكون تاركةً إياك وتمسكك وتشبثك بطاعة الرحمن لتجدي بعض الكلمات التي تفتُّ في العضد وتخذل النفس فيشق عليك ذلك مشقة عظيمة، وإنك لمعذورة في ذلك كله.
نعم إنه ازدحام هذه المشاعر على نفسك وازدحام هذه الآلام التي تجعلك تشعرين بأنك كالحائرة مع أنك بحمد الله لم تكوني تترددين يومًا في أن ما تقومين به هو طاعة عظيمة لله عز وجل، بل إنها من أعظم الأسباب التي ترغب الزوج الصالح فيك، فأنت عندما ارتديت هذا النقاب أعلنت أنك ترتدينه طاعة للرحمن وأخذًا بما أمرك جل وعلا به حتى وإن كان قد وقع فيه خلاف بين أهل العلم عليهم جميعًا رحمة الله تعالى هل هو واجب أم لا؟ إلا أنك أردت أن تأخذي الأكمل والأفضل، فهمتك بحمد الله معلقة في النجوم، إن همتك هي تلك التي قال فيها صلوات الله وسلامه عليه: (إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها) أي المحقرات منها، والحديث أخرجه الطبراني في المعجم، فأنت مستعلية بنفسك، تريدين أن تأخذي أفضل الأحوال وأكرمها عند الله جل وعلا، فيأتيك الرجل الصالح الذي يرغب في هذا التستر وفي هذا الفضل ولكن تأتيه الضغوط الاجتماعية، إنه سلطان العادات التي تجعل من الحق شيئًا مذمومًا غير مرغوب وربما قلبته إلى باطل، فإن لهذه العادات سلطانا على النفس ولا يخرج من سلطانها إلا من شرح الله صدره للتمسك بطاعته وكان قادرًا على مواجهة نفسه أولاً ثم بعد ذلك الثبات على مواجهة المنتقدين ولو كثروا.
ولكن ومع هذا فأنت بحمد الله ثابتة على طاعة الرحمن، تريدين لنفسك أن تكوني على أتم الصفات وأكملها، فهذا الخاطب يا أختي الذي تقدم إليك إن كان سيأخذك زوجة صالحة متمسكة بطاعة الرحمن آخذة بهذا التستر الكريم الذي أكرمك الله عز وجل فبها ونعمت، وأما أن يفرض عليك أن تخلعي نقابك فهذا مما لا يسوغ له أبدًا، بل إنه لا يحل له شرعًا أن يطلب منك هذا الطلب، ولو قُدر أنه تزوجك ثم أراد منك أن تخلعي نقابك لم يكن له ذلك ولك مخالفته في هذا ولا يعد هذا خروجًا عن طاعة الزوج التي أمر الله تعالى بها، فإن الطاعة إنما تكون في المعروف، كما خرجه البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما الطاعة في المعروف).
وأيضًا فإن ستر الوجه وإن كان قد اختلف فيه بين أهل العلم عليهم جميعًا رحمة الله تعالى إلا أن الأمة مجمعة على أنه فضيلة كريمة مطلوبة مرغوبة، وهل هي على الاستحباب أم على الوجوب؟ على قولين معروفين عند أهل العلم عليهم جميعًا رحمة الله تعالى، فلا بد إذن من البيان الواضح، فما الداعي لأن تكشف الفتاة المؤمنة وجهها وقد اختارت أن تكون صاحبة نقاب وصاحبة ستر في هذا الأمر، فما الداعي إلى ذلك؟ كيف وقد قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ *
وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}؟
فهذا أدعى إلى طاعة الله وأدعى إلى غض البصر وأعون على طاعته، ولو قدر أن فتاة كريمة ملتزمة بالحجاب الشرعي إلا أنها تكشف وجهها وكفيها، فالأمر في ذلك واسع، وقد نصَّ كثير من أهل العلم على جواز ذلك، فهي ليست بالفاسقة بحمد الله ولا هي بالمرتكبة للحرام بناء على ما تقدم من كلام أهل العلم ووقع الخلاف بينهم في ذلك، ومع هذا فالتي أخذت بالستر هي الأكمل والأفضل بلا خلاف بين أئمة الإسلام عليهم جميعًا رحمة الله تعالى، فهذا أمر لا بد أن يحرر.
والرجل الصالح الذي يتزوج فتاة ملتزمة بالحجاب الشرعي تكشف وجهها وكفيها ينبغي له أن يندبها إلى ستر وجهها، ولو طلب منها أن تغطي وجهها كان عليها طاعته لأن هذا من حقه الشرعي أن يأمر زوجته بذلك، وأما أن يأمر الزوج زوجته لأن تخلع نقابها فهذا ليس من حقه، فإنه إنما يُنزلها من رتبة عالية إلى رتبة دونها، والمؤمنة تتمسك بحبل الله المتين، وهذا الخاطب إن كان يريدك على ما أنت عليه من التمسك بحجابك الإسلامي الذي بقيت عليه ولله الحمد متشبثة مستسهلة الصعب لأجله فبها ونعمت، وإلا فإن الرجال بحمد الله عز وجل كثيرون ومنهم الصالحون، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إنك لن تدع شيئًا لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه) أخرجه الترمذي في سننه، ولكن ومع هذا فالمطلوب أن يكون هنالك رفق في التفاهم معه، فقولي له: إنما فعلت هذا طاعة لله وبيِّني له أنك إنما تلتزمين بنقابك طلبًا للأكمل والأفضل عند الله عز وجل وأنه ينبغي أن يفرح لأن تكون زوجته على هذا القدر الكريم، وأن طلبه لأن تخلعي نقابك أنه مخالف لأمر الله عز وجل لأنه على أقل أحواله هو أمر لترك الفاضل إلى المفضول، فكيف إذا كان هذا من الواجبات عند طائفة كثيرة من أهل العلم عليهم جميعًا رحمة الله تعالى!
فالصواب هو البيان الواضح لهذا الخاطب الكريم حفظه الله تعالى ورعاه، وبيان أنك إنما تلتزمين بنقابك طاعة للرحمن وليس طلبًا لرضا الناس، وأنك ملتزمة بذلك، فإن أرادك على ما أنت عليه فهذا هو المطلوب وقد حصل المقصود ولله الحمد، وإلا فليتقدم لفتاة تناسبه في هذا الأمر الذي ينتهجه، وأما أن يقدم كلام الأهل على كلام الرحمن وعلى كلام النبي الأمين صلوات الله وسلامه عليه وعلى ما اتفقت الأمة على فضيلته فهذا أمر لا ينبغي أن يقع من الشاب المؤمن الصالح - كما هو الظن بهذا الخاطب الكريم حفظه الله تعالى ورعاه -.
إذن فيقينك يا أختي على ما هو عليه وثباتك على ما أنت عليه وقد قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}، وقد قدمنا قوله صلوات الله وسلامه عليه: (إنك لن تدع شيئًا لله عز وجل إلا بدلك الله ما هو خير لك منه)، فالطريق إذن هو التفاهم في هذا الأمر والصراحة فيه، فإن أرادك على ما أنت عليه من الالتزام بحجابك الإسلامي الكامل الذي قد أخذت به واستمسكت به قبل أن يأتي إليك فهذا هو المطلوب، وإلا فإن الله عز وجل قد وسع من فضله، قال تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً}، فعليك بالثبات على ما قد عرفت من الخير والزمي الدعاء والاستغاثة بالله جل وعلا فإن العوض من ربك الكريم، ومن قال: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيرًا منها؛ إلا آجره الله في مصيبته وأخلفه خيرًا منها، كما أخرجه مسلم في صحيحه.
نسأل الله لك الثبات على دينك وأن يشرح صدرك وأن ييسر أمرك وأن يوفقك وهذا الخاطب لما يحبه ويرضاه وأن يرده للحق ردًّا جميلاً وأن يجعلكم من عباد الله الصالحين.
وبالله التوفيق.
المجيب: أ\ الهنداوى
المصدر : الشبكة الاسلامية[/center]