وجاءت حرب فيتنام لتكشف أكثر من أي وقت مضى قبح الطوية الأمريكية، فقد عرفت هذه الحرب حضورا قويا لوسائل الإعلام وخاصة الأمريكية منها. ورغم أن الحضور الإعلامي بقي مدجنا لوقت طويل، حيث كان يسير وفق مزاج القادة العسكريين، إلا أن هول الفضائع التي قام بها الجنود الأمريكيون، وكثرتها وتكرارها المتعمد جعل الكيل يطفح، فبدأت الأنباء تتسرب إلى العالم الخارجي بأن حرب فيتنام هي حرب إبادة ضد الشعب الفيتنامي الأعزل الذي كان يموت دون حتى أن يدري لماذا. وظلت القوات الأمريكية فيما بين 1965 و 1975 ترمي ملايين الأطنان من القنابل الكيماوية المسماة Agent Orange والتي لم تكتف بقتل مئات الآلاف من البشر بل وتسببت في قتل كل أشكال الطبيعة في العديد من المناطق الفيتنامية. ولجأ الطيران الأمريكي مرارا وتكرار إلى القصف السجادي الذي يعتبر ممنوعا في قوانين الحرب، لدرجة أن القصف الأمريكي ضد مدينتي هانوي وهايفونغ سنة 1972 يعتبر حالة دراسية لنموذج القصف السجادي الممنوع دوليا. كما أن مجزرة ماي لاي التي حصلت في 24 نوفمبر سنة 1969 والتي اعترفت بها القيادة الأميركية واعتقلت مرتكبها الملازم "كالي" على مضض ليتم إطلاق سراحه فيما بعد، أكدت للعالم أجمع ماهية "الحرب العادلة" الأمريكية وحقيقتها الشيطانية.
الفيتناميون نمل أبيض
وبعد أقل من عقدين مضيا على نشر صورة الحسناء الأمريكية والجمجمة اليابابنية التي أرسلها لها خطيبها الأمريكي من على الجبهة في مجلة ريف ، وصف الجنرال "وستمورلند" الشعب الفينتامي بالنمل الأبيض ، والنملة البيضاء أخطر حشرة يخشى الأمريكي أذاها ، وكان " هيوه مانكه " رئيس قسم المتطوعين الدولية في شهادة له أمام الكونجرس 1971 قد أكد على عزم القوات الأمريكية على إبادة فيتنامى الجبل فقال " إننا سنحل مشكلنهم كما فعلنا مع الهنود " بينما قال " ماكسويل تايلور " وهو يصف الفييتكونغ في شهادة له أمام الكونجرس " إن الفيتناميين ليسوا بأفضل من قمل يغزو جلد الكلب " .
وكانت قناة history التليفزيونية الأمريكية قد عرضت في 3 نموز 1996 شكلاً حيثاً من مشاهد السلخ في فيلم وثائقي بعنوان " قيام العنقاء " نرى فيه الجنود الأمريكانفي فيتنام وهم يقطعون رؤس الفييتكونغ ويعرضونها في مهمة أشرفت عليها وكالة الإستخبارات المركزية في أواخر عام 1967 وأطلقت عليها إسم " العنقاء " "operation phoenix" ، وقد أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية ان عدد ضحايا عملية العنقاء وحدها وصل إلى 26369 قتيل ، و33358 معتقل ، بينما يؤكد روي بروسترمن " أستاذ القانون في جامعة واشنطن أن عملية العنقاء شملت " فيتنام – والفلبين – والسلفادور " وبلغ عدد ضحايا فيتنام وحدها في الفترة بين 1968 ، 1971 ، ما يزيد عن 40 ألف قتيل وأكثر الضحايا كانوا من المدنيين والمعتقليين جزاء التعذيب .
ويروى "بارتون " أحد ضباط عملية العنقاء فس شهادته أمام الكونجرس عام 1973 " كنت أنظر في قضية مشتيه يقول أحد عملائي أنه متعاطف مع الفييتكونغ وكان التحقيق يجرى في مجمع بالتجسس المضاد لفرق المارينز وحين دخلت لمتابعة ما يجري كان الرجل قد فارق الحياة بعد ان دكوا في فتحة أذنه سيخاً حديدياً طوله 6 بوصات إخترق دماغه وقتله .. لقد طانت حرب إبادة منظمة " .
وتصف مجلة country spy في عددها ربيع/ صيف 1975 عملية العنقاء بأنها أكبر برنامج للقتل الجماعى المنظم يشهده العالم منذ معسكرات الموت النازية فتقول " في 16 آذار ، مارس 1968 دخلت مجموعة من الكتيبة 11 إلى قرية ( ماى لاى) فقتلت 347 عجوزاً وامرأة وطفلاً رضيعاً ، ثم أن المشاة أحرقوا البيوت والأكواخ بمن فيهم البشر وهنأ الجنرال "وستمولند" هذه المجموعة لعملها " الممتاز" ، وفي يوم المجزرة نفسه هاجمت مجموعة أخرى من الكتيبة قرية (ماى خه4 ) وفتحت نيرانها على طريقة الكابوى وفي هذه المجزرة تولت مجموعة من صغيرة من الجنود تكويم الجثث " .
وفي اليوم التالي زحفت هذه المجموعة عبر شيه جزيرة "باتنغن" جنوب بحر الصين وراحت تحرق كل قرية تعبرها وتقتل كل ما يدب فيه الروح من الجواميس والخنازير والبط والدجاج والبشر وتدمر المحاصيل ، وقال أحد جنود هذه المجزرة " ما فعلناه هنا ليس أستثناء ، لقد فعلناه في كل مكان " وقال اخر " لقد كنا نتسلى "
وعن مذبحة ( ماى لاى ) يروي سيمور هيرش الكاتب الأمريكي ( والكلام عن المذبحة مقتبس من كتابيه(my lai4 – cover up ) يروى أن الطيار هيو تومسون كان يحلق بطائرته الهليوكويتر الصغيرة صباح 16 آذار ، مارس 1968 فوق منطقة ماى لاى ، وما إن إقترب من قرية سونغ ماى حتى رأي الأرض مزروعة بالقتلى والجرحى من دون إشارة تدل على وجود على وجود قوة معادية ، (في المنطقة التي تقع داخل فيتنام الجنوبية الحليفة التي تستضيف الجيش الأمريكي والضحايا كلهم من مواطنيها ) ، وطن الطيار أن أفضل ما يستطيع فعله هو تحديد المكان بالدخان حتى يسرع الجنود على الأرض للنجدة والمساعدة ، وكان أول ما فعل أن حدد مكان فتاه مصابة بطلقات في بطنها ومبطوحة على حافة السياج فيما كان نصفها السفلى فوق حقل الأرز . ولدهشته فإن الجنود أسرعوا إلى الفتاة ليجزوا عليها لا ليسعفوها ، فقد أفرغوا في رأسها عدة طلقات " .
ويقول أحد مساعدى تومسون " إن الجثث كانت كالنمل ، كأن هناك من سمم مياه الشرب وكأن كل من في القرية شرب من هذه المياه المسمومة وسقط صريعاً ، لقد إستغر دفت القتلى أكثر من خمسة أيام "
وكان جوزيف ستريك قد أجرى لقاءات مطولة مع جنود هذه المذابح لتوثق لعام 1971 ، فقال " فردانو سمبسون : " كانوا يمثلون بالجثث وبكل شئ ، كانوا يشنقونها أو يسلخونها ، وكانوا يستمتعون بذلك ، يستمتعون بكل معنى الكلمة ـ وكانوا يتلذذون بقطع جناجرهم " .
وكانت "النيويورك تايمز" في أواخر نيسان 2001 قد كشفت عن مجزرة لم يكن أحد يذكرها لولا أن بطلها أصبح عضواً في مجلس الشيوخ ، وقد أرتكبها السيناتور " بوب كيري " في شباط فبراير 1969 ، عندما كان ضابطاً بحرياً متطوعاً في حرب فيتنام ونال جزاء بطولتها وسام النجم البرونزى ، ويروى " غيرهارد كلان " أحد اللذين شاركوا في هذه المجزرة كيف كان أن السناتور بوب كيرى الذى كان بعده الحزب الديمقراطى لخوض أتخابات الرئاسة المقبلة قادهم في تللك الليلة إلى قرية ثونه فونغ حيث جمعوا 13 امرأة وطفلاً وأطلقوا عليهم النار بدم بارد ، وكيف أنهم بعد سقوط القتلى سمعوا طفلاً يبكى بين الضحايا فعاجلوه بالرصاص الكثيف . وقال إنهم بينما كانوا في طريقهم إلى مكان المجزرة مروراً بكوخ فيه عجوزان وثلاثة أطفال فطعنوهم جميعاً بالسكاكين ثم قطعوا حناجرهم " .
في فيتنام مثلا يؤكد الراهب البوذي الفيتنامي ثيتش ثين هاو أن " حرب فيتنام تسببت بحلول منتصف عام 1963 في مقتل 160 ألف شخص، وتعذيب وتشويه 700 ألف شخص، واغتصاب 31 ألف امرأة، كما نزعت أحشاء 3000 شخص وهم أحياء، وأحرق 4000 حتى الموت، ودمر ألف معبد، وهوجمت 46 قرية بالمواد الكيماوية السامة ".
كما أدى القصف الأمريكي لهانوي وهايفونغ عام 1972 إلى إصابة أكثر من 30 ألف طفل بالصمم الدائم.. وبينما عانى الأمريكيون بعد الحرب من فقد 2497 جنديا ( بحسب أحد التقديرات )، كانت العائلات الفيتنامية تكافح للتكيف مع فقد 300 ألف فيتنامي، فضلا عن أن عدد القتلى في فيتنام بلغ 4 ملايين شخص، إلى جانب عدة ملايين آخرين من المعوقين والمصابين بالعمى والصدمات والتشوه، مما حول فيتنام إلى ساحة كبرى للقبور ومبتوري الأعضاء والأرض المسممة واليتامى والأطفال المشوهين.
ويصف المفكر الأمريكي ناعوم تشومسكى كما لم يثر انقلاب فاشي في كولومبيا إلا قليلا من احتجاج حكومة الولايات المتحدة، بينما لم تهتم بانقلاب عسكري في فنزويلا ولا بعودة السلطة للمعجب بالفاشية في بنما، ولكن نيران المرارة والعداوة التهبت في حكومتنا عندما صعدت للسلطة أول حكومة ديموقراطية في تاريخ جواتيمالا ".
ولم يخل السجل الأمريكي الحافل من التدخل في شئون الدول قاطبة، حيث عمدت السياسة الأمريكية - كما يقول تشومسكي - إلى " إعاقة الحكومات البرلمانية، بل وأسقطتها في إيران عام 1953 وفي جواتيمالا عام 1954 وفي شيلى عام 1972، ولم تكن الأساليب طبيعية جدا، فلم يكن عمل القوات التي حركناها في نيكاراجوا أو عمل وكلائنا الإرهابيين في السلفادور أو جواتيمالا هو القتل العادي، ولكن كان بصفة رئيسية القسوة والتعذيب السادي: تعليق النساء من أقدامهن بعد قطع أثدائهن وفض بكارتهن، وقطع رؤوس الناس وتعليقها على خوازيق، ورطم الأطفال بالحوائط…"
وبين عامي 1952 و 973 1 ذبحت الولايات المتحدة زهاء عشرة ملايين صيني وكوري وفيتنامي ولاووسي وكمبودي،
ويمتد السجل الأسود ليشمل التواطؤ الأمريكي الواضح في المجازر الإندونيسية والحروب ضد الفقراء في أمريكا الوسطى (نيكاراغوا والسلفادور وغواتيمالا وهندوراس )، والذي أسفر عن مقتل مئات الآلاف بواسطة الأسلحة الأمريكية وتسهيل وتوفير التدريب وتقديم المشورة الأمريكية في الاضطرابات المدنية، وهو نفس السيناريو الذي كررته السياسة الأمريكية الرعناء في أفريقيا حين سعت إلى تأجيج واستمرار الصراع الدامي في أنجولا وموزمبيق وناميبيا وغيرها من دول القارة السمراء.
كما امتدت التدخلات غير المشروعة للقوات الأمريكية إلى مساندة ودعم أعمال القمع التي ارتكبها الطغاة الذين دعمتهم أمريكا عبر العقود المختلفة ( سوموزا وبينوشيت وماركوس وموبوتو وباتيستا ودييم وكي وري ودوفاليه وسوهارتو وسافيمبي وغيرهم )، ويكفى في هذا السياق أن نشير إلى مثال واحد - من بين أمثلة عديدة - حيث قام الجنود الذين دربتهم الولايات المتحدة عام 1981 بذبح نحو 1000 فلاح أعزل و139 طفلا في جواتيمالا، كما قتل الجيش الأمريكي المدرب في جواتيمالا أكثر من 150 ألف فلاح خلال الفترة من عام 1966 إلى 1986.
ايــران وبعد أفول نجم الشيوعية وصعود حركات الإسلام السياسي لتحتل مقدمة المسرح السياسي ولتشكل أكبر تهديد للمصالح الأمريكية، تبنت إيران - في أعقاب قيام الثورة الإسلامية عام 1979 - سياسة مناوئة للولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن كانت تمثل في عهد الشاه حصناً لأمريكا في منطقة الشرق الأوسط، نظرا لاحتلالها موقعاً مركزياً وسط هلال النفط يتيح لها الوقوف في وجه المطامع التاريخية للاتحاد السوفييتي في الوصول إلى المياه الدافئة، وبالتالي فقد حرصت أمريكا خلال فترة حكم الشاه محمد رضا بهلوى على دعم حكمه وإمداده بالأسلحة الحديثة، إلى أن قامت الثورة الإسلامية فغيرت الموازين وأطاحت بالشاه خارج البلاد وأعلنت نهاية الزواج الكاثوليكي بين واشنطن وطهران.
وقد مثلت محاولة إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين الذين جرى احتجازهم في السفارة الأمريكية بطهران - ردا على الاستفزازات الأمريكية المتوالية - أول فصول المواجهة بين إيران وأمريكا، إذ توجهت ثماني طائرات هليكوبتر تابعة للبحرية الأمريكية وست طائرات نقل هيركيوليز مع قوة كوماندوز أمريكية وعدد من رجال المظلات التابعين للجيش الأمريكي إلى صحراء " طبس " الإيرانية، على أمل أن يقوم بعض عملاء الولايات المتحدة بإيران بتجهيز عدد من السيارات لنقل الكوماندوز من طائرات الهليكوبتر إلى السفارة الأمريكية، حتى يقوموا بمداهمة الحراس وتحرير الرهائن، إلا أن الخطة الأمريكية باءت بالفشل الذريع، وأطل الرئيس الأمريكي جيمي كارتر بوجه شاحب ليعلن أن المهمة قد فشلت.
ولم يتوقف السقوط الأمريكي في إيران عند حد الفشل في تحرير الرهائن، وإنما امتد ليشمل فاجعة أخرى، فبينما كانت إحدى الطائرات تناور ليتم تزويدها بالوقود تأهبا لرحلة العودة، اصطدمت مراوحها بجسم طائرة نقل أمريكية أخرى من طراز سي130، وشبت النيران في كلتا الطائرتين وانفجرت الذخيرة فيهما، ليلقى ثمانية جنود مصرعهم على الفور، بينما أصيب أربعة آخرون بحروق جسيمة.
ومن إيران إلى لبنان تتكرر المواجهات تحت عنوان " لا صوت يعلو فوق صوت المصالح الأمريكية والإسرائيلية "، فقد قامت أمريكا بغزو لبنان عام 82 بهدف سحق المقاومة الفلسطينية واللبنانية المتصاعدة آنذاك، وتم نشر قوات المارينز حول مطار بيروت.
ويسرد الجنرال الأمريكي كولن باول وزير الخارجية الأمريكي الحالي - والذي كان آنذاك يشغل منصب مساعد نائب وزير الدفاع الأمريكي - كيف أن " المدمرة الأمريكية نيوجرسي قامت بتوجيه مدافعها من عيار 16 بوصة إلى "القوات الشيعية" فسقط عدد من الضحايا لم يعرف عددهم!! "، إلا أن قوات المقاومة لم تلبث أن وجهت ردا موجعا إلى قوات المشاة الأمريكية، مما أدى إلى سقوط مئات الأمريكيين ما بين قتيل وجريح، وهو المشهد الذي وصفه باول بقوله " لم تغادر خيالي قط جثث جنود المارينز المبعثرة في مطار بيروت".
وفي عام 1983 منيت الغطرسة الأمريكية بفضيحة أخرى حين غزا الجيش الأمريكي بمساعدة القوات الخاصة جزيرة " جرينادا " لمعاقبة نظامها على اقترابه من نظام كوبا الشيوعي، إذ لقيت فرقة الكوماندوز الأولى التي تم إنزالها في البحر حتفها غرقا، في حين حاصر الجيش النظامي القوات الخاصة داخل مقر إقامة الحاكم، في الوقت الذي شنت فيه فرقة من المظليين الأمريكيين غارة جوية شعواء، لكنها أخطأت هدفها فقتلت 18 مريضا كانوا داخل مستشفى للطب النفسي.
ومن مستنقع إلى آخر، انتقلت ساحة المواجهة الأمريكية هذه المرة إلى ليبيا، بعد أن رفع القذافى راية التحدى للهيمنة الأمريكية في المنطقة لسنوات طويلة، ومن ثم لم يكن غريبا أن تقرر الولايات المتحدة بدءا من عام 1980 التخلص نهائيا من القذافى.. ففي صيف 1980وضعت أمريكا خطة لضرب طائرة القذافي في رحلته لأوروبا الشرقية، إلا أن الطائرات الأمريكية أسقطت طائرة إيطالية فوق مياه أوستيكا متوهمة أنها طائرة القذافي. وفي 19 أغسطس 1981 قامت ثماني طائرات أمريكية باعتراض طائرتين من طائرات السلاح الجوي الليبي كانتا تقومان باستطلاع في المياه الليبية وأسقطتهما.
ولم تلبث مجلة نيوزويك أن نشرت آنذاك مقالا بعنوان (الحرب غير المعلنة) كشفت فيه أن " المعركة الجوية فوق المتوسط لن توقف الحرب غير المعلنة، وأن أمريكا مقتنعة بأن القذافي يشكل تهديدا للأنظمة المؤيدة للغرب بالمنطقة، ولهذا السبب تحاول إدارة ريجان القبض عليه !! ". وفى 16 فبراير 1983 اصطدمت طائرة ليبية بطائرات أمريكية في المجال الجوي الليبي قرب مدينة بنغازي، وذلك بعدما اخترقت الطائرات الأمريكية المجال الجوي الليبي قرب بنغازي بـ 80 كم. و في 24 مارس 1986 قامت أمريكا بعدوان بحري جوي على خليج سرت شاركت فيه ثلاث حاملات للطائرات، ثم في اليوم التالي مباشرة أسقطت الطائرات الأمريكية قنابلها على زورق دورية قبالة خليج سرت كان يقوم بمهمة روتينية. بيد أن العنجهة الأمريكية بلغت مداها فى10 أبريل 1986 بالغارة على مدينتي طرابلس وبنغازي وبيت القذافي في محاولة لإسقاط النظام، وهو ما كشفته جريدة الديلي ميل البريطانية عقب الغارة مباشرة، حين نقلت عن مصادر أمريكية أن الرئيس الأمريكي السابق ريجان دبر عملية سرية ترمي إلى الإطاحة بالنظام في ليبيا عن طريق الاتصال بعدد من الضباط الليبيين الموجودين في الخارج ممن جندتهم المخابرات الأمريكية.. كما أكد طيارون أمريكيون اشتركوا في الغارة أن الهدف الأول لتلك الغارة كان اغتيال القذافي.
وفي عام 1990 ارتكبت القوات الخاصة الأمريكية مجزرة بشعة في بنما راح ضحيتها ما بين 500 و 1000 قتيل لكي تتمكن من القبض على شخص واحد بتهمة " الاتجار في المخدرات " و هو الرئيس نورييجا نفسه، بينما فقدت 23 من مقاتليها.!!
وفي هذا الإطار تمثل عمليات الإبادة الجماعية التي تنظمها واشنطن ضد العراق منذ عشرة سنوات كاملة جزءا أصيلا من السياسات الأمريكية الممتدة على مدار القرن، وحسبنا هنا أن ننقل ما أوردته جريدة التايمز البريطانية على لسان صحفي بريطانى في وصف ما حدث: " كانت الحرب نووية بكل معنى الكلمة، وجرى تزويد جنود البحرية والأسطول الأمريكي بأسلحة نووية تكتيكية، والأسلحة المطورة أحدثت دمارا يشبه الدمار النووي، حيث استخدمت أمريكا متفجرات وقود الهواء المسماة Blu-82، وهو سلاح زنته 15000 رطل وقادر على إحداث انفجارات ذات دمار نووى حارق لكل شيء في مساحة تبلغ مئات الياردات ".
كما استخدمت قنابل اليورانيوم المستنفد لأول مرة للتخلص من نفايات المفاعلات والمحطات النووية، حيث أطلقت الدبابات الأمريكية ستة آلاف قذيفة يورانيوم، بينما أطلقت الطائرات عشرات الآلاف من هذه القنابل، لدرجة أن تقريرا سريا لهيئة الطاقة الذرية البريطانية قدر ما خلفته قوات التحالف على أرض العراق بما لا يقل عن أربعين طنا من اليورانيوم المنضب.
كما أكدت مصادر غربية أن هناك 800 طن من غبار وذرات اليورانيوم المنضب سوف تستمر في الهبوب على شبه الجزيرة العربية لمدى طويل جدا، حيث تم تلويث الهواء والتربة والأنهار بكميات مفزعة من الإشعاع المسبب للسرطان، مما دفع مكتب السكان الأمريكي نفسه لوصف العواقب الوخيمة لذلك على العراقيين بأنه تسبب في انخفاض عمر الرجال العراقيين بمعدل 20 سنة وانخفاض عمر العراقيات بمعدل 11 سنة، فضلا عن نصف مليون حالة وفاة بالقتل الإشعاعي في العاجل والآجل.
وبحلول عام 1993 كانت القوات الأمريكية على موعد آخر مع الفشل الذريع في الصومال، حين حاولت قوات " رانجرز " و " دلتا فورس" القبض على محمد فارح عيديد زعيم أكبر الفصائل الصومالية. و رغم تحديد مكان تواجد عديد إلا أن قوات الكوماندوز فشلت في القبض عليه أو قتله، مما أشعل جذوة الغضب في نفوس الصوماليين، فخاضوا حرباً ضارية ضد الأمريكان نجحوا خلالها في تكبيدهم 18 قتيلا و 80 جريحا خلال معارك استمرت 13 ساعة، ليخرج الأمريكيون بعدها يجرون أذيال الخيبة من الصومال.
ولم تسلم السودان من التحرشات الأمريكية، حيث أغارت الطائرات الأمريكية على مصنع للأدوية بالسودان عام 1998، بدعوى أن بن لادن يمتلكه وأنه يستخدم فى تصنيع أسلحة كيماوية، وهي الضربة التى حولت المصنع إلى كومة من التراب وخلفت وراءها بركانا من الغضب والكراهية في نفس كل شعوب العالم الثالث تجاه أمريكا.
وأخيرا.. فإن قصة وزيرة خارجية أمريكا أولبرايت مع الرئيس الأندونيسى السابق سوهارتو لم تسقط من الذاكرة بعد، فعندما تصاعدت حدة الاحتجاجات الجماهيرية للإطاحة بسوهارتو وخشيت واشنطن أن تصل إلى السلطة قوى معادية لمصالحها، عقدت أولبرايت وزيرة خارجية أمريكا آنذاك اجتماعا عاجلا مع الرئيس الأندونيسى السابق - الذى طالما سكتت واشنطن على جرائمه ضد شعبه من أجل مصالحها البترولية فى تيمور الشرقية - لتبلغه رسالة قصيرة مفادها: " هذا هو اليوم الأخير لك رئيسا لإندونيسيا..غداً تترك هذا القصر ".. وقد كان.
الفيتناميون نمل أبيض
وبعد أقل من عقدين مضيا على نشر صورة الحسناء الأمريكية والجمجمة اليابابنية التي أرسلها لها خطيبها الأمريكي من على الجبهة في مجلة ريف ، وصف الجنرال "وستمورلند" الشعب الفينتامي بالنمل الأبيض ، والنملة البيضاء أخطر حشرة يخشى الأمريكي أذاها ، وكان " هيوه مانكه " رئيس قسم المتطوعين الدولية في شهادة له أمام الكونجرس 1971 قد أكد على عزم القوات الأمريكية على إبادة فيتنامى الجبل فقال " إننا سنحل مشكلنهم كما فعلنا مع الهنود " بينما قال " ماكسويل تايلور " وهو يصف الفييتكونغ في شهادة له أمام الكونجرس " إن الفيتناميين ليسوا بأفضل من قمل يغزو جلد الكلب " .
وكانت قناة history التليفزيونية الأمريكية قد عرضت في 3 نموز 1996 شكلاً حيثاً من مشاهد السلخ في فيلم وثائقي بعنوان " قيام العنقاء " نرى فيه الجنود الأمريكانفي فيتنام وهم يقطعون رؤس الفييتكونغ ويعرضونها في مهمة أشرفت عليها وكالة الإستخبارات المركزية في أواخر عام 1967 وأطلقت عليها إسم " العنقاء " "operation phoenix" ، وقد أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية ان عدد ضحايا عملية العنقاء وحدها وصل إلى 26369 قتيل ، و33358 معتقل ، بينما يؤكد روي بروسترمن " أستاذ القانون في جامعة واشنطن أن عملية العنقاء شملت " فيتنام – والفلبين – والسلفادور " وبلغ عدد ضحايا فيتنام وحدها في الفترة بين 1968 ، 1971 ، ما يزيد عن 40 ألف قتيل وأكثر الضحايا كانوا من المدنيين والمعتقليين جزاء التعذيب .
ويروى "بارتون " أحد ضباط عملية العنقاء فس شهادته أمام الكونجرس عام 1973 " كنت أنظر في قضية مشتيه يقول أحد عملائي أنه متعاطف مع الفييتكونغ وكان التحقيق يجرى في مجمع بالتجسس المضاد لفرق المارينز وحين دخلت لمتابعة ما يجري كان الرجل قد فارق الحياة بعد ان دكوا في فتحة أذنه سيخاً حديدياً طوله 6 بوصات إخترق دماغه وقتله .. لقد طانت حرب إبادة منظمة " .
وتصف مجلة country spy في عددها ربيع/ صيف 1975 عملية العنقاء بأنها أكبر برنامج للقتل الجماعى المنظم يشهده العالم منذ معسكرات الموت النازية فتقول " في 16 آذار ، مارس 1968 دخلت مجموعة من الكتيبة 11 إلى قرية ( ماى لاى) فقتلت 347 عجوزاً وامرأة وطفلاً رضيعاً ، ثم أن المشاة أحرقوا البيوت والأكواخ بمن فيهم البشر وهنأ الجنرال "وستمولند" هذه المجموعة لعملها " الممتاز" ، وفي يوم المجزرة نفسه هاجمت مجموعة أخرى من الكتيبة قرية (ماى خه4 ) وفتحت نيرانها على طريقة الكابوى وفي هذه المجزرة تولت مجموعة من صغيرة من الجنود تكويم الجثث " .
وفي اليوم التالي زحفت هذه المجموعة عبر شيه جزيرة "باتنغن" جنوب بحر الصين وراحت تحرق كل قرية تعبرها وتقتل كل ما يدب فيه الروح من الجواميس والخنازير والبط والدجاج والبشر وتدمر المحاصيل ، وقال أحد جنود هذه المجزرة " ما فعلناه هنا ليس أستثناء ، لقد فعلناه في كل مكان " وقال اخر " لقد كنا نتسلى "
وعن مذبحة ( ماى لاى ) يروي سيمور هيرش الكاتب الأمريكي ( والكلام عن المذبحة مقتبس من كتابيه(my lai4 – cover up ) يروى أن الطيار هيو تومسون كان يحلق بطائرته الهليوكويتر الصغيرة صباح 16 آذار ، مارس 1968 فوق منطقة ماى لاى ، وما إن إقترب من قرية سونغ ماى حتى رأي الأرض مزروعة بالقتلى والجرحى من دون إشارة تدل على وجود على وجود قوة معادية ، (في المنطقة التي تقع داخل فيتنام الجنوبية الحليفة التي تستضيف الجيش الأمريكي والضحايا كلهم من مواطنيها ) ، وطن الطيار أن أفضل ما يستطيع فعله هو تحديد المكان بالدخان حتى يسرع الجنود على الأرض للنجدة والمساعدة ، وكان أول ما فعل أن حدد مكان فتاه مصابة بطلقات في بطنها ومبطوحة على حافة السياج فيما كان نصفها السفلى فوق حقل الأرز . ولدهشته فإن الجنود أسرعوا إلى الفتاة ليجزوا عليها لا ليسعفوها ، فقد أفرغوا في رأسها عدة طلقات " .
ويقول أحد مساعدى تومسون " إن الجثث كانت كالنمل ، كأن هناك من سمم مياه الشرب وكأن كل من في القرية شرب من هذه المياه المسمومة وسقط صريعاً ، لقد إستغر دفت القتلى أكثر من خمسة أيام "
وكان جوزيف ستريك قد أجرى لقاءات مطولة مع جنود هذه المذابح لتوثق لعام 1971 ، فقال " فردانو سمبسون : " كانوا يمثلون بالجثث وبكل شئ ، كانوا يشنقونها أو يسلخونها ، وكانوا يستمتعون بذلك ، يستمتعون بكل معنى الكلمة ـ وكانوا يتلذذون بقطع جناجرهم " .
وكانت "النيويورك تايمز" في أواخر نيسان 2001 قد كشفت عن مجزرة لم يكن أحد يذكرها لولا أن بطلها أصبح عضواً في مجلس الشيوخ ، وقد أرتكبها السيناتور " بوب كيري " في شباط فبراير 1969 ، عندما كان ضابطاً بحرياً متطوعاً في حرب فيتنام ونال جزاء بطولتها وسام النجم البرونزى ، ويروى " غيرهارد كلان " أحد اللذين شاركوا في هذه المجزرة كيف كان أن السناتور بوب كيرى الذى كان بعده الحزب الديمقراطى لخوض أتخابات الرئاسة المقبلة قادهم في تللك الليلة إلى قرية ثونه فونغ حيث جمعوا 13 امرأة وطفلاً وأطلقوا عليهم النار بدم بارد ، وكيف أنهم بعد سقوط القتلى سمعوا طفلاً يبكى بين الضحايا فعاجلوه بالرصاص الكثيف . وقال إنهم بينما كانوا في طريقهم إلى مكان المجزرة مروراً بكوخ فيه عجوزان وثلاثة أطفال فطعنوهم جميعاً بالسكاكين ثم قطعوا حناجرهم " .
في فيتنام مثلا يؤكد الراهب البوذي الفيتنامي ثيتش ثين هاو أن " حرب فيتنام تسببت بحلول منتصف عام 1963 في مقتل 160 ألف شخص، وتعذيب وتشويه 700 ألف شخص، واغتصاب 31 ألف امرأة، كما نزعت أحشاء 3000 شخص وهم أحياء، وأحرق 4000 حتى الموت، ودمر ألف معبد، وهوجمت 46 قرية بالمواد الكيماوية السامة ".
كما أدى القصف الأمريكي لهانوي وهايفونغ عام 1972 إلى إصابة أكثر من 30 ألف طفل بالصمم الدائم.. وبينما عانى الأمريكيون بعد الحرب من فقد 2497 جنديا ( بحسب أحد التقديرات )، كانت العائلات الفيتنامية تكافح للتكيف مع فقد 300 ألف فيتنامي، فضلا عن أن عدد القتلى في فيتنام بلغ 4 ملايين شخص، إلى جانب عدة ملايين آخرين من المعوقين والمصابين بالعمى والصدمات والتشوه، مما حول فيتنام إلى ساحة كبرى للقبور ومبتوري الأعضاء والأرض المسممة واليتامى والأطفال المشوهين.
ويصف المفكر الأمريكي ناعوم تشومسكى كما لم يثر انقلاب فاشي في كولومبيا إلا قليلا من احتجاج حكومة الولايات المتحدة، بينما لم تهتم بانقلاب عسكري في فنزويلا ولا بعودة السلطة للمعجب بالفاشية في بنما، ولكن نيران المرارة والعداوة التهبت في حكومتنا عندما صعدت للسلطة أول حكومة ديموقراطية في تاريخ جواتيمالا ".
ولم يخل السجل الأمريكي الحافل من التدخل في شئون الدول قاطبة، حيث عمدت السياسة الأمريكية - كما يقول تشومسكي - إلى " إعاقة الحكومات البرلمانية، بل وأسقطتها في إيران عام 1953 وفي جواتيمالا عام 1954 وفي شيلى عام 1972، ولم تكن الأساليب طبيعية جدا، فلم يكن عمل القوات التي حركناها في نيكاراجوا أو عمل وكلائنا الإرهابيين في السلفادور أو جواتيمالا هو القتل العادي، ولكن كان بصفة رئيسية القسوة والتعذيب السادي: تعليق النساء من أقدامهن بعد قطع أثدائهن وفض بكارتهن، وقطع رؤوس الناس وتعليقها على خوازيق، ورطم الأطفال بالحوائط…"
وبين عامي 1952 و 973 1 ذبحت الولايات المتحدة زهاء عشرة ملايين صيني وكوري وفيتنامي ولاووسي وكمبودي،
ويمتد السجل الأسود ليشمل التواطؤ الأمريكي الواضح في المجازر الإندونيسية والحروب ضد الفقراء في أمريكا الوسطى (نيكاراغوا والسلفادور وغواتيمالا وهندوراس )، والذي أسفر عن مقتل مئات الآلاف بواسطة الأسلحة الأمريكية وتسهيل وتوفير التدريب وتقديم المشورة الأمريكية في الاضطرابات المدنية، وهو نفس السيناريو الذي كررته السياسة الأمريكية الرعناء في أفريقيا حين سعت إلى تأجيج واستمرار الصراع الدامي في أنجولا وموزمبيق وناميبيا وغيرها من دول القارة السمراء.
كما امتدت التدخلات غير المشروعة للقوات الأمريكية إلى مساندة ودعم أعمال القمع التي ارتكبها الطغاة الذين دعمتهم أمريكا عبر العقود المختلفة ( سوموزا وبينوشيت وماركوس وموبوتو وباتيستا ودييم وكي وري ودوفاليه وسوهارتو وسافيمبي وغيرهم )، ويكفى في هذا السياق أن نشير إلى مثال واحد - من بين أمثلة عديدة - حيث قام الجنود الذين دربتهم الولايات المتحدة عام 1981 بذبح نحو 1000 فلاح أعزل و139 طفلا في جواتيمالا، كما قتل الجيش الأمريكي المدرب في جواتيمالا أكثر من 150 ألف فلاح خلال الفترة من عام 1966 إلى 1986.
ايــران وبعد أفول نجم الشيوعية وصعود حركات الإسلام السياسي لتحتل مقدمة المسرح السياسي ولتشكل أكبر تهديد للمصالح الأمريكية، تبنت إيران - في أعقاب قيام الثورة الإسلامية عام 1979 - سياسة مناوئة للولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن كانت تمثل في عهد الشاه حصناً لأمريكا في منطقة الشرق الأوسط، نظرا لاحتلالها موقعاً مركزياً وسط هلال النفط يتيح لها الوقوف في وجه المطامع التاريخية للاتحاد السوفييتي في الوصول إلى المياه الدافئة، وبالتالي فقد حرصت أمريكا خلال فترة حكم الشاه محمد رضا بهلوى على دعم حكمه وإمداده بالأسلحة الحديثة، إلى أن قامت الثورة الإسلامية فغيرت الموازين وأطاحت بالشاه خارج البلاد وأعلنت نهاية الزواج الكاثوليكي بين واشنطن وطهران.
وقد مثلت محاولة إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين الذين جرى احتجازهم في السفارة الأمريكية بطهران - ردا على الاستفزازات الأمريكية المتوالية - أول فصول المواجهة بين إيران وأمريكا، إذ توجهت ثماني طائرات هليكوبتر تابعة للبحرية الأمريكية وست طائرات نقل هيركيوليز مع قوة كوماندوز أمريكية وعدد من رجال المظلات التابعين للجيش الأمريكي إلى صحراء " طبس " الإيرانية، على أمل أن يقوم بعض عملاء الولايات المتحدة بإيران بتجهيز عدد من السيارات لنقل الكوماندوز من طائرات الهليكوبتر إلى السفارة الأمريكية، حتى يقوموا بمداهمة الحراس وتحرير الرهائن، إلا أن الخطة الأمريكية باءت بالفشل الذريع، وأطل الرئيس الأمريكي جيمي كارتر بوجه شاحب ليعلن أن المهمة قد فشلت.
ولم يتوقف السقوط الأمريكي في إيران عند حد الفشل في تحرير الرهائن، وإنما امتد ليشمل فاجعة أخرى، فبينما كانت إحدى الطائرات تناور ليتم تزويدها بالوقود تأهبا لرحلة العودة، اصطدمت مراوحها بجسم طائرة نقل أمريكية أخرى من طراز سي130، وشبت النيران في كلتا الطائرتين وانفجرت الذخيرة فيهما، ليلقى ثمانية جنود مصرعهم على الفور، بينما أصيب أربعة آخرون بحروق جسيمة.
ومن إيران إلى لبنان تتكرر المواجهات تحت عنوان " لا صوت يعلو فوق صوت المصالح الأمريكية والإسرائيلية "، فقد قامت أمريكا بغزو لبنان عام 82 بهدف سحق المقاومة الفلسطينية واللبنانية المتصاعدة آنذاك، وتم نشر قوات المارينز حول مطار بيروت.
ويسرد الجنرال الأمريكي كولن باول وزير الخارجية الأمريكي الحالي - والذي كان آنذاك يشغل منصب مساعد نائب وزير الدفاع الأمريكي - كيف أن " المدمرة الأمريكية نيوجرسي قامت بتوجيه مدافعها من عيار 16 بوصة إلى "القوات الشيعية" فسقط عدد من الضحايا لم يعرف عددهم!! "، إلا أن قوات المقاومة لم تلبث أن وجهت ردا موجعا إلى قوات المشاة الأمريكية، مما أدى إلى سقوط مئات الأمريكيين ما بين قتيل وجريح، وهو المشهد الذي وصفه باول بقوله " لم تغادر خيالي قط جثث جنود المارينز المبعثرة في مطار بيروت".
وفي عام 1983 منيت الغطرسة الأمريكية بفضيحة أخرى حين غزا الجيش الأمريكي بمساعدة القوات الخاصة جزيرة " جرينادا " لمعاقبة نظامها على اقترابه من نظام كوبا الشيوعي، إذ لقيت فرقة الكوماندوز الأولى التي تم إنزالها في البحر حتفها غرقا، في حين حاصر الجيش النظامي القوات الخاصة داخل مقر إقامة الحاكم، في الوقت الذي شنت فيه فرقة من المظليين الأمريكيين غارة جوية شعواء، لكنها أخطأت هدفها فقتلت 18 مريضا كانوا داخل مستشفى للطب النفسي.
ومن مستنقع إلى آخر، انتقلت ساحة المواجهة الأمريكية هذه المرة إلى ليبيا، بعد أن رفع القذافى راية التحدى للهيمنة الأمريكية في المنطقة لسنوات طويلة، ومن ثم لم يكن غريبا أن تقرر الولايات المتحدة بدءا من عام 1980 التخلص نهائيا من القذافى.. ففي صيف 1980وضعت أمريكا خطة لضرب طائرة القذافي في رحلته لأوروبا الشرقية، إلا أن الطائرات الأمريكية أسقطت طائرة إيطالية فوق مياه أوستيكا متوهمة أنها طائرة القذافي. وفي 19 أغسطس 1981 قامت ثماني طائرات أمريكية باعتراض طائرتين من طائرات السلاح الجوي الليبي كانتا تقومان باستطلاع في المياه الليبية وأسقطتهما.
ولم تلبث مجلة نيوزويك أن نشرت آنذاك مقالا بعنوان (الحرب غير المعلنة) كشفت فيه أن " المعركة الجوية فوق المتوسط لن توقف الحرب غير المعلنة، وأن أمريكا مقتنعة بأن القذافي يشكل تهديدا للأنظمة المؤيدة للغرب بالمنطقة، ولهذا السبب تحاول إدارة ريجان القبض عليه !! ". وفى 16 فبراير 1983 اصطدمت طائرة ليبية بطائرات أمريكية في المجال الجوي الليبي قرب مدينة بنغازي، وذلك بعدما اخترقت الطائرات الأمريكية المجال الجوي الليبي قرب بنغازي بـ 80 كم. و في 24 مارس 1986 قامت أمريكا بعدوان بحري جوي على خليج سرت شاركت فيه ثلاث حاملات للطائرات، ثم في اليوم التالي مباشرة أسقطت الطائرات الأمريكية قنابلها على زورق دورية قبالة خليج سرت كان يقوم بمهمة روتينية. بيد أن العنجهة الأمريكية بلغت مداها فى10 أبريل 1986 بالغارة على مدينتي طرابلس وبنغازي وبيت القذافي في محاولة لإسقاط النظام، وهو ما كشفته جريدة الديلي ميل البريطانية عقب الغارة مباشرة، حين نقلت عن مصادر أمريكية أن الرئيس الأمريكي السابق ريجان دبر عملية سرية ترمي إلى الإطاحة بالنظام في ليبيا عن طريق الاتصال بعدد من الضباط الليبيين الموجودين في الخارج ممن جندتهم المخابرات الأمريكية.. كما أكد طيارون أمريكيون اشتركوا في الغارة أن الهدف الأول لتلك الغارة كان اغتيال القذافي.
وفي عام 1990 ارتكبت القوات الخاصة الأمريكية مجزرة بشعة في بنما راح ضحيتها ما بين 500 و 1000 قتيل لكي تتمكن من القبض على شخص واحد بتهمة " الاتجار في المخدرات " و هو الرئيس نورييجا نفسه، بينما فقدت 23 من مقاتليها.!!
وفي هذا الإطار تمثل عمليات الإبادة الجماعية التي تنظمها واشنطن ضد العراق منذ عشرة سنوات كاملة جزءا أصيلا من السياسات الأمريكية الممتدة على مدار القرن، وحسبنا هنا أن ننقل ما أوردته جريدة التايمز البريطانية على لسان صحفي بريطانى في وصف ما حدث: " كانت الحرب نووية بكل معنى الكلمة، وجرى تزويد جنود البحرية والأسطول الأمريكي بأسلحة نووية تكتيكية، والأسلحة المطورة أحدثت دمارا يشبه الدمار النووي، حيث استخدمت أمريكا متفجرات وقود الهواء المسماة Blu-82، وهو سلاح زنته 15000 رطل وقادر على إحداث انفجارات ذات دمار نووى حارق لكل شيء في مساحة تبلغ مئات الياردات ".
كما استخدمت قنابل اليورانيوم المستنفد لأول مرة للتخلص من نفايات المفاعلات والمحطات النووية، حيث أطلقت الدبابات الأمريكية ستة آلاف قذيفة يورانيوم، بينما أطلقت الطائرات عشرات الآلاف من هذه القنابل، لدرجة أن تقريرا سريا لهيئة الطاقة الذرية البريطانية قدر ما خلفته قوات التحالف على أرض العراق بما لا يقل عن أربعين طنا من اليورانيوم المنضب.
كما أكدت مصادر غربية أن هناك 800 طن من غبار وذرات اليورانيوم المنضب سوف تستمر في الهبوب على شبه الجزيرة العربية لمدى طويل جدا، حيث تم تلويث الهواء والتربة والأنهار بكميات مفزعة من الإشعاع المسبب للسرطان، مما دفع مكتب السكان الأمريكي نفسه لوصف العواقب الوخيمة لذلك على العراقيين بأنه تسبب في انخفاض عمر الرجال العراقيين بمعدل 20 سنة وانخفاض عمر العراقيات بمعدل 11 سنة، فضلا عن نصف مليون حالة وفاة بالقتل الإشعاعي في العاجل والآجل.
وبحلول عام 1993 كانت القوات الأمريكية على موعد آخر مع الفشل الذريع في الصومال، حين حاولت قوات " رانجرز " و " دلتا فورس" القبض على محمد فارح عيديد زعيم أكبر الفصائل الصومالية. و رغم تحديد مكان تواجد عديد إلا أن قوات الكوماندوز فشلت في القبض عليه أو قتله، مما أشعل جذوة الغضب في نفوس الصوماليين، فخاضوا حرباً ضارية ضد الأمريكان نجحوا خلالها في تكبيدهم 18 قتيلا و 80 جريحا خلال معارك استمرت 13 ساعة، ليخرج الأمريكيون بعدها يجرون أذيال الخيبة من الصومال.
ولم تسلم السودان من التحرشات الأمريكية، حيث أغارت الطائرات الأمريكية على مصنع للأدوية بالسودان عام 1998، بدعوى أن بن لادن يمتلكه وأنه يستخدم فى تصنيع أسلحة كيماوية، وهي الضربة التى حولت المصنع إلى كومة من التراب وخلفت وراءها بركانا من الغضب والكراهية في نفس كل شعوب العالم الثالث تجاه أمريكا.
وأخيرا.. فإن قصة وزيرة خارجية أمريكا أولبرايت مع الرئيس الأندونيسى السابق سوهارتو لم تسقط من الذاكرة بعد، فعندما تصاعدت حدة الاحتجاجات الجماهيرية للإطاحة بسوهارتو وخشيت واشنطن أن تصل إلى السلطة قوى معادية لمصالحها، عقدت أولبرايت وزيرة خارجية أمريكا آنذاك اجتماعا عاجلا مع الرئيس الأندونيسى السابق - الذى طالما سكتت واشنطن على جرائمه ضد شعبه من أجل مصالحها البترولية فى تيمور الشرقية - لتبلغه رسالة قصيرة مفادها: " هذا هو اليوم الأخير لك رئيسا لإندونيسيا..غداً تترك هذا القصر ".. وقد كان.