ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


2 مشترك

    هجاء نثري ساخر00من رسالة (التربيع و التدوير)للجاحظ يهجو أحمد بن عبدالوهاب0

    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16791
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39117
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    هجاء نثري ساخر00من رسالة (التربيع و التدوير)للجاحظ يهجو أحمد بن عبدالوهاب0 Empty هجاء نثري ساخر00من رسالة (التربيع و التدوير)للجاحظ يهجو أحمد بن عبدالوهاب0

    مُساهمة من طرف أحمد الجمعة سبتمبر 19, 2008 6:52 am

    وقد علموا - حفظك الله - أن لك مع طول الباد راكباً طول الظهر جالساً ولكن بينهم فيك إذا قمت اختلاف وعليك لهم إذا اضطجعت مسائل‏.‏

    ومن غريب ما أعطيت ومن بديع ما أوتيت أنا لم نر مقدوداً واسع الجفرة غيرك ولا رشيقاً مستفيض الخاصرة سواك‏.‏

    فأنت المديد وأنت البسيط وأنت الطويل وأنت المتقارب‏.‏

    فيا شعراً جمع الأعاريض ويا شخصاً جمع الاستدارة والطول‏.‏

    بل ما يهمك من أقاويلهم ويتعاظمك من اختلافهم والراسخون في العلم والناطقون بالفهم يعلمون أن استفاضة عرضك قد أدخلت الضيم على ارتفاع سمكك وأن ما ذهب منك عرضاً قد استغرق ما ذهب منك طولاً‏.‏

    ولئن اختلفوا في طولك لقد اتفقوا في عرضك‏.‏

    وإن كانوا قد سلموا لك بالرغم شطراً فقد حصلت ما سلموا وأنت على دعواك فيما لم يسلموا‏.‏

    ولعمري إن العيون لتخطىء وإن الحواس لتكذب وما الحكم القاطع إلا للذهن وما الاستبانة الصحيحة إلا للعقل إذ كان زماماً على الأعضاء وعياراً على الحواس‏.‏

    ومما يثبت أيضاً أن ظاهر عرضك مانع من إدراك حقيقة طولك قول أبي داوود الإيادي في إبله‏:‏ سمنت فاستحش أكرعها لا ال ني ني ولا السنام سنام ولو لم يكن فيك من العجب إلا أنك أول من عوده الله تعالى بالصبر على خطاء الحس وبالشكر على صواب الذهن لقد كنت في طولك غاية للعالمين وفي عرضك مناراً للمضلين‏.‏

    وقد تظلم المربوع مثلي من الطويل مثل عمر ومن القصير مثل عمرو إذ زعم أنه أفرط في الرشاقة ونسب إلى القضاضة لأن إفراط عرضه غمر الاعتدال من طوله وكلاهما يحتاج إلى الاعتذار ويفتقر إلى الاعتدال‏.‏

    والمربوع بحمد الله تعالى قد اعتدلت أجزاؤه في الحقيقة كما اعتدلت في المنظر فقد استغنى بعز الحقيقة عن الاعتذار وبحكم الظاهر عن الاعتلال‏.‏

    وقد سمعنا من يذم الطوال كما سمعنا من يزري على القصار ولم نسمع أحداً ذم مربوعاً ولا أزرى عليه ولا وقف عنده ولا شك فيه‏.‏

    ومن يذمه إلا من ذم الاعتدال ومن يزري عليه إلا من أزرى على الاقتصاد ومن ينصب للصواب الظاهر إلا المعاند ومن يماري في العيان إلا الجاهل بل من يزري على أحد بتفاقم التركيب وبسوء التنضيد مع قول الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ‏"‏‏.‏

    وبعد فأي قد أردأ وأي نظام أفسد من عرض مجاوز للقدر أو طول مجاوز للقصد‏.‏

    ومتى يضرب العرض بسهمه على قدر حقه ويأخذ الطول من نصيبه على مثل وزنه خرج الجسم من ولو جاز هذا الوصف وحسن هذا النعت كان لإبراهيم بن السندي من الفضيلة ما ليس لأحمد بن عبد الوهاب‏.‏

    وهذا كله بعد أن يصدقوك على ما ادعيت لطولك في الحقيقة واحتججت به لعرضك في الحكومة‏.‏

    كما أنك بإعمالك لما ينفيه العيان واستشهادك لما تنكره الأذهان معترض للصدق من المتكرم ومتحكك بالحلم من المتغافل‏.‏

    وأي صامت لا ينطقه هذا المذهب وأي ناطق لا يغريه هذا القول‏.‏

    وإذا كان هذا ناقضاً لعزم المتسلم فما ظنك بعادة المتكلف‏.‏

    فأنشدك الله أن تغري بك السفهاء وتنقض عزائم الحكماء‏.‏

    وما أدري - حفظك الله - بأي الأمرين أنت أعظم إثماً وفي أيهما أنت أفحش ظلماً‏:‏ أبتعرضك للعوام أم بإفسادك حكم الخواص‏.‏

    وبعد فما يحوجك إلى هذا وما يدعوك إليه وأشباهك من القصار كثير ومن ينصرك منهم غير قليل‏.‏


    فصل

    وقلت‏:‏ ولولا فضيلة العرض على الطول لما وصف الله تعالى وعز وجل الجنة بالعرض دون الطول حيث يقول‏:‏ ‏"‏ وجنة عرضها كعرض السماء والأرض ‏"‏‏.‏

    فهذا برهانك الواضح‏.‏

    ولو لم يكن فيك من الرضا والتسليم ومن القناعة والإخلاص إلا أنك ترى ما عند الله خيراً لك مما عند الناس وأن الطول الخفي أحب إليك من الطول الظاهر لكان في ذلك ما يقضي لك بالإنصاف ويحكم لك بالتوفيق‏.‏

    وأنا - أبقاك الله - أعشق إنصافك كما تعشق المرأة الحسناء وأتعلم خضوعك للحق كما أتعلم التفقه في الدين‏.‏

    ولربما ظننت أن جورك إنصاف قوم آخرين وأن تعقدك سماح رجال منصفين‏.‏

    وما أظنك صرت إلى معارضة الحجة بالشبهة ومقابلة الاختيار بالاضطرار واليقين بالشك واليقظة بالحلم إلا للذي خصصت به من إيثار الحق وألهمته من فضيلة الإنصاف حتى صرت أحوج ما تكون إلى الإنكار أذعن ما تكون بالإقرار وأشد ما تكون إلى الحيلة فقراً أشد ما تكون للحجة طلباً‏.‏

    غير أن ذلك بطرف ساكن وصوت خاضع وقلب جامع وجأش رابط ونية جسور وإرادة تامة مع غفلة كريم وفطنة عليم‏.‏

    إن انقطع خصمك تغافلت وإن خرق ترفقت غير منخوب ولا متشعب ولا مدخول ولا مشترك ولا ناقص النفس ولا واهن العزم ولا حسود ولا منافس ولا مغالب ولا معاقب‏.‏

    تفل الحز وتصيب المفصل وتقرب البعيد وتظهر الخفي وتميز الملتبس وتلخص المشكل وتعطي المعنى حقه من اللفظ كما تعطي اللفظ حظه من المعنى‏.‏

    وتحب المعنى إذا كان حياً يلوح وظاهراً يصيح وتبغضه مستهلكاً بالتعقيد ومستوراً بالتغريب‏.‏

    وتزعم أن شر الألفاظ ما غرق المعاني وأخفاها وسترها وعماها وإن راقت سمع الغمر واستمالت قلب الريض‏.‏

    أعجب الألفاظ عندك ما رق وعذب وخف وسهل وكان موقوفاً على معناه ومقصوراً عليه دون ما سواه‏.‏

    لا فاضل ولا مقصر ولا مشترك ولا مستغلق قد جمع خصال البلاغة واستوفى خلال المعرفة‏.‏

    فإذا كان الكلام على هذه الصفة وألف على هذه الشريطة لم يكن اللفظ أسرع إلى السمع من المعنى إلى القلب وصار السامع كالقائل والمتعلم كالمعلم وخفت المؤنة واستغنى عن الفكرة وماتت الشبهة وظهرت الحجة واستبدلوا بالخلاف وفاقاً وبالمجاذبة موادعة وتهنئوا بالعلم وتقنعوا ببرد اليقين واطمأنوا بثلج الصدور وبان المنصف من المعاند وتميز الناقص من الوافر وذل الخطل وعز المحصل وبدت عورة المبطل وظهرت براءة المحق‏.‏

    وقلت‏:‏ والناس وإن قالوا في الحسن‏:‏ كأنه طاقة ريحان أو خوط آس وكأنه قضيب خيزران وكأنه غصن بان وكأنه رمح رديني وكأنه صفيحة يمان وكأنه سيف هندواني وكأنه جان وكأنه جدل عنان فقد قالوا‏:‏ كأنه المشتري وكأن وجهه دينار هرقلي‏.‏

    وما هو إلا البحر وما هو إلا الغيث‏.‏

    وكأنه الشمس وكأنها دارة القمر وكأنها الزهرة وكأنها درة وكأنها غمامة وكأنها مهاة‏.‏

    وقد نراهم وصفوا المستدير والعريض بأكثر مما وصفوا القضيف الطويل‏.‏

    وقلت‏:‏ ووجدنا الأفلاك وما فيها والأرض وما عليها على التدوير دون التطويل كذلك الورق والحب والثمر والشجر‏.‏

    وقلت‏:‏ والرمح وإن طال فإن التدوير عليه أغلب لأن التدوير قائم فيه موصلاً ومفصلا والطول لا يوجد فيه إلا موصلا ومفصلاً‏.‏

    وكذلك الإنسان وجميع الحيوان‏.‏

    وقلت‏:‏ ولا يوجد التربيع إلا في المصنوع دون المخلوق وفما أكره على تركيبه دون ما خلي وسوم طبيعته‏.‏

    وعلى أن كل مربع ففي جوفه مدور فقد بان المدور بفضله وشارك المطول في حصته‏.‏

    ومن العجب أنك تزعم أنك طويل في الحقيقة ثم تحتج للعرض والاستدارة وقد أضربت عما عند الله صفحاً ولهجت بما عند الناس‏.‏

    فأما حور العين فقد انفردت بحسنه وذهبت ببهجته وملحه إلا ما أبانك الله تعالى به من الشكلة فإنها لا تكون في اللئام ولا تفارق الكرام‏.‏

    وأما سواد الناظر وحسن المحاجر وهدب الأشفار ورقة حواشي الأجفان فعلى أصل عنصرك ومجاري أعراقك‏.‏

    وأما إدراكك الشخص البعيد وقراءتك الكتاب الدقيق ونقش الخاتم قبل الطابع وفهم المشكل قبل التأمل مع وهن الكبرة وتقادم الميلاد ومع تخون الأيام وتنقص الأزمان فمن توتيا الهند ولترك الجماع ومن الحمية الشديدة وطول استقبال الخضرة فأنت يا عم عندما تصلح ما أفسده الدهر وتسترجع ما أخذته الأيام لكما قال الشاعر‏:‏ عجوز ترجي أن تكون فتية وقد لحب الجنبان واحدودب الظهر تدس إلى العطار سلعةأهلها ولن يصلح العطار ما أفسد الدهر وكيف أطمع في نزوعك عن اللجاج وقد منعتنيه قبله‏.‏

    وكيف أرجو إقرارك جهراً وقد أبيته سراً وكيف تجود به صحيحاً مطمعاً وقد بخلت به مريضاً مؤيساً‏.‏

    وكيف يرجو خيرك من رآك تطاول أبا جعفر وتحاسنه وتنافره وتراهنه ثم لا تفعل ذلك إلا في المحافل العظام وبحضرة كبار الحكام ثم تستغرب ضحكاً من طمعه فيك وتعجب الناس من وأشهد لك بعد هذا أنك ستحاسن عمراً الجاحظ وتعاقله ثم تظارفه وتطاوله وتتغنى مع مخارق وتنكر فضل زبزب وتستجهل النظام وتستغبي قيس بن زهير وتستخف الأحنف بن قيس وتبارز علي بن أبي طالب ثم تخرج من حد الغلبة إلى حد المراء ومن حد الأحياء إلى حدود الموتى‏.‏

    هذا وليس لك مساعد ولا معك شاهد واحد ولا رأيت أحداً يقف في الحكم عليك أو ينتظر تحقيق دعواك ولا رأيت منكراً يخليك من التأنيب ولا مؤنباً يخليك من الوعيد ولا موعداً يخليك من الإيقاع ولا موقعاً يرثي لك ولا شافعاً يشفع فيك‏.‏

    يا عم لم تحملنا على الصدق ولم تجرعنا مرارة الحق ولم تعرضنا لأداء الواجب ولم تستكثر من الشهود عليك ولم تحمل الإخوان على خلاف محبتهم فيك اجعل بدل ما تجني على نفسك أن تجني على عدوك وبدل ما يضطر الناس أن يصدقوا فيك أن تضطرهم إلى أن يمسكوا عنك‏.‏

    ولا بد - يرحمك الله - لمن فاته الطول من أن يلقي بيده إنما يقول خلاف ما يجده في نفسه‏.‏

    فوالله إنك لجيد الهامة وفي ذلك خلف لحسن القامة‏.‏

    وإنك لحسن الحظ وفي ذلك عوض من حسن اللفظ‏.‏

    وإنك لتجد مقالاً وإنك لتعد خصالاً‏.‏

    فقل معروفاً فإنا من أعوانك واقتصد فإنا من أنصارك‏.‏

    وهات فإنك لو أسرفت لقلنا قد اقتصدت ولو جرت لقلنا قد اهتديت ولكنك تجيء بشيء ‏"‏ تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً ‏"‏‏.‏

    لو غششناك لساعدناك ولو نافقناك لأغريناك‏.‏
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16791
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39117
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    هجاء نثري ساخر00من رسالة (التربيع و التدوير)للجاحظ يهجو أحمد بن عبدالوهاب0 Empty رد: هجاء نثري ساخر00من رسالة (التربيع و التدوير)للجاحظ يهجو أحمد بن عبدالوهاب0

    مُساهمة من طرف أحمد الجمعة سبتمبر 19, 2008 6:52 am

    فصل

    وقد كنت - أطال الله بقاءك - في الطول زاهداً وعن القصر راغباً وكنت أمدح المربوع وأحمد الاعتدال‏.‏

    ولا والله لن يقوم خير الاعتدال بشر قصر العمر ولا جمال المربوع بما يفوت من منفعة العلم‏.‏

    فأما اليوم فياليتني كنت أقصر منك وأضوى وأقل منك وأقما‏.‏

    وليس دعائي لك بطول البقاء طلباً للزيادة لكن على جهة التعبد والاستكانة فإذا سمعتني أقول أطال الله بقاءك فهذا المعنى أريد وإذا رأيتني أقول لا أخلى الله مكانك فإلى هذا المعنى أذهب‏.‏

    وقد زعموا جعلت فداءك أن كل ما طال عمره من الحيوانات زائد في شدة الأركان وفي طول العمر وصحة الأبدان كالورشان والضباب وحمر الوحش وكلحم النسر لمن أكله ولحم الحية لمن استحله فإذا كان هذا حقاً وكان نافعاً وكنت له مستعملاً وفيه متقدماً وتراه رأياً أخذنا منه بنصيب وتعلقنا منه بسبب‏.‏

    وفيك أمران غريبان وشاهدان بديعان‏:‏ جواز الكون والفساد عليك وتعاور النقصان والزيادة إياك‏.‏

    وجوهرك فلكي وتركيبك أرضي‏.‏

    فمنك طول البقاء ومعك دليل الفناء‏.‏

    وأنت علة للمتضاد وسبب للمتنافي‏.‏

    وما ظنك بخلق لا تضره الإحالة ولا يفسده التناقض‏.‏


    فصل

    جعلت فداك قد شاهدت الإنس منذ خلقوا ورأيت الجن قبل أن يحجبوا ووجدت الأشياء بنفسك خالصة وممزوجة وأغفالاً وموسومة وسالمة ومدخولة فما يخفى عليك الحجة من الشبهة ولا السقم من الصحة ولا الممكن من الممتنع ولا المستغلق من المبهم ولا النادر من البديع ولا شبه الدليل من الدليل‏.‏

    وعرفت علامة الثقة من علامة الريبة حتى صارت الأقسام عندك محصورة والحدود محفوظة والطبقات معلومة والدنيا بحذافيرها مصورة‏.‏

    ووجدت السبب كما وجدت المسبب وعرفت الاعتلال كما عرفت الاحتجاج وشاهدت العلل وهي تولد والأسباب وهي تصنع فعرفت المصنوع من المخلوق والحقيقة من التمويه‏.‏


    فصل

    إنك - جعلت فداءك - كما أنك لم تكن فكنت فكذا لا تكون بعد أن كنت‏.‏

    وكما زدت في الدهر الطويل فكذا تنقص في الدهر الطويل‏.‏

    وكل طويل فهو قصير وكل متناه فهو قليل‏.‏

    فإياك أن تظن أنك قديم فتكفر وإياك أن تنكر أنك محدث فتشرك فإن للشيطان في مثلك أطماعاً لا يصيبها في سواك ويجد فيك عللاً لا يجدها في غيرك‏.‏



    فصل

    وقد علمت أن الخبر إذا صح أصله وكان للناس علة في نشره كان في الدلالة على الحق كالعيان وفي الشفاء كالسماع‏.‏

    على أن الخبر لا يعرف به تكيف الأمور ولكن تعرف به جمل الأشياء إلا خبرك فإنك لا تحتاج إلى إشارة ولا إلى علة ولا إلى تفسير حتى يقوم خبرك في الشفاء وفي كيفية الشيء مقام العيان‏.‏

    وقد كنت أتعجب من محمد بن عبد الملك وأقول‏:‏ ما يقولون في رجل لم يقل قط بعد انقضاء خصومه وذهاب خصمه‏:‏ لو كنت قلت كذا كان أفضل أو كنت لم أقل كذا كان أمثل‏!‏ فما بال عفوه أكثر من جهدكم وبديهته أبعد من أقصى فكرتكم‏!‏ فلما رأيتك علمت أنك عذاب صبه الله تعالى على كل رفيع ورحمة أنشأها الله لكل وضيع‏.‏

    فخبرني عما جرى بينك وبين هرمس في طبيعة الفلك وعن سماعك من أفلاطون وما دار بينك وبين أرسطاطاليس وأي نوع اعتقدت وأي شيء اخترت فقد أبت نفسي غيرك وأبت أن تتشفى إلا بخبرك‏.‏

    ولولا أني كلف برواية الأقاويل ومغرم بمعرفة الاختلاف وأني لا أستجيز مسألتك عن كل شيء وابتذالك في كل أمر لما سمعت من أحد سواك ولما انقطعت إلى أحد غيرك‏.‏

    اعلم جعلت فداءك أني لم أرد بمزاحك إلا أن أضحك سنك ولا كانت غايتي فيك إلا لأنفق عندك‏.‏

    وقد كنت خفت أن لا أكون وقفت على حده وأشفقت من المجاوزة لقدره‏.‏

    والمزاح باب ليس المخوف فيه التقصير ولا يكون الخطأ فيه من جهة النقصان‏.‏

    وهو باب متى فتحه فاتح وطرق له مطرق ولم يملك من سده مثل الذي يملك من فتحه ولم يخرج بقدر ما كان قدم من نفسه لأنه باب أصل بنائه على الخطأ ولا يخالطه من الأخلاق إلا ما سخف‏.‏

    ومن شأنه التزيد وأن يكون صاحبه قليل التحفظ‏.‏

    ولم نر شيئاً أبعد من شيء ولا أطول له صحبة ولا أشد خلافاً ولا أكثر له خلطة من الجد والمزاح والمناظرة والمراء‏.‏

    فإن كنت لم أقصر عن الغاية ولم أتجاوز حد النهاية فبما أعرف من يمن مكالمتك وبركة مكاتبتك ومن حسن تقويمك وجودة تثقيفك‏.‏

    وإن كنت أخطأت الطريق وجاوزت المقدار فما كان ذلك عن جهل بفضلك ولا إنكار لحقك ولكن حدود الأشياء إذا خفيت ومقاديرها إذا أشكلت ولم يكن مع الناظر فيها مثل تمامك ولا مع التكلف لها مثل كمالك دخل عليه من الخلل بقدر عجزه وسلم منه بقدر نفاذه‏.‏

    نعم ولو كان من العلماء الموصوفين ومن الأدباء المذكورين‏.‏

    ومن المزاح - جعلت فداءك - باب مكر وجنس خدع يتكل المرء في إساءته إلى جليسه واستماعه لصديقه على أن يقول‏:‏ مزحت وعلى أن يقول عند المحاكمة‏:‏ عبثت وعلى أن يقول‏:‏ من يغضب من المزاح إلا كز الخلق‏!‏ ومن يرغب عن المفاكهة إلا ضيق العطن‏!‏ وبعد فمتى أعدت النفس عذراً كانت إلى القبيح أسرع ومتى لم تعده كانت عنه أبطأ‏.‏

    ومن أسباب الغلط فيه ومن دواعي الخطأ إليه أن كثيراً ممن تمازحه يضحكك وإن كنت أغضبته ولا يقطع مزاحك وإن كنت قد أوجعته‏.‏

    فإن حقد ففي الحقد الداء وإن عجل فذلك فإن قلت‏:‏ فما أدخلك في شيء هذه سبيله وهكذا جوهره وطريقه قلت‏:‏ لأني حين أمنت عقاب الإساءة ووثقت بثواب الإحسان وعلمت أنك لا تقضي إلا على العمد ولا تعذب إلا على القصد صار الأمن سائقاً والأمل قائداً‏.‏

    وأي عمل أرد وأي متجر أربح مما جمع السلامة والغنيمة والأمن والمثوبة‏.‏

    ولو كان هذا ذنباً كنت شريكي فيه ولو كان تقصيراً لكنت سببي إليه لأن دوام التغافل شبيه بالإهمال وترك التعريف يورث الإغفال والعفو الشائع والبشر الدائم يؤمنان من المكافأة ويذهبان بالتحفظ ولذلك قال عيينة بن حصن لعثمان بن عفان‏:‏ ‏"‏ عمر كان خيراً لي منك أرهبني فاتقاني وأعطاني فأغناني ‏"‏‏.‏

    فإن كنت اجترأت عليك فلم أجترىء عليك إلا بك وإن كنت أخطأت فلم أخطىء عليك إلا لك لأن حسن الظن بك والثقة بعفوك سبب إلى قلة التحفظ وداعية إلى ترك التحرز‏.‏

    وبعد فمن وهب الكبير كيف يقف عند الصغير ومن لم يزل يعفو عن العمد كيف يعاقب على السهو‏!‏ ولو كان عظم قدري هو الذي عظم ذنبي لكان عظم قدري هو الذي شفع لي‏.‏

    ولو استحققت عقابك بإقدامي عليك مع خوفي لك لاستوجبت عفوك عن إقدامي عليك بحسن على أني متى أوجبت لك العفو فقد أوجبت لك الفضل ومتى أضفت إليك العقاب فقد وصفتك بالإنصاف‏.‏

    ولا أعلم حال الفضل إلا أشرف من حال العدل والحال التي توجب لك الشكر إلا أرفع من الحال التي توجب لك الصبر‏.‏

    وإن كنت لا تهب عقابي لحرمتي فهبه لأياديك عندي فإن النعمة تشفع في النعمة‏.‏

    فإن لم تفعل ذلك للحرمة فافعله لحسن الأحدوثة وعد إلى حسن العادة‏.‏

    وإن لم تفعل ذلك لحسن العادة فائت ما أنت أهله‏.‏

    واعلم أني وإياك متى تحاكمنا إلى كرمك قضي لي عليك ومتى ارتفعنا إلى عدلك حسن العفو عني عندك‏.‏

    وفصل ما بيننا وبينك وفرق ما بين أقدارنا وقدرك أنا نسيء وتغفر ونذنب وتستر ونعوج وتقوم ونجهل وتعلم وأن عليك الإنعام وعليك الشكر‏.‏

    ومن صفاتك أن تفعل ومن صفاتنا أن نصف‏.‏

    وإذا فعلت ما تقدر عليه من العقاب كنت كمن فعل ما يقدر عليه من التعرض وصرت ترغب عن الشكر كما رغبنا عن السلم وصار التعرض لعفوك بالأمن باطلاً والتعرض لعقابك بالخوف حقاً ورغبت عن النبل والبهاء وعن السؤدد والسناء وصرت كمن يشفي غيظاً أو ولم نجدهم - أبقاك الله - يحمدون القدرة إلا عند استعمالها في الخير ويذمون العجز إلا لما يفوت به من إتيان الجميل‏.‏

    وأنى لك بالعقاب وأنت خير كلك ومن أين اعتراك المنع وأنت أنهجت الجود لأهله‏.‏

    وهل عندك إلا ما في طبعك وكيف لك بخلاف عادتك فلم تستكره نفسك على المكافأة وطباعها الصفح ولم تكدها بالمناقشة ومذهبها المسامحة سبحان من جعل أخلاقك وفق أعراقك وفعلك وفق عملك ومن جعل ظنك أكثر من يقيننا وفراستك أثقب من عياننا وعفوك أرجح من جهدنا وبداهتك أجود من تفكرنا وفعلك أرفع من وصفنا وغيبتك أهيب من حضور السادة وعتبك أشد من عقاب الظلمة‏.‏

    وسبحان من جعلك تعفو عن المتعمد وتتجافى عن عقاب المصر وتتغافل عن المناوي وتصفح عن المتهاون حتى إذا صرت إلى من ذنبه نسيان وتوبته خلاص وهفوته بكر وشفاعته الحرمة ومن لا يعرف الشكر إلا لك والإنعام إلا منك ولا العلم إلا من تأديبك ولا الأخلاق إلا من تقويمك ولا يقصر في بعض طاعتك إلا لما رأى من احتمالك ولا نسي بعض ما يجب لك إلا لما داخله من تعظيمك صرت تتوعده بالصرم وهو دليل كل بلية وتستعمل الإعراض وهو قائد كل هلكة‏.‏

    وقد علمت أن عتابك أشد من الصريمة وأن تأنيبك أغلظ من العقوبة وأن منعك إذا منعت في وزن إعطائك إذا أعطيت وأن عقابك على حسب ثوابك وأن جزعي من حرمانك في وزن سروري بفوائدك وأن شين غضبك كزين رضاك وأن موت ذكري بانقطاع سببي منك كحياة ذكري مع اتصال سببي بك‏.‏

    وما لي اليوم عمل أنا إليه أسكن ولا شفيع أنا به أوثق من شدة جزعي من عتبك وإفراط هلعي من خوفك‏.‏

    ولست ممن إذا جاد بالصفح ومن بالعفو لم يكن لصاحبه منه إلا السلامة والنجاة من الهلكة‏.‏

    بل تشفع ذلك بالمراتب الرفيعة والعطايا الجزيلة والعز في العشيرة والهيبة في الخاصة والعامة مع طيب الذكر وشرف العقب ومحبة الناس‏.‏

    وأما ذكرى القد والخرط والطول والعرض وما بيننا وبينك في ذلك من التنازع والتشاجر والتنافر فإن الكلام قد يكون في لفظ الجد وهو مزاح‏.‏

    ولو استعمل الناس الدماثة في كل حال والجد في كل مقال وتركوا التسمح والتسهيل وعقدوا في كل دقيق وجليل لكان الشر صراحاً خيراً لهم والباطل محضاً أرد عليهم‏.‏

    ولكن لكل شيء قدر ولكل حال شكل‏.‏

    فالضحك في موضعه كالبكاء في موضعه والتبسم في موضعه كالقطوب في موضعه‏.‏

    وكذلك المنع والبذل والعقاب والعفو وجميع القبض والبسط‏.‏

    فإن ذممنا المزاح ففيه لعمري ما يذم وإن حمدناه ففيه ما يحمد‏.‏

    وفصل ما بينه وبين الجد أن الخطأ إلى المزاح أسرع وحاله بحال السخف أشبه‏.‏

    فأما أن يذم حتى يكون كالظلم وينفى حتى يصير كالغدر فلا لأن المزاح مما يكون مرة حسناً ومرة قبيحاً‏.‏

    فإذا صرنا إلى الجد ورغبنا عن الهزل وتركنا المزاح وجلسنا للحكم فقد أغناك الله تعالى عن الحجة كما سلمك من الشبهة ولم نكلفك الاحتجاج كما نرغب بك من الاعتلال فأصبحت لا محتجاً ولا محجوجاً ولا غفلاً ولا موسوماً ولا ملوماً ولا معذوراً ولا فيك اختلاف ولا بك حاجة إلى الائتلاف‏.‏

    وليس مع العيان وحشة ولا مع الضرورة وجمة ولا دون اليقين وقفة‏.‏

    وهل في تمامك ريب حتى يعالج بالحجة وهل يرد فضلك جاحد حتى يثبت بالبينة‏.‏

    وهل لك خصم في العلم أو ند في الفهم أو مجار في الحلم أو ضد في العزم وهل يبلغك الحسد أو تضرك العين أو تسمو إليك المنى أو يطمع فيك طامع أو يتعاطى شأوك باغ وهل غاية الجميل إلا وصفك وهل زين البليغ إلا مدحك وهل يأمل الشريف إلا اصطناعك وهل يقدر الملهوف إلا غياثك وهل للطلاب غاية سواك وهل للغواني مثل غيرك وهل للماتح رجز إلا فيك وهل يحدو الحادي إلا بك ولولا أن يأخذ الواصف لك بنصيبه منك وبحصته من الصدق وبسهمه من الشكر لك لكان الإطناب عندهم في وصفك لغواً ولكان تكلفه فضلاً‏.‏

    ومن هذا الذي يضعه أن يكون دونك أو يهجى بالتسليم ولم نعد إقراره إحساناً وخضوعه إنصافاً وهل تقع الأبصار إلا عليك وهل تصرف الإشارة إلا إليك وأي أمرك ليس بغاية وأي شيء منك ليس في النهاية وهل فيك شيء يفوق شيئاً أو يفوقه شيء أو يقال‏:‏ لو لم يكن كذا لكان أحسن أو لو كان كذا لكان أتم وأين الحسن الخالص والجمال الفائق والملح المحض والحلاوة التي لا تستحيل والتمام الذي لا يحيل إلا فيك أو عندك أو لك أو معك لا بل أين الحسن المصمت والجمال المفرد والقد العجيب والملح المنثور والفضل المشهور إلا لك وفيك وهل على ظهرها جميل حسيب أو عالم أديب إلا وظلك أكبر من شخصه وظنك أكثر من علمه واسمك أفضل من معناه وحلمك أثبت من نجواه ولربما رأيت الرجل حسناً جميلاً وحلواً مليحاً وعتيقاً رشيقاً وفخماً نبيلاً ثم لا يكون وقد تكون أيضاً الأقدار متساوية غير متقاربة ولا متفاوتة ويكون قصداً ومقداراً عدلاً وإن كانت هناك دقائق خفية لا يراها الغبي ولطائف غامضة لا يعرفها إلا الذكي‏.‏

    فأما الوزن المتحقق والتعديل الصحيح والتركيب الذي لا يفضحه التفرس ولا يحصره التعنت ولا يتعلل جادبه ولا يطمع في التمويه ناعته فهو الذي خصصت به دون الأنام ودام لك على الأيام‏.‏

    وكذا الحسن إذا كان حراً مرسلاً وعتيقاً مطلقاً لا يتحكم عليه الدهر ولا يذبله الزمان ولا يحتاج إلى تعليق التمائم ولا إلى الصون والكن ولا إلى المنقاش والكحل‏.‏

    ولو لم يكن لحسن وجهك إلا أنه قد سهل في العيون تسهيلاً وحبب إلى القلوب تحبيباً وقرب إلى النفوس تقريباً حتى امتزج بالأرواح وخالط الدماء وجرى في العروق وتمشى في العظم بحيث لا يبلغه السمر ولا الوهم ولا السرور الشديد ولا الشراب الرقيق لكان في ذلك المزية الظاهرة والفضيلة البينة‏.‏

    ولو لم يكن لك إلا أننا لا نستطيع أن نقول في الجملة وعند الوصف والمدحة‏:‏ لهو أحسن من القمر وأضوأ من الشمس وأبهى من الغيث وأحسن من يوم الحلية وأنا لا نستطيع أن نقول في التفاريق‏:‏ كأن عنقه إبريق فضة وكأن قدمه لسان حية وكأن وجهه ماوية وكأن بطنه قبطية وكأن ساقه بردية وكأن لسانه ورقة وكأن أنفه حد سيف وكأن حاجبه خط بقلم وكأن لونه الذهب وكأن عوارضه البرد وكأن فاه خاتم وكأن جبينه هلال‏.‏

    ولهو أطهر من الماء وأرق طباعاً من الهواء ولهو أمضى من السيل وأهدى من النجم لكان في ذلك البرهان النير والدليل البين‏.‏

    وكيف لا تكون كذلك وأنت الغاية في كل فضل والمثل في كل شكل‏.‏

    وأما قول الشاعر‏:‏ يزيدك وجهه حسناً إذا ما زدته نظرا وقول الدمشقيين‏:‏ ما تأملنا قط تأليف مسجدنا وتركيب محرابنا وقبة مصلانا إلا أثار لنا التأمل واستخرج لنا التفرس غرائب حسن لم نعرفها وعجائب صنعة لم نقف عليها‏.‏

    وما ندري أجواهر مقطعاته أكرم في الجواهر أم تنضيد أجزائه في تنضيد الأجزاء فإن ذلك معنىً مسروق مني في وصفك ومأخوذ من كتبي في مدحك‏.‏

    والجملة التي تنفي الجدال وتقطع القيل والقال أني لم أرك قط إلا ذكرت الجنة ولا رأيت أجمل الناس في عقب رؤيتك‏!‏ إلا ذكرت النار‏!‏ ولا تعجب أيها السامع واعلم أني مقصر‏.‏

    وإذا رأيته علمت أني مقصر‏.‏

    وإذا رأيته علمت أني فيما يجب له مفرط‏.‏

    هو رجل طينته حرة وعرقه كريم ومغرسه طيب ومنشأه محمود غذي في النعمة وعاش في الغبطة وأرهقه التأديب ولطفه طول التفكير وخامره الأدب وجرى فيه ماء الحياء‏.‏

    فأفعاله كأخلاقه وأخلاقه كأعراقه وعادته كطبيعته وآخره كأوله تحكي اختياراته التوفيق ومذاهبه التسديد‏.‏

    لا يعرف التكلف ويرغب عن التجوز وينبل عن ترك الإنصاف‏.‏

    لا تمتنع عليه معرفة المبهم ولا يلحج باستبانة المشكل ولا يعرف الشك إلا في غيره ولا العي إلا سماعاً‏.‏

    فمن يطمع في عيبك بل من يطمع في قدرك‏.‏

    وكيف وقد أصبحت وما على ظهرها خود إلا تعثر باسمك ولا قينة إلا وهي تغنى بمدحك ولا فتاة إلا تشكو تباريح حبك ولا محجوبة إلا وهي تنقب الخروق لممرك ولا عجوز إلا وهي تدعو لك ولا غيور إلا وقد شقي بك‏.‏

    فكم من كبد حرى منضجة ومصدوعة مفرثة وكم حشاً خافق وقلب هائم وكم عين ساهرة وأخرى جامدة وأخرى باكية وكم عبرى مولهة وفتاة معذبة قد أقرح قلبها الحزن وأجمد عينها الكمد واستبدلت بالحلي العطلة وبالأنس الوحشة وبالتكحيل المره فأصبحت والهة مبهوتة وهائمة مجهودة بعد ظرف ناصع وسن ضاحك وبعد أن كانت ناراً تتوقد وشعلة تتوهج‏.‏

    وليس حسنك - أبقاك الله - الحسن الذي تبقى معه توبة أو تصح معه عقيدة أو يدوم معه عهد أو يثبت معه عزم أو يمهل صاحبه للتثبت أو يتسع للتحير أو ينهنهه زجر أو يفيده خوف‏.‏

    هو - أبقاك الله - شيء ينقض العادة ويفسخ المنة ويعجل عن الروية ويطوح بالعزاء وينسى معه العواقب‏.‏

    ولو أدركك عمر بن الخطاب لصنع بك أعظم مما صنع بنصر ابن الحجاج ولركبك بأعظم مما ركب جعدة السلمى‏.‏

    بل لدعاه الشغل بك إلى ترك التشاغل بهما والغيظ عليك إلى الرحمة لهما‏.‏

    فمن كان عيب حسنه الإفراط والطعن عليه من جهة الزيادة كيف يرومه عاقل أو ينتقصه عالم‏.‏

    وما ندري في أي الحالين أنت أجمل وفي أي المنزلتين أنت أكمل إذا فرقناك أو إذا جمعناك وإذا ذكرنا كلك أم إذا تأملنا بعضك فأما كفك فهي التي لم تخلق إلا للتقبيل والتوقيع وهي التي يحسن بحسنها كل ما اتصل بها ويختال بها كل ما صار فيها‏.‏

    وكما أصبحنا وما ندري‏:‏ آلكأس التي في يدك أجمل أم القلم أم الرمح الذي تحمله أم المخصرة أم العنان الذي تمسكه أم السوط الذي تعلقه وكما أصبحنا وما ندري أي الأمور المتصلة برأسك أحسن أم أيها أجمل وأشكل‏:‏ آللمة أم مخط اللحية أم الإكليل أم العصابة أم العمامة أم القناع أم القلنسوة وأما قدمك فهي التي يعلم الجاهل كما يعلم العالم ويعلم البعيد الأقصى كما يعلم القريب الأدنى أنها لم تخلق إلا لمنبر عظيم أو ركاب طرف كريم‏.‏
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16791
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39117
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    هجاء نثري ساخر00من رسالة (التربيع و التدوير)للجاحظ يهجو أحمد بن عبدالوهاب0 Empty رد: هجاء نثري ساخر00من رسالة (التربيع و التدوير)للجاحظ يهجو أحمد بن عبدالوهاب0

    مُساهمة من طرف أحمد الجمعة سبتمبر 19, 2008 6:53 am

    وأما فوك فهو الذي لا ندري‏:‏ أي الذي تتفوه به أحسن وأي الذي يبدو منه أجمل‏:‏ الحديث أم الشعر أم الاحتجاج أم الأمر والنهي أم التعليم والوصف وعلى أننا لا ندري أي ألسنتك أبلغ وأي بيانك أشفى‏.‏

    أقلمك أبلغ أم خطك أم لفظك أم إشارتك أم عقدك وأنت في ذلك فوقهم - والحمد لله - وواحدهم وأعيذك بالله تعالى‏.‏

    وقد علمنا أن القمر وهو الذي يضرب به الأمثال ويشبه به أهل الجمال يبدو مع ذلك ضئيلاً ونضواً ويظهر معوجاً شختاً وأنت أبداً قمر بدر وفخم غمر‏.‏

    ثم مع ذلك يخرق في السرار ويتشاءم به في المحاق ويكون نحساً كما يكون سعداً ويكون ضراً كما يكون نفعاً ويقرض الكتان ويشحب الألوان ويخم فيه اللحم‏.‏

    وأنت دائم اليمن ظاهر السعادة ثابت الكمال شائع النفع تكسو من أعراه وتكن من أشحبه‏.‏

    وعلى أنه محق حسنه المحاق وشانه الكلف وليس بذي توقد واشتعال ولا خالص ولا وكثيراً ما يعتريه الصفار من بخار البحار‏.‏

    وأنت ظاهر التمام دائم الكمال سليم الجوهر كريم العنصر ناري التوقد هوائي الذهن بري اللون روحاني البدن‏.‏

    وإن احتجوا عليك له بالجزر والمد احتججت عليهم بالحلم والعلم وبأن طاعتك اختيار وطاعته طباع واضطرار وبأن له سيرة قد قصر عليها ومنازل لا يجاوزها ولا يمكنه البدوات وليس في قواه فضل للتصرف‏.‏

    على أن ضياءه مستعار من الشمس وضياؤك عارية عند جميع الخلق‏.‏

    وكم بين المعير والمستعير والمتبين والمتحير وبين العالم وما لا خير فيه‏.‏

    تعير نسيم الهواء طيباً وتراب الأرض عبقاً‏.‏

    إن تفتيت فالرشاقة والملح وإن تنسكت فالرهبانية والإخلاص وإن ترزنت فثهلان ذو الهضبات ما يتحلحل‏.‏

    وطباعك - جعلت فداءك - طباع الخمر إلا أنك حلال كلك‏.‏

    وجوهرك جوهر الذهب إلا أنك روح كما أنت‏.‏

    وقد حويت خصال الياقوت إلا ما زادك الله وأخذت خصال المشتري إلا ما فضلك الله به وجمعت خلال الدر إلا ما خصصت به دونه‏.‏

    فلك من كل شيء صفوته وشرفه ولبابه وبهاؤه‏.‏

    وهل يضير القمر نباح الكلب وهل يزعزع النخلة سقوط البعوضة‏!‏ وقد ذهب الناس في المزاح في مذاهب متضادة وسلكوا منه في طرق مختلفة فزعم بعضهم أن جميع المزاح خير من جميع الجد وزعم آخرون أن الخير والشر عليهما مقسومان وأن الحمد والذم بينهما نصفان‏.‏

    وسنأتي على جمل هذه الأقاويل ثم نذكر جملة ما نقول إن شاء الله‏.‏

    فأما المحامي عن الهزل والمفضل للمزح فإنه قال‏:‏ أول ما أذكر من خصال الهزل ومن فضائل المزح أنه دليل على حسن الحال وفراغ البال وأن الجد لا يكون إلا من فضل الحاجة والمزح لا يكون إلا من فضل الغنى وأن الجد نصب والمزح جمام والجد مبغضة والمزح محبة‏.‏

    وصاحب الجد في بلاء ما كان فيه وصاحب المزح في رخاء إلى أن يخرج منه‏.‏

    والجد مؤلم وربما عرضك لأشد منه والمزح ملذ وربما عرضك لألذ منه‏.‏

    فقد شاركه في التعريض للخير والشر وباينه بتعجيل الخير دون الشر‏.‏

    وإنما تشاغل الناس ليفرغوا وجدوا ليهزلوا كما تذللوا ليعزوا وكدوا ليستريحوا وإن كان المزاح إنما صار معيباً والهزل مذموماً لأن صاحبه لا يكون إلا معرضاً لمجاوزة الحد ومخاطراً بمودة الصديق‏.‏

    فالجد داعية إلى الإفراط كما أن المزاح داعية إلى مجاوزة القدر والتجاوز للجد قاطع بين الفريقين في جميع النوعين‏.‏

    فقد ساواه المزح فيما هو له وباينه فيما ليس له‏.‏

    وإن كان المزح إنما صار قبيحاً لأن الذي يكون بعده جد ولم يصر الجد قبيحاً لأن الذي يكون بعده مزح وكان الجد في هذا الوزن أقبح وكان المزح على هذا التقدير أحسن لأن ما جعل الشيء قبيحاً أقبح من الشيء كما أن ما جعل الشيء حسناً أحسن من الشيء‏.‏

    فأما الذي عدل بينهما فإنه زعم أن المزاح في موضعه كالجد في موضعه كما أن المنع في حقه كالبذل في حقه‏.‏

    قال‏:‏ ولكل شيء موضع وليس شيء يصلح في كل موضع‏.‏

    وقد قسم الله تعالى الخيرة على المعدلة وأجرى جميع الأمور إلى غاية المصلحة وقسط أجزاء المثوبة على العزيمة والرخصة وعلى الإعلان والتقية وأمر بالمداراة كما أمر بالمباداة وجوز المعاريض كما أمر بالإفصاح وسوغ المباح كما شدد أمر المفروض وجعل المباح جماماً للقلوب وراحة للأبدان وعوناً على معاودة الأعمال فصار الإطلاق كالحظر والصبر كالشكر‏.‏

    فليس للإنسان من الخيرة في الذكر شيء إلا وله في النسيان مثله ولا في الفطنة شيء إلا وله في ولو لم يرزق الله تعالى العباد إلا بالصواب محضاً وبالصدق بحتاً وبمر الحق صفحاً لهلكت العوام ولانتقض أمر الخاص‏.‏

    ولو ذكر الإنسان كل ما أنسيه لشقي ولو جد في كل شيء لانتكث‏.‏

    وقد يكون الذكر إلى الهلكة سلماً كما يكون النسيان للسلامة سبباً‏.‏

    وسبيل المزاح والجد كسبيل المنع والبذل‏.‏

    وعلى ذلك يجري جميع القبض والبسط‏.‏

    فهذا وما قبله جمل أقاويل القوم‏.‏

    ونحن نعوذ بالله أن نجعل المزاح في الجملة كالجد في الجملة بل نزعم أن بعض المزح خير من بعض الجد وعامة الجد خير من عامة الهزل‏.‏

    والحق أن ينضح عن بعض المزح ويحتج لجمهور الجد‏.‏

    وكيف لنا بذم جميع المزح مع ما نحن ذاكرون‏.‏

    وقد مزح رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

    ولا يقال‏:‏ كان فيه مزاح ولا يقال مزاح‏.‏

    وكذا الأئمة ومن تبذل في بعض الحالات من أهل الحلم والوقار‏.‏

    وقال عمر رضوان الله تعالى عليه‏:‏ ‏"‏ إنا إذا خلونا كنا كأحدكم ‏"‏‏.‏

    وقد كان عمر عبوساً قطوباً‏.‏

    وكان زياد مع كلوحه وقطوبه يمازح أهله في الخلا كما يجد في الملا‏.‏

    وكان الحجاج مع عتوه وطغيانه وتمرده وشدة سلطانه يمازح أزواجه ويرقص صبيانه‏.‏

    وقال له قائل‏:‏ أيمازح الأمير أهله قال‏:‏ ‏"‏ والله إن تروني إلا شيطاناً والله لربما رأيتني وإني لأقبل رجل إحداهن‏!‏ ‏"‏‏.‏

    فقد ذكرنا خير العالمين وجلة من خيار المسلمين وجباراً عنيداً وكافراً لعيناً‏.‏

    وبعد فمن حرم المزاح وهو شعبة من شعب السهولة وفرع من فروع الطلاقة‏.‏

    وقد أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحنيفية السمحة ولم يأتنا بالانقباض والقسوة وأمرنا بإفشاء السلام والبشر عند الملاقاة وأمرنا بالتوادد والتصافح والتهادي‏.
    فاطمة الزهراء
    فاطمة الزهراء
    ركن أساسي ساهم في رفعة المنتدى
    ركن أساسي ساهم في رفعة المنتدى


    عدد الرسائل : 301
    العمر : 34
    الموقع : فلسطينية بفضل الله
    العمل/الترفيه : طالبة جامعية_تربية إسلامية(د.جامعية في المستقبل إن شاء الله)
    المزاج : متفائلة..وأحب الخير لجميع الناس
    نقاط : 9
    تاريخ التسجيل : 18/09/2008

    هجاء نثري ساخر00من رسالة (التربيع و التدوير)للجاحظ يهجو أحمد بن عبدالوهاب0 Empty رد: هجاء نثري ساخر00من رسالة (التربيع و التدوير)للجاحظ يهجو أحمد بن عبدالوهاب0

    مُساهمة من طرف فاطمة الزهراء الجمعة سبتمبر 19, 2008 11:02 pm

    جزاك الله خيرا أخي على هذا الجهد المشكور..وجعله في ميزان حسانك..وحقق الله لك غايتك في خدمة الإسلام والمسلمين يااارب..بارك الله فيك
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16791
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39117
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    هجاء نثري ساخر00من رسالة (التربيع و التدوير)للجاحظ يهجو أحمد بن عبدالوهاب0 Empty رد: هجاء نثري ساخر00من رسالة (التربيع و التدوير)للجاحظ يهجو أحمد بن عبدالوهاب0

    مُساهمة من طرف أحمد الجمعة سبتمبر 19, 2008 11:11 pm

    جزاك الله خيرا اختى 00


    نورت موضوعي المتواضع بمرورك الطيب 0

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت أبريل 27, 2024 12:56 pm