ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


2 مشترك

    قصيدة (بانت سعاد) أو (البردة) للشاعر كعب بن زهير

    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    قصيدة (بانت سعاد) أو (البردة) للشاعر كعب بن زهير Empty قصيدة (بانت سعاد) أو (البردة) للشاعر كعب بن زهير

    مُساهمة من طرف أحمد الجمعة سبتمبر 19, 2008 6:19 am

    بانَتْ سُعادُ فَقَلْبي اليَوْمَ مَتْبـولُ * مُتَيَّـمٌ إثْرَهـا لـم يُفَـدْ مَكْبـولُ


    وَمَا سُعَادُ غَداةَ البَيْن إِذْ رَحَلوا * إِلاّ أَغَنُّ غضيضُ الطَّرْفِ مَكْحُـولُ


    هَيْفاءُ مُقْبِلَةً عَجْزاءُ مُدْبِـرَةً * لا يُشْتَكـى قِصَـرٌ مِنهـا ولا طُـولُ


    تَجْلُو عَوارِضَ ذي ظَلْمٍ إذا ابْتَسَمَتْ * كأنَّهُ مُنْهَـلٌ بالـرَّاحِ مَعْلُـولُ


    شُجَّتْ بِذي شَبَمٍ مِنْ ماءِ مَعْنِيةٍ * صافٍ بأَبْطَحَ أضْحَى وهْوَ مَشْمـولُ


    تَنْفِي الرِّياحُ القَذَى عَنْهُ وأفْرَطُهُ * مِنْ صَوْبِ سارِيَةٍ بِيـضٌ يَعالِيـلُ


    أكْرِمْ بِها خُلَّةً لوْ أنَّها صَدَقَتْ * مَوْعودَها أَو ْلَوَ أَنَِّ النُّصْـحَ مَقْبـولُ


    لكِنَّها خُلَّةٌ قَدْ سِيطَ مِـنْ دَمِهـا * فَجْـعٌ ووَلَـعٌ وإِخْـلافٌ وتَبْديـلُ


    فما تَدومُ عَلَى حالٍ تكونُ بِها * كَمـا تَلَـوَّنُ فـي أثْوابِهـا الغُـولُ


    ولا تَمَسَّكُ بالعَهْدِ الذي زَعَمْتْ * إلاَّ كَمـا يُمْسِـكُ المـاءَ الغَرابِيـلُ


    فلا يَغُرَّنْكَ ما مَنَّتْ وما وَعَـدَتْ * إنَّ الأمانِـيَّ والأحْـلامَ تَضْليـلُ


    كانَتْ مَواعيدُ عُرْقوبٍ لَهـا مَثَـلا * ومـا مَواعِيدُهـا إلاَّ الأباطيـلُ


    أرْجو وآمُلُ أنْ تَدْنو مَوَدَّتُهـا * ومـا إِخـالُ لَدَيْنـا مِنْـكِ تَنْويـلُ


    أمْسَتْ سُعادُ بِأرْضٍ لا يُبَلِّغُهـا * إلاَّ العِتـاقُ النَّجيبـاتُ المَراسِيـلُ


    ولَـنْ يُبَلِّغَهـا إلاَّ غُذافِـرَةٌ * لهـا عَلَـى الأيْـنِ إرْقـالٌ وتَبْغيـلُ


    مِنْ كُلِّ نَضَّاخَةِ الذِّفْرَى إذا عَرِقَتْ * عُرْضَتُها طامِسُ الأعْلامِ مَجْهولُ


    تَرْمِي الغُيوبَ بِعَيْنَيْ مُفْـرَدٍ لَهِـقٍ * إذا تَوَقَّـدَتِ الحَـزَّازُ والمِيـلُ


    ضَخْمٌ مُقَلَّدُها فَعْمٌ مُقَيَّدُها * في خَلْقِها عَـنْ بَنـاتِ الفَحْـلِ تَفْضيـلُ


    غَلْباءُ وَجْناءُ عَلْكـومٌ مُذَكَّـرْةٌ * فـي دَفْهـا سَعَـةٌ قُدَّامَهـا مِيـلُ


    وجِلْدُها مِنْ أُطومٍ لا يُؤَيِّسُـهُ * طَلْـحٌ بضاحِيَـةِ المَتْنَيْـنِ مَهْـزولُ


    حَرْفٌ أخوها أبوها مِن مُهَجَّنَـةٍ * وعَمُّهـا خالُهـا قَـوْداءُ شْمِليـلُ


    يَمْشي القُرادُ عَليْها ثُـمَّ يُزْلِقُـهُ * مِنْهـا لِبـانٌ وأقْـرابٌ زَهالِيـلُ


    عَيْرانَةٌ قُذِفَتْ بالنَّحْضِ عَنْ عُرُضٍ * مِرْفَقُها عَنْ بَناتِ الزُّورِ مَفْتولُ


    كأنَّما فاتَ عَيْنَيْها ومَذْبَحَها * مِنْ خَطْمِهـا ومِـن الَّلحْيَيْـنِ بِرْطيـلُ


    تَمُرُّ مِثْلَ عَسيبِ النَّخْلِ ذا خُصَلٍ * في غارِزٍ لَـمْ تُخَوِّنْـهُ الأحاليـلُ


    قَنْواءُ في حَرَّتَيْها لِلْبَصيرِ بِها * عَتَقٌ مُبينٌ وفـي الخَدَّيْـنِ تَسْهيـلُ


    تُخْدِي عَلَى يَسَراتٍ وهي لاحِقَةٌ * ذَوابِـلٌ مَسُّهُـنَّ الأرضَ تَحْليـلُ


    سُمْرُ العَجاياتِ يَتْرُكْنَ الحَصَى زِيماً * لم يَقِهِنَّ رُؤوسَ الأُكْمِ تَنْعيـلُ


    كأنَّ أَوْبَ ذِراعَيْهـا إذا عَرِقَـتْ * وقـد تَلَفَّـعَ بالكـورِ العَساقيـلُ


    يَوْماً يَظَلُّ به الحِرْباءُ مُصْطَخِداً * كأنَّ ضاحِيَـهُ بالشَّمْـسِ مَمْلـولُ


    وقالَ لِلْقوْمِ حادِيهِمْ وقدْ جَعَلَتْ * وُرْقَ الجَنادِبِ يَرْكُضْنَ الحَصَى قِيلُوا


    شَدَّ النَّهارِ ذِراعا عَيْطَلٍ نَصِـفٍ * قامَـتْ فَجاوَبَهـا نُكْـدٌ مَثاكِيـلُ


    نَوَّاحَةٌ رِخْوَةُ الضَّبْعَيْنِ لَيْسَ لَها * لَمَّا نَعَى بِكْرَها النَّاعـونَ مَعْقـولُ


    تَفْرِي الُّلبانَ بِكَفَّيْهـا ومَدْرَعُهـا * مُشَقَّـقٌ عَـنْ تَراقيهـا رَعابيـلُ


    تَسْعَى الوُشاةُ جَنابَيْها وقَوْلُهُمُ * إنَّك يا ابْـنَ أبـي سُلْمَـى لَمَقْتـولُ


    وقالَ كُلُّ خَليـلٍ كُنْـتُ آمُلُـهُ * لا أُلْهِيَنَّـكَ إنِّـي عَنْـكَ مَشْغـولُ


    فَقُلْتُ خَلُّوا سَبيلِي لاَ أبالَكُـمُ * فَكُـلُّ مـا قَـدَّرَ الرَّحْمـنُ مَفْعـولُ


    كُلُّ ابْنِ أُنْثَى وإنْ طالَتْ سَلامَتُهُ * يَوْماً على آلَـةٍ حَدْبـاءَ مَحْمـولُ


    أُنْبِئْتُ أنَّ رَسُولَ اللهِ أَوْعَدَني * والعَفْـوُ عَنْـدَ رَسُـولِ اللهِ مَأْمُـولُ


    وقَدْ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ مُعْتَـذِراً * والعُـذْرُ عِنْـدَ رَسُـولِ اللهِ مَقْبـولُ


    مَهْلاً هَداكَ الذي أَعْطاكَ نافِلَةَ * الْقُـرْآنِ فيهـا مَواعيـظٌ وتَفُصيـلُ


    لا تَأْخُذَنِّي بِأَقْوالِ الوُشاةِ ولَمْ * أُذْنِبْ وقَـدْ كَثُـرَتْ فِـيَّ الأقاويـلُ


    لَقَدْ أقْومُ مَقاماً لو يَقومُ بِـه * أرَى وأَسْمَـعُ مـا لـم يَسْمَـعِ الفيـلُ


    لَظَلَّ يِرْعُدُ إلاَّ أنْ يكـونَ لَـهُ مِـنَ * الَّرسُـولِ بِـإِذْنِ اللهِ تَنْويـلُ


    حَتَّى وَضَعْتُ يَميني لا أُنازِعُهُ * في كَفِّ ذِي نَغَمـاتٍ قِيلُـهُ القِيـلُ


    لَذاكَ أَهْيَـبُ عِنْـدي إذْ أُكَلِّمُـهُ * وقيـلَ إنَّـكَ مَنْسـوبٌ ومَسْئُـولُ


    مِنْ خادِرٍ مِنْ لُيوثِ الأُسْدِ مَسْكَنُهُ * مِنْ بَطْنِ عَثَّرَ غِيلٌ دونَـهُ غيـلُ


    يَغْدو فَيُلْحِمُ ضِرْغامَيْنِ عَيْشُهُما * لَحْمٌ مَنَ القَـوْمِ مَعْفـورٌ خَراديـلُ


    إِذا يُساوِرُ قِرْناً لا يَحِلُّ لَـهُ * أنْ يَتْـرُكَ القِـرْنَ إلاَّ وهَـوَ مَغْلُـولُ


    مِنْهُ تَظَلُّ سَباعُ الجَـوِّ ضامِـزَةً * ولا تَمَشَّـى بَوادِيـهِ الأراجِيـلُ


    ولا يَزالُ بِواديهِ أخُـو ثِقَـةٍ * مُطَـرَّحَ البَـزِّ والدَّرْسـانِ مَأْكـولُ


    إنَّ الرَّسُولَ لَسَيْفٌ يُسْتَضاءُ بِهِ * مُهَنَّـدٌ مِـنْ سُيـوفِ اللهِ مَسْلُـولُ


    في فِتْيَةٍ مِنْ قُريْشٍ قالَ قائِلُهُمْ * بِبَطْـنِ مَكَّـةَ لَمَّـا أسْلَمُـوا زُولُـوا


    زالُوا فمَا زالَ أَنْكاسٌ ولا كُشُفٌ * عِنْـدَ الِّلقـاءِ ولا مِيـلٌ مَعازيـلُ


    شُمُّ العَرانِينِ أبْطالٌ لُبوسُهُمْ * مِنْ نَسْجِ دَاوُدَ فـي الهَيْجَـا سَرابيـلُ


    بِيضٌ سَوَابِغُ قد شُكَّتْ لَهَا حَلَـقٌ * كأنَّهـا حَلَـقُ القَفْعـاءِ مَجْـدولُ


    يَمْشونَ مَشْيَ الجِمالِ الزُّهْرِ يَعْصِمُهُمْ * ضَرْبٌ إذا عَرَّدَ السُّودُ التَّنابِيلُ


    لا يَفْرَحونَ إذا نَالتْ رِماحُهُمُ * قَوْمـاً ولَيْسـوا مَجازِيعـاً إذا نِيلُـوا


    لا يَقَعُ الطَّعْنُ إلاَّ في نُحورِهِمُ * وما لَهُمْ عَنْ حِياضِ المـوتِ تَهْليـلُ


    عدل سابقا من قبل أحمد في الجمعة نوفمبر 14, 2014 4:27 am عدل 2 مرات
    تاج العروبة (الفوهرر)
    تاج العروبة (الفوهرر)
    فيلسوف ثمار الأوراق
    فيلسوف ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 598
    العمر : 40
    الموقع : العراق
    العمل/الترفيه : خريج كليه الاداب - قسم الفلسفة
    المزاج : الارادة مفتاح النصر
    نقاط : 104
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    قصيدة (بانت سعاد) أو (البردة) للشاعر كعب بن زهير Empty قصيدة كعب بن زهير (بانت سعاد) - شعر صدر الاسلام

    مُساهمة من طرف تاج العروبة (الفوهرر) الإثنين أكتوبر 06, 2008 9:16 pm

    قصيدة كعب بن زهير (بانت سعاد):



    1- بانت سعادُ فقلبي اليـوم مـتْبُولُ _______ مُتَيِّم إثْرَهَا لَـم يُفْـدَ مَكْبـولُ
    2- وما سعادُ غداةَ البَيـْنِ إذْ رَحَلـُوا _______ إلاَّ أَغنُّ غَضِيْضُ الطّرْفِ مَكْحُولُ
    3- أنْبئتُ أنَّ رسـول الـله أوعَدَنِـي _______ والعَفْوُ عند رسول الـله مَأمـُولُ
    4- مهلاً هداكَ الذي أعطَاكَ نَافِلَةَ الـ ـــــــــــــــــ ـقًرْآنِ فيهَا مواعـيظٌ وتَفـْصِيلُ
    5- لا تَأخُذَنِّي بأقْوالِ الوُشـَاةِ وَلَـمْ ــــــــــــــــ أذْنِبْ وإنْ كَـُرَتْ فيَّ الأقـَاوِيلُ
    6- إنَ الرسُولَ لَنورٌ يُسـْتَضَـاء بِـهِ ــــــــــــــــ مُهَندٌ من سُيُوفِ الـله مَسْلُـولُ
    7- في عُصْبَةٍ من قُرَيْش قَالَ قَائـِلُهُمْ ــــــــــــــــ ببَطْنِ مَكةَ لَمّا أسْلَمـُوا زُولـوا
    8- زالُوا فَمَازالَ أنْكَاسٌ ولاَ كُـشُفٌ ــــــــــــــــ عند اللِّقَاء ولا مِـيْلٌ مَعَازيـلُ
    9- شُمُّ العَرَانِيْنِ أبْـطَالٌ لَبُوسُهُـمُ ــــــــــــــــ من نَسْجِ داودَ في الهيجَا سَرَابِيْل
    10- بِيْضْ سَوَابِغُ قد شُكّتْ لَهَا حَلَقٌ ــــــــــــــــ كَأنًهَا حَلَقُ القَفْعـَاء مَجـْدُولُ
    11- لا يَفْرَحُون إذَا نَالَتْ رِمَاحُهـُمُ ــــــــــــــــ قَوْمًا ولَيْسُوا مَجَازِيْعاً إذَا نِيْلـُوا
    12- لا يَقَعُ الطّعْنُ إلا في نُحورِهـُمُ ــــــــــــــــ ومالَهُمْ عن حِيَاضِ المْوتِ تَهْلِيْلُ


    تعريف بالشاعر: كعب بن زهير هو ابن زهير بن أبي سلمى الشاعر المشهور في الجاهلية، وكعب من قبيلة مزينة إحدى قبائل مضر وقد مدح بهذه القصيدة النبي صلى الله عليه وسلم، أما وفاة كعب فهي في سنة 26 هـ.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    قصيدة (بانت سعاد) أو (البردة) للشاعر كعب بن زهير Empty رد: قصيدة (بانت سعاد) أو (البردة) للشاعر كعب بن زهير

    مُساهمة من طرف أحمد الأربعاء أكتوبر 15, 2008 4:02 pm

    جزاك الله خيرا أخي حسين

    قصيدة رااااااااااائعة جدا (لكن القصيدة كبيرة جدا ..مش 12 بيت بس)

    من توفيق الله أنني درستها العام قبل الماضي

    و هي قصيدة البردة ( لأنه يروى أن النبي صلى الله عليه و سلم خلع بردته و ألبسها كعبا بعد إلقائه إياها عليه)..

    أجمل شروحها القديمة هو شرح ابن هشان الأنصاري(النحوي المشهور) في كتابه (شرح قصيدة بانت سعاد).

    إن شاء الله تعالى قريبا أنقل لكم قصة القصيدة + القصيدة كاملة + شرح مبسط لها + بعض النقد الموجه للقصيدة!

    و جزاك الله خيرا أخي حسين الفوهرر(تاج العروبة)

    و ربنا يجعلها في ميزان حسناتك ..

    تقبل تحياتي
    .
    تاج العروبة (الفوهرر)
    تاج العروبة (الفوهرر)
    فيلسوف ثمار الأوراق
    فيلسوف ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 598
    العمر : 40
    الموقع : العراق
    العمل/الترفيه : خريج كليه الاداب - قسم الفلسفة
    المزاج : الارادة مفتاح النصر
    نقاط : 104
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    قصيدة (بانت سعاد) أو (البردة) للشاعر كعب بن زهير Empty رد على الاخ احمد

    مُساهمة من طرف تاج العروبة (الفوهرر) الثلاثاء أكتوبر 21, 2008 6:18 am

    بارك الله فيك يا اخ احمد على ردك ومرورك على الموضوع جزاك الله خير الجزاء.................. تاج العروبة (الفوهرر)
    تاج العروبة (الفوهرر)
    تاج العروبة (الفوهرر)
    فيلسوف ثمار الأوراق
    فيلسوف ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 598
    العمر : 40
    الموقع : العراق
    العمل/الترفيه : خريج كليه الاداب - قسم الفلسفة
    المزاج : الارادة مفتاح النصر
    نقاط : 104
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    قصيدة (بانت سعاد) أو (البردة) للشاعر كعب بن زهير Empty رد على القصيدة الرائعة (بانت سعاد)أو (البردة)للشاعر كعب بن زهير

    مُساهمة من طرف تاج العروبة (الفوهرر) الإثنين نوفمبر 24, 2008 4:54 pm



    https://www.youtube.com/watch?v=l2tngysihSc
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    قصيدة (بانت سعاد) أو (البردة) للشاعر كعب بن زهير Empty رد: قصيدة (بانت سعاد) أو (البردة) للشاعر كعب بن زهير

    مُساهمة من طرف أحمد الإثنين يوليو 20, 2009 10:50 pm

    شرفني مروركم العطر أخي الحبيب أ / حسين "تاج العروبة"

    لا حرمت مروركم العطر

    أخوك أحمد

    :798/7487: :798/7487: :798/7487:
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    قصيدة (بانت سعاد) أو (البردة) للشاعر كعب بن زهير Empty رد: قصيدة (بانت سعاد) أو (البردة) للشاعر كعب بن زهير

    مُساهمة من طرف أحمد الأحد سبتمبر 05, 2010 6:46 am

    http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=101852
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    قصيدة (بانت سعاد) أو (البردة) للشاعر كعب بن زهير Empty رد: قصيدة (بانت سعاد) أو (البردة) للشاعر كعب بن زهير

    مُساهمة من طرف أحمد الجمعة نوفمبر 14, 2014 4:27 am

    تحليل قصيدة كعب بن زهير في مدح الرسول(ص) والاعتذار إليه
    ( بانت سعاد)

    * صاحب النص :
    صاحب النص هو كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني .عاش في الجاهلية و أدرك الإسلام ،و لذا فهو شاعر مخضرم . تتلمذ في الشعر على يد والده و حين رآه زهير يقول الشعر مبكرا ، منعه خشية أن يأتي منه بما لا خير فيه فيكون سبّة له و لأسرته التي كان لها في الشعر قدم راسخة و صيت بعيد . غير أن كعبا استمر ، فامتحنه والده امتحانا شديدا ن تأكد بعده من نبوغه و مقدرته الشعرية ، فسمح له بالانطلاق فيه فكان من المبرزين حتى أن الحطينة و هو من في ميزان الشعر ،رجاه أن يذكره في شعره . ملت في حدود سنة 662م.

    * المناسبة :
    كان كعب في اكتمال شبابه عندما ضخم أمر النبي و أخذ الناس يتحدثون بالإسلام . فأرسل أخاه بجيرا عام 628مإلى الرسول يستطلع الدين الجديد ،و ما أن اتصل بجير بمحمد حتى آمن به و بقي في المدينة ، فغضب كعب أشد الغضب ،و نظم أبياتا من الشعر يوبخ فيها بجيرا على ترك دين الآباء و يعرّض بالرسول فيقول :
    ألا أبلغا عني بجيرا رسالـــة فهل لك في ما قلت، ويحك، هل لكا
    سقاك بها المأمون كأسا رويــة فأنهلك المأمون منها وعـــلـكا
    ففارقت أسباب الهدى واتبعتــه على أي شيء ويب غيرك، دلكــا
    على مذهب لم تلف أما و لا أبـا عليه لم تعرف عليه أخا لكــــا
    فإن أنت لم تفعل فلست بأسـف ولا قائل إمّا عثرت : لّعا لكـــا

    و أرسل كعب بالأبيات إلى أخيه ، فاطلع عليها النبي و أهدر دمه ، فأرسل إليه أخوه بجير بما كان من الأمر ، و حثه على الإسراع في القدوم إلى النبي مسلما معتذرا ،و لكن كعب رفض ذلك و أراد الاحتماء بقبيلته فأبت عليه ذلك .




    و كثر المرجفون به من أعدائه ،و سدت في وجهه السبل ،فاستجاب لنصح أخيه و قدم إلى المدينة سنة 630م و أتى الرسول و هو بين أصحابه في المسجد ، فجلس بين يديه و وضع يده في يده و النبي لا يعرفه ، و قال : يا رسول الله ، إن كعب بن زهير أتاك تائبا مسلما فهل أنت قابل منه ؟ أجابه : نعم . قال: فأنا كعب . فوثب رجل من الأنصار قائلا : دعني يا نبي الله أضرب عنقه ،فكفه النبي (ص)عنه . و أنشد كعب حينئذ قصيدته "بانت سعاد "التي منها هذه الأبيات . و يقال أن النبي خلع عليه بردته حين وصل في الإنشاد إلى قوله : إن الرسول لسيف يستضاء به .
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    * شرح أبيات القصيدة:

    المجموعة (أ){1-4}:مقدمة غزلية (حزن الشاعر لفراق محبو بته )
    في هذه الأبيات يصف الشاعر حالته النفسية و الحزن الذي أصيب به لفراق محبوبته التي تخيلها و أطلق عليها اسم سعاد ، فيقول : لقد تركتني سعاد و رحلت عني فدمر فراقها قلبي ، فأصبحت متعلقا بها ، مقيدان ثم يصف سعاد لحظة رحيلها مع قومها بأنها بدت كغزال في صوتها غنة و في عينيها حياء و اكتحال ، ويصفها عندما تقبل بأنها خفيفة من أعلاها دقيقة الخصر ،و عندما تدبر تبدو عظيمة العجزة كما أنها كانت معتدلة القامة فليست بالطويلة و لا القصيرة ، كما يصف اسنانها عندما تبتسم و ما فيها من ريق رطب راو كأنها مسقية بالخمر أكثر من مرة فهي مروية و بياضها ناصع .

    * التحليل الفني :
    1- بدأ الشاعر بالغزل على عادة الشعراء القدامى و يلاحظ أنه وصف حسي اقتصر على الوصف الخارجي للمحبوبة دون التعمق في نفسها و إبراز جمالها المعنوي ، ولقد اختار لمحبوبته الخيالية اسم (سعاد ) وذلك لأنه مشتق من ( السعد والإسعاد ) وهو سعيد بقبول الرسول اعتذاره ودخوله الدين الإسلامي ، كما أنه بدأ بالغزل للفت انتباه السامعين إليه و إلى شعره .(متبول /مكبول ) جناس ناقص لإعطاء الجرس الموسيقي وإبراز المعنى .
    2- في هذا البيت شبه صورة سعاد لحظة رحيلها بصورة غزال في صوتها غنة وفي عينيها فتور وحياء واكتحال . وقد أكد هذا التشبيه عن طريق القصر والتوكيد بالأداة ( إلا ). هيفاء مقبلة / عجزاء مدبرة : مقابلة ( تقسيم يعطي جرسا موسيقيا / لإبراز المعنى وإيضاحه قصر / طول : طباق . في هذا البيت تشبيه ، فهو يشبه شدة لمعان أسنانها كأنها مسقية بالخمر نهلا أكثر من مرة . كما أن الشاعر يستخدم في هذا المقطع (الصورة الكلية) بما فيها من لون وحركة وصوت تنقل لنا المشهد وكأنه ماثل أمامنا نراه ونسمعه، فمن الألفاظ الدالة على اللون: )مكحول / عوارض / ظلم الراح ) ومن الألفاظ الدالة على الحركة: ( بانت / مكبول / مكحول / رحلوا / مقبلة / مدبرة/ تجلو / ابتسمت ) ومن الألفاظ الدالة على الصوت : ( قلبي / رحلوا / أغن ).

    علل : على الرغم من المقدمة الغزلية الطويلة التي تغن فيها الشاعر بسعاد إلا أن الرسول (ص) لم يغضب .
    1- لأنه يدرك غلبة التقاليد الفنية و عدم القدرة على الفكاك من سلطانها بسهولة .
    2- رحابة صدره (ص) كانت تجعله يأخذ الناس كل على قدر تفكيره و يدرك أن الاستهلال مجرد نموذج فني لا يقصد لذاته فشعراء الإسلام رغم التزامهم بتلك التقاليد الفنية الموروثة كان إيمانهم قويا .
    الشاعر عاش في الجاهلية أكثر مما عاش في الإسلام مما جعل أصالة التقاليد تتمكن من نفسه و لابد من مرور فترة زمنية كافية للإفلات من جاذبيتها .

    المجموعة (ب) {5-10}: وصف حالة الشاعر وخوفه والجو النفسي المحيط به والاعتذار للرسول .(الاعتذار والاستعطاف )
    في هذه الأبيات يذكر الشاعر سعي الوشاة الذين وشوا به إلى النبي ، وبين كيف أنه استجار بأصحابه و بني قومه فما أجاروه مما جعله وحيدا لا يجد غير الله يلجأ إليه و يسلمه أمره ،فكل ما قدر الله كائن لابد من وقوعه ، كما أن كل إنسان لابد و أن يحمل على النعش يوما لذلك فلن يخيفه الموت و سيقدم على الرسول (ص) وكله أمل في عفوه وصفحه وتأمينه من آثار وعيده ، فهو الرسول المعروف بالعفو والصفح و هو الذي أعطاه الله نعمة القرآن التي فيها بيان و توضيح لأمور الدين الإسلامي ، و يطلب منه عدم معاقبته بأكاذيب النمامين الوشاة حتى و إن كانت كثيرة إلا أنها ملفقة مفتراة .

    * التحليل الفني :
    في هذا المقطع يساير الشاعر كعب بن زهير النابغة الذبياني في مزج المدح والاعتذار . وتسيطر عليه عاطفة يمتزج فيها الخوف و الرجاء و الإعجاب .
    5- تعبير حقيقي .
    6- خلوا : أسلوب إنشائي طلبي يفيد الأمر الغرض منه الالتماس .
    لا أبالكم : أسلوب إنشائي طلبي يفيد النفي بغرض الدعاء ، يدعو على من يخوّفه بفقد الأب (يدعوا عليهم بألا يكون لهم أصل ولا أب )
    7- ابن أنثى : كناية عن الإنسان . وهو موصوف .
    آلة حدباء : كناية عن النعش . وهو موصوف .
    و في البيتين (6-7) حكمة فهو متأثر في ذلك بوالده زهير.
    8- كما أنه يكرر لفظ (رسول الله ) وذلك للتعظيم . (أسلوب خبري )
    9- مهلا : أسلوب إنشائي طلبي يفيد الأمر الغرض منه الالتماس .
    الذي أعطاك نافلة القرآن : كناية عن الله سبحانه و تعالى ، ولفظة (نافلة ) توحي بأن الله أتم على الرسول بعلوم كثيرة (الرسالة والنبوة ) وجعل الكتاب زيادة على تلك العلوم .
    (8-9) فيهما أسلوب ( التفات ) فقد تحول من ضمير الغيبة إلى ضمير الخطاب وذلك تنشيطا للأذهان .
    10- لا تأخذني : أسلوب إنشائي طلبي يفيد النهي الغرض منه الالتماس و الرجاء .
    أقوال : توحي بكثرة الوشاة، و(الوشاة) ليدفع التهم عن نفسه، كما يستخدم لفظة (أقاويل) ليؤكد أنها مجرد اتهامات و ليدلل على بطلانها .


    المجموعة (ج){11-17}:مدح الرسول (ص)و المهاجرين
    هنا يبدأ الشاعر في مدح الرسول (ص) والمهاجرين ، فيصف الرسول (ص) بالنور الذي يهتدى به و بأنه سيف من سيوف الحق و العدالة المشروعة في وجوه الأعداء ، تحف به جماعة من قريش دانت بالإسلام و هاجرت من مكة في سبيله ، ثم يصف المهاجرين بأنهم عندما هاجروا كانوا أقوياء ، شجعان، أباة ، و لباسهم في الحروب متقن الصنع ، و كأنه من نسج داود عليه السلام ، كما أنهم يحاربون بجرأة أو يضربون باستبسال إذا هرب الجبناء و فر الرعاديد ،و إذا غلبوا عدوهم لا يفرحون بذلك لأن النصر من عادتهم ، و إذا غلبهم العدو لا يجزعون من لقائه لثقتهم بالتغلب عليه ، و هم لا يقع الطعن في ظهورهم بل في نحورهم لأنهم لا ينهزمون و لا يفرون عن موارد الردى وساحات القتال .
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    قصيدة (بانت سعاد) أو (البردة) للشاعر كعب بن زهير Empty رد: قصيدة (بانت سعاد) أو (البردة) للشاعر كعب بن زهير

    مُساهمة من طرف أحمد الجمعة نوفمبر 14, 2014 4:33 am

    * التحليل الفني :
    11- إن الرسول لسيف : تشبيه بليغ ، شبه الرسول بالسيف المصنوع من حديد الهند والمتميز بجودته . وفيها إيحاء بالقوة و السلطان .
    يستضاء به :استعارة مكنية سبه الرسول بالمصباح الذي يهتدى به في الظلام .
    سيوف الله :كناية عن رجال الله و أنبيائه ،و المدافعين عن رسالة السماء .
    و هذا البيت يكشف لنا عن إحدى عادات العرب و أنهم كانوا إذا أرادوا استدعاء من حولهم من القوم شهروا السيف الصقيل فيظهر لمعانه عن بعد فيأتون إليه طائعين مهتدين بنوره.
    12- يشير الشاعر إلى الهجرة الثانية إلى المدينة المنورة … عندما وقف عمر بن الخطاب في وادي مكة متحديا ، و أشهر هجرته ،وقال : (من أراد أن تثكله أمه فليتبعني إلى هذا الوادي ) و قائلهم هنا إشارة إلى عمر بن الخطاب .
    زولوا :أسلوب إنشائي طلبي يفيد الأمر بغرض الالتماس .
    14- شم العرانين :كناية عن صفة العزة و الإباء و الترفع عن الدنايا ، لبوسهم من نسج داود : كناية عن متانة الدروع و دقة الصنع .
    15- يستمر الشاعر في مدح أنصار النبي (ص) فيشبههم بالجمال الزهر والتشبيه هنا بليغ فوجه الشبه التقدم و النشاط و السرعة في اندفاعهم في ساحة المعركة يحميهم من الضرب والطعن (خاصية من خصائص الجمال الزهر الاندفاع و التقدم دائما إلى الأمام ) ثم يعرض بالمقابل صورة الأعداء في جبنهم و تراجعهم ،و استخدم التنابيل كناية عن صفة الضعف و قصور الهمة ،و في البيت مقابلة بين فريقين المؤمنين يدفعهم إيمانهم إلى التقدم و طلب الشهادة و الكفار يسيطر عليهم الجبن و الضعف فيتراجعون .
    16- كناية عن أخلاق المسلمين فهم لا يشمتون في أعدائهم عند النصر ولا يصيبهم الجزع و الخوف عند الهزيمة ؛لأنهم يعرفون أن الأيام دول و أن الصبر على البلاء قوة ،وفي البيت مقابلة تبين حال المسلمين في الموقفين النصر و الهزيمة .
    17- يعطي الشاعر البرهان و الدليل على شجاعتهم عن طريق الكناية في قوله يقطع الطعن في نحورهم ) وأكد ذلك بأسلوب قصر للتوكيد فصفتهم الشجاعة عند المواجهة ، ثم وضح في صورة حسية هذه الفقرة عندما قال: (حياض الموت )فقد شبه الموت بالحياض و جاء التشبيه البليغ في صورة المضاف و المضاف إليه ، و كذلك فيها استعارة تصريحية لأنه شبه ساحة المعارك بحياض الموت و صرح المشبه به .

    ++++ كما يتضمن هذا المقطع أيضا صورة كلية فيها :
    أ-اللون: (سيف / يستضاء / لبوسهم / سرابيل / الجمال الزهر / السود / نحورهم ).
    ب-الصوت : ( قال قائلهم / زولوا / اللقاء / الهيجا ).
    ج-الحركة : (مسلول / زالوا / اللقاء / نسج / الهيجا / يمشون مشي الجمال / ضرب / عرد / نالت / يقع الطعن ).

    ++++ أثر الإسلام في معاني القصيدة : يتضح أثر الإسلام في معاني القصيدة وفقد مثل ذلك بدروع داود عليه السلام (من نسج داود )الذي كان ماهرا في صنع الدروع ،كما تأثر بالقرآن الكريم في وصفه لأصحاب الرسول (ص) بالقوة و إعداد العدة للأعداء مشيرا إلى قوله تعالى: (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم )).

    * خصائص أسلوب كعب بن زهير :
    بساطة التركيب والمعاني ، قدرة الألفاظ على حسن الأداء ، اختيار المعاني والصور الملائمة لموقف الاستعطاف، قلة المحسنات البديعية ، قلة الصور وغلبة النزعة الواقعية عليها والتأثر بالظروف التي صاحبت التجربة الشعرية للشاعر ، التصوير الجزئي والكلي التأثر بالإسلام بالإضافة إلى المحافظة على القديم، والتنويع في الأساليب (النفي/الحصر /التشبيه ).

    * أثر البيئة في القصيدة :
    يلجأ كعب في رسم صورة إلى البيئة المحيطة ، فهي بدوية صحراوية ، ويتضح ذلك في (حياض الموت، وتشبيه الرسول بالسيف المهند، ووصف آلات الحرب وملابسها والمهارة فيها ، وتشبيه سعاد بالغزال ذي الصوت الأغن ،و تشبيه ريقها بالخمر ).

    * سمات شخصية الشاعر :
    جريء شجاع ، معترف بذنبه ، حكيم ، ذو نزعة دينية.

    *ما العاطفة المسيطرة على الشاعر ؟
    الخوف ثم الرجاء يليه الإعجاب بالنبي و المهاجرين .
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    قصيدة (بانت سعاد) أو (البردة) للشاعر كعب بن زهير Empty رد: قصيدة (بانت سعاد) أو (البردة) للشاعر كعب بن زهير

    مُساهمة من طرف أحمد الجمعة نوفمبر 14, 2014 4:33 am

    بانت سعاد" في مدح الرسول صلوات الله وسلامه عليه /


    بانت سعاد فقلبي اليوم متبولُ مُتيَّمٌ إثرها لم يفد مكبولُ

    وما سعاد غداةَ البين إذ رحلوا إلا أغن غضيض الطرف مكحول

    أرجو وآمل أن تدنو مودتها وما إخال لدينا منك تنويل

    ++++

    نُبئت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول

    لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم أذنب ولو كثرت فيّ الأقاويل

    إن الرسول لنور يُستضاء به مهند من سيوف الله مسلول

    ++++

    في عصبةٍ من قريش قال قائلهم ببطن مكة لما أسلموا زولوا

    لا يقع الطعن إلا في نحورهم وما لهم عن حياض الموت تهليل

    هذه بعض أبيات القصيدة العصماء التي أتى بها كعب بن زهير بن أبي سلمى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مسلمًا وتائبًا عَمَّا كان منه من هجاء للمسلمين، وقد عرفت تلك القصيدة في تاريخ الأدب العربي بـ"البردة" لأن الرسول –عليه الصلاة والسلام- عندما سمعها استحسنها وخلع على كعبٍ بردته لتكون وسامًا لكعب على قصيدته التي أصبحت مَعلمًا، نحاول في عجالة استعراض أهميتها وأثرها:

    1 - قصيدة "بانت سعاد" تكتسب أهميتها من ملابساتها التاريخية بما يفوق قيمتها الفنية التي لا نشكك فيها بالطبع، ولكنها تندرج في إطار القوالب العامة لقصائد الشعر الجاهلي؛ حيث حملت من أغراضه الغزل والنسيب والوصف والحماسة والمدح والاعتذار والحِكَم والأمثال، ومن ملامحه فخامة الألفاظ وقوة الجرس الموسيقي، وتسودها ملامح الحياة الصحراوية فترى فيها الرياح والرمال والجمال والسيوف. وهنا ملاحظة لطيفة وهي أن مؤرخي الشعر العربي يقولون: إن الشعر العباسي كان شعرًا نباتيًّا لما فيه من وصف الورود والخمائل والرياحين والبساتين، بينما الشعر الجاهلي كان حيوانيًّا؛ لما يكثر فيه من ذكر الخيول والجمال والظباء والكلاب..إلخ. ويكفي أن تعلم أن هذه القصيدة التي يبلغ عدد أبياتها ستين بيتًا كان نصيب الإبل منها عشرين بيتًا أي الثُلث، فإذا أضفنا ما ذكر فيها من حيوانات أخرى -كالفيل والأسد والظبي وغيرها- لكانت قصيدة "بانت سعاد" مصداقًا لهذه المقولة.. كما ننوه بأن هذه القصيدة على وزنٍ من أكثر الأوزان شيوعًا عند شعراء الجاهلية وصدر الإسلام وهو بحر البسيط ووزنه (مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن) وقد نظم الشهابي هذا الوزن بقوله:"إذا بسطت يدي أدعو على فئةٍ .. لاموا عليك عسى تخلوا أماكنهم .. مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن .. فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم".

    2 - قبل أن نتكلم عن تأثير القصيدة، نتكلم عن تأثرها. فإن "بانت سعاد" تمثل نمط القصيدة الجاهلية، كما أنها متأثرة أيضًا بصورة مباشرة بعدد من قصائد الشعراء السابقين والمعاصرين لكعب بن زهير فللأعشى قصيدة يقول مطلعها: بانت سعاد وأمسى حبلها رابا .. وأحدث النأي لي شوقًا وأوصابا. وللنابغة الذبياني قصيدة يقول فيها: بانت سعاد وأمسى حبلها انجذما.. واحتلت الشرع فالأجزاع من إضما. ولطفيل الغنوي لامية يصف فيها محبوبته "شماء" بصفاتٍ تتطابق مع صفات سعاد كعب حيث يقول:

    هل حبل شماء قبل البين موصول .. أم ليس للصرم عن شماء معدول

    إذ هي أحوى من الربعي حاجبه .. والعين بالإثمد الحاري مكحول

    إن تمسِ قد سمعت قيل الوشاة بنا .. وكل ما نطق الواشون تضليل

    فما تجود بموعود فتنجزه .. أم لا فيأسٌ وإعراض وتجميلُ

    ولا نريد الاسترسال في هذا الميدان الذي تكثر فيه الشواهد؛ لأن التأثير المتبادل بين شعراء العصر الواحد ظاهرة محسوسة تمليها طبائع الأمور؛ حيث تتشابه البيئة وتشترك التجارب وتفرض الأوزان والقوافي صبغتها على الموضوعات.

    3 - "بانت سعاد" تتفرد بين فرائد الشعر العربي بما أحدثته من تأثير على مر العصور. وظهر هذا التأثير في حرص عشرات الشعراء، إما على معارضة القصيدة أو الاستفادة من صورها أو ألفاظها حتى تكونت مكتبة شعرية وافرة وثرية بتأثير قصيدة كعب. ومن أشهر قصائد المدائح النبوية التي عارضت "بانت سعاد" لامية الحميدي التي مطلعها:

    بانت سُليمى ففكر الصب مشغول . . وقلبه من لظى الهجران مشغول
    ولامية عبد الرحمن بن حسن:

    لي في الهوى مذهبٌ ما عنه تحويل .. وما لحبي تغيير وتبديل

    ولامية النابلسي:

    هل في البروق عن الأحباب تعليل .. لا والذي ماله في الحكم تعليلُ

    أما أشهر هذه المعارضات فهي لامية البوصيري التي يقول مطلعها:

    إلى متى أنت باللذات مشغول وأنت عن كل ما قدمت مسئول

    فقد أشار في قصيدته إلى أنه يعارض بها قصيدة كعب، وأنه وإن وازن بها قوله فإنها لا تعادله في حسنه ولا تناظره، إلا كما تناظر المثاقيل ما يوزن بها من الدر، وهذا معنى جميل لم يسبقه إليه أحد إذ يقول:

    لم أنتحلها ولم أغصب معانيها .. وغير مدحك مغصوب ومنحول

    وما على قول كعبٍ أن توازنه .. فربما وازن الدرَّ المثاقيلُ

    وهل تعادله حسنًا ومنطقها .. عن منطق العرب العرباء معدول

    ثم يقول بعد هذه الأبيات: إنه لما كان غرضهما واحدًا -وهو مدح الرسول (ص)- فلا بأس من أن يغلبه كعب، فهو إنما يقفو أثره للبركة التي نالته بسببها؛ حيث استحق بها عفو الممدوح وصان بها دمه:

    وحيث كنا معًا نرمي إلى غرضٍ .. فحبذا ناضلٌ منا ومنضولُ

    إن أقف آثاره إني الغداة بها .. على طريق نجاحٍ منك مدلولُ

    لما غفرت له ذنبًا وصنت دمًا .. لولا ذمامك أضحى وهو مطلولُ

    رجوت غفران ذنبٍ موجبٍ تلفي .. له من النفس إملاءٌ وتسويل

    4 – هناك أيضًا من هذه الألوان التأثير العلمي في ميدان الأدب والثقافة الإسلامية، ويتمثل في المؤلفات التي خصصت على مر العصور لشرح قصيدة "بانت سعاد" والتي بلغت عددًا كبيرًا تناثرت وتفرقت في مكتبات العالم بين المخطوط والمطبوع، ولم يبق منه سوى الذكر. على أية حال؛ فالمتوافر الآن من هذه الشروح حوالي خمسين، اختلفت في منطلقها ومنظورها إلى القصيدة؛ فمنها الشروح اللغوية مثل شرحِ السكري وشرح الخطيب التبريزي وشرح الأنباري وغيرها... والشروح النحوية كشرح البغدادي وشرح ابن هشام وغيرهما ... والشروح الأدبية وأهمها شرح السيوطي المسمى "كنه المراد في بيان بانت سعاد" وشرح جمال الدين بن هشام، ثم الشروح التي جنحت إلى النهج الصوفي مثل شرح الشيخ القدسي "الإسعاد في تحقيق بانت سعاد" وكذلك شرح محمد القاري وغيرهما... ولكم أن تتخيلوا حجم ما أضافته هذه الشروح للمكتبة العربية من مسائل وشواهد وآراء.

    5 – من الأثر الشعري للقصيدة نجد، بالإضافة للمعارضة، تشطير أبيات القصيدة وتخميسها، ومن التشطير قول الشاعر:

    بانت سعاد فقلبي اليوم متبول .. مدله حائرٌ والعقل معقول

    معذبٌ في هواها هائمٌ دنِفٌ .. متيمٌ إثرها لم يفد مكبولُ

    ومن التخميس قول الشاعر:

    قلبي على حب من أهواه مجبول .. ونقل شوقي لدى العشاق مقبول

    يا لائمي خلني فالعقل مخبول … .. بانت سعاد فقلبي اليوم متبول

    متيمٌ إثرها لم يفد مكبول
    فإذا انتقلنا إلى الطرائف الأدبية والمُلح الشعرية نجد العديد من أرباب الفنون قد وظفوا القصيدة لنظم علومهم؛ فعلى سبيل المثال نظم بعض علماء مصطلح الحديث:

    يا من حديث غرامي في محبتهم .. مسلسل وفؤادي منه معلولُ

    حبي صحيحٌ ومقطوعٌ به ألمي .. عشقي حديثٌ قديم فيك منقول

    ونظم بعض علماء النحو:

    إن ميزوني بعطفٍ فهو بغيتهم .. وإن هم خفضوا دمعي فمحمول

    هم عرفوني وكان الحال نكرني .. فكيف أصرف وجدي وهو معدولُ

    وهناك من استعرض سور القرآن الكريم من خلال لامية معارضةٍ لكعب فكان مما قال:

    تجمعوا زمرًا في كل واقعةٍ .. إلى القتال وجيش الكفر مخذولُ

    وبالحديد فكم أبدوا مجادلةً .. للكافرين وسيف البغي مفلول

    تبارك الله سبحان الإله لقد .. وافاه بالنصر عند الصف جبريلُ

    والحقيقة أن التوسع في ذكر الأمثلة يحتاج إلى مجلدات، ولكن لا يفوتني هنا -من باب الدعابة – أن أنقل للمشاهد مثالاً لقصيدة لامية شطر فيها "الخفاجي" "بانت سعاد" وحشد في تشطيره ألفاظًا معجميةً غريبة فكان مما قال :

    ولن يبلغها إلا عذافرةٌ صلخدمٌ عسلٌ سجحاء عيهول

    قصية شيظمٌ علطوس ساهمةٌ لها على الأين إرقالٌ وتبغيلُ

    غلباء وجناء علكوم مذكرةٌ عرفاس عرمس ما في اللحم ترهيل

    هرجاب مائرة الضبعين عجلزةٌ في خلقها عن بنات الفحل تفضيل

    6 – هناك شبهة مثارة حول العاطفة الدينية والروح الإسلامية لكعب بن زهير ومصدر إثارتها سببان: الأول المقارنة بينه وبين سائر شعراء الرسول -صلى الله عليه وسلم- كحسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهما وهذه مقارنة غير منصفة لكعب، فهؤلاء من أصحاب السبق والصحبة أسلموا مبكرًا واقتربوا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحبوه طويلا وشهدوا مواقع الإسلام الكبرى وعاصروا نزول القرآن وأنشدوا الكثير من الأشعار التي تؤرخ لعصر النبوة، كانت العقيدة روحها، أما كعب فقد تأخر إسلامه إلى ما بعد الفتح، فلم ينل مثل ما نالوه من الشرف والرفعة، ولم يُتح له أن يسهم مثلما أسهموا بشعرهم في الدفاع عن الإسلام وبيان مبادئه.

    أما السبب الثاني لهذه الشبهة فهو أن هؤلاء النقاد يحكمون على كعب فقط من خلال لاميته "بانت سعاد" بينما الرجل له أشعار أخرى تؤكد عاطفته الدينية؛ فهو القائل:

    فأقسمت بالرحمن لا شيء غيره .. يمين امرئٍ برٍ ولا أتحللُ

    لأستشعرن أعلى دريسي مسلمًا .. لوجه الذي يحيي الأنام ويقتل
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    قصيدة (بانت سعاد) أو (البردة) للشاعر كعب بن زهير Empty رد: قصيدة (بانت سعاد) أو (البردة) للشاعر كعب بن زهير

    مُساهمة من طرف أحمد الجمعة نوفمبر 14, 2014 4:34 am

    ويقول:

    أعلم أني متى ما يأتني قدري .. فليس يحبسه شحٌ ولا شفقُ

    وقوله:

    لعمرك - لولا رحمة الله- إنني .. لأمطو بجدٍ ما يريد ليرفعا

    كما أن البردة نفسها لا تخلو من تعبيراتٍ ومضامين إسلامية في مواطن عدة على رأسها تكرار وصفه ومناداته للنبي -صلى الله عليه وسلم- وكان مقام الاعتذار والاسترحام يقتضي -ما لم يكن مؤمنًا صادقًا- أن يقول يا سيد العرب أو يا سيد قريش .. ثم انظر إلى حديثه عن القدر في قوله:

    كل ابن أنثى وإن طالت سلامته .. يومًا على آلة حدباء محمول
    وقوله:

    "فكل ما قدر الرحمن مفعول"
    وحديثه عن جهاد الصحابة في عدة مواطن منها:

    إن الرسول لسيف يُستضاء به.. مُهند من سيوف الله مسلول
    وتعرجه على ذكر الهجرة النبوية المباركة بقوله:

    في عصبةٍ من قريشٍ قال قائلهم .. ببطن مكة لما أسلموا زولوا
    هذه فقط بعض الأدلة على بطلان الشبهة التي تقدح في حسن إسلام كعب بن زهيرٍ رضي الله عنه_.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    قصيدة (بانت سعاد) أو (البردة) للشاعر كعب بن زهير Empty رد: قصيدة (بانت سعاد) أو (البردة) للشاعر كعب بن زهير

    مُساهمة من طرف أحمد الجمعة نوفمبر 14, 2014 4:35 am

    الفصل الثالث : تحليل قصيدة بانت سعاد

    المقدمة

    كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني وأمه كبشة بنت عمار بن عدي بن سحيم وهي من بني عبد الله بن غطفان. وهي أم سائر أولاد زهير سالم وبجير. ولد عند أخواله بني سحيم من غطفان وكان أكبر أولاد زهير. ويبدو أن كعباً كان على خلاف طبع أبيه ولم تسلم حياته من الاندفاع والنزوات. وكانت زوجته تلومه على تهوره واندفاعه.
    وقد عني والده بتربيته وتعليمه الشعر. فنهاه عن قوله بدء ذي بدء مخافة أن يكون لم يستحكم شعره فيروى له ما لا خير فيه. فكان يضربه في ذلك، وحبسه ثم أطلقه وسرحه في بهمة وهو غليم صغير فانطلق فرعى ثم راح عشية وهو يرتجز:
    من القرى موقرة شعيراً

    كأنما أحدو ببهمى عيراً

    فخرج إليه والده على ناقة وأردفه خلفه ليعلم ما عنده من شعر فقال زهير حين برز إلى الحي:
    تخب بوصّال صروم وتعنق

    إني لتعديني على الحي جسرة

    ثم ضرب كعبا وقال له أجز يا لكع، فقال كعب:
    وآثار نسعيها من الدفّ أبلق

    كبنيانة القرئيّ موضع رحلها

    ومضى زهير مع ولده كعب على هذا المنوال حتى تأكد من شاعريته فقال له:
    قد أذنت لك في الشعر يا بني. وأخذه من يده وأنزله وهو صغير يومئذ فقال كعب:
    بعرض أبيه في المعاشر ينفق

    أبيت فلا أهجو الصديق ومن يبع

    وهي أول قصيدة قالها كعب.
    وأجمع الرواة على أن كعباً من فحول الشعراء ووضعه ابن سلام في الطبقة الثانية. وحديث الحطيئة معه يؤكد مكانته الشعرية حيث قال له: يا كعب قد علمت روايتي لكم أهل البيت وانقطاعي إليكم وقد ذهب الفحول غيري وغيرك فلو قلت شعراً تذكر فيه نفسك وتضعني موضعاً بعدك فإن الناس لأشعاركم أروى وإليها أسرع. فقال كعب:
    إذا ما ثوى كعب وفوّز جرول

    فمن للقوافي شأنها من يحوكها

    إلى آخر القصيدة.
    وتثبت حادثته مع النابغة الذبياني قوة شاعريته في صباه عندما أجاز قوله:
    وتحيا إن حييت بها ثقيلاً

    تزيد الأرض أما مت خفاً

    نزلت بمستقر العرض منها
    فلم يستطع النابغة إكمال العجز فأكمله كعب بقوله. وتمنع جانبيها أن يزولا. وقد برزت قصيدته بانت سعاد كدرة من درر شعره.
    وقد توفي كعب بن زهير في خلافة معاوية وولد له عقبة (المضّرب) الشاعر وسلمى التي تزوجت من ثوبان وكان من نسله عدد من الشعراء، العوام وبشير من ولده عقبة. والقريض والعوثبان والرماح (ابن ميادة) من ابنته سلمى.
    قصيدة بانت سعاد.

    سبب نظمها وظروف إلقائها
    خرج كعب وبجير ابنا زهير بن أبي سلمى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغا (أبرق العّزاف) وهو ماء لبني أسد. وكان كعب عازفاً عن الإسلام شديد العصبية والعناد لذا لم تدخل الدعوة الإنسانية إلى قلبه ولم ترقق من عصبيته وجفائه.
    فطلب إلى أخيه بجير أن يلحق بالرسول فينظر ما يقول على أن ينتظره كعب في المكان ذاته فقدم بجير إلى الرسول (ص) وسمع منه وأسلم وبلغ ذلك كعباً فأنشد:
    على أي شيء-ويب غيرك- دلكا

    ألا أبلغا عني بجيراً رسالة

    عليه ولم تدرك عليه أخاً لكا

    على خلق لم تلف أما ولا أباً

    فأنهلك المأمون منها وعلكا

    سقاك أبو بكر بكأس رديّة

    فبلغت أبياته الرسول فأهدر دمه. مع من أهدر دمهم من الشعراء الذين أقذعوا في هجائه ولم يدخل الإيمان إلى قلوبهم. فكتب إليه بجير أن يقدم إلى الرسول ويسلم وإلاّ فعليه أن ينجو بنفسه لأن الرسول قتل أناساً آذوه وشهروا بالإسلام وبه، فاحتار كعب في أمره وعدّ نفسه مقتولاً لا محالة. ونصحه قوم بالذهاب إلى الرسول وإعلان توبته وإسلامه فلم ير من الأمر بداً. فنظم القصيدة معتذراً فيها إلى الرسول مادحاً إياه تائباً عن أقواله وأفعاله.
    أقبل كعب إلى الرسول سنة تسع للهجرة إلى مسجد المدينة وأناخ راحلته بباب مسجد الرسول. وكان مجلس الرسول من أصحابه مكان المائدة من القوم، حلقة ثم حلقة وهو يحدثهم، فأقبل كعب حتى دخل المسجد فتخطى حتى جلس إلى الرسول فقال: يا رسول الله الأمان. قال من أنت؟. قال: كعب بن زهير.
    قال: أنت الذي يقول.. كيف يا أبا بكر؟ فأنشده حتى بلغ قوله:
    وانهلك المأمون منها وعلكا

    سقاك أبو بكر بكأس روية

    فقال رسول الله : مأمون والله. ثم أنشده كعب قصيدته بانت سعاد. فلما بلغ قوله:
    مهند من سيوف الله مسلول

    إن الرسول لسيف يستضاء به

    ببطن مكة لما أسلموا زولوا

    في فتية من قريش قال قائلهم

    عند اللقاء ولا خور معازيل

    زالوا فما زال انكاس ولا كشف

    أشار الرسول إلى الخلق أن يسمعوا شعر كعب ابن زهير وأعطاه الرسول بردته.
    وأضاف الرواة إلى هذا الخبر بأن كعباً عرض بالأنصار في قصيدته في عدة مواضع منها قوله:
    وما مواعيدها إلا الأباطيل

    كانت مواعيد عرقوب لها مثلاً

    وعرقوب رجل من الأوس. فلما سمع المهاجرون بذلك قالوا ما مدحنا من هجا الأنصار فأنكروا قوله وعوتب على ذلك وطلب إليه أن يمدح الأنصار بعد أن أثار حفيظتهم بقوله هذا. فقال قصيدته:
    في مقنب من صالحي الأنصار

    من سره كرم الحياة فلا يزل

    عند الهياج وسطوة الجبار

    الباذلين نفوسهم لنبيهم

    إلى آخر القصيدة.
    وتبدو الرواية الأخيرة موضوعة فلا داعي لإثارة حفيظة الأنصار ضد كعب ما دام عرقوب لم ينتم إليهم بل كان من العمالقة ومن المنطقي أنهم أُثيروا عندما دخل كعب مسجد الرسول وهو المعروف بعدائه الشديد للإسلام وللرسول وأنه قد أهدر دمه لتشبيبه بأم هاني بنت أبي طالب وهي ابنة عم الرسول.
    وقيل إن كعباً أنشد قصيدته للرسول (ص) في المسجد الحرام لا في مسجد المدينة وهو قول ضعيف غير متواتر والأرجح لدينا أنه أنشدها للرسول (ص) في مسجد المدينة كما بينا سابقاً.
    وقد زعم الرواة بأن معاوية أراد أن يشتري البردة من كعب أثناء خلافته فأغلى له الثمن، ولكن كعباً أبى بيعها. فلما مات راجع معاوية أهله واشتراها بثمن باهظ، ثم توارثها الخلفاء من بعده، وكانوا يخرجون بها للناس في العيدين.
    ولم يذكر الرواة شيئاً عن أخبار كعب بعد إسلامه غير طلب الحطيئة إليه أن يمدحه ويذكره في شعره لأنه لم يبق غيرهما من فحول الشعراء.
    ويبدو أن العمر امتد بكعب بعد الإسلام حتى قال:
    وما الدهر إلا مسيه ومشارقه

    وأفنى شبابي صبح يوم وليلة

    زهير وإن يهلك تخلد نواطقه

    وأدركت ما قد قال قبلي لدهره

    وهي إشارة يفهم منها إنه عاش ثمانين حولاً أو ما يقاربها، وعلى ذلك يرجح الظن بأنه مات في أواخر العقد الخامس من القرن السابع للميلاد وذهب جرجي زيدان إلى أنه توفي عام 24 للهجرة.
    نص القصيدة وتحليلها
    1) اختلفت المصادر في عدد أبيات القصيدة فقد ذكر السكري خمسة وخمسين بيتاً وأثبت ابن الأنباري أنها سبعة وخمسون بيتاً. ووردت ستون بيتاوقد استعان الشارح برواية السكري مع زيادات من جمهرة شعراء العرب ومن كتاب منتهى الطلب من أشعار العرب. وأوردها الباجوري بتسعة وخمسين بيتاً، ووردت عند آخرين في ثمانية وخمسين بيتا. ونحن نميل إلى عدد الأبيات التي أوردها الديوان وسندرسها على هذا الأساس.
    ولا يرجع الاختلاف في رواية القصيدة إلى عدد الأبيات فقط، بل إلى اختلاف الألفاظ، وترتيب الأبيات. وهذا الاختلاف هو الذي دفع طه حسين إلى التأكيد على عبث الرواة في القصيدة وإضافاتهم.
    2) وإذا كان الغرض الرئيس من نظم القصيدة. مدح الرسول (ص) فإن الشاعر بدأ قصيدته بالغزل ثم انتقل منه إلى وصف الناقة، كما تعود الشعراء في الجاهلية أن يفعلوا لينتهي بعد ذلك إلى المديح الذي قصده. وقد استغرقت المقدمة الغزلية ثلاثة عشر بيتاً. واستغرق وصف الناقة ثمانية عشر بيتاً. أما الاعتذار والمديح وهما الغرضان الأساسيان في القصيدة فقد شملا أربعة وعشرين بيتاً سبعة أبيات منها في الاعتذار والبقية في مديح الرسول والمهاجرين.
    3) إن النهج الذي سار عليه كعب نهج تقليدي في القصيدة العربية في العصر الجاهلي من حيث البناء والصور والمعاني والأخيلة. وسلك في اعتذاره للرسول (ص) ومديحه له مسلك النابغة الذبياني واعتذارياته من النعمان، فقد بدأ بالغزل ثم انتقل إلى وصف الناقة ومشاق الطريق وقوة الناقة التي أوصلته إلى الممدوح ليحسن الانتقال إلى الاعتذار من الرسول (ص) طمعاً في كرمه وشمائله العربية الأصيلة، وتصويره لخوفه وفزعه وتنكر الناس له وضيق الدنيا عليه:
    إنك يا بن أبي سلمى لمقتول

    تسعى الوشاة جنابيها وقولهم

    ويعرض الشاعر للهول الذي يعاني منه ويبهظه بإيمان راسخ فيه نفحة إسلامية حيث يقول:
    يوماً على آلة حدباء محمول

    كل ابن أنثى وإن طالت سلامته

    ولكن أمله القوي بعفو الرسول الكريم عنه يبدد اليأس عن نفسه ويدفعه إلى الانتقال السريع من الموت إلى الحياة ومن اليأس إلى الأمل فيقول:
    والعفو عند رسول الله مأمول

    أنبئت أن رسول الله أوعدني

    وإذا ورد هذا البيت على منوال بيت النابغة في اعتذاره للنعمان حيث قال:
    ولا مقام على زأر من الأسد

    أنبئت أن أبا قابوس أوعدني

    فالفرق كبير بين جمالية البيتين فإن اشتركا في مهابتهما والخوف من وعيدهما فإنهما مختلفان أشد الاختلاف في الأخلاق والمثل، فالنعمان وعيده مخيف موئس، على العكس من الرسول الكريم (ص) الذي يكمن وراء وعيده المخيف الأمل والرجاء لأنه على خلق كريم وزاده القرآن الكريم الذي نزل عليه رحمة وحلماً.
    القرآن فيه مواعيظ وتفصيل

    مهلاً هداك الذي أعطاك نافلة

    أذنب وإن كثرت فيّ الأقاويل

    لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم

    وهو إذ يقسم ويرجو من الرسول ألاّ يأخذه بأقوال الوشاة الكاذبين وهو مدرك لأفعاله السابقة ضدّ الرسول وموقفه المعادي منه ومن دينه وشدة عصبيته وعناده، يقسم بالقرآن، وبروح إسلامية تناسب مقام الاعتذار. على العكس من النابغة الذبياني الذي يقسم قسماً جاهلياً وثنياً لا يناسب مقام النعمان ولا يلتفت إلى خطئه في هذا القسم لأنه راعى طقوسه الخاصة أكثر من مراعاته للنعمان حيث يقول:
    وما هريق على الأنصاب من جسد

    فلا لعمر الذي مسحت كعبته

    على الرغم من أن النابغة كان شديد القرب من النعمان، تربطه وإياه وشائج من الإعزاز والصداقة والود، بينما كان كعب شديد البعد عن الرسول الكريم (ص) فقد هجا النبي وصحبه قبل الإسلام ووقف إلى جانب الشعراء المشركين كابن الزبعرى وأضرا به في التشديد على ذم الرسول الكريم(ص) وصحبه والتشهير بهم وبالدين الإسلامي.
    وما قدم كعب إلى الرسول طالباً العفو ومعلناً إسلامه إلاّ بعد أن هدر دمه وضاقت به الأرض بعد انتصار الرسول في مكة وحنين وإذعان العرب كلهم لسلطانه الجديد وقتل من قتل بعد الفتح من خصوم الإسلام وأعداء النبي وفرار من فر، كل ذلك ملأ كعباً فزعاً ورعباً. وأكبر الظن أن كعباً حاول الفرار والاستخفاء فيمن حاول الفرار والاستخفاء ولكن الأرض ضاقت به والناس تخاذلوا عنه. ونظر فإذا هو مأخوذ متهالك إذا لم يحتط لنفسه. وجاءته في أثناء هذا كله رسالة أخيه بجير…
    فاستقرت عزيمة كعب على أن يستجير بعفو النبي من غضب النبي.
    4) تأثر كعب في قصيدته هذه بشعراء عديدين منهم أوس بن حجر وبوالده زهير وبالنابغة الذبياني، وكادت معانيه تقترب من معانيهم في الموضوعات الثلاثة التي تناولها في قصيدته، فهو في مطلع القصيدة يصور بإيجاز جميل ما صوره زهير في بيتين حين قال:
    وعلِّق القلب من أسماء ما علقا

    إن الخليط أجدّ البين فانفرقا

    يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا

    وفارقتك برهن لا فكاك لـه

    فكلاهما معلق الفؤاد مكبل القلب مقيده الأول بسعاد والثاني بأسماء ويشبه كعب محبوبته بالغزال ويمضي في التفصيل في الطرف المكحول الغضيض والصوت الأغن والريق الخمري المشوب بالماء العذب البارد ويمعن في وصف طبيعة هذا الماء ليعطي لنا الصورة كاملة وهو نفس ما فعله زهير حيث قال:
    ولا محالة أن يشتاق من عشقا

    قامت تراءى بذي ضال لتحزنني

    من الظباء تراعي شادنا خرقا

    بجيد مغزلة إدماء خاذلة

    من طيّب الرّاح لما بعد أن عتقا

    كأن ربقتها بعد الكرى اغتبقت

    من ماء لينة لا طرقاً ولا رنقاً

    شجّ السقاة على ناجودها شبما

    ويفصل كعب في أخلاق سعاد فهي متقلبة الطباع متغيرة دائماً كالغول ولا تفي بعهدها وتنساح مواثيقها كما ينساب الماء من الغرابيل، ومواعيدها مواعيد عرقوب فلا يغتر بوعدها فما هي إلاّ تضليل وباطلة الأباطيل وهي تستحق اللوم لأنها غير أهل للثقة. وإذا فصّل كعب في وصل أخلاق سعاد فإن زهيراً أوجز كل هذه الصفات في بيت واحد حيث قال:
    فأصبح الحبل منها واهناً خلقا

    وأخلفتك ابنة البكري ما وعدت

    ونخلص من كل ذلك إلى أن المقدمة الغزلية في القصيدة لم تكن إلاّ مدخلاً لها يستهوي السامعين ويلفتهم إلى المتابعة وكأن مقولة ابن قتيبة في مقدمة كتابه الشعر والشعراء تنطبق تمام الانطباق على مقدمة هذه القصيدة فقد سعى فيها الشاعر مسعى الشعراء الجاهليين حين يبدأون قصائدهم بالغزل.
    ثم يخلص كعب بشكل متساوق جميل إلى وصف ناقته حين يقول:
    إلاّ العتاق النجيبات المراسيل

    أمست سعاد بأرض لا يبلغّها

    ويمضي الشاعر في وصف ناقته بالضخامة والصلابة والسرعة كما وصفها الشعراء الجاهليون. ويقف عند أعضائها وخصائصها وخصالها وقفة طويلة لشدة إعجابه بها فهي سهلة القوائم في السير، غليظة الرقبة، عظيمة الوجنتين، ضخمة شبيهة بالذكر، واسعة الجانب، ذات عنق طويل، وجلدها قوي لا يؤثر فيه لسع الحشرات، بارزة الظهر، وأخفافها ذوابل لاحقة، وذنبها كعسيب النخلة، وهي عريقة الأصل وهو سبب في خفتها وسرعتها، مرفقها مفتول، وثديها مخارج اللبن فيه جيدة، وذات أنف أقنى وعنق أتلع وخد سهل، ولم يترك كعب صفة من الصفات الجيدة التي تناولها الأقدمون في وصف نوقهم إلاّ ولصقها بناقته، وقد ظهر أثر المدرسة الأوسية واضحاً في هذا الوصف. يقول أوس بن حجر واصفاً ناقته:
    وعمها خالها وجناء مئشير

    حرف أخوها أبوها من مُهَجَّتَةٍ

    ويقول كعب:
    وعمها خالها قوداء شمليل

    حرف أخوها أبوها من مُهَجَّتةٍ

    ويقول زهير واصفاً ذيل ناقته:
    على فرج محروم الشراب مجدد

    وتلوى بريان العسيب تمره

    ويقول كعب:
    في غارز لم تخونه الأحاليل

    تمر مثل عسيب النخل ذا خصل

    وهو في اعتذارياته شبيه باعتذاريات النابغة وفي وصفه الرسول (ص) عند مديحه له حيث شبهه بالليث شبيه بتشبيه زهير لهرم بن سنان بالليث عند مدحه له ولكنه فصل في تشبيهه ما لم يفصله زهير.
    وهو لم يتأثر بالمعاني والصور فقط بل تأثر بالشعراء الجاهليين أيضاً في استعمال الألفاظ الغريبة والصعبة ولا سيما عند وصفه للناقة والأسد وجاءت تراكيبه خشنة صعبة، على العكس تماماً من الافتتاحية الغزلية ومدح الرسول (ص) فقد وردت فيهما ألفاظ جميلة وواضحة وتراكيب قوية الأداء مؤثرة أشد التأثير مما يذكرنا بمعلقة طرفة تماماً عند وصفه للناقة، ولعل "للناقة وأعضائها مسميات خاصة بها كان على الشاعر أن يستخدمها لتأدية ما يريد التعبير عنه بصورة واضحة جلية ومثل هذا ينطبق على وصفه للأسد"
    5) التأثر الحسي بالبيئة:
    إن التأثر الحسي بالبيئة يبرز في الموضوعات الثلاثة التي طرقها في قصيدته. فإذا ما تغزل بسعاد شبهها بالظبي في سواد عينيها، وإنها فاترة الطرف. جميلة الصوت ولا يمنعه استرساله في وصف محاسنها من تشبيه ريقها بالخمرة التي علت بالماء وهو مدرك ولا بد أن الإسلام قد حرم الخمرة ونهى عن شربها، ولم تثنه مؤثرات البيئة عن ذكرها أمام الرسول (ص) وصحبه وفي مسجده، وهو قادم للاعتذار وطلب العفو. وتدفعه مؤثرات البيئة إلى الاهتمام بتجسيد برودة الماء التي علت بها الخمرة كأجمل ما يكون التجسيد وأبدع ما تكون الصورة الشعرية، فالماء عذب بارد صاف في منحنى رملي تكتنفه صغار الحصى أبعدت الرياح الهابة عنه الأوساخ والأدران وملأته سحابه بيضاء سارية ليلاً. للتأكيد على صفاء الماء وبرودته، حيث يبرد الجو ليلاً:
    صاف بأبطح أضحى وهو مشمول

    شجت بذي شبم من ماء محنية

    من صوب سارية بيض يعاليل

    تجلو الرياح القذى عنه وأفرطه

    إنها حرارة الصحراء وقلة مياه الغدران الباردة تلك التي دفعته إلى أن يبدع في تجسيد هذه الصورة على الرغم من أن الاستطراد واضح فيها وكان في إمكان كعب تجاوزها لو أن الإسلام دخل قلبه في الصميم وأضعف لديه مؤثرات البيئة القوية التي بدت وكأنها أقوى من إيمانه بالإسلام. ويدفعه حماسه وهو يصف أخلاق سعاد المتبدلة وخصالها المتغيرة فتظهر مؤثرات البيئة قوية فيشبهها بتلون أثواب الغول وهو يدرك أو لا يدرك بأن الغول من الأشياء التي عفا عليها الإسلام، ولكنها مؤثرات البيئة التي تجذرت في نفسه قوية لا تقاوم، وإذا ما أراد أن يصور وصلها لم يجد تشبيهاً غير الغرابيل التي تسيح منها المياه إذا وضعت فيها ولا تتمكن من مسكها.
    وتظهر مؤثرات البيئة بشكل أشمل في وصفه للناقة وهو أمر بدهي لأن كعباً كرجال عصره أحب الناقة والفرس وتعلق بهما، وتلعب الناقة دوراً مهماً في حياته القلقة المضطربة التي كثرت فيها الأسفار وسادها الانتقال من مكان إلى آخر، فهو لا يستطيع الوصول إلى سعاد التي أضحت بعيدة كل البعد يعسر الوصول إليها إلاّ على ظهر ناقة شديدة غليظة سريعة خفيفة الحركة لا تعرف معنى للوهن والتعب ذات همة عالية. قد جربت الأسفار الطويلة. تستطيع بلوغ الأماكن البعيدة التي لا يستطيع غيرها من النوق الوصول إليها. وإذا ما اشتدت الهاجرة لا تكسل ولا تتوانى وناقة كعب غليظة الرقبة ممتلئة الرسغ تفضل جميع النوق في عظم خلقها. وقد خرج كعب على ما اعتادت عليه العرب في وصف الناقة كما يقول الأصمعي:
    "هذا خطأ في الصفة لأنه قال هي غليظة الرقبة وخير النجائب ما يدق مذبحه ويعرض منحره وذهب أبو هلال العسكري مذهب الأصمعي: "من خطأ الوصف قول كعب بن زهير: ضخم مقلدها لأن النجائب توصف برقة المذبح". ونحن نرى بأن وصفه لها بضخامة الرقبة يتماشى مع وصفه لضخامة خلقتها ولا ينبو عن الذوق ولا يخرج عن المبالغة والتفخيم اللتين سادتا الشعر العربي قبل الإسلام وإنما يدلل على قدرتها الكبيرة في قطع المسافات الطويلة وأنها أقوى على السير من غيرها.
    ويمضي كعب في وصفه لناقته بتأثيرات بيئية. فيصفها بكرامة الأصل، ملساء الصدر والخاصرة صلبة لم تحلب ولا تنال منها الحشرات والهوام إيذاء. وجبهتها صلبة ملساء، لم تنتج ولم تحلب فاحتفظت بقوتها. عظيمة الذنب كثير وبره تمر به على ضرعها لطوله وعظمه. وقد عدّ السكري ذلك عيباً في وصف الناقة حيث قال: "خطأ أن توصف بعظم الذنب وكثرت الهلب وأفضل منها للركوب أن تكون جداء قصيرة الذنب وإذا كانت للحلب فسبوغ الأذناب وكثرة الهلب يستحب فيها".
    ونحن نذهب إلى خلاف هذا الرأي فإن حب كعب لناقته يدفعه إلى المبالغة في وصف ضخامتها للاستدلال على قوتها وصلابتها وشدة سرعتها. وينتقل كعب ثانية من وصف جسد الناقة إلى وصف رأسها: أنفها أقنى. وأذناها كريمتان وخداها سهلان، أما عصب رجليها فقوي وأخفافها قوية صلبة وساقاها طويلان كأنهما ذراعا امرأة ثكلى تنوح وتلطم بكرها، فهي في أشد حالات لوعتها احتداماً في اللطم والنواح وهي تقطع قميصها عن صدرها من شدة اللوعة والحزن:
    قامت فجاوبها نكد مثاكيل

    شد النهار ذراعاً عيطل نصف

    لما نعى بكرها الناعون معقول

    نواحة رخوة الضبعين ليس لها

    مشقق عن تراقيها رعابيل

    تفري اللبان بكفيها ومدرعها

    إن هذا التشبيه الرائع لخلق صورة كاملة للناقة المحبوبة تدلل على براعة الأداء الفني في هذه القصيدة. وهي تذكرنا بالبراعة الفنية في وصفه لماء الغدير الذي مرّ ذكره.
    إن الصور البيئية التي والف بينها كعب لإعطاء الصورة الكاملة لعظمة خلق ناقته وجمالها ووقوفه المتملي عند جزئيات جسدها، لا يدلل على أنه عاش حياته وعرف بيئته بعمق، ولا يدلل على براعته الفنية في المزج بين اللوحات الجسدية المتحركة وبين جوه النفسي الخاص فحسب، وإنما تمزج هذه اللوحات الفنية بين صلابة الناقة وقوتها وبين صلابته وقوته وشجاعته، وما تكراره للأبيات التي تعطي معاني الصلابة والقوة لناقته إلاّ تأكيد على تلك الصلابة والقوة وهي بالتالي تأكيد على صلابته وقوته، لأنه يقترن بناقته اقتراناً تاماً في رحلته الشاقة تلك، وهي ليست رحلة للوصول إلى سعاد المحبوبة بقدر ما هي رحلة شاقة مادياً ومعنوياً، جسدياً ونفسياً للوصول إلى الرسول (ص) لتقديم الاعتذار إليه وإعلان إسلامه في حضرته، وهو موقف مهول مرعب كما سيبدو في الأبيات التالية لكعب والتي سنعرضها في مناسبتها. وقد عاب عليه بعض الباحثين هذا التكرار في وصف صلابة الناقة وقوتها وعدوه تكرراً معيباً. بينما قبله آخرون وبرروه "بحجة أنه جاء بألفاظ مختلفة". ونحن نرى أن في هذا التكرار أداءً فنياً متقناً للتأكيد على صلابته وشجاعته من خلال تأكيده على صلابة ناقته وقوتها وتحملها طول المسافة وحرارة الجو. تلك الحرارة التي لم تتحملها الحرباء وكأنها شويت بالنار، والجنادب متعبة من لهف الهجير، وحادي القافلة يطلب إلى القوم أن يلجأوا إلى القيلولة لعدم تحمل الإبل الاستمرار على المسير. فكيف يتحمل إنسان ذلك ما دامت حيوانات الصحراء وحشراتها عاجزة عن تحمل شدة الهجير أما هو وناقته فأقوى من هجير الصحراء وأصلب من حيواناتها وحشراتها، فهي دؤوبة في سيرها ينبع العرق من ذراعيها وهما في شدة السير والتهام الفيافي، وقد تلفعت البيداء بجبالها وفيافيها بالسراب.
    وليس هذا فحسب وإنما حاول كعب أن يخلق نمطاً من الأجواء القصصية لإعطاء البعد النفسي له في رحلته الشاقة المترقبة، وفيها تصوير للتوحد الذي هو أقرب إلى التصعلك. فلا نرى في لوحة الرحلة غير الناقة والصحراء، والجبل المتلفع بالسراب والحرباء والجنادب بعد أن ابتعد عنه الأصدقاء وتجنبه المعارف وعافه الأحباب وأهدر دمه وفارقه الأخ والصحب ولم يبق أمامه في هذه السفرة الطويلة غير كلمة واحدة من رسول كريم تعيد إلى نفسه الاستقرار وتدفعه إلى التشبث بالحياة، ليحيا كما يحيا بقية الناس:
    كأن ضاحية بالنار مملول

    يوماً يظل به الحرباء مصطخماً

    وقد تلفع بالقور العساقيل

    كأن أوب ذراعيها وقد عرقت

    ورق الجنادب يركضن الحصى قيلوا

    وقال للقوم حاديهم وقد جعلت

    قامت فجاوبها نكد مثاكيل

    شد النهار، ذراعاً عيطل نصف

    يهمل طه حسين في حديثه مع صاحبه حديث الناقة وكأنها زائدة في حدث القصيدة. وهذا أمر شديد الغرابة لدى باحث كبير كطه حسين. بل إن الوقوف عند موضوع الناقة يثير أكثر من مسألة.
    أولاً: إنها المعادل الموضوعي لسعاد. فإذا كانت سعاد قد خذلته وتنكرت له فالناقة قد رافقته في رحلته الطويلة النفسية والمادية. إن وقوف كعب الطويل عند وصف محاسنها يدلل على حبه الشديد لها. فهو يتغزل بجمالها كما تغزل بجمال سعاد. بل أكثر عمقاً وتأثيراً. فإذا جاء تغزله بسعاد تقليدياً تذكرياً، فإن غزلـه بالناقة فيه من الصور الإيحائية المتجددة والتأكيد ما هو أبعد أثراً وأكثر عمقاً، إنه التعويض الشجاع لفقد يبدو مع مرور الزمن لا قيمة لـه، فإذا لم تكن سعاد خليقة به، فالناقة (هو) شجاعة عنيدة صامدة متوحدة ساعية لهدف، هو هدفه، فهي جزء منه وهو جزء منها، فهي كحصان امرئ القيس في معلقته، لقد كان فقد سعاد السبب الأساس في هذا الوقوف المتأني من الناقة المحبة المحبوبة. المتحركة المتلاحمة مع قائدها كعب، فهي على العكس من ناقة طرفة (الصورة)، فناقة كعب هي الحياة والأمل والمستقبل الموعود المترجى الهنيء.
    ثانياً: الناقة بشجاعتها وقوتها وصمودها وتوحدها هي كعب بن زهير وهو إذ يصف الناقة بكل هذه الخصال الحميدة لا يصف إلاّ نفسه التي سعى إلى أن يجعلها تمهيداً لرضا الرسول (ص) عنه على الرغم من مواقفه الخطيرة منه، ولكنه، رجل شجاع شهم يطلب المغفرة من رسول كريم عرف بالسماحة والشهامة والعفو عند المقدرة.
    ثالثاً: الناقة هي الوسيلة للوصول إلى حضرة الرسول الكريم (ص). فلا يمكن الاستغناء عنها في بيئة صحراوية ولرجل تشبع بالعصبية الجاهلية وأثرت فيه البيئة كل هذا التأثير الكبير، وهكذا نجد التلاحم عظيماً بين ما سمي بالغزل ووصف الناقة والاعتذار والمديح للرسول (ص) إنها الوحدة الموضوعية والعضوية معاً والذي يقود كل جزء منها إلى الجزء الأخير حتى نهاية القصيدة.
    إن وصف الناقة جزء أساس في القصيدة لا يمكن تجاهله لدى أي باحث تشبع بجمال القصيدة وأدائها الفني الرفيع.
    وماذا عن الجزء الأخير من القصيدة، الاعتذار والمديح وتأثير البيئة فيهما؟!
    إن الشاعر وهو يصور مشاعر الرهبة في حضرة الرسول (ص) وما سمعه عنه لم يجد تشبيهاً لـه غير الفيل لضخامته حتى أنه توهم بأنه أكثر الحيوانات قوة سمع.
    وربما عزا ذلك لكبر أذنيه، والشاعر مولع بالمبالغة والتفخيم.وجاءت صورة الفيل المرتعد الخائف قبل أن يسمع العفو ويحصل على الأمان من الرسول (ص) جميلة رائعة على العكس من البيت السابق عليها.
    وإذا ما أراد أن يجد تشبيهاً للرسول لم يجد غير الأسد والسيف، وهو يعطي لهذين التشبيهين أجمل ما لديه من أداء فني، فهو يصف هيبة الرسول (ص) بهيبة أسد لم يبرح أكمته بعد أن اصطاد فريسة ومزقها وأطعم من بقاياها أولاده حتى بانت الحمر الوحشية الخائفة عازفة عن الإطعام والاجترار لشدة هلعها وخوفها من هذا الضيغم المهيب:
    وقيل إنك مسبور ومسئول

    لذاك أهيب عندي إذ أكلمه

    ببطن عثّر غيل دونه غيل

    من ضيغم من ضراء الأسد مخدره
    لحم من القوم معفور خراذيل

    يغدو فيلحم ضرغامين عيشهما

    أن يترك القرن ألاّ وهو مغلول

    إذا يساور قرناً لا يحل لـه

    ولا تمشى بواديه الأراجيل

    منه تظل حمير الوحش ضامزة

    إن هذه الصورة الجميلة التي أعطاها الشاعر للرسول (ص)، هي بالإضافة إلى جمالها الفني تعبر عن الواقع النفسي الخائف للشاعر المذعور الطالب للمغفرة والأمان كما سنرى.
    وهي بحركة الجزئيات الموجودة في داخل الصورة تعكس الوضع النفسي المتقلب للشاعر بين طمعه بالعفو وخشيته من العقاب، وهي ليست استطراداً كما قال بعض الشراح وإنما جزء مهم من الصورة لا تكتمل اللوحة بدونه. ونحن نعجب كيف أهمل كاتب حساس ومتذوق رفيع للشعر مثل هذه الصورة ولم يعرها أي اهتمام.
    وإذا ما شبه كعب الرسول (ص) بالسيف لم يأت بجديد وحتى عندما يكون هذا السيف مهنداً ولكن الشاعر خصّ هذا السيف بصفة لم يسبقه أحد إليها أنه من سيوف الله ومشهَر دائماً في وجه الأعداء والمشركين، وهكذا جمع كعب في الاستضاءة به بين الرسول وسيف الله المسلول حتى أصبحت هذه الصفة بعد ذلك من صفات خالد بن الوليد كناية عن شجاعته وقوته وشدة بطشه بالأعداء.
    وهكذا لم يجد كعب أقوى وأعظم من الأسد والسيف ليشبه بهما الرسول (ص) ولكنه عندما مدح المهاجرين أعطاهم صفات بيئية يفخر بها العربي؛ فهم شم الأنوف، أبطال شجعان، لباسهم الدروع السابغة لأنهم لا يعرفون معنى للراحة حتى يستتب الحق بانتشار الإسلام.
    وإذا ما وقف الشاعر واصفاً الدروع التي يرتديها صحب الرسول وقف وقفة متأملة واختار تشبيهه للدرع بنبات انتزعه من البيئة الصحراوية (كأنها حلق القفعاء مجدول).
    فهم قد تعودوا على النصر ولا تخيفهم الهزيمة لأنهم مقبلون دائماً على أعدائهم لا يعرفون للأدبار معنى وإذا ما شبه مشيهم اختار أحب الحيوانات إليه وأقربها إلى نفسه (الجمال) وأعطاها صفة البياض المستحبة، وجاءت المقابلة بين (الجمال الزهر يعصمهم ضرب) وبين (إذا عرد السود التنابيل) رائعة جداً لبيان عظمة المهاجرين وخور وجبن أعدائهم. وقال شارح الديوان: "ويقال إنه عرض بالأنصار في هذا البيت فيما قال الذي أراد قتله عند النبي (ص).
    وقيل إن ما أثار الأنصار ضدّ كعب أنه قال الجمال الجرب ويروي السكري "الجرب المطلية بالقطران فأراد عليها الدروع فهم يشبهون الجرب". ونحن لا نرى هذا ولا ذاك وما هي إلاّ من باب التأويلات القصصية التي تناقلها الرواة. وما أغضب الأنصار فعلاً ليس ذمهم أو ذم المهاجرين وكيف يسلك هذا المسلك شاعر خائف أهدر دمه وتنكر له الأهل والصحاب وجاء إلى حيث يجلس الرسول (ص) إلى صحبه من المهاجرين والأنصار ليعتذر ويطلب العفو والأمان.
    وإذا كان غضب الأنصار قد اشتد فيعود ذلك إلى ما قبل الوصول إلى هذه الأبيات في الوقت الذي كشف كعب عن نفسه. فأثار حضوره الأنصار لما عرف عنه من عداء شديد للرسول (ص) والمسلمين ولإقذاعه في ذمهم مع الشعراء المشركين.
    6) الأزمة النفسية وتكامل التجربة الشعورية
    إن التغيير الذي طرأ على الجزيرة العربية بظهور الإسلام ومن ثم انتشاره ودخول العرب في الدين الجديد، جعل كعباً يقف موقف التنازع والحيرة وهو الذي عرف بعصبيته الشديدة وعناده وحياته القلقة، البيتية والقبلية، وعدائه الشديد للرسول والإسلام، فما أن استتب الأمر للمسلمين وأهدر دمه مع من أهدر من دماء الشعراء الشتامين للإسلام، حتى كان عليه أن يقرر. ويبدو أن حب الحياة لديه أقوى من العصبية القبلية فما أن جاءه كتاب بجير حتى أسرع إلى المدينة لإعلان إسلامه أمام الرسول (ص) وطلب العفو والأمان منه.
    في هذا الجو النفسي القلق ولدت قصيدة بانت سعاد بأجزائها الثلاثة المتفاعلة والمتكاملة لخلق اللوحة الكاملة لكعب يعرضها أمام الرسول والمهاجرين كمتهم يدافع عن نفسه ويطلب البراءة من حكامه. ويلعب الزمن دوراً عظيماً فيها فنتوزع بين ماض وحاضر. يأخذ الماضي واحداً وثلاثين بيتاً ويأخذ الحاضر أربعة وعشرين بيتاً. وليس الزمن وحده المعبر عن قلقه النفسي وإنما استعان بالأدوات الفنية الأخرى كالموسيقى الداخلية والخارجية والصورة والتركيب. فقد اختار وزن البسيط لقصيدته "فقد بدا مناسباً بإيقاعه الهادئ الرصين لشفافية الأسى المنساب في قصيدة اعتذاره إلى الرسول (ص)…
    إن وضوح مسلك الربط بين إيقاع البحر وطبيعة الغرض الشعري عند كعب قد يغري بالنظر في بحور نماذجه. إن كعباً باختياره بحر البسيط يسعى إلى أن يظهر أمام الرسول (ص) وصحبه بمظهر الإنسان الهادئ التائب السائل للغفران ليعطي صورة معكوسة لتلك الصورة التي عرفت عنه بتهوره وعصبيته وكرهه للإسلام والمسلمين.
    ولم يقتصر حرص كعب على اختيار الموسيقى الخارجية فقط بل سعى إلى اختيار الإيقاع الداخلي والموسيقى الداخلية لإظهار مناخه النفسي، ويبدأ هذا الإيقاع الحزين مع بدايات القصيدة، ويظهر العويل الباكي الحزين ممتزجاً بين القافية اللامية المنسابة وبين إيقاع الضمة والواو التي قبلها مما يكسب اللام امتداداً أكبر وأسى أشد وبكاء أعظم.
    "فلا عجب أن يتعاور الشعراء هذا النمط من الوزن والقافية في قصائدهم ذات الطابع النسيبي الحزين.. فقد وردت نماذج من وزن البردة وقافيتها في ديوان الشماخ وديوان ابن مقبل وديوان عبدة بن الطبيب والمفضليات".
    وقد أعانه تكرار الألفاظ مثل كلمة (سعاد) وتكرار الحروف على التعبير عن جو الأسى النفسي الرقيق بالنسبة إليه للماضي المتمثل في سعاد، فقد هجره هذا الماضي الحبيب كما هجرته سعاد، فهي معادل موضوعي للماضي الذي تبدل وتقضى مع ظهور الإسلام.
    ويلجأ كعب في البيت الثالث إلى المعاظلة باقتران الضاد والذال والظاء للتعبير عن مدى الظلم الذي عانى منه الشاعر من هجر الحبيبة له: "استيعاب طبيعة العلاقة بين الجرس الصوتي والمعنى. ذلك أن نطق هذه الحروف الثلاثة يجبر الناطق على تحسس مجرى الظلم وممارسة تذوقه في فمه… وذلك ما لا نزعم أن كعبًا تعمده تعمداً ولكننا نحسب أنه وفق إليه فأبدع".
    ولجأ إلى اللوحات الفنية والغنية المعبرة في وصف ماء الغدير ليعطي عذوبة الماضي. كما لجأ إلى المقاطع المتناغمة وتكرار الحروف والاستدراك والنفي ليمزج بين الإيقاع النغمي والإيقاع النفسي الحزين لتبدل المحبوبة وتغيرها وتقلبها وساعده في ذلك التشبيهات الجميلة التي تفاعلت مع بعضها لخلق لوحة الأسى والحزن مع الإيقاع الحزين والألفاظ المعبرة والتراكيب التي تدلل على قدرة إبداعية لدى الشاعر.
    "إن كعباً كان يمتلك حساً نغمياً مرهفاً لا يكاد يدانيه فيه أحد من شعراء مرحلته إلاّ الشماخ". ولعلنا أدركنا بأن الغزل في القصيدة لم يكن مجرد مدخل إلى الغرض الأصلي من القصيدة بل هو جزء مهم ومتلاحم موضوعياً وعضوياً للوصول إلى الهدف الذي أراده الشاعر في القصيدة لأن الماضي له علاقة بحاضر الاعتذار وطلب العفو ومن ثم المديح.
    وجاءت النقلة البارعة بين سعاد ووصف الناقة دالة على التفاعل بين الماضي المحبب الذي تغير وتبدل بحيث يصعب الوصول إليه وإعادته حتى بالنسبة لفارس شجاع صبور على تحمل المشاق مع ناقة صلبة قوية ضخمة، وإذا بهذه الناقة الأصيلة تقوده إلى الحاضر إلى الرسول (ص) وصحبه بدلاً من أن تقوده إلى سعاد (الماضي). ويتمثل العنصر النفسي للشاعر في الاندفاع والشجاعة في لوحة الرحلة وكأنه يقدم للرسول (ص) صورة بديلة ومختلفة لما تناقله الوشاة عنه وما وشاه الواشون ضده حتى أهدر الرسول (ص) دمه، وهو يعلم حق العلم أن الرسول الكريم (ص) ذا الخلق الرفيع يقدر الشجاعة حق قدرها ويكبر الفرسان والفروسية. ولم تخل لوحة الرحلة من تصوير لجوانب حياة كعب العنيفة والقلقة والدالة على الوحدة القريبة من الصعلكة نتيجة لمشكلاته العائلية والقبلية الخاصة.
    وكانت الناقة وهو يصفها بتلك الدقة والتأني ممثلة لصراعه النفسي العنيف وهو يقطع رحلة شاقة ومخيفة، وقد تكون مهلكة بين الماضي الذي ودعه إلى غير رجعة والمستقبل الذي ينتظره والذي يشكل الزمن الحاضر بالنسبة للقصيدة. وقد ساعده في إظهار لوحة الرحلة بذلك الشكل الفني العميق تلاحم الألفاظ الغريبة والتراكيب القوية والإيقاع المتناغم والتشبيهات الجميلة والصور المتحركة لتعبر معاً عن حالته النفسية القلقة والتي ستزداد شدة مع بدايات اعتذاره ومن ثم مديحه للرسول (ص)، فهو ينتقل نقلة بارعة إلى هدفه ويخلص من الماضي إلى الحاضر بشكل فني أخاذ فيه إيقاع الأسى والقنوط:
    إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول

    تسعى الوشاة جنابيها وقولهم

    إن الأسى والقنوط الذي سببه له الناس بمجافاتهم له وانقلابهم عليه كما انقلب عليه ماضيه:
    لا ألفينك إني عنك مشغول

    وقال كل خليل كنت آمله

    دفعه –وهو الشجاع المقدام- إلى القنوط والاستسلام فاستعان بالحكمة، والحكمة التي أوردها تعبر عن نفسه القانطة اليائسة، فهي جزء مهم من القصيدة وليست استطراداً أو مجرد أبيات ذات روح إسلامية –وهي في رأينا أقرب إلى أقوال الأحناف في الجاهلية-يتقدم بها إلى الرسول ليبعد عنه الشرك ويحصل على العفو:
    فكل ما قدر الرحمن مفعول

    فقلت خلوا طريقي لا أبالكم

    يوماً على آلة حدباء محمول

    كل ابن أنثى وإن طالت سلامته

    ويظهر الاضطراب النفسي واضحاً جلياً في اعتذارياته ولم يجد سبيلاً يسلكه أفضل من السبيل الذي سلكه النابغة الذبياني في اعتذاره من النعمان بن المنذر، وقد أجاد كعب في تصوير فزعه وخوفه فذكر نبأ وعد الرسول له والأمل في العفو وهو مدرك خير الإدراك أخلاق الرسول (ص) العالية وعفوه عند المقدرة. وذكر هدي القرآن ومواعظه، كما ذكر الوشاة والأقاويل وحاول أن يتخلص من جريرة أعماله. وتعد هذه الأبيات في الاعتذار من أجمل وأصدق ما قيل في الشعر العربي على الرغم من ظهور طابع التقليدية فيها.
    ومضى في مدح الرسول (ص) بأسلوب تقليدي في أول الأمر فشبهه بأسد في عرينه اصطاد فريسة وأطعم منها أشباله ولم نلمس جديداً في هذا المديح فقد تكرر كثيراً في الشعر الجاهلي وربما أعانه ذلك على التفصيل في لوحة الأسد وكأن الشاعر يطمع برعاية الرسول له كما يرعى الأسد أشباله، فإذا ما انتقل إلى الصورة الثانية وشبه الرسول بأنه سيف مسلول من سيوف الله لم يزد على البيت الواحد ولم يفصل في الصورة كما فصل في صورة الأسد ولعل جهله بالإسلام وخشيته من الوقوع في الخطأ دفعه إلى الإيجاز. وفي كلا الصورتين أعطى للرسول (ص) صفة القوة لأنه كان يحس بكل الضعف والخور تجاهه فلم يعط غير صور مادية، ووقف في مديحه عند صفة القوة والمهابة ولم يذكر صفات كثيرة معروفة عن أخلاق الرسول (ص) ونبله وكرمه. لأنه لم يكن يرى في الرسول (ص) في لحظته تلك غير أنه الرجل الذي يملك بين يديه حياته وموته. ولو لم يكن خائفاً فزعاً لوقف وقفة طويلة ومغايرة في مديح الرسول الكريم كتلك الوقفة التي وقفها في مدح المهاجرين. ويدفعنا الحديث عن مديح الرسول (ص) بسرعته وعدم التأني فيه إلى التساؤل في هذه الوقفة المتأنية والمبدعة التي وقفها كعب في مدح المهاجرين، فقد جمعت فيها الخصائص المادية والمعنوية، وكانت اللوحة التي قدمها الشاعر لشجاعتهم لوحة معبرة ودقيقة ضمّ فيها الجزئيات –كوصف الدروع والسلاح- إلى الكليات حتى ينتهي بالقصيدة نهاية تبلغ ذروة الإبداع الفني والإيقاع المتناغم الجمالي بين المقاطع الأربعة حيث أعطى للصورة عمقها الفني وأبعادها المتكاملة لينتهي بقصيدته نهاية رائعة معادلة لمطلع القصيدة حيث يقول:
    قوماً وليسوا مجازيعاً إذا نيلوا

    لا يفرحون إذا نالت رماحهم

    ما إن لها من حياض الموت تهليل

    لا يقع الطعن إلاّ في نحورهم

    يرى بعض الباحثين أن القدرة الإبداعية التي ظهرت في قصيدة كعب عند مدح المهاجرين بشكل أقوى من مدحه للرسول (ص) إلى العصبية القبلية: "فنحن نعلم أن المهاجرين قرشيون من كنانة، ولكعب في كنانة خؤولة. أما الأنصار فحسبهم ليستثير في نفس كعب مشاعر من نوع آخر فيسكت عن ذكرهم بشيء".
    وقد عرفنا في كعب عصبية جاهلية شديدة فلا عجب أن يحدث هذا ولما يدخل الإسلام بعد إلى قلبه ويتغلغل في أعماقه، فإذا كان المهاجرون أبناء خؤولته يعرفهم ويعرفونه، وقد عاش بيئتهم فهو يجيد في مدحهم بروح العصبية الجاهلية بينما لا يعرف عن الرسول (ص) ولا دينه الشيء الكثير فيحتار في مديحه وينظر إليه كما ينظر إلى حاكم يطلب منه العفو والأمان ولا يجد فيه شيئاً أقوى من الرهبة والقوة والعفو عند المقدرة.
    وقد احتلت مكانتها:
    قصيدة بانت سعاد مكانة دينية كبيرة حيث منح الرسول بردته لكعب عند إنشادها. ولها قيمة فنية على الرغم من الأسلوب التقليدي الذي سلكه الشاعر في نظمها ولكنها مفعمة بالأصالة وصدق التجربة الشعورية وبالإيقاع النغمي العالي، واللوحات الفنية المبتكرة والتي أفاد فيها مما ورثه من الشعر الجاهلي ومن مؤثرات البيئة الأخرى.
    وتظهر أهميتها التاريخية في أنها أصبحت جزءاً من كتب السيرة لا يخلو كتاب منها.
    واهتم بها الشراح والنحويون واللغويون والأدباء فعارضوها وخمسوها وشطروها وأشهر من عارض هذه القصيدة ابن الساعاتي المتوفى عام 604هـ والبوصيري المتوفى عام 696 ومحمد بن علي العمراني المتوفى عام 560 ومحي الدين بن عبد الظاهر المتوفى عام 692 وشبيب بن حمدان المتوفى عام 695 والعزازي عام 710 وابن سيد الناس اليعمري المتوفى عام 734 وأبو حيان الأندلسي المتوفى عام 745 وابن نباتة المصري المتوفى عام 768.
    وترجمت إلى اللاتينية ترجمها المستشرق (كارديوس جونزليت) عام 1748 وإلى الفرنسية ترجمها المستشرقان (أ. روكس ورنيه بوسيه) وترجمها (سكوبا بيكوسلاوسكي) إلى البولونية وترجمها (لويل) نثراً إلى الألمانية و (لروكرت) شعراً إلى الألمانية أيضاً وترجمها (ردهاوس) إلى الإنكليزية و (كبريالي) إلى الإيطالية و(الكاملي) إلى الفارسية و(ملجق زاده) إلى التركية.
    معارضات بانت سعاد

    المعارضة الشعرية: من مادة عرض، وعارض بمعنى أخذ في ناحية منه وأدخل دخولاً فيه ليست بمباحته، والمعارضة أن يعارض الرجل المرأة فيأتيها بلا نكاح ولا ملك أو أن يعارض فحل الإبل النوق معارضة فيضر بها من غير أن تكون من الإبل التي كان الفحل رسيلاً فيها، وعارضته في المسير أي سرت حياله وحاذيته ويقال عارض فلان فلاناً إذا أخذ في طريق وأخذ في طريق آخر فالتقيا. وعارضته بمثل ما صنع أي أتيت إليه بمثل ما أتى وفعلت مثل ما فعل. ومن هذا المعنى جاء اصطلاح المعارضة في الشعر: أن ينسج الشاعر على منوال قصيدة معينة لشاعر آخر أو يأتي بمثلها في وزنها وقافيتها ورويها وبعض معانيها أو في بعض أغراضها أو في موضوعها.
    وتحصل المعارضة نتيجة لإعجاب شاعر بقصيدة سابقة عليه لشاعر معين، لها مكانها وثقلها في الأدب العربي، أو نتيجة لاعتداد الشاعر بنفسه فيسعى في معارضته إلى منافسة شاعر قديم في قصيدة من قصائده المشهورة ليباريه أو يعلو عليه.
    أما الموازنة الشعرية: فهي من مادة وزن ووازنت بين الشيئين موازنة ووزاناً وهذا يوازن هذا إذا كان على زنته أو كان محاذيه، ومن هذا المعنى جاء اصطلاح الموازنة الشعرية فوازن الشيء بالشيء أي ساواه في الوزن وعادلـه وماثله وقابله وحاذاه ووازن الشاعر قصيدة غيره، إذا نظم قصيدة من بحرها وعلى وزنها ورويها نتيجة لإعجابه بها أو مباراتها والارتفاع عليها.
    1) معارضة علي بن محمد بن علي بن أحمد لقصيدة بانت سعاد:
    إن أولى المعارضات لقصيدة بانت سعاد هي معارضة علي بن محمد بن علي بن أحمد ابن مروان العمراني الخوارزمي المتوفى عام 560هـ. عارض في صباه قصيدة كعب بن زهير بانت سعاد في قصيدة مطلعها:
    كما يهز اليماني وهو مصقول

    أضاء برق وسجف الليل مسدول

    والتكلف واضح من المطلع هذا بالإضافة إلى التشبيه الساذج المكرور الذي ذكره.
    وأراد أن يقلد كعبا فبدأ بغزل متكلف خال من الجمال والإبداع ولا أثر فيه لفن وابتكار فاستبدل سعاداً بسعدى وقلد مطلع قصيدة كعب ببيت يظهر فيه الضعف والتكلف حيث يقول:
    عني وقلبي بالأشواق متبول

    فهاج وجدي بسعدى وهي نائية

    ويمضي الشاعر في تقليد أبيات بانت سعاد بألفاظ وتراكيب وصور تبدو ظاهرة الضعف وتفصح عن تجربة الشاعر الشعورية غير المكتملة حيث يقلد بيت كعب الجميل الإيقاع:
    إلاّ أغن غضيض الطرف مكحول

    وما سعاد غداة البين إذ رحلوا

    بقوله:
    صبر ولم يبق لي قلب ومعقول

    لم يبق لي مذ تولى الظعن باكرة

    والجفن بالأثمد الهندي مكحول

    ما أنسى لا أنسى إذ تجلو عوارضها

    فأين التركيز المغني والإيقاع الجميل والتراكيب القوية والمعاني الموحية من هذا التفصيل غير المنطقي وكم بدا الشطران الأخيران ثقيلين ولا سيما (لم يبق لي قلب ومعقول) فكيف أحب إذاً عندما فقد عقله وقلبه؟! وما أمج (الأثمد الهندي) ونحن نعلم أن كعباً لم يذكر الهند إلاّ مرتبطة بالسيوف والسيوف المسلولة استعملها تشبيهاً لقوة الرسول (ص) وسيطرته، وإذا بمقلده لا يستخدمها إلاّ للعينين، فأين هذا الاستعمال من ذاك.
    وكأن الشاعر أعجب بالبيت الثالث من قصيدة بانت سعاد فطمح إلى تقليده ولكنه فشل أيضاً على الرغم من استعارته الصورة وبعض الألفاظ حيث قال:
    وريقها سحراً بالراح معلول

    كأنما ثغرها در إذا ابتسمت

    ولا ندري السبب في تحديد الزمن للريق بالسحر إلاّ إذا أعجزه النظم. وأين مباشرة اللقطة ومادية الصورة من الإيحاء الجميل والإيقاع العذب والاستعمالات المعبرة في التركيب واللفظة في قول كعب:
    كأنه منهل بالراح معلول

    تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت

    ولا نجد في غزل الشاعر غير صور أشبعت تكرراً عند الشعراء الذين سبقوه تدل على ضعف شاعريته وتقليده وعدم اكتمال التجربة الشعورية لديه، فإذا ما انتقل إلى مدح الرسول (ص) بدا الضعف أشد في القصيدة وراح يسرد لنا أسماء الخلفاء الراشدين بأسلوب تقريري ممل أقرب إلى الأجواء النثرية منها إلى الشعر والإيحاء:
    وهو الذي ما له في الله مبذول

    وصاحب المصطفى في الغار يتبعه

    رآه إبليس ولى وهو مخذول

    وتلوه عمر الفاروق أزهر أن

    أوداجه وهو بالقرآن مشغول

    واقتدى بابن عفان الذي فريت

    مناقب جمة في شرحها طول

    وبالوصي ابن عم المصطفى فله

    ويستمر الشاعر على هذا المنوال التقريري المباشر. ولم أشأ أن أوازن بين عظمة أبيات كعب في مدح المهاجرين وبين أبيات هذا الشاعر المقلد الذي لم يحسن حتى التقليد.
    2) معارضة تقي الدين الطبيب:
    لم نلمس في قصيدته التي عارض فيها قصيدة بانت سعاد أيَّ إبداع بل جاءت تقليداً سيئاً أكد فيها على مدح الرسول (ص) واكتفى بأبيات قليلة في الغزل لينتقل بعدها مباشرة إلى مديح الرسول بأسلوب تقريري خال من الفنية الشعرية ونكتفي بأبيات نوردها دون موازنة لأنها ظاهرة الضعف والتكلف، يقول الشاعر في مدح الرسول (ص).
    مجداً تسامى فلا عرض ولا طول

    إن النبي رسول الله إن لـه

    وردّ عقل البرايا وهو معقول

    مجداً كبا الوهم عن إدراك غايته

    وساد فخراً به الأملاك جبريل

    مطهر شرف الله العباد به

    له بطيب ثراها الجعد تقبيل

    طوبى لطيبة بل طوبى لكل فتى

    ولا حاجة بنا للتدليل على ضعف التركيب وضحالة الصورة وتكرار المعنى ونبو (العرض) و (الطول) و (كبو الوهم) ولا (طيب الثرى الجعد)
    3) معارضة الشهاب العزازي:
    وقد عارض الشاعر الشهاب العزازي قصيدة بانت سعاد بقصيدة مطلعها:
    وجيش صبري مهزوم ومغلول

    دمي بأطلال ذات الخال مطلول

    بدأ الشهاب العزازي قصيدته بالغزل وحاول أن يعطي المعاني المادية التي أعطاها كعب في قصيدته ولكنه أفاض وفصّل على الخلاف من كعب الذي أوجز وأثر والتفت إلى الخصائص الجسدية لمحبوبته ولم يلتفت إلى النواحي المعنوية والأخلاقية كما فعل كعب. فهو لكي يقلد البيت الثاني من قصيدة كعب ويعطي معنى الشطر الثاني منه استعان بثلاثة أبيات تقليدية لم تستطع الوصول إلى الإبداع الفني الذي وصله كعب. يقول الشهاب العزازي:
    صبر يدافع عنه وهو مخذول

    ومن يلاق العيون الفاتكات بلا

    القوام لدن مهز العطف مجدول

    وبي أغن غضيض الطرف معتدل

    يصح إلاّ غرامي فهو منحول

    وكلما عرضت أجفان مقلته

    ومن يتأمل الأبيات يجد أن تشبث الشاعر بالخصائص المادية والمحسنات البديعية قد أفسد الصورة وحرم الشاعر الإبداع.
    ومثلما أفسد الشاعر معنى البيت الث
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    قصيدة (بانت سعاد) أو (البردة) للشاعر كعب بن زهير Empty رد: قصيدة (بانت سعاد) أو (البردة) للشاعر كعب بن زهير

    مُساهمة من طرف أحمد الجمعة نوفمبر 14, 2014 4:36 am

    شرح وتحليل لبردة كعب بن زهير
    أتمنى تستفيدوا



    * صاحب النص :

    صاحب النص هو كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني .عاش في الجاهلية و أدرك الإسلام ،و لذا فهو شاعر مخضرم . تتلمذ في الشعر على يد والده و حين رآه زهير يقول الشعر مبكرا ، منعه خشية أن يأتي منه بما لا خير فيه فيكون سبّة له و لأسرته التي كان لها في الشعر قدم راسخة و صيت بعيد . غير أن كعبا استمر ، فامتحنه والده امتحانا شديدا ن تأكد بعده من نبوغه و مقدرته الشعرية ، فسمح له بالانطلاق فيه فكان من المبرزين حتى أن الحطينة و هو من في ميزان الشعر ،رجاه أن يذكره في شعره . ملت في حدود سنة 662م.


    * المناسبة :

    كان كعب في اكتمال شبابه عندما ضخم أمر النبي و أخذ الناس يتحدثون بالإسلام . فأرسل أخاه بجيرا عام 628مإلى الرسول يستطلع الدين الجديد ،و ما أن اتصل بجير بمحمد حتى آمن به و بقي في المدينة ، فغضب كعب أشد الغضب ،و نظم أبياتا من الشعر يوبخ فيها بجيرا على ترك دين الآباء و يعرّض بالرسول فيقول :

    ألا أبلغا عني بجيرا رسالـــة فهل لك في ما قلت، ويحك، هل لكا

    سقاك بها المأمون كأسا رويــة فأنهلك المأمون منها وعـــلـكا

    ففارقت أسباب الهدى واتبعتــه على أي شيء ويب غيرك، دلكــا

    على مذهب لم تلف أما و لا أبـا عليه لم تعرف عليه أخا لكــــا

    فإن أنت لم تفعل فلست بأسـف ولا قائل إمّا عثرت : لّعا لكـــا







    و أرسل كعب بالأبيات إلى أخيه ، فاطلع عليها النبي و أهدر دمه ، فأرسل إليه أخوه بجير بما كان من الأمر ، و حثه على الإسراع في القدوم إلى النبي مسلما معتذرا ،و لكن كعب رفض ذلك و أراد الاحتماء بقبيلته فأبت عليه ذلك .

    و كثر المرجفون به من أعدائه ،و سدت في وجهه السبل ،فاستجاب لنصح أخيه و قدم إلى المدينة سنة 630م و أتى الرسول و هو بين أصحابه في المسجد ، فجلس بين يديه و وضع يده في يده و النبي لا يعرفه ، و قال : يا رسول الله ، إن كعب بن زهير أتاك تائبا مسلما فهل أنت قابل منه ؟ أجابه : نعم . قال: فأنا كعب . فوثب رجل من الأنصار قائلا : دعني يا نبي الله أضرب عنقه ،فكفه النبي (ص)عنه . و أنشد كعب حينئذ قصيدته "بانت سعاد "التي منها هذه الأبيات . و يقال أن النبي خلع عليه بردته حين وصل في الإنشاد إلى قوله : إن الرسول لسيف يستضاء به .

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    * شرح أبيات القصيدة:


    المجموعة (أ){1-4}:مقدمة غزلية (حزن الشاعر لفراق محبو بته )

    في هذه الأبيات يصف الشاعر حالته النفسية و الحزن الذي أصيب به لفراق محبوبته التي تخيلها و أطلق عليها اسم سعاد ، فيقول : لقد تركتني سعاد و رحلت عني فدمر فراقها قلبي ، فأصبحت متعلقا بها ، مقيدان ثم يصف سعاد لحظة رحيلها مع قومها بأنها بدت كغزال في صوتها غنة و في عينيها حياء و اكتحال ، ويصفها عندما تقبل بأنها خفيفة من أعلاها دقيقة الخصر ،و عندما تدبر تبدو عظيمة العجزة كما أنها كانت معتدلة القامة فليست بالطويلة و لا القصيرة ، كما يصف اسنانها عندما تبتسم و ما فيها من ريق رطب راو كأنها مسقية بالخمر أكثر من مرة فهي مروية و بياضها ناصع .


    * التحليل الفني :

    بدأ الشاعر بالغزل على عادة الشعراء القدامى و يلاحظ أنه وصف حسي اقتصر على الوصف الخارجي للمحبوبة دون التعمق في نفسها و إبراز جمالها المعنوي ، ولقد اختار لمحبوبته الخيالية اسم (سعاد ) وذلك لأنه مشتق من ( السعد والإسعاد ) وهو سعيد بقبول الرسول اعتذاره ودخوله الدين الإسلامي ، كما أنه بدأ بالغزل للفت انتباه السامعين إليه و إلى شعره .(متبول /مكبول ) جناس ناقص لإعطاء الجرس الموسيقي وإبراز المعنى .

    في هذا البيت شبه صورة سعاد لحظة رحيلها بصورة غزال في صوتها غنة وفي عينيها فتور وحياء واكتحال . وقد أكد هذا التشبيه عن طريق القصر والتوكيد بالأداة ( إلا ). هيفاء مقبلة / عجزاء مدبرة : مقابلة ( تقسيم يعطي جرسا موسيقيا / لإبراز المعنى وإيضاحه قصر / طول : طباق . في هذا البيت تشبيه ، فهو يشبه شدة لمعان أسنانها كأنها مسقية بالخمر نهلا أكثر من مرة . كما أن الشاعر يستخدم في هذا المقطع (الصورة الكلية) بما فيها من لون وحركة وصوت تنقل لنا المشهد وكأنه ماثل أمامنا نراه ونسمعه، فمن الألفاظ الدالة على اللون: )مكحول / عوارض / ظلم الراح ) ومن الألفاظ الدالة على الحركة: ( بانت / مكبول / مكحول / رحلوا / مقبلة / مدبرة/ تجلو / ابتسمت ) ومن الألفاظ الدالة على الصوت : ( قلبي / رحلوا / أغن ).


    علل :على الرغم من المقدمة الغزلية الطويلة التي تغن فيها الشاعر بسعاد إلا أن الرسول (ص) لم يغضب .

    1- لأنه يدرك غلبة التقاليد الفنية و عدم القدرة على الفكاك من سلطانها بسهولة .

    2- رحابة صدره (ص) كانت تجعله يأخذ الناس كل على قدر تفكيره و يدرك أن الاستهلال مجرد نموذج فني لا يقصد لذاته فشعراء الإسلام رغم التزامهم بتلك التقاليد الفنية الموروثة كان إيمانهم قويا .

    الشاعر عاش في الجاهلية أكثر مما عاش في الإسلام مما جعل أصالة التقاليد تتمكن من نفسه و لابد من مرور فترة زمنية كافية للإفلات من جاذبيتها .


    المجموعة (ب) {5-10}: وصف حالة الشاعر وخوفه والجو النفسي المحيط به والاعتذار للرسول .(الاعتذار والاستعطاف )

    في هذه الأبيات يذكر الشاعر سعي الوشاة الذين وشوا به إلى النبي ، وبين كيف أنه استجار بأصحابه و بني قومه فما أجاروه مما جعله وحيدا لا يجد غير الله يلجأ إليه و يسلمه أمره ،فكل ما قدر الله كائن لابد من وقوعه ، كما أن كل إنسان لابد و أن يحمل على النعش يوما لذلك فلن يخيفه الموت و سيقدم على الرسول (ص) وكله أمل في عفوه وصفحه وتأمينه من آثار وعيده ، فهو الرسول المعروف بالعفو والصفح و هو الذي أعطاه الله نعمة القرآن التي فيها بيان و توضيح لأمور الدين الإسلامي ، و يطلب منه عدم معاقبته بأكاذيب النمامين الوشاة حتى و إن كانت كثيرة إلا أنها ملفقة مفتراة .


    * التحليل الفني :

    في هذا المقطع يساير الشاعر كعب بن زهير النابغة الذبياني في مزج المدح والاعتذار . وتسيطر عليه عاطفة يمتزج فيها الخوف و الرجاء و الإعجاب .

    5- تعبير حقيقي .

    6- خلوا : أسلوب إنشائي طلبي يفيد الأمر الغرض منه الالتماس .

    لا أبالكم : أسلوب إنشائي طلبي يفيد النفي بغرض الدعاء ، يدعو على من يخوّفه بفقد الأب (يدعوا عليهم بألا يكون لهم أصل ولا أب )

    7- ابن أنثى : كناية عن الإنسان . وهو موصوف .

    آلة حدباء : كناية عن النعش . وهو موصوف .

    و في البيتين (6-7) حكمة فهو متأثر في ذلك بوالده زهير.

    8- كما أنه يكرر لفظ (رسول الله ) وذلك للتعظيم . (أسلوب خبري )

    9- مهلا : أسلوب إنشائي طلبي يفيد الأمر الغرض منه الالتماس .

    الذي أعطاك نافلة القرآن : كناية عن الله سبحانه و تعالى ، ولفظة (نافلة ) توحي بأن الله أتم على الرسول بعلوم كثيرة (الرسالة والنبوة ) وجعل الكتاب زيادة على تلك العلوم .

    (8-9) فيهما أسلوب ( التفات ) فقد تحول من ضمير الغيبة إلى ضمير الخطاب وذلك تنشيطا للأذهان .

    10- لا تأخذني : أسلوب إنشائي طلبي يفيد النهي الغرض منه الالتماس و الرجاء .

    أقوال : توحي بكثرة الوشاة، و(الوشاة) ليدفع التهم عن نفسه، كما يستخدم لفظة (أقاويل) ليؤكد أنها مجرد اتهامات و ليدلل على بطلانها .



    المجموعة (ج){11-17}:مدح الرسول (ص)و المهاجرين

    هنا يبدأ الشاعر في مدح الرسول (ص) والمهاجرين ، فيصف الرسول (ص) بالنور الذي يهتدى به و بأنه سيف من سيوف الحق و العدالة المشروعة في وجوه الأعداء ، تحف به جماعة من قريش دانت بالإسلام و هاجرت من مكة في سبيله ، ثم يصف المهاجرين بأنهم عندما هاجروا كانوا أقوياء ، شجعان، أباة ، و لباسهم في الحروب متقن الصنع ، و كأنه من نسج داود عليه السلام ، كما أنهم يحاربون بجرأة أو يضربون باستبسال إذا هرب الجبناء و فر الرعاديد ،و إذا غلبوا عدوهم لا يفرحون بذلك لأن النصر من عادتهم ، و إذا غلبهم العدو لا يجزعون من لقائه لثقتهم بالتغلب عليه ، و هم لا يقع الطعن في ظهورهم بل في نحورهم لأنهم لا ينهزمون و لا يفرون عن موارد الردى وساحات القتال .


    * التحليل الفني :

    11- إن الرسول لسيف : تشبيه بليغ ، شبه الرسول بالسيف المصنوع من حديد الهند والمتميز بجودته . وفيها إيحاء بالقوة و السلطان .

    يستضاء به :استعارة مكنية سبه الرسول بالمصباح الذي يهتدى به في الظلام .

    سيوف الله :كناية عن رجال الله و أنبيائه ،و المدافعين عن رسالة السماء .

    و هذا البيت يكشف لنا عن إحدى عادات العرب و أنهم كانوا إذا أرادوا استدعاء من حولهم من القوم شهروا السيف الصقيل فيظهر لمعانه عن بعد فيأتون إليه طائعين مهتدين بنوره.

    12- يشير الشاعر إلى الهجرة الثانية إلى المدينة المنورة … عندما وقف عمر بن الخطاب في وادي مكة متحديا ، و أشهر هجرته ،وقال : (من أراد أن تثكله أمه فليتبعني إلى هذا الوادي ) و قائلهم هنا إشارة إلى عمر بن الخطاب .

    زولوا :أسلوب إنشائي طلبي يفيد الأمر بغرض الالتماس .

    14- شم العرانين :كناية عن صفة العزة و الإباء و الترفع عن الدنايا ، لبوسهم من نسج داود : كناية عن متانة الدروع و دقة الصنع .

    15- يستمر الشاعر في مدح أنصار النبي (ص) فيشبههم بالجمال الزهر والتشبيه هنا بليغ فوجه الشبه التقدم و النشاط و السرعة في اندفاعهم في ساحة المعركة يحميهم من الضرب والطعن (خاصية من خصائص الجمال الزهر الاندفاع و التقدم دائما إلى الأمام ) ثم يعرض بالمقابل صورة الأعداء في جبنهم و تراجعهم ،و استخدم التنابيل كناية عن صفة الضعف و قصور الهمة ،و في البيت مقابلة بين فريقين المؤمنين يدفعهم إيمانهم إلى التقدم و طلب الشهادة و الكفار يسيطر عليهم الجبن و الضعف فيتراجعون .

    16- كناية عن أخلاق المسلمين فهم لا يشمتون في أعدائهم عند النصر ولا يصيبهم الجزع و الخوف عند الهزيمة ؛لأنهم يعرفون أن الأيام دول و أن الصبر على البلاء قوة ،وفي البيت مقابلة تبين حال المسلمين في الموقفين النصر و الهزيمة .

    17- يعطي الشاعر البرهان و الدليل على شجاعتهم عن طريق الكناية في قوله يقطع الطعن في نحورهم ) وأكد ذلك بأسلوب قصر للتوكيد فصفتهم الشجاعة عند المواجهة ، ثم وضح في صورة حسية هذه الفقرة عندما قال: (حياض الموت )فقد شبه الموت بالحياض و جاء التشبيه البليغ في صورة المضاف و المضاف إليه ، و كذلك فيها استعارة تصريحية لأنه شبه ساحة المعارك بحياض الموت و صرح المشبه به .


    ** كما يتضمن هذا المقطع أيضا صورة كلية فيها :


    أ-اللون: (سيف / يستضاء / لبوسهم / سرابيل / الجمال الزهر / السود / نحورهم ).

    ب-الصوت : ( قال قائلهم / زولوا / اللقاء / الهيجا ).

    ج-الحركة : (مسلول / زالوا / اللقاء / نسج / الهيجا / يمشون مشي الجمال / ضرب / عرد / نالت / يقع الطعن ).


    ** أثر الإسلام في معاني القصيدة :


    يتضح أثر الإسلام في معاني القصيدة وفقد مثل ذلك بدروع داود عليه السلام (من نسج داود )الذي كان ماهرا في صنع الدروع ،كما تأثر بالقرآن الكريم في وصفه لأصحاب الرسول (ص) بالقوة و إعداد العدة للأعداء مشيرا إلى قوله تعالى: (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم )).


    * خصائص أسلوب كعب بن زهير :

    بساطة التركيب والمعاني ، قدرة الألفاظ على حسن الأداء ، اختيار المعاني والصور الملائمة لموقف الاستعطاف، قلة المحسنات البديعية ، قلة الصور وغلبة النزعة الواقعية عليها والتأثر بالظروف التي صاحبت التجربة الشعرية للشاعر ، التصوير الجزئي والكلي التأثر بالإسلام بالإضافة إلى المحافظة على القديم، والتنويع في الأساليب (النفي/الحصر /التشبيه ).


    * أثر البيئة في القصيدة :

    يلجأ كعب في رسم صورة إلى البيئة المحيطة ، فهي بدوية صحراوية ، ويتضح ذلك في (حياض الموت، وتشبيه الرسول بالسيف المهند، ووصف آلات الحرب وملابسها والمهارة فيها ، وتشبيه سعاد بالغزال ذي الصوت الأغن ،و تشبيه ريقها بالخمر ).


    * سمات شخصية الشاعر :

    جريء شجاع ، معترف بذنبه ، حكيم ، ذو نزعة دينية.


    *ما العاطفة المسيطرة على الشاعر ؟

    الخوف ثم الرجاء يليه الإعجاب بالنبي و المهاجرين

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 14, 2024 9:27 pm