كتب حافظ إبراهيم عن الدين والدنيا، والماضي والحاضر، والوطن والمواطن، والرجل والمرأة، لم يترك شاردة ولا واردة إلا قال فيها شعرا، صاغه في بنيان هندسي متين بأسلوب قوي جميل، فجاءت قصائده حلوة المذاق كأنها تنبع من نهر عذب رقراق، معانيها جديدة متجددة كأنها كتبت منذ ساعة أو بعض ساعة رغم مرور السنوات وتعاقب العقود، بل إن بعضها مضى عليه قرن من الزمان أو يزيد، تصور قضايا أمته وتعكس آلامها وتجدد آمالها وتفسر أحلامها.
ولد حافظ إبراهيم قرب ديروط بصعيد مصر 1871 ومات بالقاهرة ،1932 كان أبوه مهندسا وأمه سيدة تركية، كفله خاله بعد وفاه أبيه وهو في سن الرابعة ولم يتلق تعليما منتظما، التحق بالمدرسة الحربية وعمل ضابطا في السودان واشترك مع عدد من زملائه في حركة تمرد على قادته من الضباط الإنجليز، وأحيل إلى الاستيداع وعاد إلى القاهرة.
قضى فترة طويلة يبحث عن عمل حتى التحق بوظيفة بدار الكتب المصرية.
كانت له علاقات بعدد كبير من رجال السياسة والفكر والدين والأدب خاصة الأستاذ الإمام محمد عبده.
شارك بشعره في مناسبات كثيرة وعبر عن أماني الشعب في الحرية والاستقلال وألقى قصائده بطريقة آسرة مؤثرة ولقب بشاعر النيل.
ارتبط اسمه باسم أمير الشعراء احمد شوقي، وتوفيا في عام واحد، وكان يعبر عن هذا الارتباط بينهما بطريقة ساخرة بقوله “زفتى وميت غمر، وسميط وبيض” بدلا من حافظ وشوقي.
طبع ديوانه في حياته في 3 أجزاء صغيرة 1901-1911 واعيد طبعه بعد وفاته، وله كتاب آخر على طريقة المقامات “ليالي سطيح”، كما ترجم رواية البؤساء للأديب الفرنسي فيكتور هوجو.
القصيدة العمرية
نظم حافظ قصيدة طويلة “185 بيتا” عن الخليفة العادل عمر بن الخطاب، كتب من خلالها قصته قبل الإسلام وبعده وكيف اصبح مدافعا صلبا عنه، بعد أن كان من ألد أعدائه.
وأنشد الشاعر هذه القصيدة بمدرج وزارة المعارف، بدرب الجماميز بالقاهرة مساء يوم الجمعة 8 فبراير/ شباط سنة 1918.
قال في مطلعها وهو يخشى ألا يوفي هذا الرجل العظيم حقه، وهو الذي أطلق عليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم- لقب “الفاروق”، لأنه فرق بين الحق والباطل.
حسب القوافي وحسبي حين ألقيها
أني إلى ساحة الفاروق أهديها
قد نازعتني نفسي أن أوفيها
وليس في طوق مثلي أن يوفيها
ويصور حافظ في مقطع من قصيدته واقعة إسلام عمر عندما اخبروه بأن أخته وزوجها آمنا بما انزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- فانطلق إلى بيتها كالسهم يريد الفتك بها، وهناك سمع ما كان يتلى من سورة “طه”، فضربها وأسال الدم من وجهها، وتناول الصحيفة، وقرأ ما فيها فتغيرت أحواله وعاد إلى الطريق القويم.
رأيت في الدين آراء موفقة
فأنزل الله قرآنا يزكيها
قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها
بنعمة الله حصنا من أعاديها
سمعت سورة “طه” من مرتلها
فزلزلت نية قد كنت تنويها
وقلت فيها مقالا لا يطاوله
قول المحب الذي قد بات يطريها
ويوم أسلمت عز الحق وارتفعت
عن كاهل الدين أثقال يعانيها
بيعة أبي بكر
أفاق عمر بن الخطاب من صدمته بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم- بعد أن وقف أبو بكر الصديق في الناس خطيبا، يخبرهم بحقيقة الأمر ويتلو الآية الكريمة التي أعادت الأمر إلى نصابه: فيقول حافظ:
نسيت في حق “طه” آية نزلت
وقد يذكر بالآيات ناسيها
وفي هذه اللحظات العصيبة وقف الفاروق بجوار الصديق وبايعه على الخلافة وانتهت الفتنة وتبدد الخلاف.
وموقف لك بعد المصطفى افترقت
فيه الصحابة لما غاب هاديها
بايعت فيه أبا بكر مبايعة
على الخلافة قاصيها ودانيها
وأطفئت فتنة لولاك لاستعرت
بين القبائل وانسابت أفاعيها
عمل عبد الله بن عمر بالتجارة وربح قطيعا من الإبل، وخشي أن يكون في ذلك شبهة لاستغلال النفوذ، فأمر بتسليمها إلى بيت المال.
قد استعان بجاهي في تجارته
وبات باسم أبي حفص ينميها
ردوا النياق لبيت المال إن له
حق الزيادة فيها قبل شاريها
وسيرة عمر بن الخطاب في الزهد والتقوى فاقت كل الحدود وقد طلبت منه زوجته ذات مرة أن يشتري لها قطعة من الحلوى لكنه رفض.. يقول حافظ:
فمن يباري أبا حفص وسيرته
أو من يحاول للفاروق تشبيها
يوم اشتهت زوجه الحلوى فقال لها
من أين لي ثمن الحلوى فأشريها
لا تمتطي شهوات النفس جامحة
فكسرة الخبز عن حلواك تجزيها
رسول كسرى
ومن اشهر الروايات التي نقلها إلينا التاريخ قصة رسول كسرى الذي جاء إلى المدينة لمقابلة خليفة المسلمين عمر بن الخطاب، فسأل عن قصره المنيف، أو حصنه المنيع، فدلوه على بيته، هو أدنى من بيوت الفقراء، فوجده نائما في ملابسه البسيطة تحت ظل شجرة قريبة، فقال مقولته الشهيرة: “حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر”.
وراع صاحب كسرى أن رأى “عُمرا”
بين الرعية عطلا وهو راعيها
وعهده بملوك الفرس أن لها
سورا من الجند والأحراس يحميها
رآه مستغرقا في نومه فرأى
فيه الجلالة في أسمى معانيها
فوق الثرى تحت ظل الروح مشتملا
ببردة كاد طول العهد يبليها
فهان في عينيه ما كان يكبره
من الأكاسر والدنيا بأيديها
وقال قولة حق أصبحت مثلا
وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها
أمنت لما أقمت العدل بينهم
فنمت نوم قرير العين هانيها
حارس الشورى
وتحدث حافظ في قصيدته عن إيمان الفاروق عمر بحرية الرأي وأهمية الشورى في بناء المجتمع الإسلامي القوي، وان النجاح والفلاح في الحوار وتعدد الآراء والعناد والشقاء في ظل وجود الرأي الواحد:
يا رافعا راية الشورى وحارسها
جزاك ربك خيرا من محبيها
وما استبد برأي في حكومته
إن الحكومة تغري مستبديها
رأي الجماعة لا تشقى البلاد به
رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها
منقول من جريدة الخليج
الامارات