ب ـ الدروس والعظات
يستطيع الباحث أن يخرج من دراسة الوقائع السالفة بالدروس والنتائج التالية :
1- أنه كلما كان الداعية إلى الله ، أو المصلح الاجتماعي في شرف من قومه ، كان ذلك أدعى إلى استماع الناس له ، فإن من عادتهم أن يزدروا بالمصلحين والدعاة إذا كانوا من بيئة مغمورة ، أو نشب وضيع ، فإذا جاءهم من لا ينكرون شرف نسبه ، ولا مكانة أسرته الاجتماعية بينهم ، لم يجدوا ما يقولونه عنه إلا افتراءات يتحللون بها من الاستماع إلى دعوته ، والإصغاء إلى كلامه ، ولذلك كان أول ما سأل عنه هرقل أباسفيان بعد أن أرسل الرسول إلى هرقل كتاباً يدعوه فيه إلى الإسلام هو وقومه : كيف نسبه فيكم ؟ فأجاب أبو سفيان وهو يؤمذ على شركه:هو من أشرفنا نسباً ولما انتهى هرقل من أسئلته ، وسمع جوابه عنها ، أخذ يشرح له سر الأسئلة التي توجه بها إليه حول محمد "رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له هرقل : سألتك كيف نسبه فيكم ؟ فزعمت أنه من أشرافكم نسباً ، وكذلك لا يختار الله النبي إلا من كرام قومه ، وأوسطهم نسباً .
صحيح أن الإسلام لا يقيم وزناً لشرف الأنساب تجاه الأعمال ، ولكن هذا لا يمنع أن يكون الذي يجمع بين شرف النسب وشرف الفعل ، أكرم وأعلى مكاناً وأقرب نجاحاً ، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: " خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام اذا فقهوا ".
2- أن في تحمل الداعية آلام اليتم أو العيش ، وهو في صغره ما يجعله أكثر إحساساً بالمعاني الإنسانية النبيلة ، وأمتلا بالعواطف الرحيمة تحومل الي أن يكون لديه رصيد كبير من العواطف الإنسانية النبيلة التي تجعله يشعر بآلام الضعفاء والبائسين ، ولا يوفر له هذا الرصيد شيء ، مثل أن يعاني في حياته بعض ما يعانية أولئك المستضعفون كاليتامى والفقراء والمساكين .
3- كلما عاش الداعية في جو أقرب على الفطرة ، وأبعد عن الحياة المعقدة ، كان ذلك أدعى إلى صفاء ذهنه ، وقوة عقله وجسمه ونفسه ، وسلامة منطقة وتفكير ، ولذلك لم يختر الله العرب لأداء رسالة الإسلام صدفة ولا عبثاً ، بل لأنهم كانوا بالنسبة إلى من يجاورهم من الأمم التمدنة أصفي نفوساً ، وأسلم تفكيراً ، وأقوم أخلاقاً ، وأكثر احتمالاً لمكاره الحروب في سبيل دعوة الله ونشر رسالته في أنحاء العالم .
4- لا يتأهل لمركز الدعوة وقيادتها إلا الذكي النبيه ، فالأغبياء والمتوسطون في نجابتهم أبعد الناس عن جداره القيادة الفكرية ، الإصلاحية . أو الروحية . بل إن من سنن الحياة أن يتمكن من القيادة في أية ناحية من نواحي الحياة عن جدارة واستحقاق الأغبياء والمضطربون في تفكيرهم . والشاذون في آرائهم ، وإذا وأتت الصدقة أو الظروف واحداً من هؤلاء . فحملته إلى مركز القيادة . فسرعان ما يهوى إلى الحضيض ويتخلى عنه قومه بعد تدلهم على غيارته ، أو شذوذه . أو أضطراب تفكيره .
5- ينبغي للداعية أن يعتمد في معيشته على جهده الشخصي أو مورد شريف لا استجداء فيه ، ولا ذلة ولا مهانة .
إن ينبغي للداعية أن يعتمد في معيشته على جهده الشخصي أو مورد شريف لا أستجداء فيه ، ولا ذلة ولا مهانة .
إن الداعاة الصادقين الشرفاء يربؤون بأنفسهم أن يعيشوا من صدقات الناي وأعطياتهم . وأية كرامة تكون لهم في نفوس قومهم بعد مكشوفاً ، بذل السؤال والاستجداء ولو لم يكن صريحاً مكشوفاً ، بذل السؤال والاستجداء ولو لم يكن صريحاً مكشوفاً ، فإذا وجدنا من يدعي الدعوة والإرشاد . وهو يستكثر من أموال الناس بشتى أنواع الحبل . فإنا نجزم بمهانة نفسه في نفسه ، فكيف في نفوس قومه وجيرانه . ومن أرتضى لنفسه المهانة ، فكيف يستطيع أن يدعو إلى مكارم الأخلاق . ويقف في وجه الطغاة والمفسدين ، ويحارب الشر والفساد . ويبعث في الأمة روح الكرامة والشرف والاستقامة؟
6- إن استقامة الداعية في شبابه وحسن سيرته ، أدعى إلى نجاحه في دعوته إلى الله ، وإصلاح الإخلاص ، ومحاربة المنكرات ، إذا لا يجد في الناس من يغمزه في سلوكه الشخصي قبل قيامه بالدعوة ، وكثيراً ما رأينا أناساً قاموا بدعوة الإصلاح ، وبخاصة إصلاح الأخلاق ، وكان من أكبر العوامل في إعراض الناس عنهم ما يذكرونه لهم من ماض ملوث ، وخلق غير مستقيم ن بل إن هذا الماضي السيء يكون مدعاة للشك في صدق مثل هؤلاء الدعاة ، بحيث يتهمون بالتستر وراء دعوة الإصلاح لمآرب خاصة ، أو يتهمون بأنهم ما بدؤوا بالدعوة إلى الاصلاح إلا بعد أن قضوا لبانتهم من ملذات الحياة وشهراتها ، وأصبحوا في وضع أم عمر لا أمل لهم فيه بالاستمرار فيما كانوا يبلغون فيه من عرض أو مال أو شهرة أو جاه .
أما الداعية المستقيم في شبابه ، فانه يظل أبداً رافع الرأس ناصح الحبين ، لا يجد أعداء الإصلاح سبيلاً إلى غمزه بماض قريب أو بعيد ، ولا يتخذون من هذا الماضي المنحرف تكأة للتشهير به ، ودعوة الناس إلى الاستخفاف بشأنه.
نعم إن الله يقبل توبة التائب المقبل عليه بصدق وإخلاص ، ويمحو بحسناته الحاضرة سيآته المنصرمة ، ولكن هذا شيء غير الداعية الذي ينتظر لدعوته النجاح إذا استقامت سيرته وحسنت سمعته .
7-إن تجارب الداعية بالسفر ، ومعاشرة الجماهير ، والتعرف على عوائد الناس وأوضاعهم ومشكلاتهم ، لما أثر كبير في نجاح دعوته ، فالذي يخالطون الناس في الكتب والمقالات دون أن يختلطوا بهم على مختلف اتجاهاتهم ، قوم مخفقون في دعوة الإصلاح ، لا يستمع الناس اليهم ، ولا تستجيب العقول لدعوتهم ، لما يرى فيهم الناس من جهل بأوضاعهم ومشكلاتهم ، فمن أراد أن يصلح المتدينين ، عليه أن يعيش معهم في مساجدهم ، ومجالسهم ، ومجتمعاتهم ، ومن أراد أن يصلح حال العمال والفلاحين ، عليه أن يعيش معهم في قراهم ، ومصانعهم ، ويؤاكلهم في بيوتهم ، ويتحدث اليهم في مجتمعاتهم ، ومن أراد أن يصلح المعاملات الجارية بني الناس ، عليه أن يختلط بهم في أسواقهم ، ومتاجرهم ، ومصانعهم ، وأنديتهم ، ومجالسهم، ومن أراد أن يصلح الأوضاع السياسية ، عليه أن يختلط بالسياسيين ، ويتعرف إلى تنظيماتهم ، ويستمع لخطبهم ، ويقرا لهم برامجهم وأحزابهم ، ثم يتعرف إلى البيئة التي يعيشون فيها ، والثقافة التي نهلوا من معينها ، والاتجاه الذي يندفعون نحوه ، ليعرف كيف يخاطبهم بما لا تنفر منه نفوسهم ، وكيف يسلك في إصلاحه معهم بما لا يدعوهم إلى محارته عن كره نفسي ، واندفاع عاطفي.
وهكذا يجب أن يكون للداعية من تجاربه في الحياة ، ومعرفته بشؤون الناس ، ما يمكنه من أن يحقق قول الله تعالى : " ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ " [ النحل : 125 ] ، وما أبدع القول المأثور : خاطبوا الناس على قدر عقولهم ، اتريدون أن يكذب الله ورسوله ؟ .
8ـ يجب على الداعية إلى الله أن تكون له بين الفينة والفينة أوقات يخلو فيها بنفسه ، تتصل فيها روحه بالله جل شأنه ، وتصفو فيها نفسه من كدورات الأخلاق الذميمة ، والحياة المضطربة من حول ، ومثل هذا الخلوات تدعوه إلى محاسبة نفسه أن قصرت في خير ،، أو زلت في اتجاه ، أو جانبت سبيل الحكمة ، أو أخطأت في سبيل ومنهج أو طريق ، أو أن غمست مع الناس في الجدال والنقاش حتى أنسته تذكر الله والأنس به وتذكر الآخرة ن وجنتها ونارها ، والموت وغصصه وآلامة ، ولذلك كان وتذكر التهجد وقيام الليل فرضاً في حق النبي صلى الله عليه وسلم مستحياً في حق غيره ، وأحق الناس بالحرص على هذه النافلة هم الدعاة إلى الله وشريعته وجنته ، وللخلوة والتهجد والقيام لله بالعبودية في أعقاب الليل لذة لا يدركها إلا من أكرمه الله بها ، وقد كان إبراهيم بن أدهم رحمه الله يقول في اعقاب تهجده وعبادته : نحن في لذة لو عرفها الملوك لقاتلونا عليها .
وحسبنا قول الله تبارك وتعالى مخاطباً رسول الله صلى الله عليه وسلم مستحياً ( يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ ، قُمِ الّليلَ إِلا قَلِيلأ نِصْفَهُ أَو انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً ، أَو زِدْ عَلَيهِ وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً ، إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيكَ قَولا ثَقِيلاً ، إِنَّ نَاشِئَةَ الليلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأًً وَأَقْوَمُ قِيلا ) [ المزمل 1ـ7] .
يستطيع الباحث أن يخرج من دراسة الوقائع السالفة بالدروس والنتائج التالية :
1- أنه كلما كان الداعية إلى الله ، أو المصلح الاجتماعي في شرف من قومه ، كان ذلك أدعى إلى استماع الناس له ، فإن من عادتهم أن يزدروا بالمصلحين والدعاة إذا كانوا من بيئة مغمورة ، أو نشب وضيع ، فإذا جاءهم من لا ينكرون شرف نسبه ، ولا مكانة أسرته الاجتماعية بينهم ، لم يجدوا ما يقولونه عنه إلا افتراءات يتحللون بها من الاستماع إلى دعوته ، والإصغاء إلى كلامه ، ولذلك كان أول ما سأل عنه هرقل أباسفيان بعد أن أرسل الرسول إلى هرقل كتاباً يدعوه فيه إلى الإسلام هو وقومه : كيف نسبه فيكم ؟ فأجاب أبو سفيان وهو يؤمذ على شركه:هو من أشرفنا نسباً ولما انتهى هرقل من أسئلته ، وسمع جوابه عنها ، أخذ يشرح له سر الأسئلة التي توجه بها إليه حول محمد "رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له هرقل : سألتك كيف نسبه فيكم ؟ فزعمت أنه من أشرافكم نسباً ، وكذلك لا يختار الله النبي إلا من كرام قومه ، وأوسطهم نسباً .
صحيح أن الإسلام لا يقيم وزناً لشرف الأنساب تجاه الأعمال ، ولكن هذا لا يمنع أن يكون الذي يجمع بين شرف النسب وشرف الفعل ، أكرم وأعلى مكاناً وأقرب نجاحاً ، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: " خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام اذا فقهوا ".
2- أن في تحمل الداعية آلام اليتم أو العيش ، وهو في صغره ما يجعله أكثر إحساساً بالمعاني الإنسانية النبيلة ، وأمتلا بالعواطف الرحيمة تحومل الي أن يكون لديه رصيد كبير من العواطف الإنسانية النبيلة التي تجعله يشعر بآلام الضعفاء والبائسين ، ولا يوفر له هذا الرصيد شيء ، مثل أن يعاني في حياته بعض ما يعانية أولئك المستضعفون كاليتامى والفقراء والمساكين .
3- كلما عاش الداعية في جو أقرب على الفطرة ، وأبعد عن الحياة المعقدة ، كان ذلك أدعى إلى صفاء ذهنه ، وقوة عقله وجسمه ونفسه ، وسلامة منطقة وتفكير ، ولذلك لم يختر الله العرب لأداء رسالة الإسلام صدفة ولا عبثاً ، بل لأنهم كانوا بالنسبة إلى من يجاورهم من الأمم التمدنة أصفي نفوساً ، وأسلم تفكيراً ، وأقوم أخلاقاً ، وأكثر احتمالاً لمكاره الحروب في سبيل دعوة الله ونشر رسالته في أنحاء العالم .
4- لا يتأهل لمركز الدعوة وقيادتها إلا الذكي النبيه ، فالأغبياء والمتوسطون في نجابتهم أبعد الناس عن جداره القيادة الفكرية ، الإصلاحية . أو الروحية . بل إن من سنن الحياة أن يتمكن من القيادة في أية ناحية من نواحي الحياة عن جدارة واستحقاق الأغبياء والمضطربون في تفكيرهم . والشاذون في آرائهم ، وإذا وأتت الصدقة أو الظروف واحداً من هؤلاء . فحملته إلى مركز القيادة . فسرعان ما يهوى إلى الحضيض ويتخلى عنه قومه بعد تدلهم على غيارته ، أو شذوذه . أو أضطراب تفكيره .
5- ينبغي للداعية أن يعتمد في معيشته على جهده الشخصي أو مورد شريف لا استجداء فيه ، ولا ذلة ولا مهانة .
إن ينبغي للداعية أن يعتمد في معيشته على جهده الشخصي أو مورد شريف لا أستجداء فيه ، ولا ذلة ولا مهانة .
إن الداعاة الصادقين الشرفاء يربؤون بأنفسهم أن يعيشوا من صدقات الناي وأعطياتهم . وأية كرامة تكون لهم في نفوس قومهم بعد مكشوفاً ، بذل السؤال والاستجداء ولو لم يكن صريحاً مكشوفاً ، بذل السؤال والاستجداء ولو لم يكن صريحاً مكشوفاً ، فإذا وجدنا من يدعي الدعوة والإرشاد . وهو يستكثر من أموال الناس بشتى أنواع الحبل . فإنا نجزم بمهانة نفسه في نفسه ، فكيف في نفوس قومه وجيرانه . ومن أرتضى لنفسه المهانة ، فكيف يستطيع أن يدعو إلى مكارم الأخلاق . ويقف في وجه الطغاة والمفسدين ، ويحارب الشر والفساد . ويبعث في الأمة روح الكرامة والشرف والاستقامة؟
6- إن استقامة الداعية في شبابه وحسن سيرته ، أدعى إلى نجاحه في دعوته إلى الله ، وإصلاح الإخلاص ، ومحاربة المنكرات ، إذا لا يجد في الناس من يغمزه في سلوكه الشخصي قبل قيامه بالدعوة ، وكثيراً ما رأينا أناساً قاموا بدعوة الإصلاح ، وبخاصة إصلاح الأخلاق ، وكان من أكبر العوامل في إعراض الناس عنهم ما يذكرونه لهم من ماض ملوث ، وخلق غير مستقيم ن بل إن هذا الماضي السيء يكون مدعاة للشك في صدق مثل هؤلاء الدعاة ، بحيث يتهمون بالتستر وراء دعوة الإصلاح لمآرب خاصة ، أو يتهمون بأنهم ما بدؤوا بالدعوة إلى الاصلاح إلا بعد أن قضوا لبانتهم من ملذات الحياة وشهراتها ، وأصبحوا في وضع أم عمر لا أمل لهم فيه بالاستمرار فيما كانوا يبلغون فيه من عرض أو مال أو شهرة أو جاه .
أما الداعية المستقيم في شبابه ، فانه يظل أبداً رافع الرأس ناصح الحبين ، لا يجد أعداء الإصلاح سبيلاً إلى غمزه بماض قريب أو بعيد ، ولا يتخذون من هذا الماضي المنحرف تكأة للتشهير به ، ودعوة الناس إلى الاستخفاف بشأنه.
نعم إن الله يقبل توبة التائب المقبل عليه بصدق وإخلاص ، ويمحو بحسناته الحاضرة سيآته المنصرمة ، ولكن هذا شيء غير الداعية الذي ينتظر لدعوته النجاح إذا استقامت سيرته وحسنت سمعته .
7-إن تجارب الداعية بالسفر ، ومعاشرة الجماهير ، والتعرف على عوائد الناس وأوضاعهم ومشكلاتهم ، لما أثر كبير في نجاح دعوته ، فالذي يخالطون الناس في الكتب والمقالات دون أن يختلطوا بهم على مختلف اتجاهاتهم ، قوم مخفقون في دعوة الإصلاح ، لا يستمع الناس اليهم ، ولا تستجيب العقول لدعوتهم ، لما يرى فيهم الناس من جهل بأوضاعهم ومشكلاتهم ، فمن أراد أن يصلح المتدينين ، عليه أن يعيش معهم في مساجدهم ، ومجالسهم ، ومجتمعاتهم ، ومن أراد أن يصلح حال العمال والفلاحين ، عليه أن يعيش معهم في قراهم ، ومصانعهم ، ويؤاكلهم في بيوتهم ، ويتحدث اليهم في مجتمعاتهم ، ومن أراد أن يصلح المعاملات الجارية بني الناس ، عليه أن يختلط بهم في أسواقهم ، ومتاجرهم ، ومصانعهم ، وأنديتهم ، ومجالسهم، ومن أراد أن يصلح الأوضاع السياسية ، عليه أن يختلط بالسياسيين ، ويتعرف إلى تنظيماتهم ، ويستمع لخطبهم ، ويقرا لهم برامجهم وأحزابهم ، ثم يتعرف إلى البيئة التي يعيشون فيها ، والثقافة التي نهلوا من معينها ، والاتجاه الذي يندفعون نحوه ، ليعرف كيف يخاطبهم بما لا تنفر منه نفوسهم ، وكيف يسلك في إصلاحه معهم بما لا يدعوهم إلى محارته عن كره نفسي ، واندفاع عاطفي.
وهكذا يجب أن يكون للداعية من تجاربه في الحياة ، ومعرفته بشؤون الناس ، ما يمكنه من أن يحقق قول الله تعالى : " ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ " [ النحل : 125 ] ، وما أبدع القول المأثور : خاطبوا الناس على قدر عقولهم ، اتريدون أن يكذب الله ورسوله ؟ .
8ـ يجب على الداعية إلى الله أن تكون له بين الفينة والفينة أوقات يخلو فيها بنفسه ، تتصل فيها روحه بالله جل شأنه ، وتصفو فيها نفسه من كدورات الأخلاق الذميمة ، والحياة المضطربة من حول ، ومثل هذا الخلوات تدعوه إلى محاسبة نفسه أن قصرت في خير ،، أو زلت في اتجاه ، أو جانبت سبيل الحكمة ، أو أخطأت في سبيل ومنهج أو طريق ، أو أن غمست مع الناس في الجدال والنقاش حتى أنسته تذكر الله والأنس به وتذكر الآخرة ن وجنتها ونارها ، والموت وغصصه وآلامة ، ولذلك كان وتذكر التهجد وقيام الليل فرضاً في حق النبي صلى الله عليه وسلم مستحياً في حق غيره ، وأحق الناس بالحرص على هذه النافلة هم الدعاة إلى الله وشريعته وجنته ، وللخلوة والتهجد والقيام لله بالعبودية في أعقاب الليل لذة لا يدركها إلا من أكرمه الله بها ، وقد كان إبراهيم بن أدهم رحمه الله يقول في اعقاب تهجده وعبادته : نحن في لذة لو عرفها الملوك لقاتلونا عليها .
وحسبنا قول الله تبارك وتعالى مخاطباً رسول الله صلى الله عليه وسلم مستحياً ( يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ ، قُمِ الّليلَ إِلا قَلِيلأ نِصْفَهُ أَو انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً ، أَو زِدْ عَلَيهِ وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً ، إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيكَ قَولا ثَقِيلاً ، إِنَّ نَاشِئَةَ الليلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأًً وَأَقْوَمُ قِيلا ) [ المزمل 1ـ7] .