لم يقتصر فرح النبي صلى الله عليه وسلم وضحكه على المواقف والاحداث المتناقضة التي وقعت أمامه فحسب، بل كانت هناك مواقف أخرى تدخل السرور والفرح على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتضحكه.
ومن أبرز المواقف التي ضحك فيها النبي صلى الله عليه وسلم لحسن فهم بعض الصحابة، تلك الواقعة التي أخبره به أحد الصحابة حيث ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رقى بفاتحة الكتاب وأخذ أجرا عليها قطيعا من الغنم ولم يكن يدري أنها رقيه، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم تعجبا من ذكائه وتوفيقه.
ويروي أبو سعيد الخدري رضي الله عنه هذا الحدث فيقول: إن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا في سفر فمروا بحي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا ان يضيفوهم فعرض لانسان منهم في عقله أو لدغ، قال: فقالوا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل فيكم راق؟ فقال رجل منهم: نعم فأتى صاحبهم فرقاه بفاتحة الكتاب فبرأ فأعطي قطيعا من غنم، فأبى أن يقبل حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما رقيته الا بفاتحة الكتاب، قال: فضحك وقال: وما يدريك أنها رقية، خذوا واضربوا لي بسهم معكم. وفي رواية اخرى لمسلم: “فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم”.
اجتهاد عمرو
ويذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم فرح وضحك من حسن تصرف عمرو بن العاص واجتهاده، حيث أنه تيمم مع وجود الماء، عندما تيقن ان استخدامه الماء سوف يضره، فاستخدم عقله واجتهد حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم فرح بحسن اجتهاده.
وعن ذلك يروي عمرو بن العاص رضي الله عنه فيقول: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت ان اغتسلت أن أهلك، فتيممت، ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟
فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني سمعت الله يقول “ولا تقتلوا أنفسكم ان الله كان بكم رحيما” سورة النساء: الآية 29. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً.
لسنا أصحاب زرع
وإذا كان حسن اجتهاد عمرو بن العاص رضي الله عنه افرح النبي صلى الله عليه وسلم واضحكه، فإن تعليق الاعرابي على كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم ادخل في قلب النبي السرور.
ويروي ابو هريرة رضي الله عنه ذلك الحدث فيقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يوما يحدث وعنده رجل من أهل البادية، أن رجلا من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع؟ فقال له: ألست فيما شئت؟ قال: بلى ولكن أحب أن أزرع، قال: فابذر فبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده، فكان أمثال الجبال، فيقول الله عز وجل: دونك يا ابن آدم فإنه لا يشبعك شيء، فقال الاعرابي: والله لا تجده الا قرشيا أو انصاريا فإنهم أصحاب زرع، أما نحن فلسنا أصحاب زرع، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم.
عن أنس رضي الله عنه قال: جاء ابو طلحة يوم حنين يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم من أم سليم، قال: يا رسول الله، ألم تر أم سليم متقلدة خنجرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا الخنجر؟ قالت: اتخذته ان دنا مني أحد المشركين بقرت به بطنه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك.
سعة رحمة الله
على الرغم من ان النبي صلى الله عليه وسلم ضحك وفرح لحسن تصرف واجتهاد بعض الصحابة، غير أنه فرح وضحك أيضا لسوء تقدير البعض منهم لسعة رحمة الله سبحانه وتعالى. ومن تلك المواقف ما حدث مع الاعرابي الذي ظن انه سوف يسعد النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء له وحده فقط، وفي هذا يقول ابو هريرة رضي الله عنه: دخل اعرابي المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فقال: اللهم اغفر لي ولمحمد ولا تغفر لأحد معنا، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم: وقال لقد احتظرت واسعا.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع رسول صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبز برداء النبي صلى الله عليه وسلم جبزة شديدة. قال أنس: فنظرت الى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثرت فيها حاشية الرداء من شدة جبزته، ثم قال الأعرابي: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك. فالتفت اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وضحك ثم أمر له بعطاء.
وقال صهيب رضي الله عنه: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد مع أصحابه ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: الا تسألوني مم أضحك؟ قالوا: يا رسول الله،ومم تضحك؟ قال صلى الله عليه وسلم: عجبت لأمر المؤمن ان أمره كله خير، ان أصابه ما يحب حمد الله وكان له خير، وان أصابه ما يكره فصبر كان له خير، وليس كل أحد أمره خير الا المؤمن.
ودخل النبي صلى الله عليه وسلم مرة على صهيب رضي الله عنه وكان صهيب به رمد، وكان يأكل تمرا، فقال له صلى الله عليه وسلم: أتاكل التمر وانت رمد؟ فقال إنما آكله بالشق الآخر يا رسول الله فتبسم الرسول صلى الله عليه وسلم.
الوضوء
وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه دعا بماء فتوضأ ومضمض واستنشق، ثم غسل وجهه ثلاثا، وذراعيه ثلاثا، ومسح برأسه وظهر قدميه، ثم ضحك، فقال لأصحابه: ألا تسألوني ما أضحكني؟! فقالوا: مم ضحكت يا أمير المؤمنين؟
فقال رضي الله عنه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بماء قريب من هذه البقعة فتوضأ كما توضأت ثم ضحك فقال صلى الله عليه وسلم “ألا تسألوني ما أضحكني؟”.. فقالوا: ما أضحكك يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم ان العبد اذا دعا بوضوء فغسل وجهه حط الله عنه كل خطيئة أصابها بوجهه، فإذا غسل ذراعيه كان كذلك، وان مسح برأسه كان كذلك واذا طهر قدميه كان كذلك.
ويروى عن عبد الله بن عمرو أنه قال: لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطائف قال: انا قافلون غدا ان شاء الله. فقال ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نبرح او نفتحها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “فاغدوا على القتال” فغدوا فقاتلوهم قتالا شديدا، وكثرت فيهم الجراحات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انا قافلون غدا ان شاء الله فسكتوا، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه قال: استأذن عمر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن، فلما استأذن عمر بن الخطاب قمن يبتدرن الحجاب، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل ورسول الله يضحك. فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله بأبي أنت وأمي. فقال صلى الله عليه وسلم: عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب، والذي نفسي بيده مالقيك الشيطان سالكا فجا الا سلك فجا غير فجك.
حسن