ومن فوائد معرفة ذلك العلم بالمتأخر فيكون ناسخاً أومخصصاً على رأي من يرى تأخير المخصص.
قال أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري في كتاب التنبيه على فضل علوم القرآن: من أشرف علوم القرآن علم نزوله وجهاته وترتيب ما نزل بمكة والمدينة وما نزل بمكة وحكمه مدني وما نزل بالمدينة وحكمه مكي وما نزل بمكة في أهل المدينة وما نزل بالمدينة في أهل مكة وما يشبه نزول المكي في المدني وما يشبه نزول المدني في المكي وما نزل بالجحفة وما نزل ببيت أهل المقدس وما نزل بالطائف وما نزل بالحديبية وما نزل ليلاً وما نزل نهاراً وما نزل مشيعاً وما نزل مفرداً والآيات المدنيات في السور المكية والآيات المكيات في السور المدنية وما حمل من مكة إلى المدينة وما حمل من المدينة إلى مكة وما حمل من المدينة إلى أرض الحبشة وما نزل مجملاً وما نزل مفسراً وما اختلفوا فيه فقال بعضهم مدني وبعضهم مكي.
فهذه خمسة وعشرون وجهاً من لم يعرفها ويميز بينها لم يحل له أن يتكلم في كتاب الله تعالى انتهى.
قلت: وقد أشبعت الكلام على هذه الأوجه.
فمنها ما أفردته بنوع ومنها ما تكلمت عليه في ضمن بعض الأنواع.
وقال ابن العربي في كتابه الناسخ والمنسوخ: الذي علمناه على الجملة من القرآن أن منه مكياً ومدنياً وسفرياً وحضرياً وليلياً ونهارياً وسمائياً وأرضياً وما نزل بين السماء والأرض وما نزل تحت الأرض في الغار.
وقال ابن النقيب في مقدمة تفسيره: المنزل من القرآن على أربعة أقسام: مكي ومدني وما بعضه مكي وبعضه مدني وما ليس بمكي ولا مدني.
اعلم أن للناس في المكي والمدني اصطلاحات ثلاثة: أشهرها أن المكي ما نزل قبل الهجرة والمدني ما نزل بعدها سواء نزل بمكة أم بالمدينة عام الفتح أوعام حجة الوداع أم بسفر من الأسفار.
أخرج عثمان بن سعيد الرازي بسنده إلى يحيى بن سلام قال: ما نزل بمكة وما نزل في طريق المدينة قبل أن يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فهومن المكي.
وما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في أسفاره بعد ما قدم المدينة فهومن المدني.
وهذا أثر لطيف يؤخذ منه أن ما نزل في سفر الهجرة مكي اصطلاحاً.
الثاني: أن المكي ما نزل بمكة ولوبعد الهجرة والمدني ما نزل بالمدينة وعلى هذا نثبت الواسطة فما نزل بالأسفار لا يطلق عليه مكي ولا مدني.
وقد أخرج الطبراني في الكبير من طريق الوليد بن مسلم عن عفير بن معدان عن سليم بن عامر عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزل القرآن في ثلاثة أمكنة: مكة والمدينة والشام قال الوليد: يعني بيت المقدس.
وقال الشيخ عماد الدين بن كثير: بل تفسيره بتبوك أحسن.
قلت: ويدخل في مكة ضواحيها كالمنزل بمنى وعرفات والحديبية وفي المدينة ضواحيها كالمنزل ببدر وأحد وسلع.
الثالث: أن المكي ما وقع خطاباً لأهل مكة والمدني ما وقع خطاباً لأهل المدينة وحمل على هذا قول ابن مسعود الآني.
قال القاضي أبو بكر في الانتصار: إنما يرجع في معرفة المكي والمدني لحفظ الصحابة والتابعين ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك قول لأنه لم يؤمر به ولم يجعل الله علم ذلك من فرائض الأمة وإن وجب في بعضه على أهل العلم معرفة تاريخ الناسخ والمنسوخ فقد يعرف ذلك بغير نص الرسول انتهى.
وقد أخرج البخاري عن ابن مسعود أنه قال: والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله تعالى إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت.
وقال أيوب: سأل رجل عكرمة عن آية في القرآن فقال: نزلت في سفح ذلك الجبل وأشار إلى سلع.
أخرجه أبو نعيم في الحلية وقد ورد عن ابن عباس وغيره عدا المكي والمدني وأنا أسوق ما وقع لي من ذلك ثم أعقبه بتحرير ما اختلف فيه.
قال ابن سعد في الطبقات: أنبأنا الواقدي حدثني قدامة بن موسى عن أبي سلمة الحضرمي سمعت ابن عباس قال: سألت أبيّ بن كعب عما نزل في القرآن بالمدينة فقال: نزل بها سبع وعشرون سورة وسائرها بمكة.
وقال أبو جعفر النحاس في كتابه الناسخ والمنسوخ: حدثني يموت بن المزرع حدثنا أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني أنبأنا أبو عبيدة معمر بن المثنى ثنا يونس بن حبيب سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول: سألت مجاهداً عن تلخيص آي القرآن المدني من المكي فقال: سألت ابن عباس عن ذلك فقال: سورة الأنعام نزلت بمكة جملة واحدة فهي مكية إلا ثلاث آيات منها نزلن بالمدينة {قل تعالوا أتل} إلى تمام الآيات الثلاث وما تقدم من السور مدنيات.
ونزلت بمكة سورة الأعراف ويونس وهود ويوسف والرعد وإبراهيم والحجر والنحل سوى ثلاث آيات من آخرها فإنهن نزلن بيم مكة والمدينة في منصرفه من أحد.
وسورة بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء والحج سوى ثلاث آيات {هذان خصمان} إلى تمام لآيات الثلاث فإنهن نزلن بالمدينة.
وسورة المؤمنين والفرقان وسورة الشعراء سوى خمس آيات من آخرها نزلن بالمدينة.
والشعراء يتبعهم الغاوون إلى آخرها وسورة النمل والقصص والعنكبوت والروم ونقمان سوى ثلاث آيات منها نزلن بالمدينة {ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام} إلى تمام الآيات.
وسورة السجدة سوى ثلاث آيات {أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً} إلى تمام الآيات الثلاث.
وسورة سبأ وفاطر ويس والصافات وص والزمر سوى ثلاث آيات نزلن بالمدينة في وحشي قاتل حمزة {يا عبادي الذين أسرفوا} إلى تمام الآيات الثلاث.
والحواميم السبع وق والذاريات والطور والنجم والقمر والرحمن والواقعة والصف والتغابن إلا آيات من آخرها نزلن بالمدينة والملك ون والحاقة وسأل وسورة نوح والجن والمزمل إلا آيتين {إن ربك يعلم أنك تقوم} والمدثر إلى آخر القرآن إلا إذا زلزلت وإذا جاء نصر الله وقل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس فإنهن مدنيات.
ونزل بالمدينة سورة الأنفال وبراءة والنور والأحزاب وسورة محمد والفتح والحجرات والحديد وما بعدها إلى التحريم.
هكذا أخرجه بطوله وإسناده جيد رجاله كلهم ثقات من علماء العربية المشهورين.
وقال البيهقي في دلائل النبوة: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو محمد بن زياد العدل.
حدثنا محمد بن إسحاق حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي حدثنا أحمد بن نصر بن مالك الخزاعي حدثنا علي بن الحسين بن واقد عن أبيه حدثني يزيد النحوي عن عكرمة والحسين بن أبي الحسن قالا: أنزل الله من القرآن بمكة: اقرأ باسم ربك ون والمدثر وتبت يدا أبي لهب وإذا الشمس كورت وسبح اسم ربك الأعلى والليل إذا يغشى والفجر والضحى وألم نشرح والعصر والعاديات والكوثر وألهاكم التكاثر وأرأيت وقل يا أيها الكافرون وأصحاب الفيل والفلق وقل أعوذ برب الناس وقل هو الله أحد والنجم وعبس وإنا نزلناه والشمس وضحاها والسماء ذات البروج والتين والزيتون ولإيلاف قريش والقارعة ولا أقسم بيوم القيامة والهمزة والمرسلات وق ولا أقسم بهذا البلد والسماء والطارق واقتربت الساعة وص والجن ويس والفرقان والملائكة وطه والواقعة وطسم وطس وطسم وبني إسرائيل والتاسعة وهود ويوسف وأصحاب الحجر والأنعام والصافات ولقمان وسبأ والزمر وحم المؤمن وحم الدخان وحم السجدة وحمعسق وحم الزخرف والجاثية والأحقاف والذاريات والغاشية وأصحاب الكهف والنحل ونوح وإبراهيم والأنبياء والمؤمنون وألم السجدة والطور وتبارك والحاقة وسأل وعم يتساءلون والنازعات وإذا السماء انشقت وإذا السماء انفطرت والروم والعنكبوت.
وما نزل بالمدينة: ويل للمطففين والبقرة وآل عمران والأنفال والأحزاب والمائدة والممتحنة والنساء وإذا زلزلت والحديد ومحمد والرعد والرحمن وهل أتى على الإنسان والطلاق ولم يكن والحشر وإذا جاء نصر الله والنور والحج والمنافقون والمجادلة والحجرات ويا أيها النبي لم تحرم والصف والجمعة والغابن والفتح وبراءة.
قال البيهقي: والتاسعة يريد بها سورة ابن أحمد بن سبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار وحدثنا محمد بن الفضل حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن زرارة الرقي حدثنا عبد العزيز بن عبد الرحمن القرشي حدثنا خصيف عن مجاهد عن ابن عباس أنه قال: إن أول ما أنزل الله على نبيه من القرآن اقرأ باسم ربك.
فذكر معنى هذا الحديث وذكر السور التي سقطت من الرواية الأولى في ذكر ما نزل بمكة وقال: والحديث شاهد في تفسير مقاتل وغيره مع المرسل الصحيح الذي تقدم وقال ابن الضريس في فضائل القرآن: حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي جعفر الرازي أنبأنا عمر بن هارون حدثنا عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه ابن عباس قال: كانت إذا نزلت فاتحة سورة بمكة كتبت بمكة ثم يزيد الله فيها ما شاء.
وكان أول ما أنزل من القرآن اقرأ باسم ربك ثم ن ثم يا أيها المزمل ثم يا أيها المدثر ثم تبت يدا أبي لهب ثم إذا الشمس كورت ثم سبح اسم ربك الأعلى ثم والليل إذا يغشى ثم والفجر ثم والضحى ثم ألم نشرح ثم والعصر ثم والعاديات ثم إنا أعطيناك ثم ألهاكم التكاثر ثم أرأيت الذي يكذب ثم قل يا أيها الكافرون ثم ألم تر كيف فعل ربك ثم قل أعوذ برب الفلق ثم قل أعوذ برب الناس ثم قل هو الله أحد ثم والنجم ثم عبس ثم إنا أنزلناه في ليلة القدر ثم والشمس وضحاها ثم والسماء ذات البروج ثم والتين ثم لإيلاف قريش ثم القارعة ثم لا أقسم بيوم القيامة ثم ويل لكل همزة ثم والمرسلات ثم ق ثم لا أقسم بهذا البلد ثم والسماء والطارق ثم اقتربت الساعة ثم ص ثم الأعراف ثم قل أوحى ثم يس ثم الفرقان ثم الملائكة ثم كهيعص ثم طه ثم الواقعة ثم طسم الشعراء ثم طس ثم القصص ثم بني إسرائيل ثم يونس ثم هود ثم يوسف ثم الحجر ثم الأنعام ثم الصافات ثم لقمان ثم سبأ ثم الزمر ثم حم المؤمن ثم حم السجدة ثم حمعسق ثم حم الزخرف ثم الدخان ثم الجاثية ثم الأحقاف ثم الذاريات ثم الغاشية ثم الكهف ثم النحل ثم إنا أرسلنا نوحاً ثم سورة الأنبياء ثم المؤمنين ثم تنزيل السجدة ثم الطور ثم تبارك الملك ثم الحاقة ثم عم يتساءلون ثم النازعات ثم إذا السماء انفطرت ثم إذا السماء انشقت ثم الروم ثم العنكبوت ثم ويل للمطففين فهذا ما أنزل الله بمكة.
ثم أنزل بالمدينة سورة البقرة ثم الأنفال ثم آل عمران ثم الأحزاب ثم الممتحنة ثم النساء ثم إذا زلزلت ثم الحديد ثم القتال ثم الرعد ثم الرحمن ثم الإنسان ثم الطلاق ثم لم يكن ثم الحشر ثم إذا جاء نصر الله ثم النور ثم الحج ثم المنافقون ثم المجادلة ثم الحجرات ثم التحريم ثم الجمعة ثم التغابن ثم الصف ثم الفتح ثم المائدة ثم براءة.
وقال أبو عبيد في فضائل القرآن: حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة قال: نزلت بالمدينة سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنفال والتوبة والحج والنور والأحزاب والذين كفروا والفتح والحديد والمجادلة والحشر والممتحنة والحواريين يريد الصف والتغابن ويا أيها النبي إذا طلقتم النساء ويا أيها النبي لم تحرم والفجر والليل وإنا أنزلناه في ليلة القدر ولم يكن وإذا زلزلت وإذا جاء نصر الله وسائر ذلك بمكة.
وقال أبو بكر الأنباري: حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي نبأنا حجاج بن منهال نبأنا همام عن قتادة قال: نزل في المدينة من القرآن البقرة وآل عمران والنساء والمائدة وبراءة والرعد والنحل والحج والنور والأحزاب ومحمد والفتح والحجات والحديد والرحمن والمجادلة والحشر والممتحنة والصف والجمعة والمنافقون والتغابن والطلاق ويا أيها النبي لم تحرم إلى رأس العشر وإذا زلزلت وإذا جاء نصر الله وسائر القرآن نزل بمكة.
قال أبو الحسن بن الحصار في كتابه الناسخ والمنسوخ: المدني باتفاق عشرون سورة والمختلف فيها اثنتا عشر سورة وما عدا ذلك مكي باتفاق.
ثم يا سائلي عن كتاب الله مجتهداً وعن ترتيب ما يتلى من السور وكيف جاء بها المختار من مضر صلى الإله على المختار من مضر وما تقدم منها قبل هجرته وما تأخر في بدووفي حضر ليعلم النسخ والتخصيص مجتهد يؤيد الحكم بالتاريخ والنظر تعارض النقل في أم الكتاب وقد تؤولت الحجر تنبيها لمعتبر أم القرآن وفي أم القرى نزلت ما كان للخمس قبل الحمد من أثر وبعد هجرة خير الناس قد نزلت عشرون من سور القرآن في عشر فأربع من طوال السبع أولها وخامس الخمس في الأنفال ذي العبر وتوبة الله إن عدت فسادسة وسورة النور والأحزاب الغر في غرر ثم الحديد ويتلوها مجادلة والحشر ثم امتحان الله للبشر وسورة فضح الله النفاق بها وسورة الجمع تذكاراً لمدكر وللطلاق وللتحريم حكمهما والنصر والفتح تنبيها على العمر وسورة للحواريين قد علمت ثم التغابن والتطفيف ذوالنذر وليلة القدر قد خصت بملتنا ولم يكن بعدها الزلزال فاعتبر وقل هو الله من أوصاف خالقنا وعوذتان ترد الباس بالقدر وذا الذي اختلفت فيه الرواة له وربما استثنيت آي من السور وما سوى ذاك مكي تنزله فلا تكن من خلاف الناس في صر فليس كل خلاف جاء معتبراً إلا خلاف له حظ من النظر فصل في تحرير السور المختلف فيها سورة الفاتحة الأكثرون على أنها مكية بل ورد أنها أول ما نزل كما سيأتي في النوع الثاني.
قال أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري في كتاب التنبيه على فضل علوم القرآن: من أشرف علوم القرآن علم نزوله وجهاته وترتيب ما نزل بمكة والمدينة وما نزل بمكة وحكمه مدني وما نزل بالمدينة وحكمه مكي وما نزل بمكة في أهل المدينة وما نزل بالمدينة في أهل مكة وما يشبه نزول المكي في المدني وما يشبه نزول المدني في المكي وما نزل بالجحفة وما نزل ببيت أهل المقدس وما نزل بالطائف وما نزل بالحديبية وما نزل ليلاً وما نزل نهاراً وما نزل مشيعاً وما نزل مفرداً والآيات المدنيات في السور المكية والآيات المكيات في السور المدنية وما حمل من مكة إلى المدينة وما حمل من المدينة إلى مكة وما حمل من المدينة إلى أرض الحبشة وما نزل مجملاً وما نزل مفسراً وما اختلفوا فيه فقال بعضهم مدني وبعضهم مكي.
فهذه خمسة وعشرون وجهاً من لم يعرفها ويميز بينها لم يحل له أن يتكلم في كتاب الله تعالى انتهى.
قلت: وقد أشبعت الكلام على هذه الأوجه.
فمنها ما أفردته بنوع ومنها ما تكلمت عليه في ضمن بعض الأنواع.
وقال ابن العربي في كتابه الناسخ والمنسوخ: الذي علمناه على الجملة من القرآن أن منه مكياً ومدنياً وسفرياً وحضرياً وليلياً ونهارياً وسمائياً وأرضياً وما نزل بين السماء والأرض وما نزل تحت الأرض في الغار.
وقال ابن النقيب في مقدمة تفسيره: المنزل من القرآن على أربعة أقسام: مكي ومدني وما بعضه مكي وبعضه مدني وما ليس بمكي ولا مدني.
اعلم أن للناس في المكي والمدني اصطلاحات ثلاثة: أشهرها أن المكي ما نزل قبل الهجرة والمدني ما نزل بعدها سواء نزل بمكة أم بالمدينة عام الفتح أوعام حجة الوداع أم بسفر من الأسفار.
أخرج عثمان بن سعيد الرازي بسنده إلى يحيى بن سلام قال: ما نزل بمكة وما نزل في طريق المدينة قبل أن يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فهومن المكي.
وما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في أسفاره بعد ما قدم المدينة فهومن المدني.
وهذا أثر لطيف يؤخذ منه أن ما نزل في سفر الهجرة مكي اصطلاحاً.
الثاني: أن المكي ما نزل بمكة ولوبعد الهجرة والمدني ما نزل بالمدينة وعلى هذا نثبت الواسطة فما نزل بالأسفار لا يطلق عليه مكي ولا مدني.
وقد أخرج الطبراني في الكبير من طريق الوليد بن مسلم عن عفير بن معدان عن سليم بن عامر عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزل القرآن في ثلاثة أمكنة: مكة والمدينة والشام قال الوليد: يعني بيت المقدس.
وقال الشيخ عماد الدين بن كثير: بل تفسيره بتبوك أحسن.
قلت: ويدخل في مكة ضواحيها كالمنزل بمنى وعرفات والحديبية وفي المدينة ضواحيها كالمنزل ببدر وأحد وسلع.
الثالث: أن المكي ما وقع خطاباً لأهل مكة والمدني ما وقع خطاباً لأهل المدينة وحمل على هذا قول ابن مسعود الآني.
قال القاضي أبو بكر في الانتصار: إنما يرجع في معرفة المكي والمدني لحفظ الصحابة والتابعين ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك قول لأنه لم يؤمر به ولم يجعل الله علم ذلك من فرائض الأمة وإن وجب في بعضه على أهل العلم معرفة تاريخ الناسخ والمنسوخ فقد يعرف ذلك بغير نص الرسول انتهى.
وقد أخرج البخاري عن ابن مسعود أنه قال: والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله تعالى إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت.
وقال أيوب: سأل رجل عكرمة عن آية في القرآن فقال: نزلت في سفح ذلك الجبل وأشار إلى سلع.
أخرجه أبو نعيم في الحلية وقد ورد عن ابن عباس وغيره عدا المكي والمدني وأنا أسوق ما وقع لي من ذلك ثم أعقبه بتحرير ما اختلف فيه.
قال ابن سعد في الطبقات: أنبأنا الواقدي حدثني قدامة بن موسى عن أبي سلمة الحضرمي سمعت ابن عباس قال: سألت أبيّ بن كعب عما نزل في القرآن بالمدينة فقال: نزل بها سبع وعشرون سورة وسائرها بمكة.
وقال أبو جعفر النحاس في كتابه الناسخ والمنسوخ: حدثني يموت بن المزرع حدثنا أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني أنبأنا أبو عبيدة معمر بن المثنى ثنا يونس بن حبيب سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول: سألت مجاهداً عن تلخيص آي القرآن المدني من المكي فقال: سألت ابن عباس عن ذلك فقال: سورة الأنعام نزلت بمكة جملة واحدة فهي مكية إلا ثلاث آيات منها نزلن بالمدينة {قل تعالوا أتل} إلى تمام الآيات الثلاث وما تقدم من السور مدنيات.
ونزلت بمكة سورة الأعراف ويونس وهود ويوسف والرعد وإبراهيم والحجر والنحل سوى ثلاث آيات من آخرها فإنهن نزلن بيم مكة والمدينة في منصرفه من أحد.
وسورة بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء والحج سوى ثلاث آيات {هذان خصمان} إلى تمام لآيات الثلاث فإنهن نزلن بالمدينة.
وسورة المؤمنين والفرقان وسورة الشعراء سوى خمس آيات من آخرها نزلن بالمدينة.
والشعراء يتبعهم الغاوون إلى آخرها وسورة النمل والقصص والعنكبوت والروم ونقمان سوى ثلاث آيات منها نزلن بالمدينة {ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام} إلى تمام الآيات.
وسورة السجدة سوى ثلاث آيات {أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً} إلى تمام الآيات الثلاث.
وسورة سبأ وفاطر ويس والصافات وص والزمر سوى ثلاث آيات نزلن بالمدينة في وحشي قاتل حمزة {يا عبادي الذين أسرفوا} إلى تمام الآيات الثلاث.
والحواميم السبع وق والذاريات والطور والنجم والقمر والرحمن والواقعة والصف والتغابن إلا آيات من آخرها نزلن بالمدينة والملك ون والحاقة وسأل وسورة نوح والجن والمزمل إلا آيتين {إن ربك يعلم أنك تقوم} والمدثر إلى آخر القرآن إلا إذا زلزلت وإذا جاء نصر الله وقل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس فإنهن مدنيات.
ونزل بالمدينة سورة الأنفال وبراءة والنور والأحزاب وسورة محمد والفتح والحجرات والحديد وما بعدها إلى التحريم.
هكذا أخرجه بطوله وإسناده جيد رجاله كلهم ثقات من علماء العربية المشهورين.
وقال البيهقي في دلائل النبوة: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو محمد بن زياد العدل.
حدثنا محمد بن إسحاق حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي حدثنا أحمد بن نصر بن مالك الخزاعي حدثنا علي بن الحسين بن واقد عن أبيه حدثني يزيد النحوي عن عكرمة والحسين بن أبي الحسن قالا: أنزل الله من القرآن بمكة: اقرأ باسم ربك ون والمدثر وتبت يدا أبي لهب وإذا الشمس كورت وسبح اسم ربك الأعلى والليل إذا يغشى والفجر والضحى وألم نشرح والعصر والعاديات والكوثر وألهاكم التكاثر وأرأيت وقل يا أيها الكافرون وأصحاب الفيل والفلق وقل أعوذ برب الناس وقل هو الله أحد والنجم وعبس وإنا نزلناه والشمس وضحاها والسماء ذات البروج والتين والزيتون ولإيلاف قريش والقارعة ولا أقسم بيوم القيامة والهمزة والمرسلات وق ولا أقسم بهذا البلد والسماء والطارق واقتربت الساعة وص والجن ويس والفرقان والملائكة وطه والواقعة وطسم وطس وطسم وبني إسرائيل والتاسعة وهود ويوسف وأصحاب الحجر والأنعام والصافات ولقمان وسبأ والزمر وحم المؤمن وحم الدخان وحم السجدة وحمعسق وحم الزخرف والجاثية والأحقاف والذاريات والغاشية وأصحاب الكهف والنحل ونوح وإبراهيم والأنبياء والمؤمنون وألم السجدة والطور وتبارك والحاقة وسأل وعم يتساءلون والنازعات وإذا السماء انشقت وإذا السماء انفطرت والروم والعنكبوت.
وما نزل بالمدينة: ويل للمطففين والبقرة وآل عمران والأنفال والأحزاب والمائدة والممتحنة والنساء وإذا زلزلت والحديد ومحمد والرعد والرحمن وهل أتى على الإنسان والطلاق ولم يكن والحشر وإذا جاء نصر الله والنور والحج والمنافقون والمجادلة والحجرات ويا أيها النبي لم تحرم والصف والجمعة والغابن والفتح وبراءة.
قال البيهقي: والتاسعة يريد بها سورة ابن أحمد بن سبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار وحدثنا محمد بن الفضل حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن زرارة الرقي حدثنا عبد العزيز بن عبد الرحمن القرشي حدثنا خصيف عن مجاهد عن ابن عباس أنه قال: إن أول ما أنزل الله على نبيه من القرآن اقرأ باسم ربك.
فذكر معنى هذا الحديث وذكر السور التي سقطت من الرواية الأولى في ذكر ما نزل بمكة وقال: والحديث شاهد في تفسير مقاتل وغيره مع المرسل الصحيح الذي تقدم وقال ابن الضريس في فضائل القرآن: حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي جعفر الرازي أنبأنا عمر بن هارون حدثنا عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه ابن عباس قال: كانت إذا نزلت فاتحة سورة بمكة كتبت بمكة ثم يزيد الله فيها ما شاء.
وكان أول ما أنزل من القرآن اقرأ باسم ربك ثم ن ثم يا أيها المزمل ثم يا أيها المدثر ثم تبت يدا أبي لهب ثم إذا الشمس كورت ثم سبح اسم ربك الأعلى ثم والليل إذا يغشى ثم والفجر ثم والضحى ثم ألم نشرح ثم والعصر ثم والعاديات ثم إنا أعطيناك ثم ألهاكم التكاثر ثم أرأيت الذي يكذب ثم قل يا أيها الكافرون ثم ألم تر كيف فعل ربك ثم قل أعوذ برب الفلق ثم قل أعوذ برب الناس ثم قل هو الله أحد ثم والنجم ثم عبس ثم إنا أنزلناه في ليلة القدر ثم والشمس وضحاها ثم والسماء ذات البروج ثم والتين ثم لإيلاف قريش ثم القارعة ثم لا أقسم بيوم القيامة ثم ويل لكل همزة ثم والمرسلات ثم ق ثم لا أقسم بهذا البلد ثم والسماء والطارق ثم اقتربت الساعة ثم ص ثم الأعراف ثم قل أوحى ثم يس ثم الفرقان ثم الملائكة ثم كهيعص ثم طه ثم الواقعة ثم طسم الشعراء ثم طس ثم القصص ثم بني إسرائيل ثم يونس ثم هود ثم يوسف ثم الحجر ثم الأنعام ثم الصافات ثم لقمان ثم سبأ ثم الزمر ثم حم المؤمن ثم حم السجدة ثم حمعسق ثم حم الزخرف ثم الدخان ثم الجاثية ثم الأحقاف ثم الذاريات ثم الغاشية ثم الكهف ثم النحل ثم إنا أرسلنا نوحاً ثم سورة الأنبياء ثم المؤمنين ثم تنزيل السجدة ثم الطور ثم تبارك الملك ثم الحاقة ثم عم يتساءلون ثم النازعات ثم إذا السماء انفطرت ثم إذا السماء انشقت ثم الروم ثم العنكبوت ثم ويل للمطففين فهذا ما أنزل الله بمكة.
ثم أنزل بالمدينة سورة البقرة ثم الأنفال ثم آل عمران ثم الأحزاب ثم الممتحنة ثم النساء ثم إذا زلزلت ثم الحديد ثم القتال ثم الرعد ثم الرحمن ثم الإنسان ثم الطلاق ثم لم يكن ثم الحشر ثم إذا جاء نصر الله ثم النور ثم الحج ثم المنافقون ثم المجادلة ثم الحجرات ثم التحريم ثم الجمعة ثم التغابن ثم الصف ثم الفتح ثم المائدة ثم براءة.
وقال أبو عبيد في فضائل القرآن: حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة قال: نزلت بالمدينة سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنفال والتوبة والحج والنور والأحزاب والذين كفروا والفتح والحديد والمجادلة والحشر والممتحنة والحواريين يريد الصف والتغابن ويا أيها النبي إذا طلقتم النساء ويا أيها النبي لم تحرم والفجر والليل وإنا أنزلناه في ليلة القدر ولم يكن وإذا زلزلت وإذا جاء نصر الله وسائر ذلك بمكة.
وقال أبو بكر الأنباري: حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي نبأنا حجاج بن منهال نبأنا همام عن قتادة قال: نزل في المدينة من القرآن البقرة وآل عمران والنساء والمائدة وبراءة والرعد والنحل والحج والنور والأحزاب ومحمد والفتح والحجات والحديد والرحمن والمجادلة والحشر والممتحنة والصف والجمعة والمنافقون والتغابن والطلاق ويا أيها النبي لم تحرم إلى رأس العشر وإذا زلزلت وإذا جاء نصر الله وسائر القرآن نزل بمكة.
قال أبو الحسن بن الحصار في كتابه الناسخ والمنسوخ: المدني باتفاق عشرون سورة والمختلف فيها اثنتا عشر سورة وما عدا ذلك مكي باتفاق.
ثم يا سائلي عن كتاب الله مجتهداً وعن ترتيب ما يتلى من السور وكيف جاء بها المختار من مضر صلى الإله على المختار من مضر وما تقدم منها قبل هجرته وما تأخر في بدووفي حضر ليعلم النسخ والتخصيص مجتهد يؤيد الحكم بالتاريخ والنظر تعارض النقل في أم الكتاب وقد تؤولت الحجر تنبيها لمعتبر أم القرآن وفي أم القرى نزلت ما كان للخمس قبل الحمد من أثر وبعد هجرة خير الناس قد نزلت عشرون من سور القرآن في عشر فأربع من طوال السبع أولها وخامس الخمس في الأنفال ذي العبر وتوبة الله إن عدت فسادسة وسورة النور والأحزاب الغر في غرر ثم الحديد ويتلوها مجادلة والحشر ثم امتحان الله للبشر وسورة فضح الله النفاق بها وسورة الجمع تذكاراً لمدكر وللطلاق وللتحريم حكمهما والنصر والفتح تنبيها على العمر وسورة للحواريين قد علمت ثم التغابن والتطفيف ذوالنذر وليلة القدر قد خصت بملتنا ولم يكن بعدها الزلزال فاعتبر وقل هو الله من أوصاف خالقنا وعوذتان ترد الباس بالقدر وذا الذي اختلفت فيه الرواة له وربما استثنيت آي من السور وما سوى ذاك مكي تنزله فلا تكن من خلاف الناس في صر فليس كل خلاف جاء معتبراً إلا خلاف له حظ من النظر فصل في تحرير السور المختلف فيها سورة الفاتحة الأكثرون على أنها مكية بل ورد أنها أول ما نزل كما سيأتي في النوع الثاني.