كيف استقبل المسلمون الثورة الكمالية ؟
لما قام مصطفى كمال، بوحي من السلطان وحيد الدين، بثورته التي أرادها السلطان عثمانية إسلامية وجعلها مصطفى كمال غربية علمانية، لم يكن المسلمون يعلمون عن أسراراها وخفاياها شيئاً فخدعوا بظاهرها وبالدعايات التي كانت ترافقها وأولوها كل دعم وتأييد واكبروا همة وإخلاص باعثها وذلك لأن العالم الإسلامي كان قد فقد صوابه بعد انهيار الدولة العثمانية دولة الخلافة الإسلامية وكان على استعداد تام لتأييد أية حركة تقوم في أية ناحية من العالم لنصرة الإسلام وإعادة الخلافة أو أنه كان كالغريق يرفع يديه إلى السماء ليتمسك بحبال الهواء.
لقد عايشت - الدكتور إحسان حقي - الحركة الكمالية منذ يومها الأول وأدركت كل أدوارها وقد أخذت بها وخدعت كما أخذ غيري وخدع من المسلمين إذ ظنناها حركة إسلامية ولم يكن من شيء يعزينا عما نحن فيه، بعد اندحار الدولة العثمانية، إلا الإسلام. فقد أصبحنا غرباء في أوطاننا أشقياء في بلادنا تعساء في مجتمعنا. أو نحن كالأيتام على مأدبة اللئام ليس لنا وطن ندعيه لأن الغريب يستعمره ولا لنا دولة نستند إليها لأن الأغراب يحكموننا. وصرنا نسمع سفهاء الناس يشتمون ديننا في وجوهنا ومن كان منهم مهذباً ولم يشتم قال لنا : لقد ولى زمانكم ونحن اليوم أسيادكم وإن لم يقولوها بألسنتهم قالوها بأفعالهم. وكنا نتطلع يمنة ويسرة فلا نجد على سطح الأرض كلها، وعلى كثرة عدد المسلمين فيها، دولة إسلامية واحدة مستقلة حرة نستطيع أن ندعيها أو ننتسب إليها لنعتز بها بل كان العالم الإسلامي كله مستعمرات غربية أو شبه مستعمرات.
لهذه الأسباب كان سرورنا بالثورة الكمالية عظيماً ولا حدود له لأننا كنا نستطيع أن نقول بأنه قام مسلم من بين المسلمين يقف في وجه الغرب ويعلن ثورته عليه وأنه غداً سيعيد إلى المسلمين الخلافة الإسلامية ويعيد إلينا شأننا وعظمتنا. وكما سررنا وانتعشنا بثورة مصطفى كمال فقد سررنا وانتعشنا بثورة أنور باشا ولكن سرورنا بثورة مصطفى كمال كان أعظم لاسباب كثيرة منها :
1-إن بلاد الأناضول متصلة ببلادنا العربية اتصالاً مباشراً وان وجود دولة إسلامية إلى جوارنا أفضل من وجود دولة غربية عدوة.
2-إن الدولة العثمانية هي أمنا التي غذينا بلبانها وكنا جزءاً منها فرجوع الحياة إليها هو بعث لنا.
3-إن مصطفى كما يعمل للخلافة الإسلامية بينما أنور باشا يعمل لإقامة دولة إسلامية وليس هذه كتلك.
4-إن السلطان يؤيد حركة مصطفى كمال ولم نسمع أنه كان يؤيد حركة أنور باشا.
5-إن هالة الدعاية التي أحيطت بها الثورة الكمالية كانت أعظم وأحكم من هالة الدعاية التي رافقت حرب أنور باشا.
6-إن الثورة الأنورية ماتت سنة 1922 بموت قائدها ولم يبق أمامنا إلا الثورة الكمالية.
7- إن الغربيين أرادوا أن يصرفوا تفكير العالم الإسلامي إلى الثورة الكمالية لكي يستهلكوا آلام المسلمين ويخففوا على نفوسهم أثر الصدمة التي أنزلوها بهم بإزالة الخلافة فأولوا الثورة الكمالية كل عنايتهم ودعموها برعايتهم لأنهم كانوا يعلمون نتائجها مسبقاً على اعتبار أنهم هم الذين صنعوها.
وكما أن الغربيين قد نجحوا في مخططهم وجعلوا العالم الإسلامي كله يسير فخوراً بضع سنوات وراء الثورة الكمالية فقد استغل مصطفى كمال عواطف المسلمين وأموالهم إلى أبعد حدود الاستغلال وكسا ثورته لباساً إسلامياً، سواءً بأحاديثه وتصريحاته وخطبه، أو بمعاملته لزعماء المسلمين. فمن ذلك أنه استعان بالزعيم الليبي الشهير السيد أحمد السنوسي وجعله مستشاراً له وكان يبرق إليه، كما قال لي صديقي الأمير شكيب ارسلان، إذا اراد شن هجوم على مكان ما قائلاً: إننا ننوي الهجوم غداً أو بعد غد على مكان ما فاقرأوا البخاري الشريف على نية النجاح والتوفيق، واستغل أيضاً أعمال وأقوال جميعة الخلافة الهندية التي قامت بزعامة الأخوين شوكة علي ومحمد علي واستغل الشعراء فمدحوه والأدباء فأثنوا عليه ومشايخ الطرق فرفعوه إلى مقام الولاية.
كان مصطفى كمال يبطن غير ما يظهر وينوي أن يفعل غير ما يقول إذ أنه ما كاد ينتصر نهائياً ويطمئن إلى مصيره حتى ألغى الخلافة وطرد الخليفة من البلاد وطرد السيد أحمد السنوسي وتنكر لكل القيم الإسلامية وسار بسيرة ليس فيها أية مصلحة للإسلام ولا للمسلمين لا بل ليس فيها أية مصلحة لتركيا نفسها، فها هي تركيا بعد مضي ستين سنة على هذه الثورة ما زالت بلداً نامياً ضعيفاً لا حول له ولا طول فالحركة العلمية فيها ضعيفة والأمية سائدة والحياة الاجتماعية متأخرة والحالة الاقتصادية في الحضيض، وكل ما فعلته هذه الثورة أنها أشغلت الناس بأمور جانبية تافهة مثل إلقاء الطربوش وسفور النساء ولو كان هذان الأمران تركا للزمن لتكفل بتحقيقهما من غير ثورة كما حدث في كل البلاد الإسلامية حتى في أشدها تعصباً ومحافظة مثل اندونيسيا وباكستان والهند وأفغانستان وحتى إيران حيث كان ذكر المرأة على اللسان في هذه البلدان يعد عورة، فأصبحت المرأة في هذه البلاد وفي بحر سنوات قليلة قد تخطت التركية وهي تماشي الغربية. وإذا كان السفور قد تحقق في بعض المدن التركية الكبيرة حيث لم تكن المرأة متحجبة حجاباً كاملاً فإن المرأة في بعض المدن الكبيرة الأخرى وفي الأرياف ما زالت كما كانت وما زالت متأخرة ولم ينفع السفور في تقدمها.
لما قام مصطفى كمال، بوحي من السلطان وحيد الدين، بثورته التي أرادها السلطان عثمانية إسلامية وجعلها مصطفى كمال غربية علمانية، لم يكن المسلمون يعلمون عن أسراراها وخفاياها شيئاً فخدعوا بظاهرها وبالدعايات التي كانت ترافقها وأولوها كل دعم وتأييد واكبروا همة وإخلاص باعثها وذلك لأن العالم الإسلامي كان قد فقد صوابه بعد انهيار الدولة العثمانية دولة الخلافة الإسلامية وكان على استعداد تام لتأييد أية حركة تقوم في أية ناحية من العالم لنصرة الإسلام وإعادة الخلافة أو أنه كان كالغريق يرفع يديه إلى السماء ليتمسك بحبال الهواء.
لقد عايشت - الدكتور إحسان حقي - الحركة الكمالية منذ يومها الأول وأدركت كل أدوارها وقد أخذت بها وخدعت كما أخذ غيري وخدع من المسلمين إذ ظنناها حركة إسلامية ولم يكن من شيء يعزينا عما نحن فيه، بعد اندحار الدولة العثمانية، إلا الإسلام. فقد أصبحنا غرباء في أوطاننا أشقياء في بلادنا تعساء في مجتمعنا. أو نحن كالأيتام على مأدبة اللئام ليس لنا وطن ندعيه لأن الغريب يستعمره ولا لنا دولة نستند إليها لأن الأغراب يحكموننا. وصرنا نسمع سفهاء الناس يشتمون ديننا في وجوهنا ومن كان منهم مهذباً ولم يشتم قال لنا : لقد ولى زمانكم ونحن اليوم أسيادكم وإن لم يقولوها بألسنتهم قالوها بأفعالهم. وكنا نتطلع يمنة ويسرة فلا نجد على سطح الأرض كلها، وعلى كثرة عدد المسلمين فيها، دولة إسلامية واحدة مستقلة حرة نستطيع أن ندعيها أو ننتسب إليها لنعتز بها بل كان العالم الإسلامي كله مستعمرات غربية أو شبه مستعمرات.
لهذه الأسباب كان سرورنا بالثورة الكمالية عظيماً ولا حدود له لأننا كنا نستطيع أن نقول بأنه قام مسلم من بين المسلمين يقف في وجه الغرب ويعلن ثورته عليه وأنه غداً سيعيد إلى المسلمين الخلافة الإسلامية ويعيد إلينا شأننا وعظمتنا. وكما سررنا وانتعشنا بثورة مصطفى كمال فقد سررنا وانتعشنا بثورة أنور باشا ولكن سرورنا بثورة مصطفى كمال كان أعظم لاسباب كثيرة منها :
1-إن بلاد الأناضول متصلة ببلادنا العربية اتصالاً مباشراً وان وجود دولة إسلامية إلى جوارنا أفضل من وجود دولة غربية عدوة.
2-إن الدولة العثمانية هي أمنا التي غذينا بلبانها وكنا جزءاً منها فرجوع الحياة إليها هو بعث لنا.
3-إن مصطفى كما يعمل للخلافة الإسلامية بينما أنور باشا يعمل لإقامة دولة إسلامية وليس هذه كتلك.
4-إن السلطان يؤيد حركة مصطفى كمال ولم نسمع أنه كان يؤيد حركة أنور باشا.
5-إن هالة الدعاية التي أحيطت بها الثورة الكمالية كانت أعظم وأحكم من هالة الدعاية التي رافقت حرب أنور باشا.
6-إن الثورة الأنورية ماتت سنة 1922 بموت قائدها ولم يبق أمامنا إلا الثورة الكمالية.
7- إن الغربيين أرادوا أن يصرفوا تفكير العالم الإسلامي إلى الثورة الكمالية لكي يستهلكوا آلام المسلمين ويخففوا على نفوسهم أثر الصدمة التي أنزلوها بهم بإزالة الخلافة فأولوا الثورة الكمالية كل عنايتهم ودعموها برعايتهم لأنهم كانوا يعلمون نتائجها مسبقاً على اعتبار أنهم هم الذين صنعوها.
وكما أن الغربيين قد نجحوا في مخططهم وجعلوا العالم الإسلامي كله يسير فخوراً بضع سنوات وراء الثورة الكمالية فقد استغل مصطفى كمال عواطف المسلمين وأموالهم إلى أبعد حدود الاستغلال وكسا ثورته لباساً إسلامياً، سواءً بأحاديثه وتصريحاته وخطبه، أو بمعاملته لزعماء المسلمين. فمن ذلك أنه استعان بالزعيم الليبي الشهير السيد أحمد السنوسي وجعله مستشاراً له وكان يبرق إليه، كما قال لي صديقي الأمير شكيب ارسلان، إذا اراد شن هجوم على مكان ما قائلاً: إننا ننوي الهجوم غداً أو بعد غد على مكان ما فاقرأوا البخاري الشريف على نية النجاح والتوفيق، واستغل أيضاً أعمال وأقوال جميعة الخلافة الهندية التي قامت بزعامة الأخوين شوكة علي ومحمد علي واستغل الشعراء فمدحوه والأدباء فأثنوا عليه ومشايخ الطرق فرفعوه إلى مقام الولاية.
كان مصطفى كمال يبطن غير ما يظهر وينوي أن يفعل غير ما يقول إذ أنه ما كاد ينتصر نهائياً ويطمئن إلى مصيره حتى ألغى الخلافة وطرد الخليفة من البلاد وطرد السيد أحمد السنوسي وتنكر لكل القيم الإسلامية وسار بسيرة ليس فيها أية مصلحة للإسلام ولا للمسلمين لا بل ليس فيها أية مصلحة لتركيا نفسها، فها هي تركيا بعد مضي ستين سنة على هذه الثورة ما زالت بلداً نامياً ضعيفاً لا حول له ولا طول فالحركة العلمية فيها ضعيفة والأمية سائدة والحياة الاجتماعية متأخرة والحالة الاقتصادية في الحضيض، وكل ما فعلته هذه الثورة أنها أشغلت الناس بأمور جانبية تافهة مثل إلقاء الطربوش وسفور النساء ولو كان هذان الأمران تركا للزمن لتكفل بتحقيقهما من غير ثورة كما حدث في كل البلاد الإسلامية حتى في أشدها تعصباً ومحافظة مثل اندونيسيا وباكستان والهند وأفغانستان وحتى إيران حيث كان ذكر المرأة على اللسان في هذه البلدان يعد عورة، فأصبحت المرأة في هذه البلاد وفي بحر سنوات قليلة قد تخطت التركية وهي تماشي الغربية. وإذا كان السفور قد تحقق في بعض المدن التركية الكبيرة حيث لم تكن المرأة متحجبة حجاباً كاملاً فإن المرأة في بعض المدن الكبيرة الأخرى وفي الأرياف ما زالت كما كانت وما زالت متأخرة ولم ينفع السفور في تقدمها.