ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    الأخفش بين البصريين والكوفيين

    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16791
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39117
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    الأخفش بين البصريين والكوفيين Empty الأخفش بين البصريين والكوفيين

    مُساهمة من طرف أحمد السبت سبتمبر 14, 2013 1:37 am

    تأسس النحو على يد أهل البصرة الأوائل ، فهم الذين وضعوا قواعده وقننوا قوانينه وأقاموا أسسه ، ثم أسلموه لأهل الكوفة الذين شرعوا في الاشتغال به بعد مدرسة البصرة بنحو قرن كانوا في خلاله مشغولين بالسير والتراجم والأخبار والأشعار ونحو ذلك .
    ويعد الأخفش واحدا من أعلام مدرسة البصرة المقدمين ، وأكبر أئمتها بعد سيبويه ، وهو نحوي عظيم ملأ الدنيا نحوا ولغة وخلد ذكره بما ترك من آثار وآراء ومواقف في الدرس النحوي واللغوي ، فهو لم يكن دارسا معتادا ممن طواهم التاريخ فلا يذكرهم الناس إلا لماما ، وإنما هو واحد من أبرز المشاهير الخالدين ، بل هو أحد من تميزوا فيهم .
    ويؤكد منهج الأخفش العام بصريته ، وذلك على الرغم من خروجه المتكرر على بعض قواعد مدرسته البصرية ، ومحاولته المستمرة الإتيان بجديد في بعض جوانب البحث النحوي ، واشتهاره بالإكثار من مخالفة قومه البصريين ولا سيما أستاذه سيبويه أو بالزيادة عليهم وبمتابعة الكوفيين له في هذه المخالفات والزيادات ، أو بمتابعته الكوفيين في آرائهم في كثير من الأحيان .
    وكان من المفروض أن يلتزم الأخفش كغيره من نحاة البصرة بخط قومه البصريين التزاما دقيقا ، وينهج نهجهم ، فلا يحيد عنه ولا يخرج منه ، ولكنه ذهب إلى بغداد لينتقم من الكسائي الكوفي لهزيمة أستاذه سيبويه إمام البصريين أمامه في المناظرة الشهيرة في المسألة الزنبورية ، فكان ذهابه نقطة التحول الرئيسة في حياته العلمية ، إذ لم يلبث أن انقلب هدفه بعد وصوله إلى عاصمة الخلافة ولقائه مع الكسائي ، ونسي أو تناسى ما جاء من أجله وأصبحت الدنيا همه ، وتوارى الغرض العلمي من زيارة بغداد ليحل محله الغرض الدنيوي ، لما رآه فيها مما لم يألف رؤيته في البصرة من دعة العيش ورفاهة ، ومن النفوذ الذي شاهد النحاة الكوفيين ينعمون به والمجد الذي عاينهم يتقلبون في أعطافه إلى جوار الخلفاء العباسيين ، الذين أحبوهم وقربوهم ؛ لأنهم كانوا شيعة لهم ، في حين كان البصريون شيعة للأمويين فتطلع إلى أن يصبح مثلهم وينعم بنحو ما ينعمون به فيقضي سائر أيام حياته في خير ونعمة لن يتاحا له لو بقي في مدينته البصرة .
    وهكذا تحول الأخفش من نحوي بصري الهوى والالتزام إلى صديق للكسائي رأس الكوفيين وللفراء إمامها ولغيرهما من أقطابهم ، واستحال تحرشه بهم محبة لهم وتعلقا بهم وتقربا منهم ، ثم إن الكوفيين أنفسهم لم يكرهوا ذلك ، بل قربوه وصادقوه وبجلَّوه ، وقرأ عليه الكسائي كتاب سيبويه سرا ، وأطعمه بالمال وقربه منه ووكل إليه أمر تدريس أولاده ، بل أتاح له أن يقوم فيما بعد بتأديب أولاد الخلفاء العباسيين وغيرهم من الأمراء والوجهاء .
    كل هذا جعل هوى الكوفيين يتسرب إلى نفسه ، والميل إليهم يملأ قلبه فشرع يقف معهم في آرائهم أو يقفون معه في آرائه ، وكثر خروجه على قومه واختلافه معهم ومخالفته لأحكامهم ، ومال إلى اللين والتساهل في مواقفه كالكوفيين ، ورجع عن كثير من آرائه السابقة إرضاء لهم أو قناعة بهم ، واستمر على هذا إلى أن عاد فيما بعد إلى موطنه في البصرة فعاد إليه شيء من الالتزام ومقدار من التشدد وعدم التسمح ، ولعل في هذا ما يفسر اضطراب آرائه في شطر لا بأس به من فروع النحو ومسائله .
    وقد تمكن الأخفش بذكائه وعلمه الواسع بلغات العرب ، وبإفساحه المجال لهذه اللغات جميعا حتى للشاذ منها ، وبكثرة اعتراضه على الخليل وسيبويه . . أقول : لقد تمكن بكل هذا من أن ينفذ إلى آراء مبتكرة ، ومن أن يتبوأ مكانته العليا في الدرس النحوي في البصرة ، بل في الكوفة أيضا التي يعد ذا تأثير فيها ؛ لأنه كان أستاذ الكسائي رأس الكوفيين ، الذي أقرأه كتاب سيبويه كما ذكرنا ؛ ولأن الكوفيين حملوا عنه لغاته وآرائه ومخالفاته ، ومضوا يتوسعون فيها ويضيفون إليها ، فتكونت من حصيلة ذلك كله ومن غيره مدرستهم ، وأصبح الأخفش بمثابة من أقام الأساس لها ، وهذا يجعل القول بأن ديدنه كان مخالفة قومه البصريين ومتابعة أخصامهم الكوفيين فحسب - غير دقيق ، فهو الذي فتح لتلميذيه الكسائي والفراء قطبي الكوفيين أبواب الخلاف واسعة على قطبي البصريين الخليل وسيبويه بما بسط من وجوهه ، فتابعاه في كثير منها ، ثم مضيا ومن بعدهما من نحاة الكوفة يتخذون من آرائه منطلقا إلى آرائهم الخاصة بهم .
    وفي كتب النحو فيض من الفروع التي وافق فيها الكسائي والفراء بخاصة والكوفيون بعامة - الأخفش في رأيه ، أو في بعض رأيه ، والتي تابع الأخفش فيها الكوفيين ، والتي خالف فيها سيبويه وجمهور البصريين ، والتي زاد فيها عليهم ، والتي وقف فيها موقفا مستقلا ، وغير ذلك ، من هذه الفروع .
    ذهب الأخفش - ويتبعه الفراء - إلى أن الضمير في لولاي ولولاك ولولاه مبتدأ ، وقد أناب العرب فيها الضمير المخفوض عن الضمير المرفوع ، فأنابوا لولاي عن لولا أنا ، ولولاك عن لولا أنت ، ولولاه عن لولا هم قياسا على إنابتهم ضمير الرفع عن ضمير الجر في قولهم : ما أنا كأنت ، خلافا لسيبويه الذي ذهب إلى أن لولاه جارة لهذه الضمائر .
    - وذهابه إلى جواز دخول الواو على خبر كان وأخواتها إذا كان جملة ؛ نحو : كان محمد ولا حق عنده ، وليس شيء إلا وفيه نقص ، قياسا على قول الشاعر :

    مـــــا كـــــان مــــن بشــــر إلا وميتتــــه محتومـــــة لكـــــن الآجـــــال تخـــــتلف

    وعلى قول آخر :

    ليس شــــــــيء إلا وفيـــــــه إذا مـــــــا قابلتــــــه عيــــــن البصــــــير اعتبــــــار

    خلافا لسيبويه ، الذي لا يجيز ذلك ويؤول ما جاء منه عن العرب على حذف الخبر .
    - وذهابه إلى أن لا سيما من أدوات الاستثناء ، خلافا لسيبويه وجمهور البصريين في أن سي اسم لا النافية للجنس مبني على الفتح ، وما بعدها إما مجرور بإضافة سي إليه وعد ما زائدة ، وإما مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف وما موصولة بمعنى الذي والتقدير لا سي الذي هو زيد ، وإما منصوب على التمييز .
    - وزيادته على البصريين في العوامل المعنوية ، ففي حين رأوها اثنين هما الابتداء في المبتدأ ، والتجرد من الناصب والجازم في المضارع المرفوع ، أضاف إليهما العامل في الخبر ، فهو معنوي عنده ، وهو الابتداء ، والعامل في النعت والتوكيد والبدل وهو معنوي عنده لأنه التبعية للمنعوت والمؤكد والمبدل منه .
    - ومتابعته الكوفيين في جواز إلغاء العامل مع تقدمه على المعمول سواء أكان هذا العامل فعلا أم حرفا ، فيجوز القول : ظننت زيد قائم ، قياسا على قول كعب بن زهير :

    أرجــــــو وآمــــــل أن تدنــــــو مودتهـــــا ومـــــا إخـــــال لدينـــــا منـــــك تنــــويل

    وعلى قول غيره :

    كــذاك أدبـــت حـــتى صــار مــن خــلقي أنـــــي وجـــــدت ملاك الشــــيمة الأدب

    وكذلك ورد قول الشاعر :

    لـــولا فـــوارس مـــن ذهـــل وأســـرتهم يــــوم الصليفــــاء لــــم يوفـــون بالجـــار

    على إلغاء عمل "لم" .
    - تجويزه اشتقاق صيغة التعجب من غير الفعل الثلاثي مباشرة نحو : ما أتقنه وما أخطأه ، كما جوز ذلك مباشرة من العاهات نحو : ما أعوره وما أعرجه ، وتبعه فيهما الكسائي ، خلافا لسيبويه وجمهور البصريين .
    - وتجويزه - وتبعه الكوفيون - حذف الجزء الثالث من جمع ؛ مثل : فرزدق ، فيقولون : فرادق ، خلافا لسيبويه والبصريين الذين يرون القياس في جمعه فرازق بحذف الحرف الرابع .
    - ذهابه إلى أن وزن "هجرع" بمعنى الطويل ، و"هبلع" بمعنى الأكول "هفعل" بزيادة الهاء فيهما ؛ لأن الأولى مشتقة عنده من الجرع أي المكان السهل ، والثانية مشتقة من البلع ، خلافا لسيبويه الذي ذهب إلى أنه "فعلل" .
    وذهابه - وتبعه الكسائي - إلى أن "من" الجارة تزاد في الإيجاب مثل : وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ ، يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ، يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ .
    - قوله - وتابعه الفراء - بجواز تأخير الخبر إذا كان المبتدأ مبدوءا بأن مفتوحة الهمزة نحو : أن العلم نور قول مشهور ، فقد قاسه الأخفش على مجيء الخبر مؤخرا مع أن المصدرية في نحو : وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ .
    - وقوله : - وتابعه الكوفيون - إن المبتدا إذا كان اسم فاعل أغنى فاعله عن الخبر بدون اعتماد على نفي أو استفهام مثل : قائم الزيدان ، وكذلك إذا كان اسم الفاعل اسما لإن ؛ نحو : إن قائما الزيدان .
    - إجازته - وتابعه الكوفيون - حذف الاسم الموصول إذا علم ؛ كقول حسان :

    فمـــن يهجــــو رســــول اللــــه منكــــم ويمدحـــــــــه وينصـــــــــره ســـــــــواء

    أي : ومن يمدحه .
    - ذهابه مع يونس البصري والكوفيين وتبعهم ابن مالك إلى عدم وجوب إعادة الخافض إذا عطف على الضمير المتصل المخفوض ، مستدلين بقراءة حمزة من السبعة وابن عباس والحسن البصري : وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ بخفض ( الأرحام ) وعدم إعادة الباء ، وذلك خلافا لأكثر البصريين الذين يأخذون بقراءة جمهور السبعة المرسومة في المصحف وهي "تساءلون به والأرحام" على تقدير "واتقوا الأرحام أن تقطعوها" .
    لا يجوز عند جمهور البصريين أن نقول : "كم غلمانا عندك ؟" خلافا للكوفيين ، الذين يجوزون جمع تمييز ( كم ) الاستفهامية كهذا المثال ، وكقولنا : "كم شهودا لك ؟" وذهب الأخفش إلى جواز جمع تمييز ( كم ) الاستفهامية شريطة أن يكون الاستفهام والسؤال عن الجماعات والأصناف كهذين المثالين إذا أردت منهما أصنافا من الغلمان وجماعات من الشهود .
    يستغنى عن تثنية أجمع وجمعاء بكلا وكلتا كما استغنوا بتثنية سي عن تثنية سواء ، فقالوا : سيان ، ولم يقولوا : سواءان ، إلا نادرا ، وأجاز الأخفش والكوفيون تثنية أجمع وجمعاء . فقالوا : جاء الزيدان أجمعان وجاءت الهندان جمعاوان ، وهذا الخلاف جار أيضا بين الفريقين في تثنية ما وازنهما نحو : أكتع وكتعاء وأبصع وبصعاء .
    يرى جمهور البصريين أن البدل إن كان غير دال على الإحاطة فإنه يمنع بدل الكل من الكل ، وقول الشاعر : -

    بكـــم قــــريش كفينــــا كــــل معضلــــة وأم نهــــج الهــــدى مـــن كـــان ضلـــيلا

    محل خلاف ، فهذا الجمهور لا يثبتون بدل الكل فيه ؛ لأن البدل في البيت غير دال على الإحاطة ، والأخفش والكوفيون يقولون به تمسكا بهذا البيت ويرون أن قريشا بدل كل من ضمير الحاضر وهو الكاف في "بكم" على الرغم من أن البدل لم يدل على الإحاطة ، فهم لا يشترطون ذلك فيه .
    "يا تميم كلهم أو كلكم" هذا مثال لتابع التوكيد المعنوي المضاف الذي يجب نصبه عند النحاة ، ويوجد مع تابع المنادى في هذا المثال ضمير ، وهذا الضمير يجوز أن يؤتى به دالا على الغيبة باعتبار الأصل ، فيقال : "كلهم" ، وأن يؤتى به دالا على الحضور باعتبارالحال فيقال : "كلكم" ، لكن الأخفش منع مراعاة الحال وقال في "يا تميم كلكم" يجوز رفع التوكيد ونصبه ، فإن رفع فهو مبتدأ وخبره محذوف أي "كلكم مدعو" وإن نصب فبفعل محذوف أي "كلكم دعوت" .
    "ثم" حرف عطف يفيد الجمع والترتيب والمهلة ، وذهب الأخفش إلى أن "ثم" قد تتخلف عن التراخي بدليل قولك : "أعجبني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت أمس أعجب" لأن ثم في هذا القول جاءت في الترتيب الإخباري ولا تراخي بين الإخبارين .
    قال الشاعر :

    لكنـــــه شـــــاقه أن قيـــــل ذا رجـــــب يــــا ليــــت عــــدة حــــول كلـــه رجـــب

    توكيد النكرة "حول" توكيدا معنويا بـ"كله" كما في هذا البيت صحيح ، لكنه شاذ عند جمهور البصريين ، لأنه نادر أو قليل فيحفظ ولا يقاس عليه ، وقد تابعهم ابن هشام على ذلك في بعض كتبه كالشذور والقطر .
    ورأى الأخفش وجمهور الكوفيين أن توكيد النكرة توكيدا معنويا صحيح مطرد شريطة أن يكون هذا النوع من التوكيد للنكرة مفيدا ، وأنشدوا هذا البيت ونحوه دليلا على ذلك ، وقد تابعهم ابن هشام على رأيهم هذا في بعض كتبه الأخرى كالتوضيح ، واختار هذا الرأي أيضا ابن مالك والرضي الإستراباذي والشاطبي .
    بعد هذه الأمثلة الكثيرة يمكن القول إن الأخفش قد التقى في مسائل كثيرة مع الكوفيين من خلال التأثير المتبادل بينهم وبينه ، لكن تأثيره فيهم وإعانته لهم على تحقيق غرضهم في إنشاء مذهب خاص بهم مغاير في أطره العامة وفي كثير من فروعه لمذهب البصريين - كانا أشد وضوحا وأكثر ظهورا .

    وقد بدا تأثر الأخفش بالكوفيين خاصة في المسائل التي كان له فيها أولا رأي كرأي البصريين ثم ما لبث أن تركه إلى رأي آخر يماثل رأيهم ، ومن العسير فيما عدا هذا أن نحدد أي المسائل وافق فيه الكوفيين وأيها وافقوه فيه .

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مايو 02, 2024 2:33 pm