ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    هديتي لعشاق التاريخ الإسلامي (العصر العباسي الرابع 447 ـ 590هـ )

    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16791
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39117
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    هديتي لعشاق التاريخ الإسلامي (العصر العباسي الرابع 447 ـ 590هـ ) Empty هديتي لعشاق التاريخ الإسلامي (العصر العباسي الرابع 447 ـ 590هـ )

    مُساهمة من طرف أحمد السبت أبريل 11, 2009 5:20 pm

    عصر السيطرة السلجوقية:

    ضمَّت هذه المرحلة من تاريخ الدولة العباسية تسعة خلفاء من بني العباس كان أولهم: القائم بأمر الله..

    القائم بأمر الله 422 ـ 467هـ:

    هو عبد الله بن أحمد القادر، أبو جعفر، ولد عام 319هـ من أم ولد أرمينية اسمها: بدر الدجى، وقيل: قطر الندى، ولي أمر الخلافة عام 422هـ، فكاه عمره إحدى وثلاثين عامًا، بعهد من أبيه، وأبوه هو الذي لقبه "القائم بأمر الله"..

    كان وَرِعًا ديِّنًا زاهدًا عالمًا قوي اليقين بالله تعالى، كثير الصدقة والصبر له عناية بالأدب، ومعرفة حسنة بالكتابة، مؤثرًا العدل والإحسان وقضاء الحوائج, لا يرى المنع من شيء طُلِبَ منه..

    فتنة البساسيري:

    كان أبو الحارث أرسلان التركي البساسيري أحد موالي بني بويه قد طغا حتى خافه الناس جميعًا، وثبت للخليفة العباسي القائم أن البساسيري سيِّء العقيدة، وأن عنده رغبةً في القبض على الخليفة وإلغاء الخلافة العباسية فما كان من الخليفة إلا أن راسل طغرل بك السلجوقي سلطان الأتراك الغزّ وهو بالري يستنهضه للقدوم إليه، فقدم طغرل بك إلى بغداد، واستأذن الخليفة بدخولها فأذن له فدخلها عام 447هـ، وكانت قد وقعت وحشة بين الخليفة والبساسيري؛ فترك البساسيري بغداد، ولم يدخلها مع الملك الرحيم الذي جاء من واسط وطلب الخليفة منه أن يخضع لطغرل بك، واتجه البساسيري إلى الرحبة، ومُنِعَتْ بدعة "حي على خير العمل" في الأذان، وعقد الخليفة على خديجة بنت داود أخي طغرل بك، وقد تمكن البساسيري من أخذ الموصل..

    وراسل البساسيري صاحب مصر المستنصر العبيدي، وطلب منه أن يبايعه ويدعو له، وأن يمده بالجند والأموال، وأن يأتي إليه ليبايعه، ويدخل بغداد باسمه، غير أن المستنصر لم يكن يثق كليًا بالبساسيري؛ لذا فقد اكتفى بمده بالجند من الشام, وبالمال ولكنه لم يأتِ إليه.

    وفي الوقت نفسه فقد تمكن البساسيري من الإيقاع بين طغرل بك وبين أخيه لأمه (إبراهيم ينال) إذ أطمع إبراهيم بمنصب أخيه، واشتغل طغرل بك بقتال أخيه؛ فاستغل البساسيري هذا القتال واتجه إلى بغداد، ودخلها عام 450هـ، ومعه الرايات المصرية، وخطب فيها للمستنصر العبيدي باستثناء جامع الخليفة..

    قبض البساسيري على الخليفة، وأرسله إلى حديثة عانة (1) ، حيث سجن هناك، وروى أن الخليفة كتب قصته وهو بالسجن وأنفذها إلى مكة؛ فعلقت بالكعبة وفيها: إلى الله العظيم من المسكين عبده، اللهم إنك العالم بالسرائر، المطلع على الضمائر، اللهم إنك غني بعلمك، واطلاعك على خلقك عن إعلامي, هذا عبد قد كفر بنعمك وما شكرها، وألغى العواقب وما ذكرها، أطغاه حلمك حتى تعدَّى علينا بغيًا، وأساء إلينا عتوًا وعدوًا، اللهم قَلَّ الناصر، واعتزَّ الظالم، وأنت المطَّلع العالم، المنصف الحاكم، بك نعتز عليه، وإليك نهرب من بين يديه، فقد تعزز علينا بالمخلوقين، ونحن نعتز بك، وقد حاكمناه إليك، وتوكلنا في إنصافنا منه عليك، ورفعنا ظلامتنا هذه إلى حرمك، ووثقنا في كشفها بكرمك، فاحكم بيننا بالحق وأنت خير الحاكمين. (2)

    وقد أنكر الأستاذ/ محمود شاكر هذه الرواية واستبعدها لأن مكة كانت تحت حكم العبيديين في ذلك الوقت..

    كما قتل البساسيري وزير الخليفة وهو ابن مسلمة الذي كان يكره البويهيين لتشيعهم، وصلتهم بالعبيديين في مصر..

    وظفر طغرل بك بأخيه إبراهيم فقتله، وتفرغ لأمر البساسيري فعاد إلى بغداد ودخلها عام 451هـ، ولم ينفرد فيها البساسيري بأكثر من سنة، وظفر بالبساسيري فقتله..

    ورجع الخليفة إلى داره، ولم ينم بعدها إلا على فراش مصلاه ولزم الصيام والقيام، وعفا عن كل من آذاه، ولم يسترد شيئًا مما نهب من قصره إلا بالثمن، وقال: هذه أشياء احتسبناها عند الله، ولم يضع رأسه بعدها على مخدة..

    وفي عام 454 هـ زوَّج الخليفة ابنته لطغرل بك، على كره منه, وهذا أمر لم ينله أحد من ملوك بني بويه مع قهرهم الخلفاء وتحكمهم فيهم..

    وفي سنة 455هـ دخل طغرل بك بابنة الخليفة ثم رجع إلى الرَّي فمات بها، وأقيم في السلطنة بعده ابن أخيه عَضُد الدولة ألب أرسلان وبقى بها حتى قتل عام 465هـ، وخَلَفه ابنه ملكشاه..

    وقال الذهبي عن ألب أرسلان: وهو أول من ذكر بالسلطان على منابر بغداد، وبلغ ما لم يبلغه أحد من الملوك، وافتتح بلادًا كثيرة من بلاد النصارى، واستوزر "نظام الملك"، فأبطل ما كان عليه الوزير قبله "عميد الملك" من سَبِّ الأشعرية، وانتصر للشافعية وأكرم إمام الحرمين، وأبا القاسم القشيري، وبَنَى النظامية قيل: وهي أول مدرسة بنيت للفقهاء..

    وفي عهد الخليفة القائم بأمر الله عام 462هـ، أقبل ملك الروم "أرمانوس" بجموع لا حصر لها وعلى رأسهم البطارقة, وهو ينوي بهذه الحشود الكبيرة أن يقضي على الإسلام وأهله حتى أنه لفرط أمله قد أقطع البطارقة مناطق العراق، وتلقاه "ألب أرسلان" عام 463هـ في عشرين ألف مقاتل فقط؛ ودارت معركة كبيرة بين الطرفين انتصر فيها ألب أرسلان رغم قلة جنده، وأُسِرَ ملكُ الروم "أرمانوس" وعرفت هذه المعركة باسم معركة "ملاذكرد" ثم عفا "ألب أرسلان" عن "أرمانوس" وأطلق سراحه، وعندما عاد إلى بلاده وجد أن الروم قد ملكوا عليهم غيره..

    وكانت وفاة الخليفة القائم بأمر الله عام 467هـ، وخَلَفَه حفيده المقتدي بأمر الله. (3)

    وفي عهد الخليفة القائم بأمر الله عام 462 هـ أقبل ملك الروم "أرمانوس" بجموع لا حصر لها وعلى رأسهم البطارقة ونوي بهذه الحشود الكبيرة أن يقضي على الإسلام وأهله حتى أنه لفرط أمله قد أقطع البطارقة مناطق العراق، وتلقاه "ألب أرسلان" عام 463 هـ في عشرين ألف مقاتل فقط، ودارت معركة كبيرة بين الطرفين انتصر فيها "ألب أرسلان" رغم قلة جنده وأُسر ملك الروم "أرمانوس" وعرفت هذه المعركة باسم "معركة ملاذكرت" وقد عفا "ألب أرسلان" عن "أرمانوس" وأطلق سراحه، وعندما عاد إلى بلاده وجد أن الروم قد ملكوا عليهم غيره.(4)


    العصر العباسي الرابع 447 ـ 590هـ:
    كان خلفاء هذه المرحلة على درجة من العدل والتقوى والإحسان والعطف على الناس، وقد أحبتهم الرعية حبًا كبيرًا حتى ليعم الحزن البلاد عندما يتوفى أحد الخلفاء، فعندما قُتِلَ المسترشِد (512 ـ 529هـ) ظهر التأثر واضحًا على الرعية، وكذا الحال عندما قُتِل ابنه الراشد (529 ـ 530هـ) ولم يقتل من هؤلاء جميعهم سوى المسترشد وابنه الراشد..

    ولم يكن السلاجقة ـ وهم القوة المسيطرة على الخلافة ـ يتصرفون مع الخليفة ذلك التصرف السيِّء الذي كان يقوم به من سبقهم سواء من القادة الأتراك أم من البويهيين, فالقادة الأتراك كانوا عسكريين جهلة ومختلفين فيما بينهم؛ فإذا ظن أحدهم أن الخليفة مال لآخر سعى إلى قتله بصورة من الصور أو إلى سمل عينيه وإهانته، وكان البويهيون من الشيعة الحاقدين على الخلفاء أولاً، وعلى الفكر الإسلامي الصافي ثانيًاـ إذ أن التشيع بدأت توضع له في تلك المرحلة أسسه ومبادئه التي فيها بُعْدٌ عن الإسلام، والتي حرص واضعوها على نسجها على الأوقات السابقة؛ فنسبوا لبعض آل البيت ما لم يقولوه، ولم يسمعوا به بل لم يفكروا فيه، وليس التشيع هو محبة آل البيت عامة، وعليٍّ وأبنائه رضي الله عنهم خاصة كما يتصور بعض العامة من المسلمين أو عامة الشيعة حسبما وصل إليهم، وإنما أصبح للتشيع فكر خاص له منهجه وسلوكه, بل عقيدة خاصة تختلف عن صفاء الإسلام بادعاء العصمة للأئمة ومعرفتهم ما لم يعرف غيرهم ؛ لذا فإن تصرف البويهيين مع الخلفاء لم يكن تصرف التابع، أو تصرف المبايِع للخليفة الحريص على هيبة الحكم والنظام, وما يقضي به الشرع بالنسبة إلى معاملة الخليفة الشرعي، وإن سلوك السلاجقة الطيب نسبيًا قد أعاد للخليفة هيبته أو مكانته, وإن كان بصورة نسبية أيضًا. (5)

    وقد ظهر في تلك المرحلة دول قوية في المنطقة كان لها دور في صراع النصارى مع الإسلام سواء في الأندلس مثل: دولة المرابطين ودولة الموحدين، أم في المشرق مثل: إمارة آل زنكي ودولة الأيوبيين اللتين انصرفتا إلى قتال الصليبيين بل وحتى العبيديين, وإن كان بعضها تتبع الخلافة العباسية وتدين لها بالولاء مثل: المرابطين وآل زنكي والأيوبيين، فإن بعضها الآخر لا يعترف بسلطة العباسيين عليها, بل تَعُدُّ نفسها دولة قائمة بذاتها مثل: الموحدين حيث يُدعى سلطانهم أمير المؤمنين، أو تعد نفسها خلافة خاصة مثل: الدولة العبيديية في مصر، وجميعهم كان لهم دور في مقارعة الصليبيين..

    وكان خلفاء هذه المرحلة على صورة واحدة تقريبًا من حيث الاتجاه الإسلامي العام، ولم يكن بينهم سوى الخليفة الناصر (575 ـ 622هـ) الذي مال إلى التشيع، وكان يفضل عليًا على أبي بكر رضي الله عنهما،وهذا ضلال عند أهل السُّنَّة، فالمسلمون جميعًا يرون فضل أبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم عليٍّ، على التوالي رضي الله عنهم، وهناك اختلاف يسير في تفضيل علي على عثمان رضي الله عنهما،ولكن الجمهور على تفضيل عثمان. وقد سُئِل ابن الجوزي أمام الخليفة الناصر: من أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: أفضلهم من كانت ابنته تحته، ولم يستطع أن يصرح بتفضيل أبي بكر رضي الله عنه وإن كان في هذا الجواب معنيان؛ إذ يمكن أن يُفهَم تفضيلُ أبي بكر رضي الله عنه الذي كانت ابنته عائشة رضي الله عنها تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم, كما يُفهَم منه تفضيلُ عليٍّ رضي الله عنه إذ كانت تحته فاطمة رضي الله عنه بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تحته.. (6) وهذا يدل على تعصب الناصر لمذهبه الباطل.

    وفي هذه المرحلة قَلَّتِ الخلافاتُ بين السنة والشيعة بعد أن زالت دولهم المتعددة، فقد زال البويهيون عام 447هـ وبزوال البويهيين ضعف أمر القرامطة، ثم قضى عليهم عام 470هـ، إذ خرجت جزيرة أوال (البحرين) عن طاعة القرامطة عام 458هـ، وخضعت للعباسيين، وكان أول الأمر أن بني المسلمون مسجدًا لجذب التجار إلى جزيرتهم، وخطبوا فيه للخليفة العباسي دون الخليفة العبيدي فعزل القرامطة واليهم على الجزيرة، وفرضوا على أهلها ضرائب جديدة الأمر الذي أثار السكان فهبوا ضد القرامطة، واستطاعوا الانتصار عليهم، وقد هيأ هذا الانتصار أن يتصل المسلمون في البحرين بالخليفة العباسي، ويطلبوا منه الدعم إذ اتصل عبد الله بن علي العيوني زعيم قبيلة عبد القيس بالخليفة العباسي "القائم بأمر الله" وبالسلطان السلجوقي "ملكشاه" عام 462هـ، ووجد عندهما تجاوبًا؛ فأرسلا له جيوشًا دعمته ضد القرامطة فاستطاع أن يهزم القرامطة عام 467هـ، وتجمع المسلمون من كل ناحية في تلك الجهات، وهزموا القرامطة في معركة الخندق عام 470هـ في شمال الأحساء وقضوا عليهم..

    أما العبيدييون فقد كان أمرهم يضعف , كما أن أصولهم وانتماءهم وسلوكهم يدل على ضلالتهم العقيدية والفكرية، ويلقي ضوءًا على أهدافهم السياسية البعيدة، وهذا ما أصبح يتضح للرعية عندما بقوا وحدهم في الميدان, وزال الشيعة والمتشيعون الآخرون الذين كانوا يغطون الساحة فيختفي فيها العبيديون, وعندما انكشفوا أصبح الناس يكرهونهم فبدأ أمرهم يضعف حتى قضى عليهم صلاح الدين الأيوبي رحمه الله عام 567هـ..

    وفي هذه المرحلة حدث هجوم صليبي شرس على بلاد المسلمين ابتدأ في الأندلس، ومنها انتقل إلى الأناضول, فبلاد الشام ومصر وكان يحمل الحقد الأسود على الإسلام؛ ولذا فقد ارتكب جرائم بشعة جدًا, وأهلك الزرع والضرع أثناء سيره، وكان النافخون فيه يتذرعون بأن المسلمين كانوا يسيئون إلى الحجاج النصارى الذين يقصدون بيت المقدس، وقد حدث هذا الهجوم بعد الهزائم المنكرة التي مني بها النصارى سواء في المشرق في معركة (ملاذكرد) عام 463هـ على يد ألب أرسلان السلجوقي رغم التفاوت الكبير في قوات الطرفين إذ لم تزد قوات ألب أرسلان على عُشْرِ قوات الروم البيزنطيين، أو في المغرب في بلاد الأندلس في معركة الزلاقة عام 479هـ على يد أمير المرابطين يوسف بن تاشفين، وقد وحدت هاتان الهزيمتان بين الكنيستين النصرانيتين: الشرقية والغربية مؤقتًا, وحمست النصارى على الانسياح البربري الوحشي في ديار المسلمين, الذي روَّع الآمنين, وأخاف الناس جميعًا، ولقد حصل هذا الهجوم على بعض النصر من جهة ثانية أثر آخر إذ أيقظ المسلمين وحرّك في بعضهم الإيمان وهيَّج فيهم روح الجهاد، والدعوة إلى الوحدة؛ فقاموا يقاتلون الصليبيين حتى دمروهم في النهاية وأخرجوهم صاغرين. (7)

    وفي هذه المرحلة ظهرت دول كان لها الأثر الكبير في محاربة الصليبيين؛ لذلك علا شأنها وارتفع ذكرها حتى طغى اسمها على الخلافة العباسية بالذات فحجبها، ولم يعد يذكرها الناس على حين كان يذكر دائمًا تلك الدولة الثانية التي تتبع الدولة العباسية، أو لا تتبعها مباشرة، فكان في المغرب دولة المرابطين الذين اجتازوا بحر الزقاق وانتقلوا إلى العدوة الأندلسية، وقاتلوا النصارى الأسبان هناك, وانتصروا عليهم في معركة الزلاقة عام 479هـ، وهناك أيضًا الموحدون الذين خلفوا المرابطين وانتقلوا أيضًا إلى الأندلس دعمًا للمسلمين، وانتصروا على النصارى الأسبان في معركة الأرك عام 585هـ، وظهرت في الوقت نفسه دولة آل زنكي في المشرق وقد عملت على تقوية صف المسلمين ومنازلة الصليبيين، ثم قامت بعدها دولة الأيوبيين، وقد تمكن صلاح الدين الأيوبي من أن ينتصر على الصليبيين وأن يدخل بين المقدس عام 583هـ، وإضافة إلى هذه الدولة التي علا اسمها كانت دولة خوارزم في الشمال الشرقي من العالم الإسلامي، وبقيت قائمة حتى قضى عليها المغول عام 629هـ، كما قامت دولة الغوريين في الجنوب الشرقي من العالم الإسلامي، وقد عملت على نشر الإسلام في بلاد الهند، إذ تمكنت من فتح دلهي وبيهار، والبنغال حوالي عام 597هـ؛ وبذا ضمت أجزاء واسعة من الهند إلى بلاد المسلمين..

    وفي الوقت الذي بدأت الدولة العبيدية تضعف فيه في مصر بدأ أنصارها في اليمن بالظهور؛ فقامت الدولة الصليحية عام 455هـ وعندما توفى الخليفة المستنصر العبيدي عام 487هـ انقسمت الدعوة إلى فرعين: فرع يؤيد المستعلي وينتشر في اليمن، والآخر يؤيد نزار وينتشر في فارس والشام، والفرع الأخير هو الذي حمل اسم الباطنية أكثر من غيره رغم أن الحركات الباطنية كثيرة، كما أُطْلِقَ على أصحابه اسم "الحشاشين"، وقد لعب هذا الفرع دورًا كبيرًا في قتل الشخصيات البارزة, وكان أولها الوزير نظام المُلك الذي قُتِل عام 485هـ، وقد حرصوا على قتل صلاح الدين الأيوبي ولكن الله أنقذه منهم، وكانوا يقيمون في قلاع جبلية حصينة، وكما انتشرت هذه الجماعة التي أطلق عليها اسم "الإسماعيلية" أيضًا فقد ظهرت بقية الفرق الباطنية من نُصَيرِيَّة ودروز، وإن كانت قد اختلفت بعضها مع بعض، وكَفَّر كلُّ فريق الفريق الآخر، إلا أنها جميعها كانت معادية للإسلام وأبنائه، وتدعي-عندما تعيش في وسط مجتمع إسلامي- أنها تنتمي إلى الإسلام..

    وانتشرت في هذه المرحلة الألفاظ الأعجمية فنلاحظ "الأتابك" ومعناها "الوالد الأمير" "وشحنكية" ومعناها المقاطعة وغيرها من الألفاظ التي غدت متداولة في كل الدولة وخاصة في جناح المشرق. (8)

    وكانت السيطرة الحقيقية للسلاجقة الذين يعودون في أصولهم إلى الغزِّ من الترك، ويدينون بالإسلام، ويأخذون برأي أهل السنة والجماعة..

    واستمر سلطان السلاجقة حتى سيطر على مناطق نفوذهم الخوارزميون عام 590هـ، واستمر ذلك حتى جاء المغول (9) ثم دخل هولاكو بغداد عام 656هـ فزال سلطان الدولة العباسية .
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16791
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39117
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    هديتي لعشاق التاريخ الإسلامي (العصر العباسي الرابع 447 ـ 590هـ ) Empty رد: هديتي لعشاق التاريخ الإسلامي (العصر العباسي الرابع 447 ـ 590هـ )

    مُساهمة من طرف أحمد السبت أبريل 11, 2009 5:23 pm


    المقتدي بأمر الله:
    عبد الله بن محمد بن عبد الله القائم (467 ـ 487هـ):

    كان للقائم بأمر الله ولدٌ تُوُفي في حياته عام 448هـ واسمه محمد وكانت أم ولده "أرجوان" حامل؛ فوضعت بعد وفاة زوجها محمد بن الخليفة القائم ولدًا، أسماه جده على اسمه عبد الله، ولقبه "المقتدي" وقد بويع بالخلافة بعد وفاة جده القائم عام 467هـ وعمره تسع عشرة سنة فهو عبد الله بن محمد بن عبد الله القائم بأمر الله..

    كان ديِّنًا خيرًا قوي النفس عالي الهمة، من نجباء بني العباس، ومن محاسنه أنه نفى المغنيات والخواطي من بغداد, وكان يكنى أبا القاسم، وقد خَطَبَ الخليفة ابنة السلطان ملكشاه عام 474هـ، وتزوجها عام 480هـ لكنها لم تلبث أن توفيت عام 482هـ..

    دخل ملكشاه بغداد عام 479هـ ونزل في دار المملكة ومكث مدة ثم رجع إلى أصبهان، وكذلك جاء ثانية في عام 484هـ، وبقى مدة ثم عاد إلى قاعدته غير أن قدومه الأخير عام 485هـ كان يُضمِر فيه الشر، قد أرسل إلى الخليفة يطلب منه أن يغادر بغداد , ويتركها له, وأن يسير إلى حيث شاء من البلدان؛ فغضب الخليفة وطلب من ملكشاه أن يمهله ولو شهرًا، فأجابه: إنه لا يمهله ولا ساعة واحدة، فأرسل الخليفة إلى وزير السلطان يطلب المهلة إلى عشرة أيام, غير أن الموت لم يمهل ملكشاه إذ مرض وتوفي في هذه الأثناء، وقيل: إن الخليفة كان يصوم ويدعو على ملكشاه..

    وفي أيام المقتدي استردَّ المسلمون من الروم أنطاكية على يد "سليمان بن قطلمش السلجوقي عام 477هـ، وكان الروم قد أخذوها من المسلمين عام 358هـ، كما استرد المسلمون منبج عام 468هـ على يد نصر بن محمود بن صالح بن مرداس، وانتصر المسلمون بقيادة أمير المسلمين يوسف بن تاشفين أمير المرابطين وصاحب المغرب في معركة الزلاقة على النصارى الأسبان عام 479هـ ، كان هذا النصر مُؤَزَّرًا، وكانت المعركة حاسمة، كما فتح المسلمون في أيامه أجزاءً من الهند وأخذوا قلاعًا حصينة هناك على أيدي الغزنويين.

    وفي أيام المقتدي أُعِيدت الخطبة للعباسيين في دمشق عام 468هـ، وفي مكة عام 474هـ بعد أن انقطعت ثانية عام 467هـ..

    وتوفي الخليفة المقتدي رحمه الله في مطلع عام 487هـ في 14 محرم؛ وبذا تكون خلافته قد قاربت العشرين عامًا، وكان فيها خير للمسلمين. (10)


    السلاجقة:
    بعد معركة ملاذكرد ضعفت الدولة البيزنطية ضعفًا ظاهرًا بحيث لم تعد تقوى على شيء, وخاصة أن إمبراطورها قد أُسِرَ في تلك الموقعة الشهيرة؛ فتقدم السلاجقة في بلاد الأناضول ثم قامت إمارات سلجوقية لعل أبرزها الإمارة التي أسسها سليمان الأول بن قطلمش بن أرسلان بن سلجوق والتي عُرِفَ السلاجقةُ فيها باسم: سلاجقة الروم وكان مقرها قونية، كانت هذه أولى الإمارات السلجوقية في بلاد الأناضول, ثم أعقب ذلك قيام إمارات أخرى..

    وتوسع ملك السلاجقة أيام ملكشاه كثيرًا إذ ضَمَّ إليه دمشق عام 468هـ، وانتهت بدعة "حي على خير العمل" في الأذان..

    كما ضم السلاجقة إليهم حمص وحلب، وبعد هذا الضم دخل ملكشاه بغداد عام 479هـ، ومعه وزيره نظام الملك، فزارا معالم المدينة ومشاهدها وعادا بعدها إلى أصبهان في شهر صفر من عام 480هـ، وفي تلك الأثناء تزوج الخليفة ابنة السلطان ملكشاه..

    وضم السلاجقة إليهم بُخَارى وسمرقند وبلاد ما وراء النهر، ووصلوا إلى كاشغر في تركستان الشرقية، وحملت جزية الروم إلى السلطان ملكشاه وهو في كاشغر ليرى رُسُلُ الإمبراطور البيزنطي سعة أملاك ملكشاه،كما امتد سلطان ملكشاه إلى اليمن وعدن..

    ولم يقتصر السلاجقة في أيام ملكشاه على توسعة نفوذهم في البلاد الإسلامية بل تخطوها فتوسعوا بانتشارهم في بلاد الروم، واستردوا بعض ما كان الروم قد أخذوه من المسلمين مثل منبج عام 468هـ، وأنطاكية عام 477هـ..

    وفي عام 485هـ توفي ملكشاه، فتكمت زوجته "تركان خاتون" موته، واستدعت الأمراء وأعلمتهم بالأمر، واستخلفت ابنها محمود وهو صغير السن إذ لا يزال في الخامسة من عمره، ووافق الخليفة بعد تردد على تلك التولية، وخطب له بعد الخليفة وكان الوزير تاج الملك يقوم بالوصاية عليه..

    كان ملكشاه أحسن الملوك سيرة حتى كان يلقب بالسلطان العادل، وكان يجلس للمظالم بنفسه، ويقضي بين الناس بالقسطاس المستقيم، كما كان بابه مفتوحًا لكل قاصد بحيث يستطيع أي شخص من أفراد شعبه أن يتصل به في سهولة ويسر لرفع ظلامته أو للتعبير عما لحقه من اضطهاد، وكانت السبل في أيامه آمنة، والقوافل تسير من بلاد ما وراء النهر إلى أقصى بلاد الشام في أمن وطمأنينة، كما حفر ملكشاه الآبار في طريق مكة، وبنى منارة القرون بالسبيعي في طريق مكة ، وبنى منارة أخرى ببلاد ما وراء النهر، وأسقط المكوس عن حجاج بيت الله، وقد سارت مهارته في الصيد على كل لسان..

    واستوزر السلطان ملكشاه وزير أبيه السلطان ألب أرسلان وهو أبو المحسن عليٌّ بن إسحاق المعروف بنظام الملك وكان ألب أرسلان قد عهد إليه بتنشئة ابنه ملكشاه، فلما تولى ملكشاه الأمر بعد أبيه، استبقاه وجعله مدبر ملكه، ومستشاره الأمين، وكان نظام الملك عالمًا دينًا جوادًا عادلاً حليمًا كثير العفو طويل الصمت، وكان مجلسه حافلاً بالفقهاء وأئمة المسلمين وأهل الخير والصلاح، واشتُهِر ببناء المدارس وخَصَّصَ لها النفقات العظيمة، وأملى الحديث ببغداد ونيسابور، وكان قد تعلم العربية منذ صغره, وصدف عن الدنيا في أواخر حياته..

    قبض نظام الملك وأولاده الاثنا عشر على زمام الدولة بشكل جيد، وقتل نظام الملك وهو صائم بالعاشر من رمضان عام 485هـ على يد أحد غلمان الباطنية، وكان السلطان ملكشاه قد لقبه أتابك أي "الوالد الأمير". (11)

    توفي السلطان ملكشاه عام 485هـ, وخلف عدًا من الأولاد أكبرهم بركياروق وُلِدَ عام 472هـ، ومحمد ولد عام 473هـ، وسنجر ولد عام 477هـ، ومحمود ولد عام 480هـ، أما ولده الكبير أحمد فقد توفي عام 474هـ، وكان يريد توليته العهد من بعده..

    كان محمود بن ملكشاه في بغداد، وكان أخوه بركياروق في أصبهان، وخشيت تركان خاتون من منافسة بركياروق لأخيه الصغير محمود؛ فأرسلت إلى أصبهان من قبض على بركياروق وسجنه، غير أن أحد أبناء نظام الملك قد أخرجه من السجن، وانتقل به إلى الري ونصبه ملكًا، ووقع القتال بين الطرفين، وهُزِمَ جيش محمود واعتصم بأصبهان, وحاصره أنصار بركياروق، وتم بعد ذلك الصلح بين الطرفين مقابل مبلغ من المال يُدفَع لبركيارق، وقُتِلَ في هذه الأثناء عام 486هـ، الوزيرُ تاج الملك، وعاد الصدام بين الأخوين بعد أن حرضت أم محمود "تركان خاتون" على بركياروق خاله إسماعيل إلا أن إسماعيل قد هُزِم، وانتصر بركياروق في النهاية واتجه إلى بغداد، ونودي به سلطانًا في مطلع عام 487هـ (14محرم) على حين بقى محمود بأصبهان، ووافق الخليفة على سلطنة بكياروق وقلَّده، وفي اليوم التالي لهذا التقليد توفي الخليفة (15 المحرم). (12)

    أصبح بركياروق سلطان السلاجقة في بغداد عام 487هـ، وكان عمه تتش تاج الدولة وصاحب دمشق قد طمع بالسلطنة، ومن أجل ذلك دخل بركياروق وعمه تتش في حروب طاحنة انتهت بمقتل تتش..

    كما ثار في خراسان أرسلان أرغون بن ألب أرسلان على ابن أخيه بركياروق فحاربه عام 490هـ، غير أن أرسلان أرغون قد قُتل، وسلم بركيارق أخاه سنجر بلاد خراسان مكان عمه المقتول..

    كان مؤيد الملك بن نظام الملك من أنجب أبناء نظام الملك، وكان وزير بركياروق غير أن بركياروق لم يلبث أن عزله, وولى مكانه أخاه عز الملك وأبا الفتح علي بن الحسين الطغرائي الشاعر المعروف فأصبح مؤيد الملك عدوًا لبركياروق، واستطاع أن يؤثِّر على الخليفة؛ فيقلد السلطنة إلى محمد أخى بركياروق وقد لقبه "غياث الدنيا والدين" وقد طالت الحروب التي نشبت بين الفريقين حتى زادت على خمس سنوات، يتصالحان ثم يعودان إلى القتال..

    وفي عام 498هـ تُوُفي بركياروق فخلفه ابنه ملكشاه، ولقبه الخليفة جلال الدولة غير أنه كان صغيرًا لم يتجاوز الخامسة من عمره، ولم يتم له الأمر سوى شهر واحد حتى عُزِلَ وخلا الجو لمحمد بن ملكشاه وبقى في السلطنة حتى عام 511 هـ .

    وفي عام 492هـ كثر أتباع الباطنية في أصبهان ثم انتشروا إلى العراق بسبب الخلاف على السلطنة بين بركياروق ومحمد، فلما صفا الجو للسلطان محمد جرَّد حربًا على الباطنية واستطاع عام 500هـ أن يحتل قلعة أصبهان.(13)

    وبعد وفاة السلطان محمد بن ملكشاه عام 511هـ ،خلفه ابنه محمود، وكان عمره أربع عشرة سنة، وتوفي بعد ذلك الخليفة المستظهر عام 512هـ، وشق الطاعة طغرل بن محمد ملكشاه على أخيه محمود عام 513هـ، كما دخل محمود في حرب دامية مع عمه سنجر الذي كان شيخ آل سلجوق يومذاك، وصاحب خراسان والمشرق، ويبدو أن محمودًا كان الظالم لعمه، وانتصر سنجر عام 513هـ، وبعد الهزيمة التي مُنِيَ بها محمود سار إلى أصبهان على حين سار عمه سنجر إلى همدان، وراسل سنجر ابن أخيه محموداً للصلح بينهما، والتقى وعفا عنه، وجعله ولي عهده، وقلَّده ولاية العراق، وزوجه ابنته.

    وفي عام 514هـ خرج مسعود بن محمد السلجوقي صاحب الموصل وأذربيجان على أخيه محمود بعد أن رمى بينهما الواشون الذين حرضوا مسعودًا على أخيه لما رأوا من صغر محمود، وهزيمة جنده أمام عمه سنجر، وتفرق جيشه، غير أن محمودًا قد انتصر على مسعود ثم عفا عنه، وقلده ولاية بغداد.

    حارب دبيس بن صدقة جند السلطان محمود، كما سار الخليفة إليه بنفسه فحلَّت الهزيمة بدبيس، ثم عاد فاستولى على البصرة ثم التحق بالصليبيين وأطمعهم بدخول حلب، ثم عاد فالتحق بالسلطان طغرل بن محمد السلجوقي عام 519هـ.

    وبعد أن قاتل الخليفة بنفسه دبيس خاف السلطان محمود من قوة الخليفة فرغب بدخول بغداد، فنصحه الخليفة بالتريث فظن محمود بالخليفة سوءًا؛ فقرر بدخول بغداد، فغادرها الخليفة وأهلها، وبكى الناس لخروجه، وعاد السلطان محمود فاستعطفه بالعودة، وحدث الخلاف بين الخليفة والسلطان، وجرى بينهما القتال، وانتصر السلطان على الخليفة، ودخل بغداد عام 521هـ ونهبت عساكره دار الخلافة.

    وعاد القتال إذ دخل الخليفة بغداد من جانبها الشرقي على رأس ثلاثين ألف مقاتل غير أن مغادرة أبي الهيجاء بجزء من جيش الخليفة وانضمامه إلى السلطان، ووصول عماد الدين زنكي أمير واسط لدعم السلطان كل هذا قد جعل الخليفة يميل إلى السَّلْم؛ فعفا الخليفة عن السلطان، واعتذر السلطان للخليفة، وغادر بغداد عام 521هـ وتوجه إلى همدان، ثم عاد إلى بغداد عام 523هـ ليقوم بالصلح بين الخليفة ودبيس بن صدقة، وقد تم ذلك إلا أن دبيسًا لم يلبث أن شق عصا الطاعة على الخليفة والسلطان معًا، فأرسل السلطان له جيشًا أجبره على الفرار والاختفاء مغادرًا البصرة.

    خالف مسعود أخاه السلطان محمودًا وسار كل منهما إلى الآخر, غير أنهما تصالحا وتوفى السلطان محمود في شوال 525هـ وخلفه ابنه داود.

    كان محمود حليمًا يسمع ما يكره ولا يعاقِب عليه مع القدرة، قليل الطمع في أموال الرعايا عفيفًا عنها كافًّا أصحابه عن التطرق إلى شيء منها، وكان متوقد الذكاء ملمًا بالعربية، حافظًا للأشعار والأمثال، عارفًا بالتواريخ والسير، شديد الميل إلى أهل العلم والخير، وكان ميالاً إلى العفو فنلاحظ عفوه عن أخيه طغرل، وعن أخيه مسعود، واستعطافه للخليفة، وعفوه عن أهل بغداد وقد حاربوه.

    كما قام بأمر عظيم وهو محاربة الباطنية، واستطاع أن يدخل قلعة الموت في فارس، وقلعة بانياس في بلاد الشام، وهاتان القلعتان من أقوى حصون الباطنية، وإنَّ صِغَرَ سنه عند توليه الأمر قد أطمع فيه الأمراء فقاتلوه، وانتصر عليهم، ثم عفا عنهم.

    نازع مسعود بن محمد ابن أخيه داود بن محمود واحتل تبريز ثم تصالحا، وسار مسعود إلى بغداد وفي رغبته استلام السلطنة وطلب من الخليفة ذلك فاستشار الخليفة سنجر شيخ البيت السلجوقي؛ فأشار عليه أن تكون الخطبة للخليفة وحده.

    ذهب طغرل بن محمد إلى عمه سنجر في الري وتحدثا في رغبة مسعود في استلام السلطنة؛ فسارا إلى مسعود والتقيا به في نهاوند، فهُزِم مسعود وأُخِذ أسيرًا مع وزيره وبعض أمرائه في عام 526هـ، وحكم طغرل الري باسم عمه سنجر.

    ثم اقتتل داود مع عمه طغرل، وقد انتصر طغرل الذي اصطدم بعد ذلك مع أخيه مسعود، وانتصر مسعود الذي اتحد مع ابن أخيه داود، وانتصرا على طغرل، وسار مسعود إلى بغداد، ودخلها مع ابن أخيه داود، واتفقا على أن يكون مسعود سلطانًا على السلاجقة وأن يكون ابن أخيه داود وليًا لعهده، ومات طغرل عام 528هـ، أما مسعود فقد التقى مع الخليفة وأسره وطلب سنجر من ابن أخيه إطلاق الخليفة والإحسان إليه؛ ففعل غير أن الباطنية قد قتلوا الخليفة عام 529هـ.(14)


    المسترشد بالله الفضل بن أحمد المستظهر512هـ : 529هـ
    هو الفضل بن أحمد المستظهر، أبو منصور، المسترشد بالله، ولد في ربيع الأول سنة 485هـ، وأمه أم ولد من الأتراك، بويع بالخلافة عند موت أبيه في ربيع الثاني سنة 512هـ، فكان عمره يومذاك 27 سنة.

    قال عنه ابن كثير: كان شجاعًا مقدامًا بعيد الهمة فصيحًا بليغًا، عذب الكلام حسن الإيراد، مليح الخط، كثير العبادة محببًا إلى العامة والخاصة، وهو آخر خليفة رُؤِيَ خطيبًا, قُتِلَ وعمره خمس وأربعون سنة وثلاثة أشهر، وكانت مدة خلافته سبع عشرة سنة وستة أشهر وعشرين يومًا.

    ثم حدث خلاف بين الخليفة والسلطان مسعود السلجوقي، فالتقى الجمعان، وغدر بالخليفة أكثرُ عساكره، فظفر به مسعود وأسر الخليفة وخواصَّه؛ فحبسهم بقلعة قرب همذان، فبلغ أهل بغداد ذلك فحثوا في الأسواق التراب على رؤوسهم، وبكوا وضجوا، وخرج النساء حاسرات يندبن الخليفة، ومنعوا الصلوات والخطبة.

    قال ابن الجوزي: وزُلزلت بغدادُ مِرارًا، ودامت كل يوم خمس مرات أو ستًا، والناس يستغيثون، فأرسل السلطان سنجر إلى ابن أخيه مسعود يقول:" ساعة وقوف الولد غياث الدنيا والدين على هذا المكتوب يدخل على أمير المؤمنين، ويقبل الأرض بين يديه، ويسأله العفو والصفح، ويتنصل غاية التنصل، فقد ظهر عندنا من الآيات السماوية والأرضية مالا طاقة لنا بسماع مثلها، فضلاً عن المشاهدة من العواصف، والبروق، والزلازل، ودام ذلك عشرين يوماً، وتشويش العساكر، وانقلاب البلدان، وقد خفت على نفسي من جانب الله، وظهور آياته، وامتناع الناس من الصلاة في الجوامع، ومنع الخطباء مالا طاقة لي بحمله، فاللهَ اللهَ تتلافى أمرك، وتعيد أمير المؤمنين إلى مقر عزه، وتحمل الغاشية بين يديه كما جرت عادتنا وعادة آبائنا."

    ففعل مسعود جميع ما أمر به، وقبل الأرض بين يدي الخليفة, ووقف يسأل العفو.

    ثم أرسل سنجر رسولاً آخر ومعه عسكر يستحث مسعوداً على إعادة الخليفة إلى مقر عزه، فجاء في العسكر سبعة عشر من الباطنية، فذكر أن مسعوداً ما علم بهم، وقيل: بل علم بهم، وقيل: بل هو الذي دسَّهم، فهجموا على الخليفة في خيمته ففتكوا به وقتلوا معه جماعة من أصحابه، فما شعر بهم العسكر إلا وقد فرغوا من شغلهم، فأخذوهم وقتلوهم إلى لعنة الله، وجلس السلطان للعزاء وأظهر المساءة بذلك، ووقع النحيب والبكاء، وجاء الخبر إلى بغداد، فاشتد ذلك على الناس، وخرجوا حفاة مخرقين الثياب، والنساء ناشرات الشعور يلطمن ويقُلْنَ المراثي، لأن المسترشد كان محبباً فيهم لبرِّه، ولما فيه من الشجاعة والعدل والرفق بهم.

    وكان قتل المسترشد ـ رحمه الله ـ بمراغة سنة 529هـ

    وكان شاعراً، ومن شعره يوم أُسِر:

    ولا عجبا للأُسْدِ إن ظَفَرَتْ بها كلابُ الأعادي من فصيح وأعجمِ

    فحربةُ وحشي سقت حمزةَ الرَّدى وموت عليٍّ من حُسام ابنِ مُلجم (15)


    الراشد بالله منصور بن الفضل المسترشد 529هـ : 530هـ
    هو منصور بن الفضل المسترشد، أبو جعفر، الراشد بالله، ولد عام 502هـ، خطب له أبوه بولاية العهد سنة 513هـ وبويع له بالخلافة عند قتل أبيه في ذي القعدة سنة 529هـ كان فصيحًا، أديبًا، شاعرًا، شجاعًا، جوادًا، حسن السير، يؤثر العدل ويكره الشر. (16)

    .
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16791
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39117
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    هديتي لعشاق التاريخ الإسلامي (العصر العباسي الرابع 447 ـ 590هـ ) Empty رد: هديتي لعشاق التاريخ الإسلامي (العصر العباسي الرابع 447 ـ 590هـ )

    مُساهمة من طرف أحمد السبت أبريل 11, 2009 5:28 pm

    وفي سنة 530هـ وقع خلاف بين الخليفة الراشد والسلطان مسعود السلجوقي بسبب أنه أرسل إلى الخليفة يطلب منه ما كان كتبه له والده المسترشد حين أسره، حيث التزم له بأربعمائة ألف دينار؛ فامتنع من أداء ذلك وقال: ليس بيننا وبينكم إلا السيف، فوقع بينهما الخلاف؛ فاستدعى الخليفة عماد الدين زنكي من الموصل، وجاء في غضون ذلك السلطان داود بن محمود بن محمد ملكشاه، فخطب له الخليفة ببغداد، وخلع عليه وبايعه على الملك، فأصبح الخلاف كبيراً بين الخليفة الراشد والسلطان مسعود، وعندما بلغهم كثرة الجيش مع السلطان مسعود حسَّن عماد الدين زنكي للخليفة أن يذهب معه إلى الموصل، فدخل السلطان مسعود بغداد في غيبتهم فاستحوذ على دار الخلافة بما فيها جميعه،ثم استخلص من نساء الخليفة وحظاياه الحلي والمصاغ والثياب التي للزينة، وغير ذلك، وجمع القضاة والفقهاء وأبرز لهم خط الراشد أنه متى خرج من بغداد لقتال السلطان فقد خلع نفسه من الخلافة، فأفتى من أفتى من الفقهاء بخلعه؛ فخُلِعَ في شهر ذي القعدة سنة 530هـ، واستدعي السلطان عمه المقتفي بن المستظهر فبويع بالخلافة عوضاً عن ابن أخيه الراشد بالله. (17)

    خرج الراشد بالله من الموصل عندما بلغه خبر خلعه، وسار إلى أذربيجان ثم انتقل إلى همذان مع جماعة من خاصته، ثم سار بهم إلى أصبهان فحاصروها، وأصاب المرض الراشد هناك ودخل عليه جماعة من الأعاجم فقتلوه سنة 532هـ، وقيل: إنه سُمَّ، وقيل: قتلته الباطنية.(18)

    وبعد عام من مبايعة السلطان مسعود للخليفة المقتفي عم الراشد تزوج مسعود بسفرى بنت دبيس بن صدقة أمير الحِلَّة وزعيم جنوبي العراق، وذلك ليقوي أمره.

    وفي خراسان قامت المعارك بين سنجر ملك خراسان، وبين ملك خوارزم( أتسز) عام 533هـ الذي ثار على سنجر، وقد انتصر سنجر، واستولى على خوارزم وأقطعها لابن أخيه غياث الدين سليمان شاه، وعندما رجع " سنجر " إلى مرو، رجع" أتسز " واسترد خوارزم، واستعان بالكفار في بلاد الخطا، وهاجم معهم سنجر فهزموه هزيمة منكرة في عام 536هـ، وأسروا زوجته، واضْطُرَّ سنجر إلى الفرار إلى ترمذ فبلخ، ودخل"أتسز" مدينة نيسابور عام 537هـ، وفي العام التالي حاول سنجر حصار خوارزم لكنه عجز عن دخولها، وتصالح الطرفان عام 551هـ .

    وفي عام 538هـ سار السلطان مسعود لأخذ الموصل وبلاد الشام من زنكي، ولكن لم يتم له ذلك وتصالحا.

    كما اختلف السلطان مسعود مع أولاد أخيه محمد وملكشاه اللذين سارا إلى بغداد عام 543هـ، وحاصراها، وما رفعا الحصار عنها حتى دفع لهما الخليفة ثلاثين ألف دينار.

    وفي عام 547هـ أصيب مسعود بالحمى وهو بهمذان ومات بها وقام بعده ابن أخيه ملكشاه بن محمود.(19)

    وانصرف ملكشاه بن محمود إلى اللهو وترك أمور الدولة إلى وزيره"خاصبك بن بلنكري" الذي استدعى أخاه محمد بن محمود للقيام بأعباء السلطنة فتوفي عام 554هـ، وعمل بعض الخلفاء بعدئِذٍ على استرداد سلطتهم، وقام بعد محمد ابن عمه أرسلان بن طغرل.(20)

    ثم ضعف أمر السلاجقة كثيرًا، وقوي أمر الخلفاء نسبيًا، وإن كانت السلطة الحقيقية إنما هى بيد أمراء الولايات أوالذين عرفوا باسم الأتابكة، حيث تعني كلمة "أتابك" الوالد الأمير..

    زاد أمر السلاجقة ضعفًا، وتولى أمرهم بعد أرسلان شاه بن طغرل ابنه طغرل الثاني، غير أنه لم يكن قادرًا على تنفيذ ما يريد, وقد غدت منطقة نفوذه ضيقة، على حين كانت رقعة الدولة الخوارزمية تتسع ، واستطاع علاء الدين تُكُش أخيرًا أن يستولي على البلاد التي كان يسيطر عليها السلاجقة، وأن يقتل طغرل الثاني هذا عام 590هـ ويُنهي أمر السلاجقة. وتوسع في نفوذه في خراسان وبلاد ما وراء النهر، وكانت الري منطقة نزاع بينه وبين الخليفة الناصر العباسي ( 575هـ 622هـ)،وبقى في الحكم حتى توفي عام 596هـ فخلفه ابنه علاء الدين محمد.(21)


    المقتفي لأمر الله محمد بن أحمد المستظه530هـ 555هـ
    هو أبو عبد الله محمد بن أحمد المستظهر بالله، ولد في الثاني والعشرين من ربيع الأول سنة 489هـ، وأمه حبشية، بويع بالخلافة بعد خلع ابن أخيه الراشد بالله بن المسترشد.

    ويقال: إن سبب تلقيبه بالمقتفي أنه رأى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو في المنام وهو يقول له: سيصل هذا الأمر إليك فاقتفِ بي، فصار إليه بعد ستة أيام فلُقِّبَ بذلك.

    وفي سنة 531هـ تزوج الخليفة المقتفي لأمر الله أخت السلطان مسعود فاطمة بنت محمد بن ملكشاه،

    وفي عام 541هـ دخل السلطان مسعود بغداد، واختلف مع الخليفة ثم اصطلحا.(22)

    ثم خطب المقتفي لابنه المستنجد بولاية العهد عام 542هـ.


    المستنجد بالله يوسف بن محمد المقتفي 555هـ
    هو يوسف أبو المظفر المستنجد بالله ابن محمد المقتفي لأمر الله. ولد سنة 518 هـ، وأمه أم ولد كرجية اسمها " طاوس ". بويع بالخلافة يوم مات أبوه، وكان موصوفًا بالعدل والرفق فأطلق من المكوس (الضرائب) شيئًا كثيرًا بحيث لم يَترُك بالعراق مكسًا، وكان شديدًا على المفسدين، سجن رجلاً كان يسعى بالناس؛ فحضره رجلٌ وبذل فيه عشرة آلآف دينار؛ فقال: أنا أعطيك عشرة آلاف دينار،ودُلَّني على آخر مثله لأحبسه وأكف شره عن الناس.

    قال ابن الجوزي: وكان المستنجد موصوفًا بالفهم الثاقب، والرأي الصائب، والذكاء الغالب، والفضل الباهر، له نظم بديع، ونثر بليغ، ومعرفة بعمل آلات الفلك والإسطرلاب وغير ذلك. ومن شعره:

    عيرتني بالشـيب وهو وقار ليتها عيرت بما هو عار

    إن تكن شابت الذوائب مني فـالليالي تزينها الأقمار

    توفي سنة 566هـ.(23)


    المراجع
    (1) عانة: مدينة بالعراق على نهر الفرات إلى الشرق من الحدود السورية وعلى بعد 90 كم منها، والحديثة: مدينة على نهر الفرات - أيضًا - إلى الجنوب الشرقي من عانة على بعد 50 كم منها.

    (2) السيوطي: تاريخ الخلفاء ص 341 ، 342 وانظر أيضًا محمود شاكر: الدولة العباسية جـ 6 ص 191 ، 192 .

    (3) المرجع السابق: ص 342 ، 343 وانظر أيضًا محمود شاكر: الدولة العباسية جـ 6 ص 192 ، 193 .

    (4) محمود شاكر: الدولة العباسية جـ 6 ص 196 .

    (5) المرجع السابق جـ 6 ص 205 ، 206 .

    (6) المرجع السابق جـ 6 ص 206 ، 207 .

    (7) المرجع السابق جـ 6 ص 207 - 209 .

    (8) المرجع السابق جـ 6 ص 210 ، 211 .

    (9) المرجع السابق جـ 6 ص 211 ، 214 .

    (10) المرجع السابق جـ 6 ص 216 ، 217 .

    (11) المرجع السابق جـ 6 ص 218 - 221 .

    (12) المرجع السابق جـ 6 ص 221 .

    (13) المرجع السابق جـ 6 ص 233 - 236 .

    (14) المرجع السابق جـ 6 ص 251 - 253 .

    (15) السيوطي: تاريخ الخلفاء ص 352 ، 353 . وانظر أيضًا محمود شاكر: الدولة العباسية جـ 6 ص 248 - 250 .

    (16) السيوطي: تاريخ الخلفاء ص 355 .

    (17) ابن كثير: البداية والنهاية جـ 12 ص 235 .

    (18) المرجع السابق جـ 12 ص 239 وانظر أيضًا: محمود شاكر: الدولة العباسية جـ 6 ص 262 .

    (19) محمود شاكر: الدولة العباسية جـ 6 ص 265 ، 267 .

    (20) المرجع السابق: جـ 6 ص 267 .

    (21) المرجع السابق: جـ 6 ص 278 ، 301 .

    (22) ابن كثير: البداية والنهاية جـ 12 ص 235 ، 237 ، 247 ، 249 ، وانظر أيضًا السيوطي: تاريخ الخلفاء ص 356 .

    (23) السيوطي: تاريخ الخلفاء ص 359 ، 360

    الموضوع كتبه الدكتور راغب السرجاني حفظه الله و بارك في عمره
    و أتشرف أني درسته في الجامعة على يد دكتور ذي اتجاه إسلامي أيضا (د/أحمد عبداللطيف حنفي)، و أحمد الله أني درسته من مصادر التاريخ الإسلامي الأصلية
    و هذا العصر - و العصر العباسي - عموما من أهم فترات التاريخ الإسلامي
    و هذا الموضوع - بهذا الطول - ليس إلا لعشاق التاريخ الإسلامي وحدهم
    أخوكم أحمد

    :798/7487: :798/7487: :798/7487: :798/7487:

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت أبريل 27, 2024 11:19 am