إبليس .. بين العجمة والعربية (للأستاذ فريد البيدق)
بعد بحث عن هذا العلم وجدت أن العلماء فيه على ضربين: ضرب يجعله مشتقا من الجذر العربي فيفهم من قولهم أنه عربي، وضرب ينص على أعجميته.
وهذه أقوال من كلا الفريقين:
أولا: من أشار إلى اشتقاقه من العربية
1- التوقيف على مهمات التعاريف- محمد عبد الرؤوف المناوي:
البلس الحزن المعترض من شدة الإبلاس، ومنه اشتق إبليس. ولما كان إبليس كثيرا ما يلزم السكوت قيل: أبلس فلان إذا سكت أو انقطعت حجته.
2- الصحاح للجوهري:
[ بلس ] أبلس من رحمة الله أي يئس، ومنه سمى إبليس، وكان اسمه عزازيل... وأبو مرة: كنية إبليس.
3- العباب الزاخر للصاغاني:
وأبْلَسَ من الشيء: أي يَئسَ. وقوله تعالى: (فإذا هُمْ مُبْلِسُون). قال ابن عرفة: الإبلاس: الحَيرَة واليأس، ومنه سُمِّيَ إبليس؛ لأنه أبلَسَ من رحمة الله: أي يَئسَ منها وتحيَّر.
4- مختار الصحاح للرازي:
[بلس] ب ل س: أبْلَسَ من رحمة الله أي يئس، ومنه سمي إبليسُ، وكان اسمه عزازيل.
5- تهذيب كتاب الأفعال لأبي بكر محمد بن عمر بن عبد العزيز المعروف بابن القوطية:
(أبلس) إبليس لعنه الله: يئس من رحمة الله.
6- مقاييس اللغة لابن فارس:
فالأصلُ اليَأْسُ، يقال: أبْلَسَ إذا يَئِسَ. قال الله تعالى: {إذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [المؤمنون 77]، قالوا: ومن ذلك اشتُقّ اسم إبْليس، كأنَّهُ يَئِسَ مِنْ رحمة الله.
7- كتاب العين للخليل:
بلس: المُبْلِسُ الكئيبُ الحزين المُتَنَدِّم. وسُمي إبليس؛ لأنه أُبِلسَ من الخَيْر أي أُويِس وقيل: لُعِن.
وفي موضع آخر: ورُبَّما اشتُقٌ نعتُ إفعيل من أفعَلَ مثل إبليس من أَبْلِسَه اللهُ.
8- تهذيب اللغة للأزهري:
وقيل: إنَّ إبليسَ سُمّيَ بهذا الاسم؛ لأنّه لمّا أَوِيسَ مِن رَحمة الله أَبلَسَ إبلاساً.
وفي موضع آخر: وربّما اشْتَقَّوا نَعْت أفْعَل من إفعِيلِ مثل إبليس ؛ لأن الله عز وجل أبلَسه.
ثانيا: من أشار إلى عجمته
1- القاموس المحيط للفيروز آبادي:
وأبْلَسَ: يَئِسَ وتَحَيَّرَ ومنه: إبليسُ أو هو أعْجَمِيٌّ.
2- المصباح المنير للفيومي:
[ب ل س] ... و"أَبْلَسَ" الرجل "إِبْلاسًا" سكت، و"أَبْلَسَ" أيس. وفي التنزيل: {فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}. و"إِبْلِيسُ" أعجمي، ولهذا لا ينصرف للعجمة والعلمية. وقيل: عربي مشتق من الإبلاس وهو اليأس، وردّ بأنه لو كان عربيا لانصرف كما ينصرف نظائره نحو إجفيل وإخريط.
3- النحو الوافي لعباس حسن
وأما "إبليس" فممنوع من الصرف للعلمية والعجمة على اعتباره أعجمي الأصلي، وأما على اعتباره عربي الأصلي مشتق من الإبلاس وهو الإبعاد فممنوع من الصرف أيضا، ولكن للعلمية وشبه العجمة؛ لأن العرب لم تسم به أصلا، فكأنه من غير لغتها بالرغم من أن صيغته لها نظائر أصيلة في العربية؛ مثل: إكليل، إقليم...
4- المنصف لابن جني
المنصف لابن جني، شرح كتاب التصريف لأبي عثمان المازني
باب ما تجعله زائدا من حروف الزيادة
فأما قول من يقول: إن "إبليس" من قول الله تعالى: {يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ}7 ومن قول الراجز:
يا صاحِ هل تعرف رسما مكرسا * قال نعم أعرفه وأبلسا
فخطأ منه. لو كان "إبليس" من هذا لكان عربيا؛ لأنه مشتق، ولوجب صرفه؛ لأنك لو سميت رجلا بـ"إِجْفِيل، وإخريط" لصرفته؛ لأنه لا مانع له من الصرف. وكذلك أيضا لا يجوز أن يكون "إدريس" من درست القرآن, ولا من درس من المنزل, ونحوهما. ولا يكون" يعقوب" من العقبى، ولا من العقاب, ونحوهما؛ لأنه لو كان كذلك كان مشتقا عربيا, ولوجب صرفه كما تصرف "يربوعا، ويعسوبا" اسمي رجل. وإنما هذه ألفاظ أعجمية وافقت ألفاظ العرب؛ ألا ترى إلى قول النابغة:
نُبِّئت أن أبا قابوس أوعدني * ولا قرار على زأر من الأسد
فلو كان هذا من قبستُ النار لانصرف؛ لأنه كان يكون بمنزلة "جارود" من الجرد، و"عاقول" من العقل.
وإذا كان الأمر كذلك فليس لأحد أن يقول: إن "إبراهيم، وإسماعيل" لهما مثال من الفعل، كما لا يمكنه ذلك في "إِنّ، وثُمَّ، وقد، وسوف" وما أشبه ذلك.
5- اللباب في علل البناء والإعراب للعكبري
مسألة:
وقد يكون اللفظ محتملاً للصرف وتركه لاختلاف أصله وذلك كـ "حسّان" إن أخذته من الحسِّ لم تصرفه للتعريف والزيادة، وإن أخذته من الحسن صرفته؛ لأنَّ النون أصل. وكذلك يعقوب إن كان أعجميّاً لم تصرفه، وإن أردت اسم ذكر القَبجِ صرفته؛ إذ ليس فيه سوى التعريف. وهكذا إسحاق إن جعلته أعجميّاً لم تصرفه، وإن جعلته مصدراً في الأصل صرفته.
فأمَّا إبليس فلا ينصرف للعجمة والتعريف، وقال قوم: هو من الإبلاس، وليس كذلك؛ لأنَّه لو كان منه لانصرف إذ ليس فيه سوى التعريف.
6- جمهرة اللغة لابن دريد
وأبلسَ الرجلُ إبلاساً فهو مبْلِس إذا يئس، وزعم قوم من أهل اللغة أن اشتقاق إبليس من الإبلاس كأنه أبلس، أي يئس من رحمة الله، والله أعلم. قال الراجز:
وجمِعَتْ يومَ الخميس الأخماسْ * وفي وجوهٍ صُفْرَة وإبلاسْ.
7- تهذيب الأسماء واللغات للعلامة أبى زكريا محيي الدين بن شرف النووي
باب إبليس
41 - إبليس عدو الله:
مذكور فى المهذب فى باب الإقرار. قال الجوهرى وغيره: كنيته أبو مرة، واختلف العلماء فى أنه من الملائكة من طائفة يقال لهم: الجن، أم ليس من الملائكة. وفى أنه اسم عربى أم عجمى والصحيح أنه من الملائكة، وأنه عجمى. قال الإمام أبو الحسن الواحدى: قال أكثر أهل اللغة والتفسير: سمى إبليس؛ لأنه أبلس من رحمة الله تعالى أى أيس، والمبلس المكتئب الحزين الآيس. قال: وعلى هذا هو عربى مشتق.
وقال ابن الأنبارى: لا يجوز أن يكون مشتقًا من أبلس؛ لأنه لو كان مشتقًا لصرف، كما أن إسحاق إذا كان عربيًا مأخوذًا من أسحقه الله إسحاقًا انصرف، فلو كان إبليس مشتقًا لصرف كإكليل وبابه. فلما لم يصرف دل على أنه عجمي معرفة، والعجمي ليس مشتقًا.
وقال ابن جرير: إنما لم يصرف وإن كان عربيًا؛ لقلة نظيره فى كلام العرب، فشبهوه بالأعجمي، وهذا الذى قاله ابن جرير يبطل بباب إفعيل، فإنه مصروف كله إلا إبليس.
قال الواحدى: والاختيار أنه ليس بمشتق؛ لإجماع النحويين على أنه منع الصرف للعجمة والمعرفة.
بعد بحث عن هذا العلم وجدت أن العلماء فيه على ضربين: ضرب يجعله مشتقا من الجذر العربي فيفهم من قولهم أنه عربي، وضرب ينص على أعجميته.
وهذه أقوال من كلا الفريقين:
أولا: من أشار إلى اشتقاقه من العربية
1- التوقيف على مهمات التعاريف- محمد عبد الرؤوف المناوي:
البلس الحزن المعترض من شدة الإبلاس، ومنه اشتق إبليس. ولما كان إبليس كثيرا ما يلزم السكوت قيل: أبلس فلان إذا سكت أو انقطعت حجته.
2- الصحاح للجوهري:
[ بلس ] أبلس من رحمة الله أي يئس، ومنه سمى إبليس، وكان اسمه عزازيل... وأبو مرة: كنية إبليس.
3- العباب الزاخر للصاغاني:
وأبْلَسَ من الشيء: أي يَئسَ. وقوله تعالى: (فإذا هُمْ مُبْلِسُون). قال ابن عرفة: الإبلاس: الحَيرَة واليأس، ومنه سُمِّيَ إبليس؛ لأنه أبلَسَ من رحمة الله: أي يَئسَ منها وتحيَّر.
4- مختار الصحاح للرازي:
[بلس] ب ل س: أبْلَسَ من رحمة الله أي يئس، ومنه سمي إبليسُ، وكان اسمه عزازيل.
5- تهذيب كتاب الأفعال لأبي بكر محمد بن عمر بن عبد العزيز المعروف بابن القوطية:
(أبلس) إبليس لعنه الله: يئس من رحمة الله.
6- مقاييس اللغة لابن فارس:
فالأصلُ اليَأْسُ، يقال: أبْلَسَ إذا يَئِسَ. قال الله تعالى: {إذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [المؤمنون 77]، قالوا: ومن ذلك اشتُقّ اسم إبْليس، كأنَّهُ يَئِسَ مِنْ رحمة الله.
7- كتاب العين للخليل:
بلس: المُبْلِسُ الكئيبُ الحزين المُتَنَدِّم. وسُمي إبليس؛ لأنه أُبِلسَ من الخَيْر أي أُويِس وقيل: لُعِن.
وفي موضع آخر: ورُبَّما اشتُقٌ نعتُ إفعيل من أفعَلَ مثل إبليس من أَبْلِسَه اللهُ.
8- تهذيب اللغة للأزهري:
وقيل: إنَّ إبليسَ سُمّيَ بهذا الاسم؛ لأنّه لمّا أَوِيسَ مِن رَحمة الله أَبلَسَ إبلاساً.
وفي موضع آخر: وربّما اشْتَقَّوا نَعْت أفْعَل من إفعِيلِ مثل إبليس ؛ لأن الله عز وجل أبلَسه.
ثانيا: من أشار إلى عجمته
1- القاموس المحيط للفيروز آبادي:
وأبْلَسَ: يَئِسَ وتَحَيَّرَ ومنه: إبليسُ أو هو أعْجَمِيٌّ.
2- المصباح المنير للفيومي:
[ب ل س] ... و"أَبْلَسَ" الرجل "إِبْلاسًا" سكت، و"أَبْلَسَ" أيس. وفي التنزيل: {فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}. و"إِبْلِيسُ" أعجمي، ولهذا لا ينصرف للعجمة والعلمية. وقيل: عربي مشتق من الإبلاس وهو اليأس، وردّ بأنه لو كان عربيا لانصرف كما ينصرف نظائره نحو إجفيل وإخريط.
3- النحو الوافي لعباس حسن
وأما "إبليس" فممنوع من الصرف للعلمية والعجمة على اعتباره أعجمي الأصلي، وأما على اعتباره عربي الأصلي مشتق من الإبلاس وهو الإبعاد فممنوع من الصرف أيضا، ولكن للعلمية وشبه العجمة؛ لأن العرب لم تسم به أصلا، فكأنه من غير لغتها بالرغم من أن صيغته لها نظائر أصيلة في العربية؛ مثل: إكليل، إقليم...
4- المنصف لابن جني
المنصف لابن جني، شرح كتاب التصريف لأبي عثمان المازني
باب ما تجعله زائدا من حروف الزيادة
فأما قول من يقول: إن "إبليس" من قول الله تعالى: {يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ}7 ومن قول الراجز:
يا صاحِ هل تعرف رسما مكرسا * قال نعم أعرفه وأبلسا
فخطأ منه. لو كان "إبليس" من هذا لكان عربيا؛ لأنه مشتق، ولوجب صرفه؛ لأنك لو سميت رجلا بـ"إِجْفِيل، وإخريط" لصرفته؛ لأنه لا مانع له من الصرف. وكذلك أيضا لا يجوز أن يكون "إدريس" من درست القرآن, ولا من درس من المنزل, ونحوهما. ولا يكون" يعقوب" من العقبى، ولا من العقاب, ونحوهما؛ لأنه لو كان كذلك كان مشتقا عربيا, ولوجب صرفه كما تصرف "يربوعا، ويعسوبا" اسمي رجل. وإنما هذه ألفاظ أعجمية وافقت ألفاظ العرب؛ ألا ترى إلى قول النابغة:
نُبِّئت أن أبا قابوس أوعدني * ولا قرار على زأر من الأسد
فلو كان هذا من قبستُ النار لانصرف؛ لأنه كان يكون بمنزلة "جارود" من الجرد، و"عاقول" من العقل.
وإذا كان الأمر كذلك فليس لأحد أن يقول: إن "إبراهيم، وإسماعيل" لهما مثال من الفعل، كما لا يمكنه ذلك في "إِنّ، وثُمَّ، وقد، وسوف" وما أشبه ذلك.
5- اللباب في علل البناء والإعراب للعكبري
مسألة:
وقد يكون اللفظ محتملاً للصرف وتركه لاختلاف أصله وذلك كـ "حسّان" إن أخذته من الحسِّ لم تصرفه للتعريف والزيادة، وإن أخذته من الحسن صرفته؛ لأنَّ النون أصل. وكذلك يعقوب إن كان أعجميّاً لم تصرفه، وإن أردت اسم ذكر القَبجِ صرفته؛ إذ ليس فيه سوى التعريف. وهكذا إسحاق إن جعلته أعجميّاً لم تصرفه، وإن جعلته مصدراً في الأصل صرفته.
فأمَّا إبليس فلا ينصرف للعجمة والتعريف، وقال قوم: هو من الإبلاس، وليس كذلك؛ لأنَّه لو كان منه لانصرف إذ ليس فيه سوى التعريف.
6- جمهرة اللغة لابن دريد
وأبلسَ الرجلُ إبلاساً فهو مبْلِس إذا يئس، وزعم قوم من أهل اللغة أن اشتقاق إبليس من الإبلاس كأنه أبلس، أي يئس من رحمة الله، والله أعلم. قال الراجز:
وجمِعَتْ يومَ الخميس الأخماسْ * وفي وجوهٍ صُفْرَة وإبلاسْ.
7- تهذيب الأسماء واللغات للعلامة أبى زكريا محيي الدين بن شرف النووي
باب إبليس
41 - إبليس عدو الله:
مذكور فى المهذب فى باب الإقرار. قال الجوهرى وغيره: كنيته أبو مرة، واختلف العلماء فى أنه من الملائكة من طائفة يقال لهم: الجن، أم ليس من الملائكة. وفى أنه اسم عربى أم عجمى والصحيح أنه من الملائكة، وأنه عجمى. قال الإمام أبو الحسن الواحدى: قال أكثر أهل اللغة والتفسير: سمى إبليس؛ لأنه أبلس من رحمة الله تعالى أى أيس، والمبلس المكتئب الحزين الآيس. قال: وعلى هذا هو عربى مشتق.
وقال ابن الأنبارى: لا يجوز أن يكون مشتقًا من أبلس؛ لأنه لو كان مشتقًا لصرف، كما أن إسحاق إذا كان عربيًا مأخوذًا من أسحقه الله إسحاقًا انصرف، فلو كان إبليس مشتقًا لصرف كإكليل وبابه. فلما لم يصرف دل على أنه عجمي معرفة، والعجمي ليس مشتقًا.
وقال ابن جرير: إنما لم يصرف وإن كان عربيًا؛ لقلة نظيره فى كلام العرب، فشبهوه بالأعجمي، وهذا الذى قاله ابن جرير يبطل بباب إفعيل، فإنه مصروف كله إلا إبليس.
قال الواحدى: والاختيار أنه ليس بمشتق؛ لإجماع النحويين على أنه منع الصرف للعجمة والمعرفة.