ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    من أشعار الأسـرى والمسجونين

    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    من أشعار الأسـرى والمسجونين Empty من أشعار الأسـرى والمسجونين

    مُساهمة من طرف أحمد الأربعاء مارس 18, 2015 3:29 pm

    من أشعار الأسـرى والمسجونين
    موسى بن سليمان السويداء

    منذ بدأ الجهاد في سبيل الله , وهناك من يقع من المسلمين أسرى بيد الكفار , فإما انهم يقتلونهم شرَّ قِتلة , وإما انهم يذيقونهم أصناف العذاب والذل والإهانة , مع السجن الطويل في المعتقلات , فيتمنون الموت ولا يجدونه , ويتجرعون هم وأهاليهم مرارة الأسر والفراق , كما يحدث اليوم مع الكثير من المعتقلين في أراضي القتال والجهاد , كفلسطين وغيرها من البلدان الإسلامية المستباحة من قبل الكفار .
    وهذا أيضاً ما صوره في شعره كُل من خُبيب بن عدي - رضي الله عنه -, والوزير الكاتب أبي بكر الأشبوني(1) , - كما سيأتي لاحقاً -.
    ولذا كان الإمام أحمد بن حنبل الشيباني – رضي الله عنه – , يرى أن يقاتل المجاهد حتى الموت ( الشهادة ) ولا يستسلم للعدو , فيقول : ( ما يعجبني أن يَسْتأسِرُوا . وقال : يُقاتل أحب إلي .. الأسر شديد ولابد من الموت . وقال : يٌقاتل ولو أعطوه الأمان قد لا يفون )(2) .

    ثم لا ننسى ألم ومعانات أهالي الأسرى- وخاصة الأمهات – , ومن ذلك ما رواه الواقدي في " فتوح الشام " عن قصة صابر بن أوس الذي أُسر في أحد المعارك , فكانت أمه مزروعة بنت عملوق الحُميرية – وهي من فصحاء زمانها - تندبه و تبكيه , وتقول :
    أيا ولدي قد زاد قلبي تلهبا * * * وقد أحرقت مني الخدود المدامعُ
    وقد أضرمت نار المصيبة شعلة * * * وقد حميت مني الحشا والأضالعُ
    وأسأل عنك الركب كي يخبرونني * * * بحالك كيما تستكن المدامعُ
    فلم يكن فيهم مخبر عنك صادقاً * * * ولا منهم من قال إنك راجعُ
    فيا ولدي مذ غبت كدرت عيشتي * * * فقلبي مصدوع وطرفي دامعُ
    وفكري مقسوم وعقلي مولهٌ * * * ودمعي مسفوح وداري بلاقعُ
    فإن تك حياً صمت لله حجةً * * * وإن تكن الأخرى فما العبد صانعُ

    بل قد يضطر البعض من الأسرى إلى إذلال أنفسه , فيلجئ إلى مدح رؤساء وكبار الكفار من أجل استعطافهم كي يخلوا سبيله ويطلقوا سراحه , كما حصل لعمر بن حسن النحوي الصقلي – رحمه الله – , الذي وقع أسيراً عند نصارى صقلية , فانشد أبياتاً يمدح بها ملك صقلية " رُجّار " لعله يُفرج عنه , يقول منها :
    طلب السلوّ لو أن غير سُعاد * * * حلت سويداء قلبه وفـؤاده
    ورجا زيارة طيفهـا في صدها * * * وغرامه يأبى لذيـذ رقـاده
    والله لولا الملك رُجّارُ الذي * * * أهدى لحُبيّـه عظم وداده
    ما عاف كأس المجد يوم فراقها * * * ورأى مُحيَّا المجد في ميلاده
    فعلق أبو الحسن القِفطي – رحمه الله – على هذه الأبيات , قائلاً : " والله يغفر لهذا الشاعر في مدحه الملك الكافر , ولكنه معذور , إذ هو مأسور "(3) .
    ومن أشعار الأسرى والمعتقلين من الصحابة , ما جاء في السيرة النبوية أن خُبيب بن عدي – رضي الله عنه - وقع في قبضة مشركي هذيل أسيراً , فلما اجتمعوا عليه وقربوه للقتل , طلب منهم أن يصلي ركعتين – وكان أول من سن الركعتين عند القتل – , ثم دعا عليهم , وقال : " اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تبق منهم أحدا ثم قال :
    لقد أجمع الأحزاب حولي وألبوا * * * قبائلهم واستجمعوا كل مجمعِ
    وكلهم مبدي العداوة جاهدٌ * * * علي لأني في وثاق بمضيعِ
    وقد قربوا أبناءهم ونساءهم * * * وقربت من جذع طويل مُمنـع
    إلى الله أشكو غربتي بعد كربتي * * * وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي
    فذا العرش صبرني على ما يراد بي * * * فقد بضعوا لحمي وقد ياس مطمعي
    وقد خيروني الكفر والموت دونهُ * * * فقد ذرفت عيناي من غير مجزعٍ
    وما بي حذار الموت إني لميت * * * وإن إلى ربي إيابي ومرجعي
    ولست أبالي حين أقتل مسلماً * * * على أي شق كان في الله مضجعي
    وذلك في ذات الإله وإن يشأ * * * يبارك على أوصال شلوٍ ممزعِ
    فلست بمبد للعدو تخشعاً * * * ولا جزعاً إني إلى الله مرجعي

    فقال له أبو سفيان : أيسرك أن محمداً عندنا تُضرب عنقه وإنك في أهلك ؟ فقال : لا والله , ما يسرني أني في أهلي , وأن محمداً في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكةٌ تؤذيه "(4) .

    ومن أشعار من وقع في الأسر أيضاً , قصيدة لأعشى همدان الذي كان ضمن من أغزاه الحجاج بن يوسف الثقفي بلاد الديلم , فقال يشكو حاله وشدة الكرب الذي أصابه في الأسر(5) :
    أصبحت رهناً للعداة مكبّلاً * * * أمسي وأصبح في الأداهم أرسف
    ولقـد أراني قبـل ذلك ناعماً * * * جذلان آبى أن أضام وآنف
    واستنكرت ساقي والوثاق وساعدي * * * وأنا امرؤ بادي الأشاجع أعجف(6)
    وأصابني قـوم وكنت أصيبهم * * * فالآن أصبر للزمان وأعرف
    وإذا تصبك من الحوادث نكبة * * * فصبر لها فلعلّها تتكشّف

    وأما أكثر من حفظ عنه الشعر في الأسر ، فهو أبو فراس الحمداني الذي أسرته الروم , فأنشد قصائد عدة سُميت بالروميات لكثرتها , ومن أجملها , وأشهرها قوله وقد سمع حمامة تنوح بقربه على شجرة عالية(7) :
    أقول وقد ناحت بقربي حمامةٌ * * * أيا جارتي هل تشعرين بحالي
    معاذ الهوى ما ذقت طارقة الهوى * * * ولا خطرت منك الهموم ببالِ
    أتحمل محزون الفؤاد قوادمٌ * * * على غصن نائي المسافة عالي
    أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننا * * * تعالي أقاسمك الهموم تعالي
    تعالي تَريْ روحاً لدي ضعيفةً * * * تردَّدُ في جسم يُعذب بالي
    أيضحك مأسورٌ وتبكي طليقة * * * ويسكت محزون ويندب سالي
    لقد كنتُ أولى منك بالدمع مقلةً * * * ولكنَّ دمعي في الحوادث غالي

    ومن رومياته أيضاً من " يتيمة الدهر " للثعالبي :
    أراك عصي الدَّمع شيمتك الصبرُ * * * أما للهوى نهيٌ عليك ولا أمرُ
    بلى أنا مشتاق وعندي لوعةٌ * * * ولكن مثلي لا يذاع له سرُ
    إذا الليل أضوى بي بسطت يد الرجا * * * وأذللت دمعاً من خلائقه الكبرُ
    تكاد تضيء النار بين جوانحي * * * إذا هي أذكتها الصبابة والفِكرُ

    وللوزير الكاتب أبي بكر محمد بن سوار الأشبوني الأندلسي , - الأنف الذكر – قصيدة طويلة ومعبرة , قالها وهو أسير في مدينة قورية(8)، يصف بها كيفية القبض عليه حينما هجم عليهم النصارى بالأندلس(9), منها قوله :
    ولما بدا وجه الصباح تطلعت * * * خيولٌ من الوادي محجلةٌ غرُ
    فقلت لهم : خيل النصارى فشمَّروا * * * إليها وكروا هاهنا يحسن الكرُّ
    وكانت حميّا النوم قد صرعتهم * * * ففُلُّوا ولوا مدبرين وما فرّوا
    وأفردت سهماً واحداً في كنانة * * * من الحرب لا يُخشى على مثله الكسرُ
    وكنت عهدت الحرب مكراً وخدعةً * * * ولكن من المقدور ما لامرئ مكرُ
    فطاعنتُهم حتى تحطّمت القنا * * * وضاربتهم حتى تكسرت البُتر
    وأضـرِّج أثوابي دماً وثيابهُم * * * كأنّ الذي بينـي وبينهـم عطـرُ
    وأحدق بي والموت يكشر نابه * * * ومنظره جهـمٌ وناظره شزرُ
    فأعطيتها وهي الدنية صاغراً * * * وقد كان لي في الموت لو يدني عذرُ
    فطاروا وصاروا بي إلى مستقرهم * * * يصاحبنـي ذلٌ ويصحبهم فخرُ
    ونختم ببيتين لعبد الله بن إبراهيم بن مثنى الطوسي المعروف بابن المؤدب ، المأسور بصقلية(10) :
    لا يذكر الله قومـاً * * * حللت فيهم بخيـرِ
    جاهدت بالسيف جهدي * * * حتى أُسرت وغيري

    ----------------------------------------
    1/ نسيتاً إلى مدينة أشبونة , أو الأشبونة وتسمى أيضاَ لشبونة ، وهي مدينة أندلسية على ضفاف البحر , قريبة من شنترين يُنسب إليها بعض العلماء والفضلاء منهم : عبد الرحمن بن عبيد الله الأشبوني أحد طلاب الإمام مالك . آثار البلاد للقزويني , ومعجم البلدان للحموي , وتاريخ العلماء والرواة للفرضي .
    2/ الإقناع لطالب الانتفاع , شرف الدين موسى بن أحمد الحجاوي , ج2ص71 , دار هجر , الرياض .
    3/ إنباه الرواة على أنباه النحاة , جمال الدين علي بن حسن القفطي ج2ص328 , دار الفكر العربي , القاهرة .
    4/ زاد المعاد في هدي خير العباد , شمس الدين محمد بن أبي بكر الزرعي المعروف بابن القيم الجوزية , ج3ص245 , مؤسسة الرسالة , بيروت .
    5/ الفرج بعد الشدة , أبي علي التنوخي ، ج2ص122 , دار صادر , بيروت .
    6/ قال محقق الكتاب : الأشجع : عرق ظاهر الكف , والأعجف : الهزيل .
    7/ وفيات الأعيان , أحمد بن محمد ابن خلكان ، ج2ص58، دار صادر , بيروت .
    8/ قُورِيةُ : مدينة من نواحي ماردة بالأندلس كانت للمسلمين , وهي النصف بينها وبين سمُّورة مدينة الافرنج . معجم البلدان , ياقوت الحموي .
    9/ الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة ، علي بن بسام الشنتريني ، القسم الثاني المجلد الثاني ، ص811 ، دار الثقافة , بيروت .
    10/ فوت الوفيات والذيل عليها , محمد بن شاكر الكتبي , ج2ص154 , دار صادر , بيروت .

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 14, 2024 7:50 pm