ثِمَارُ الْمُزْهِرِ
هذا تَأْلِيفٌ مِنْ أَحْسَنِ ما يَسْمَحُ بهِ الزمانُ، وتجودُ بإبرازِهِ يدُ الأَوَانِ؛ لِمَا أَبْرَزَ مِنْ جواهرِ النفائسِ، وأَسْفَرَ عنْ مُخَدَّرَاتِ العَرَائِسِ، فقَرَّبَ لكلِّ مُجْتَنٍ ثمارَ الفوائدِ بنَضيرِ رِيَاضِهِ، وأَشْفَى الغليلَ بِسَلْسَبِيلِ حِيَاضِهِ، وأَيْنَعَ منها كُلَّ غُصْنٍ مُزْهِرٍ، فكانَ عِلْمُهُ ثِمَارَ الْمُزْهِرِ، وكيفَ لا ومُؤَلِّفُهُ الغِطريفُ العَلاَّمةُ الهُمَامُ، الدَّرَّاكَةُ الفَهَّامَةُ الإمامُ، الذي أَحَاطَ بفنونِ الأدبِ واللغةِ إحاطةَ السِّوارِ بالْمِعْصَمِ، ونادَتْهُ في مَقامِ الافتخارِ بأنْ أَقْدِمَ فأنتَ المُقَدَّمُ، الجامعُ بينَ مَنْصِبَي النسَبِ الشريفِ، والعلْمِ الباهرِ الْمَنيفِ، شيخُنا الشيخُ ما العَيْنَيْنِ، ابنُ شَيْخِنا الشيخِ مُحَمَّد فاضل بنِ مَامِينْ، أسبَغَ اللَّهُ على الراسخينَ نِعْمَتَهُ، وأَتَمَّ عليهم مِنْحَتَهُ، آمينَ.
وللشَّرِيفِ الأديبِ اللَّوْذَعِيِّ الأريبِ العالِمِ العَلاَّمَةِ أبى زَيْدٍ سَيِّدِي عبدِ الرحمنِ نَجْلِ الوليِّ الصالحِ الفاضلِ العالمِ العلاَّمةِ العاملِ صاحبِ السِّرِّ النُّورَانِيِّ سَيِّدِي جعفرٍ الكِتَّانِيِّ أدامَ اللَّهُ النفْعَ بهِ للمسلمينَ، آمينَ.
خَلِّ عَنَّا نَغَمَاتِ المِزْهَرِ = وأَنِلْنَا مِنْ ثِمارِ المُزْهِرِ
رَوْضُ عِلْمٍ أَيْنَعَتْ أَزْهَارُهُ = قَصْداً جَامِعٌ مَعْنًى أَزْهَرِ
مالَ قَلْبِي نحوَهُ لَمَّا بَدَا = مِثْلُ مَيْلِ العَيْنِ نحوَ الصهرِ
يُغْبَطُ الشيخُ بهِ لوْ أَبْصَرَتْـ = ـهُ عُيُونُ المَجْدِ (1) بلْ والجَوْهَرِي
ويَقيناً لوْ رَأَى أزهارَهُ = لَتَمَنَّاهُ الإمامُ الأَزْهَرِي
حَقَّ أنْ يَبْذُلَ ذُو اللُّبِّ لِتَحْـ = ـصِيلِهِ أَبْهَى صِحَاحِ الجَوْهَرِ
فَابْذُلِ المجهودَ فيهِ لوْ تَجِدْ = في تَعَاطِيهِ عَنَاءَ الأبْهَرِ
فَلَقَدْ أَبْرَزَهُ الطبْعُ لنا = في سَمَا الكُتُبِ كبَدْرٍ أَشْهَرِ
إذْ تَنَاهَى طَبْعُهُ أَرَّخْتُهُ = دُونَكمْ قَطْعاً ثِمارَ الزَّهَرِ
سنةَ 1324 120 180 741 283
بسمِ اللَّهِ الرحمنِ الرحيمِ
وصَلَّى اللَّهُ على سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ النبيِّ الكريمِ
جاءَ ابْتِدَا مُبَارَكَ ابْتِدَاءْ = يَجِي انْتَهَا مَيْمُونَ الانْتِهَاءْ
قالَ عُبيدُ اللَّهِ ما العَيْنَيْنِ = يَرْجُو القبولَ عندَ ذي الكَوْنَيْنِ
الحمدُ لِلَّهِ الذي شَرَّفَنا = بلُغَةِ النبيِّ إذْ عَرَّفَنَا
صَلَّى عليهِ اللَّهُ ما قدْ فَتَحَا = لسانُ شَخْصٍ عنْ ضَمِيرٍ شَرَحَا
وبعدُ ذَا فَهَاكُمُوا أهلَ اللُّغَاتْ = نَظْماً يُفيدُ في اللغاتِ السَّائِغَاتْ
نَظَمْتُهُ مِنْ مُزهِرِ السُّيُوطِي كَيْ = يُفيدَ ذا فَصَاحةٍ وَكُلَّ عَيْ
نَوَّعْتُهُ كما لهُ قدْ نَوَّعَا = لاكِنَّ ذا مُخْتَصَرٌ نَظْماً سَعَى
سَمَّيْتُهُ لِذَا ثِمارَ الْمُزْهِرِ = وصُغْتُهُ مِنْ جَوهرٍ كالجَوْهَرِ
واللَّهَ أَسْأَلُ يَكُونُ نَافِعَا = مُيَسِّراً لي وَلِقَارٍ شَائِعَا
بِجَاهِ أَفْضَلِ الوَرَى صَلَّى عليهِ = ما دامَ نَفْعٌ يُجْتَنَى مِمَّا لَدَيْهِ
وقبلَ أنْ نَشْرَعَ في الكتابِ = هَذِي مَقالةٌ مِن الصوابِ
اعلَمْ بِأَنْ قُلْ لعلْمِ العَرَبِ = أصلاً وفرعاً وبذاكَ فَطِبِ
فالفرْعُ قُلْ مَعرفةُ الأَسْمَاءِ مَعْ = صِفَاتِها التي بها قدْ تُتَّبَعْ
كأنْ تقولَ رَجلٌ طَوِيلُ = وفَرَسٌ قصيرٌ لا تَمِيلُ
وذا هوَ الذي بهِ قدْ نَبْدَأُ = لدَى التَّعَلُّمِ فلا تَخْتَبِئُ
والأصلُ قولُكَ على وَضْعِ اللُّغَهْ = وأَوَّلِيَّةٍ لها وَمَنشأَهْ
ثمَّ على الرسومِ قُلْ للعرَبِ = لَدَى المُخَاطَبَاتِ فافْهَمْ تُصِبِ
وما لَهَا مِن التفَنُّنِ الحقيقِ = أوِ المجازِ فافْهَمَنْ يا صَدِيقِ
والناسُ في ذلكَ قِيلَ رَجُلانْ = مُشْتَغِلٌ بالفرْعِ لا غيرُ اسْتَبَانْ
وآخَرُ جَمَعَ للأمْرَيْنِ = رَتَّبْتُهُ عُلْيَا بِدُونِ مَيْنِ
لأنَّها يُدْرَى بها عِلْمُ الكتابْ = وسُنَّةٌ وما لِذَيْنِ مِنْ خِطابْ
وهيَ التي عليها أهلُ النَّظَرِ = قدْ عَوَّلُوا فُتْيَا وحُكْماً فانْظُرِ
النوعُ الأَوَّلُ: في معرفةِ الصحيحِ الثابتِ، وهوَ حَدُّ اللُّغَةِ وما يَتعلَّقُ بِهِ
حدُّ اللغاتِ كلُّ لفظٍ وَضَعَا = قَوْمٌ لمعنًى عَبَّرُوا بهِ اسْمَعَا
واختلَفُوا هلْ لُغَةٌ تَوْقِيفِيَهْ = بالوَحْيِ أوْ بِالاصْطِلاحِ فادْرِيَهْ
والأشهرُ المُخْتَارُ في الْمَقالِ = تَوْقِيفُها مِنْ ربِّنا الجلالِ
لأجْلِ قولِ ربِّنا وعَلَّمَا = آدمَ الاَسْمَاءَ بذاكَ فَافْهَمَا
وقالَ أفْضَلُ الوَرَى عَلَّمَنِي = رَبِّي كما عَلَّمَهُ أَفْهَمَنِي
وكلُّ لفظٍ بإِزَاءِ معنًى = يُوضَعُ يُعرفُ بهِ إذْ يُعْنَى
والوضْعُ جا عبارةً عنْ تخصيصِ = شيءٍ بشيءٍ مثلُ ما في التَّنْصِيصِ
واختلَفوا في الوضْعِ هلْ في الْمُفرداتْ = أوْ هوَ فيها وكذا المُرَكَّباتْ
ولمْ يكُنْ لكلِّ مَعْنًى يَجِبُ = لفظٌ بلِ المُحْتَاجُ فيهِ أَوْجَبُوا
وغَرَضُ إفادةِ الْمُرَكَبَّاتْ = بالوضْعِ والنَّسْبُ بينَ المُفْرَدَاتْ
واختلَفوا هلْ وُضِعَ اللفظُ لِمَا = صُوِّرَ ذِهْناً أوْ لخارجٍ سَمَا
ووَضْعُ نَحْوٍ لأُمُورٍ كُلِّيَهْ = ولُغَةٍ قدْ وُضِعَتْ لِجُزْئِيَهْ
ويُوضَعُ اللفظُ لشخصٍ عُيِّنَا = أوْ باعتبارِ الأمرِ إنْ عَمَّ افْطُنَا
وقيلَ بينَ اللفظِ معْ مدلولِهِ = مُنَاسَبَاتٌ معَ رَدِّ قَوْلِهِ
أمَّا المُنَاسبَةُ بينَ الألفاظِ = معَ المعاني فاتِّفاقُ الْحُفَّاظِ
وليسَ وَضْعُ لغةٍ في وقْتِ = بلْ بتَتابُعٍ بِكُلِّ سَمْتِ
تُعْرَفُ اللغةُ قُلْ بالنقْلِ = أوْ بالَّذِي يَستنبِطُوا بالعقلِ
وتَثْبُتُ اللغةُ بالتواتُرِ = أوْ بالآحادِ لا سِوَى للنَّاظِرِ
ولُغَوِيٌّ شَأْنُهُ أنْ يَنْقِلا = ما عَرَبٌ قدْ نَطَقَتْ بهِ ولا
وشَأْنُ ذي النَّحْوِ يَرَى التصَرُّفْ = في نَقْلِ ذي اللغةِ لا يَختلِفْ
هلْ لُغَةٌ تَثبُتُ بالقياسِ = قيلَ نعمْ وقيلَ لا للنَّاسِ
ولا يُحيطُ بكلامِ العرَبِ = غيرُ نبيٍّ بِمُنِيلِ الأَرَبِ
وقيلَ ما قدْ جَاءَنَا عنِ العَرَبْ = فَهْوَ قليلٌ مِنْ كثيرٍ قدْ عَزَبْ
وأَوَّلُ الْمُصَنِّفِينَ في اللُّغَهْ = هوَ الخليلُ نَجْلُ أحمدَ اسْمَعَهْ
وبعدَهُ تَتابَعُ المُصَنِّفُونَ = يَتَّفِقُونَ وكذا يَختَلِفُونَ
ومنهمْ مُطَوِّلٌ ومُخْتَصِرْ = ومنهم مَنْ عَمَّ أوْ خَصَّ حَصَرْ
النوعُ الثاني: في مَعرفةِ بعضِ ما رُوِيَ مِن اللغةِ ولم يَصِحَّ ولمْ يَثْبُتْ
وعدمُ اتِّصالِ إسنادِ اللغاتْ = سببُ عدَمِ ما لَهَا مِنَ الثباتْ
لأجْلِ أنْ يَسقُطَ راوٍ مِنْ سَنَدْ = أوْ جَهْلِهِ أو الوُثُوقُ مُنْفَقِدْ
لفَقْدِ شَرْطٍ مِنْ شُروطٍ للقَبولْ = تَرَدُّ أوْ للشَّكِّ عنهم في النُّقُولْ
ومَثَّلُوا لهُ كثيرَ أَمْثِلَهْ = ولمْ تَصِحَّ في ثَباتِ النَّقَلَهْ
مِنْ ذلكَ الشَّطْشَاطُ طائرٌ ولا = ثَبَتَ عنهم في الذي قدْ نُقِلا
وثَبَطَتْ شَفةُ الإنسانِ إذا = قدْ وَرِمَتْ وليسَ ثابتاً خُذَا
وضَبَحَ المرءُ إذاً مِن الكِلالِ = أَلْقَى بأَرْضٍ نَفْسَهُ ولا تُنَالِ
كذلكَ الجَبْجَابُ للماءِ الكثيرْ = ولمْ يَكُنْ بثابتٍ عنهم شَهِيرْ
والرَّفَفُ الرِّقَّةُ في الثوبِ وغيرْ = وليسَ ثابتاً كما قالَ الخَبِيرْ
ومثلُ ذا بَتَأَ يَبْتَأُ إذا = أقامَ بالمكانِ عنهم فانْبُذَا
وهَتَأَ الشيءُ إذا قدْ كُسِرَا = بوَطْءِ رِجْلٍ عنهم ما اشْتُهِرَا
والأرضُ حَثْوَاءُ كثيرةُ الترابِ = ليسَ بثابتٍ عن العَرَبِ العُرَابِ
وامرأةٌ أَسْفَلُ بَطْنِها رَخِي = خَثْوَاءُ والرَّجُلُ أَخْثَى لا تَخِي
والعُضْبُلُ الصُّلْبُ ولمْ يَثْبُتْ دُرِي = وانظُرْ لِمَا مِنْ ذا بَقَى في الْمُزْهِرِ
لاكِنَّهُ قدْ قيلَ لَوْلا حُسْنُ ظَنِّ = بأهلِ علْمٍ ما دُرِي عِلْمٌ كَمَنِّ
النوعُ الثالثُ: معرفةُ المتواترِ والآحادِ
والنقْلُ يَنقسمُ قِسْمَيْنِ يُرَى = تَوَاترٌ قِسْمٍ وآحادٍ جَرَى
أمَّا التَّوَاتُرُ فما نُقِلَ عنْ = جماعةٍ لا منهمُ الكذِبُ يَعِنْ
فلُغَةُ القرآنِ منهُ وكذا = تواتُرُ السُّنَّةِ منهُ أُخِذَا
كذا كلامُ عَرَبٍ وذا دَلِيلْ = عندَ ذَوِي النَّحْوِ لهُ القطْعُ سَبِيلْ
وحَاصِلٌ بالخمْسِ سَمْعٌ وبَصَرْ = شَمٌّ وذَوقٌ ثمَّ لَمْسٌ قدْ يَقِرْ
وعندَ أَكْثَرٍ مُفيدٌ الضرورِي = وقيلَ بلْ مُفادُهُ بالنظَرِ
أمَّا الآحادُ فَهْوَ ما تَفَرَّدَا = بِنَقْلِهِ بَعْضٌ وما فيهِ بَدَا
شرْطُ التواتُرِ وفيهِ اختَلَفُوا = للظَّنِّ أوْ عِلْمٌ يُفيدُ اعْتَرَفُوا
وقيلَ ما بهِ القرائنُ اتَّصَلْ = أفادَ عِلْماً وسِواهُ الظنُّ دَلّ
وَهْوَ دليلٌ وبهِ قدْ أُخِذَا = في لُغَةٍ وغيرِها ما نُبِذَا
النوعُ الرابعُ: مَعرفةُ الْمُرْسَلِ والْمُنْقَطِعِ
ومُرْسَلٌ ما التابعِيُّ رَفَعَا = مِن الحديثِ هكذا قدْ سَمِعَا
وما مِن الرُّوَاتِ مِنْ قِبَلِ الصِّحَابْ = سَقَطَ ذا مُنقطِعٌ بلا ارْتِيَابْ
ومُرْسَلُ اللغةِ ما قدْ يَنقطِعُ = سَندُهُ فَهْوَ بذاكَ المُنْقَطِعُ
وليسَ مَقبولاً لَدَى ذي اللُّغَةِ = وفي الحديثِ الخُلْفَ فيهِ ثَبِّتِ
كانَ يَقُولُ ابنُ دُريدٍ أَصْمَعِي = قالَ لِذَا وما لَقِيَهُ اسْمَعِي
النوعُ الخامسُ: معرفةُ الإفرادِ
الافْرَادُ ما انْفرَدَ واحدٌ بهِ = وما رواهُ غيرُهُ فانْتَبِهِ
وحُكمُهُ القَبولُ إِنْ كانَ الذي = رواهُ ذا ضَبْطٍ وإِتْقَانٍ خُذِ
مِثْلُ أَبِي زيدٍ وكالخليلِ = وأَصْمَعِي مِنْ كلِّ ذي نَبِيلِ
وشرْطُهُ أَنْ لا يُخَالِفَ الكثيرْ = لأَنَّ مَنْ خالَفَــهُ لا يَسْتَنِــيرْ
النوعُ السادسُ: مَنْ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ ومَنْ تُرَدُّ
تُوخَذُ اللُّغَةُ قُلْ سَمَاعَا = مِن الثقاتِ أَهْلِ صِدْقٍ شَاعَا
أهلِ أَمَانَةٍ وتَتَّقِي الظُّنُونْ = خَوْفاً مِنَ التَّعْنِيتِ أوْ لُبْسِ الفُنُونْ
يكونُ عَدلاً رَجُلاً أَوِ امْرَأَهْ = حُرًّا وعَبْداً كالحديثِ فَاذْكُرَهْ
إذْ كانَ تفسيرٌ لهُ بما عُرِفْ = فَاشْتَرَطُوا فيها كما فيهِ وُصِفْ
مِنْ عَدَمِ الفِسْقِ في كُلِّ النَّقَلَهْ = أوْ وَاحدٍ لوَ انَّهَا مُساهِلَهْ
لذاكَ لا تُقاسُ بالشهادَهْ = بل أَخَذُوها سَهلةً كالعادَهْ
قدْ قَالَتِ امرأةٌ اخْزِي امْشِي = معناهُ استحْيِي لِمَا قدْ يُغْشِي
وقَالَتِ الأُخْرَى لبِنتٍ هَمِّمِي = أيْ حَرِّكِي أَصَابِعاً لِتَعْلَمِي
وكُلُّ هذا أَخَذُوا منهُ اللُّغَهْ = فانْظُرْهُ في كُتْبِهم ولْتَحْفَظَهْ
واعْتَمَدُوا فيها على أَشْعَارِ = عرَبِ إسلامٍ أو الكُفَّارِ
وقَبِلُوا نَقْلاً لأهْلِ الأهواءِ = وذي الجُنُونِ منهم على السَّوَاءِ
سِوَى الذي قدْ عُرِفُوا بالكَذِبِ = والخُلْفُ في الجهْلِ لِنَاقِلٍ حُبِي
واختلَفوا في قولِهم قالَ الثقَهْ = هلْ قَبِلُوهُ أوْ تُرَدُّ النَّقَلَهْ
يُسَمَّى بتعديلٍ على الإبهامْ = قَبُولُهُ شُهِرَ في الأَعْلامْ
أخْبَرَنِي فلانٌ معْ فُلانِ = قدْ قَبِلُوهُ وَهُمَا عَدْلانِ
فإنْ تَكُنْ قدْ جُهِلَتْ عَدَالَهْ = مِنْ أَحَدٍ لمْ يَقْبَلُوا المَقَالَهْ
وإنْ سَأَلْتَ عَرَبيًّا فَأَجَابْ بالفعْلِ = لا بالقولِ يَكْفِي بالصوابْ
كَسَائِلٍ ذا رُمَّةٍ عنْ نَصْتَاضْ = فحَرَّكَ اللسانَ مَبْدَى الاغْرَاضْ
وكالَّذِي فَعَلَهُ عُثْمَانْ = مِنْ صِفَةِ الوضوءِ تُسْتَبَانْ
النوعُ السابعُ: مَعرفةُ طُرُقِ الأخْذِ والتَّحَمُّلِ
طُرُقُ أَخْذٍ وتَحَمُّلٍ تُرَى = بستَّةِ الوجوهِ عندَهم جَرَى
أحدُها السَّمَاعُ كالصَّبِي مِنْ = نحوِ أَبِيهِ آخِذٌ لها زَكِنْ
ويُوخَذُ السماعُ عنْ رُوَاتِ = بِصِيَغٍ لهُ عن الثقاتِ
وقيلَ أَعْلاهَا يُقالُ أَمْلَى = عَلَيَّ أو أَمْلِ أيضاً مَثَلا
وَقَدْ يَلِي ذلكَ قدْ سَمِعْتْ = حَدَّثَنِي تَلِي لِذَا انتَفَعْتْ
ثمَّ يَلِي حَدَّثَنِي أَخْبَرَني = وقالَ لي تَلِي لِذِي بَصَّرَنِي
قالَ فُلانٌ ليسَ مَعَهَا لي تَلِي = وعنْ فُلانٍ تَابِعٍ ذِي يا وَلِي
ومِثْلُ عنْ أنَّ فُلاناً قَالا = والشِّعْرُ قدْ أَنْشَدَنَا الْمَقالا
ثانٍ قِرَاءَةٌ على الشيخِ يَقولْ = على فُلانٍ قدْ قَرَأْتُ في النُّقُولْ
ثَالِثُها سَمَاعُهُم على الشُّيُوخْ = أيْ بِقِرَاءَةٍ لغيرِهِ رُسُوخْ
قُرِئَ قُلْ على فُلانٍ وأنا = أَسْمَعُ أنْ تُرْوَ بذا اللَّفْظِ هنا
رَابِعُها إجازةٌ وذاكَ في = روايَةِ الكُتْبِ وأشعارٍ تَفِي
جَوَازُها هوَ الصحيحُ إذْ كَتَبْ = كَتَبَهُ لحاضرٍ ومَنْ عَزَبْ
خامسُها قدْ عُدَّ بالمُكَاتَبَهْ = سادسُها وِجادةٌ يا طالِبَهْ
وَهْيَ أنْ تَجِدَ في كِتَابِ = شَيْئاً مُحَقَّقاً على الصَّوَابِ
تقولُ قدْ وَجَدْتُ هذا في كِتَابْ = أوْ منهُ قدْ نَقَلْتُ لا بهِ ارْتِيَابْ
النوعُ الثامنُ: معرِفةُ المصنوعِ
ورُبَّمَا قدْ أَدْخَلُوا لِلنَّاسِ ما = ليسَ بهِ العَرَبُ قدْ تَكَلَّمَا
إرادةً لِلَّبْسِ والتَّعْنِيتْ = وذاكَ في الشِّعْرِ بلا تَفْتِيتْ
فَمِنْهُ مُفْتَعَلٌ أيْ مَصْنُوعْ = وَهْوَ كثيرٌ انَّهُ مَوْضُوعْ
لا حُجَّةَ فيهِ ولا غَرِيبْ = قدْ يُستفادُ منهُ لا نَسِيبْ
وليسَ فيهِ مَثَلٌ قدْ نَضرِبُ = لا مَدْحَ لا هِجاءَ ليسَ يُعْجِبُ
قَوْمٌ تَداوَلُوهُ مِنْ كتابْ = إلى كتابٍ ليسَ مِنْ صَوَابْ
لمْ يَأْخُذُوهُ قُلْ عنِ البادِيَهْ = ولا ذَوِي عُلُومِنا السامِيَهْ
أنْ قالَ ذُو العلْمِ الصحيحِ ذا بَطَلْ = منهُ فإبطالٌ لهُ يُرَى حَصَلْ
لأجْلِ ذا في بَعْضِ شِعْرٍ اخْتُلِفْ = كسائرِ الأشياءِ بالخُلْفِ وُصِفْ
أمَّا الذي منهُ عليهِ مُتَّفَقْ = ليسَ الخروجُ عنهُ جائزاً وُثِقْ
لهُ صِنَاعَةٌ كسائرِ العلومِ = يَعْرِفُها الحاذقُ فيهِ بالفهومِ
فَمِنْهُ ما تَثْقَفُهُ العينُ وما = تَثقفُهُ الأُذْنُ كما قدْ رُسِمَا
ومنهُ ما تَثْقَفُهُ اليدُ وما = يَثْقَفُهُ اللسانُ فاعلَمْ وافْهَمَا
وذا كِنايَةٌ عن استحسانِ = عينٍ وأُذْنٍ ويدٍ لِسَانِ
لذاكَ يُعرضُ على أَرْبَابِهِ = ليُثبتونَهُ على أصحابِهِ
لقولِهم إذا أَخَذْتَ دِرْهَمَا = وكُنْتَ مُعجَباً بهِ مُغْتَنِمَا
إنْ قالَ: فيهِ لكَ صِرَافٌ فذا = رُدَّ فلا يَنْفَعُ حُسْنُهُ خُذَا
وعُرْبٌ وَلَدُ إسماعيلَ = إلاَّ بقايا جُرْهُمٍ قدْ قِيلَ
كذا أَقَاصِي يَمَنٍ وحِمْيَرُ = فإنَّهُم لا منهمُ قدْ ذُكِرُوا
وقدْ مَضَتْ عادٌ وثمودُ وكثيرُ = مِنْ عَرَبٍ غيرِهم بَقَى اليسيرُ
وصارَ ناسٌ يُدْخِلُونَ في كلامْ = قومٍ كلامَ آخرينَ لا يُسَامْ
يَرْوُونَ ذا لِذَا وذا لِذَا ولا = هوَ لهُ فَخُذْ لقولِ النُّبَلا
ودَعْ سِواهُ يا أَخِي هَمْلا = لأنَّهُ أَهْمَلَهُ ذُو العَقْلا
النوعُ التاسعُ: مَعرفةُ الفَصِيحِ
معرفةُ الفصيحِ فيهِ فَصلانْ = أُولاهُما أَخَصُّ قلْ يا إنسانْ
وَهْوَ في مَعرفةِ الفصيحْ = مِنْ مُفْرَدِ الألفاظِ بالصحيحْ
فصارَ بالنسبةِ لِلَّفْظِ وثانْ = بنِسْبَةٍ لِمُتَكَلِّمٍ أَبَانْ
والفَصْحُ قُلْ خُلوصُ شيءٍ مِمَّا = يَشوبُهُ كَلَبَنٍ أَلَمَّا
مِنْ ضَرْعِهِ منهُ اسْتُعِيرَ للفصيحْ = فصاحةً كما رَوَوْهُ عنْ نَصِيحْ
وأَفْصَحَ الرَّجُلُ قدْ تَكَلَّمَا = بِعَرَبِيَّةٍ كما قدْ رُسِمَا
وفَصُحَ الرَّجُلُ جَادَتْ لُغَتُهْ = وقيلَ بالعكسِ كما قدْ يُثْبِتُهْ
فصاحةٌ مَدَارُها في الكلِمَهْ = بكثرةِ استعمالِها فلْتَعْلَمْهْ
وجَعَلوا لذاكَ ضابطاً بِهِ = يَعْرِفُهُ طَالِبُهُ فانْتَبِهِ
وَهْوَ في المفرَدِ أنْ يَخْلُصَ مِنْ = تَنافُرِ الحروفِ عندَ مَنْ زَكِنْ
ومِنْ غَرابةٍ ومِنْ مُخالَفَهْ = لذي قياسِ اللُّغَوِيِّ فاعْرِفَهْ
تَنَافُرٌ منهُ الثقيلُ جِدَّا = كهَعْخَعٍ في قولِهم قدْ حُدَّا
ومنهُ ما مِنْ دُونِهِ كقولِهم = مُسْتَشْزِرَاتٌ فَادْرِيَنْ لِحَدِّهِمْ
ثمَّ الغرابةُ تكونُ الكَلِمَهْ = وحشيَّةً لمْ تَعْرِفْها الفَهِمَهْ
مثلُ تَكَأْكَأْتُمْ ومِثلُ افْرَنْقَعوا = يَعني اجتَمَعْتُمْ وتَنَحُّوا فاسْمَعُوا
مُخَالِفُ القياسِ جا بِمِثْلِ = الحمدُ للَّهِ العليِّ الأَجْلَلِ
وَهْوَ يُرَى بعدَمِ الإدغامِ = وعدَمِ الإِعْلالِ قُلْ (يَا سَامِي)
ثمَّ الغرابةُ بنِسبةٍ إلى = ذِي العَرَبا مِنْ عَرَبٍ لا مُسَجَّلا
لِذَا لسانُ عَرَبٍ والقاموسُ = لا فِيهِما غرابةٌ للناموسِ
إذْ هيَ قُلْ بقِلَّةِ استعمالِ = واستعمَلُوهما بكلِّ حالِ
وقدْ يُرَى ابْتِذَالُ كِلْمَةٍ يُزِيلْ = فَصَاحَةً كَالطُّوبِ ولِمِثْلِ تُنِيلْ
وليسَ في الحُرُوفِ مِنْ تنافُرِ = بلْ كُلُّها فصيحةٌ للناظرِ
ومُفْرَدُ القرآنِ كُلُّهُ فصيحُ = مثلُ تراكيبٍ لهُ أَيَا نَصِيحُ
وليسَ كلُّ مَا لَهُ ذُو الفُصَحَا = قدْ تَركوا ليسَ فصيحاً فانْصَحَا
بلْ إنَّهُم قدْ يَتْرُكُونَ لِفَصيحِ = لآخَرٍ استَغْنَوْا بهِ وذا صَحِيحُ
الفصلُ الثاني: في مَعرفةِ الفصيحِ مِن العربِ
وأَفْصَحُ الخلْقِ على الإطلاقِ = سيِّدُنا مُحَمَّدٌ يا رَاقِي
لأنَّهُ قالَ أَنَا أَفصَحُ مَنْ = نَطَقَ بالضَّادِ كَفَى بذا عَلَنْ
وقالَ أُوتيتُ جوامِعَ الكَلِمْ = وقالَ ما مِنْ قَبلَهُ ما قِيلَ ثَمّ
كقولِهِ قدْ ماتَ حَتْفَ أَنْفِهِ = وحَمِيَ الوَطِيسُ قُلْ لا تَنْفِهِ
ثمَّ قريشٌ قيلَ أفْصَحُ العَرَبْ = قدْ قالَ ذلكَ جميعُ مَنْ عَرَبْ
أَفْصَحُهم أَلْسِنَةً أصْفَاهُم = قلْ لُغَةً ورَبُّنا اخْتَارَهُم
واختارَ منهمُ النبِيَّ مُحَمَّدَا = صلَّى وسَلَّمَ عليهِ أَبَدَا
جَعَلَهم قُلْ قَاطِنِينَ في الْحَرَمْ = وُلاةَ بَيْتِهِ فذلكَ الكم
كانتْ وُفُودُ عَرَبٍ تَأْتِيهِمْ = ويَتحاكمونَ قُلْ إليهمْ
ويَتخَيَّرُونَ مِنْ كلامِهمْ = أحْسَنَ نَثْرِهم ومِنْ أشعارِهِمْ
فَرْعٌ
ورُتَبُ الفصيحِ قدْ تَفاوَتَتْ = فيها فَصيحٌ ثمَّ أَفْصَحٌ ثَبَتْ
مثلُ صحيحٍ وأصَحَّ في الحديثْ = فاحْفَظِ العلْمَ لا تَرَى مِن النَّكِيثْ
فالبُرُّ أفْصَحُ مِنَ القمحِ ومِنْ = قولِهم الْحِنْطَةُ والمعنى زُكِنْ
ثُمَّ اللَّغُوبُ قالُوا جاءَ أَفْصَحَا = مِنْ لَغَبٍ وذا لَدَيْهِمْ صُحِّحَا
ولازِبٌ أفصَحُ قُلْ مِنْ لازِمِ = وذا مثالٌ ثابتٌ للعالِمِ
النوعُ العاشرُ: معرفةُ الضعيفِ والمُنْكَرِ والمتروكِ مِن اللُّغَاتِ
ما انْحَطَّ عنْ دَرَجةِ الفَصيحْ = هوَ الضعيفُ خُذْهُ يا نَصِيحْ
ومُنْكَرٌ أضعفُ منهُ وأَقَلْ = بحيثُ قدْ أَنكرَهُ البعضُ فَقُلْ
وما سِوَاهُ استَعمَلُوهُ وتُرِكْ = ذاكَ هوَ المتروكُ عندَهم سُلِكْ
وكلُّ ذلكَ كثيرٌ في كُتُبْ = لُغَتِهم فانْظُرْهُ فيها لِتُصِبْ
مثلُ الضعيفِ قَوْلُهم مِن الكلامْ = أَنْبِذْ في نَبَذَ أيْ أَلْقِي الْمَرَامْ
ومفكن مثالُهُ جَرَعْتُ = بالفتحِ والمعروفُ قُلْ جَرِعْتُ
ودُمْتَ قدْ أَدَامَ مَتْرَوكٌ وقُلْ = دُمْتُ أَدُومُ اسْتَعمَلُوهُ فقُبِلْ
وغيرُ ذلكَ مِن الأمثِلَهْ = خُذْهُ مِن الْمُزْهِرِ للنَّقَلَهْ
تنبيهٌ
والفرْقُ قيلَ بينَ هذا النوعِ مَعْ = ثانٍ مِن الأنواعِ صارَ يَلتمِعْ
بانَ ذاكَ ضَعْفُهُ بالنقْلِ = وعدَمِ الثبوتِ عندَ الكُلِّ
وضَعُفَ ذا مِنْ جِهةِ الفصاحَهْ = معَ ثبوتِ النقلِ في ذي الساحَهْ
فذاكَ راجعٌ إلى الإسنادِ = وذا إلى اللفظِ وفَرْقٌ بَادِي
النوعُ الحاديَ عشرَ: معرفةُ الرَّدِي والمذمومِ مِن اللغاتِ
معرفةُ الردِي والمذمومْ = مِن اللغاتِ جاءَ في المَحْتُومْ
وَهْوَ أَقبَحُ اللغاتِ ويُرَى = أَنْزَلَها دَرَجَةً كما جَرَى
وكانتِ العَرَبُ كلَّ عامْ = تَحْضُرُ مَوْسِماً لَدَى الحَرَامْ
ثمَّ قريشٌ يَسمعونَ اللغاتْ = ما استَحْسَنوا لهم يكونُ كَلِمَاتْ
صَارُوا لذاكَ فُصحاءَ العَرَبِ = قدْ سَلِمُوا في اللفظِ مِنْ قُبْحٍ أَبِي
مِنْ ذاكَ كَشْكَشَةُ قومٍ مِنْ مُضَرْ = ومِنْ ربيعةَ كما جاءَ الخَبَرْ
في جَعْلِهم مِنْ بعدِ كافٍ لِخِطَابْ = مُؤَنَّثٍ شِيناً مِثَالُهُ اقْتِرَابْ
رَأَيْتُكِشْ ومثلُ ذلكَ بِكِشْ = ورُبَّمَا قالُوا عَلَيْشِ ثمَّ مِنْشْ
حَذْفاً لكافٍ ثمَّ كَسْراً وُصِلا = والوقفُ بالسكونِ عنهمْ نُقِلا
وعندَهم كَسْكَسَةٌ بِجَعْلِ سِينِ = مُهْمَلَةً في ذاكَ قُلْ مَحَلَّ شِينِ
ومنهُ قُلْ عَنْعَنَةً بِجعْلِ عَيْنْ = مكانَ هَمْزَةٍ ببَدْءٍ يا فَطِينْ
كقولِهم عَنَّكَ في أَنَّكَ مَعْ = عَسْلَمَ في أَسْلَمَ هكذا جُمِعْ
ومنهُ قُلْ فَحْفَحَةً بِجَعْلِ حَاءْ = عيناً لَدَى هُذَيْلِهِمْ كما تَشَاءْ
ومنهُ وكِمْ كَسْرُ كافٍ بَعْدَ يا = وبعدَ كسرةٍ كما قدْ رُوِيَا
كقولِهم عيكِم وبِكِمْ = والوَهْمُ نحوُ مِنْهِمْ وعَنْهِمْ
وَهْوَ كسْرُ الهاءِ لوْ لمْ يَكُنِ = مِنْ قَبلِهِ ياءٌ ولا كَسْرٌ عَنِي
ومنهُ قُلْ عَجْهَجَةً فيَجْعَلُونْ = مَحَلَّ يا مُشَدَّداً جِيماً يَكُونْ
كَأَنْ يقول في تَمِيميٍّ أَنَا = قلتُ تَمِيمِجٍ كما قدْ زُكِنَا
ومنهُ الاسْتِنْطَا بِجَعْلِ العينْ = ساكنةً نُوناً بغيرِ مَيْنْ
بشَرْطِ أنْ تُجَاوِرَ الطاءَ كما = في قولِهم أنْطَى في أَعْطَى رُسِمَا
والوَتْمُ مِنْ هذا بِجَعْلِ السينِ تَا = كَالنَّاتِ في النَّاسِ وهذا ثَبَتَا
ومنهُ قلْ شَنْشَنَةً بِجَعْلِ كافْ = شِيناً في كلِّ كَلِمَةٍ فلا تَخَافْ
كقولِهم لَبَّيْشَ في لَبَّيْكَ = فقلْ لِذَا كُلاًّ وما عَلَيْكَ
ومنهمْ جَعْلَ كافٍ جِيمَا = كَجَعْبَةٍ في كَعْبَةٍ سَلِيمَا
والحرفُ بينَ القافِ والكافِ وبَيْنْ = جيمٍ وكافٍ قلْ مُقَمْقَمٌ يَبِينْ
وفي الإضافةِ وفي النَّسَبِ يا = يُبْدَلُ جيماً عندَ قومٍ عُيِّنَا
نحوَ غُلامَجْ كذا بَصْرَجِي = ونحوُ قولِهم أَخِي كُوفَجِي
والخَزْمُ وَهْوَ أنْ يَزِيدُوا في الكلامْ = حَرْفاً بلا نحوِ العروضِ للأَنَامْ
مثلُ ولا للمَابُهِمْ وذا قَبيحْ = يَزيدُ في الكلامِ قُبْحاً يا فَصيحْ
ومنهُ قدْ يُقَالُ لَخْلِخَانِيَهْ = ومنهُ قدْ يقالُ طَمْطَمَانِيَهْ
أوَّلُهم نحوُ ما شا اللَّهُ إذا = أَرَدْتَ ما شاءَ الالاهُ فَخُذَا
ثانٍ كقَوْلِهم لقدْ طابَ امْهَوَاءُ = عَنَوْا بذلكَ لقدْ طابَ الهواءُ
وَبَقِيَتْ أشياءُ مِنْ هذا القَبيلْ = في الأصلِ خُذْ بغيرِ نُكْرٍ يا نَبيلْ
وذَمُّ ذا ليسَ لَدَى القائلِ بهِ = لذلكَ الحكْمُ تَفَطَّنْ وانْتَبِهِ
النوعُ الثانيَ عشرَ: معرفةُ الْمُطَّرِدِ والشاذِّ
أصلُ التَّتَابُعِ يُرَى في اطَّرَدَا = والأصلُ في شذَّ تَفَرُّقٌ بَدَا
لذاكَ ما استمَرَّ قَالُوا الْمُطَّرِدْ = لِمَا لهُ مِن التتابُعِ وُجِدْ
وما يُفارِقُ لِمَا عليهِ بابْ = شَذَّ لهُ اسمُ فاعلٍ مِنْ ذِي أَصَابْ
والاطِّرَادُ والشذوذُ أَرْبَعَهْ = مِن أَضْرُبٍ فخُذْ لها تَنْتَفِعَهْ
مُطَّرِدُ القياسِ واستعمالِ = وذا هوَ الغايَةُ كُلَّ حالِ
كقامَ زيدٌ وضَرَبْتُ عَمْرَا = وقدْ مَرَرْتُ بسعيدٍ جَهْرَا
وقدْ يَجِي مُطَّرِدُ القياسْ = وشَذَّ في استعمالِهم للناسْ
وذاكَ نحوُ الماضي مِنْ يَذَرْ = مَعْ كَمَيْقِلٍ وباقلٍ وكوَدَعْ
وثالثٌ مُطَّرِدٌ استعمالُهم = وشَذَّ في القياسِ مِنْ ناقِلِهمْ
كَأَنْ يُقالَ ذلكَ استَصْوَبْتُ = ولا يقالُ ذلكَ اسْتَصَبْتُ
ورابعٌ شَذَّ لَدَى القِياسِ عِ = وشَذَّ في استعمالهِم لا تَتَّبِعِ
وذا كَتَتْمِيمٍ لمَفْعُولٍ تَرَى = مِن الذي قَلَّ عينُهُ واواً جَرَى
أوْ كانَ ياءَ فَرَسٍ مَقْوُودْ = مثالُهُ وَرَجُلٌ مَعْوُودْ
فلا عَلَى ذا مِنْ قِيَاسٍ اوْ عَمَلْ = ولا تَقِسْ عليهِ فالقَيْسُ انْخَزَلْ
وحيثُ يَطَّرِدُ شيءٌ في العمَلْ = وشَذَّ في القياسِ فالسماعُ دَلّ
مثالُهُ اسْتَحْوَذَ ثمَّ استَصْوَبَ = عليهما اسْتَقْوَمَ لا تَقِسْ أَبَى
وحيثُ شَذَّ في السماعِ واطَّرَدْ = في القَيْسِ فلتَرُدَّ لِمَا منهُ وَرَدْ
ولْتَتْرُكَنَّ ما تُرِكَ نحوُ وَذَرْ = كذاكَ قُلْ ودَعْ والقيْسُ وَفَرْ
وانظُرْ لِذِي أَمثلةٍ في الأَصْلِ = وَلْتَخْتَصِرْ في النظْمِ كُلَّ النَّقْلِ
النوعُ الثالثَ عشرَ: معرفةُ الحُوشِيِّ والغرائبِ والشواردِ والنوادرِ
وهذهِ الألفاظُ قدْ تَقارَبَتْ = وكلُّها عكْسُ الفصيحِ قدْ ثَبَتْ
وقيلَ في تعريفِها حُوشِيّ = كلامُهم غَرِيبُهُ الوَحْشِيّ
وقيلَ حُوشِيُّ الكلامِ ما نَفَرْ = عنْ سَمْعِهم وما بهِ قد اسْتَقَرّ
كأنَّهُ نَسَبٌ للجَوْشِيِّ بِلادْ = بها الجُنُونُ ما بها إِنْسٌ يُرادْ
وقيلَ إِيَّاكَ ووَحْشِيَّ الكلامْ = طَمَعَ البلاغةِ فذلكَ الْمُلامْ
جَمْعُ الغريبةِ هوَ الغَرائبْ = وَهْيَ بمعنى الجَوْشِ لا تُكاذِبْ
وجمْعُ شَارِدَةٍ الشوارِدُ = وأصلُ تَشريدٍ لتفريقٍ رَدُّوا
وذاكَ مِنْ أصلِ الشذوذِ ظاهِرْ = وجمعُ نادرةٍ النَّوَادِرْ
ونَدَرَ الشيءُ إذا هوَ سَقَطْ = وشَذَّ مِنْ ذاكَ النوادرُ فَقَطْ
والأَقْدَمُونَ كُتُباً قدْ أَلَّفُوا = مِن النوادرِ كما قدْ وَصَفُوا
مثلُ أبي زَيْدٍ وكالشَّيْبَانِي = وفي الشواردِ أَتَى الصَّنْعَانِي
واستعمَلُوا نَادِرَةً بمعنى = شواردٍ وذا لَدَيْهِم يُعْنَى
فائدةٌ
وهذهِ الألفاظُ قدْ تُستَعْمَلُ = لها معانٍ عندَهم قدْ نَقَلُوا
أَعْنِي بذاكَ غالباً كذا كثيرْ = ونادرٌ ثمَّ قليلٌ يا خَبيرْ
وضِفْ لذا مُطَّرِداً فالْمُطَّرِدْ = هوَ الذي لا بِتَخَلُّفٍ عُهِدْ
وأكثرُ الأشياءِ هوَ الغالِبُ = لاكِنَّهُ قدْ يَتَخلَّفُ اطْلُبُوا
ثمَّ الكَثيرُ دونَهُ ثمَّ القليلْ = دونَ الكثيرِ نادرٌ أقلَّ قِيلْ
فائدةٌ أيضاً
مَراتبُ الكلامِ في الوضوحِ مَعْ = أشكالِهِ مُختلِفٌ إذ يَجتمعْ
فواضِحُ الكلامِ ما قدْ يَفهمُهْ = جميعُ سامعٍ لهُ ويَعلمُهْ
حيث يُرَى عُرْفُ ظاهرٍ كلامْ = لعَرَبٍ ذا حِدَةٍ بلا مُلامْ
ومُشكِلٌ يَاتِي لهُ الإِشْكَالْ = مِنْ أَوْجُهٍ أَتَتْ بها الأقوالْ
منها غَرابةٌ لِلَفْظَةٍ كَقَوْلْ = قائلِهم مَلَخَ في الباطلِ نولْ
يَعْنِي تَلَهَّى ولذاكَ أُلِّفَا = غَريبُ قُرْآنٍ رَجَا أنْ يُعْرَفَا
ذكْرُ أمثلةٍ مِن النَّوَادِرِ
وهذهِ أمثلةٌ قليلَهْ = مِن النوادرِ أَتَتْ سَهِيلَهْ
فَالْبُرْتُ لِدَلِيلٍ والحَرْشُ الأثَرْ = ثمَّ الوَثِيجُ للكثيفِ قدْ غَبَرْ
ثمَّ التَّلَهْوُقُ هوَ التَّمَلُّقْ = صُمَادِحٌ قُلْ خَالِصٌ مُحَقَّقْ
وقلْ شَصَاصَاءُ الأُمُورِ عَجِلَهْ = ثَمَّتْ حداءُ الأمورِ مِثْلَهْ
وقيلَ بالنَّاصِبَاتِ تعني النَّاصِيَهْ = في لُغَةٍ لِطَيٍّ يا دُرِّيَهْ
ومِنْ نوادرٍ لفِعْلٍ ذُكِرَا = مُتِّعْتَ بالشيءِ ذَهَبْتَ قدْ جَرَى
تَشَاوَلَ القومُ تَناوَلَ قَلْي = بعْضِهم بعضاً لَدَى التَّقَاتُلِ
ويَسْتَمِي الوحشُ يُرَى يَطْلُبُها = هلهت أيْ كِدْتُ أُرَى أُدْرِكُهَا
آضَ يَئِيضُ صارَ قُلْ أَزْلَجْتُ = ذا البابَ إِزْلاجاً إذا أَغْلَقْتُ
وتوٌّ قُلْ تَوًّا إذا جَا قاصِدَا = للشيءِ لا يَرُدُّهُ شيءٌ بَدَا
وَاسْتَادَ قومُهم بَنِي فلانِ = قدْ قَتَلُوا سَيِّدَهم يا فَانِي
وقدْ كَمَى شَهَادةً يَكْمِيهَا = كتَمَها كتْماً كما يُخْفِيهَا
وَيَقِنَ الأمرُ يُقَالُ يَقْنَا = منَ اليقينِ مثلُ مَنْ تَيَقَّنَا
ولا يُرَى استقصاءُ فِعْلٍ أوِسْمَا = مِن النوادرِ لِذَا ذَا تَمِّمَا
النوعُ الرابعَ عشرَ: معرفةُ المستعمَلِ والمُهْمَلِ
مستعمَلُ اللغاتِ قَلَّ ما تَرَكُوهْ = ومُهْمَلٌ منها الذي ما سَلَكُوهُ
ومهمَلٌ جاءَ على ضَرْبَيْنِ = ضرْبٌ فلا يَجوزُ كلَّ حينِ
كأنْ تُوَلِّفَ لِجِيمٍ معَ كافْ = أوْ قَدِّمِ الكافَ على جيمٍ وَصَافْ
والعينُ معَ غَيْنٍ وحاءُ معَ هاءْ = أوْ غَيْنُهم جميعُ هذا قدْ يُنَاءْ
والضرْبُ الآخَرُ يجوزُ والعرَبْ = عليهِ لم تَقُلْ لذاكَ لمْ يُصِبْ
كَقَوْلِهم عَضَخَ عَكْسَ خَضَعَا = أهمَلَ ذاكَ عكسُ هذا سُمِعَا
ومُهْمَلٌ في لُغَةٍ ما ذُكِرَا = لاكِنَّ لهُ أَبْنِيَةٌ قدْ تُذْكَرَا
وبَعْضُهُ تُرِكَ لاسْتِثْقَالِ = وأَلْحَقُوا بهِ سِوَاهُ تَالِ
نحوُ سص صص طت وضش = وشض للاسْتِثْقَالِ عنهُ يَنتفِشْ
ودُونَكَ الأصولُ حيثُ ثَبَّتُوا = ثلاثةٌ أربعةٌ وخَمْسةُ
ومُنْتَهَى اسمِ خَمْسٍ أنْ تَجَرَّدَا = وأنْ يُزَدْ فيهِ فما سَبْعاً عَدَا
والفعلُ أربعٌ إذا ما جُرِّدَا = وإنْ يَزِدْ فيهِ فما سِتًّا عَدَا
وحَيْثُ منها أَعْمَلُوا إِعْمَالاً = لا بُدَّ منها أَهْمَلُوا إِهْمَالا
مثالُ ذاكَ رَجُلٌ لَدَيْهِ مالُ = يَأَخُذُ جَيِّداً وعنْ سِوَاهُ مَالُ
النوعُ الخامسَ عشرَ: مَعْرِفَةُ المَفَارِيدِ
والمُفْرَدُ المسموعُ هلْ يُقْبَلُ = قُلْ نَعَمْ ويُحْتَجُّ بهِ أوْ لا تَقُلْ
وقُلْ لهُ عِنْدَهم أحوالْ = أَحَدُها جَاءَتْ بهِ الأَقْوَالْ
بأنَّهُ يَكُونُ فَرْداً لا نَظيرْ = لهُ مِنَ الألفاظِ في السَّمَعِ الشَّهِيرْ
معَ طِباقِهم على النُّطْقِ بهِ = فهذا يُقبَلُ ويُحْتَجُّ بهِ
وقُلْ عليهِ قدْ يُقاسُ كَشَنَوْءْ = قِيسَ شَنَاءِي عليهِ لا تَنُوءْ
ثانٍ يكونُ فَرْداً أيْ تَكَلَّمَا = بهِ مِن العَرَبِ واحدٌ سَمَا
وَخَالَفَ الجُمْهُورُ فَانْظُرْهُ إذَا = يُرَى فَصِيحاً في سِوَاهُ فَخُذَا
إذا يُرَى يَقْبَلُهُ القِياسْ = وَلْتُحْسِنِ الظَّنَّ بهِ الأُنَاسْ
لأنَّهُ يُمْكِنُ أنْ يكونَ ذاكْ = مِنْ لُغَةٍ قَدِيمَةٍ تُنْسَى هناكْ
وَنَسَخْتُ وُجِدَ في الطَّنُوحْ = وَهْيَ الكراريسُ لَدَى الشُّرُوحْ
فَيَنْبَغِي قَبُولُهُ ما دَامَا = مُعَضِّدٌ لهُ قياسٌ رَامَا
وثالثٌ يَنْفَرِدُ النَّاطِقُ بِهِ = عن الذي سِوَاهُ كُلاًّ فَانْتَبِهْ
ولا يُرَى لَهُ مُوَافِقٌ ولا = مُخَالِفٌ وَهُوَ فَصيحٌ قُبِلا
لأنَّهُ إِمَّا يكونُ سَمِعَهْ = أوْ بارْتِجَالِهِ لغَيْرِ اسْمَعَهْ
أمَّا إذا جاءَ بهِ مُتَّهَمُ = ليسَ فَصيحاً رَدُّهُ قدْ يُعْلَمُ
تنبيهٌ
والفرْقُ بينَ ذا وَنْوعٍ خامِسِ = نقولُهُ لكَ بقولِ الحارسِ
ذاكَ بِنَقْلِهِ عن العربِ انْفَرَدْ = وَذَا بهِ يَنْطِقُ مَنْ بهِ اتَّحَدْ
وهذهِ أمْثِلَةٌ مِنْ ذا النَّوْعِ = فَخُذْ لَهَا فقدْ أَتَتْ في المَسْمُوعِ
مِنْ ذَلِكَ الْحَيْطَةُ وَهْيَ الوَتَدْ = والحَبْلُ في كلامِهم تَسْتَفِدْ
والرحِمُ الرحمةُ والكَنْزُ السَّنَامْ = والشَّمْلُ الشَّمْلُ أتى في ذا الكلامْ
وجَمَعُوا الجِنَّةَ بالأَجِنَّهْ = وهوَ للجنِينِ مثلُ السُّنَّهْ
وقالُوا في قِصاصِهمْ قُصَاصَاءْ = وقالُوا في نَسِيمِهم نُسَيْمَاءْ
(1) هو مجد الدين الفيروزآبادي صاحب القاموس المحيط.
هذا تَأْلِيفٌ مِنْ أَحْسَنِ ما يَسْمَحُ بهِ الزمانُ، وتجودُ بإبرازِهِ يدُ الأَوَانِ؛ لِمَا أَبْرَزَ مِنْ جواهرِ النفائسِ، وأَسْفَرَ عنْ مُخَدَّرَاتِ العَرَائِسِ، فقَرَّبَ لكلِّ مُجْتَنٍ ثمارَ الفوائدِ بنَضيرِ رِيَاضِهِ، وأَشْفَى الغليلَ بِسَلْسَبِيلِ حِيَاضِهِ، وأَيْنَعَ منها كُلَّ غُصْنٍ مُزْهِرٍ، فكانَ عِلْمُهُ ثِمَارَ الْمُزْهِرِ، وكيفَ لا ومُؤَلِّفُهُ الغِطريفُ العَلاَّمةُ الهُمَامُ، الدَّرَّاكَةُ الفَهَّامَةُ الإمامُ، الذي أَحَاطَ بفنونِ الأدبِ واللغةِ إحاطةَ السِّوارِ بالْمِعْصَمِ، ونادَتْهُ في مَقامِ الافتخارِ بأنْ أَقْدِمَ فأنتَ المُقَدَّمُ، الجامعُ بينَ مَنْصِبَي النسَبِ الشريفِ، والعلْمِ الباهرِ الْمَنيفِ، شيخُنا الشيخُ ما العَيْنَيْنِ، ابنُ شَيْخِنا الشيخِ مُحَمَّد فاضل بنِ مَامِينْ، أسبَغَ اللَّهُ على الراسخينَ نِعْمَتَهُ، وأَتَمَّ عليهم مِنْحَتَهُ، آمينَ.
وللشَّرِيفِ الأديبِ اللَّوْذَعِيِّ الأريبِ العالِمِ العَلاَّمَةِ أبى زَيْدٍ سَيِّدِي عبدِ الرحمنِ نَجْلِ الوليِّ الصالحِ الفاضلِ العالمِ العلاَّمةِ العاملِ صاحبِ السِّرِّ النُّورَانِيِّ سَيِّدِي جعفرٍ الكِتَّانِيِّ أدامَ اللَّهُ النفْعَ بهِ للمسلمينَ، آمينَ.
خَلِّ عَنَّا نَغَمَاتِ المِزْهَرِ = وأَنِلْنَا مِنْ ثِمارِ المُزْهِرِ
رَوْضُ عِلْمٍ أَيْنَعَتْ أَزْهَارُهُ = قَصْداً جَامِعٌ مَعْنًى أَزْهَرِ
مالَ قَلْبِي نحوَهُ لَمَّا بَدَا = مِثْلُ مَيْلِ العَيْنِ نحوَ الصهرِ
يُغْبَطُ الشيخُ بهِ لوْ أَبْصَرَتْـ = ـهُ عُيُونُ المَجْدِ (1) بلْ والجَوْهَرِي
ويَقيناً لوْ رَأَى أزهارَهُ = لَتَمَنَّاهُ الإمامُ الأَزْهَرِي
حَقَّ أنْ يَبْذُلَ ذُو اللُّبِّ لِتَحْـ = ـصِيلِهِ أَبْهَى صِحَاحِ الجَوْهَرِ
فَابْذُلِ المجهودَ فيهِ لوْ تَجِدْ = في تَعَاطِيهِ عَنَاءَ الأبْهَرِ
فَلَقَدْ أَبْرَزَهُ الطبْعُ لنا = في سَمَا الكُتُبِ كبَدْرٍ أَشْهَرِ
إذْ تَنَاهَى طَبْعُهُ أَرَّخْتُهُ = دُونَكمْ قَطْعاً ثِمارَ الزَّهَرِ
سنةَ 1324 120 180 741 283
بسمِ اللَّهِ الرحمنِ الرحيمِ
وصَلَّى اللَّهُ على سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ النبيِّ الكريمِ
جاءَ ابْتِدَا مُبَارَكَ ابْتِدَاءْ = يَجِي انْتَهَا مَيْمُونَ الانْتِهَاءْ
قالَ عُبيدُ اللَّهِ ما العَيْنَيْنِ = يَرْجُو القبولَ عندَ ذي الكَوْنَيْنِ
الحمدُ لِلَّهِ الذي شَرَّفَنا = بلُغَةِ النبيِّ إذْ عَرَّفَنَا
صَلَّى عليهِ اللَّهُ ما قدْ فَتَحَا = لسانُ شَخْصٍ عنْ ضَمِيرٍ شَرَحَا
وبعدُ ذَا فَهَاكُمُوا أهلَ اللُّغَاتْ = نَظْماً يُفيدُ في اللغاتِ السَّائِغَاتْ
نَظَمْتُهُ مِنْ مُزهِرِ السُّيُوطِي كَيْ = يُفيدَ ذا فَصَاحةٍ وَكُلَّ عَيْ
نَوَّعْتُهُ كما لهُ قدْ نَوَّعَا = لاكِنَّ ذا مُخْتَصَرٌ نَظْماً سَعَى
سَمَّيْتُهُ لِذَا ثِمارَ الْمُزْهِرِ = وصُغْتُهُ مِنْ جَوهرٍ كالجَوْهَرِ
واللَّهَ أَسْأَلُ يَكُونُ نَافِعَا = مُيَسِّراً لي وَلِقَارٍ شَائِعَا
بِجَاهِ أَفْضَلِ الوَرَى صَلَّى عليهِ = ما دامَ نَفْعٌ يُجْتَنَى مِمَّا لَدَيْهِ
وقبلَ أنْ نَشْرَعَ في الكتابِ = هَذِي مَقالةٌ مِن الصوابِ
اعلَمْ بِأَنْ قُلْ لعلْمِ العَرَبِ = أصلاً وفرعاً وبذاكَ فَطِبِ
فالفرْعُ قُلْ مَعرفةُ الأَسْمَاءِ مَعْ = صِفَاتِها التي بها قدْ تُتَّبَعْ
كأنْ تقولَ رَجلٌ طَوِيلُ = وفَرَسٌ قصيرٌ لا تَمِيلُ
وذا هوَ الذي بهِ قدْ نَبْدَأُ = لدَى التَّعَلُّمِ فلا تَخْتَبِئُ
والأصلُ قولُكَ على وَضْعِ اللُّغَهْ = وأَوَّلِيَّةٍ لها وَمَنشأَهْ
ثمَّ على الرسومِ قُلْ للعرَبِ = لَدَى المُخَاطَبَاتِ فافْهَمْ تُصِبِ
وما لَهَا مِن التفَنُّنِ الحقيقِ = أوِ المجازِ فافْهَمَنْ يا صَدِيقِ
والناسُ في ذلكَ قِيلَ رَجُلانْ = مُشْتَغِلٌ بالفرْعِ لا غيرُ اسْتَبَانْ
وآخَرُ جَمَعَ للأمْرَيْنِ = رَتَّبْتُهُ عُلْيَا بِدُونِ مَيْنِ
لأنَّها يُدْرَى بها عِلْمُ الكتابْ = وسُنَّةٌ وما لِذَيْنِ مِنْ خِطابْ
وهيَ التي عليها أهلُ النَّظَرِ = قدْ عَوَّلُوا فُتْيَا وحُكْماً فانْظُرِ
النوعُ الأَوَّلُ: في معرفةِ الصحيحِ الثابتِ، وهوَ حَدُّ اللُّغَةِ وما يَتعلَّقُ بِهِ
حدُّ اللغاتِ كلُّ لفظٍ وَضَعَا = قَوْمٌ لمعنًى عَبَّرُوا بهِ اسْمَعَا
واختلَفُوا هلْ لُغَةٌ تَوْقِيفِيَهْ = بالوَحْيِ أوْ بِالاصْطِلاحِ فادْرِيَهْ
والأشهرُ المُخْتَارُ في الْمَقالِ = تَوْقِيفُها مِنْ ربِّنا الجلالِ
لأجْلِ قولِ ربِّنا وعَلَّمَا = آدمَ الاَسْمَاءَ بذاكَ فَافْهَمَا
وقالَ أفْضَلُ الوَرَى عَلَّمَنِي = رَبِّي كما عَلَّمَهُ أَفْهَمَنِي
وكلُّ لفظٍ بإِزَاءِ معنًى = يُوضَعُ يُعرفُ بهِ إذْ يُعْنَى
والوضْعُ جا عبارةً عنْ تخصيصِ = شيءٍ بشيءٍ مثلُ ما في التَّنْصِيصِ
واختلَفوا في الوضْعِ هلْ في الْمُفرداتْ = أوْ هوَ فيها وكذا المُرَكَّباتْ
ولمْ يكُنْ لكلِّ مَعْنًى يَجِبُ = لفظٌ بلِ المُحْتَاجُ فيهِ أَوْجَبُوا
وغَرَضُ إفادةِ الْمُرَكَبَّاتْ = بالوضْعِ والنَّسْبُ بينَ المُفْرَدَاتْ
واختلَفوا هلْ وُضِعَ اللفظُ لِمَا = صُوِّرَ ذِهْناً أوْ لخارجٍ سَمَا
ووَضْعُ نَحْوٍ لأُمُورٍ كُلِّيَهْ = ولُغَةٍ قدْ وُضِعَتْ لِجُزْئِيَهْ
ويُوضَعُ اللفظُ لشخصٍ عُيِّنَا = أوْ باعتبارِ الأمرِ إنْ عَمَّ افْطُنَا
وقيلَ بينَ اللفظِ معْ مدلولِهِ = مُنَاسَبَاتٌ معَ رَدِّ قَوْلِهِ
أمَّا المُنَاسبَةُ بينَ الألفاظِ = معَ المعاني فاتِّفاقُ الْحُفَّاظِ
وليسَ وَضْعُ لغةٍ في وقْتِ = بلْ بتَتابُعٍ بِكُلِّ سَمْتِ
تُعْرَفُ اللغةُ قُلْ بالنقْلِ = أوْ بالَّذِي يَستنبِطُوا بالعقلِ
وتَثْبُتُ اللغةُ بالتواتُرِ = أوْ بالآحادِ لا سِوَى للنَّاظِرِ
ولُغَوِيٌّ شَأْنُهُ أنْ يَنْقِلا = ما عَرَبٌ قدْ نَطَقَتْ بهِ ولا
وشَأْنُ ذي النَّحْوِ يَرَى التصَرُّفْ = في نَقْلِ ذي اللغةِ لا يَختلِفْ
هلْ لُغَةٌ تَثبُتُ بالقياسِ = قيلَ نعمْ وقيلَ لا للنَّاسِ
ولا يُحيطُ بكلامِ العرَبِ = غيرُ نبيٍّ بِمُنِيلِ الأَرَبِ
وقيلَ ما قدْ جَاءَنَا عنِ العَرَبْ = فَهْوَ قليلٌ مِنْ كثيرٍ قدْ عَزَبْ
وأَوَّلُ الْمُصَنِّفِينَ في اللُّغَهْ = هوَ الخليلُ نَجْلُ أحمدَ اسْمَعَهْ
وبعدَهُ تَتابَعُ المُصَنِّفُونَ = يَتَّفِقُونَ وكذا يَختَلِفُونَ
ومنهمْ مُطَوِّلٌ ومُخْتَصِرْ = ومنهم مَنْ عَمَّ أوْ خَصَّ حَصَرْ
النوعُ الثاني: في مَعرفةِ بعضِ ما رُوِيَ مِن اللغةِ ولم يَصِحَّ ولمْ يَثْبُتْ
وعدمُ اتِّصالِ إسنادِ اللغاتْ = سببُ عدَمِ ما لَهَا مِنَ الثباتْ
لأجْلِ أنْ يَسقُطَ راوٍ مِنْ سَنَدْ = أوْ جَهْلِهِ أو الوُثُوقُ مُنْفَقِدْ
لفَقْدِ شَرْطٍ مِنْ شُروطٍ للقَبولْ = تَرَدُّ أوْ للشَّكِّ عنهم في النُّقُولْ
ومَثَّلُوا لهُ كثيرَ أَمْثِلَهْ = ولمْ تَصِحَّ في ثَباتِ النَّقَلَهْ
مِنْ ذلكَ الشَّطْشَاطُ طائرٌ ولا = ثَبَتَ عنهم في الذي قدْ نُقِلا
وثَبَطَتْ شَفةُ الإنسانِ إذا = قدْ وَرِمَتْ وليسَ ثابتاً خُذَا
وضَبَحَ المرءُ إذاً مِن الكِلالِ = أَلْقَى بأَرْضٍ نَفْسَهُ ولا تُنَالِ
كذلكَ الجَبْجَابُ للماءِ الكثيرْ = ولمْ يَكُنْ بثابتٍ عنهم شَهِيرْ
والرَّفَفُ الرِّقَّةُ في الثوبِ وغيرْ = وليسَ ثابتاً كما قالَ الخَبِيرْ
ومثلُ ذا بَتَأَ يَبْتَأُ إذا = أقامَ بالمكانِ عنهم فانْبُذَا
وهَتَأَ الشيءُ إذا قدْ كُسِرَا = بوَطْءِ رِجْلٍ عنهم ما اشْتُهِرَا
والأرضُ حَثْوَاءُ كثيرةُ الترابِ = ليسَ بثابتٍ عن العَرَبِ العُرَابِ
وامرأةٌ أَسْفَلُ بَطْنِها رَخِي = خَثْوَاءُ والرَّجُلُ أَخْثَى لا تَخِي
والعُضْبُلُ الصُّلْبُ ولمْ يَثْبُتْ دُرِي = وانظُرْ لِمَا مِنْ ذا بَقَى في الْمُزْهِرِ
لاكِنَّهُ قدْ قيلَ لَوْلا حُسْنُ ظَنِّ = بأهلِ علْمٍ ما دُرِي عِلْمٌ كَمَنِّ
النوعُ الثالثُ: معرفةُ المتواترِ والآحادِ
والنقْلُ يَنقسمُ قِسْمَيْنِ يُرَى = تَوَاترٌ قِسْمٍ وآحادٍ جَرَى
أمَّا التَّوَاتُرُ فما نُقِلَ عنْ = جماعةٍ لا منهمُ الكذِبُ يَعِنْ
فلُغَةُ القرآنِ منهُ وكذا = تواتُرُ السُّنَّةِ منهُ أُخِذَا
كذا كلامُ عَرَبٍ وذا دَلِيلْ = عندَ ذَوِي النَّحْوِ لهُ القطْعُ سَبِيلْ
وحَاصِلٌ بالخمْسِ سَمْعٌ وبَصَرْ = شَمٌّ وذَوقٌ ثمَّ لَمْسٌ قدْ يَقِرْ
وعندَ أَكْثَرٍ مُفيدٌ الضرورِي = وقيلَ بلْ مُفادُهُ بالنظَرِ
أمَّا الآحادُ فَهْوَ ما تَفَرَّدَا = بِنَقْلِهِ بَعْضٌ وما فيهِ بَدَا
شرْطُ التواتُرِ وفيهِ اختَلَفُوا = للظَّنِّ أوْ عِلْمٌ يُفيدُ اعْتَرَفُوا
وقيلَ ما بهِ القرائنُ اتَّصَلْ = أفادَ عِلْماً وسِواهُ الظنُّ دَلّ
وَهْوَ دليلٌ وبهِ قدْ أُخِذَا = في لُغَةٍ وغيرِها ما نُبِذَا
النوعُ الرابعُ: مَعرفةُ الْمُرْسَلِ والْمُنْقَطِعِ
ومُرْسَلٌ ما التابعِيُّ رَفَعَا = مِن الحديثِ هكذا قدْ سَمِعَا
وما مِن الرُّوَاتِ مِنْ قِبَلِ الصِّحَابْ = سَقَطَ ذا مُنقطِعٌ بلا ارْتِيَابْ
ومُرْسَلُ اللغةِ ما قدْ يَنقطِعُ = سَندُهُ فَهْوَ بذاكَ المُنْقَطِعُ
وليسَ مَقبولاً لَدَى ذي اللُّغَةِ = وفي الحديثِ الخُلْفَ فيهِ ثَبِّتِ
كانَ يَقُولُ ابنُ دُريدٍ أَصْمَعِي = قالَ لِذَا وما لَقِيَهُ اسْمَعِي
النوعُ الخامسُ: معرفةُ الإفرادِ
الافْرَادُ ما انْفرَدَ واحدٌ بهِ = وما رواهُ غيرُهُ فانْتَبِهِ
وحُكمُهُ القَبولُ إِنْ كانَ الذي = رواهُ ذا ضَبْطٍ وإِتْقَانٍ خُذِ
مِثْلُ أَبِي زيدٍ وكالخليلِ = وأَصْمَعِي مِنْ كلِّ ذي نَبِيلِ
وشرْطُهُ أَنْ لا يُخَالِفَ الكثيرْ = لأَنَّ مَنْ خالَفَــهُ لا يَسْتَنِــيرْ
النوعُ السادسُ: مَنْ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ ومَنْ تُرَدُّ
تُوخَذُ اللُّغَةُ قُلْ سَمَاعَا = مِن الثقاتِ أَهْلِ صِدْقٍ شَاعَا
أهلِ أَمَانَةٍ وتَتَّقِي الظُّنُونْ = خَوْفاً مِنَ التَّعْنِيتِ أوْ لُبْسِ الفُنُونْ
يكونُ عَدلاً رَجُلاً أَوِ امْرَأَهْ = حُرًّا وعَبْداً كالحديثِ فَاذْكُرَهْ
إذْ كانَ تفسيرٌ لهُ بما عُرِفْ = فَاشْتَرَطُوا فيها كما فيهِ وُصِفْ
مِنْ عَدَمِ الفِسْقِ في كُلِّ النَّقَلَهْ = أوْ وَاحدٍ لوَ انَّهَا مُساهِلَهْ
لذاكَ لا تُقاسُ بالشهادَهْ = بل أَخَذُوها سَهلةً كالعادَهْ
قدْ قَالَتِ امرأةٌ اخْزِي امْشِي = معناهُ استحْيِي لِمَا قدْ يُغْشِي
وقَالَتِ الأُخْرَى لبِنتٍ هَمِّمِي = أيْ حَرِّكِي أَصَابِعاً لِتَعْلَمِي
وكُلُّ هذا أَخَذُوا منهُ اللُّغَهْ = فانْظُرْهُ في كُتْبِهم ولْتَحْفَظَهْ
واعْتَمَدُوا فيها على أَشْعَارِ = عرَبِ إسلامٍ أو الكُفَّارِ
وقَبِلُوا نَقْلاً لأهْلِ الأهواءِ = وذي الجُنُونِ منهم على السَّوَاءِ
سِوَى الذي قدْ عُرِفُوا بالكَذِبِ = والخُلْفُ في الجهْلِ لِنَاقِلٍ حُبِي
واختلَفوا في قولِهم قالَ الثقَهْ = هلْ قَبِلُوهُ أوْ تُرَدُّ النَّقَلَهْ
يُسَمَّى بتعديلٍ على الإبهامْ = قَبُولُهُ شُهِرَ في الأَعْلامْ
أخْبَرَنِي فلانٌ معْ فُلانِ = قدْ قَبِلُوهُ وَهُمَا عَدْلانِ
فإنْ تَكُنْ قدْ جُهِلَتْ عَدَالَهْ = مِنْ أَحَدٍ لمْ يَقْبَلُوا المَقَالَهْ
وإنْ سَأَلْتَ عَرَبيًّا فَأَجَابْ بالفعْلِ = لا بالقولِ يَكْفِي بالصوابْ
كَسَائِلٍ ذا رُمَّةٍ عنْ نَصْتَاضْ = فحَرَّكَ اللسانَ مَبْدَى الاغْرَاضْ
وكالَّذِي فَعَلَهُ عُثْمَانْ = مِنْ صِفَةِ الوضوءِ تُسْتَبَانْ
النوعُ السابعُ: مَعرفةُ طُرُقِ الأخْذِ والتَّحَمُّلِ
طُرُقُ أَخْذٍ وتَحَمُّلٍ تُرَى = بستَّةِ الوجوهِ عندَهم جَرَى
أحدُها السَّمَاعُ كالصَّبِي مِنْ = نحوِ أَبِيهِ آخِذٌ لها زَكِنْ
ويُوخَذُ السماعُ عنْ رُوَاتِ = بِصِيَغٍ لهُ عن الثقاتِ
وقيلَ أَعْلاهَا يُقالُ أَمْلَى = عَلَيَّ أو أَمْلِ أيضاً مَثَلا
وَقَدْ يَلِي ذلكَ قدْ سَمِعْتْ = حَدَّثَنِي تَلِي لِذَا انتَفَعْتْ
ثمَّ يَلِي حَدَّثَنِي أَخْبَرَني = وقالَ لي تَلِي لِذِي بَصَّرَنِي
قالَ فُلانٌ ليسَ مَعَهَا لي تَلِي = وعنْ فُلانٍ تَابِعٍ ذِي يا وَلِي
ومِثْلُ عنْ أنَّ فُلاناً قَالا = والشِّعْرُ قدْ أَنْشَدَنَا الْمَقالا
ثانٍ قِرَاءَةٌ على الشيخِ يَقولْ = على فُلانٍ قدْ قَرَأْتُ في النُّقُولْ
ثَالِثُها سَمَاعُهُم على الشُّيُوخْ = أيْ بِقِرَاءَةٍ لغيرِهِ رُسُوخْ
قُرِئَ قُلْ على فُلانٍ وأنا = أَسْمَعُ أنْ تُرْوَ بذا اللَّفْظِ هنا
رَابِعُها إجازةٌ وذاكَ في = روايَةِ الكُتْبِ وأشعارٍ تَفِي
جَوَازُها هوَ الصحيحُ إذْ كَتَبْ = كَتَبَهُ لحاضرٍ ومَنْ عَزَبْ
خامسُها قدْ عُدَّ بالمُكَاتَبَهْ = سادسُها وِجادةٌ يا طالِبَهْ
وَهْيَ أنْ تَجِدَ في كِتَابِ = شَيْئاً مُحَقَّقاً على الصَّوَابِ
تقولُ قدْ وَجَدْتُ هذا في كِتَابْ = أوْ منهُ قدْ نَقَلْتُ لا بهِ ارْتِيَابْ
النوعُ الثامنُ: معرِفةُ المصنوعِ
ورُبَّمَا قدْ أَدْخَلُوا لِلنَّاسِ ما = ليسَ بهِ العَرَبُ قدْ تَكَلَّمَا
إرادةً لِلَّبْسِ والتَّعْنِيتْ = وذاكَ في الشِّعْرِ بلا تَفْتِيتْ
فَمِنْهُ مُفْتَعَلٌ أيْ مَصْنُوعْ = وَهْوَ كثيرٌ انَّهُ مَوْضُوعْ
لا حُجَّةَ فيهِ ولا غَرِيبْ = قدْ يُستفادُ منهُ لا نَسِيبْ
وليسَ فيهِ مَثَلٌ قدْ نَضرِبُ = لا مَدْحَ لا هِجاءَ ليسَ يُعْجِبُ
قَوْمٌ تَداوَلُوهُ مِنْ كتابْ = إلى كتابٍ ليسَ مِنْ صَوَابْ
لمْ يَأْخُذُوهُ قُلْ عنِ البادِيَهْ = ولا ذَوِي عُلُومِنا السامِيَهْ
أنْ قالَ ذُو العلْمِ الصحيحِ ذا بَطَلْ = منهُ فإبطالٌ لهُ يُرَى حَصَلْ
لأجْلِ ذا في بَعْضِ شِعْرٍ اخْتُلِفْ = كسائرِ الأشياءِ بالخُلْفِ وُصِفْ
أمَّا الذي منهُ عليهِ مُتَّفَقْ = ليسَ الخروجُ عنهُ جائزاً وُثِقْ
لهُ صِنَاعَةٌ كسائرِ العلومِ = يَعْرِفُها الحاذقُ فيهِ بالفهومِ
فَمِنْهُ ما تَثْقَفُهُ العينُ وما = تَثقفُهُ الأُذْنُ كما قدْ رُسِمَا
ومنهُ ما تَثْقَفُهُ اليدُ وما = يَثْقَفُهُ اللسانُ فاعلَمْ وافْهَمَا
وذا كِنايَةٌ عن استحسانِ = عينٍ وأُذْنٍ ويدٍ لِسَانِ
لذاكَ يُعرضُ على أَرْبَابِهِ = ليُثبتونَهُ على أصحابِهِ
لقولِهم إذا أَخَذْتَ دِرْهَمَا = وكُنْتَ مُعجَباً بهِ مُغْتَنِمَا
إنْ قالَ: فيهِ لكَ صِرَافٌ فذا = رُدَّ فلا يَنْفَعُ حُسْنُهُ خُذَا
وعُرْبٌ وَلَدُ إسماعيلَ = إلاَّ بقايا جُرْهُمٍ قدْ قِيلَ
كذا أَقَاصِي يَمَنٍ وحِمْيَرُ = فإنَّهُم لا منهمُ قدْ ذُكِرُوا
وقدْ مَضَتْ عادٌ وثمودُ وكثيرُ = مِنْ عَرَبٍ غيرِهم بَقَى اليسيرُ
وصارَ ناسٌ يُدْخِلُونَ في كلامْ = قومٍ كلامَ آخرينَ لا يُسَامْ
يَرْوُونَ ذا لِذَا وذا لِذَا ولا = هوَ لهُ فَخُذْ لقولِ النُّبَلا
ودَعْ سِواهُ يا أَخِي هَمْلا = لأنَّهُ أَهْمَلَهُ ذُو العَقْلا
النوعُ التاسعُ: مَعرفةُ الفَصِيحِ
معرفةُ الفصيحِ فيهِ فَصلانْ = أُولاهُما أَخَصُّ قلْ يا إنسانْ
وَهْوَ في مَعرفةِ الفصيحْ = مِنْ مُفْرَدِ الألفاظِ بالصحيحْ
فصارَ بالنسبةِ لِلَّفْظِ وثانْ = بنِسْبَةٍ لِمُتَكَلِّمٍ أَبَانْ
والفَصْحُ قُلْ خُلوصُ شيءٍ مِمَّا = يَشوبُهُ كَلَبَنٍ أَلَمَّا
مِنْ ضَرْعِهِ منهُ اسْتُعِيرَ للفصيحْ = فصاحةً كما رَوَوْهُ عنْ نَصِيحْ
وأَفْصَحَ الرَّجُلُ قدْ تَكَلَّمَا = بِعَرَبِيَّةٍ كما قدْ رُسِمَا
وفَصُحَ الرَّجُلُ جَادَتْ لُغَتُهْ = وقيلَ بالعكسِ كما قدْ يُثْبِتُهْ
فصاحةٌ مَدَارُها في الكلِمَهْ = بكثرةِ استعمالِها فلْتَعْلَمْهْ
وجَعَلوا لذاكَ ضابطاً بِهِ = يَعْرِفُهُ طَالِبُهُ فانْتَبِهِ
وَهْوَ في المفرَدِ أنْ يَخْلُصَ مِنْ = تَنافُرِ الحروفِ عندَ مَنْ زَكِنْ
ومِنْ غَرابةٍ ومِنْ مُخالَفَهْ = لذي قياسِ اللُّغَوِيِّ فاعْرِفَهْ
تَنَافُرٌ منهُ الثقيلُ جِدَّا = كهَعْخَعٍ في قولِهم قدْ حُدَّا
ومنهُ ما مِنْ دُونِهِ كقولِهم = مُسْتَشْزِرَاتٌ فَادْرِيَنْ لِحَدِّهِمْ
ثمَّ الغرابةُ تكونُ الكَلِمَهْ = وحشيَّةً لمْ تَعْرِفْها الفَهِمَهْ
مثلُ تَكَأْكَأْتُمْ ومِثلُ افْرَنْقَعوا = يَعني اجتَمَعْتُمْ وتَنَحُّوا فاسْمَعُوا
مُخَالِفُ القياسِ جا بِمِثْلِ = الحمدُ للَّهِ العليِّ الأَجْلَلِ
وَهْوَ يُرَى بعدَمِ الإدغامِ = وعدَمِ الإِعْلالِ قُلْ (يَا سَامِي)
ثمَّ الغرابةُ بنِسبةٍ إلى = ذِي العَرَبا مِنْ عَرَبٍ لا مُسَجَّلا
لِذَا لسانُ عَرَبٍ والقاموسُ = لا فِيهِما غرابةٌ للناموسِ
إذْ هيَ قُلْ بقِلَّةِ استعمالِ = واستعمَلُوهما بكلِّ حالِ
وقدْ يُرَى ابْتِذَالُ كِلْمَةٍ يُزِيلْ = فَصَاحَةً كَالطُّوبِ ولِمِثْلِ تُنِيلْ
وليسَ في الحُرُوفِ مِنْ تنافُرِ = بلْ كُلُّها فصيحةٌ للناظرِ
ومُفْرَدُ القرآنِ كُلُّهُ فصيحُ = مثلُ تراكيبٍ لهُ أَيَا نَصِيحُ
وليسَ كلُّ مَا لَهُ ذُو الفُصَحَا = قدْ تَركوا ليسَ فصيحاً فانْصَحَا
بلْ إنَّهُم قدْ يَتْرُكُونَ لِفَصيحِ = لآخَرٍ استَغْنَوْا بهِ وذا صَحِيحُ
الفصلُ الثاني: في مَعرفةِ الفصيحِ مِن العربِ
وأَفْصَحُ الخلْقِ على الإطلاقِ = سيِّدُنا مُحَمَّدٌ يا رَاقِي
لأنَّهُ قالَ أَنَا أَفصَحُ مَنْ = نَطَقَ بالضَّادِ كَفَى بذا عَلَنْ
وقالَ أُوتيتُ جوامِعَ الكَلِمْ = وقالَ ما مِنْ قَبلَهُ ما قِيلَ ثَمّ
كقولِهِ قدْ ماتَ حَتْفَ أَنْفِهِ = وحَمِيَ الوَطِيسُ قُلْ لا تَنْفِهِ
ثمَّ قريشٌ قيلَ أفْصَحُ العَرَبْ = قدْ قالَ ذلكَ جميعُ مَنْ عَرَبْ
أَفْصَحُهم أَلْسِنَةً أصْفَاهُم = قلْ لُغَةً ورَبُّنا اخْتَارَهُم
واختارَ منهمُ النبِيَّ مُحَمَّدَا = صلَّى وسَلَّمَ عليهِ أَبَدَا
جَعَلَهم قُلْ قَاطِنِينَ في الْحَرَمْ = وُلاةَ بَيْتِهِ فذلكَ الكم
كانتْ وُفُودُ عَرَبٍ تَأْتِيهِمْ = ويَتحاكمونَ قُلْ إليهمْ
ويَتخَيَّرُونَ مِنْ كلامِهمْ = أحْسَنَ نَثْرِهم ومِنْ أشعارِهِمْ
فَرْعٌ
ورُتَبُ الفصيحِ قدْ تَفاوَتَتْ = فيها فَصيحٌ ثمَّ أَفْصَحٌ ثَبَتْ
مثلُ صحيحٍ وأصَحَّ في الحديثْ = فاحْفَظِ العلْمَ لا تَرَى مِن النَّكِيثْ
فالبُرُّ أفْصَحُ مِنَ القمحِ ومِنْ = قولِهم الْحِنْطَةُ والمعنى زُكِنْ
ثُمَّ اللَّغُوبُ قالُوا جاءَ أَفْصَحَا = مِنْ لَغَبٍ وذا لَدَيْهِمْ صُحِّحَا
ولازِبٌ أفصَحُ قُلْ مِنْ لازِمِ = وذا مثالٌ ثابتٌ للعالِمِ
النوعُ العاشرُ: معرفةُ الضعيفِ والمُنْكَرِ والمتروكِ مِن اللُّغَاتِ
ما انْحَطَّ عنْ دَرَجةِ الفَصيحْ = هوَ الضعيفُ خُذْهُ يا نَصِيحْ
ومُنْكَرٌ أضعفُ منهُ وأَقَلْ = بحيثُ قدْ أَنكرَهُ البعضُ فَقُلْ
وما سِوَاهُ استَعمَلُوهُ وتُرِكْ = ذاكَ هوَ المتروكُ عندَهم سُلِكْ
وكلُّ ذلكَ كثيرٌ في كُتُبْ = لُغَتِهم فانْظُرْهُ فيها لِتُصِبْ
مثلُ الضعيفِ قَوْلُهم مِن الكلامْ = أَنْبِذْ في نَبَذَ أيْ أَلْقِي الْمَرَامْ
ومفكن مثالُهُ جَرَعْتُ = بالفتحِ والمعروفُ قُلْ جَرِعْتُ
ودُمْتَ قدْ أَدَامَ مَتْرَوكٌ وقُلْ = دُمْتُ أَدُومُ اسْتَعمَلُوهُ فقُبِلْ
وغيرُ ذلكَ مِن الأمثِلَهْ = خُذْهُ مِن الْمُزْهِرِ للنَّقَلَهْ
تنبيهٌ
والفرْقُ قيلَ بينَ هذا النوعِ مَعْ = ثانٍ مِن الأنواعِ صارَ يَلتمِعْ
بانَ ذاكَ ضَعْفُهُ بالنقْلِ = وعدَمِ الثبوتِ عندَ الكُلِّ
وضَعُفَ ذا مِنْ جِهةِ الفصاحَهْ = معَ ثبوتِ النقلِ في ذي الساحَهْ
فذاكَ راجعٌ إلى الإسنادِ = وذا إلى اللفظِ وفَرْقٌ بَادِي
النوعُ الحاديَ عشرَ: معرفةُ الرَّدِي والمذمومِ مِن اللغاتِ
معرفةُ الردِي والمذمومْ = مِن اللغاتِ جاءَ في المَحْتُومْ
وَهْوَ أَقبَحُ اللغاتِ ويُرَى = أَنْزَلَها دَرَجَةً كما جَرَى
وكانتِ العَرَبُ كلَّ عامْ = تَحْضُرُ مَوْسِماً لَدَى الحَرَامْ
ثمَّ قريشٌ يَسمعونَ اللغاتْ = ما استَحْسَنوا لهم يكونُ كَلِمَاتْ
صَارُوا لذاكَ فُصحاءَ العَرَبِ = قدْ سَلِمُوا في اللفظِ مِنْ قُبْحٍ أَبِي
مِنْ ذاكَ كَشْكَشَةُ قومٍ مِنْ مُضَرْ = ومِنْ ربيعةَ كما جاءَ الخَبَرْ
في جَعْلِهم مِنْ بعدِ كافٍ لِخِطَابْ = مُؤَنَّثٍ شِيناً مِثَالُهُ اقْتِرَابْ
رَأَيْتُكِشْ ومثلُ ذلكَ بِكِشْ = ورُبَّمَا قالُوا عَلَيْشِ ثمَّ مِنْشْ
حَذْفاً لكافٍ ثمَّ كَسْراً وُصِلا = والوقفُ بالسكونِ عنهمْ نُقِلا
وعندَهم كَسْكَسَةٌ بِجَعْلِ سِينِ = مُهْمَلَةً في ذاكَ قُلْ مَحَلَّ شِينِ
ومنهُ قُلْ عَنْعَنَةً بِجعْلِ عَيْنْ = مكانَ هَمْزَةٍ ببَدْءٍ يا فَطِينْ
كقولِهم عَنَّكَ في أَنَّكَ مَعْ = عَسْلَمَ في أَسْلَمَ هكذا جُمِعْ
ومنهُ قُلْ فَحْفَحَةً بِجَعْلِ حَاءْ = عيناً لَدَى هُذَيْلِهِمْ كما تَشَاءْ
ومنهُ وكِمْ كَسْرُ كافٍ بَعْدَ يا = وبعدَ كسرةٍ كما قدْ رُوِيَا
كقولِهم عيكِم وبِكِمْ = والوَهْمُ نحوُ مِنْهِمْ وعَنْهِمْ
وَهْوَ كسْرُ الهاءِ لوْ لمْ يَكُنِ = مِنْ قَبلِهِ ياءٌ ولا كَسْرٌ عَنِي
ومنهُ قُلْ عَجْهَجَةً فيَجْعَلُونْ = مَحَلَّ يا مُشَدَّداً جِيماً يَكُونْ
كَأَنْ يقول في تَمِيميٍّ أَنَا = قلتُ تَمِيمِجٍ كما قدْ زُكِنَا
ومنهُ الاسْتِنْطَا بِجَعْلِ العينْ = ساكنةً نُوناً بغيرِ مَيْنْ
بشَرْطِ أنْ تُجَاوِرَ الطاءَ كما = في قولِهم أنْطَى في أَعْطَى رُسِمَا
والوَتْمُ مِنْ هذا بِجَعْلِ السينِ تَا = كَالنَّاتِ في النَّاسِ وهذا ثَبَتَا
ومنهُ قلْ شَنْشَنَةً بِجَعْلِ كافْ = شِيناً في كلِّ كَلِمَةٍ فلا تَخَافْ
كقولِهم لَبَّيْشَ في لَبَّيْكَ = فقلْ لِذَا كُلاًّ وما عَلَيْكَ
ومنهمْ جَعْلَ كافٍ جِيمَا = كَجَعْبَةٍ في كَعْبَةٍ سَلِيمَا
والحرفُ بينَ القافِ والكافِ وبَيْنْ = جيمٍ وكافٍ قلْ مُقَمْقَمٌ يَبِينْ
وفي الإضافةِ وفي النَّسَبِ يا = يُبْدَلُ جيماً عندَ قومٍ عُيِّنَا
نحوَ غُلامَجْ كذا بَصْرَجِي = ونحوُ قولِهم أَخِي كُوفَجِي
والخَزْمُ وَهْوَ أنْ يَزِيدُوا في الكلامْ = حَرْفاً بلا نحوِ العروضِ للأَنَامْ
مثلُ ولا للمَابُهِمْ وذا قَبيحْ = يَزيدُ في الكلامِ قُبْحاً يا فَصيحْ
ومنهُ قدْ يُقَالُ لَخْلِخَانِيَهْ = ومنهُ قدْ يقالُ طَمْطَمَانِيَهْ
أوَّلُهم نحوُ ما شا اللَّهُ إذا = أَرَدْتَ ما شاءَ الالاهُ فَخُذَا
ثانٍ كقَوْلِهم لقدْ طابَ امْهَوَاءُ = عَنَوْا بذلكَ لقدْ طابَ الهواءُ
وَبَقِيَتْ أشياءُ مِنْ هذا القَبيلْ = في الأصلِ خُذْ بغيرِ نُكْرٍ يا نَبيلْ
وذَمُّ ذا ليسَ لَدَى القائلِ بهِ = لذلكَ الحكْمُ تَفَطَّنْ وانْتَبِهِ
النوعُ الثانيَ عشرَ: معرفةُ الْمُطَّرِدِ والشاذِّ
أصلُ التَّتَابُعِ يُرَى في اطَّرَدَا = والأصلُ في شذَّ تَفَرُّقٌ بَدَا
لذاكَ ما استمَرَّ قَالُوا الْمُطَّرِدْ = لِمَا لهُ مِن التتابُعِ وُجِدْ
وما يُفارِقُ لِمَا عليهِ بابْ = شَذَّ لهُ اسمُ فاعلٍ مِنْ ذِي أَصَابْ
والاطِّرَادُ والشذوذُ أَرْبَعَهْ = مِن أَضْرُبٍ فخُذْ لها تَنْتَفِعَهْ
مُطَّرِدُ القياسِ واستعمالِ = وذا هوَ الغايَةُ كُلَّ حالِ
كقامَ زيدٌ وضَرَبْتُ عَمْرَا = وقدْ مَرَرْتُ بسعيدٍ جَهْرَا
وقدْ يَجِي مُطَّرِدُ القياسْ = وشَذَّ في استعمالِهم للناسْ
وذاكَ نحوُ الماضي مِنْ يَذَرْ = مَعْ كَمَيْقِلٍ وباقلٍ وكوَدَعْ
وثالثٌ مُطَّرِدٌ استعمالُهم = وشَذَّ في القياسِ مِنْ ناقِلِهمْ
كَأَنْ يُقالَ ذلكَ استَصْوَبْتُ = ولا يقالُ ذلكَ اسْتَصَبْتُ
ورابعٌ شَذَّ لَدَى القِياسِ عِ = وشَذَّ في استعمالهِم لا تَتَّبِعِ
وذا كَتَتْمِيمٍ لمَفْعُولٍ تَرَى = مِن الذي قَلَّ عينُهُ واواً جَرَى
أوْ كانَ ياءَ فَرَسٍ مَقْوُودْ = مثالُهُ وَرَجُلٌ مَعْوُودْ
فلا عَلَى ذا مِنْ قِيَاسٍ اوْ عَمَلْ = ولا تَقِسْ عليهِ فالقَيْسُ انْخَزَلْ
وحيثُ يَطَّرِدُ شيءٌ في العمَلْ = وشَذَّ في القياسِ فالسماعُ دَلّ
مثالُهُ اسْتَحْوَذَ ثمَّ استَصْوَبَ = عليهما اسْتَقْوَمَ لا تَقِسْ أَبَى
وحيثُ شَذَّ في السماعِ واطَّرَدْ = في القَيْسِ فلتَرُدَّ لِمَا منهُ وَرَدْ
ولْتَتْرُكَنَّ ما تُرِكَ نحوُ وَذَرْ = كذاكَ قُلْ ودَعْ والقيْسُ وَفَرْ
وانظُرْ لِذِي أَمثلةٍ في الأَصْلِ = وَلْتَخْتَصِرْ في النظْمِ كُلَّ النَّقْلِ
النوعُ الثالثَ عشرَ: معرفةُ الحُوشِيِّ والغرائبِ والشواردِ والنوادرِ
وهذهِ الألفاظُ قدْ تَقارَبَتْ = وكلُّها عكْسُ الفصيحِ قدْ ثَبَتْ
وقيلَ في تعريفِها حُوشِيّ = كلامُهم غَرِيبُهُ الوَحْشِيّ
وقيلَ حُوشِيُّ الكلامِ ما نَفَرْ = عنْ سَمْعِهم وما بهِ قد اسْتَقَرّ
كأنَّهُ نَسَبٌ للجَوْشِيِّ بِلادْ = بها الجُنُونُ ما بها إِنْسٌ يُرادْ
وقيلَ إِيَّاكَ ووَحْشِيَّ الكلامْ = طَمَعَ البلاغةِ فذلكَ الْمُلامْ
جَمْعُ الغريبةِ هوَ الغَرائبْ = وَهْيَ بمعنى الجَوْشِ لا تُكاذِبْ
وجمْعُ شَارِدَةٍ الشوارِدُ = وأصلُ تَشريدٍ لتفريقٍ رَدُّوا
وذاكَ مِنْ أصلِ الشذوذِ ظاهِرْ = وجمعُ نادرةٍ النَّوَادِرْ
ونَدَرَ الشيءُ إذا هوَ سَقَطْ = وشَذَّ مِنْ ذاكَ النوادرُ فَقَطْ
والأَقْدَمُونَ كُتُباً قدْ أَلَّفُوا = مِن النوادرِ كما قدْ وَصَفُوا
مثلُ أبي زَيْدٍ وكالشَّيْبَانِي = وفي الشواردِ أَتَى الصَّنْعَانِي
واستعمَلُوا نَادِرَةً بمعنى = شواردٍ وذا لَدَيْهِم يُعْنَى
فائدةٌ
وهذهِ الألفاظُ قدْ تُستَعْمَلُ = لها معانٍ عندَهم قدْ نَقَلُوا
أَعْنِي بذاكَ غالباً كذا كثيرْ = ونادرٌ ثمَّ قليلٌ يا خَبيرْ
وضِفْ لذا مُطَّرِداً فالْمُطَّرِدْ = هوَ الذي لا بِتَخَلُّفٍ عُهِدْ
وأكثرُ الأشياءِ هوَ الغالِبُ = لاكِنَّهُ قدْ يَتَخلَّفُ اطْلُبُوا
ثمَّ الكَثيرُ دونَهُ ثمَّ القليلْ = دونَ الكثيرِ نادرٌ أقلَّ قِيلْ
فائدةٌ أيضاً
مَراتبُ الكلامِ في الوضوحِ مَعْ = أشكالِهِ مُختلِفٌ إذ يَجتمعْ
فواضِحُ الكلامِ ما قدْ يَفهمُهْ = جميعُ سامعٍ لهُ ويَعلمُهْ
حيث يُرَى عُرْفُ ظاهرٍ كلامْ = لعَرَبٍ ذا حِدَةٍ بلا مُلامْ
ومُشكِلٌ يَاتِي لهُ الإِشْكَالْ = مِنْ أَوْجُهٍ أَتَتْ بها الأقوالْ
منها غَرابةٌ لِلَفْظَةٍ كَقَوْلْ = قائلِهم مَلَخَ في الباطلِ نولْ
يَعْنِي تَلَهَّى ولذاكَ أُلِّفَا = غَريبُ قُرْآنٍ رَجَا أنْ يُعْرَفَا
ذكْرُ أمثلةٍ مِن النَّوَادِرِ
وهذهِ أمثلةٌ قليلَهْ = مِن النوادرِ أَتَتْ سَهِيلَهْ
فَالْبُرْتُ لِدَلِيلٍ والحَرْشُ الأثَرْ = ثمَّ الوَثِيجُ للكثيفِ قدْ غَبَرْ
ثمَّ التَّلَهْوُقُ هوَ التَّمَلُّقْ = صُمَادِحٌ قُلْ خَالِصٌ مُحَقَّقْ
وقلْ شَصَاصَاءُ الأُمُورِ عَجِلَهْ = ثَمَّتْ حداءُ الأمورِ مِثْلَهْ
وقيلَ بالنَّاصِبَاتِ تعني النَّاصِيَهْ = في لُغَةٍ لِطَيٍّ يا دُرِّيَهْ
ومِنْ نوادرٍ لفِعْلٍ ذُكِرَا = مُتِّعْتَ بالشيءِ ذَهَبْتَ قدْ جَرَى
تَشَاوَلَ القومُ تَناوَلَ قَلْي = بعْضِهم بعضاً لَدَى التَّقَاتُلِ
ويَسْتَمِي الوحشُ يُرَى يَطْلُبُها = هلهت أيْ كِدْتُ أُرَى أُدْرِكُهَا
آضَ يَئِيضُ صارَ قُلْ أَزْلَجْتُ = ذا البابَ إِزْلاجاً إذا أَغْلَقْتُ
وتوٌّ قُلْ تَوًّا إذا جَا قاصِدَا = للشيءِ لا يَرُدُّهُ شيءٌ بَدَا
وَاسْتَادَ قومُهم بَنِي فلانِ = قدْ قَتَلُوا سَيِّدَهم يا فَانِي
وقدْ كَمَى شَهَادةً يَكْمِيهَا = كتَمَها كتْماً كما يُخْفِيهَا
وَيَقِنَ الأمرُ يُقَالُ يَقْنَا = منَ اليقينِ مثلُ مَنْ تَيَقَّنَا
ولا يُرَى استقصاءُ فِعْلٍ أوِسْمَا = مِن النوادرِ لِذَا ذَا تَمِّمَا
النوعُ الرابعَ عشرَ: معرفةُ المستعمَلِ والمُهْمَلِ
مستعمَلُ اللغاتِ قَلَّ ما تَرَكُوهْ = ومُهْمَلٌ منها الذي ما سَلَكُوهُ
ومهمَلٌ جاءَ على ضَرْبَيْنِ = ضرْبٌ فلا يَجوزُ كلَّ حينِ
كأنْ تُوَلِّفَ لِجِيمٍ معَ كافْ = أوْ قَدِّمِ الكافَ على جيمٍ وَصَافْ
والعينُ معَ غَيْنٍ وحاءُ معَ هاءْ = أوْ غَيْنُهم جميعُ هذا قدْ يُنَاءْ
والضرْبُ الآخَرُ يجوزُ والعرَبْ = عليهِ لم تَقُلْ لذاكَ لمْ يُصِبْ
كَقَوْلِهم عَضَخَ عَكْسَ خَضَعَا = أهمَلَ ذاكَ عكسُ هذا سُمِعَا
ومُهْمَلٌ في لُغَةٍ ما ذُكِرَا = لاكِنَّ لهُ أَبْنِيَةٌ قدْ تُذْكَرَا
وبَعْضُهُ تُرِكَ لاسْتِثْقَالِ = وأَلْحَقُوا بهِ سِوَاهُ تَالِ
نحوُ سص صص طت وضش = وشض للاسْتِثْقَالِ عنهُ يَنتفِشْ
ودُونَكَ الأصولُ حيثُ ثَبَّتُوا = ثلاثةٌ أربعةٌ وخَمْسةُ
ومُنْتَهَى اسمِ خَمْسٍ أنْ تَجَرَّدَا = وأنْ يُزَدْ فيهِ فما سَبْعاً عَدَا
والفعلُ أربعٌ إذا ما جُرِّدَا = وإنْ يَزِدْ فيهِ فما سِتًّا عَدَا
وحَيْثُ منها أَعْمَلُوا إِعْمَالاً = لا بُدَّ منها أَهْمَلُوا إِهْمَالا
مثالُ ذاكَ رَجُلٌ لَدَيْهِ مالُ = يَأَخُذُ جَيِّداً وعنْ سِوَاهُ مَالُ
النوعُ الخامسَ عشرَ: مَعْرِفَةُ المَفَارِيدِ
والمُفْرَدُ المسموعُ هلْ يُقْبَلُ = قُلْ نَعَمْ ويُحْتَجُّ بهِ أوْ لا تَقُلْ
وقُلْ لهُ عِنْدَهم أحوالْ = أَحَدُها جَاءَتْ بهِ الأَقْوَالْ
بأنَّهُ يَكُونُ فَرْداً لا نَظيرْ = لهُ مِنَ الألفاظِ في السَّمَعِ الشَّهِيرْ
معَ طِباقِهم على النُّطْقِ بهِ = فهذا يُقبَلُ ويُحْتَجُّ بهِ
وقُلْ عليهِ قدْ يُقاسُ كَشَنَوْءْ = قِيسَ شَنَاءِي عليهِ لا تَنُوءْ
ثانٍ يكونُ فَرْداً أيْ تَكَلَّمَا = بهِ مِن العَرَبِ واحدٌ سَمَا
وَخَالَفَ الجُمْهُورُ فَانْظُرْهُ إذَا = يُرَى فَصِيحاً في سِوَاهُ فَخُذَا
إذا يُرَى يَقْبَلُهُ القِياسْ = وَلْتُحْسِنِ الظَّنَّ بهِ الأُنَاسْ
لأنَّهُ يُمْكِنُ أنْ يكونَ ذاكْ = مِنْ لُغَةٍ قَدِيمَةٍ تُنْسَى هناكْ
وَنَسَخْتُ وُجِدَ في الطَّنُوحْ = وَهْيَ الكراريسُ لَدَى الشُّرُوحْ
فَيَنْبَغِي قَبُولُهُ ما دَامَا = مُعَضِّدٌ لهُ قياسٌ رَامَا
وثالثٌ يَنْفَرِدُ النَّاطِقُ بِهِ = عن الذي سِوَاهُ كُلاًّ فَانْتَبِهْ
ولا يُرَى لَهُ مُوَافِقٌ ولا = مُخَالِفٌ وَهُوَ فَصيحٌ قُبِلا
لأنَّهُ إِمَّا يكونُ سَمِعَهْ = أوْ بارْتِجَالِهِ لغَيْرِ اسْمَعَهْ
أمَّا إذا جاءَ بهِ مُتَّهَمُ = ليسَ فَصيحاً رَدُّهُ قدْ يُعْلَمُ
تنبيهٌ
والفرْقُ بينَ ذا وَنْوعٍ خامِسِ = نقولُهُ لكَ بقولِ الحارسِ
ذاكَ بِنَقْلِهِ عن العربِ انْفَرَدْ = وَذَا بهِ يَنْطِقُ مَنْ بهِ اتَّحَدْ
وهذهِ أمْثِلَةٌ مِنْ ذا النَّوْعِ = فَخُذْ لَهَا فقدْ أَتَتْ في المَسْمُوعِ
مِنْ ذَلِكَ الْحَيْطَةُ وَهْيَ الوَتَدْ = والحَبْلُ في كلامِهم تَسْتَفِدْ
والرحِمُ الرحمةُ والكَنْزُ السَّنَامْ = والشَّمْلُ الشَّمْلُ أتى في ذا الكلامْ
وجَمَعُوا الجِنَّةَ بالأَجِنَّهْ = وهوَ للجنِينِ مثلُ السُّنَّهْ
وقالُوا في قِصاصِهمْ قُصَاصَاءْ = وقالُوا في نَسِيمِهم نُسَيْمَاءْ
(1) هو مجد الدين الفيروزآبادي صاحب القاموس المحيط.