أهم معارك العربية قديمًا
المغول واللغة العربية وحضارتها
أذكر هنا - وفيما هو قادم - أهم معارك العربية قديمًا؛ مثل: (المغول، والصليبيين، والاستعمار الغربي المباشر).
المغول واللغة العربية وحضارتها:
من أشد الأخطار التي تعرض لها المسلمون والعرب غارة المغول والتتار على بلادهم في القرن السادس الهجري، ففي المحرم سنة 656هـ حاصر هولاكو (بغداد)، فدافع جيش الخليفة عنها، ولكنه لم يقوَ على الصمود لجيش المغول، فسقطت المدينة في أيديهم آخر الشهر، واستولى المغول على العراق، وأزالوا الدولة العباسية من الوجود، وقد أجمل ابن طباطبا ما نزل بأهل بغداد في قوله: "فجرى من القتل الذريع، والنهب العظيم، والتمثيل البليغ، ما يعظم سماعه جملةً، فما الظن بتفصيله؟!"[1]، وأصبحت بغداد التي كانت مَضْرِب الأمثال في سَعة العمران، وتقدم الحضارة - قفرًا موحشةً، وتراكمت جثث القتلى في شوارعها، فغيرت رائحتها، وحدث بسبب هذا التغير وباء شديد، راح ضحيته خلق كثير - وما أشبه الليلة بالبارحة! - ولقد كان المغول لا يفرقون بين أحد من الناس، هدفهم الاستيلاء على الأرض والمال، وبسط نفوذهم على أكبر رقعة من هذا العالم، ولا وزن عندهم لحضارة، ولا مدنية، ولا إنسان، وقد احتدم الصراع بين المسلمين والمغول، واستمرت الحروب سجالاً بينهما ما يقرب من مائتي سنة (617هـ-803هـ)، ولقد كان للغزو المغولي أثر كبير في الثقافة العربية، وهذا الأثر قسمان: سلبي، وإيجابي:
من الآثار السلبية للهجمة المغولية:
تتجلى هذه الآثار في غير وجه، وأذكر منها باختصار ما يأتي:
1- إتلاف الكتب ونهبها:
لقد اعتدى المغول على المكتبات وكتبها في المدن المحتلة، وكان من دأبهم أن يحرقوا المكتبات، وأن يجعلوا الكتب الثمينة طعامًا للنيران والمواقد، يقول السيوطي: "حكي عن الصاحب بن عباد أن بعض الملوك أرسل إليه يسأله القدوم عليه، فقال له في الجواب: أحتاج إلى ستين جملاً أنقل عليها كتب اللغة التي عندي، وقد ذهب جلُّ الكتب في الفتن الكائنة من التتار وغيرهم، بحيث إن الكتب الموجودة الآن في اللغة من تصانيف المتقدمين والمتأخرين لا تجيء حمل جمل واحد"[2]، ولقد شاع بين أوساط الخاصة والعامة أن المغول دمروا مكتبة بغداد، ورموا كتبها في نهر دجلة، يقول ابن تغري بردي: "وأُحرقت كتب العلم التي كانت بها - يعني ببغداد - من سائر العلوم والفنون، التي ما كانت في الدنيا، قيل: إنهم بنوا بها جسرًا من الطين والماء عوضًا عن الآجُرِّ"[3]، ولقد كان حرق الكتب وتدمير المكتبات وراء تخلف الأمة العربية والإسلامية، فقد ضاع حوالى ثمانية ملايين كتاب عربي بسبب الجهل والتعصب والغزو الأجنبي، وإن حرق الكتب وتدمير المكتبات يعد من بين أهم الكوارث التي واجهت الحضارة العربية والإسلامية منذ تاريخها الطويل وحتى يومنا هذا، وإنه السبب الرئيس لتخلفها عن النهضة العلمية وسر ضعفها، وجعلها نهبًا للمستعمر الأجنبي، فإن المتبحر في تتبع بناء الحضارات في العالم قديمًا وحديثًا، يجد أن تأسيس المكتبات، واحترام الكتب، والمحافظة عليها، وتبجيل العلماء والكتاب، هو سر بزوغ الحضارات في العالم، وسبب شهرتها.
2- تدمير المراكز العلمية ونهبها:
لقد اعتدى المغول وأحلافهم على المراكز العلمية في البلاد المحتلة، فأحرقوا بعضها، ودمروا أخرى، ونهبوا محتوياتها، وهذا ما فعلوه في بعض مدارس حلب وجوامعها سنة 679هـ، كما أحرقوا الكثير من المدارس ودور الحديث في دمشق سنة 699 هـ، ولم تأمن المساجد من أذى المغول، فاقتحموها، وعبثوا بمحتوياتها ونهبوها، وأحرقوا بعضها، وقد حملت المساجد منذ ظهور الإسلام أمانة هذا الدين، وتدريس علومه، وغيرها، فكانت مقصد طلاب العلم، ينهلون فيها العلوم من كبار العلماء، ولعبت المساجد دورًا مهمًّا في تنشيط الحركة العلمية، ونشر العلوم، في العصر المملوكي مثلاً، وهذا ما يؤكده مؤرخو هذا العصر، ومنهم المقريزي، إذ تحدث عن حال الجامع الأزهر آنذاك، فقال: "لم يزل في هذا الجامع منذ بُنِيَ عِدَّةٌ من الفقراء، يلازمون الإقامة فيه، وبلغت عدتهم في هذه الأيام سبعمائة وخمسين رجلاً؛ ما بين عجم، وزيالعة، ومن أهل ريف مصر، ومغاربة، ولكل طائفة رواق يُعرف بهم، فلا يزال الجامع عامرًا بتلاوة القرآن، ودراسته، وتلقينه، والاشتغال بأنواع العلوم، والفقه، والنحو، ومجالس الوعظ، وحِلَق الذكر، فيجد الإنسان إذا دخل هذا الجامع من الأنس بالله، والارتياح، وترويح النفس، ما لا يجده في غيره"[4].
3- خَسارة جُلِّ العلماء والأدباء:
لقد نكَّل المغول بعدد كبير من علماء الأمة الإسلامية وأدبائها إبَّان غزوهم واحتلالهم المدن الإسلامية في العصر المملوكي، فقد أُصيب كثيرون منهم بجراحات خطيرة، وهم يشاركون الجيش الإسلامي جهاد المغول، وأُسِرَ آخرون، فنُكِّل بهم، وأُذيقوا من العذاب ألوانًا، وأبلوا بلاءً حسنًا، وهناك طائفة كبيرة وعظيمة من العلماء والأدباء الذين قتلوا إبَّان الغزو المغولي للبلاد الإسلامية، ويتبين من تراجمهم أنهم كانوا ذوي مكانة مرموقة في مجتمعاتهم، وأن دورهم كان كبيرًا في رصد الحركة الفكرية والأدبية في عصرهم، فقد تنوعت علومهم ومعارفهم، واشتغلوا بالفقه، والحديث، والأصول، والتفسير، والنحو، واللغة، والنجوم، والفروض، والأدب، والشعر، والكتابة، والخطابة، وغير ذلك، وصنفوا كتبًا كثيرةً في تلك العلوم والفنون، ومن هنا ندرك الخسارة الكبيرة التي مُنِيَ بها المسلمون بموتهم، وتتضح لنا همجية المغول.
من الآثار الإيجابية للهجمة المغولية[5]:
لقد كان للغزو المغولي أثر إيجابي في الثقافة العربية الإسلامية، ويتمثل ذلك في كتب التاريخ الخاصة التي سردت أحداث هذا الغزو، أو تناولت بعض جوانبه، وأَثْرت المكتبة العربية بما قدمته من معلومات، ومنها كتاب "تفتت الأكباد في واقعة بغداد"، لنجم الدين أبي الخير الدِّهْلي، المتوفى سنة 680هـ، ويتجلى الأثر الإيجابي في النصوص الأدبية الكثيرة، التي واكبت الغزو المغولي، وصورت أحداثه، والعلاقات السياسية والاجتماعية بين المغول والمسلمين، وما يهمنا هنا أن الغزو المغولي أثرى اللغة العربية بألفاظ كثيرة، مبثوثة في كتب التاريخ والأدب والتراجم، وهي ذات أصول مغولية، أو فارسية، أو تركية، والجامع بينها أن المغول كانوا ينطقون بها، ودخلت اللغة العربية جرَّاء غزوهم، كما لم يمتنع المغول من الأخذ بمقومات الحضارة الإسلامية، ولم يعترضوا على إنشاء المدارس والمعاهد العلمية، كما أن كثيرًا من المغول قد دخل الإسلام وحسن إسلامهم، وأبلوا بلاءً حسنًا في سبيل نشر الإسلام ونصرته، فبعد أن كانوا معاول هدم وتدمير لمجتمعاته، أصبحوا بعد عدة سنين لَبِنَات بناء قوية تصد عنه أنواء الأعداء العاتية، يقول غوستاف لوبون: "هؤلاء الهمج المتوحشون الذين هدموا الآثار والبنايات، وأحرقوا الكتب والمكتبات، وأراقوا الدماء، ونكلوا بالأشلاء، وخربوا بغداد، وعاثوا فيها فسادًا - هؤلاء الهمج المتوحشون أنفسهم أخذوا بعجائب هذه الحضارة، وأصبحوا من حماتها"، ويضيف الكاتب أنه في مدرسة العرب تحضَّر المغول، فتبنوا دينهم وحضارتهم، وقربوا إليهم علماءهم، وأكرموا أساتيذهم، وأقاموا في الهند إمبراطوريةً ودولاً كبرى، لا يمكن نفي عربيتها؛ لأنها قامت على عناصر هذه الحضارة العربية ومنجزاتها[6].
[1] ينظر: الفخري في الآداب السلطانية (ص247).
[2] السيوطي، جلال الدين، المزهر (1 /97)، ط المكتبة العصرية، بيروت، 1986م.
[3] النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة (2 /260)، ط1 لبنان، 1992م.
[4] المواعظ والاعتبار (الخطط المقريزية) (2 /494)، الطبعة الثانية، مصر، 1958م.
[5] للاستزادة: ينظر: رسالة ماجستير "الغزو المغولي لدمشق وآثاره السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية".
[6] نقلاً عن: دولاي، نصر الدين، "انتشار اللغة العربية وعالميتها من خلال كتاب (حضارة العرب)"، منتدى الكلمة للدراسات والأبحاث.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/literature_language/0/79591/#ixzz3LVslZ3yi
المغول واللغة العربية وحضارتها
أذكر هنا - وفيما هو قادم - أهم معارك العربية قديمًا؛ مثل: (المغول، والصليبيين، والاستعمار الغربي المباشر).
المغول واللغة العربية وحضارتها:
من أشد الأخطار التي تعرض لها المسلمون والعرب غارة المغول والتتار على بلادهم في القرن السادس الهجري، ففي المحرم سنة 656هـ حاصر هولاكو (بغداد)، فدافع جيش الخليفة عنها، ولكنه لم يقوَ على الصمود لجيش المغول، فسقطت المدينة في أيديهم آخر الشهر، واستولى المغول على العراق، وأزالوا الدولة العباسية من الوجود، وقد أجمل ابن طباطبا ما نزل بأهل بغداد في قوله: "فجرى من القتل الذريع، والنهب العظيم، والتمثيل البليغ، ما يعظم سماعه جملةً، فما الظن بتفصيله؟!"[1]، وأصبحت بغداد التي كانت مَضْرِب الأمثال في سَعة العمران، وتقدم الحضارة - قفرًا موحشةً، وتراكمت جثث القتلى في شوارعها، فغيرت رائحتها، وحدث بسبب هذا التغير وباء شديد، راح ضحيته خلق كثير - وما أشبه الليلة بالبارحة! - ولقد كان المغول لا يفرقون بين أحد من الناس، هدفهم الاستيلاء على الأرض والمال، وبسط نفوذهم على أكبر رقعة من هذا العالم، ولا وزن عندهم لحضارة، ولا مدنية، ولا إنسان، وقد احتدم الصراع بين المسلمين والمغول، واستمرت الحروب سجالاً بينهما ما يقرب من مائتي سنة (617هـ-803هـ)، ولقد كان للغزو المغولي أثر كبير في الثقافة العربية، وهذا الأثر قسمان: سلبي، وإيجابي:
من الآثار السلبية للهجمة المغولية:
تتجلى هذه الآثار في غير وجه، وأذكر منها باختصار ما يأتي:
1- إتلاف الكتب ونهبها:
لقد اعتدى المغول على المكتبات وكتبها في المدن المحتلة، وكان من دأبهم أن يحرقوا المكتبات، وأن يجعلوا الكتب الثمينة طعامًا للنيران والمواقد، يقول السيوطي: "حكي عن الصاحب بن عباد أن بعض الملوك أرسل إليه يسأله القدوم عليه، فقال له في الجواب: أحتاج إلى ستين جملاً أنقل عليها كتب اللغة التي عندي، وقد ذهب جلُّ الكتب في الفتن الكائنة من التتار وغيرهم، بحيث إن الكتب الموجودة الآن في اللغة من تصانيف المتقدمين والمتأخرين لا تجيء حمل جمل واحد"[2]، ولقد شاع بين أوساط الخاصة والعامة أن المغول دمروا مكتبة بغداد، ورموا كتبها في نهر دجلة، يقول ابن تغري بردي: "وأُحرقت كتب العلم التي كانت بها - يعني ببغداد - من سائر العلوم والفنون، التي ما كانت في الدنيا، قيل: إنهم بنوا بها جسرًا من الطين والماء عوضًا عن الآجُرِّ"[3]، ولقد كان حرق الكتب وتدمير المكتبات وراء تخلف الأمة العربية والإسلامية، فقد ضاع حوالى ثمانية ملايين كتاب عربي بسبب الجهل والتعصب والغزو الأجنبي، وإن حرق الكتب وتدمير المكتبات يعد من بين أهم الكوارث التي واجهت الحضارة العربية والإسلامية منذ تاريخها الطويل وحتى يومنا هذا، وإنه السبب الرئيس لتخلفها عن النهضة العلمية وسر ضعفها، وجعلها نهبًا للمستعمر الأجنبي، فإن المتبحر في تتبع بناء الحضارات في العالم قديمًا وحديثًا، يجد أن تأسيس المكتبات، واحترام الكتب، والمحافظة عليها، وتبجيل العلماء والكتاب، هو سر بزوغ الحضارات في العالم، وسبب شهرتها.
2- تدمير المراكز العلمية ونهبها:
لقد اعتدى المغول وأحلافهم على المراكز العلمية في البلاد المحتلة، فأحرقوا بعضها، ودمروا أخرى، ونهبوا محتوياتها، وهذا ما فعلوه في بعض مدارس حلب وجوامعها سنة 679هـ، كما أحرقوا الكثير من المدارس ودور الحديث في دمشق سنة 699 هـ، ولم تأمن المساجد من أذى المغول، فاقتحموها، وعبثوا بمحتوياتها ونهبوها، وأحرقوا بعضها، وقد حملت المساجد منذ ظهور الإسلام أمانة هذا الدين، وتدريس علومه، وغيرها، فكانت مقصد طلاب العلم، ينهلون فيها العلوم من كبار العلماء، ولعبت المساجد دورًا مهمًّا في تنشيط الحركة العلمية، ونشر العلوم، في العصر المملوكي مثلاً، وهذا ما يؤكده مؤرخو هذا العصر، ومنهم المقريزي، إذ تحدث عن حال الجامع الأزهر آنذاك، فقال: "لم يزل في هذا الجامع منذ بُنِيَ عِدَّةٌ من الفقراء، يلازمون الإقامة فيه، وبلغت عدتهم في هذه الأيام سبعمائة وخمسين رجلاً؛ ما بين عجم، وزيالعة، ومن أهل ريف مصر، ومغاربة، ولكل طائفة رواق يُعرف بهم، فلا يزال الجامع عامرًا بتلاوة القرآن، ودراسته، وتلقينه، والاشتغال بأنواع العلوم، والفقه، والنحو، ومجالس الوعظ، وحِلَق الذكر، فيجد الإنسان إذا دخل هذا الجامع من الأنس بالله، والارتياح، وترويح النفس، ما لا يجده في غيره"[4].
3- خَسارة جُلِّ العلماء والأدباء:
لقد نكَّل المغول بعدد كبير من علماء الأمة الإسلامية وأدبائها إبَّان غزوهم واحتلالهم المدن الإسلامية في العصر المملوكي، فقد أُصيب كثيرون منهم بجراحات خطيرة، وهم يشاركون الجيش الإسلامي جهاد المغول، وأُسِرَ آخرون، فنُكِّل بهم، وأُذيقوا من العذاب ألوانًا، وأبلوا بلاءً حسنًا، وهناك طائفة كبيرة وعظيمة من العلماء والأدباء الذين قتلوا إبَّان الغزو المغولي للبلاد الإسلامية، ويتبين من تراجمهم أنهم كانوا ذوي مكانة مرموقة في مجتمعاتهم، وأن دورهم كان كبيرًا في رصد الحركة الفكرية والأدبية في عصرهم، فقد تنوعت علومهم ومعارفهم، واشتغلوا بالفقه، والحديث، والأصول، والتفسير، والنحو، واللغة، والنجوم، والفروض، والأدب، والشعر، والكتابة، والخطابة، وغير ذلك، وصنفوا كتبًا كثيرةً في تلك العلوم والفنون، ومن هنا ندرك الخسارة الكبيرة التي مُنِيَ بها المسلمون بموتهم، وتتضح لنا همجية المغول.
من الآثار الإيجابية للهجمة المغولية[5]:
لقد كان للغزو المغولي أثر إيجابي في الثقافة العربية الإسلامية، ويتمثل ذلك في كتب التاريخ الخاصة التي سردت أحداث هذا الغزو، أو تناولت بعض جوانبه، وأَثْرت المكتبة العربية بما قدمته من معلومات، ومنها كتاب "تفتت الأكباد في واقعة بغداد"، لنجم الدين أبي الخير الدِّهْلي، المتوفى سنة 680هـ، ويتجلى الأثر الإيجابي في النصوص الأدبية الكثيرة، التي واكبت الغزو المغولي، وصورت أحداثه، والعلاقات السياسية والاجتماعية بين المغول والمسلمين، وما يهمنا هنا أن الغزو المغولي أثرى اللغة العربية بألفاظ كثيرة، مبثوثة في كتب التاريخ والأدب والتراجم، وهي ذات أصول مغولية، أو فارسية، أو تركية، والجامع بينها أن المغول كانوا ينطقون بها، ودخلت اللغة العربية جرَّاء غزوهم، كما لم يمتنع المغول من الأخذ بمقومات الحضارة الإسلامية، ولم يعترضوا على إنشاء المدارس والمعاهد العلمية، كما أن كثيرًا من المغول قد دخل الإسلام وحسن إسلامهم، وأبلوا بلاءً حسنًا في سبيل نشر الإسلام ونصرته، فبعد أن كانوا معاول هدم وتدمير لمجتمعاته، أصبحوا بعد عدة سنين لَبِنَات بناء قوية تصد عنه أنواء الأعداء العاتية، يقول غوستاف لوبون: "هؤلاء الهمج المتوحشون الذين هدموا الآثار والبنايات، وأحرقوا الكتب والمكتبات، وأراقوا الدماء، ونكلوا بالأشلاء، وخربوا بغداد، وعاثوا فيها فسادًا - هؤلاء الهمج المتوحشون أنفسهم أخذوا بعجائب هذه الحضارة، وأصبحوا من حماتها"، ويضيف الكاتب أنه في مدرسة العرب تحضَّر المغول، فتبنوا دينهم وحضارتهم، وقربوا إليهم علماءهم، وأكرموا أساتيذهم، وأقاموا في الهند إمبراطوريةً ودولاً كبرى، لا يمكن نفي عربيتها؛ لأنها قامت على عناصر هذه الحضارة العربية ومنجزاتها[6].
[1] ينظر: الفخري في الآداب السلطانية (ص247).
[2] السيوطي، جلال الدين، المزهر (1 /97)، ط المكتبة العصرية، بيروت، 1986م.
[3] النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة (2 /260)، ط1 لبنان، 1992م.
[4] المواعظ والاعتبار (الخطط المقريزية) (2 /494)، الطبعة الثانية، مصر، 1958م.
[5] للاستزادة: ينظر: رسالة ماجستير "الغزو المغولي لدمشق وآثاره السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية".
[6] نقلاً عن: دولاي، نصر الدين، "انتشار اللغة العربية وعالميتها من خلال كتاب (حضارة العرب)"، منتدى الكلمة للدراسات والأبحاث.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/literature_language/0/79591/#ixzz3LVslZ3yi