مصطلح سياسي يُطلق على طبقة العمال الأجراء الذين يشتغلون في الإنتاج الصناعي ومصدر دخلهم هو بيع ما يملكون من قوة العمل، وبهذا فهم يبيعون أنفسهم كأي سلعة تجارية.
وهذه الطبقة تعاني من الفقر نتيجة الاستغلال الرأسمالي لها، ولأنها هي التي تتأثر من غيرها بحالات الكساد والأزمات الدورية، وتتحمل هذه الطبقة جميع أعباء المجتمع دون التمتع بمميزات متكافئة لجهودها. وحسب المفهوم الماركسي فإن هذه الطبقة تجد نفسها مضطرة لتوحيد مواقفها ليصبح لها دور أكبر في المجتمع
البروليتاريا (Proletariat) هو مصطلح ظهر في القرن التاسع عشر ضمن كتاب بيان الحزب الشيوعي لكارل ماركس وفريدريك أنجلز يشير فيه إلى الطبقة التي ستتولد بعد تحول اقتصاد العالم من اقتصاد تنافسي إلى اقتصاد احتكاري، ويقصد ماركس بالبروليتاريا الطبقة التي لا تملك أي وسائل إنتاج وتعيش من بيع مجهودها العضلي أو الفكري، ويرى ماركس أن الصراع التنافسي في ظل الرأسمالية، سيتولد عنه سقوط للعديد من الشركات واندماج شركات أخرى، حيث انها في النهاية تتحول إلى شركات كوسموبوليتية أي لاقومية وتصبح شركات احتكارية وو يصبح نضال شعوب الأرض موحدا لعدو واحد وتسمى هذه الطبقة الناشئة عن الاحتكارات العالمية بطبقة البروليتاريا، وهي تبيع عملها الفكري والثقافي والعضلي ولا تملك أي وسائل إنتاج، ويعتبر ماركس البروليتاريا هي الطبقة التي ستحرر المجتمع وتبني الاشتراكية بشكل أممي.
الشيوعية هي علم تحرير البروليتاريا.
. لقد وجدت دائما طبقات فقيرة كادحة بل إن الطبقات الكادحة كانت في أغلب الأحيان فقيرة. أما الفقراء والعمال الذين يعيشون في ظروف كالتي أشرنا إليها سابقا – أي البروليتاري – فهم لم يكونوا موجودين في كل الأزمنة. كما لم تكن المنافسة حرة وبلا أي حدود.
4. كيف ظهرت البروليتاريا ؟ لقد نشأت البروليتاريا في إنجلترا خلال النصف الثاني من القرن الماضي (الثامن عشر) على إثر الثورة الصناعية التي قامت منذ ذلك الحين في جميع البلدان المتحضرة في العالم.
كان الحافز لهذه الثورة الصناعية هو اختراع الآلة البخارية ومختلف أنواع آلات الغزل والأنوال الآلية وعددا كبيرا من الأجهزة الميكانيكية الأخرى، التي بحكم ثمنها الباهض لم يكن قادرا على شرائها سوى كبار الرأسماليين، مما أدى إلى تغيير شامل لنمط الإنتاج السابق وإلى إزاحة الحرفيين القدامى نظرا لأن هذه الآلات أصبحت تنتج سلعا أفضل وأرخص من تلك التي أنتجها أولائك الحرفيين بأنوالهم اليدوية وأدواتهم البدائية.
وهذا ما يفسر كيف أدى دخول الآلة على النشاط الصناعي برمته إلى تحويله بين أيدي كبار الرأسماليين وإلى إفقاد الملكية الحرفية الصغيرة (أنوال، أدوات عمل...) كل ما لها قيمة، مما مكّن الرأسماليين من السيطرة على كل شيء في حين فقد العمال كل شيء.
ولقد أدخل نظام المانيفاكتورة – أول الأمر – في صناعة النسيج والملابس ثم ما أن كانت الانطلاقة الأولى لهذا النظام حتى انتشر سريعا ليشمل سائر الفروع الصناعية كالطباعة وصناعة الخزف والمعادن وأصبح العمل مقسما أكثر فأكثر بين مختلف فئات العمال، بحيث أن العامل الذي كان في السابق ينجز عمله كاملا صار لا يؤدي إلا جزءا فقط من هذا العمل. وقد سمح تقسيم العمل هذا بإنتاج سلع على نحو أسرع وبالتالي بكلفة أقل و صار دور العامل مقتصرا على أداء حركة آلية جدُّ بسيطة ومكررة باستمرار تستطيع الآلة أداءها ليس فقط بنفس الجودة بل بأفضل منها.
وسرعان ما سيطرت المكننة والصناعة الكبيرة على جميع فروع الإنتاج الواحد تلو الآخر تماما مثلما حصل بالنسبة للغزل والنسيج وهكذا وقعت كل الفروع الصناعية بين أيدي كبار الرأسماليين وفقد العمّال بذلك هامش الحرية الذي كانوا يتمتعون به سابقا. وزيادة عن المانيفاكتورة ذاتها وقعت الأنشطة الحرفية شيئا فشيئا تحت سيطرة الصناعة الكبيرة، إذ تمكن كبار الرأسماليين من إزاحة المنتجين الصغار المستقلين وذلك بإنشاء الورشات الكبرى حيث المصاريف العامة أقل وإمكانية تقسيم العمل أوفر. وهذا ما يفسر الإفلاس المتزايد من يوم لآخر للطبقة الحرفية الوسطى والتغيير الشامل في وضعية العمال ونشوء طبقتين جديدتين سرعان ما انصهرت فيها بقية الطبقات شيئا فشيئا ألا وهي:
– طبقة كبار الرأسماليين الذين يحتكرون في كل البلدان المتحضرة ملكية وسائل العيش والمواد الأولية وأدوات العمل (الآلات والمصانع) اللازمة لإنتاج وسائل العيش. إنها طبقة البرجوازيين أو البرجوازية.
– طبقة الذين لا يملكون شيئا والمضطرين إلى بيع عملهم للبرجوازيين مقابل الحصول على الضروريات لإبقائهم على قيد الحياة. إنها طبقة البروليتاريا أو البروليتارييون.
. إن العمل سلعة كغيرها من السلع وبالتالي يتحدد سعرها على أساس نفس القوانين المعمول بها بالنسبة لأية سلعة أخرى. وفي ظل سيادة الصناعة الكبرى أو المنافسة الحرة (مما يعني نفس الشيء كما سنبين فيما بعد) يساوي سعر أي بضاعة ما – دائما – ما يعادل كلفة إنتاجها. وبالتالي يكون سعر العمل هو أيضا مساو لكلفة إنتاج العمل. لكن كلفة إنتاج العمل تتمثل في كمية وسائل العيش الضرورية لجعل العامل قادرا على استئناف ومواصلة عمله ولإبقاء الطبقة العاملة بصفة عامة على قيد الحياة. فالعامل إذن لا يتقاضى مقابل عمله سوى الحد الأدنى الضروري لتأمين تلك الغاية. وهكذا يكون سعر العمل – أو الأجر – هو الحد الأدنى الضروري لإبقاء العامل على قيد الحياة. وبما أن الأحوال الاقتصادية قد تسوء تارة وتزدهر تارة أخرى فإن العامل يتقاضى مقابل عمله أقل أو أكثر حسب تلك الأحوال، تماما مثلما يتقاضى الرأسمالي مقابل بيع سلعة ثمنها قد يرتفع أو ينخفض حسب الأحوال الاقتصادية.
وهكذا، كما يتقاضى الرأسمالي – إذا عادلنا بين ازدهار الأحوال و كساده – ما يساوي كلفة الإنتاج لا أكثر ولا أقل، فإن العامل لن يتقاضى كذلك أكثر أو أقل من الحد الأدنى لإبقائه على قيد الحياة. ومع تغلغل التصنيع الكبير في جميع فروع الإنتاج، يتعاظم التطبيق الصارم لهذا القانون الاقتصادي للأجور.
. عرفت الطبقات الكادحة مختلف الظروف واحتلت مواقع متباينة في مواجهة الطبقات المالكة والمسيطرة وذلك لاختلاف مراحل تطور المجتمع. وقديما كان الكادحون عبيدا للمالكين مثلما يزال الحال في عدد كبير من البلدان المتخلفة وحتى في القسم الجنوبي من الولايات المتحدة الأمريكية. وفي القرون الوسطى كان الكادحون هم الأقنان الذين تملكهم الأرستقراطية العقارية كما هو حتى الآن في المجر وبولونيا وروسيا. وعرفت المدن طوال القرون الوسطى وحتى قيام الثورة الصناعية ما يسمى بـ "الصناع" الذين يعملون تحت إمرة حرفيين بورجوازيين صغار. ومع تطور المانيفاكتورة، برز شيئا فشيئا العمال الذين أصبحوا يشتغلون فيما بعد لدى كبار الرأسماليين.
. في حين يُباع العبد دفعة واحدة، يتعين على البروليتاري أن يبيع نفسه كل يوم، بل كل ساعة. والعبد بمفرده هو على ملك سيّد واحد تقتضي مصلحته ذاتها أن تكون معيشة عبده مضمونة مهما كانت يائسة وحقيرة. أما البروليتاري بمفرده فهو تحت تصرف الطبقة البرجوازية بأسرها إن صح التعبير. فمعيشته ليست مؤمَّنة لأن عمله لا يتم شراؤه إلا عندما تكون ثمة حاجة إلى ذلك. وهكذا لا يكون وجود الطبقة العاملة مضمونا و مؤمَّنا إلا بصفتها طبقة بمجملها. في حين لا يعرف النظام العبودي المنافسة، يوجد البروليتاري في صميمها. وهو بالتالي يعاني من كل تقلباتها. وبينما يُنظر إلى العبد كبقية الأشياء، لا كعضو في المجتمع المدني، يُعتبر العامل كائنا بشريا وعضوا في المجتمع. لذا قد يكون للعبد عيشة أفضل من العامل لكن هذا الأخير ينتمي إلى مرحلة أرقى من مراحل تطور المجتمع ويجد نفسه بالتالي في منزلة أرقى بكثير من منزلة العبد.
ويتم تحرير العبيد بمجرد القضاء على علاقة واحدة فقط: ألا وهي العلاقة العبودية من بين جميع علاقات الملكية الخاصة مما يسمح له بالتحول إلى أكثر من عامل. أما البروليتاري نفسه فإنه لن يحرر إلا بالقضاء على الملكية الخاصة بوجه عام.
. يتمتع القن بأدوات إنتاج وقطعة أرض صغيرة مقابل تسليم "سيده" حصة من محصوله أو القيام ببعض الأعمال المعينة بينما يشتغل البروليتاري بأدوات إنتاج هي على ملك شخص آخر ولحساب نفس ذلك الشخص ومقابل حصة معينة من الإنتاج. فالقن يعطي والبروليتاري يأخذ. معيشة القن مؤمَّنة، في حين ليس للعامل أي ضمان في معيشته. القن يوجد خارج علاقات المنافسة، أما البروليتاري فإنه يقع في صميمها. ويمكن للقن أن يتحرر:
– إما باللجوء إلى المدن متحولا فيها إلى حرفي. – إما بتقديم المال لسيده عوضا عن المحصول والعمل المطالب بهما متحولا بذلك إلى مزارع حر. – أو بطرد سيده الإقطاعي متحولا هو نفسه إلى ملاك إقطاعي.
وبإيجاز يصبح القن منتميا إلى الطبقة المالكة ومنخرطا في دائرة المنافسة، في حين ليس للبروليتاري من أمل في التحرر إلا بالقضاء على المنافسة ذاتها والملكية الخاصة وجميع الفوارق الطبقية.
فى الورشات الحرفية القديمة، لم يكن الحرفي الشاب أكثر من عامل مأجور حتى بعد أن ينهي فترة تدريبه. لكنه يتحول بدوره إلى معلم بعد عدد معين من السنوات. هذا في حين أن البروليتاري يبقى عاملا مأجورا طوال حياته. الحرفي قبل أن يصبح معلما يكون زميلا للمعلم يعيش في بيته ويأكل على مائدته. أما العلاقة الوحيدة بين البروليتاري والرأسمالي فهي مجرد علاقة مالية. الصانع في الورشة الحرفية ينتمي للفئة الاجتماعية ذاتها التي ينتمي إليها معلمه ويشاركه عاداته وتقاليده، بينما البروليتاري يفصله عن الرأسمالي عالم كامل من التمايزات الطبقية. إنه يعيش في بيئة أخرى ويتبع نمط حياة يختلف جذريا عن نمط حياة الرأسمالي وتختلف مفاهيمه عن مفاهيم الرأسمالي. ثم إن الحرفي يستخدم في عمله أدوات تكون عادة على ملكه أو يسهل عليه امتلاكها إن شاء ذلك، أما البروليتاري فهو يشتغل بآلة أو جزء من آلة ليست ملكا له ويستحيل عليه امتلاكها. الحرفي ينتج بضاعة كاملة في معظم الأحيان وتلعب مهارته في استخدام أدواته دائما الدور الحاسم في إنتاج هذه البضاعة، أما البروليتاري فهو لا ينتج في أغلب الأحيان سوى جزء صغير من آلة أو جهاز، أو يساهم فقط في أداء عملية جزئية من مجمل العمل اللازم لإنتاج هذا الجزء، وتأتي مهارته الشخصية في المرتبة الثانية بعد عمل الآلة. وغالبا ما تكون الآلة – على كل حال – أجدى منه من حيث كمية المنتجات أو تركيبها.
الحرفي – تماما مثل معلمه – محميّ من المنافسة طوال أجيال عبر القيود الحرفية والأعراف السائدة، بينما العامل مضطر إلى التضامن مع زملائه أو الالتجاء للقانون حتى لا تسحقه المنافسة. ذلك أن الفائض في اليد العاملة يسحق العامل لا سيده الرأسمالي. الحرفي – مثله مثل معلمه – كائن محدود، ضيق الأفق، خاضع للعصبية الفئوية وعدو لكل ما هو جديد، بينما العامل في المقابل مضطر لأن يضع نصب عينيه في كل لحظة التعارض الكبير بين مصالح طبقته ومصالح الطبقة الرأسمالية. عند العامل، يحل الوعي محل العصبية الفئوية فيدرك أن تحسين أحوال طبقته لا يتم إلا بتقدم المجتمع بأسره. الحرفي – في نهاية الأمر – محافظ ورجعي حتى عندما يتمرد بينما العامل مجبر باطراد على أن يكون ثوريا. إن أول تقدم اجتماعي تمرّد عليه الحرفيون هو بروز نظام المانفكتورة، الذي يتمثل في إخضاع الحرفة – بما فيها المعلم والصانع – لرأس المال المرابي (المركنتلي) الذي انقسم فيما بعد إلى رأس مال تجاري ورأس مال صناعي.
. كان عامل المانفكتورة منذ القرن الثامن عشر لا يزال يملك أدوات عمله: نول الحياكة ومغزله العائلي وحقل صغير يزرعه أثناء أوقات فراغه. أما العامل فلم يكن يملك أي شيء من ذلك. ويعيش عامل المانيفاكتورة بصفة دائمة تقريبا في الريف ويرتبط بعلاقات أبوية مع الملاك الإقطاعي و صاحب العمل، بينما يعيش العامل في المدن الكبرى ولا تربطه بالرأسمالي سوى علاقة مالية صرفة. وتقوم الصناعات الكبرى بانتزاع العامل المانيفاكتوري من علاقته الأبوية فيخسر ما تبقى له من ملكية صغيرة متحولا بذلك إلى عامل.
http://ahmadkelhy.blogspot.com/2012/01/blog-post_2549.html
وهذه الطبقة تعاني من الفقر نتيجة الاستغلال الرأسمالي لها، ولأنها هي التي تتأثر من غيرها بحالات الكساد والأزمات الدورية، وتتحمل هذه الطبقة جميع أعباء المجتمع دون التمتع بمميزات متكافئة لجهودها. وحسب المفهوم الماركسي فإن هذه الطبقة تجد نفسها مضطرة لتوحيد مواقفها ليصبح لها دور أكبر في المجتمع
البروليتاريا (Proletariat) هو مصطلح ظهر في القرن التاسع عشر ضمن كتاب بيان الحزب الشيوعي لكارل ماركس وفريدريك أنجلز يشير فيه إلى الطبقة التي ستتولد بعد تحول اقتصاد العالم من اقتصاد تنافسي إلى اقتصاد احتكاري، ويقصد ماركس بالبروليتاريا الطبقة التي لا تملك أي وسائل إنتاج وتعيش من بيع مجهودها العضلي أو الفكري، ويرى ماركس أن الصراع التنافسي في ظل الرأسمالية، سيتولد عنه سقوط للعديد من الشركات واندماج شركات أخرى، حيث انها في النهاية تتحول إلى شركات كوسموبوليتية أي لاقومية وتصبح شركات احتكارية وو يصبح نضال شعوب الأرض موحدا لعدو واحد وتسمى هذه الطبقة الناشئة عن الاحتكارات العالمية بطبقة البروليتاريا، وهي تبيع عملها الفكري والثقافي والعضلي ولا تملك أي وسائل إنتاج، ويعتبر ماركس البروليتاريا هي الطبقة التي ستحرر المجتمع وتبني الاشتراكية بشكل أممي.
الشيوعية هي علم تحرير البروليتاريا.
. لقد وجدت دائما طبقات فقيرة كادحة بل إن الطبقات الكادحة كانت في أغلب الأحيان فقيرة. أما الفقراء والعمال الذين يعيشون في ظروف كالتي أشرنا إليها سابقا – أي البروليتاري – فهم لم يكونوا موجودين في كل الأزمنة. كما لم تكن المنافسة حرة وبلا أي حدود.
4. كيف ظهرت البروليتاريا ؟ لقد نشأت البروليتاريا في إنجلترا خلال النصف الثاني من القرن الماضي (الثامن عشر) على إثر الثورة الصناعية التي قامت منذ ذلك الحين في جميع البلدان المتحضرة في العالم.
كان الحافز لهذه الثورة الصناعية هو اختراع الآلة البخارية ومختلف أنواع آلات الغزل والأنوال الآلية وعددا كبيرا من الأجهزة الميكانيكية الأخرى، التي بحكم ثمنها الباهض لم يكن قادرا على شرائها سوى كبار الرأسماليين، مما أدى إلى تغيير شامل لنمط الإنتاج السابق وإلى إزاحة الحرفيين القدامى نظرا لأن هذه الآلات أصبحت تنتج سلعا أفضل وأرخص من تلك التي أنتجها أولائك الحرفيين بأنوالهم اليدوية وأدواتهم البدائية.
وهذا ما يفسر كيف أدى دخول الآلة على النشاط الصناعي برمته إلى تحويله بين أيدي كبار الرأسماليين وإلى إفقاد الملكية الحرفية الصغيرة (أنوال، أدوات عمل...) كل ما لها قيمة، مما مكّن الرأسماليين من السيطرة على كل شيء في حين فقد العمال كل شيء.
ولقد أدخل نظام المانيفاكتورة – أول الأمر – في صناعة النسيج والملابس ثم ما أن كانت الانطلاقة الأولى لهذا النظام حتى انتشر سريعا ليشمل سائر الفروع الصناعية كالطباعة وصناعة الخزف والمعادن وأصبح العمل مقسما أكثر فأكثر بين مختلف فئات العمال، بحيث أن العامل الذي كان في السابق ينجز عمله كاملا صار لا يؤدي إلا جزءا فقط من هذا العمل. وقد سمح تقسيم العمل هذا بإنتاج سلع على نحو أسرع وبالتالي بكلفة أقل و صار دور العامل مقتصرا على أداء حركة آلية جدُّ بسيطة ومكررة باستمرار تستطيع الآلة أداءها ليس فقط بنفس الجودة بل بأفضل منها.
وسرعان ما سيطرت المكننة والصناعة الكبيرة على جميع فروع الإنتاج الواحد تلو الآخر تماما مثلما حصل بالنسبة للغزل والنسيج وهكذا وقعت كل الفروع الصناعية بين أيدي كبار الرأسماليين وفقد العمّال بذلك هامش الحرية الذي كانوا يتمتعون به سابقا. وزيادة عن المانيفاكتورة ذاتها وقعت الأنشطة الحرفية شيئا فشيئا تحت سيطرة الصناعة الكبيرة، إذ تمكن كبار الرأسماليين من إزاحة المنتجين الصغار المستقلين وذلك بإنشاء الورشات الكبرى حيث المصاريف العامة أقل وإمكانية تقسيم العمل أوفر. وهذا ما يفسر الإفلاس المتزايد من يوم لآخر للطبقة الحرفية الوسطى والتغيير الشامل في وضعية العمال ونشوء طبقتين جديدتين سرعان ما انصهرت فيها بقية الطبقات شيئا فشيئا ألا وهي:
– طبقة كبار الرأسماليين الذين يحتكرون في كل البلدان المتحضرة ملكية وسائل العيش والمواد الأولية وأدوات العمل (الآلات والمصانع) اللازمة لإنتاج وسائل العيش. إنها طبقة البرجوازيين أو البرجوازية.
– طبقة الذين لا يملكون شيئا والمضطرين إلى بيع عملهم للبرجوازيين مقابل الحصول على الضروريات لإبقائهم على قيد الحياة. إنها طبقة البروليتاريا أو البروليتارييون.
. إن العمل سلعة كغيرها من السلع وبالتالي يتحدد سعرها على أساس نفس القوانين المعمول بها بالنسبة لأية سلعة أخرى. وفي ظل سيادة الصناعة الكبرى أو المنافسة الحرة (مما يعني نفس الشيء كما سنبين فيما بعد) يساوي سعر أي بضاعة ما – دائما – ما يعادل كلفة إنتاجها. وبالتالي يكون سعر العمل هو أيضا مساو لكلفة إنتاج العمل. لكن كلفة إنتاج العمل تتمثل في كمية وسائل العيش الضرورية لجعل العامل قادرا على استئناف ومواصلة عمله ولإبقاء الطبقة العاملة بصفة عامة على قيد الحياة. فالعامل إذن لا يتقاضى مقابل عمله سوى الحد الأدنى الضروري لتأمين تلك الغاية. وهكذا يكون سعر العمل – أو الأجر – هو الحد الأدنى الضروري لإبقاء العامل على قيد الحياة. وبما أن الأحوال الاقتصادية قد تسوء تارة وتزدهر تارة أخرى فإن العامل يتقاضى مقابل عمله أقل أو أكثر حسب تلك الأحوال، تماما مثلما يتقاضى الرأسمالي مقابل بيع سلعة ثمنها قد يرتفع أو ينخفض حسب الأحوال الاقتصادية.
وهكذا، كما يتقاضى الرأسمالي – إذا عادلنا بين ازدهار الأحوال و كساده – ما يساوي كلفة الإنتاج لا أكثر ولا أقل، فإن العامل لن يتقاضى كذلك أكثر أو أقل من الحد الأدنى لإبقائه على قيد الحياة. ومع تغلغل التصنيع الكبير في جميع فروع الإنتاج، يتعاظم التطبيق الصارم لهذا القانون الاقتصادي للأجور.
. عرفت الطبقات الكادحة مختلف الظروف واحتلت مواقع متباينة في مواجهة الطبقات المالكة والمسيطرة وذلك لاختلاف مراحل تطور المجتمع. وقديما كان الكادحون عبيدا للمالكين مثلما يزال الحال في عدد كبير من البلدان المتخلفة وحتى في القسم الجنوبي من الولايات المتحدة الأمريكية. وفي القرون الوسطى كان الكادحون هم الأقنان الذين تملكهم الأرستقراطية العقارية كما هو حتى الآن في المجر وبولونيا وروسيا. وعرفت المدن طوال القرون الوسطى وحتى قيام الثورة الصناعية ما يسمى بـ "الصناع" الذين يعملون تحت إمرة حرفيين بورجوازيين صغار. ومع تطور المانيفاكتورة، برز شيئا فشيئا العمال الذين أصبحوا يشتغلون فيما بعد لدى كبار الرأسماليين.
. في حين يُباع العبد دفعة واحدة، يتعين على البروليتاري أن يبيع نفسه كل يوم، بل كل ساعة. والعبد بمفرده هو على ملك سيّد واحد تقتضي مصلحته ذاتها أن تكون معيشة عبده مضمونة مهما كانت يائسة وحقيرة. أما البروليتاري بمفرده فهو تحت تصرف الطبقة البرجوازية بأسرها إن صح التعبير. فمعيشته ليست مؤمَّنة لأن عمله لا يتم شراؤه إلا عندما تكون ثمة حاجة إلى ذلك. وهكذا لا يكون وجود الطبقة العاملة مضمونا و مؤمَّنا إلا بصفتها طبقة بمجملها. في حين لا يعرف النظام العبودي المنافسة، يوجد البروليتاري في صميمها. وهو بالتالي يعاني من كل تقلباتها. وبينما يُنظر إلى العبد كبقية الأشياء، لا كعضو في المجتمع المدني، يُعتبر العامل كائنا بشريا وعضوا في المجتمع. لذا قد يكون للعبد عيشة أفضل من العامل لكن هذا الأخير ينتمي إلى مرحلة أرقى من مراحل تطور المجتمع ويجد نفسه بالتالي في منزلة أرقى بكثير من منزلة العبد.
ويتم تحرير العبيد بمجرد القضاء على علاقة واحدة فقط: ألا وهي العلاقة العبودية من بين جميع علاقات الملكية الخاصة مما يسمح له بالتحول إلى أكثر من عامل. أما البروليتاري نفسه فإنه لن يحرر إلا بالقضاء على الملكية الخاصة بوجه عام.
. يتمتع القن بأدوات إنتاج وقطعة أرض صغيرة مقابل تسليم "سيده" حصة من محصوله أو القيام ببعض الأعمال المعينة بينما يشتغل البروليتاري بأدوات إنتاج هي على ملك شخص آخر ولحساب نفس ذلك الشخص ومقابل حصة معينة من الإنتاج. فالقن يعطي والبروليتاري يأخذ. معيشة القن مؤمَّنة، في حين ليس للعامل أي ضمان في معيشته. القن يوجد خارج علاقات المنافسة، أما البروليتاري فإنه يقع في صميمها. ويمكن للقن أن يتحرر:
– إما باللجوء إلى المدن متحولا فيها إلى حرفي. – إما بتقديم المال لسيده عوضا عن المحصول والعمل المطالب بهما متحولا بذلك إلى مزارع حر. – أو بطرد سيده الإقطاعي متحولا هو نفسه إلى ملاك إقطاعي.
وبإيجاز يصبح القن منتميا إلى الطبقة المالكة ومنخرطا في دائرة المنافسة، في حين ليس للبروليتاري من أمل في التحرر إلا بالقضاء على المنافسة ذاتها والملكية الخاصة وجميع الفوارق الطبقية.
فى الورشات الحرفية القديمة، لم يكن الحرفي الشاب أكثر من عامل مأجور حتى بعد أن ينهي فترة تدريبه. لكنه يتحول بدوره إلى معلم بعد عدد معين من السنوات. هذا في حين أن البروليتاري يبقى عاملا مأجورا طوال حياته. الحرفي قبل أن يصبح معلما يكون زميلا للمعلم يعيش في بيته ويأكل على مائدته. أما العلاقة الوحيدة بين البروليتاري والرأسمالي فهي مجرد علاقة مالية. الصانع في الورشة الحرفية ينتمي للفئة الاجتماعية ذاتها التي ينتمي إليها معلمه ويشاركه عاداته وتقاليده، بينما البروليتاري يفصله عن الرأسمالي عالم كامل من التمايزات الطبقية. إنه يعيش في بيئة أخرى ويتبع نمط حياة يختلف جذريا عن نمط حياة الرأسمالي وتختلف مفاهيمه عن مفاهيم الرأسمالي. ثم إن الحرفي يستخدم في عمله أدوات تكون عادة على ملكه أو يسهل عليه امتلاكها إن شاء ذلك، أما البروليتاري فهو يشتغل بآلة أو جزء من آلة ليست ملكا له ويستحيل عليه امتلاكها. الحرفي ينتج بضاعة كاملة في معظم الأحيان وتلعب مهارته في استخدام أدواته دائما الدور الحاسم في إنتاج هذه البضاعة، أما البروليتاري فهو لا ينتج في أغلب الأحيان سوى جزء صغير من آلة أو جهاز، أو يساهم فقط في أداء عملية جزئية من مجمل العمل اللازم لإنتاج هذا الجزء، وتأتي مهارته الشخصية في المرتبة الثانية بعد عمل الآلة. وغالبا ما تكون الآلة – على كل حال – أجدى منه من حيث كمية المنتجات أو تركيبها.
الحرفي – تماما مثل معلمه – محميّ من المنافسة طوال أجيال عبر القيود الحرفية والأعراف السائدة، بينما العامل مضطر إلى التضامن مع زملائه أو الالتجاء للقانون حتى لا تسحقه المنافسة. ذلك أن الفائض في اليد العاملة يسحق العامل لا سيده الرأسمالي. الحرفي – مثله مثل معلمه – كائن محدود، ضيق الأفق، خاضع للعصبية الفئوية وعدو لكل ما هو جديد، بينما العامل في المقابل مضطر لأن يضع نصب عينيه في كل لحظة التعارض الكبير بين مصالح طبقته ومصالح الطبقة الرأسمالية. عند العامل، يحل الوعي محل العصبية الفئوية فيدرك أن تحسين أحوال طبقته لا يتم إلا بتقدم المجتمع بأسره. الحرفي – في نهاية الأمر – محافظ ورجعي حتى عندما يتمرد بينما العامل مجبر باطراد على أن يكون ثوريا. إن أول تقدم اجتماعي تمرّد عليه الحرفيون هو بروز نظام المانفكتورة، الذي يتمثل في إخضاع الحرفة – بما فيها المعلم والصانع – لرأس المال المرابي (المركنتلي) الذي انقسم فيما بعد إلى رأس مال تجاري ورأس مال صناعي.
. كان عامل المانفكتورة منذ القرن الثامن عشر لا يزال يملك أدوات عمله: نول الحياكة ومغزله العائلي وحقل صغير يزرعه أثناء أوقات فراغه. أما العامل فلم يكن يملك أي شيء من ذلك. ويعيش عامل المانيفاكتورة بصفة دائمة تقريبا في الريف ويرتبط بعلاقات أبوية مع الملاك الإقطاعي و صاحب العمل، بينما يعيش العامل في المدن الكبرى ولا تربطه بالرأسمالي سوى علاقة مالية صرفة. وتقوم الصناعات الكبرى بانتزاع العامل المانيفاكتوري من علاقته الأبوية فيخسر ما تبقى له من ملكية صغيرة متحولا بذلك إلى عامل.
http://ahmadkelhy.blogspot.com/2012/01/blog-post_2549.html