ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    من أسـرار نزع الخافض فـي القـرآن الكريـم

    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    من أسـرار نزع الخافض  فـي  القـرآن الكريـم Empty من أسـرار نزع الخافض فـي القـرآن الكريـم

    مُساهمة من طرف أحمد الأربعاء يوليو 16, 2014 4:31 am

    من أسـرار نزع الخافض فـي القـرآن الكريـم

    تأليــــف

    أد/ يوسف بن عبد الله الأنصاري

     أستاذ ورئيس قسم البلاغـة والنقد

    بجامـعة أم القرى




    من أسرار نزع الخافض في القرآن الكريم





    ملخص البحث

    يتكون هذا البحث : من مقدمة وتمهيد ومبحثين، تناول الباحث في المقدمة أهمية البحث، وفي التمهيد تحدث الباحث عن مصطلح نزع الخافض في التراث النحوي نشأة وتاريخا وتحديداً لمفهومه عند النحاة.

    وفي المبحثين الأول والثاني عرض الباحث لشواهد نزع الخافض في القرآن الكريم كاشفا عن الأسرار البلاغية من وراء نزع الخافض في البيان القرآني.

    ويسعى البحث إلى سد جانب من جوانب النقص في المكتبة العربية حول

    هذا الموضوع، فليس هناك فيما أعلم دراسة تناولت نزع الخافض في القرآن الكريم من الوجهة البلاغية.

    ومن أهم النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة:

    أن القرآن الكريم يهدف من خلال نزع الخافض إلى أسرار بلاغية يعين على إبرازها السياق بمعونة القرائن والمقام.

    بسم الله الرحمن الرحيم

    مقدمة البحث

    الحمد لله الذي هدانا للإيمان، ووفقنا لتدبر القرآن، والصلاة والسلام على خير الأنام أفصح من تكلم بلسان، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فلعل من أسباب عنايتي بهذا الموضوع - وهو مما أعده من تصاريف القدر - أنه كثيرا ما كان يتردد على خاطري شاهد من شواهد النحاة في نزع الخافض - وبخاصة حين أعاتب صديقا بعدم زيارته لي بعد معرفتي بقدومه إلى مكة المكرمة حرسها الله - هو قول الشاعر:

    تمرون الديار ولم تعوجوا                     كلامكم علي إذن حرام(1)

    ويتبادر إلى ذهني سؤال هو ما الذي جعل الشاعر يسقط حرف الجر ؟ وهداني طول التأمل في السياق إلى أن الشاعر لعله أراد منذ الوهلة الأولى أن يقطع على هؤلاء العذر بأنهم قد مروا الديار كلها داراً داراً، ومع ذلك لم تلزمهم ما بينه وبينهم من مودة وصداقة قديمة أن يمروا للسلام عليه والاطمئنان عن حاله، ولو قال الشاعر "تمرون بالديار" لما أفاد هذا المعنى، بل هو دال على أنهم لا يستطيعون أن يمروا لأنهم في عجلة من أمرهم، وأنهم قد مروا بطرف الديار، وداره بعيدة عن طريقهم، فيكون هذا عذراً لهم لا يمكن للشاعر أن يرفضه.

    وفي أثناء قراءتي لكتاب من أسرار حروف الجر في الذكر الحكيم للدكتور محمد الأمين الخضري وجدته يذكر في البحث المخصص لزيادة "من" الابتدائية وحذفها قول الله تعالى  ] واختار موسى قومه سبعين رجلا[ (الأعراف 155)  يكشف سر إسقاط حرف الجر في هذه الآية بقوله " وأرى - والله أعلم بما نزل- أن إسقاط حرف الجر القصد منه النعي على بني إسرائيل لكثرة تمردهم وعصيانهم، ودوام مخالفتهم لنبيهم، حتى كأنه لم يجد فيهم خيارا غير هؤلاء السبعين، فهم القوم كل القوم في ميزان الطاعة والصلاح، وفي ذلك ما فيه من التلميح بكثرة العاصين وقلة الصالحين فيهم" (3)

    فالنحاة أو الصناعة النحوية تقتضي تقدير المحذوف وهو حرف الجر "من" أي من قومه ليتضح المعنى وتستقيم العبارة، والبلاغة لا تقف عنـد حـدود مـا تقتضيـه الصناعـة النحويـة مــن تقديـر للمحذوف، بل تقتضي أن نبحث عن سر الحذف وأن نعمل عقولنا في سر المحذوف من خلال النظر في السياق لنهتدي إلى الوصول إلى إدراكه فيتجلى لنا بوضوح جمال البيان وجلال الإعجاز.

    وهو ما كشف عنه الدكتور الخضري في كلامه السابق من أن موسى عليه السلام قد بحث ونقب فلم يجد إلا هؤلاء السبعين وفي ذلك ما فيه من النعي على بني إسرائيل بقلة الصالحين وكثرة العاصين فيهم.

    ولعل ما ذكرته حفزني إلى دراسة هذا الموضوع، فتابعت القراءة في كتب النحاة وكتب المفسرين فوجدت مادة علمية جعلت الموضوع في نظري جديرا بالدراسة والبحث، جعلت عنوانه "من أسرار نزع الخافض في القرآن الكريم.

    ويسعى البحث إلى تحقيق أمور عدة منها:-

    1-    إبراز صفحة من صفحات إعجاز القرآن الكريم من خلال الكشف عن بلاغة النظم القرآني لنزع الخافض.

    2-  سد جانب من جوانب النقص في المكتبة العربية، فليس هناك فيما أعلم دراسة تناولت نزع الخافض في القرآن الكريم من الوجهة البلاغية

    ويتكون البحث من مقدمة، وتمهيد: تناولت فيه نزع الخافض في التراث النحوي، ومن مبحثين هما كالآتي:

    المبحث الأول: من أسرار نزع الخافض المطرد في القرآن الكريم.

    المبحث الثاني: من أسرار نزع الخافض غير المطرد في القرآن الكريم.

    وختاما أسأل الله العلي القدير أن يتقبل هذا العمل الذي قصدت به وجهه الكريم، وأن يثقل به موازين حسناتي يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وأن ينفع به العلم وأهله، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وهو رب العرش العظيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.













    تمهيد

    نزع الخافض في التراث النحوي

    مصطلح نزع الخافض بين النشأة والتاريخ:

    تتردد في كتب النحاة عدة مصطلحات تشترك كلها في دلالة واحدة هي حذف حرف الجر، إسقاط الخافض أو إسقاط الحرف، حذف حرف الإضافة، نزع الخافض.

    وقد شاعت هذه المصطلحات في كتب كثير من متقدمي النحاة، وكان لبعضها حضور واضح في كتبهم، وبعضها الآخر ساد في كتب علماء النحو المتأخرين.

    وكان إمام النحو سيبويه قد جمع في كتابه بين استعمال مصطلح حروف الجر ومصطلح حروف الإضافة ذاكرا معهما لفظ الحذف أو السقوط من ذلك قوله " وقال عمرو بن معد يكرب الزبيدي:

    أمرتك الخير فافعل ما أمرت به               فقد تركتك ذا مال وذا نشب

    وإنما فصل هذا أنها أفعال توصل بحروف الإضافة، فتقول: اخترت فلانا من الرجال، وسميته بفلان، كما تقول: عرَّفته بهذه العلامة وأوضحته بها، وأستغفر الله من ذلك، فلما حذفوا حرف الجر عمل الفعل، ومثل ذلك قول المتلمس:

    آليت حَبَ العراق الدهر أطعمه             والحبُّ في القرية يأكله السُّوس " (3)

    وقوله أيضا: " اعلم أنك إذا حذفت من المحلوف به حرف الجر نصبته كما تنصب حقا إذا قلت: إنك ذاهب حقا، فالمحلوف به مؤكد به الحديث كما تؤكده بالحق، ويجر بحروف الإضافة كما يجر حق إذا قلت: إنك ذاهب بحق، وذلك قولك اللهَ لأفعلن...." (4)

    وقد سار المبرد في كتابه المقتضب على نهج سيبويه حيث جمع بين مصطلحي حروف الجر وحروف الإضافة،واستعمل أيضا حرف الخفض، والحرف الخافض، من ذلك قوله " واعلم أنك إذا حذفت حروف الإضافة من المقسم به نصبته، لأن الفعل يصل فيعمل فتقول: اللهَ لأفعلن، لأنك أردت أحلف اللهَ لأفعلن،وكذلك كل خافض في موضع النصب إذا حذفته وصل الفعل فعمل فيما

    بعده كما قال عز وجل ] واختار موسى قومه سبعين رجلا[ ( الأعراف 155) أي من قومه، وقول الشاعر:

    استغفر الله ذنبا لست محصيه        رب العباد إليه الوجه والعمل

    أي من ذنب، وقال الشاعر:

    أمرتك الخير فافعل ما أمرت به          فقد تركتك ذا مال وذا نشب " (5)

    وقوله " فإذا حذفت حروف الجر وصل الفعل فعمل وكان حذفها حسنا لطول الصلة كما قال عز وجل  ]واختار موسى قومه [ أي من قومه، فهو مع الصلة والموصول حسن جدا " (6)

    وقوله " وتقول: أمرته أن يقوم يا فتى، والمعنى أمرته بأن يقوم، إلا أنك حذفت حرف الخفض ، وحذفه مع أنْ جيد " (7)

    وقد ترددت هذه المصطلحات في كتب العلماء, وإن كان قد غلب بعضها وشاع عند بعض العلماء، فابن جني مثلا نجده يستخدم حذف الجر بعد أن ذكر "يا" بقوله " ولذلك ما وصلت تارة بنفسها في قولك: يا عبد الله، وأخرى بحرف الجر نحو قوله: يا لبكرٍ، فجرت في ذلك مجرى ما يصل من الفعل تارة بنفسه, وأخرى بحرف الجر نحو قوله: خشَّنت صدره، وبصدره، وجئت زيدا، وإليه، واخترت الرجال، ومن الرجال، وسميته زيدا، وبزيد، وكنيته أبا علي وبأبي علي " (8)

    وكذلك يشيع استخدام حذف حرف الجر عند الصيمري في قوله " والضرب الثاني: أن يتعدى إلى مفعولين وليس أحدهما فاعلا،فكان الأصل أن يتعدى إلى الثاني منهما بحرف الجر، فحذف منه حرف الجر استخفافا فوصل النصب إلى ما بعده، وذلك قولك: اخترت زيدا الرجال، وسميت أخاك زيدا، وكنيته أبا فلان، وكان الأصل: اخترت زيدا من الرجال، وسميت أخاك بزيد، وكنيته بأبي فلان، قال الله عز وجل  ]واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا[  أي من قومه، ومن ذلك قول الشاعر:

    وبيضاءَ من نسجِ ابن داودَ نثرةٍ               تخيرتها يوم اللقاء الملابسا

    أي من الملابس، ومنه أيضا قول الآخر:

    أستغفر الله ذنبا لست محصيه        ربَ العبادِ إليه الوجه والعمل

    أي أستغفر الله من ذنب........، واعلم أن حذف حرف الجر من هذا الباب

    لا يقاس عليه، وإنما يتكلم منه بما تكلمت به العرب ولا يتجاوز، ألا ترى

    أنك لا تقول: مررت زيدا، وتريد مررت بزيد، ولا أخذت زيدا مالا، تريد: أخذت من زيد مالا (9)

    وذكر الزمخشري في المفصل مصطلح حذف حرف الجر بقوله " فصل: وتحذف حروف الجر فيتعدى الفعل بنفسه كقوله تعالى ] واختار موسى قومه سبعين رجلا [ وقوله:

     منا الذي اختير الرجال سماحة          وجودا إذا هبَّ الرياح الزعازع

    وقوله:

      أمرتك الخير فافعل ما أمرت به            فقد تركتك ذا مال وذا نشب وتقول استغفر الله ذنبي، ومنه دخلت الدار، وتحذف مع أنَّ وأنْ كثيرا مستمرا " (9) ، وتابعه في ذلك ابن يعيش وابن الحاجب، وكذلك فعل ابن مالك وشراح الألفية(10).

    وذكر ابن هشام في كتابه المغني حذف حرف الجر بقوله " حذف الجار يكثر ويطرِّد مع  أنَّ  و أنْ   نحو   ]  يمنون عليك أن أسلموا [ ، وجاء في غيرهما نحو "قدَّرناه منازل" أي قدرنا له. (12) "

    في حين نجد ابن هشام إلى جانب استعماله لحذف الجار يستعمل مصطلح إسقاط الخافض عند حديثه عن المنصوب في قولك: دخلت الدار، وسكنت البيت، فيذكر أن انتصابهما إنما على التوسع بإسقاط الخافض، لا على الظرفية، أما نزع الخافض فيضع في كتابه الجامع الصغير فصلا بعنوان (فصل في النصب بنزع الخافض) وعلى حسب خطة المحقق فإن هذا العنوان من وضع ابن هشام  كذلك نجد هذه المصطلحات  تنتشر في كتب

    أصحاب الحواشي كحاشية الشيخ يس العليمي على التصريح، والشيخ الخضري في حاشيته على شرح ابن عقيل يذكرون نزع الخافض، وحذف الجار وإسقاط الحرف،على الرغم من أن ابن عقيل وصاحب الألفية يذكران فقط حذف الجار" (13)

    يتبين لنا من خلال هذا العرض أن النحاة الأوائل بدأوا باستخدام حذف حرف الجر، وحذف الجار، وحذف حرف الإضافة، كما ظهر بجوارها لدى بعض النحاة استعمال إسقاط الخافض، وإسقاط الحرف، وشيوع بعض هذه المصطلحات وغلبته لدى بعض العلماء، حتى إذا ما وصلنا إلى العصور الأخيرة لدى النحاة المتأخرين نجدهم يستعملون إسقاط الخافض، ونزع الخافض ويشيع في مؤلفاتهم النحوية.

    مصطلح نزع الخافض عند النحاة:

    ذكر النحاة أن الفعل اللازم وهو الذي لا يتعدى إلى المفعول، حين يراد تعديته تكون تعديته إلى المفعول بحرف الجر، يتضح ذلك من قول ابن مالك:

    وعدِّ لازما بحرف جر          وإن حذف فالنصب للمنجر

    نقلا وفي أنًّ وأنْ يطرد                مع أمن لبس كعجبت أن يدوا (14)

    يعدى الفعل اللازم بحرف الجر مثل مررت بزيد، واقتربت من عمرو، ويصح نصب الاسم المجرور بشرط حذف حرف الجر، والنصب بنزع الخافض سماعي عن العرب ولا يجوز القياس عليه، وقد أشار إلى ذلك صاحب النحو الوافي بقوله " والنصب به سماعي - على الأرجح المعول عليه - مقصور على ما ورد منها منصوبا مع فعله الوارد نفسه، فلا يجوز - في الرأي الصائب - أن ينصب فعل من تلك الأفعال المحددة المعينة كلمة على نزع الخافض إلا التي وردت مسموعة عن العرب، كما لا يجوز في كلمة من تلك الكلمات المعدودة المحدودة أن تكون منصوبة على نزع الخافض إلا مع الفعل الذي وردت معه مسموعة " (15)

    كما يطرد حذف حرف الجر وبقاء عمله مع أنَّ وأنْ كما في قوله تعالى  ]يمنون عليك أن أسلموا [ ( الحجرات 17) أي بأن أسلموا ومثله "] بل الله يمن عليكم أن هداكم [ ( الحجرات 17 ) أي بأن هداكم، وقوله تعالى ]فاستجاب لهم ربهم إني لا أضيع عمل عامل منكم [  ( آل عمران 195 ) أي بأني لا أضيع، واختلف النحاة في حكم المجرور بعد الحذف مع أنَّ وأنْ

    أيبقى الاسم مجرورا كما كان أم يكون منصوبا على نزع الخافض؟، أشار إلى ذلك ابن مالك بقوله:

           وفي محل نحو "أن" هذا نظر    أذو انتصاب هو أم مما يجر(16)

    وكذلك الشأن في حكم الاسم المنصوب بعد حذف الجار أيكون منصوبا على نزع الخافض أم يكون مفعولا به للفعل مباشرة؟.

    أولى الآراء عندي أن يكون منصوبا على نزع الخافض، لأن القول بأن نصبها على المفعولية " قد يوحي - خطأ - أن الفعل قبلها متعد بنفسه، وأن المعنى لا يحتاج إلى المحذوف، فيقع في الوهم إباحة تعديته مباشرة في غيرها، لكن إذا قلنا : منصوبة على نزع الخافض سماعا كان ذلك إعلانا صريحا عن حرف جر محذوف، نصب بعده المجرور، فيكون النصب دليلاعلى ذلك لا يستقيم المعنى إلا بملاحظته وتقدير وجوده  (17)

    وبهذا يتبين لنا أن المنصوب على نزع الخافض ضربان : المطرد : وهذا النوع يطرد ويكثر مع أنَّ وأنْ.

    الثاني : غير المطرد: وهذا النوع غير مقيس بل مقصور على السماع عن العرب.

    وقد وردت في القرآن الكريم شواهد عديدة منه لأن القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين.

    وهذه الدراسة ستتناول دراسة نزع الخافض في القرآن الكريم محاولة الكشف عن أسراره البلاغية.



    من أسرار نزع الخافض في البيان القرآني

    المبحث الأول:

    نزع الخافض المطرد:

    ذكرنا أن حذف حرف الجر يطرد مع أنَّ وأنْ، وشواهده في القرآن الكريم كثيرة لا يمكن حصرها، لكنني سأكتفي بتحليل شاهد واحد يمكن أن يقاس عليه بقية الشواهد القرآنية الأخرى.

    ويحقق نزع الخافض في القرآن الكريم وفي غيره من الكلام البليغ فضيلة الإيجاز بالاستغناء عن الفضول واستثمار أقل ما يمكن من الألفاظ لأداء المعنى المراد.

    وتظهر بجوار الإيجاز والاختصار أغراض بلاغية يتطلبها المقام ويقتضيها السياق.

    ولعل أبرز سمة أسلوبية لشواهد نزع الخافض المطرد مع أنَّ وأنْ هي الإيجاز في أغلب شواهده، وإن ظهر في قليل من شواهده تكثير الدلالة تبعا لاختلاف حرف الجر المحذوف على نحو ما نراه في قول الحق تبارك وتعالى ] ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن و ما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن [ (النساء 127)

    يقول الزمخشري " ترغبون أن تنكحوهن  يحتمل في أن تنكحوهن لجمالهن، ومن أن تنكحوهن لدمامتهن " (18) .

    يؤدي تقدير حذف الجر المحذوف هنا إلى تكثير الدلالة حيث يجوز تقديره في هذه الآية "في" فيكون المعنى الرغبة في الزواج بهن والحرص عليه لجمالهن أو لغيره، ويحتمل تقديره "عن" فيكون المعنى الإعراض عن الزواج بهن كراهية ذلك، لأن فعل الرغبة كما ذكر الراغب " إذا قيل: رغب فيه وإليه يقتضي الحرص....، وإذا قيل: رغب عنه، اقتضى صرف الرغبة والزهد فيه " (19) .

    أرأيت كيف أدى تقدير حرف الجر المحذوف إلى تكثير الدلالة لاحتمال التعبير القرآني لكل هذه المعاني المتعددة.

    ----------------------------------





    المبحث الثاني: نزع الخافض غير المطرد:

    وصف كثير من النحاة نزع الخافض الجاري على غير القياس بأنه مسموع عن العرب ولا يقاس عليه، ووصفوا وروده في كلام العرب بالشذوذ أو الضرورة من ذلك قول أبي حيان في تفسير آية ] لأقعدن لهم صراطك المستقيم [ ( الاعراف 16) " وانتصب صراطك على إسقاط "على" قاله الزجاج وشبهه بقول العرب: ضرب زيد الظهر والبطن أي على الظهر والبطن، وإسقاط حرف الجر لا ينقاس عليه في مثل هذا لا يقال: قعدت الخشبة أي قعدت على الخشبة....، وما جاء خلاف ذلك شاذ أو ضرورة، وعلى الضرورة أنشدوا: كما عسل الطريق الثعلب....(20) .

    ويقول رضي الدين الاستراباذي " بلى قد جاء في غيرهما شذوذا كقوله "تمرون الديار ولم تعوجوا" وقوله تعالى ]لأقعدن لهم صراطك المستقيم [ ( الاعراف 16) ] ولا تعزموا عقدة النكاح [ ( البقرة 235) ] وأن تسترضعوا أولادكم[  ( البقرة 233)  والأولى في مثله أن يقال ضمن اللازم معنى المتعدي أي تجوزون الديار، ولألزمن صراطك، ولا تنووا عقدة النكاح، وترضعوا أولادكم، حتى لا يحمل على الشذوذ " (21) .

    وتأدبا مع القرآن الكريم لا نستطيع وصف وقوع هذا الأسلوب في البيان القرآني بالشذوذ أو الضرورة جريا على ما اعتاد النحاة وصف وقوعه في كلام العرب، بل ننزه القرآن الكريم عن ذلك ونكتفي بالقول بأن القرآن جار على سنن العرب في كلامها، ولعل ابن هشام كان يشعر بخطورة وصف وقوع هذا الأسلوب في القرآن بالضرورة أو الشذوذ، وينأى عن ذلك، ولعل هذا ما نلمحه في قوله بعد أن ذكر أنَّ حذف الجار يطرد ويكثر مع أنَّ وأنْ ذاكرا بعض الشواهد القرآنية قال: " وجاء في غيرهما نحو ] قدرناه منازل [ ( يسن 39)  أي قدرنا له، وذكر مع هذا الشاهد شواهد قرآنية أخرى (22) .

    بل إن بعض النحاة كالأخفش الأصغر يجيز حذف الجـار مـع غيـر أنَّ وأنْ قياسـا إذا تعيـن الجارالمحذوف كما في قولك: خرجت الدار، أي من الدار(23)، مما نعده دليلا على عدم استساغة وصف ورود هذا الأسلوب في كلام العرب وفي القرآن بالضرورة أو الشذوذ، بل إنه من طرائق العرب في الإبانة عن معانيها، وجرى وروده في القرآن الكريم جريا على عادة العرب في مخاطبتها وسنن كلامها.

    وغير خاف أن لنزع الخافض في لغة القرآن الكريم أسرارا بلاغية عالية، ولسياقاته مذاقات حسنة تنادي بجلال إعجاز القرآن الكريم.

    ومع ذلك فإن إدراك هذه الأسرار البلاغية غير ميسور للإنسان من النظرة العجلى، بل لا بد لإدراكها من قدح زناد الفكر وإعمال الذهن وإدامة النظر وإرهاف الحس لما يهمس به السياق من لطائف البلاغة وأسرار البيان.

    والمتذوق للبيان لا يجد متعة نفسه في الكلام الواضح جدا، والمكشوف جدا " وإنما يجد متعة نفسه حيث يتحرك حسه وينشط ليستوضح ويتبين ويكشف الأسرار والمعاني وراء الإيحاءات والرموز، وحين يدرك مراده، ويقع على طلبته من المعنى يكون ذلك أمكن في نفسه، وأملك لها من المعاني التي يجدها مبذولة في حاق اللفظ " (24) .

    وفي الصفحات التالية بعون الله وتوفيقه سنقوم بعرض شواهد نزع الخافض غير المطرد في القرآن الكريم، نستجلي أسراره البلاغية، محاولين الاستقصاء قدر الطاقة، وفي عرضنا لشواهده نسير في ترتيبها على حسب ترتيب سور القرآن الكريم.

    --------------------

    سورة البقرة:

    يقول تعالى خطابا لبني إسرائيل ] وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى [ ( الآية57)

    للعلماء في توجيه نصب الغمام رأيان:أحدهما أنه منصوب بنزع الخافض تقديره: بالغمام، والثاني: أنه مفعول به لا على إسقاط الحرف، أي جعلناه عليكم ظللا.

    وقد أوضح ذلك أبو حيان بقوله " الغمام مفعول على إسقاط حرف الجر أي بالغمام كما تقول ظللت على فلان بالرداء، أو مفعول به لا على إسقاط الحرف ويكون المعنى جعلناه عليكم ظللا " (25)

    ويقول العكبري " أي جعلناه ظلا، وليس كقولك ظللت زيدا بظل لأن ذلك يؤدي إلى أن يكون الغمام مستورا بظل آخر، ويجوز أن يكون التقدير بالغمام " (26) .

    السياق في هذه الآية الكريمة - كما ترى - يفيض بامتنان الله تعالى على بني إسرائيل بأن ساق إليهم الغمام وسخره لهم يسير بسيرهم يظللهم أينما ساروا في التيه ولولا ذلك لسفعتهم الشمس ولفحت وجوههم في الهجير(27).

    ولو قيل "بالغمام" لما أشعر التعبير بهذا المعنى، لأنه دال على أن الغمام لم يقع عليهم مباشرة، بل وقع متلبسا بهم، أو أن الله تعالى ظللهم ببعض الغمام، وتقدير حرف الجر يفوت علينا ما كنا نجده في الآية الكريمة من عظيم امتنان الله على بني إسرائيل حيث ظلل الغمام عليهم.

    --------------------

    ويقول تعالى ] ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير  [(الآية 148) .

    اتفقت أقوال المفسرين في نصب " الخيرات " على أنها منصوبة على إسقاط حرف الجر التقدير: إلى الخيرات، وفي هذا الصدد يقول أبو حيان " فاستبقوا الخيرات، هذا أمر بالبدار إلى فعل الخيروالعمل الصالح، وناسب هذا أنَّ من جعل الله له شريعة، أو صلاة، فينبغي الاهتمام بالمسارعة إليها، وذكرنا أن استبق بمعنى تسابق فهو يدل على الاشتراك ] إنا ذهبنا نستبق [ (يوسف 17) أي نتسابق، كما تقول تضاربوا، واستبق لا يتعدى لأن تسابق لا يتعدى، وذلك أن الفعل المتعدي إذا بنيت من لفظ معناه تفـاعل للاشتـراك صـار لازمـا، تقـول ضربت زيدا، ثم تقول تضاربنا، فلذلك قيل: إن " إلى" هنا محذوفة التقدير: فاستبقوا إلى الخيرات " (28) ويقول السمين الحلبي " الخيرات " منصوبة على إسقاط حرف الجر، التقدير: إلى الخيرات " (29) ، أما الطاهر بن عاشور فقد ذكر وجهين لنصب الخيرات بقوله " والاستباق افتعال والمراد به السبق وحقه التعدية باللام إلا أنه توسع فيه فعدي بنفسه كقوله تعالى ] واستبقا الباب [ ( يوسف 25) أو على تضمين استبقوا معنى اغتنموا " (30) .

    وتقدير حرف الاختصاص اللام هنا كما ذهب إلى ذلك الطاهر معناه أن الاستباق مختص للخيرات ولأجلها، وهذا المعنى بعيد يأباه السياق، كما أن القول بالتضمين والوقوف عنده ما هو إلا محاولة لتصحيح التعدية وبيان المعنى، وصرف لهمم الباحثين عن استجلاء روائع البلاغة القرآنية في نزع الخافض وإيصال الفعل إلى المفعول مباشرة دون واسطة حرف الجر.

    وفي هذه الآية الكريمة - والله أعلم بمراده - دل نزع الخافض على ما يجب أن يكون عليه المؤمن من المبادرة والمسارعة إلى فعل الخيرات حتى لكأن المؤمنين في سباق لا ينتهي بهم عند الخيرات، أما لو قيل "فاستبقوا إلى الخيرات" فإن "إلى" بدلالتها على الانتهاء تشير إلى أن غاية المؤمن أن ينتهي وصوله إلى الخيرات.

    وفرق كبير بين أن تكون غاية الإنسان الوصول إلى الخيرات، وأن تنتهي رحلته عندها، وبين أن يكون المؤمن في سباق دائم مع غيره رغبةً في نيل رضا الله تعالى والفوز بجناته.

    ولعل هذا الذي أشرنا إليه هو ما ألمح إليه الزمخشري بقوله " واسبقوا إليها غيركم من أهل القبلة وغيره " (31)

    والسيد رشيد رضا بقوله " أي ابتدروا كل نوع من أنواع الخير، وليحرص كل منكم على سبق غيره إليه " (32) .

    وقد ورد هذا التعبير القرآني في قوله تعالى  ]ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات [ ( المائدة48)  ولهذه الآية الكريمة نظائر منها قوله تعالى ] واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر[ (يوسف25) وقوله تعالى ]   ولونشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط [  (يسن 66)  وسيأتي مزيد بيان لهاتين الآيتين في موضعهما من هذا البحث.

    --------------------

    ويقول تعالى ] إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم[(البقرة158)   . تعددت أقوال العلماء في توجيه نصب "خيرا"، أولهما: أنه منصوب بنزع الخافض والتقدير: بخير فلما حذف الحرف وصل الفعل إليه ويؤيده أنه قرأ بها ابن مسعود، ولهذا رجحه كثير من العلماء، الثاني: أنه صفة لمصدر محذوف تقديره تطوعا خيرا، الثالث: أنه مفعول به على تضمين "تطوع" معنى أتى أو فعل، الرابع: أنه حال من ذلك المصدر المقدر المعرفة، وهو مذهب سيبويه (33).

    ومع أن الألوسي قد ذكر بعض هذه الآراء في نصب "خيرا" إلا أنه قد أضاف كلاما يجدر بنا ذكره في هذا الموضع حيث يقول " وفائدة "خيرا" مـع أن التطـوع لا يكـون إلا كـذلك التنصيص بعموم الحكم بأن من فعل خيرا أيَّ خير كان يثاب عليه " (34) .

    ويهمنا من هذه التوجيهات التوجيه الأول وهو أن "خيرا" منصوب على نزع الخافض، ولو كان معنى الحرف مرادا لذكر في الآية الكريمة، وإنما جاءت الآية بإسقاط حرف الجر وإيصال الفعل "تطوع" إلى المفعول "خيرا" لأنه يفيد معنى هو مراد الآية الكريمة.

    فهو لم يتطوع بخير، وإنما تطوع خيرا، وفرق كبير بين من تطوع خيرا، وبين قولنا "تطوع بخير"، لأن فعل التطوع في الآية واقع على الخير كما يقع الفعل على المفعول مباشرة، أما في قولنا فإن التطوع واقـع علـى الخيـر وقوعـا غيـر مبـاشـر، وفرق بين أن يقع الفعل على المفعول مباشرا، وبين أن يقع عليه بواسطة حرف الجر.

    ولعله مما تقدم يمكننا القول بأن نزع الخافض دال على التعميم في فعل الخير والطاعات وقد تضافرت دلالة التنكير مع إسقاط حرف الجر على العموم، ولو قيل "بخير" بزيادة الباء لدل على فعل بعض الخير لا عموم الخير.

    --------------------

    ويقول تعالى ]وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير[(البفرة233)   .

    للمفسرين في إعراب " أولادكم " رأيان: أولهما: أن الفعل استرضع يدل على الطلب، أي طلبت من المرأة إرضاع الولد، كما تقول استقيت زيدا الماء، واستطعمت عمرا الخبز، فهو يتعدى إلى مفعولين حذف أحدهما للاستغناء عنه والمعنى: أن تسترضعوا المراضع أولادكم، وإلى هذا ذهب الزمخشري, الثاني: أن "أولادكم" منصوب بنزع الخافض على أنه مفعول ثان، والتقدير: أن تسترضعوا المراضع لأولادكم (35) .

    وإليك ما قاله أبو حيان في بيان اختلاف العلماء في تعدية الفعل استرضع في هذه الآية الكريمة " استرضع فيه خلاف هل يتعدى إلى مفعولين بنفسه، أو إلى مفعولين الثاني بحرف الجر؟ قولان، الأول قول الزمخشري قال: استرضع منقول من أرضع، يقال: أرضعت المرأة الصبي، فتعدِّيه إلى مفعولين، كما تقول: أنجح الحاجة واستنجحته الحاجة، والمعنى: أن تسترضعوا المراضع أولادكم، فحذف أحد المفعولين للاستغناء عنه، كما تقول: استنجحت الحاجة، ولا تذكر من استنجحته، وكذلك حكم كل مفعولين لم يكن أحدهما عبارة عن الأول انتهى كلامه....،واستفعل هنا للطلب، أي طلبت من المرأة إرضاع الولد كما تقول: استسقيت زيدا الماء، واستطعمت عمرا الخبز، أي طلبت منه أن يسقيني وأن يطعمني، فكما أن الخبز والماء منصوبان وليسا على إسقاط الخافض كذلك "أولادكم" منصوب لا على إسقاط الخافض، والثاني: قول الجمهور وهو أن يتعدى إلى اثنين، الثاني بحرف جر، وحذف من قوله "أولادكم" والتقديرلأولادكم"(36) .

    يكشف التعبير - بإسقاط حرف الجر - عن رغبة الآباء وحرصهم على إرضاع أولادهم، وإيصال الرضاعة إليهم بلا واسطة مرضع أو غيرها لو أنهم استطاعوا إلى ذلك سبيلا.

    فكما أن إيصال الفعل إلى المفعول وقع لفظا دون وساطة حرف الجر فقد ترتب عليه في المعنى حرص الآباء ورغبتهم الأكيدة في إيصال الرضاعة إلى أولادهم بلا واسطة مرضع لو أنهم يستطيعون إلى ذلك سبيلا.

    ولو ذكر في السياق حرف الاختصاص اللام "لأولادكم" لما دل على الغرض الذي اشرنا إليه، لأنه دال على اختصاص الإرضاع للأولاد ولأجلهم، وفرق كبير في المعنى بين أن يكون الإرضاع للأولاد وبين أن يكون الإرضاع واقعا عليهم.

    --------------------

    ويقول تعالى ] ولا جناح عليكم فيما عرَّضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله[.(البقرة 235) . للعلماء في توجيه نصب "عقدة النكاح"أراء عديدة أولها: أنه منصوب بنزع الخافض والتقدير: ولا تعزموا على عقدة النكاح، وقد حكى سيبويه أن العرب تقول: ضرب زيد الظهر والبطن أي على الظهر والبطن، قال الشاعر:

           ولقد أبيت على الطوى وأظله            حتى أنال به كريم المأكل

    وأظل عليه، فحذف "على" ووصل الفعل إلى الضمير فنصبه إذ أصل هذا الفعل أن يتعدى بعلى، قال الشاعر:

           عزمت على إقامة ذي صباح              لأمر ما يسوَّد من يسود

    الثاني: أنه مفعول به على تضمين الفعل "تعزموا" معنى فعل يتعدى بنفسه حيث ضمن معنى تنووا، أو معنى تصححوا، أو معنى وجبوا أو معنى تباشروا، أو معنى تقطعوا أي تبتوا، الثالث: أنه منصوب على المصدر والمعنى: ولا تعقدوا عقدة النكاح (37) .

    ومعنى العزم " عقد القلب على إمضاء الأمر " (38) ، وفي إيثار القرآن التعبير بإيقاع النهي على العزم بقوله تعالى ] ولا تعزموا عقدة النكاح [ بدلا من التعبير بالنهي الصريح في قولنا ولا تنكحوا النساء في العدة  " مبالغة في النهي عن عقد النكاح في العدة لأن العزم على الفعل يتقدمه، فإذا نهى عنه كان عن الفعل أنهى " (39) .

    وقبل أن نبحث في بيان السر البلاغي من وراء نزع الخافض في هذه الآية الكريمة يجدر بنا أن نوضح أن القول بالتضمين ما هو إلا محاولة من العلماء لتصحيح وجه التعدية، كما أن الذهاب إليه في هذه الآية الكريمة يؤدي إلى ضعف بلاغة المعنى لأن سياق الآية الكريمة لا يقتضيه، وفي هذا الصدد يقول أحد الباحثين " ذلك لأن كثيرا من النحاة وبعض المفسرين يطلقون التضمين على أساليب بعضها لا يحتاج فيه إلى تضمين لوفاء الفعل المذكور بأداء المعنى المطلوب، وبعضها لا يتأتى فيه التضمين لعدم إمكان الجمع بين المعنيين، وبعضها يؤدي القول بالتضمين فيها إلى ضعف بلاغة العبارة.

    فالفعل "عزم" يتعدى بعلى، تقول: عزمت على السفر مثلا، ولما جاء متعديا بنفسه في قوله تعالى "ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله" قالوا بتضمين "تعزمـوا" معنـى "تنووا" فنصب المفعول بنفسه مثله، ومع أن النية مطلق العزم، والعزم خصوص عقد الضمير على الشيء، إذ يقول الزمخشري: وحقيقة العزم القطع .

    إلا أنه لا داعي - في نظري - لتضمين تعزموا معنى تنووا لأن صدر الآية يؤذن بالعفو عن النية والركون النفسي "ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله" فالآية رفعت الحرج في التعريض والإضمار القلبي، ونهت عن المواعدة والعزم، فليس من المناسب أن نضمن العزم معنى النية " (40) .

    فما ذكره هذا الباحث مما ينثلج له الصدر وينشرح له الخاطر، لكن يبقى فيما قاله بأن الفعل "عزم"  ورد متعديا بنفسه في هذه الآية نظراً لأن هذا الفعل لازم ويتعدى بعلى، والاسم بعده منصوب بنزع الخافض، يقول أبو حيان " وقيل انتصب - أي عقدة - على إسقاط حرف الجر وهو على هذا التقدير: ولا تعزموا على عقدة النكاح ....، إذ أصل هذا الفعل أن يتعدى بعلى قال الشاعر:

           عزمت على إقامة ذي صباح     لأمر ما يسوَّد من يسود " (41) .

    ويقـول السميـن الحلبـي " إنـه منصـوب علـى إسقـاط حـرف الجـر وهـو "علـى" فإن "عـزم" يتعدى بها ....." (42) .

    ولعلك حين تتأمل ما عليه التعبير القرآني "ولا تعزموا عقدة النكاح" بنزع الخافض، وقولنا "ولا تعزموا على عقدة النكاح" تجد فرقا بين تعدية الفعل بحرف الاستعلاء "على" وبين إسقاط حرف الجر وإيصال الفعل إلى المفعول مباشرة، ذلك أن على بما فيها من معنى الاستعلاء تكون آكد في الدلالة على العزم على النكاح لأن زيادة المبنى تؤدي حتما إلى زيادة المعنى كما قرر ذلك علماء البلاغة، أما ما عليه التعبير القرآني فليس فيه هذا التأكيد الذي نحس به مع زيادة حرف الاستعلاء، ونحن إذا نُهينا عن عزم النكاح فنحن أكثر نهيا بالنسبة للعزم على النكاح، ولهذا كان النهي في الآية الكريمة نهيا عن الصيغة الأقل مبالغة.

    ونظير هذه الآية الكريمة قوله تعالى ] للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم  [(البقرة 226- 227).

    ذكر العلماء لنصب "الطلاق" وجهين: أحدهما: أنه منصوب بنزع الخافض أو بإسقاط حرف الجر كما قالوا،لأن عزم يتعدى بعلى كما في قول الشاعر:

           عزمت على إقامة ذي صباح  .

    الثاني: أنه مفعول به بتضمين الفعل "عزم" معنى نوى (43) .

    ومع أن الآية السابقة جاءت بطريق النهي  ]ولا تعزموا عقدة النكاح[  وهذه الآية جاءت بالإثبات "] فإن عزموا الطلاق [ فإن المغزى البلاغي فيهما واحد، وهو أن نزع الخافض دال على أقل ما يمكـن من عـزم الطـلاق تنفيرا من الطـلاق لأنـه أبغـض الحـلال إلـى الله، ولو قيل "عزموا على الطلاق" لدل التعبير على تأكيد عزمهم على الطلاق وإصرارهم عليه، أما ما عليه التعبير القرآني فليس فيه هذا التأكيد والإصرار الذي نلمحه من زيادة حرف الجر "على" لأن الآية لم تنفر من الطلاق بل أقل عزم عليه، وتستجيش في نفس المؤمن وتحثه على إعادة الحياة الزوجية إلى سابق عهدها، ولعل هذا ما يتناغم مع تقديم العودة والرجوع، على العزم على الطلاق في قوله ] فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم [.

    --------------------

    سورة النساء ( 44) :

    يقول تعالى ] واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا [ (الآية 34) .

    في نصب سبيلا وجهان: أحدهما: أنه منصوب على نزع الخافض، والثاني على أنه مفعول به وسنقتصر هنا على نقل ما ذكره الشهاب بقوله " بغى هنا بمعنى "ظلم" فهو لازم و "سبيلا" منصوب على نزع الخافض وأصله بسبيل أي لا تظلموهن بطريق من الطرق بالتوبيخ اللساني والأذى الفعلي وغيره، أو بمعنى الطلب فهو متعد، و "سبيلا" مفعوله أي لا تطلبوا سبيلا وطريقا إلى التعدي عليهن " (45) .

    لعل نزع الخافض وإيصال الفعل إلى المفعول في هذه الآية الكريمة - والله أعلم بمراده - يستجيش في الرجل ما ينبغي أن يتحلى به من الرحمة والإنصاف، والابتعاد عن الظلم بعدم تعميم سبل البغي والظلم على الزوجة التي صلح له أمرها، وأذعنت له بالطاعة بعد نشوزها وإعراضها بعد أن سلك معها السبل التي أباح القرآن الكريم له أن يتخذها سلاحا ناجعا لإصلاح زوجته حفاظا لها من الفساد، ولبيته من الدمار والضياع.

    ولو قيل "فلا تبغوا عليهن بسبيل" لكان النهي عن البغي متجها إلى سبيل من هذه السبل التي أباحها القرآن للرجل أن يتخذها وسائل لإصلاح شأن زوجته، أما ما عليه النظم القرآني فدال على عدم تعميم سبل البغي على النساء وطرق الإضرار بهن سواء كان بالتوبيخ اللساني والأذى الفعلي أو غيره.

    --------------------

    ويقول تعالى ]وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيبا....[ (النساء 43) , وتكررت هذة الآية في المائدة ( الآية 6).

    ذكر علماؤنا رحمهم الله لنصب "صعيدا" في هذه الآية الكريمة رأيين: أولهما: أنه مفعول به لقوله "تيمموا" أي: أقصدوا، والثاني: أنه منصوب بنزع الخافض أي بصعيد(46)، وفي إيضاح هذا يقول الشهاب " صعيدا مفعول به، وقيل: إنه منصوب بنزع الخافض أي بصعيد "(47) .

    الصعيد: وجه الأرض ترابا كان أو غيره(48)، فيشمل التراب والرمل والحجارة  .

    ونزع الخافض في هذه الآية الكريمة - والله أعلم - يشير إلى امتنان الله على هذه الأمة برفع الحرج عنها في أن يتيمموا بأي صعيد ترابا أو رملا أو حجرا شريطة أن يكون طاهرا لم تلوثه نجاسة ولا قذر.

    ولو قيل "بصعيد" فإن الباء بما فيها من معنى الملابسة والإلصاق توحي بأنهم متلبسون بالأرض، وملتصقون بها، وهذا دال قطعا على عدم نظافة مظهرهم الخارجي لالتصاق الغبار وما علق على الأرض من أوساخ بملابسهم الخارجية، أما ما عليه البيان القرآني في قوله تعالى "فتيمموا صعيدا طيبا" بإسقاط حرف الجر فدال على عظيم امتنان الله برفع الحرج عن المسلمين بالتيمم بأي صعيد كـان، مـع مـا فيـه من الدلالـة علـى نظافـة المظهر الخارجـي لأن المؤمن حين يتيمم للطهارة أوالوضوء يضرب الأرض بيديه ثم يمسح وجهه وكفيه فتتحقق له طهارة البدن ونظافة المظهر.

    وتأمل بلاغة القرآن في إيثاره للتعبير بالصعيد دون غيره " ليصرف المسلمين عن هوس أن يتطلبوا التراب أو الرمل مما تحت وجه الأرض غلوا في تحقيق طهارته "(49) .

    --------------------

    سورة الأعراف:

    يقول تعالى على لسان إبليس اللعين]قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم[ (اآية16) .

    للعلماء في نصب " صراطك " ثلاثة أوجه: أولها: أنه منصوب بنزع الخافض تقديره "على صراطك"، قاله الزجاج وشبهه بقول العرب: ضرب زيد الظهر والبطن أي على الظهر والبطن، وإسقاط حرف الجر لا ينقاس في مثل هذا لا يقال: قعدت الخشبة تريد: قعدت على الخشبة، الثاني: أنه منصوب على الظرف والتقدير: لأقعدن لهم في صراطك، وهذا تخريج ضعيف لأن صراطك ظرف مكان مختص، والظرف المكاني المختص لا يصل إليه الفعل بنفسه بل بحرف الظرفية "في" تقول: صليت في المسجد، ونمت في السوق، ولا تقول صليت المسجد ، ونمت السوق، وما جاء على خلاف ذلك شاذ أو ضرورة، الثالث: أنه مفعول به لأن الفعل قبله وإن كان قاصرا فقد ضُمِّن معنى فعل متعد، والتقدير: لألزمن صراطك المستقيم بقعودي عليه(50).

    في هذه الآية الكريمة دل حذف حرف الجر وإيصال الفعل "أقعدن" إلى الصراط على رغبة إبليس - اللعين - الأكيدة وحرصه الشديد على الاستيلاء والاستحواذ على الصراط الموصل إلى الله تعالى ليسد على بني آدم جميع السبل الموصلة إليه مبالغة منه في إغوائهم جميعا حتى لكأن التعبير يوحي بأنه قد سدَّ عليهم منافذ الهداية وسبل الحق والخير كأنه عدو يعترض الطريق ليقطعه على المارة، ولو قيل "على صراطك" لدل على استيلاء إبليس على بعض الطريق لا كلها، وعلى بيان هيئة قعود إبليس على الصراط في استعلاء وتكبر مما يفوت عليه حرصه على إغواء ذرية آدم عليه السلام.

    --------------------

    ويقول تعالى  ] ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح...[ (الأعراف  150 ) .

    ذهب العلماء في نصب "أمر" في قوله تعالى ] أعجلتم أمر ربكم [ إلى أنه منصوب على المفعول به بعد حذف الخافض وتضمين الفعل معنى الفعل سبق , وفي هذا الصدد يقول السمين الحلبي " أنه منصوب على المفعول بعد إسقاط الخافض وتضمين الفعل معنى ما يتعدى بنفسه "(51)  ، ويقول الشهاب " لما كان تعدِّي "عجل" بعن لا بنفسه لأنه يقال: عجل عن الأمر إذا تركه غير تام، ونقيضه تمَّ عليه وأُعجله عنه غيره، جعلوه هنا مضمنا معنى سبق فعدي تعديته " (52) .

    أما الطاهر بن عاشور فذكر في نصبه وجهين أحدهما أنه منصوب بتضمين الفعل معنى سبق، والثاني أنه منصوب على نزع الخافض، وإليك قوله " وعجل أكثر ما يستعمل قاصرا بمعنى فعل العجلة أي السرعة، وقد يتعدى إلى المعمول "بعن" فيقال: عجل عن كذا بمعنى لم يتمه بعد أن شرع فيه، وضده تم على الأمر إذا شرع فيه فأتمه، ويستعمل عجل مضمنا معنى سبق فعدى بنفسه على اعتبار هذا المعنى، وهو استعمال كثير.

    ومعنى "عجل" هنا يجوز أن يكون بمعنى لم يتم، وتكون تعديته إلى المفعول على نزع الخافض " (53).

    أشعر إسقاط حرف الجر عن سرعة بني إسرائيل وعجلتهم في ترك وعد ربهم من المحافظة على الشريعة وانتظار رجوع موسى عليه السلام، فلم يتموا ذلك واستعجلوا فبدلوا وغيروا(54)،ولو ذكر حرف الجر هنا لما دل على هذا المعنى بل نراه بما فيه من معنى المجاوزة والانصراف يدل على أنهم متباعدون عن أمر ربهم منصرفون عنه.

    -------------------

    ويقول تعالى ] واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا...[ (تلاعراف 155) .

    اتفقت أقوال العلماء على نصب "قومه" في هذه الآية الكريمة بنزع الخافض، والتقدير: اختار موسى من قومه، يقول أبو عبيدة " مجازه اختار موسـى من قومـه، ولكن بعض العرب يجتازون فيحذفون "من" قال العجاج: تحت التي اختار له الله الشجر " (55) .

    ويقول الأنباري " قومه، وسبعين، منصوبان مفعولان باختار، إلا أنه تعدى إلى سبعين من غير تقدير حذف حرف الجر، وتعدى إلى قومه بتقدير حذف حرف الجر، والتقدير فيه، واختار موسى من قومه سبعين رجلا، فحذف حرف الجر فتعدى الفعل إليه " (56) .

    ويقول الزمخشري " أي من قومه فحذف الجار وأوصل الفعل كقوله: منا الذي اختير الرجال سماحة "(57) ، ويقول أبو حيان " اختار افتعل من الخير، وهو التخير والانتقاء، واختار من الأفعال التي تعدت إلى اثنين أحدهما بنفسه والآخر بواسطة حرف الجر ، وهي مقصورة على السماع، وهي اختار، واستغفر، وأمر، وكنى، ودعا، وزوج، وصدق، ثم يحذف حرف الجر ويتعدى إليه الفعل، فيقول:اخترت زيدا من الرجال، واخترت زيدا الرجال، قال الشاعر:

    اخترتك الناس إذارثت خلائقهم   واعتلَّ من كان يرجى عنده السؤل" (58)

    لا شك أن ما ذكره علماؤنا رحمهم الله لا غبار عليه من حيث الصحة لكنه ليس سوى مجرد تصحيح للمعنى وتعليل للحذف، وهو ما ينبغي علينا أن نتجاوزه للبحث عن أسرار نزع الخافض في هذه الآية الكريمة.

    حذف حرف الجر يدل على أن موسى عليه السلام قد اجتهد في البحث والتنقيب في قومه فلم يجد فيهم خيارا سوى هؤلاء السبعين، ولو قيل: اختار موسى من قومه سبعين رجلا لدل على أن في القوم خيارا كثيرين وأن اختيار موسى عليه السلام قد وقع على هؤلاء السبعين رجلا، ويضيف بعض الباحثين قائلا " أرى - والله أعلم بما نزل - أن إسقاط حرف الجر قصد منه النعي على بني إسرائيل لكثرة تمردهم وعصيانهم، ودوام مخالفتهم لنبيهم، حتى كأنه لم يجد فيهم خيارا غير هؤلاء السبعين، فهم القوم كل القوم في ميزان الطاعة والصلاح، وفي ذلك ما فيه من التلميح بكثرة العاصيـن، وقلـة الصالحيـن فيهـم، ولا عجـب أن يقصـد القـرآن إلـى ذلك، بعد آيات تحدثت عما صنعه بنو إسرائيل بموسى وعبادتهم العجل من دون الله "(59) .

    أرأيت بلاغة القرآن كيف دل إسقاط حرف الجر على النعي على بني إسرائيل لكثرة عصيانهم ودوام مخالفتهم لنبيهم موسى عليه السلام، ومعاناته في البحث عن الصالحين منهم فلم يجد خيارا فيهم سوى هؤلاء السبعين، ولو ذكر حرف الجر لدل أن في القوم خياراً كثيرين، وأن موسى قد اختار منهم هؤلاء السبعين وليس هذا هو مراد القرآن والله أعلم بمراده.

    فقل لي بربك أي إعجاز هذا ؟ وأي نظم ذلك الذي يحذف الحرف أو يزيده حين يقتضي السياق حذفه أو زيادته* فيشيع في جوانب النص كل تلك الدلالات والإيحاءات بما لا تنهض به الكلمات، وتعجز عنه الجمل الطوال؟ ألا إنه تنزيل من حكيم حميد(60).
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    من أسـرار نزع الخافض  فـي  القـرآن الكريـم Empty رد: من أسـرار نزع الخافض فـي القـرآن الكريـم

    مُساهمة من طرف أحمد الأربعاء يوليو 16, 2014 4:31 am

    سورة هود:

    يقول تعالى في شأن هلاك عاد ] وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود [ (الآية 60) .

    للعلماء في نصب "ربهم" في قوله تعالى ] كفروا ربهم [ أقوال عديدة أحدها: أنه منصوب على أنه مفعول به للفعل كفروا لإجرائه مجرى جحدوا أو على تضمينه معنى جحدوا أو عصوا، الثاني: أنه مفعول به للفعل كفروا من كفران النعمة فيكون الفعل متعديا بنفسه ولا بد حينئذ من تقدير ضاف محذوف: كفروا نعمـة ربهـم، لأن مـادة الكفـر لا تتعدى إلى الذات وإنما تتعدى إلى أمر معنوي ، الثالث: أنه منصوب بنزع الخافض أي كفروا بربهم (61).

    ويهمنا هنا أن نقف عند التوجيه الأخير وهو أن "ربهم" منصوب على نزع الخافض أو على الحذف والإيصال كما صرح به الشهاب الخفاجي.

    وإسقاط حرف الجر وإيصال الفعل في هذا التعبير القرآني ]كفروا ربهم [ يجسد تأصل الكفر في نفوس هؤلاء القوم، وشناعة ما هم عليه من الكفر والبغي والعدوان حيث لم يكتفوا بأن يكفروا بآيات الله وبما يدعوهم إليه رسولهم الكريم، بل بالغوا في كفرهم وأوغلوا فيه إيغالا فاحشا تجاوز كل حد فكفروا ربهم .

    ونظير هذه الآية الكريمة قوله تعالى في شأن ثمود ] وأخذ الذين ظلموا الصيحةُ فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثموداً كفروا ربهم ألا بعدا لثمود [ (هود 67- 68 ) .

    --------------------

    سورة يوسف:

    يقول تعالى ] واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب..... [ (الآية 35) .

    في إعراب الباب في قوله تعالى ] واستبقا الباب [ للعلماء رأيان: أحدهما: أنه منصوب على نزع الخافض لأن أصل استبق أن يتعدى بإلى فحذف اتساعاً، والثاني: أنه منصوب بتضمين استبقا معنى ابتدرا، وفي هذا الصدد يقول الزمخشري " واستبقا الباب وتسابقا إلى الباب على حذف الجـار وإيصـال الفعل كقوله ] واختار موسى قومه [ (الاعراف155) ، أو على تضمين استبقا معنى ابتدرا، نفر منها يوسف فأسرع يريد الباب ليخرج ، وأسرعت وراءه لتمنعه الخروج " (62) .

    والتعبير بحذف حرف الجر وإيصال الفعل إلى المفعول في هذه الآية الكريمة يوحي برغبة كل من يوسف عليه السلام وامرأة العزيز في الإسراع إلى الباب، وما هما عليه من سبق كل منهما للآخر في الوصول إلى الباب تحقيقا لمراده، فيوسف عليه السلام أسرع إليه ليخرج، وهي لتمنعه من الخروج، ولو قيل "واستبقا إلى الباب" لدل التعبير على أن غاية سبقهما أن ينتهي إلى الباب، وليس هذا ما يسعى النظم الكريم إلى إبرازه من حرص كل منهما في سبق الآخر إلى الباب حيث أراد يوسف عليه السلام أن يهرب من مراودتها له محاولاً الإسراع إلى الباب قبلها ليخرج منه، وهي تحاول الإسراع إليه قبله لتمنعه من الخروج.

    --------------------

    سورة الإسراء:

    يقول تبارك وتعالى ] وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا   [(الآية 61) . في نصب " طينا "ً ذكر علماؤنا رحمهم الله وجوها عديدة:

    أولها: أنه منصوب بنزع الخافض أي من طين، ويؤيده التصريح به في الآية الأخرى ] وخلقته من طين [ (ص 76) ، الثاني: أنه حال إما من الهاء في "خلقته" المحذوفة والعامل "خلقت" وإما من الموصول "لمن" والعامل فيه "أأسجد" على معنى أأسجد له وهو طين، وجاز وقوع طين حالا وإن كان جامدا، لدلالته على الأصالة كأنه قال: متأصلا من طين، الثالث: أنه منصوب على التمييز، قاله الزجاج وتبعه ابن عطية، غير أن أبا حيان رفضه وتابعه تلميذه السمين بقوله: ولا يظهر كونه تمييزا إذ لم يتقدم إبهام ذات ولا نسبة (63).

    يكشف التعبير القرآني في هذه الآية الكريمة رفض إبليس للسجود لآدم عليه السلام، واستنكافه أن يسجد لمخلوق من طين، ودل إسقاط حرف الجر على إمعان إبليس في السخرية بآدم والتحقير من شأنه لأنه لا يزال يتصور أن آدم طين وليس بشرا سوياً على نحو ما يفصح عنه التعبير القرآني "خلقت طينا" ولو قيل "من طين" لدل على أن آدم عليه السلام قد اكتمل خلقه، وأن أصله مخلوق من طين، مما يفوت علينا ما كنا نجده في التعبير القرآني من ازدراء إبليس اللعين لآدم والتحقير له والسخرية به في كونه لا يزال يتصور أنه طين وليس بشرا سويا.

    --------------------

    سورة الكهف:

    يقول تعالى ] قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما،آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين [(الآية 95-98) .

    اتفقت أقوال كثير من العلماء على أن "زبر" في قوله ] زبر الحديد [ منصوب بنزع الخافض أي: جيئوني بزبر الحديد(64) .

    يشي حذف حرف الجر في هذه الآية الكريمة مع أن وجوده جزء أساس في بناء هذه الجملة لعدم استقامة المعنى بدونه برغبة ذي القرنين في سرعة إتيانهم له بزبر الحديد كله أو بعضه دون ريث أو إبطاء.

    ولعل تخصيص " زبر الحديد بالذكر دون الصخور والحطب ونحوهما لما أن الحاجة إليها أمس إذ هي الركن القوي في السد، ووجودها أعز" (65) .



    --------------------

    سورة طه:

    يقول تعالى في شأن عصا موسـى عليـه السـلام ] فألقاها فإذا هي حية تسعى قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى [ (الآية 20-21) .

    ذكر العلماء لتوجيه نصب "سيرتها" أقوالاً عديدة: أولها: أنها منصوبة بنزع الخافض على أنها مفعول ثان للفعل "سنعيدها" مثل قوله تعالى "واختار موسى قومه" وأصل التعبير: سنعيدها إلى سيرتها،قاله الحوفي، وإليه ذهب ابن مالك، وارتضاه ابن هشام، الثاني: أنها منصوبة على أنها بدل اشتمال من الضمير الهاء في "سنعيدها"، الثالث: أنها مفعول به من عاده أي أعاد إليه فيتعدى إلى مفعولين، الرابع: أنها منصوبة على الظرف والتقدير:سنعيدها في طريقتها الأولى، الخامس: أنها منصوبة بفعل مضمر تقديره: تسير سيرتها الأولى، وتكون هذه الجملة المقدرة في محل نصب على الحال أي: سائرةً سيرتها(66)  .

    تبرز هذه الآية عظمة الخالق ورحمته لعبده ونبيه موسى عليه السلام من خلال ما يومئ به نزع الخافض وإيصال الفعل إلى المفعول "سيرتها" من الدلالة على سرعة إعادة العصا إلى ما كانت عليه قبل أن تنقلب حية طمأنة لموسى وتسكينا لفؤاده عليه السلام .

    ويتجلى في هذه الآية الكريمة مظهر من مظاهر عزة الربوبية وهيمنتها وقدرتها ليس على الخلق والإعادة فحسب،بل ببث الحياة فيما لا حياة فيه وإعادته إلى ما كان عليه من قبل مما هو شاهد صدق على أن هذه الآيات المعجزات التي يجريها الله على أيدي رسله عليهم السلام خارجة عن

    طوق البشر.

    -------------------

    سورة الأنبياء:

    يقول تعالى ] وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون [ (الآية 19-20) . لم أجد في كتب العلماء شيئاً في إعراب هذه الآية سوى أن الطاهر بن عاشور قد نص على أن الليل والنهار " ظرفان، والأصل في الظرف أن يستوعبه الواقع فيه، أي يسبحون في جميع الليل والنهار " (67) ، مما يجعلنا على يقين بأن نصب "الليل والنهار" في هذه الآية بنزع الخافض تقديره: يسبحون في الليل والنهار.

    ونزع حـرف الخافـض وإيصال الفعل "يسبحون" إلى الظرف مباشرة دال على استغراق تسبيح الملائكة للزمن كله ليلا ونهارا، فهم في تسبيح دائم لا ينقطع، ولا يتخلله فترة انقطاع لراحة أو لعمل آخر.

    ولعل هذا الذي ذكرناه هو ما أومأ إليه الزمخشري بقوله " أي تسبيحهم متصل في جميع أوقاتهم لا يتخلله فترة فراغ أو شغل آخر " (68) .

    ولعلنا نتساءل لما جاء التعبير في هذه الآية الكريمة بنزع الخافض ] يسبحون الليل والنهار[ وفي سورة فصلت في قوله تعالى ] فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون[ (الآية 38)  فحذف حرف الجر دل على استغراق تسبيح الملائكة للزمن كله ليلا ونهارا، وهو ما يتناسب مع سياق الآيات الكريمات، أما في سورة فصلت فجاء حرف الإلصاق "الباء" دالاً على ملابسة التسبيح للزمن ووقوعه في أي جزء من أجزائه دون الدلالة على استغراق الزمن كله، ولعل اختلاف الصياغة في هاتيـن الآيتيـن راجـع إلـى اختلاف السياق والمقام فيهما، ففي سورة الأنبياء بيَّن الله تعالى بأن له من في السماوات والأرض، ثم انتقل إلى الثناء على ملائكته المقربين بأنهم لا يستكبرون عن عبادته ولا يشعرون بالتعب والملل في عبادته، وأنهم يسبحون الليل والنهار ولا يفترون، وليس أدل في الثناء عليهم سوى استغراقهم للزمن كله ليلا ونهارا في عبادة دائمة وتسبيح لا ينقطع للواحد القهار، أما آية فصلت فليس فيها ما يشعر بالثناء البالغ على الملائكة بل فيها بيان لبعض شأنهم بعد بيان استكبار غيرهم عن عبادة الله والسجود له ] فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون [.

    -------------------

    ويقول تعـالـى ] ونضـع الموازيـن القسـط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا ًوإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين [ (الأنبياء 47) .

    ذكر العلماء لنصب "القسط" عدة آراء: أولها: أنه منصوب على أنه صفة للموازين، الثاني: على أنه مفعول لأجله أي لأجل القسط، الثالث: أنه على تقدير مضاف محذوف ولما حذف المضاف أقيم المضاف إليه مقامه التقدير: ونضع الموازين ذوات القسط (69).

    وأضيف إلى ما ذكره العلماء وجها آخر أرى له من الوجاهة ما يجعله أولى بالقبول من غيره لأن السياق القرآني يحتمله ولا يأباه، وهو أن يكون "القسط" منصوبا على نزع الخافض تقديره: ونضع الموازين بالقسط .

    ولعل أقوى هذه الأوجه من وجهة نظري أن يكون صفة للموازين، أو منصوبا بنزع الخافض، أما القول بأنه مفعول لأجله فلم يقبله السمين الحلبي قائلا " إلا أن في هذا نظراً من حيث إن المفعول له إذا كان معرفا بأل يقلُّ تجرُّده من حروف العلة تقول: جئت للإكرام، ويقلُّ جئت الإكرام " (70) . كذلك الذهاب إلى تقدير حذف أي: ذوات القسط، يفقد التعبير القرآني رونقه وجماله، وقد رفض الشيخ عبد القاهر تقدير المحذوف في سياق مماثل لهذه الآية، في قول الخنساء المشهور وهو من شواهد البلاغيين في المجاز العقلي:

    ترتع ما رتعت حتى إذا ادَّكرت                      فإنما هي إقبال وإدبار

    يقول الشيخ " إذا نحن قلنا فإنما هي ذات إقبال وإدبار أفسدنا الشعر على أنفسنا وخرجنا إلى شيء مغسول، وإلى كلام عامي مرذول.....، وإلى شيء يعزل البلاغة عن سلطانها، ويخفض من شانها، ويصدُّ أوجهنا عن محاسنها، ويسد باب المعرفة بها وبلطائفها علينا " (71)  ، ثم يؤكد رفض هذا ويحتم علينا أخذ المعنى كما يعطيه هذا البناء الذي بني عليه الشعر، والذي يفيد بأن الناقة كأنها صارت بجملتها إقبالا وإدبارا حتى كأنها قد تجسمت منهما، وكذلك الشأن في الآية الكريمة كما سنوضحه في السطور التالية.

    التعبير القرآني ] ونضع الموازين القسط [ بنصب القسط سواء كان التقدير على أنه صفة للموازين أو أنه منصوب بنزع الخافض دال على أن الموازين قائمة على القسط، ومبنية عليه حتى لكأنها في أنفسها صارت قسطا وفي ذلك ما فيه من المبالغة على كمال عدل الله في يوم القيامة، وما ذكرتـه في جملتـه مقتبس من كلام الزمخشري في قوله " وصفت "الموازين" بالقسط وهو العدل مبالغة كأنها في أنفسها قسط " (72) .

    وأفرد القسط للدلالة على أنه عدل واحد، وجمعت الموازين " مع أن الميزان الموضوع واحد نظرا إلى تعدد ما يوزن فيه أو لتعظيم شأنه " (73) . وتأمل روعة بلاغة القرآن كيف آثر التعبير بحرف الاختصاص اللام في هذه الآية الكريمة ]ونضع الموازين القسط ليوم القيامة [ بدلا من حرف الظرفية في قولنا "في يوم القيامة" حيث ذهب إلى تقدير ذلك الكوفيون، ووافقهم ابن قتيبة من المتقدمين وابن مالك من المتأخرين، وجعلوا من ذلك قوله ] القسط ليوم القيامة[ أي في يوم القيامة(74).

    " لما في اختصاص هذا اليوم بإقامة ميزان العدل الإلهي اقتصاصا من خلقه من إيحاء بأن انتقام الله قد يتأخر، وأن أخذ الظالمين بسيف عدله قد يدخر استدراجا لهم، وكأنه تعالى قد أعد موازينه وادخرها لهذا اليوم"(75)

    -------------------

    سورة النور:

    يقول تعالى ] رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار [ (الآية37) .

    ذهب العلماء إلى أن نصب "يوما" على أنه مفعول به للفعل "يخافون" على تقدير مضاف محذوف أي عقاب يوم وهوله، وبعضهم جعله ظرفا(76)، ويحتمل أن يكون منصوبا بنزع الخافض تقديره "يخافون في يوم" وهو ما أميل إليه وأرتضيه لوجود ما يعضده من كلام الألوسي " وقوله تعالى ]يوما[ مفعول ليخافون على تقدير مضاف أي عقاب يوم وهوله، أو بدونه، وجعله ظرفا لمفعول محذوف بعيد، وأما جعله ظرفا ليخافون والمفعول محذوف فليس بشيء أصلا إذ المراد أنهم يخافون في الدنيا يوما " (77) . فالألوسي كما ترى لا يرتضي أن يكون "يوما" ظرفا للفعل "يخافون" والمفعول محذوف لدلالته على أنهم يخافون في الدنيا يوما، والآية تشير إلى أنهم "يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار" وهذا اليوم هو بلا محالة يوم القيامة.

    والتعبير القرآني يفيض بالثناء على هؤلاء المؤمنين، ويهدف القرآن الكريم من وراء نزع الخافض إلى الثناء عليهم من خلال إبراز شدة خوف هؤلاء المؤمنين من يوم القيامة وأهواله، وأنه حاضر في أذهانهم لا يغيب عن خاطرهم طرفة عين، فهم يخافونه دائما في حياتهم، ويستعدون له بالعمل الصالح والتقرب إلى الله تعالى بالطاعات، ولو قيل "يخافون في يوم" لدل التعبير قطعا على أن خوفهم سيكون في يوم القيامة، يوم الحساب والجزاء.

    أرأيت كيف دل نزع الخافض على أن هؤلاء المؤمنين في خوف دائم من يوم القيامة وأهواله، وأنهم يستعدون له في حياتهم كلها بالأعمال الصالحة التي تجعلهم في أمان منه، وهل كنت تجد هذا المعنى لو قيل "يخافون في يوم" أو "يخافون من يوم"؟.

    ونظير هذه الآية الكريمة قوله تعالى ] إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا [ (الإنسان 10).

    -------------------

    سورة الفرقان:

    يقول تعالى ] وقال الذيـن كفـروا إن هـذا إلا إفـك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا [ (الآية 4) .

    في نصب "ظلما" أقوال متعددة ذكرها العلماء: أولها: أنه منصوب على نزع الخافض أي جاءوا بظلم، والثاني: أنه مفعول به بتضمين الفعل جاء معنى فعل فيعدى تعديته، أو معنى وردوا ظلما، الثالث: أنه في موضع الحال المؤولة أي جاءوا ظالمين (78).

    والأول أولى كما نص على ذلك الألوسي بعد أن ذكر ما قاله الزجاج، وما جوزه أبو البقاء بقوله " وقال الزجاج: منصوب بنزع الخافض فهو من باب الحذف والإيصال، وجوز أبو البقاء كونه حالاً أي ظالمين، والأول أولى " (79) .

    وهذه الآية الكريمة تصور ما عليه هؤلاء الكفار من الظلم والزور والبهتان، وأن نفوسهم مجبولة على الظلم، مفطورة على الزور والبهتان والتدليس.

    وفي نزع الخافض وإيصال الفعل إلى المفعول في قوله"جاءوا ظلما وزورا" تأكيد لظلمهم وبيان لقدر حقيقته حيث جاءوا بالظلم كله لا ببعضه، وأن ما جاءوا به من الظلم والزور قد بلغ مبلغا عظيما لا يقادر قدره على نحو ما هو مستفاد من دلالة تنكير "ظلما وزورا"(80).

    --------------------

    سورة الأحزاب:

    يقول تعالى ] ذلك قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل [ (الآية 4) . لم أجد في كتب علمائنا رحمهم الله سوى إعرابهم للحق على أنه صفة لمصدر محذوف تقديره: يقول القول الحق، أما نصب "السبيل" فلم أجد لهم كلاما حوله، غير أن محي الدين الدرويش ذكرله وجهين: أحدهما أنه منصوب بنزع الخافض، والثاني: أنه مفعول ثان للفعل يهدي، حيث يقول " والسبيل منصوب بنزع الخافض، أو مفعول ثان كما تقدم " (81) .

    ونزع الخافض دل على ما في هذه الآية الكريمة من تأكيد على هداية الله تعالى للناس إلى سبيل الحق وطريق الإيمان، وليس ذلك فحسب بل إنه تعالى يهدي السبيل ذاتها حتى لكأنها هادية مهدية، وفيه ما فيه من الدلالة على رأفة الله تعالى بخلقه حيث هداهم سبيل الحق وطريق الدين القويم، ولعل هذه الآية تؤكد قول الرسول صلى الله عليه وسلم "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسـانـه "(82) ، وهدايـة السبيـل " معناها الدلالة برفق ورحمة على طريق الفطرة السهل الميسور الذي تجد فيه النفوس قرارها "(83) .

    --------------------

    سورة فاطر:

    يقول تعالى ] من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور [ (الآية 10) .

    أجمع العلماء على أن الفعل "مكر" لازم غير متعدي، وتساءلوا عن سبب نصب "السيئات" فكانت لهم أراء عديدة: أولها: أنه صفة لمصدر محذوف نائب مناب المفعول المطلق المبين لنوع الفعل تقديره: المكرات السيئات، والثاني: أنه نعت لمضاف إلى المصدر المحذوف أي أصناف المكرات السيئات، الثالث: أن يكون مفعولابه بتضمين الفعل يمكرون يكتسبون(84)

    ولا مانع لدي من أن يكون منصوبا بنزع الخافض تقديره يمكرون بالسيئات وهو أولى من تعسف التقدير المتكلف، ومن القول بالتضمين، خاصة أن السياق يحتمله، ويؤيده ما صرح به العلماء من أن الفعل "مكر" فعل قاصر لا يتعدى إلى المفعول، وتقدير حرف الجر أولى من تقدير غيره، وأليق بالسياق والمقام في هذه الآية الكريمة, ويؤيد ما قلته ما صرح به الطاهر بن عاشور بقوله " والمكر: تدبير إلحاق الضر بالغير في خفية لئلا يأخذ حذره، وفعله قاصر، وهو يتعلق بالمضروربواسطة الباء التي للملابسة يقال: مكر بفلان، ويتعلق بوسيلة المكر بباء السببية يقال: مكر بفلان بقتله " (85) .

    لعل إيثار القرآن التعبير بقوله ] يمكرون السيئات [ بدلا من قولنا "يمكرون بالسيئات" بإسقاط حرف الجر يبرز ما عليه هؤلاء من انتكاس فطرتهم وميلهم لحب المكر والخديعة، وكثرة مكرهم، وأن هذا دأبهم وديدنهم في شؤون حياتهم كلها، وقد تآزر لإيضاح هذا المعنى السياق كله من خلال نزع الخافض، والتعبير بالمضارع "يمكرون" الدال على تجدد مكرهم واستمراره وأنه دأبهم وهجيراهم، وتعريف "السيئات" تعريف الجنس، وجمعها بدلا من إفرادها للتنبيه على أن هؤلاء لهم أنواع من المكر والخداع (86).

    --------------------





    سورة يس:

    يقول تعالى ] والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم [ (الآية 39) . للعلماء في توجيه نصب "منازل" أقوال عديدة: أولها: أنه منصوب بنزع الخافض تقديره: قدرنا سيره في منازل، الثاني: أنه مفعول ثان للفعل قدرنا بتضمينه معنى الفعل "صيرنا"، الثالث: أنه حال ولا بد من تقدير مضاف محذوف قيل "منازل" تقديره: ذا منازل (87).

    وللطاهر بن عاشور كلام طيب التمس فيه السر البلاغي لنزع الخافض بقوله " وعدي فعل "قدرنا" إلى ضمير "القمر" الذي هو عبارة عن ذاته وإنما التقدير لسيره ولكن عُدي التقدير إلى اسم ذاته دون ذكر المضاف مبالغة في لزوم السير له من وقت خلقه حتى كأن تقدير سيره تقدير لذاته " (88) .  ففي حذف الخافض مبالغة في لزوم السير للقمر من وقت خلقه حتى لكأن تقدير سيره تقدير لذاته،وفي ذلك ما فيه من الدلالة على سلطان الربوبية .

    ولا يخفى أن هذه الجملة ونظائرها في القرآن مما هو صادر عن عزة الربوبية لا يمكن أن تصدر عن نفس إنسانية لأنها ليست من طابع هذه النفس، ونحن في دراستنا البلاغية لهذه الآية نقف عند التشبيه ونشرحه ونقول إنه شبه القمر في آخر منازله بالعرجون ونسكت عن هذا الإعجاز الباهر في قوله "وقدرناه منازل" وأنه لا يمكن أن تكون هذه الجملة صادرة عن نفس إنسانية، ولا يجوز أن تكون النفس الإنسانية بعجزها ومربوبيتها لها منطلقا، لكن يشغلنا هذا التحليل الجيد الذي لا يجوز التفريط في شيء منه عن الهيمنة المقتدرة، القادرة، والصادرة عن عزة الربوبية والساكنة في نون العظمة (89).

    ------------------

    ويقول تعالى ] ويوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنًّى يبصرون [ (يس 65-66)".

    لما كان "الصراط" كالطريق مكانا مختصا لا ينصب على الظرفية، كان للعلماء في نصبه توجيهان: أولها: أنه منصوب بنزع الخافض تقديره: فاستبقوا إلى الصراط، الثاني: أنه مفعول به بتضمين الفعل استبقوا معنى ابتدروا(90).

    نزع الخافض في هذه الآية الكريمة - والله أعلم بمراده - دال على أن هؤلاء قد جمعوا كل قواهم وحشدوا كل طاقاتهم ليصلوا إلى الصراط متسابقين إليه ليهتدوا به فإن ذلك لن يكون كما هو متحقق من قوله تعالى ] فأنى يبصرون [ ولو قيل "فاستبقوا إلى الصراط" لما دل التعبير على وفور رغبتهم وحشدهم لكل قواهم وطاقاتهم ليصلوا إلى الصراط ويهتدوا به، بل هو دال على أن نهاية استباقهم إلى الصراط.

    عند هذه الآية الكريمة ينتهي بي المطاف في هذه الدراسة لأني لم أعثر على شواهد أخرى لنزع الخافض غير المطرد في بقية سور القرآن الكريم الأخرى .



    الخاتمة

    في نهاية مطاف هذه الدراسة لهذا الموضوع  المبارك يمكن أن نوجز أهم النتائج التي أسفرت عنها الدراسة منها :

    1.  تتردد في كتب النحويين مصطلحات تشترك كلها في دلالة واحدة هي حذف حرف الجر , إسقاط الخافض , حذف حرف الإضافة , نزع الخافض وقد شاع كثير منها في كتب المتقدمين منهم وبعضها الآخر في كتب المتأخرين وبخاصة الأخير منها وهو نزع الخافض فكان له حضور واضح في كتبهم

    2.  أن لنزع الخافض نوعين: أحدهما المطرد وهو الذي يطرد فيه حذف حرف الجر بعد أنَّ وأنْ , وشواهده في القرآن الكريم كثيرة لا يمكن  حصرها , ولعل أبرز سمة أسلوبية لشواهد هذا النوع هي الإيجاز في أغلب شواهده وإن ظهر في قليل منها تكثير الدلالة تبعا لاختلاف حرف الجر المحذوف  .        الثاني غير المطرد : وهو الذي يحذف منه حرف الجر فينصب الفعل الاسم الذي يليه , ولشواهد هذا النوع في القرآن أسرار بلاغية متنوعة تبعا لاختلاف مقاماته, ولسياقاته مذاقات حسنة تنادي بجلال الإعجاز في القرآن الكريم

    أن القرآن الكريم يهدف من خلال نزع الخافض إلى أسرار بلاغية يعين على إبرازها السياق والمقام .
    4.  أن كثيرا من الأسرار البلاغية المتنوعة في الكثير من شواهد نزع الخافض غير المطرد في القرآن تشترك في غرض بلاغي عام هو اتساع المعنى بنزع الخافض وتقييده بوجوده .

    5.  أن إدراك الأسرار البلاغية لنزع الخافض في القرآن الكريم غير ميسور للإنسان من النظرة العجلى , بل لابد من قدح زناد الفكر وإعمال الذهن وإرهاف الحس لما يهمس به السياق من لطائف البلاغة وأسرار البيان .

    والحمد لله في الأولى والآخرة وصلى الله وسلم على عبده ورسوله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

    الحواشي



    (1) شرح ابن عقيل 1/538

    (3) من أسرار حروف الجر ص 336

    (3) الكتاب 1/37 وما بعدها وانظر الكتاب 1/158-159.

    (4)  المصدر السابق 3/497 وانظر فهارس كتاب سيبويه صنع محمد عبد الخالق عضيمة ص 179 ونزع الخافض دراسة في عوامل النصب في التراث النحوي للدكتور إبراهيم بركات ص 13.

    (5) المقتضب للمبرد تحقيق محمد عبد الخالق عضيمة 2/321.

    (6) المصدر السابق 2/342

    (7) المصدر السابق 2/35 وانظر 2/36 ، 4/330 وما بعدها.

    (8) الخصائص لابن جني تحقيق محمد علي النجار 2/278

    (9) التبصرة والتذكرة للصيمري تحقيق الدكتور فتحي أحمد على الدين 1/100-112

    (10) المفصل في علم العربية ص 291

    (11) انظر شرح المفصل لابن يعيش 2/44 وكتاب الكافية لابن الحاجب 2/273، وشرح الكافية الشافية لابن مالك تحقيق الدكتور عبد المنعم هريدي 2/632-635 وشرح ابن عقيل 2/149 وحاشية الصبان 2/89

    (12) مغني اللبيب لابن هشام تحقيق الدكتور مازن المبارك وآخرين ص 838 وانظر النحو القرآني للدكتور جميل أحمد ظفر ص 422 وما بعدها

    (13) انظر نزع الخافض دراسة في عوامل النصب في التراث النحوي للدكتور إبراهيم بركات ص 14 وما بعدها

    (14) شرح ابن عقيل 1/537، وفي شرح الكافية الشافية يقول ابن مالك:

         وعــــدِّ لازمــا بحــرف الجــر    كـ( انقد لزيد واقربن من عمرو)

    وحذف حرف الجر مع أنَّ وأنْ          مطـرد إلا إذا مـا اللبــس عــنَّ

    شرح الكافية الشافية 2/632

    (15) النحو الوافي لعباس حسن ص 160

    (16) شرح الكافية الشافية 2/632

    (17) النحو الوافي ص 162

    (18) الكشاف 1/567

    (19) المفردات للراغب تحقيق صفوان داوودي ص 358

    (20) البحر المحيط 4/275

    (21) شرح كتاب الكافية في النحو 2/273

    (22) مغني اللبيب ص 838

    (23) كتاب الكافية في النحو 2/273

    (24) خصائص التراكيب للدكتور محمد أبو موسى ص 154

    (25) البحر المحيط 1/213 وانظر الدر المصون 1/369 وروح المعاني 1/263

    (26) إملاء ما منَّ به الرحمن للعكبري بهامش الفتوحات الإلهية 1/140

    (27) انظر الكشاف 1/282 وتفسير المنار 1/322 وما بعدها

    (28) البحر المحيط 1/439

    (29) الدر المصون 2/176

    (30) التحرير والتنوير 2/43

    (31) الكشاف 1/322

    (32) تفسير المنار 2/22

    (33) انظر البحر المحيط 1/458 وإملاء ما منَّ به الرحمن بهامش الفتوحات الإلهية 1/289 والدر المصون 2/192وما بعدها، والفتوحات الإلهية للجمل 1/126، وتفسير البيضاوي بهامش حاشية الشهاب 2/261، وحاشية الشهاب 2/261، وروح المعاني 2/26 والتحرير والتنوير 2/64

    (34) روح المعاني 2/26

    (35) انظر الكشاف 1/371 والبحر المحيط 2/218 والدر المصون 2/473 وإملاء ما منَّ به الرحمن بهامش الفتوحات الإلهية 1/190 وروح المعاني 2/148 والتحرير والتنوير 2/439

    (36) البحر المحيط 2/218

    (37) انظر البحر المحيط 2/229 وما بعدها والدر المصون 2/485 والفتوحات الإلهية 1/456 والعكبري بهامش الفتوحات الإلهية 1/456 وروح المعاني 2/152 والتحرير والتنوير 2/455

    (38) انظر المفردات 565

    (39) الكشاف 1/373 وما بعدها وانظر روح المعاني 2/152-153

    (40) من أسرار التضمين في القرآن الكريم للدكتور شاكر أبو اليزيد الصباغ ص 22 وما بعدها

    (41) البحر المحيط 2/229 وما بعدها

    (42) الدر المصون 4/485

    (43) انظر البحر المحيط 2/183 والدر المصون 2/435 والعكبري بهامش الفتوحات الإلهية 1/439

    (44) لم أعثر على شواهد لنزع الخافض في سورة آل عمران .

    (45) حاشية الشهاب 3/134 وانظر البحر المحيط 3/242 والدر المصون 3/673 والعكبري بهامش الفتوحات الإلهية 2/246 والفتوحات الإلهية للجمل 1/379 ودراسات لأسلوب القرآن القسم الثاني 2/192

    (46) انظر الدر المصون 3/639 وحاشية الشهاب 3/142 والفتوحات الإلهية 1/385 ودراسات لأسلوب القرآن القسم الثاني 2/193

    (47) حاشية الشهاب 3/142

    (48) انظر اللسان مادة صعد 4/2446 وراجع البحر المحيط 3/259

    (49) التحرير والتنوير 5/68

    (50) انظر الكشاف 2/70 والبحر المحيط 4/275 والدر المصون 5/266-268 والعكبري بهامش الفتوحات الإلهية 2/664 والبيضاوي والشهاب حاشية الشهاب 4/155 وروح المعاني 8/95 والتحرير والتنوير الجزء الثامن القسم الثاني ص 47

    (51) الدر المصون 5/466

    (52) حاشية الشهاب 4/221 وينظر الفتوحات الإلهية 2/193 وحاشية زادة 2/271

    (53) التحرير والتنوير 9/114

    (54) راجع الكشاف 2/119 والتحرير والتنوير 9/115

    (55) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1/299 وينظر معاني القرآن للفراء 1/259

    (56) البيان في إعراب غريب القرآن 1/376

    (57) الكشاف 2/121

    (58) البحر المحيط 4/398 وينظر الدر المصون 5/473 والبيضاوي والشهاب 4/223 وحاشية زادة 2/272

    (59) من أسرار حروف الجر في الذكر الحكيم للدكتور محمد الأمين الخضري ص 336

    (60) المرجع السابق ص 95 بتصرف

    * من شواهد زيادة حرف الجر في القرآن - وهو وإن كان خارجا عن موضوع هذه الدراسة لكني حرصت على ذكره ليقف القارئ على بلاغة القـرآن في زيادته لحرف الجر أو نزعه، ويتأكد لديه من طريق جلي إعجاز القرآن الذي وضعت فيه الألفاظ مواضعها اللائقة بها لأنه كلام الذي أتقن كل شيء، من ذلك قوله تعالى "وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك(الأحزاب 37)" حيث لم يقل "أمسك زوجك" مع أن الفعل يتعدى بنفسه، لكن جيء "بعلى" لتكون [مطالبة زيداً بمزيد من التحمل والصبر على أذى زوجه مفصحة عما يعانيه  من وطأة التعالي عليه، مدفوعة بكرم المحتد، وشرف الأرومة، وما أصعبه على نفس الرجل أن تتقاله امرأته، وتأنف منه، ولو رحت تحذف حرف الاستعلاء لما كان للنظم هذا المذاق، ولما شعرت معه بما يعانيه زيد ويحس به (انظر من أسرار حروف الجر ص 110).

    (61) انظر حاشية الشهاب 5/109 والتحرير والتنوير 12/107 وراجع البحر المحيط 5/235 والدر المصون 6/345 والعكبري بهامش الفتوحات الإلهية 3/288 والبيضاوي بهامش حاشية الشهاب 5/109

    (62) الكشاف 2/312 وما بعدها وانظر البحر المحيط 5/296 والدر المصون 6/470-471 والبيضاوي والشهاب حاشية الشهاب 5/169 والفتوحات الإلهية 2/446 وروح المعاني 12/217 والتحرير والتنوير 12/255

    (63) انظر الكشاف 2/456 والبحر المحيط 6/57 والدر المصون 7/378 وتفسير البيضاوي والشهاب حاشية الشهاب 6/45 وروح المعاني 15/108 وما بعدها.

    (64) انظر البحر المحيط 6/164 والدر المصون 7/548 وحاشية الشهاب 6/136 وتفسير أبي السعود 3/554 وروح المعاني 16/40 ودراسات لأسلوب القرآن القسم الثاني جـ2 ص 195

    (65) روح المعاني 16/40 وراجع تفسير أبي السعود 3/554

    (66) انظر الكشاف 2/534 والبحر المحيط 6/235 وما بعدها والدر المصون 8/26 والعكبري بهامش الفتوحات الإلهية 3/575 والبيضاوي والشهاب حاشية الشهاب 6/196 وروح المعاني 16/179 والتحرير والتنوير 16/207 وتفسير الجلالين بهامش الفتوحات الإلهية 3/87

    (67) التحرير والتنوير 17/36 وراجع إعراب القرآن وبيانه لمحي الدين الدرويش 17/294

    (68) الكشاف 2/566

    (69) انظر الكشاف 2/574 والبحر المحيط 6/316 والدر المصون 8/163 وما بعدها وحاشية زادة 3/352 وروح المعاني 17/54 وما بعدها

    (70) الدر المصون 8/164

    (71) دلائل الإعجاز تحقيق محمود شاكر ص 302 وراجع خصائص التراكيب للدكتور محمد أبو موسى الطبعة الرابعة ص 125

    (72) الكشاف 2/574

    (73) حاشية زادة

    (74) انظر البحر المحيط 6/316

    (75) من أسرار حروف الجر في الذكر الحكيم ص 250

    (76) انظر البحر المحيط 6/459 والدر المصون 8/411 وتفسير أبي السعود 4/124 والفتوحات الإلهية 3/227 وحاشية زادة 3/431 والتحرير والتنوير 18/249

    (77) روح المعاني 18/178

    (78) انظر الكشاف 3/81 والبحر المحيط 6/481 والدر المصون 6/455 والشهاب 6/407 وإعراب القرآن وبيانه للدرويش 18/667

    (79) روح المعاني 18/235

    (80) انظر المصدر السابق الموضع السابق

    (81) إعراب القرآن وبيانه 21/596

    (82) انظر صحيح البخاري كتاب الجنائز ص 92

    (83) من أسرار التعبير القرآني للدكتور محمد أبو موسى الطبعة الثانية  ص 65 وما بعدها

    (84) انظر الكشاف 3/303 والبحر المحيط 7/304 والدر المصون 9/218 وحاشية الشهاب 7/219 والفتوحات الإلهية 3/488 وروح المعاني 22/176 والتحرير والتنوير 22/274 وإعراب القرآن وبيانه 22/130 وما بعدها

    (85) التحرير والتنوير 22/274

    (86) انظر السابق الموضع نفسه

    (87) البحر المحيط 7/336 وحاشية الشهاب 7/242 وحاشية زادة 4/131 وروح المعاني 23/16 وراجع الدر المصون 9/270 والفتوحات الإلهية 3/514 والعكبري بهامش الفتوحات الإلهية 4/228

    (88) التحرير والتنوير 23/22

    (89) انظر شرح أحاديث من صحيح البخاري دراسة في سمت الكلام الأول للدكتور محمد أبو موسى ص 124-125 بتصرف يسير.

    (90) انظر الكشاف 3/328 والبحر المحيط 7/344 والدر المصون 9/283 والبيضاوي والشهاب 7/250 وتفسير أبي السعود 4/561 والفتوحات الإلهية 3/522 وحاشية زادة 4/138 وروح المعاني 23/44 والتحرير والتنوير 23/52



























    ثبت المصادر والمراجع

    أولا: القرآن الكريم

    ثانيا: المصادر والمراجع

    إعراب القرآن وبيانه للأستاذ محي الدين الدرويش
    دار الإرشاد بحمص

    إملاء ما من به الرحمن لأبي البقاء العكبري
    طبع بهامش الفتوحات الإلهية. مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه بمصر - بدون تاريخ

    البيان في إعراب غريب القرآن لأبي البركات بن الأنباري
    تحقيق طه عبد الحميد طه، ومراجعة مصطفى السقا.

    طبع الهيئة المصرية العامة للكتاب - 1400هـ - 1980 م

    التبصرة والتذكرة للصيمري
    تحقيق الدكتور فتحي أحمد علي الدين، الطبعة الأولى 1402هـ - 1982م

    مطبوعات مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى بمكة المكرمة.

    تفسير أبي السعود العمادي الحنفي
    تحقيق عبد القادر عطا - 1401هـ - 1981م، مطبعة الرياض الحديثة

    تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي
    الطبعة الثانية، 1403هـ - 1983م، دار الفكر بيروت

    تفسير البيضاوي للعلامة البيضاوي
    طبع بهامش حاشية الشهاب، دار صادر بيروت بدون تاريخ

    تفسير التحرير والتنوير للشيخ محمد الطاهر بن عاشور
    1984م - الدار التونسية للنشر.

    تفسير الجلالين - جلال الدين السيوطي وجلال الدين المحلي
    مطبوع بهامش الفتوحات الإلهية للجمل.

    10. تفسير الفتوحات الإلهية لسليمان بن عمر العجيلي الشهير بالجمل

             طبع مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه بمصر -  بدون تاريخ

    11. تفسير المنار للسيد محمد رشيد رضا

             1414هـ - 1993م، دار المعرفة بيروت

    12. حاشية الشيخ محي الدين زاده على تفسير البيضاوي

        المكتبة الإسلامية تركيا. 1283هـ

    13. حاشية الشهاب المسماة عناية القاضي وكفاية الراضي للشهاب الخفاجي

        دار إحياء التراث بيروت.

    14. حاشية الصبان على شرح الأشموني على الألفية

        طبع مطبعة عيسى البابي الحلبي - القاهرة - بدون تاريخ

    15. الخصائص لأبي الفتح عثمان بن جني

        تحقيق محمد علي النجار. الطبعة الثانية، 1403هـ - 183م عالم الكتب بيروت

    16. خصائص التراكيب للدكتور محمد أبو موسى

        الطبعة الرابعة، 1416هـ - 1996م مكتبة وهبة

    17. الدر المصون في علوم الكتاب المكنون للسمين الحلبي

        تحقيق الدكتور أحمد محمد الخراط، الطبعة الأولى، 1414هـ - 1994م عالم الكتب بيروت

    18. دراسات لأسلوب القرآن للشيخ محمد عبد الخالق عضيمة

        مطبعة حسان بالقاهرة

    19. دلائل الإعجاز للشيخ عبد القاهر الجرجاني

        تحقيق محمود شاكر، الطبعة الأولى - مطبعة الخانجي بمصر

    20. روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للألوسي

        إدارة الطباعة المنيرية - دار إحياء التراث الإسلامي بيروت، بدون تاريخ

    21. شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك

        تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، الطبعة الأولى، مطبعة السعادة بمصر

    22. شرح أحاديث من صحيح البخاري، دراسة في سمت الكلام الأول

        للدكتور محمد أبو موسى، الطبعة الأولى 1421هـ- 2001م مكتبة وهبة بالقاهرة

    23. شرح الكافية الشافية لابن مالك

    تحقيق الدكتور محمد عبد المنعم هريدي، الطبعة الأولى، 1402هـ-1982م

    مطبوعات مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى

        24. شرح المفصل لابن يعيش

             عالم الكتب بيروت، مكتبة المتنبي القاهرة، بدون تاريخ

       25. فهارس كتاب سيبويه صنع محمد عبد الخالق عضيمة

             الطبعة الأولى، 1395هـ - 1975م، مطبعة السعادة بالقاهرة

       26. الكتاب لسيبويه أبي بشر عمرو بن قنبر

         تحقيق عبد السلام محمد هارون، الطبعة الثانية 1977م مكتبة الخانجي بالقاهرة

       27. كتاب الكافية لابن الحاجب بشرح رضي الدين الاستراباذي

             دار الكتب العلمية بيروت، بدون تاريخ

       28. الكشاف لجار الله محمود بن عمر الزمخشري دار الفكر بيروت، بدون تاريخ

       29. لسان العرب لابن منظور طبعة دار المعارف بمصر،  بدون تاريخ

       30. مجاز القرآن لأبي عبيدة

             تحقيق الدكتور محمد فؤاد سزكين، الطبعة الثانية 1401هـ -  1981م مؤسسة الرسالة بيروت

       31. معاني القرآن للفراء

    الطبعة الأولى 1955م - الطبعة الثانية 1980م، عالم الكتب بيروت

       32. مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام الأنصاري

     تحقيق الدكتور مازن المبارك وآخرون، الطبعة الخامسة 1979م دار الفكر بيروت

    33. مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني

        تحقيق صفوان عدنان داوودي، الطبعة الثانية، 1418هـ - 1997م

    دار القلم دمشق، الدار الشامية بيروت

    34. المفصل في علم العربية للزمخشري

    الطبعة الثانية، دار الجيل بيروت، بدون تاريخ

       35. المقتضب لأبي العباس المبرد

             تحقيق محمد عبد الخالق عضيمة، عالم الكتب بيروت، بدون تاريخ

       36. من أسرار التضمين في القرآن الكريم للدكتور شاكر أبو اليزيد الصباغ

         الطبعة الأولى 1413هـ - 1992م التركي للكمبيوتر وطباعة الأوفيست، طنطا

       37. من أسرار التعبير القرآني دراسة تحليلية لسورة الأحزاب للدكتور محمد أبو موسى الطبعة الثانية 1416هـ - 1996م مكتبة وهبة القاهرة

        38. من أسرار حروف الجر في الذكر الحكيم للدكتور محمد الأمين الخضري

             الطبعة الأولى 1409هـ - 1989م، مكتبة وهبة

       39. النحو القرآني قواعد وشواهد للدكتور جميل أحمد ظفر

             الطبعة الأولى 1408هـ - 1988م مطابع الصفا بمكة المكرمة

        40. النحو الوافي لعباس حسن الطبعة الرابعة بدون تاريخ - دار المعارف بمصر

        41. نزع الخافض دراسة في عوامل النصب في التراث النحوي للدكتور إبراهيم بركات      الطبعة الأولى 1986م، دار الوفاء للطباعة والنشر بالمنصورة
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    من أسـرار نزع الخافض  فـي  القـرآن الكريـم Empty رد: من أسـرار نزع الخافض فـي القـرآن الكريـم

    مُساهمة من طرف أحمد الأربعاء يوليو 16, 2014 4:32 am

    https://uqu.edu.sa/page/ar/82629

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 14, 2024 4:25 pm