مقدِّمةٌ تعريفيةٌ بعلمِ الإملاءِ
-تعريفُه :
هو علمٌ تُعرفُ بهِ أصولُ رسمِ الحروفِ العربيةِ من حيثُ تصويرُها للمنطوقِ .
-أسماؤه :
يسمَّى قديمًا ( الكِتَابَ ) ، و ( الكِتابةَ ) ، و ( الخطَّ ) ، و ( الهِجاءَ ) ، و ( الرَّسمَ ) ، و ( تقويمَ اليدِ ) . واصطلحَ المتأخِّرونَ على تسميتِهِ بـ ( الإملاءِ ) ، لأنَّ الإملاءَ من قِبَلِ المعلِّمِ ممَّا يُمتحَنُ بهِ المرءُ في أماكنِ التعليمِ ، ليُعرفَ مبلغُ إتقانِهِ لهذا العلمِ .
-واضعُه :
لا يُعرفُ على وجهِ القَطْعِ واضعُ الحروفِ العربيةِ . وكانتِ الحروفُ العربيةُ قبلَ الإسلامِ خاليةً من النَّقْطِ ، معَ تشابهِ صُوَرِها . وذلكَ لقلةِ الكتابةِ يومَئذٍ ، وقلَّةِ أهلِها . وكانوا يستعينونَ على التفريقِ بينَها بزيادةِ بعضِ الأحرفِ ، ككتابتِهم ( مئة ) هكذا ( مائه ) ، وكتابتِهم ( ألئك ) هكذا ( أولئك ) [ بدون همز ] .
فلما جاءَ الإسلامُ ، وانتشرتِ الكتابةُ ، وخِيفَ اللَّبسُ ، ابتدعَ أبو الأسودِ الدؤليُّ ( 69 هـ ) صورَ الشَّكْلِ ( الفتحةَ ، والضمةَ ، والكسرةَ ) ، وصورةَ التنوينِ ، غيرَ أنها كانت جميعًا على هيئةِ نُقَطٍ معيَّنةٍ ( . ) .
فلمَّا جاءَ نصرُ بنُ عاصمٍ الليثيُّ ( 90 هـ ) ، ويحيى بنُ يعمَرَ العَدوانيُّ ( 129 هـ ) ابتدعَا بأمرٍ من الحجَّاجِ بنِ يُوسفَ نَقْطَ الحروفِ ؛ فبدَلَ أن كانتِ الباء ، والتاء ، والثاء لها صورةٌ واحدةٌ ، أضحَى لها ثلاثُ صُوَرٍ ، وهكذا سائرُ الحروفِ . وبذلكَ أصبحتِ الحروفُ نوعينِ : حروفًا منقوطةً ، وتسمَّى ( مُعْجَمةً ) ، وحروفًا غيرَ منقوطةٍ ، وتسمَّى ( مُهمَلةً ) .
ثمَّ خلفَهم الخليلُ بنُ أحمدَ ( 170 هـ ) ، فابتدعَ الهمزةَ ( ء ) ، والشدَّةَ ( ّ ) ، والمدَّةَ ( ~ ) ، وغيَّرَ صُوَرَ الحركاتِ ( أيِ : الشكلِ ) ، والتنوينَ إلى الصورِ المعروفةِ الآنَ ( َ ُ ِ ) و ( ً ٍ ٌ ) ، حتى لا تلتبسَ بالنُّقَطِ . وكانُ المصحفُ الشريفُ مرسومًا بغيرِ شَكلٍ ، ولا نَقطٍ . فلما تمَّت صورةُ الرسمِ بنُقطهِ ، وشَكلِهِ ، أُجريَ هذا على المصاحفِ من بعدُ ، وانتشرَ في الكتابةِ عامّةً .
-أهمّ كتبه :
لعلَّ أولَها ( أدبُ الكاتب ) لابنِ قتيبةَ ؛ فقد أفردَ للإملاءِ فصلاً سمَّاه ( تقويمَ اليدِ ) ، ثمَّ ( الجمل في النحو ) للزجَّاجيِّ ؛ ففيه بابٌ سمَّاه ( باب أحكام الهمزة في الخط ) ، و ( كتاب الخطّ ) له أيضًا ، و ( كِتاب الكِتَابِ ) [ هكذا ، وليس الكُتَّاب ] لابنِ دُرستويهِ ، و ( باب الهِجاء ) لابن الدهَّانِ . هذا غيرُ كتبِ رسْم المصاحفِ ، ككتابي النَّقط ، والمقنع ؛ كلاهما لأبي عمرو الداني . وغيرُ كتبِ النحوِ ، والتصريفِ التي عرَضتْ له كشافيةِ ابن الحاجب ، وتسهيل ابنِ مالكٍ ، وهمع الهوامعِ للسيوطيِّ .
أما العصرُ الحديثُ ، فمن أهمِّها كتابُ ( المطالع النصرية ) لنصر الهوريني ، و ( كتاب الإملاء ) لحسين والي .
-فضلُه :
ليس من العلومِ علمٌ الناسُ إليهِ أشدُّ حاجةً من الإملاءِ ؛ فإنه ممَّا لا يستغني عنهُ كاتبٌ ، خلافًا لسائرِ العلومِ ؛ فربَّما جهِلَها المرءُ طولَ حياتِهِ ، ثمَّ لا تجِدُ ذلكَ يغضُّ من قدرِهِ ، أو يضَع من شأنِهِ . أمَّا الإملاءُ ، فالخطأ فيهِ عيبٌ لصاحبِهِ ، ودلالةٌ على نَقصٍ فيهِ . لذلكَ كانَ حقًّا على كلِّ مَن يعرفُ الكتابةَ أن يضبطَ أصولَهُ ، ويتحفَّظَ من الزللِ فيهِ .
-أنواعُه :
للإملاءِ أنواعٌ ثلاثةٌ :
1-رسمُ المصحفِ . ولا يُقاسُ عليهِ ، وإن كانَ أصلَ الإملاءِ الذي عليهِ الناسُ . وذلكَ لخروجِه عن القياسِ مراعاةً لأمورٍ :
الأول : بناء الكلمة على وجهٍ يمكن معَهُ تعدّدُ القراءةِ . وذلك كثيرٌ في ما حُذفت ألفُه ؛ نحو ملك يوم الدين .
الثاني : أنّه كان قبل ظهور الشكل والنقط ؛ فربما زُيدَ فيه بعض الأحرفِ دلالةً على حركةِ ما قبلها ؛ نحو لأاذبحنّه ، حتى لا يُتوهم أنها بالتشديدِ ، كـ لأعذبنّه التي قبلَها .
الثالث : أنّ الصحابة لما رسموا المصحفَ ، كانوا في بداءته ؛ فلا جرم أن تظهرَ بعض الشواذّ ، والآراء غيرِ المحكَمة ؛ إذ الرسمُ اجتهادٌ من الصحابة رضيَ الله عنهم ، وليس وحيًا من الله تعالى . وذلكَ نحوُ رسمِهم ( سعَوا ) في سورة سبأ بدون ألف سعو معَ أنهم رسموها في سورة الحج بألفٍ . وليس لهذا علةٌ صحيحةٌ .
2-رسمُ العَروضِ . وهو خاصٌّ بتقطيعِ الشِّعْرِ .
مِثالٌ :
** لولا الحياء لهاجني استعبارُ **
تكتبُها عَروضيًّا هكذا :
لولَ لْحياء لهاجنِ سْتعبارو
وضابطُه : كلُّ ما يُنطقُ يكتبُ . وكلُّ ما لا يَنطق لا يُكتب .
وفائدته : التوصُّلُ إلى معرفةِ بحرِ البيتِ .