’’ وصف بركة المتوكل ‘‘ للبحتري
أولا : النص :
ـ أ ـ
يا من رأى البركة الحسناء رؤيتها --- والآنسات إذا لاحت مغانيها
بحسبها أنها في فضل رتبتها --- تعد واحدة والبحر ثانيها
ما بال دجلة كالغيرى تنافسها --- في الحسن طورا وأطوارا تباهيها
ـ ب ـ
تنصب فيها وفود الماء معجلة --- كالخيل خارجة من حبل مجريها
كأنما الفضة البيضاء سائلة --- من السبائك تجري في مجاريها
إذا علتها الصبا أبدت لها حبكا --- مثل الجواشن مصقولا حواشيها
فحاجب الشمس أحيانا يضاحكها --- وريق الغيث أحيانا يباكيها
إذا النجوم تراءت في جوانبها --- ليلا حسبت سماء ركبت فيها
ـ ج ـ
لا يبلغ السمك المحصور غايتها --- لبعد ما بين قاصيها ودانيها
يعمن فيها بأوساط مجنحة --- كالطير تنقض في جو خوافيها
لهن صحن رحيب في أسافلها --- إذا انحططن ويهوفي أعاليها
صور إلى صورة الدلفين يؤنسها --- منه انزواء بعينيه يوازيها
ـ د ـ
محفوفة برياض لا تزال ترى --- ريش الطواويس تحكيه ويحكيها
ودكتين كمثل الشعريين، غدت --- إحداهما بإزا الأخرى تساميها
إذا مساعي أمير المؤمنين بدت --- للواصفين فلا وصف يدانيها
ثانيا: معاني المفردات :
الآنسات: جمع آنسة، وهي الجارية الطيبة النفس، مغانيها: منازلها، يعني مقاصير النساء.
بحسبها: يكفيها، رتبتها: ترتيبها.
الغيرى: التي تغار من غيرها، تباهيها: تفاخرها بمحاسنها.
معجلة: مسرعة، من حبل مجريها: يقصد منطلقة في سباق.
الصبا: ريح طيبة تهب من الشرق، الحبك: الطرائق ويراد به تجعد الماء وتكسره حين تمر به الريح.
الجواشن: الدروع. الحواشي: الجوانب.
حاجب الشمس: ما يبدو من قرصها كالحاجب. ريق الغيث: المطر الصافي.
تراءت: ظهرت.
غايتها: نهايتها، قاصيها ودانيها: بعيدها وقريبها.
الأوساط المجنحة: الزعانف التي تشبه الأجنحة، تنقض: تهبط مسرعة، الخوافي: ريش الطائر الذي يلي ريش المقدمة.
الصحن: للدار وسطها، والمراد هيا قاع البركة. البهو: هو البيت المقدم على البيوت، والمراد به ما قرب من الشاطئ.
صور إلى صورة الدلفين: يشير إلى تمثال للدلفين كان مقاما على هذه البركة في مواجهة الصحن الذي أشار إليه في البيت السابق، ومعنى صور إليه: مائلات بأعينها إليه. يؤنسها: يطمئنها. انزواء بعينيه: تحويل نظره عنها، يوازيها: يقابلها.
تحكيه: تشبهه.
الشعريين: نجمين متقابلين في السماء. تساميها: تطاولها.
مساعي أمير المؤمنين: فعاله العظيمة.
ثالثا: شرح الأبيات:
* المقطع ’’ أ ‘‘:
يصور الشاعر عجبه لما تتميز به البركة من حسن ظاهر يأخذ العين.. ولما يحف بها من منازل تموج بأسباب الأنس والسعادة.
ويؤكد هذا العجب بأن البحر على عظمته وروعته وجلاله يختلف عنها عند المقايسة والموازنة، ويلح على هذا المعنى، فيتخذ من نهر دجلة دليلا يؤيده، فيقول : إنه ينظر إليها وكأن الغيرة تحرق صدره، وتدفعه إلى منافستها في مجال الحسن .. ومباهاتها بنصيبه منه.
وإنما اختار دجلة وشحنه بهذه الغيرة وحركه إلى منافسة البركة ومباهاتها.. لأنها كانت (( بسر من رأى ))، وتلك مدينة بناها المعتصم على دجلة، وقدر أن تكون مقرا لجنده من الترك.
* المقطع ’’ ب ‘‘ :
يقف أمامها مصورا ماءها الغزير في قوة تدافعه وانصبابه، وفي صفائه ونقائه، وحين تمر الصبا به .. ثم حين تستقبلها الشمس طالعة، وبواكير الغيث صافية.. وأخيرا حين تتراءى النجوم على صفحتها ليلا .. فيقول : إن دفع المياه تنصب فيها في سرعة وعجلة كأنها الخيل أطلقت لها الأعنة، فمضت تركض ركضا، وهذه المياه في صفائها ونقائها كالفضة البيضاء زادها صهر سبائكها نقاء فازداد بياضها تألقا.
وحين تمر بها الصبا تترك على صفحتها اللامعة حزوزا تتفاوت في عمقها ووضوحها حتى تمحى عند الجانبين فتصبح كالدروع نرى بظاهرها طرائق وخطوطا تضعف حتى تمحى عند حواشيها وأطرافها.
وحين تشرق الشمس عليها يزداد تألقا كأن الشمس قد أسعدتها بالمضاحكة.
وحين يسقط المطر تترادف قطراته كأنها البكاء ويحبو لمعان البركة وتألقها كأنما تشارك في هذا الجو الحزين. وحين يقبل الليل تنعكس صور النجوم على صفحتها المصقولة فيحسب الرائي أن السماء كل ما فيها قد اتصلت بها وركبت فيها.
* المقطع ’’ ج ‘‘ :
ويرى الشاعر في البركة سمكا، يسبح ويمرح، منطلقا في البحيرة لا يستطيع أن يبلغ نهايتها لاتساعها وترامي أطرافها .. وهو يعلو ويهبط مستعينا بزعانفه التي تقع منه موقع الأجنحة فكأنه الطير حين تهوي بأجنحتها في جو السماء. وحين يهوي يجد في قاع البركة مكانا فسيحا كأنه صحن الدار.. وحين يعلو يجد في مقدمتها منتدى يجتمع فيه .. وقد مالت منه الرؤوس في طمأنينة وهو يتجه ببصره نحو تمثال لسمكة دولفين .. وقد أذهب خوفه من أن نظر الدولفين كان مصروفا عنه، غير موجه إليه.
* المقطع ’’ د ‘‘ :
وبعد أنهى الشاعر حديثه عن البركة نفسها: عن جمالها، ودقة صنعها، واندفاع الماء إليها وأثر الصبا بصفحتها، ومشاعرها ضحكا وبكاء .. وعن السمك السابح فيها صاعدا هابطا انتقل إلى ما حولها، فتلك الرياض الملونة وقد استدارت بها تشبه الطواويس جمالا وتلونا .. لا بل إن ريش الطواويس يشبهها.
وهاتان الدكتان المتقابلتان أشبه ما تكونان بالشعريين، وهما نجمان في السماء .
و لكن أفانين هذا الجمال التي عرضها الشاعر منفعلا بها، في تتابع أخاذ لا ترتفع إلى مستوى مساعي الخليفة وأعماله الجليلة .. وهو بهذا يمهد للانتقال إلى المدح وهو الغرض الأساسي للقصيدة ..ويسمي النقاد ذلك حسن تخلص.
# مصدر الدراسة :
كتاب: ’’ الأدب والنصوص والبلاغة ‘‘، للصف الثاني الثانوي، تأليف : أحمد عثمان عبدالمجيد، محمد شمس الدين عبدالحافظ، إبراهيم عابدين، درويش حمودة. ط 17، 1414هـ/ 1993ـ1994م، دولة الإمارات العربية المتحدة.
أولا : النص :
ـ أ ـ
يا من رأى البركة الحسناء رؤيتها --- والآنسات إذا لاحت مغانيها
بحسبها أنها في فضل رتبتها --- تعد واحدة والبحر ثانيها
ما بال دجلة كالغيرى تنافسها --- في الحسن طورا وأطوارا تباهيها
ـ ب ـ
تنصب فيها وفود الماء معجلة --- كالخيل خارجة من حبل مجريها
كأنما الفضة البيضاء سائلة --- من السبائك تجري في مجاريها
إذا علتها الصبا أبدت لها حبكا --- مثل الجواشن مصقولا حواشيها
فحاجب الشمس أحيانا يضاحكها --- وريق الغيث أحيانا يباكيها
إذا النجوم تراءت في جوانبها --- ليلا حسبت سماء ركبت فيها
ـ ج ـ
لا يبلغ السمك المحصور غايتها --- لبعد ما بين قاصيها ودانيها
يعمن فيها بأوساط مجنحة --- كالطير تنقض في جو خوافيها
لهن صحن رحيب في أسافلها --- إذا انحططن ويهوفي أعاليها
صور إلى صورة الدلفين يؤنسها --- منه انزواء بعينيه يوازيها
ـ د ـ
محفوفة برياض لا تزال ترى --- ريش الطواويس تحكيه ويحكيها
ودكتين كمثل الشعريين، غدت --- إحداهما بإزا الأخرى تساميها
إذا مساعي أمير المؤمنين بدت --- للواصفين فلا وصف يدانيها
ثانيا: معاني المفردات :
الآنسات: جمع آنسة، وهي الجارية الطيبة النفس، مغانيها: منازلها، يعني مقاصير النساء.
بحسبها: يكفيها، رتبتها: ترتيبها.
الغيرى: التي تغار من غيرها، تباهيها: تفاخرها بمحاسنها.
معجلة: مسرعة، من حبل مجريها: يقصد منطلقة في سباق.
الصبا: ريح طيبة تهب من الشرق، الحبك: الطرائق ويراد به تجعد الماء وتكسره حين تمر به الريح.
الجواشن: الدروع. الحواشي: الجوانب.
حاجب الشمس: ما يبدو من قرصها كالحاجب. ريق الغيث: المطر الصافي.
تراءت: ظهرت.
غايتها: نهايتها، قاصيها ودانيها: بعيدها وقريبها.
الأوساط المجنحة: الزعانف التي تشبه الأجنحة، تنقض: تهبط مسرعة، الخوافي: ريش الطائر الذي يلي ريش المقدمة.
الصحن: للدار وسطها، والمراد هيا قاع البركة. البهو: هو البيت المقدم على البيوت، والمراد به ما قرب من الشاطئ.
صور إلى صورة الدلفين: يشير إلى تمثال للدلفين كان مقاما على هذه البركة في مواجهة الصحن الذي أشار إليه في البيت السابق، ومعنى صور إليه: مائلات بأعينها إليه. يؤنسها: يطمئنها. انزواء بعينيه: تحويل نظره عنها، يوازيها: يقابلها.
تحكيه: تشبهه.
الشعريين: نجمين متقابلين في السماء. تساميها: تطاولها.
مساعي أمير المؤمنين: فعاله العظيمة.
ثالثا: شرح الأبيات:
* المقطع ’’ أ ‘‘:
يصور الشاعر عجبه لما تتميز به البركة من حسن ظاهر يأخذ العين.. ولما يحف بها من منازل تموج بأسباب الأنس والسعادة.
ويؤكد هذا العجب بأن البحر على عظمته وروعته وجلاله يختلف عنها عند المقايسة والموازنة، ويلح على هذا المعنى، فيتخذ من نهر دجلة دليلا يؤيده، فيقول : إنه ينظر إليها وكأن الغيرة تحرق صدره، وتدفعه إلى منافستها في مجال الحسن .. ومباهاتها بنصيبه منه.
وإنما اختار دجلة وشحنه بهذه الغيرة وحركه إلى منافسة البركة ومباهاتها.. لأنها كانت (( بسر من رأى ))، وتلك مدينة بناها المعتصم على دجلة، وقدر أن تكون مقرا لجنده من الترك.
* المقطع ’’ ب ‘‘ :
يقف أمامها مصورا ماءها الغزير في قوة تدافعه وانصبابه، وفي صفائه ونقائه، وحين تمر الصبا به .. ثم حين تستقبلها الشمس طالعة، وبواكير الغيث صافية.. وأخيرا حين تتراءى النجوم على صفحتها ليلا .. فيقول : إن دفع المياه تنصب فيها في سرعة وعجلة كأنها الخيل أطلقت لها الأعنة، فمضت تركض ركضا، وهذه المياه في صفائها ونقائها كالفضة البيضاء زادها صهر سبائكها نقاء فازداد بياضها تألقا.
وحين تمر بها الصبا تترك على صفحتها اللامعة حزوزا تتفاوت في عمقها ووضوحها حتى تمحى عند الجانبين فتصبح كالدروع نرى بظاهرها طرائق وخطوطا تضعف حتى تمحى عند حواشيها وأطرافها.
وحين تشرق الشمس عليها يزداد تألقا كأن الشمس قد أسعدتها بالمضاحكة.
وحين يسقط المطر تترادف قطراته كأنها البكاء ويحبو لمعان البركة وتألقها كأنما تشارك في هذا الجو الحزين. وحين يقبل الليل تنعكس صور النجوم على صفحتها المصقولة فيحسب الرائي أن السماء كل ما فيها قد اتصلت بها وركبت فيها.
* المقطع ’’ ج ‘‘ :
ويرى الشاعر في البركة سمكا، يسبح ويمرح، منطلقا في البحيرة لا يستطيع أن يبلغ نهايتها لاتساعها وترامي أطرافها .. وهو يعلو ويهبط مستعينا بزعانفه التي تقع منه موقع الأجنحة فكأنه الطير حين تهوي بأجنحتها في جو السماء. وحين يهوي يجد في قاع البركة مكانا فسيحا كأنه صحن الدار.. وحين يعلو يجد في مقدمتها منتدى يجتمع فيه .. وقد مالت منه الرؤوس في طمأنينة وهو يتجه ببصره نحو تمثال لسمكة دولفين .. وقد أذهب خوفه من أن نظر الدولفين كان مصروفا عنه، غير موجه إليه.
* المقطع ’’ د ‘‘ :
وبعد أنهى الشاعر حديثه عن البركة نفسها: عن جمالها، ودقة صنعها، واندفاع الماء إليها وأثر الصبا بصفحتها، ومشاعرها ضحكا وبكاء .. وعن السمك السابح فيها صاعدا هابطا انتقل إلى ما حولها، فتلك الرياض الملونة وقد استدارت بها تشبه الطواويس جمالا وتلونا .. لا بل إن ريش الطواويس يشبهها.
وهاتان الدكتان المتقابلتان أشبه ما تكونان بالشعريين، وهما نجمان في السماء .
و لكن أفانين هذا الجمال التي عرضها الشاعر منفعلا بها، في تتابع أخاذ لا ترتفع إلى مستوى مساعي الخليفة وأعماله الجليلة .. وهو بهذا يمهد للانتقال إلى المدح وهو الغرض الأساسي للقصيدة ..ويسمي النقاد ذلك حسن تخلص.
# مصدر الدراسة :
كتاب: ’’ الأدب والنصوص والبلاغة ‘‘، للصف الثاني الثانوي، تأليف : أحمد عثمان عبدالمجيد، محمد شمس الدين عبدالحافظ، إبراهيم عابدين، درويش حمودة. ط 17، 1414هـ/ 1993ـ1994م، دولة الإمارات العربية المتحدة.