ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    حكم بالغة... ووصايا بليغة - د. محمد حسان الطيان

    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    حكم بالغة... ووصايا بليغة - د. محمد حسان الطيان Empty حكم بالغة... ووصايا بليغة - د. محمد حسان الطيان

    مُساهمة من طرف أحمد الأحد سبتمبر 01, 2013 11:37 pm

    حكم بالغة... ووصايا بليغة

    د. محمد حسان الطيان

    أستاذ اللغة في الجامعة العربية المفتوحة

    هذه وصايا وحكم تجمع بين البيان الساحر والإيجاز الباهر، وهي تنطوي إلى ذلك على أشرف المعاني، وأسمى الأخلاق، وأجل المواعظ، وقد صيغت بصياغة أين منها صياغة الذهب؟! ورسمت بريشة أين منها ريشة الرسامين؟! وقد وردت هذه الوصايا في كتاب الإعجاز والإيجاز للثعالبي، منسوبة إلى سيدنا علي بن أبي طالب في بعض كلامه للحسين رضي الله تعالى عنهما. وفي هذه الكلمات الرائعات والوصايا المحكمات من فنون البلاغة والبيان ما يعجز عنه التعبير، إذ جمعت بين الإيجاز الرصين، والبيان العالي، والإبلاغ في التعبير، والحكمة الهادية، والسلاسة المعجبة، والقدرة على التنوع والتفنن.

    سأوردها أولًا مرتبة في فقرات مرقمة بغية التعليق عليها، وتسهيل الرجوع إلى كل منها:

    1- يا بني.. أوصيك بتقوى الله عز وجل في الغيب والشهادة. وكلمة الحق في الرضى والغضب. والقصد في الغنى والفقر. والعدل في الصديق والعدو. والعمل في النشاط والكسل. والرضى عن الله تعالى في الشدة والرخاء.

    2- يا بني ما شر بعده الجنة بشر، ولا خير بعده النار بخير، وكل نعيم دون الجنة محقور، وكل بلاء دون النار عافية.

    3- اعلم يا بني أنه من أبصر عيب نفسه شغل عن عيب غيره، ومن رضي بقسم الله تعالى لم يحزن على ما فاته، ومن سل سيف البغي قُتل به، ومن حفر لأخيه بئرًا وقع فيها، ومن هتك حجاب أخيه انكشفت عورات بيته، ومن نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره، ومن كابر من الأمور عطب، ومن اقتحم البحر غرق، ومن أعجب برأيه ضل، ومن استغنى بعقله زل، ومن تكبر على الناس ذل، ومن سفه عليهم شتم، ومن دخل مداخل السوء اتهم. ومن خالط الأنذال حقر. ومن جالس العلماء وقر. ومن مزح استخف به. ومن اعتزل سلم ومن ترك الشهوات كان حرًا. ومن ترك الحسد كان له المحبة من الناس.

    4- يا بني، عز المؤمن غناه عن الناس، والقناعة مال لا ينفد، ومن أكثر من ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير، ومن علم أن كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما ينفعه، والعجب ممن خاف العقاب فلم يكف، ورجا الثواب فلم يعمل، والذكر نور، والغفلة ظلمة، والجهالة ضلالة، والسعيد من وعظ بغيره، والأدب خير ميراث، وحسن الخلق خير قرين.

    5- يا بني، ليس مع قطيعة الرحم نماء، ولا مع الفجور غناء. يا بني، العافية عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت إلا بذكر الله تعالى، وواحدة في ترك مجالسة السفهاء، ومن تزين بمعاصي الله في المجلس أورثه الله ذلا، ومن طلب العلم علم.

    6- يا بني، رأس العلم الرفق، وآفته الخرق، ومن كنوز الإيمان الصبر على المصائب، العفاف زينة الفقر، والشكر زينة الغنى. ومن أكثر من شيء عرف به. ومن كثر كلامه كثر خطؤهّ ومن كثر خطؤه قل حياؤه. ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه، ومن مات قلبه دخل النار.

    7- يا بني، لا تؤيسنَّ مذنبا، فكم عاكف على ذنبه ختم له بالخير، ومن مقبل على عمله مفسد له في آخر عمره صار إلى النار، ومن تحرى القصد خفت عليه الأمور.

    8- يا بني، كثرة الزيارة تورث الملالة، الطمأنينة قبل الخبرة ضد الحزم، إعجاب المرء بنفسه دليل على ضعف عقله.

    9- يا بني، كم من نظرة جلبت حسرة وكم من كلمة جلبت نعمة، لا شرف أعلى من الإسلام، ولا كرم أعز من التقوى، ولا معقل أحرز من الورع، ولا شفيع أنجح من التوبة، ولا لباس أجمل من العافية، ولا مال أذهب للفاقة من الرضى بالقوت، ومن اقتصر على بلغة الكفاف تعجل الراحة وتبوأ أحسن الدعة.

    10- الحرص مفتاح التعب ومطية النصب وداعٍ إلى التقحُّم في الذنوب، والشر جامع لمساوئ العيوب، وكفى أدبًا لنفسك ما كرهته من غيرك. لأخيك عليك مثل الذي عليك لك، ومن تورط في الأمور من غير نظر في الصواب فقد تعرض لمفاجأة النوائب.

    11- التدبير قبل العمل يؤمنك الندم، من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ، الصبر جنة من الفاقة، في خلاف النفس رشدها. الساعات تنقص الأعمار. ربك للباغين من أحكام الحاكمين. وعالم بضمير المضمرين. بئس الزاد للمعاد العدوان على العباد. في كل جرعة شرق وفي كل أكلة غصص. لا تنال نعمة إلا لفراق أخرى.

    12- ما أقرب الراحة من التعب. والبؤس من النعيم. والموت من الحياة، فطوبى لمن أخلص لله تعالى علمه وعمله وحبه وبغضه وأخذه وتركه وكلامه وصمته. وبخٍ بخٍ لعالم علم فكف. وعمل فجد. وخاف الثبات فأعد واستعد. إن سئل أفصح. وإن ترك سكت. كلامه صواب. وصمته من غير عي عن الجواب. والويل كل الويل لمن بلي بحرمان وخذلان وعصيان. واستحسن لنفسه ما يكرهه لغيره.

    13- من لانت كلمته وجبت محبته. من لم يكن له حياء ولا سخاء فالموت أولى به من الحياة. لا تتم مروءة الرجل حتى لا يبالي أي ثوبيه لبس. ولا أي طعاميه أكل.

    التعليق

    بدأها في المقطع الأول بما تبدأ به الوصايا أي بالفعل أوصى، مقرونا بفحوى التوصية، وقد اشتملت كل وصية من وصايا المقطع على فن الطباق وهو محسن بديعي يجمل الكلام ويقرب المعنى، وفق قول الشاعر:

    والحسن يظهر حسنَه الضدُّ

    «أوصيك بتقوى الله عز وجل في الغيب والشهادة. وكلمة الحق في الرضى والغضب. والقصد في الغنى والفقر. والعدل في الصديق والعدو. والعمل في النشاط والكسل. والرضى عن الله تعالى في الشدة والرخاء».

    تأمل الطباق بين الغيب والشهادة، وبين الرضى والغضب، وبين الغنى والفقر...

    وثنى في المقطع الثاني بجمل تشتمل على فن المقابلة: ما شر بعده الجنة بشر، ولا خير بعده النار بخير. وكل نعيم دون الجنة محقور. وكل بلاء دون النار عافية.

    فالشر يقابله الخير، والجنة يقابلها النار، والشر الثانية يقابلها الخير الثانية. وكذا في الجملة الأخرى...

    ثم أردفها في المقطع الثالث بجمل شرطية جمعت صنوف الحكم:

    «اعلم يا بني أن من أبصر عيب نفسه شغل عن غيره. ومن رضي بقسم الله تعالى لم يحزن على ما فاته. ومن سل سيف البغي قتل به. ومن حفر بئرًا لأخيه وقع فيها. ومن هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته. ومن نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره. ومن كابد الأمور عطب. ومن اقتحم البحر غرق. ومن أعجب برأيه ضل».

    وهي كما ترى في غاية الإيجاز والإبداع، مع ما تشتمل عليه من عظيم المعاني والحكم. وبديع المحسنات والصور، فالبغي له سيف من سله قتل به، وتدبير السوء بئر من حفرها وقع فيها، وهو ما يسمى عند البلاغيين استعارة تصريحية.

    وفي المقطع الرابع جمل اسمية لا يعدو بعضها المبتدأ والخبر، لكنه في غاية الجمال والاتساق: «الذكر نور. والغفلة ظلمة. والجهالة ضلالة...» وهي تشتمل على صور بيانية، تسمى عند أهل البلاغة بالتشبيه البليغ، إذ شبه الذكر بالنور، والغفلة بالظلمة.. دون ذكر أداة التشبيه أو وجه الشبه.

    ويمتد بعضها ليشتمل على مكملات تزيد الجملة بهاء وسنى: «والسعيد من وعظ بغيره. والأدب خير ميراث وحسن الخلق خير قرين».

    وفي المقطع الخامس يستعمل النفي بليس مقدما خبرها على اسمها في أسلوب بلاغي يدعى بالقصر: «يا بني ليس مع قطيعة الرحم نماء. ولا مع الفجور غنى».

    وفي المقطع السادس جمل شرطية متتابعة متراكبة، آخذ بعضها برقاب بعض، بل مبني بعضها على بعض، تسلمك الأولى للثانية والثانية للثالثة... وهكذا في نظام لا ينقضي من العجب: «ومن كثر كلامه كثر خطؤه ومن كثر خطؤه قل حياؤه. ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه، ومن مات قلبه دخل النار».

    وفي المقطع السابع أسلوب التعليل، فقد نهى عن أمر ثم علل سبب النهي بكم التكثيرية: يا بني لا تؤيسن مذنبًا فكم من عاكف على ذنبه ختم له بالخير. ومن مقبل على عمله مفسد له في آخر عمره صار إلى النار.

    وفي المقطع الثامن يبدو فن السجع: «يا بني كثرة الزيارة تورث الملالة... إعجاب المرء بنفسه دليل على ضعف عقله». بين الزيارة والملالة، وبين نفسه وعقله.

    وفي المقطع التاسع يستعمل لا النافية للجنس في نسق بديع يبدي علو الإسلام، وكرم التقوى، وحرز الورع، ونجاع التوبة، وجمال العافية: «لا شرف أعلى من الإسلام. ولا كرم أعلى من التقوى. ولا معقل أحرز من الورع. ولا شفيع أنجح من التوبة. ولا لباس أجمل من العافية».

    وفي المقطع العاشر فن السجع أيضا بين التعب والنصب، وبين الذنوب والعيوب: «الحرص مفتاح التعب. ومطية النصب. وداع إلى التقحم في الذنوب. والشر جامع لمساوئ العيوب». ولا يخفى ما في التعابير الإضافية مفتاح التعب. ومطية النصب من صور. ومن جمال التعبير استعمال التمييز بعد كفى، في قوله: «وكفى أدبًا لنفسك ما كرهته من غيرك».

    وفي المقطع الحادي عشر تصوير بديع مستقى من قوله تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} إذ هو يشبه العدوان بأسوأ زاد يتزوده المرء لآخرته: «بئس الزاد للمعاد العدوان على العباد».. ثم يتبعه بتعبير فيه أسلوب القصر: «في كل جرعة شرق وفي كل أكلة غصص» بتقديم الخبر على مبتدئه النكرة.

    وفي المقطع الثاني عشر ضروب من المحسنات البديعية اللفظية والمعنوية، ففيه الموازنة، والسجع، والطباق، وحسن التقسيم: «ما أقرب الراحة من التعب. والبؤس من النعيم. والموت من الحياة، فطوبي لمن أخلص لله تعالى علمه وعمله وحبه وبغضه وأخذه وتركه وكلامه وصمته. وبخ بخ لعالم علم فكف. وعمل فجد. وخاف الثبات. فأعد واستعد. إن سئل أفصح...».

    وفي المقطع الثالث عشر كذلك بعض أنواع البديع كالجناس الناقص بين الحياء والحياة، والسجع بين كلمته ومحبته، والطباق بين الموت والحياة: «من لانت كلمته وجبت محبته. من لم يكن له حياء ولا سخاء فالموت أولى به من الحياة. لا تتم مروءة الرجل حتى لا يبالي أي ثوبيه لبس. ولا أي طعاميه أكل».

    وبعد، فهذا غيض من فيض، أشرت فيه إلى بعض ما تحويه هذه الوصايا والحكم من ضروب البلاغة والبيان والبديع، وهو منبهة على ما وراءه من هذه الفنون.

    المصدر :

    مجلة الوعي الإسلامي الكويتية


    http://www.alwaei.com/site/index.php/564/rwae3/

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 14, 2024 10:26 pm