منهج العلماء في جمع اللغة
سلك العلماء مسلكاً خاصاً في جمع اللغة ، حيث رأوا أن في إتباعهم هذا المسلك سلامة اللغة ، والحفاظ عليها ، فأخذوا اللغة عن قبائل معينة ، وتركوا ما سواها ، ذكر السيوطي نقلاً عن الفارابي أسماء كثير من هذه القبائل التي أُخذت عنها اللغة ، والتي لم تؤخذ عنها ، وعلة عدم الأخذ ، فقال : " كانت قريش أجود العرب انتقاداً للأفصح من الألفاظ ، واسهلها على اللسان عند النطق ، وأحسنها مسموعاً وأبينها إبانة عما في النفس ، والذين- عنهم نُقلت اللغة العربية وبهم اقتُديَ ، وعنهم أُخذ اللسان العربي من قبائل العرب هم : قيس ، وتميم ، وأسد ، فإن هؤلاء هم الذين عنهم أكثر ما أُخذ ومعظمه ،وعليهم اتكل في الغريب وفي الإعراب والتصريف ، ثم هذيل وبعض كنانة ، وبعض الطائيين ، ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم .
وبالجملة فإنه لم يؤخذ عن حضري قط ، ولا عن سكان البراري ممن يسكن أطراف بلادهم المجاورة لسائر الأمم الذين حولهم ، فإنه لم يؤخذ لا من لخم ، ولا من جذام ، لمجاورتهم أهل مصر والقبط ولا من قضاعة ، وغسان ، وإياد لمجاورتهم أهل الشام وأكثرهم نصارى يقرءون بالعبرانية ، ولا من تغلب واليمن ، فإنهم كانوا بالجزيرة مجاورين لليونان (كذا بالأصل) ، ولا من بكر لمجاورتهم للقبط والفرس ، ولا من أهل اليمن لمجاورتهم للهند والحبشة ، ولا من بني حنيفة وسكان اليمامة ، ولا من ثقيف وأهل الطائف لمخالطتهم تجار اليمن المقيمين عندهم (ذكر ـ هنا ـ ثقيفا ضمن القبائل التي لم تؤخذ عنها اللغة ، مع أنها معدودة ضمن خمسة هي أفصح القبائل ، كما جاء في المزهر 1/210) ولا من حاضرة الحجاز ، لأن الذين نقلوا اللغة صادفوا حين ابتدءوا ينقلون لغة العرب قد خالطوا غيرهم من الأمم ، وفسدت ألسنتهم " (1) .
من هذا النص يتبين لنا مدى حرص العلماء على سلامة اللغة ، من ناحية المكان ، وأما من ناحية الزمان فإنهم لم يأخذوا اللغة عن فصحاء العرب ، وحتى منتصف القرن الرابع الهجري بالنسبة لأهل البادية وهذه الفترة الزمنية سميت عند علماء اللغة ب" عصور الاحتجاج"(2) .
-----------------------------------
(1) المزهر للسيوطي 1/211، 212 .
(2) الاحتجاج بالشعر في اللغة الواقع ودلالته صـ83 .
==================
المصدر: كتاب أصول اللغة العربية للدكتور / محمد موسى جبارة ـ مدرس أصول اللغة بجامعة الأزهر.
سلك العلماء مسلكاً خاصاً في جمع اللغة ، حيث رأوا أن في إتباعهم هذا المسلك سلامة اللغة ، والحفاظ عليها ، فأخذوا اللغة عن قبائل معينة ، وتركوا ما سواها ، ذكر السيوطي نقلاً عن الفارابي أسماء كثير من هذه القبائل التي أُخذت عنها اللغة ، والتي لم تؤخذ عنها ، وعلة عدم الأخذ ، فقال : " كانت قريش أجود العرب انتقاداً للأفصح من الألفاظ ، واسهلها على اللسان عند النطق ، وأحسنها مسموعاً وأبينها إبانة عما في النفس ، والذين- عنهم نُقلت اللغة العربية وبهم اقتُديَ ، وعنهم أُخذ اللسان العربي من قبائل العرب هم : قيس ، وتميم ، وأسد ، فإن هؤلاء هم الذين عنهم أكثر ما أُخذ ومعظمه ،وعليهم اتكل في الغريب وفي الإعراب والتصريف ، ثم هذيل وبعض كنانة ، وبعض الطائيين ، ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم .
وبالجملة فإنه لم يؤخذ عن حضري قط ، ولا عن سكان البراري ممن يسكن أطراف بلادهم المجاورة لسائر الأمم الذين حولهم ، فإنه لم يؤخذ لا من لخم ، ولا من جذام ، لمجاورتهم أهل مصر والقبط ولا من قضاعة ، وغسان ، وإياد لمجاورتهم أهل الشام وأكثرهم نصارى يقرءون بالعبرانية ، ولا من تغلب واليمن ، فإنهم كانوا بالجزيرة مجاورين لليونان (كذا بالأصل) ، ولا من بكر لمجاورتهم للقبط والفرس ، ولا من أهل اليمن لمجاورتهم للهند والحبشة ، ولا من بني حنيفة وسكان اليمامة ، ولا من ثقيف وأهل الطائف لمخالطتهم تجار اليمن المقيمين عندهم (ذكر ـ هنا ـ ثقيفا ضمن القبائل التي لم تؤخذ عنها اللغة ، مع أنها معدودة ضمن خمسة هي أفصح القبائل ، كما جاء في المزهر 1/210) ولا من حاضرة الحجاز ، لأن الذين نقلوا اللغة صادفوا حين ابتدءوا ينقلون لغة العرب قد خالطوا غيرهم من الأمم ، وفسدت ألسنتهم " (1) .
من هذا النص يتبين لنا مدى حرص العلماء على سلامة اللغة ، من ناحية المكان ، وأما من ناحية الزمان فإنهم لم يأخذوا اللغة عن فصحاء العرب ، وحتى منتصف القرن الرابع الهجري بالنسبة لأهل البادية وهذه الفترة الزمنية سميت عند علماء اللغة ب" عصور الاحتجاج"(2) .
-----------------------------------
(1) المزهر للسيوطي 1/211، 212 .
(2) الاحتجاج بالشعر في اللغة الواقع ودلالته صـ83 .
==================
المصدر: كتاب أصول اللغة العربية للدكتور / محمد موسى جبارة ـ مدرس أصول اللغة بجامعة الأزهر.