مظاهر اللحن في اللغة
تعددت مظاهر اللحن فمنها :
أ) اللحن في الحركات الإعرابية ، فلا يصححون أواخر الكلمات ، كما تقتضيه قواعد النحو ، وذلك كما في لحن ابنة أبي الأسود الدؤلي ، إذ قالت له يوماً : يا أبت ما أحسنُ السماء فقال : أي بنيه ، نجومها ، فقالت : إني لم أرد : أي شيء منها أحسن ؟ إنما تعجب من حسنها ، قال : إذا فقولي ما أحسنَ السماء (1) .
وسمع أعرابي مؤذناً يقول : اشهد أن محمداً رسولَ الله ـ بنصب رسول ـ فقال الأعرابي : ويحك! يفعل ماذا ؟ (2) .
ب) اللحن في بنية الكلمة ، قيل لنبطي : لم اشتريت هذه الأتان ؟ فقال : اركبها وتلد لي، بفتح اللام من تلد (3) .
ج) اللحن في تركيب الجمل ، قال الجاحظ : قلت لخادم لي : في أي صناعة أسلموا هذا الغلام ؟ قال : في أصحاب سند نعال ، يريد في أصحاب النعال السندية(4) .
د) اللحن في نطق الأصوات ، وذلك يحدث عندما لا يستطيع المتكلم إخراج الصوت من مخرجه ، فيبدله بآخر قريب منه ، وهذا يحدث مع الأعاجم ، وهو المعروف باللكنة ، والتي هي عجمة في اللسان وعِيُّ ، ومن ذلك : ما رُوي من قول قيل لمولاه زياد : أهدوا لنا هُمَارَ وَهْشٍ ، فقال : ما تقول ؟ ويلك ! فقال : أهدوا لنا أَيْرًا ، فقال زياد : الأول خير (5) .
يقصد : حمار وحشٍ (أي الحمار الوحشي) لكنه أبدل الحاء هاء ، وأيرًا أي عيرًا وهو حمار أيا كان أهلياً أو وحشياً ، وقد غلب على الوحشي ، والمتكلم أبدل العين همزة .
ونظراً لانتشار اللحن على ألسنة الخاصة والعامة ، انطلق العلماء إلي البوادي يستنطقون الأعراب ، ويحفظون عنهم ، ويدونون في أوراقهم ما تسمعه آذانهم ، وكان هدفهم ـ كما قلنا سابقاً ـ الحفاظ على لغة القرآن الكريم ، فكان أن جمعوا من ذلك كثيراً ، ومن هذا كله تكونت الرسائل اللغوية والمعاجم ، يقول الأستاذ أحمد أمين : " وكان المدونون الأولون للغة في هذا العصر يدونون المفردات حيثما اتفق ، وكما يتيسر لهم سماعها ، فقد يسمعون كلمة في الفرس ، وأخرى في الغيث ، وثالثة في الرجل القصير ، وهكذا فكانوا يقيدون ما سمعوا من غير ترتيب ، وكانت الخطوة الثانية ، ان جمعوا الكلمات الخاصة بموضوع واحد .. وأظهر ما كان ذلك في كتب الأصمعي ، فله كتاب الأنواء ، وكتاب خلق الفرس ، وكتاب الإبل ، وكتاب الشاء وهكذا ، يجمع ما ورد من الألفاظ اللغوية في موضوع واحد ويسميه كتاباً ، وقد يكون الكتاب بضع ورقات ، ثم كانت الخطوة الثالثة عمل المعاجم " (6) .
وهذه الخطوات الثلاث التي أشار إليها الأستاذ أحمد أمين ، لم تكن خطوات منفصلة بعضها عن بعض ، وأن الخطوة الثانية لم تبدأ إلا بعد الانتهاء من الأولى ، والثالثة لم تبدأ إلا بعد الانتهاء من الثانية ، ولكن هذه الخطوات الثلاث كانت متداخلة ، فالخليل بن أحمد صاحب أول معجم لغوي، توفي سنة خمس وسبعين ومائة للهجرة ، بينما توفي الأصمعي سنة خمس عشرة وقيل : ست عشرة ومائتين للهجرة .
وتوالى بعد ذلك التأليف والتدوين ، وكان العلماء يعمدون إلى تأييد معاني الألفاظ بما ورد منها في القرآن الكريم ، والحديث الشريف ، وشعر العرب ونثرهم .
ولما كان الحفاظ على لغة القرآن الكريم والسنة النبوية هدفاً ، وضعه العلماء نصب أعينهم ، وبذلوا جهوداً عظيمة في سبيل تحقيقه ، رأينا كثيراًً من الكتب التي ألفت تحمل اسم غريب القرآن ، أو غريب الحديث .
فقد نسب لابن عباس رضي الله عنه كتاب في " غريب القرآن "(7) لكن الذي تميل إليه النفس " إن هذا الكتاب ليس لابن عباس ، وذلك لأن كُتاب ترجمته لم يذكروا أن له كتاباً اسمه " غريب القرآن" إلا أنه من الثابت أن ابن عباس كان أحد الراسخين في العلم ، وكان مفسراً لغوياً ، عليماً بأسرار اللغة ودقائقها ، ومعاني مفرداتها ، ودقائق أساليبها ، ويدلنا على ذلك المحاورة السابقة والتي كان يؤيد كل كلمة بشاهد من كلام العرب .
فلعل هذا الكتاب مروي عنه عن طريق من أخذوا العلم منع ، ودونه أحدهم ، ونسب إلي ابن عباس (8) .
ولعل ما يؤيد ذلك قول السيوطي : " وأَوْلى ما يرجع إليه في ذلك ، ما ثبت عن ابن عباس وأصحابه الآخذين عنه، فإنه ورد عنهم ما يستوعب تفسير غريب القرآن ، بالأسانيد الصحيحة "(9) .
وقد ألف في غريب القرآن كثير من العلماء منهم : أبو عبيدة معمر بن المثني ، وأبو عمر الزاهد ، وابن دريد ، وابن قتيبة ، والسجستاني ، والعزيزي ، والراغب الأصفهاني ، وأبو حيان وغيرهم كثير حتى قال السيوطي معبراً عن كثرة من ألفوا في هذا النوع : " أفرده بالتصنيف خلائق لا يحصون " (10) .
كما ألف كثير من العلماء ـ كذلك ـ في غريب الحديث منهم : أبو عبيدة معمر بن المثني ، وأبو عدنان عبد الرحمن بن عبد الأعلى ، والنضر بن شميل ، وابو عمرو الشيباني ، وقطرب، وأبو زيد الأنصاري ، وغير هؤلاء كثير (11) .
هذا " وقد ألف بعض العلماء كتباً تضم غريبي القرآن والحديث معاً ، كأبي عبيد أحمد بن محمد الهروي (ت401هـ) صاحب كتاب الغريبين ، وقد طيعه المجلس الأعلي للشئون الإسلامية بالقاهرة ، وهو مرتب على الحروف الأصول "(12) .
ولاشتمال القرآن الكريم على ألفاظ من غير لغة "لهجة" قربش ألف كثيرون في لغات القرآن" فقد نسب لابن عباس رضي الله عنه كتاب في ذلك جاءنا عن رواية ابن حسنون المقرئ المصري بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنه وقد حقق الكتاب الدكتور / توفيق محمد شاهين ، ونشرته مكتبة وهبه ـ بالقاهرة .
ولعل العلماء الذين كتبوا في لغات القرآن : الفراء ، وابو زيد الأنصاري ، والأصمعي ، والهيثم بن عدي ، ومحمد بن يحي القطيعي ، وابن دريد ، والزركشي، والسيوطي(13) .
ويلاحظ على هذا النوع من المصنفات أنه لا يقتصر على لهجات العرب بل إنه بضم إلى جوارذلك " ألفاظ منسوبة إلى بعض اللغات السامية كالنبطية والحبشية ، وإلى لغات أجنبية كالفارسية وتعد الألفاظ المنسوبة إلى الساميات من الألفاظ الأصلية في العربية كأخواتها ، لرجوعها إلى أصل واحد ، وقد تكون بعض الألفاظ المنسوبة إلى الفارسية أو غيرها من توافق اللغات" (14) .
--------------------
(1) أخبار النحويين للسيرافي صـ36 .
(2) عيون الأخبار 158 .
(3) البيان والتبيين 1/74، 161 .
(4) السابق نفسه 1/165 .
(5) عيون الأخبار 1/159، البيان والتبين 1/165 .
(6) ضحس الإسلام 1/320 .
(7) تاريخ الأدب العربي لكارل بروكلمان 4/8، 9 .
(8) المعاجم العربية د/عبد الحميد أبو سكين ص14 ، والمعجم العربي د/حسين مصار 1/33 .
(9) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 2/5 .
(10) السابق نفسه 2/3 ، ولبيان من ألفوا في غريب بتفصيل أكثر ، المعجم العربي 1/33، 42 .
(11) المعجم العربيي د/حسين نصار 1/42 ، 54 .
(12) مناعج البحث في اللغة والمعاجم ص112 .
(13) اللغات في القرآن صـ22 من مقدمة المحقق .
(14) مناهج البحث في اللغة والمعاجم صـ113 .
==================
(3) المصدر: كتاب أصول اللغة العربية للدكتور / محمد موسى جبارة ـ مدرس أصول اللغة بجامعة الأزهر.
تعددت مظاهر اللحن فمنها :
أ) اللحن في الحركات الإعرابية ، فلا يصححون أواخر الكلمات ، كما تقتضيه قواعد النحو ، وذلك كما في لحن ابنة أبي الأسود الدؤلي ، إذ قالت له يوماً : يا أبت ما أحسنُ السماء فقال : أي بنيه ، نجومها ، فقالت : إني لم أرد : أي شيء منها أحسن ؟ إنما تعجب من حسنها ، قال : إذا فقولي ما أحسنَ السماء (1) .
وسمع أعرابي مؤذناً يقول : اشهد أن محمداً رسولَ الله ـ بنصب رسول ـ فقال الأعرابي : ويحك! يفعل ماذا ؟ (2) .
ب) اللحن في بنية الكلمة ، قيل لنبطي : لم اشتريت هذه الأتان ؟ فقال : اركبها وتلد لي، بفتح اللام من تلد (3) .
ج) اللحن في تركيب الجمل ، قال الجاحظ : قلت لخادم لي : في أي صناعة أسلموا هذا الغلام ؟ قال : في أصحاب سند نعال ، يريد في أصحاب النعال السندية(4) .
د) اللحن في نطق الأصوات ، وذلك يحدث عندما لا يستطيع المتكلم إخراج الصوت من مخرجه ، فيبدله بآخر قريب منه ، وهذا يحدث مع الأعاجم ، وهو المعروف باللكنة ، والتي هي عجمة في اللسان وعِيُّ ، ومن ذلك : ما رُوي من قول قيل لمولاه زياد : أهدوا لنا هُمَارَ وَهْشٍ ، فقال : ما تقول ؟ ويلك ! فقال : أهدوا لنا أَيْرًا ، فقال زياد : الأول خير (5) .
يقصد : حمار وحشٍ (أي الحمار الوحشي) لكنه أبدل الحاء هاء ، وأيرًا أي عيرًا وهو حمار أيا كان أهلياً أو وحشياً ، وقد غلب على الوحشي ، والمتكلم أبدل العين همزة .
ونظراً لانتشار اللحن على ألسنة الخاصة والعامة ، انطلق العلماء إلي البوادي يستنطقون الأعراب ، ويحفظون عنهم ، ويدونون في أوراقهم ما تسمعه آذانهم ، وكان هدفهم ـ كما قلنا سابقاً ـ الحفاظ على لغة القرآن الكريم ، فكان أن جمعوا من ذلك كثيراً ، ومن هذا كله تكونت الرسائل اللغوية والمعاجم ، يقول الأستاذ أحمد أمين : " وكان المدونون الأولون للغة في هذا العصر يدونون المفردات حيثما اتفق ، وكما يتيسر لهم سماعها ، فقد يسمعون كلمة في الفرس ، وأخرى في الغيث ، وثالثة في الرجل القصير ، وهكذا فكانوا يقيدون ما سمعوا من غير ترتيب ، وكانت الخطوة الثانية ، ان جمعوا الكلمات الخاصة بموضوع واحد .. وأظهر ما كان ذلك في كتب الأصمعي ، فله كتاب الأنواء ، وكتاب خلق الفرس ، وكتاب الإبل ، وكتاب الشاء وهكذا ، يجمع ما ورد من الألفاظ اللغوية في موضوع واحد ويسميه كتاباً ، وقد يكون الكتاب بضع ورقات ، ثم كانت الخطوة الثالثة عمل المعاجم " (6) .
وهذه الخطوات الثلاث التي أشار إليها الأستاذ أحمد أمين ، لم تكن خطوات منفصلة بعضها عن بعض ، وأن الخطوة الثانية لم تبدأ إلا بعد الانتهاء من الأولى ، والثالثة لم تبدأ إلا بعد الانتهاء من الثانية ، ولكن هذه الخطوات الثلاث كانت متداخلة ، فالخليل بن أحمد صاحب أول معجم لغوي، توفي سنة خمس وسبعين ومائة للهجرة ، بينما توفي الأصمعي سنة خمس عشرة وقيل : ست عشرة ومائتين للهجرة .
وتوالى بعد ذلك التأليف والتدوين ، وكان العلماء يعمدون إلى تأييد معاني الألفاظ بما ورد منها في القرآن الكريم ، والحديث الشريف ، وشعر العرب ونثرهم .
ولما كان الحفاظ على لغة القرآن الكريم والسنة النبوية هدفاً ، وضعه العلماء نصب أعينهم ، وبذلوا جهوداً عظيمة في سبيل تحقيقه ، رأينا كثيراًً من الكتب التي ألفت تحمل اسم غريب القرآن ، أو غريب الحديث .
فقد نسب لابن عباس رضي الله عنه كتاب في " غريب القرآن "(7) لكن الذي تميل إليه النفس " إن هذا الكتاب ليس لابن عباس ، وذلك لأن كُتاب ترجمته لم يذكروا أن له كتاباً اسمه " غريب القرآن" إلا أنه من الثابت أن ابن عباس كان أحد الراسخين في العلم ، وكان مفسراً لغوياً ، عليماً بأسرار اللغة ودقائقها ، ومعاني مفرداتها ، ودقائق أساليبها ، ويدلنا على ذلك المحاورة السابقة والتي كان يؤيد كل كلمة بشاهد من كلام العرب .
فلعل هذا الكتاب مروي عنه عن طريق من أخذوا العلم منع ، ودونه أحدهم ، ونسب إلي ابن عباس (8) .
ولعل ما يؤيد ذلك قول السيوطي : " وأَوْلى ما يرجع إليه في ذلك ، ما ثبت عن ابن عباس وأصحابه الآخذين عنه، فإنه ورد عنهم ما يستوعب تفسير غريب القرآن ، بالأسانيد الصحيحة "(9) .
وقد ألف في غريب القرآن كثير من العلماء منهم : أبو عبيدة معمر بن المثني ، وأبو عمر الزاهد ، وابن دريد ، وابن قتيبة ، والسجستاني ، والعزيزي ، والراغب الأصفهاني ، وأبو حيان وغيرهم كثير حتى قال السيوطي معبراً عن كثرة من ألفوا في هذا النوع : " أفرده بالتصنيف خلائق لا يحصون " (10) .
كما ألف كثير من العلماء ـ كذلك ـ في غريب الحديث منهم : أبو عبيدة معمر بن المثني ، وأبو عدنان عبد الرحمن بن عبد الأعلى ، والنضر بن شميل ، وابو عمرو الشيباني ، وقطرب، وأبو زيد الأنصاري ، وغير هؤلاء كثير (11) .
هذا " وقد ألف بعض العلماء كتباً تضم غريبي القرآن والحديث معاً ، كأبي عبيد أحمد بن محمد الهروي (ت401هـ) صاحب كتاب الغريبين ، وقد طيعه المجلس الأعلي للشئون الإسلامية بالقاهرة ، وهو مرتب على الحروف الأصول "(12) .
ولاشتمال القرآن الكريم على ألفاظ من غير لغة "لهجة" قربش ألف كثيرون في لغات القرآن" فقد نسب لابن عباس رضي الله عنه كتاب في ذلك جاءنا عن رواية ابن حسنون المقرئ المصري بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنه وقد حقق الكتاب الدكتور / توفيق محمد شاهين ، ونشرته مكتبة وهبه ـ بالقاهرة .
ولعل العلماء الذين كتبوا في لغات القرآن : الفراء ، وابو زيد الأنصاري ، والأصمعي ، والهيثم بن عدي ، ومحمد بن يحي القطيعي ، وابن دريد ، والزركشي، والسيوطي(13) .
ويلاحظ على هذا النوع من المصنفات أنه لا يقتصر على لهجات العرب بل إنه بضم إلى جوارذلك " ألفاظ منسوبة إلى بعض اللغات السامية كالنبطية والحبشية ، وإلى لغات أجنبية كالفارسية وتعد الألفاظ المنسوبة إلى الساميات من الألفاظ الأصلية في العربية كأخواتها ، لرجوعها إلى أصل واحد ، وقد تكون بعض الألفاظ المنسوبة إلى الفارسية أو غيرها من توافق اللغات" (14) .
--------------------
(1) أخبار النحويين للسيرافي صـ36 .
(2) عيون الأخبار 158 .
(3) البيان والتبيين 1/74، 161 .
(4) السابق نفسه 1/165 .
(5) عيون الأخبار 1/159، البيان والتبين 1/165 .
(6) ضحس الإسلام 1/320 .
(7) تاريخ الأدب العربي لكارل بروكلمان 4/8، 9 .
(8) المعاجم العربية د/عبد الحميد أبو سكين ص14 ، والمعجم العربي د/حسين مصار 1/33 .
(9) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 2/5 .
(10) السابق نفسه 2/3 ، ولبيان من ألفوا في غريب بتفصيل أكثر ، المعجم العربي 1/33، 42 .
(11) المعجم العربيي د/حسين نصار 1/42 ، 54 .
(12) مناعج البحث في اللغة والمعاجم ص112 .
(13) اللغات في القرآن صـ22 من مقدمة المحقق .
(14) مناهج البحث في اللغة والمعاجم صـ113 .
==================
(3) المصدر: كتاب أصول اللغة العربية للدكتور / محمد موسى جبارة ـ مدرس أصول اللغة بجامعة الأزهر.