الباسك
يعد شعب الباسك Les Basques أو «البشكنس» من أقدم الأقوام البشرية التي قدمت إلى أوربة من مناطق الحوض الشرقي للبحر المتوسط أو البحر الأسود، منذ العصر البرونزي. ويعتقد أن الباسكيين قد عاشوا في عزلة تامة منذ ذلك الوقت حتى اليوم.
ويرى بعضهم أن الباسك ينتمون إلى عناصر إيبرية قديمة كانت قد اختلطت بكل من اللاب أو الفِن (الفِنِيون) أولاً. ثم وصل إليهم التأثير التيوتوني ثانياً.
بلاد الباسك
تشغل بلاد الباسك مساحة من الأرض تزيد على 20752كم2، موزعة بين إسبانية وفرنسة وهي منطقة تمتد من النهايات الغربية لجبال البيرينه شرقاً، حتى خليج بسكاي غرباً. ومن مجرى نهر الغارون في فرنسة شمالاً، حتى سلسلة جبال البيرينه جنوباً، وتعد منطقة كنتابرية الإسبانية المعقل القومي للباسك.
وتتصف بلاد الباسك ببنية تضريسية جبلية مشوشة، تراوح ارتفاعاتها بين 500 و2500م. وتكثر فيها الممرات الجبلية أهمها المنفذ الوحيد إلى خليج بسكاي وأوربة الأطلسية بين مقاطعة نافار Navare شمالاً وكنتابرية جنوباً، على ارتفاع 700م. وتتمتع بلاد الباسك بمناخ رطب وهادئ، مما يجعل منها منطقة خضراء تكثر فيها المروج والغابات، وتنشط فيها تربية الحيوانات، وتنتشر فيها زراعة الحبوب كالقمح، والذرة علفاً للحيوانات، إلى جانب زراعة الأشجار المثمرة وفي مقدمتها الكرمة والحمضيات، وأما ثرواتها المعدنية فأهمها الحديد والفحم الحجري.
وتنقسم بلاد الباسك اليوم إلى سبع مقاطعات منها:
ـ أربع مقاطعات تقع في الجزء الشمالي الغربي من إسبانية وهي: بسكاي Biscaye وآلافا Alava ونافار Navarre وغيبوزكوا Guipuzcoa.
ـ ثلاث مقاطعات في الجزء الجنوبي الغربي من فرنسة وهي: نافار السفلى Basse Navarre ولابورد Labourde وسول Soule.
الصفات السلالية
يتصف شعب الباسك بالقامة المتوسطة والنحيفة (165سم)، والرأس المتوسط المتطاول، وسقف الجمجمة المرتفع، أما الوجه فضيق ومتطاول، والجبين عال وذو شكل عمودي، والحاجبان بارزان قليلاً إلى الأمام، والأنف بارز وضيق ومتطاول وذو أرنبة مرتفعة في وسطه، والذقن ضيقة، ومقدمة انطباق الفكين السفلي والعلوي بارزة إلى الأمام. والبشرة سمراء مع بعض الشقرة.
وترتفع في دماء الباسك نسبة الزمرة الدموية O ونمط الدم الفرعي Cme، مما يدفع إلى الاعتقاد أن الباسك بقوا مدة طويلة من الزمن وهم في عزلة تامة، قبل أن يختلطوا بالعناصر الآرية التي جاءت فيما بعد إلى أوربة قادمة من آسيا.
البنية الاجتماعية
تعد الأسرة الأبوية المتعددة الأجيال والكبيرة العدد (الأسرة الممتدة)، الخلية الأساسية للمجتمع. فالمجتمع الباسكي هو مجتمع قبلي يحكمه رؤساء الأسر، ولا توجد فيه تمايزات طبقية، تنتقل فيه ملكية الأسرة بكاملها إلى أحد أبنائها ذكراً كان أم أنثى، مما يضطر باقي الأولاد إلى البقاء من دون زواج، أو إلى الهجرة. ويعرف هذا القانون باسم فوروس Fors أو Fueros، وقد أبدى الباسك تعلقاً شديداً بهذا القانون. والباسك شعب ولود. ويعتنق الديانة المسيحية على المذهب الكاثوليكي، ويعيش شعب الباسك الذي يربو تعداده على مليوني نسمة في كل من فرنسة وإسبانية. وهناك ما يزيد على نصف مليون نسمة في أمريكة الجنوبية وخاصة في الأرجنتين، وهناك أعداد كبيرة منهم في الولايات الغربية من الولايات المتحدة الأمريكية. يعيش الباسك في بلادهم في قرى صغيرة مبعثرة ومتقاربة في مواقعها بسبب الطبيعة الجبلية لبلاد الباسك إلى جانب توافر المصادر المائية.
التاريخ السياسي
شعب الباسك من أقدم الشعوب التي استوطنت أوربة، وما يزال محافظاً على هويته القومية، فقد قاوم الباسك موجات القوط الغربيين Visigoths التي جاءت من الشرق، واجتاحت منطقة البلقان وإيطالية وإسبانية واستقرت فيها. وقاوم الباسك الفرنجة والفايكنغ. وفي العصور الوسطى كانت المقاطعات الباسكية: آلافا ـ بسكاي ـ غيبوزكوا متحدة مع قشتالة. وفي عام 1513 ضم فرديناند الثاني ملك آراغون مملكة نافار الباسكية إلى مملكته، إلا أن الباسك في كل من فرنسة وإسبانية احتفظوا لأنفسهم بدرجة كبيرة من الاستقلال الذاتي، وبامتيازات في شؤون التجارة والضرائب، والخدمة العسكرية، وقوانين الميراث. وكان القانون العرفي (الفوروس) يشمل الضوابط الاجتماعية والسياسية التي تحدد الشخصية القومية للباسك، الذين تعلقوا بشدة بذلك القانون العرفي. إلا أن الثورة الفرنسية أبطلت التعامل بهذا القانون، وبقيت فرنسة لا تعترف للباسك بأي نوع من الاستقلال الذاتي حتى عام 1951، وخُصَّ الباسك بقوانين معينة عرفت بقانون «ديكسون»، وصارت اللغة الباسكية لغة رسمية في المدارس في إقليم الباسك الفرنسي.
أما في إسبانية فإن محاولات الحكومة المستمرة في إحكام قبضتها على شعب الباسك من خلال إبطال العمل بقانون الفوروس، أدت إلى دعم الباسك لقضية دون كارلوس Don Carlos، التي ترتب عليها طموح الباسك إلى الاستقلال، إذ عدوا إسبانية دولة مستعمرة لهم بالقوة. وتألف حزب وطني يدعو إلى استقلال الباسك على يد وطني باسكي يدعى سابينو دي آرانا غيوري Sapino de Arana Giori، وقد اتخذ هذا الحزب الذي يعرف بالحزب الوطني الفاسكوني عام 1894 شعاراً: «الله والقانون العرفي (الفوروس)». وكان الباسك يرون في أثناء دعمهم لحركة دون كارلوس، أن الاحتفاظ بالقانون العرفي هو أهم من التفكير في من ستكون العائلة المالكة التي ستحكم إذا ما انتصرت تلك الحركة، وأهم من التفكير في سيادة الكنيسة سياسياً في المجتمع الباسكي فيما بعد. وبعد أن انتهت حروب «دون كارلوس» لم يعد هناك أي ارتباط بين القانون التقليدي، وبين الكنيسة الكاثوليكية وبين العائلة المالكة، فلم يعد يهتم الباسك بباقي القضايا التي ناضلوا من أجلها. وعندما قام النظام الجمهوري في 14 نيسان عام 1930، انقسم الباسك في تطلعاتهم السياسية إلى:
ـ أهالي مقاطعات: بسكاي ـ غيبوزكوا ـ وإلى حدٍ ما أهالي مقاطعة آلافا المهتمين بقيام نظام حكم ذاتي لإقليم الباسك ضمن الجمهورية الإسبانية مع السياسة المعادية لنظام الكنيسة الكاثوليكية.
ـ وأهالي مقاطعة نافار المعادين للجمهورية الذين يتوقون إلى إطاحتها. وقد قدمت تلك المقاطعة عام 1936 واحدة من أفضل الفرق العسكرية التي يقودها دون كارلوس. وكان أهالي نافار أول من دعا إلى عصيان مدني على الجمهورية الناشئة وصارت مدينة بلباو Bilbao المركز القومي للحركات التي تنادي باستقلال الباسك عن إسبانية. وقد قُصفت في 27 نيسان 1937 مدينة غيرنيكة Guernica مركز الاجتماعات التقليدية في مقاطعة بسكاي التي يعدها الباسك رمز حركاتهم القومية. وكان هذا القصف نهاية استقلال مقاطعات الباسك الذي نالته عام 1930، وإثر ذلك أُبعد الكثير من الوطنيين الباسك إلى العالم الجديد. فأقاموا حكومة لهم في المنفى اتخذت من مدينة باريس مركزاً لها. وفي عام 1959 قامت منظمة سياسية تدعى إيتا Aita على يد أنطونيو أغيرك خوسيه تقود النضال المسلح السري من أجل استقلال الباسك وإقامة دولتهم الوطنية على أرضهم القومية تاريخياً التي تخضع للحكم الفرنسي في الشمال والحكم الإسباني في الجنوب منذ عام 1959.
علي الجباوي
يعد شعب الباسك Les Basques أو «البشكنس» من أقدم الأقوام البشرية التي قدمت إلى أوربة من مناطق الحوض الشرقي للبحر المتوسط أو البحر الأسود، منذ العصر البرونزي. ويعتقد أن الباسكيين قد عاشوا في عزلة تامة منذ ذلك الوقت حتى اليوم.
ويرى بعضهم أن الباسك ينتمون إلى عناصر إيبرية قديمة كانت قد اختلطت بكل من اللاب أو الفِن (الفِنِيون) أولاً. ثم وصل إليهم التأثير التيوتوني ثانياً.
بلاد الباسك
تشغل بلاد الباسك مساحة من الأرض تزيد على 20752كم2، موزعة بين إسبانية وفرنسة وهي منطقة تمتد من النهايات الغربية لجبال البيرينه شرقاً، حتى خليج بسكاي غرباً. ومن مجرى نهر الغارون في فرنسة شمالاً، حتى سلسلة جبال البيرينه جنوباً، وتعد منطقة كنتابرية الإسبانية المعقل القومي للباسك.
وتتصف بلاد الباسك ببنية تضريسية جبلية مشوشة، تراوح ارتفاعاتها بين 500 و2500م. وتكثر فيها الممرات الجبلية أهمها المنفذ الوحيد إلى خليج بسكاي وأوربة الأطلسية بين مقاطعة نافار Navare شمالاً وكنتابرية جنوباً، على ارتفاع 700م. وتتمتع بلاد الباسك بمناخ رطب وهادئ، مما يجعل منها منطقة خضراء تكثر فيها المروج والغابات، وتنشط فيها تربية الحيوانات، وتنتشر فيها زراعة الحبوب كالقمح، والذرة علفاً للحيوانات، إلى جانب زراعة الأشجار المثمرة وفي مقدمتها الكرمة والحمضيات، وأما ثرواتها المعدنية فأهمها الحديد والفحم الحجري.
وتنقسم بلاد الباسك اليوم إلى سبع مقاطعات منها:
ـ أربع مقاطعات تقع في الجزء الشمالي الغربي من إسبانية وهي: بسكاي Biscaye وآلافا Alava ونافار Navarre وغيبوزكوا Guipuzcoa.
ـ ثلاث مقاطعات في الجزء الجنوبي الغربي من فرنسة وهي: نافار السفلى Basse Navarre ولابورد Labourde وسول Soule.
الصفات السلالية
يتصف شعب الباسك بالقامة المتوسطة والنحيفة (165سم)، والرأس المتوسط المتطاول، وسقف الجمجمة المرتفع، أما الوجه فضيق ومتطاول، والجبين عال وذو شكل عمودي، والحاجبان بارزان قليلاً إلى الأمام، والأنف بارز وضيق ومتطاول وذو أرنبة مرتفعة في وسطه، والذقن ضيقة، ومقدمة انطباق الفكين السفلي والعلوي بارزة إلى الأمام. والبشرة سمراء مع بعض الشقرة.
وترتفع في دماء الباسك نسبة الزمرة الدموية O ونمط الدم الفرعي Cme، مما يدفع إلى الاعتقاد أن الباسك بقوا مدة طويلة من الزمن وهم في عزلة تامة، قبل أن يختلطوا بالعناصر الآرية التي جاءت فيما بعد إلى أوربة قادمة من آسيا.
البنية الاجتماعية
تعد الأسرة الأبوية المتعددة الأجيال والكبيرة العدد (الأسرة الممتدة)، الخلية الأساسية للمجتمع. فالمجتمع الباسكي هو مجتمع قبلي يحكمه رؤساء الأسر، ولا توجد فيه تمايزات طبقية، تنتقل فيه ملكية الأسرة بكاملها إلى أحد أبنائها ذكراً كان أم أنثى، مما يضطر باقي الأولاد إلى البقاء من دون زواج، أو إلى الهجرة. ويعرف هذا القانون باسم فوروس Fors أو Fueros، وقد أبدى الباسك تعلقاً شديداً بهذا القانون. والباسك شعب ولود. ويعتنق الديانة المسيحية على المذهب الكاثوليكي، ويعيش شعب الباسك الذي يربو تعداده على مليوني نسمة في كل من فرنسة وإسبانية. وهناك ما يزيد على نصف مليون نسمة في أمريكة الجنوبية وخاصة في الأرجنتين، وهناك أعداد كبيرة منهم في الولايات الغربية من الولايات المتحدة الأمريكية. يعيش الباسك في بلادهم في قرى صغيرة مبعثرة ومتقاربة في مواقعها بسبب الطبيعة الجبلية لبلاد الباسك إلى جانب توافر المصادر المائية.
التاريخ السياسي
شعب الباسك من أقدم الشعوب التي استوطنت أوربة، وما يزال محافظاً على هويته القومية، فقد قاوم الباسك موجات القوط الغربيين Visigoths التي جاءت من الشرق، واجتاحت منطقة البلقان وإيطالية وإسبانية واستقرت فيها. وقاوم الباسك الفرنجة والفايكنغ. وفي العصور الوسطى كانت المقاطعات الباسكية: آلافا ـ بسكاي ـ غيبوزكوا متحدة مع قشتالة. وفي عام 1513 ضم فرديناند الثاني ملك آراغون مملكة نافار الباسكية إلى مملكته، إلا أن الباسك في كل من فرنسة وإسبانية احتفظوا لأنفسهم بدرجة كبيرة من الاستقلال الذاتي، وبامتيازات في شؤون التجارة والضرائب، والخدمة العسكرية، وقوانين الميراث. وكان القانون العرفي (الفوروس) يشمل الضوابط الاجتماعية والسياسية التي تحدد الشخصية القومية للباسك، الذين تعلقوا بشدة بذلك القانون العرفي. إلا أن الثورة الفرنسية أبطلت التعامل بهذا القانون، وبقيت فرنسة لا تعترف للباسك بأي نوع من الاستقلال الذاتي حتى عام 1951، وخُصَّ الباسك بقوانين معينة عرفت بقانون «ديكسون»، وصارت اللغة الباسكية لغة رسمية في المدارس في إقليم الباسك الفرنسي.
أما في إسبانية فإن محاولات الحكومة المستمرة في إحكام قبضتها على شعب الباسك من خلال إبطال العمل بقانون الفوروس، أدت إلى دعم الباسك لقضية دون كارلوس Don Carlos، التي ترتب عليها طموح الباسك إلى الاستقلال، إذ عدوا إسبانية دولة مستعمرة لهم بالقوة. وتألف حزب وطني يدعو إلى استقلال الباسك على يد وطني باسكي يدعى سابينو دي آرانا غيوري Sapino de Arana Giori، وقد اتخذ هذا الحزب الذي يعرف بالحزب الوطني الفاسكوني عام 1894 شعاراً: «الله والقانون العرفي (الفوروس)». وكان الباسك يرون في أثناء دعمهم لحركة دون كارلوس، أن الاحتفاظ بالقانون العرفي هو أهم من التفكير في من ستكون العائلة المالكة التي ستحكم إذا ما انتصرت تلك الحركة، وأهم من التفكير في سيادة الكنيسة سياسياً في المجتمع الباسكي فيما بعد. وبعد أن انتهت حروب «دون كارلوس» لم يعد هناك أي ارتباط بين القانون التقليدي، وبين الكنيسة الكاثوليكية وبين العائلة المالكة، فلم يعد يهتم الباسك بباقي القضايا التي ناضلوا من أجلها. وعندما قام النظام الجمهوري في 14 نيسان عام 1930، انقسم الباسك في تطلعاتهم السياسية إلى:
ـ أهالي مقاطعات: بسكاي ـ غيبوزكوا ـ وإلى حدٍ ما أهالي مقاطعة آلافا المهتمين بقيام نظام حكم ذاتي لإقليم الباسك ضمن الجمهورية الإسبانية مع السياسة المعادية لنظام الكنيسة الكاثوليكية.
ـ وأهالي مقاطعة نافار المعادين للجمهورية الذين يتوقون إلى إطاحتها. وقد قدمت تلك المقاطعة عام 1936 واحدة من أفضل الفرق العسكرية التي يقودها دون كارلوس. وكان أهالي نافار أول من دعا إلى عصيان مدني على الجمهورية الناشئة وصارت مدينة بلباو Bilbao المركز القومي للحركات التي تنادي باستقلال الباسك عن إسبانية. وقد قُصفت في 27 نيسان 1937 مدينة غيرنيكة Guernica مركز الاجتماعات التقليدية في مقاطعة بسكاي التي يعدها الباسك رمز حركاتهم القومية. وكان هذا القصف نهاية استقلال مقاطعات الباسك الذي نالته عام 1930، وإثر ذلك أُبعد الكثير من الوطنيين الباسك إلى العالم الجديد. فأقاموا حكومة لهم في المنفى اتخذت من مدينة باريس مركزاً لها. وفي عام 1959 قامت منظمة سياسية تدعى إيتا Aita على يد أنطونيو أغيرك خوسيه تقود النضال المسلح السري من أجل استقلال الباسك وإقامة دولتهم الوطنية على أرضهم القومية تاريخياً التي تخضع للحكم الفرنسي في الشمال والحكم الإسباني في الجنوب منذ عام 1959.
علي الجباوي