تزيد مساحة كندا على نصف مساحة أمريكا الأنغلوسكسونية، تحدها آلاسكا من الشمال الغربي والولايات المتحدة من الجنوب، والمحيط الأطلسي من الشرق والمحيط الهادئ من الغرب.
وتمتد كندا من الشرق إلى الغرب على مسافة 5187كم، بين سواحل نيوفاوندلند Newfoundland وجبال سانت إلياس Saint-Elias التي تقع في مقاطعة يوكون Yukon في أقصى الشمال الغربي من البلاد، وتمتد كندا من أقصى حد جنوبي لها في بحيرة إيريه Erié لمسافة 4627كم إلى رأس كولومبيا شمالاً، مما يجعل كندا بامتدادها الطولاني والعرضاني تحتل مساحة شاسعة تبلغ 9093507كم2، وبذلك تتفوق في مساحتها على الولايات المتحدة وبقية دول العالم الكبرى باستثناء روسيا. غير أن معظم هذه المساحة الشاسعة يقع داخل نطاق المناخ البارد، ويعيش معظم سكان كندا ضمن نطاق ضيق من الأرض لا يزيد عرضه على 300كم، يمتد على طول حدودها الجنوبية. أما الجزء الأكبر من الأراضي الكندية فغير مأهول، أو أن كثافة السكان فيه قليلة، وذلك لقسوة المناخ، أو وعورة السطح، أو كثافة الغابات. وتوجد في كندا ستة نطاقات توقيت، فعندما يكون الوقت ظهراً في مدينة فانكوفر Vancouver في أقصى الغرب تكون الساعة 4.30 في مدينة سانت جونز Saint-John’s في أقصى الشرق في نيوفاوندلند. يبلغ مجموع أطوال الحدود السياسية بين كندا والولايات المتحدة 11961كم منها (55٪) حدود مائية والباقي حدود برية.
يرجع تاريخ تعيين معظم هذه الحدود بينهما إلى عام 1783، عندما كانت كندا مستعمرة خاضعة للسيطرة البريطانية، إذ اتفق آنذاك على أن يكون نهر سان لوران Saint-Laurent ووسط البحيرات باستثناء بحيرة متشيغان Michigan حداً سياسياً. ولما كان إقليم غربي المسيسبي في ذلك الوقت فرنسي التبعية والسيطرة، فقد اشترته الولايات المتحدة من فرنسا في عام 1803. وفي عام 1818 تم الاتفاق بين بريطانيا والولايات المتحدة على أن يكون خط العرض 49 ْ شمالاً حداً سياسياً بينهما غرب بحيرة سوبيريور Superieur وحتى المحيط الهادئ، ومنذ ذلك التاريخ لم يحدث أي تعديل في مسار الحدود السياسية، ومن ثم تمتعت أمريكا الأنغلوسكسونية بالاستقرار السياسي، مما ساعد البلدين على التطور الاقتصادي الكبير الذي تنعم به البلدان، بل أصبحتا في الوقت الحاضر من الدول الثماني الكبرى في المجال الاقتصادي على المستوى العالمي.
بحيرة أونتاريو
يبـدأ الحد السـياسـي بين كندا والولايات المتحدة من الطرف الجنوبي لشبه جزيرة إيكوسيا الجديدة أو (نوفاسكوشا Nova Scotia) التي تقع داخل حدود كندا، ثم يمر الحد السياسي من شمالي ميناء كاليه Calais الأمريكي عند خط العرض 45 ْ شمالاً ليفصل بين كندا وولاية مين Maine الأمريكية ثم ينحرف الحد نحو الشمال الغربي، ثم يعود ويتجه نحو الجنوب، فالغرب ليلتقي بنهر سان لوران عند كورنول Cornwall على خط العرض 45 ْ شمالاً مرة ثانية. ثم يسير الحد السياسي مع منتصف حيِّز مجرى سان لوران، ثم يواصل امتداده غرباً مخترقاً ومنصفاً بحيرة أونتاريو Ontario وهورُن Huron، ثم يترك بحيرة سوبيريور ليواصل الحد السياسي مسيره بعد ذلك مع خط العرض 49 ْ شمالاً حتى ينتهي جنوب ميناء فانكوفر الكندي مباشرة.
هذا الموقع الفلكي الذي يضع معظم الأراضي الكندية شمال خط العرض 49 ْ شمالاً، أسهم في إضفاء سمة واضحة للنشاط البشري الذي يتركز على النشاط الغابي والسمكي، مما أعطى كندا شخصية إقليمية متميزة كثيراً عن الشخصية الإقليمية للولايات المتحدة الأمريكية، كما قلل هذا الموقع الفلكي إلى حد كبير من تأثير الموقع الجغرافي البحري الذي تتسم به كندا، إذ إن المؤشرات البحرية تميل إلى أن تكون مؤشرات باردة أكثر منها دافئة مما يزيد من قسوة المناخ.
يرجع تاريخ كندا كدولة مستقلة إلى عام 1867، وتتكون مما كان يسمى كندا العليا وكندا السفلى، أو كما تسمى حالياً كيبك Quebec وأنتاريو مع ولايات نيوبرونزويك New Brunswick ونوفاسكوشا، وفي عام 1870 أصبحت مانيتوبا Manitoba مقاطعة وانضمت إلى المقاطعات الأخرى التي شكلت الدولة الجديدة. وفي عام 1871 انضمت كولومبيا البريطانية، وفي عام 1873 انضمت جزيرة الأمير إدوارد Prince Edouard، وفي عام 1905 انضمت ولايات البراري وألبرت Albert وسسكتشوان Saskatchewan، وأخيراً انضمت جزيرة نيوفاوندلند في عام 1948، وبذلك أصبحت كندا مكونة من اثنتي عشرة مقاطعة تتفاوت مساحاتها بين مساحة مقاطعة الأمير إدوارد البالغة 5.6كم2، ومساحة مقاطعة أونتاريو البالغة 1068كم2 ومقاطعة كيبك البالغة 1541كم2.
تمتاز أراضي كندا بالتنوع الكبير، فالمناطق الغربية تتكون من سلاسل جبلية عالية تنتشر فيها البحيرات والغابات، وأما في الوسط، فتنتشر حقول القمح والحبوب الأخرى في مناطق البراري الكندية، وتتناقض طبيعة هذه الأراضي الخصبة مع الأراضي القطبية الرديئة التي تكون المناطق الشمالية. ولهذا فإن معظم الأراضي الزراعية والمناطق الصناعية تقع بالقرب من البحيرات العظمى ونهر سان لوران الذي يقع في كندا الوسطى.
تمتاز كندا بمناخها البارد، لموقعها الشمالي، وإن اختلفت الظروف المناخية من منطقة إلى أخرى. تجلب الرياح الغربية إلى كندا خلال فصل الشتاء رياحاً قطبية شديدة البرود، ولهذا فإن متوسط درجة الحرارة في شهر كانون الثـاني/يناير يقل عن -18 ْم في أكثر من ثلثي مسـاحة البلاد، ولا يزيد على درجة التجمد، إلا على طول سـاحل كولومبيا البريطانية British Columbia، حيث تتمتع تلك المنطقة بمناخ معتدل، نظراً لهبوب رياح لطيفة من المحيط الهادئ.
الصيف في شمالي كندا مائل إلى البرودة، فمتوسط حرارة شهر تموز/يوليو يقل عن 4 ْم في الجزر القطبية الشمالية. أما الصيف في جنوبي كندا فيكفي، سواء من حيث طوله، أو ارتفاع درجة حرارته، لنمو المحاصيل الزراعية. تؤدي الرياح التي تهب من خليج المكسيك إلى ارتفاع كبير في درجة الحرارة، خاصة في جنوبي أونتاريو ووادي سان لوران، إذ يزيد متوسط درجة حرارة شهر تموز/يوليو في جنوبي أونتاريو على 20 ْم.
تراوح المعدلات السنوية للأمطار في البراري الكندية بين 250 إلى 500مم، يهطل معظمها في فصل الصيف، مما يجعل من البراري منطقة مثالية لزراعة الحبوب. مناخ جنوب شرقي كندا مناخ رطب تراوح أمطاره بين 750مم في جنوبي أونتاريو و1500مم في سواحل نوفاسكوشا ونيوفاوندلند.
الأقاليم الجغرافية
من المناسب تقسيم كندا إلى ثلاثة أقاليم تعد امتداداً للأقاليم الطبيعية في الولايات المتحدة وهي:
إقليم الدرع الكندي: إقليم واسع يحيط بخليج هدسون، ويمتد بين الساحل القطبي للمناطق الشمالية الغربية إلى سواحل لابرادور Labrador ونيوفاوندلند، ويشغل هذا الإقليم أكثر من نصف مساحة كندا.
بحيرة فِرميليون Vermillion في ولاية ألبرت بكندا
يتكون من صخور قديمة، يراوح ارتفاع معظم هذا الإقليم بين 180 و366م فوق مستوى سطح البحر. تغلب على هذا الإقليم التلال المنخفضة، وآلاف البحيرات التي تشكل مصدراً لمياه الأنهار العديدة التي تجري في الإقليم، والتي تكثر في مجاريها الشلالات. وتستغل تلك الشلالات في توليد الكهرباء اللازمة لتشغيل العديد من المصانع. يضم هذا الإقليم جزءاً كبيراً من الثروة المعدنية في كندا، إذ يوجد فيه معظم احتياطي خامات الحديد، كما تستغل في الإقليم خامات الكوبالت والنحاس والنيكل والبلاتينيوم بالقرب من مدينة سَدْبري Sudbury.
يغلب على سطح الإقليم المظهر الجبلي القليل الارتفاع والتضرس الشديد، حيث تكثر التلال المكونة من الصخور الصلبة والأودية التكتونية العميقة التي تتكون من الصخور اللينة. ويمتد منخفض خليج هدسون المنبسط، الذي تكثر فيه المستنقعات بين الدرع الكندي والساحل الجنوبي الغربي لخليج هدسون، مسافة 1300كم بين نهري تشرشل Churchill في مانيتوبا ونوتاوي Nottaway في كيبك، يغطي سطح هذا الجزء من إقليم الدرع الكندي غابات فقيرة وبقايا مواد عضوية غير مكتملة التحلل. وتتكون المراكز الحضرية في هذه المنطقة من بعض القرى الصغيرة والقلاع القديمة وبعض الموانئ الصغيرة.
أما منخفض سان لوران، فيتكون من الأراضي المنبسطة والمتموجة على طول نهر سان لوران، وعلى الرغم من المساحة الصغيرة لهذا المنخفض، إلا أنه يضم أكثر من 50٪ من مجموع سكان الإقليم، حيث توفر الخلجان البحرية مرافئ جيدة لصيد السمك. ويعدّ جنوبي أونتاريو المنطقة الوحيدة في كندا التي تضم الإقليم الرئيس للغابات النفضية. وعلى العموم يغطي أراضي الإقليم مزيج من الغابات النفضية ودائمة الخضرة، أما الأراضي الزراعية فيكاد يقتصر وجودها على السهول والأودية الموجودة في جزيرة الأمير إدوارد ووادي سانت جونز ووديان نوفاسكوشا.
من ناحية المناخ يمكن ملاحظة بعض الفروقات بين الشمال والجنوب، إذ تتصف الأجواء الشمالية بمناخ شتوي ثلجي طويل مع فصل صيف دافئ قصير نسبياً. وفي الجنوب يصبح المناخ معتدلاً مع صيف دافئ وطويل نسبياً. تراوح درجات الحرارة في فصل الشتاء بين 4.4 ْم في سانت جونز و9.4 ْم في مونتريال. تهطل الأمطار في جميع أشهر السنة وتزيد كميتها على 1000مم في السنة، ومعظم الأمطار تهطل في نصف السنة الشتوي، ولا تقل كمية الهطل في أشهر الصيف عن 75مم.
بحيرة مويان ووادي القمم العشرة في ألبرت بكندا
تسيطر على الإقليم الغابات الصنوبرية والغابات المختلطة التي تغطي سفوح الجبال حيث يكون لها دور مهم في اقتصاديات الإقليم، ويمتاز الساحل بموانئه العديدة الصالحة للملاحة وبغنى مياهه بالأسماك. يمثل صيد الأسماك أقدم الحرف التي مارسها الإنسان، وكانت هذه الحرفة في البداية قاصرة على صيد الأسماك للاستهلاك المحلي، ولكنها تطورت بعد ذلك لتشمل تسويقه على نطاق واسع في القارة الأوربية. وكان للظروف الطبيعية دور مهم في دعم هذا الاتجاه البحري منذ البداية. إذ يتسم الإقليم بالطبيعة الجبلية التي تكسوها الغابات من ناحية أو يكسوها الجليد من ناحية أخرى، ومن ثم كانت بيئةً طاردةً لسكانها في مراحل الاستقرار الأولى. ومما أسهم في هذا الاتجاه غنى السواحل بالثروة السمكية، حيث تنتشر هنا الشطوط البحرية الضحلة التي تشكل البيئة المثالية لتكاثر الأسماك، إضافة إلى ذلك تتلاقى فوق هذه المنطقة التيارات البحرية الدفيئة والباردة (تيار الخليج وتيار لابرادور) مما ينتج بيئة أكثر مناسبة لانتشار الأسماك، كما أن غنى المنطقة بالغابات أدى إلى توافر الأخشاب اللازمة لبناء السفن.
والحرفة الثانية العريقة والمهمة هي قطع الأخشاب، حيث تغطي الغابات أكثر من نصف مساحة الإقليم، وتنشط هذه الحرفة في فصل الشتاء المتجمد، وهو فترة راحة بالنسبة لحرفتي الزراعة وصيد الأسماك، ثم تستغل المجاري المائية عند حلول فصل الصيف في نقلها إلى الموانئ، أو حيث تتركز مصانع الخشب أو اللب pulp.
منظر من السهول الكندية
أما الزراعة فهي حرفة محدودة بسبب الظروف المناخية القاسية، لذلك فهي تشغل مساحات صغيرة ومتقطعة من الأرض، وهي تكاد تكون مرتبطة بمناطق السهول والأودية المحمية من خطر الصقيع والتي تتوافر فيها موارد المياه والتربة الطينية الخصبة. وأهم المحاصيل الزراعية في الإقليم التفاح والشوفان والبطاطا والأعلاف، إضافة إلى مزارع الألبان واللحوم والدواجن، ويمكن القول إن الزراعة في الإقليم محدودة المساحة والإنتاج بسبب المعوقات الطبيعية والبشرية.
يعد إقليم الدرع الكندي من أغنى الأقاليم الكندية بالثروة المعدنية، وخاصة الفحم الحجري وخامات الحديد والرصاص والزنك والنحاس، مما يؤهله لإقامة الصناعات الثقلية من خلال استخراج الفحم الجيد (خاصة الهيماتيت) ذي الاحتياطي الكبير، وتعد جزيرة نيوفاوندلند رائدة في هذا المجال، وعموماً تعدّ منطقة الأبالاش الكندية العمود الفقري لهذا الإقليم بإنتاج الفحم أكثر من المعادن الأخرى.
وعلى الرغم من غنى الإقليم بالثروة المعدنية إلا أن الصناعة مازالت محدودة بالمقارنة مع المناطق الأمريكية المقابلة. ومن أهم الصناعات في الإقليم صناعة لب الخشب والورق وتمليح الأسماك وتعليبها، إلى جانب قطع الأخشاب وصهر المعادن وخاصة الحديد وبناء السفن.
ويعد ميناء هاليفاكس Halifax في نوفاسكوشا الميناء الرئيس للإقليم إذ لا تتجمد مياهه في فصل الشتاء، وينتهي إليه الخط الحديدي الكندي، وهو بمنزلة مركز التجارة الكندية عبر المحيط الأطلسي. كما يعدّ ميناء سانت جونز في نيوبرونزويك ميناء رئيساً مفتوحاً للملاحة طوال العام.
يتركز السكان والنشاط الاقتصادي في الجزء الجنوبي من الإقليم وخاصة في حوض سان لوران والبحيرات الكبرى، حيث المناخ المناسب والمدن الكبرى والنشاط الصناعي.
إقليم البراري:
يقع هذا الإقليم بين الدرع الكندي شرقاً وأقدام جبال روكي Rocky غرباً وإقليم أشجار الصنوبر شمالاً، إذ يعد امتداده طبيعياً لبراري الولايات المتحدة الأمريكية، ويضم هذا الإقليم المقاطعات الوسطى الثلاثة وهي مانيتوبا وسسكتشوان وألبرتا ويغطي نحو 20٪ من مساحة البلاد.
ويمتد الإقليم في نطاق من الأرض المستوية، التي تأخذ في الارتفاع التدريجي في اتجاه الغرب في مجموعة من العقبات الكبرى المتتابعة كما هي الحال في الأراضي المقابلة في الولايات المتحدة، ويصرف مياه البراري مجموعة من الأنهار أهمها النهر الأحمر ورافداه أسينيبوين Assiniboine في اتجاه الجنوب ونهر سسكتشوان في اتجاه الشمال. ويتوسط البراري المنخفضة بحيرة وينبغ Winnipeg التي تعد البقية الباقية من البحيرة الكبيرة التي كانت تسمى أغاسيز Agassiz. وقد تخلف عن البحيرة المنكمشة طبقة سمكية من الرواسب الصلصالية والطين البحيري، مما جعل هذه المنطقة من أهم مناطق الزراعة في كندا.
ويغطي أراضي البراري عامة تربة طينية خفيفة غنية بالمواد العضوية التي يراوح عمقها بين 3-5م، وهي تربة سوداء بحيرية تشكل نطاقاً شبه دائري، يصل بين وينبغ في الشرق وكالغاري Calgary في الغرب، وخارج نطاق التربة السوداء تمتد تربة الغابات الرمادية.
وتميل أرض البراري إلى الاتساع باستمرار على حساب غابات الصنوبر، وذلك من خلال الجهود الحثيثة للاستغلال الاقتصادي، التي يتمخض عنها اتساع النشاط العمراني واتساع نطاق الزراعة نحو الشمال في أرض الصنوبريات.
مناخ هذا الإقليم قاري شديد البرودة في الشتاء دافئ في الصيف، حيث يراوح متوسط حرارة شهر كانون الثاني/يناير بين -17 ْ في وينبغ و-13.3 ْم في إدمونتُن Edmonton في حين تنخفض إلى -26 ْم في تشرشل على خليج هدسن Hudson، ولا تصل درجة حرارة الصيف إلى 19 ْم سوى في الأجزاء الجنوبية. والفترة التي يزيد فيها متوسط درجة الحرارة على 10 ْم تراوح بين أربعة إلى خمسة أشهر، وتنخفض إلى شهرين في تشرشل، والأمطار أقل مما هي عليه في الإقليم السابق. معظم الأمطار تهطل في نصف السنة الصيفي، والشتاء لا يخلو من الهطل ولا يقل ما يهطل فيه عن سنتيمتر واحد في أي شهر، ومعظم الهطل يكون على هيئة ثلوج.
أما الغطاء النباتي فتمثله الحشائش التي تميل إلى التركز في المناطق الشرقية الرطبة، إلى جانب بعض الغابات المختلطة التي تمتد شمال وشرق وغرب إقليم الحشائش.
تعدّ الزراعة الحرفة الرئيسة في إقليم البراري، فعلى الرغم من قصر فصل النمو الذي لا يزيد كثيراً على 100 يوم في المناطق الجنوبية وأقل من 70 يوماً في المناطق الشمالية، إلا أن طول نهار أيام الصيف المشمسة تعوض قصر فصل النمو وتساعد على تجميع درجة الحرارة وقيام الزراعة. وإن قصر فصل النمو لا يقف وحده دون التوسع الزراعي، بل إن ظروف المناخ وخاصة الأمطار القليلة بصفة عامة، مع زيادة معدل التبخر من خلال تركز فصل الهطل في فصل الحرارة، مما أدى إلى إشاعة الجفاف الذي وقف دون التوسع الزراعي.
وكان النشاط الزراعي الأول قائماً على تربية الحيوانات. وعندما تحركت تربية الحيوانات نحو الغرب عبر البراري حلّت زراعة القمح محل تربية الحيوانات في الشرق، ثم تحركت زراعة القمح نحو الغرب لتنتشر على طول الأرض السوداء حتى أقدام جبال روكي Rocky Mountains .
واستمر التطور في مجال استخدام الأراضي في إقليم البراري، حيث نشطت الزراعة المختلطة في الجزء الشرقي من الإقليم، وتخصص النطاق الأوسط بزراعة القمح الربيعي، في حين نجحت تربية الحيوانات على هوامش البراري الغربية.
تنتج البراري الكندية نصف إنتاج كندا الزراعي، على الرغم من أن المساحة المزروعة لا تزيد على 25٪ من مساحة كندا الزراعية. وأهم المحاصيل الزراعية هي القمح والشوفان والشيلم والشعير والبطاطا والكتان وغيرها. ويشغل القمح 55٪ من المساحة المزروعة والشوفان 25٪. وتعد منطقة القمح في كندا امتداداً لمنطقة القمح الربيعي في الولايات المتحدة.
ويعد إقليم البراري المصدر الرئيس لإنتاج الطاقة، وخاصة النفط والفحم والغاز الطبيعي، كما يستخرج من هذا الإقليم معادن مهمة مثل النحاس والزنك والذهب والفضة وغيرها.
وينتج الإقليم معظم بترول كندا من جنوب شرق مدينة أدمونتن ثم ينقل بأنابيب إلى ميناء فانكوفر على المحيط الهادئ في الغرب.
تنتشر في إقليم البراري مجموعة من المدن بعد مد الخطوط الحديدية ، وأهم هذه المدن هي وينبغ (600 ألف نسمة) وإدمونتن (750 ألف نسمة) وكالغاري (670 ألف نسمة)، حسب تقديرات عام 2001. وتعد مدينة وينبغ مركزاً مهماً لطرق المواصلات، حيث يمر بها الخط الحديدي الرئيس الذي يربط بين وينبغ والولايات المتحدة وبينها وبين ميناء تشرشل على خليج هدسن، إضافة إلى مجموعة من الطرق البرية التي تربطها بأجزاء البلاد وبالولايات المتحدة.
جبال روكي الكندية
إقليم المرتفعات الغربية:
يمثل هذا الإقليم الجزء الجبلي المرتفع في كندا، الذي يزيد وسطي ارتفاعه على 2000م، ويتكون من عدة سلاسل جبلية هي امتداد لتلك الموجودة في الولايات المتحدة وخاصة جبال روكي وسلسلة جبال الساحل الباسيفيكي التي تستمر في كندا على هيئة جزر جبلية خارج خط الساحل في كولومبيا البريطانية. وتتقطع هذه السلسلة الساحلية في عدة مواقع حيث تعبرها الأنهار التي تنبع من الهضبة وتتجه غرباً نحو المحيط الهادئ، ممثلة في نهر فريزر Fraser ونهر سكينا Skeena.
تعد جبال هذا الإقليم شديدة التضرس وذات قمم مرتفعة تكللها الثلوج وتنحدر من سفوحها ووديانها الثلاجات، وتصل في ارتفاعها إلى مايزيد على 3000م فوق مستوى سطح البحر، ولا تكاد تترك سهلاً ساحلياً يذكر، بل تشرف مباشرة على المحيط الهادئ.
ويمتاز الساحل الغربي بكثرة الخلجان والفيوردات والنتوءات الصخرية والجزر الساحلية العديدة، وأكبر هذه الجزر فانكوفر، كما أن الحدود بين كولومبيا البريطانية ومقاطعة ألبرتا تسير مع جبال روكي، وتأخذ الهضاب الداخلية في الضيق نتيجة لاقتراب سلسلة جبال روكي من السلسلة الساحلية.
يمتاز ساحل كولومبيا البريطانية بتضرسه بسبب الأودية العديدة التي تهبط نحو المحيط الهادئ، والذي زاد عمقها وانحدارها في الفترة الجليدية التي سادت الإقليم، مما أدى إلى إغراق مجاريها الدنيا بعد انحسار العصور الجليدية وارتفاع مستوى سطح البحر وتشكل مجموعة من الفيوردات تتوغل كثيراً نحو الداخل، وتعد منطقة مثالية لنمو الأسماك وخاصة السلمون، كما أسهمت في تكوين الجزر الجبلية الممتدة على طول الساحل.
نهر فريزر
يتنوع المناخ في هذا الإقليم الجبلي، فالمنطقة الساحلية يقل فيها المدى الحراري، حيث يكون الشتاء معتدلاً والصيف دافئاً، في حين يأخذ هذا المدى الحراري من خلف السلسلة الجبلية الساحلية في الزيادة بوضوح، وخاصة في جبال روكي، حيث الشتاء طويل وقارس البرد والصيف دافئ، وخاصة في الأودية. أما الأمطار فهي غزيرة جداً على طول الساحل، وتقل باتجاه الداخل حيث تصبح جافة جداً في بعض المناطق، بحيث لا تسمح بنمو الغابات، ثم تعود الأمطار للغزارة في جبال روكي والسلاسل الجبلية المجاورة.
يعيش في هذا الإقليم نحو مليونين ونصف المليون نسمة، ويضم الإقليم مجموعة من المدن أهمها فانكوفر التي يزيد عدد سكانها على 790 ألف نسمة، وهي بذلك تعد ثالث مدن كندا بعد مونتريال وتورنتو. أما مدينة فكتوريا Victoria فهي عاصمة مقاطعة كولومبيا البريطانية، وهي ميناء يقع عند الطرف الجنوبي الشرقي لجزيرة فانكوفر، وتضم بعض الصناعات المحلية مثل تعليب الأسماك والصناعات الخشبية والورق.
ميناء فانكوفر في كولومبيا البريطانية بكندا
الجغرافية الاقتصادية
يمكن القول بصفة عامة إن النشاطات الاقتصادية في كندا كانت محدودة في البدايات الأولى لقيام الدولة الكندية لأسباب عديدة، من أهمها الظروف الطبيعية القاسية وخاصة في الشمال، واتساع الأراضي الكندية، ووفرة الموارد الطبيعية مع قلة السكان، مما جعل النشاط الاقتصادي يتركز على الحرف الأولية كالصيد والرعي وقطع الأخشاب والزراعة، والتعدين، كما أن قلة السكان مع وفرة الموارد جعل التصدير سمة واضحة في الاقتصاد الكندي.
وبشيء من الإيجاز، إن ثروة كندا الزراعية موزعة بين إقليم سان لوران والبحيرات الكبرى وإقليم البراري، في حين تتميز المقاطعات البحرية بتربية الحيوان وصيد الأسماك، كما توجد الثروة الغابية في إقليم المرتفعات الغربية، أما الثروة المعدنية فتستغل في مناطق البحيرات والبراري.
بلغ إنتاج كندا من القمح 23552 ألف طن في عام 2003، وجاءت كندا في المرتبة السادسة في إنتاج القمح بعد الهند والصين والولايات المتحدة وفرنسا وأستراليا، وبلغ إنتاج كندا من الذرة الصفراء نحو 9587.3 ألف طن، كما صدرت 12202573 طن من القمح، وبلغ إنتاج الرز 27400 طن وبلغ استيرادها من الرز في عام 2002 نحو 4017178 طن، كما تنتج الشعير والشوفان والشيلم ومحاصيل العلف والبطاطا وغيرها.
تطور القطاع الصناعي الكندي بصورة متسارعة بعد الحرب العالمية الثانية. وتتركز معظم الصناعات الكندية في الأجزاء الشرقية، وأهمها صناعة الخشب ومعجون الورق، وصناعة تكرير البترول، وبناء السفن، واستخراج وتنقية المعادن، والصناعات النسيجية والمفروشات، وصناعة الطائرات والسيارات، والصناعات الغذائية، وصناعة الأجهزة الكهربائية، وتكاد تتوطد الصناعة في منطقة البحيرات ـ سان لوران، التي تعدّ قلب كندا الصناعي والسكاني والحضاري والمالي، وتعد هذه المنطقة امتداداً طبيعياً لإقليم الصناعة في شمال شرقي الولايات المتحدة، حيث توافرت مقومات الإنتاج الصناعي، وخاصة الموقع الجغرافي الجيد، وتوافر القوى العاملة، والمناخ الدافئ المناسب للصناعة، ووفرة المعادن في منطقة الدرع الكندي وسهولة المواصلات.
الجغرافية البشرية
كندا بلد شاسع وحديث النشأة والاستقلال، ويفصل المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ كندا عن قارات العالم القديم المزدحمة بالسكان في آسيا وأوربا، وعلى الرغم من كونها إحدى الدول العظمى من حيث المساحة والغنى الاقتصادي، فهي تفتقر إلى العدد المناسب من السكان، فعدد سكان جارتها الولايات المتحدة وصل إلى أكثر من 293 مليون نسمة في عام 2004، في حين لم يزد عدد سكان كندا كثيراً على 32.5 مليون نسمة في العام نفسه.
وعلى الرغم من انتشار العمران وتطور كثير من مناطق البلاد، فإن المساحة المستغلة لا تزيد على 8.5٪ من جملة مساحتها، ولا تكاد تبعد مناطق العمران عن الحدود الكندية الأمريكية أكثر من 300كم. وسكان كندا موزعون على شكل شريط ضيق يبدأ من حوض سان لوران ويتسع قليلاً في إقليم البراري، ويرتبط هذا التوزيع بالظروف المناخية القاسية في الأجزاء الشمالية من البلاد. تبلغ الكثافة السكانية في عموم كندا 3 نسمة/كم2 تقريباً، بينما ترتفع الكثافة السكانية في الأجزاء الجنوبية من البلاد إلى 37 نسمة/كم2.
بلغ عدد سكان كندا نحو 7.2 مليون نسمة عام 1911 ثم ارتفع إلى 16 مليون عام 1956 وإلى 32.5 مليون نسمة في عام 2004، وبلغ معدل النمو السكاني 1.3٪ خلال الفترة 1991-2000، ثم تراجع معدل النمو السكاني إلى 8 في الألف فقط خلال الفترة 2000-2005، وقدرت النسبة المئوية لسكان الحضر بنحو 80٪ لعام 2003 .
وبلغ نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي عام 2002 نحو 28070 دولاراً. ويبـلغ العمـر المتوسط للذكور 76.7 سنة للذكور و81.9 سنة للإناث. ولا شك أن الإمكانات الغابية والزراعية والمعدنية والصناعية تغري بتزايد عدد السكان في البلاد سواء أكانوا من المهاجرين القادمين من مختلف بلدان العالم أم بتشجيع زيادة نسبة الولادات للسكان المحليين.
أكبر المدن الكندية من حيث عدد السكان حسب تقديرات عام 2003 هي مدينة تورنتو Toronto التي بلغ عدد سكانها 3.8 مليون نسمة، تليها مدينة مونتريال Montreal وعدد سكانها نحو 3.2 مليون نسمة، وتضم المدينتان نحو ربع سكان البلاد.
وهناك مـدن أخرى مهمة وخـاصة مدينة كيبك 500 ألف نسـمة، وينيغ 600 ألـف نسمة، والعاصمة أوتاوا Ottawa 150 ألف نسمة، وفانكوفر وهاليفاكس وغيرها.
يتسم التكوين السلالي في كندا بظاهرة التجانس إلى حد كبير، إذ يمثل البيض من الأنجلو ساكسون نحو 50٪ من مجموع السكان، ويمثل السكان المتحدرون من أصول فرنسية نحو 36٪، إضافة إلى بعض الجاليات الأوربية الأخرى القليلة، وخاصة الألمان والدول الإسكندنافية وبولندا وأكرانيا والعرب واليهود وغيرهم.
وهكذا يمثّل الإنكليز والفرنسيون نحو 86٪ من مجموع السكان، مما يعزز تماسك اللحمة الوطنية. ينقسم السكان من حيث اللغة الإنكليزية والفرنسية، لكن جيل الشباب يتكلم اللغتين الفرنسية والإنكليزية معاً.
تسود في كندا الديانة المسيحية، وخاصة المذهب البروتستنتي والمذهب الكاثوليكي، إضافة إلى الأقليات الإسلامية واليهودية وديانات الأسكيمو وغيرها.
لمحة تاريخية:
يرجح المؤرخون وصول قبائل آسيوية إلى الأرض الكندية عبر مضيق (بيرينغ) بهرنغ Behring منذ أكثر من 20 ألف سنة، ثم تبعهم الأسكيمو الذين استوطنوا المناطق الشمالية الشرقية قادمين من آلاسكا، في 24 حزيران/يونيو من عام 1497 حين وصل جون كابوت J.Cabot الإيطالي إلى سواحل كندا، وبهذا الاكتشاف بدأ تاريخ كندا الحديث. ثم تلا ذلك الاكتشاف الفرنسي لكندا، وأقيمت أول مستعمرة فرنسية في شرقي البلاد في القرن السابع عشر الميلادي. وفي عام 1763 تمكنت بريطانيا من السيطرة على معظم الأراضي الكندية. في عام 1867 تعاون الكنديون الناطقون بالفرنسية، والناطقون بالإنكليزية في إقامة مستعمرة موحّدة عرفت بحكومة كندا، واستقلت في عام 1931. في ذلـك التاريخ بلـغ عدد المستوطنين الفرنسيين 15 ألف نسمة مقابل 275 ألف من البريطانيين. وبحلول عام 1667 برز الصراع الفرنسي- البريطاني من أجل السيطرة على أمريكا الشمالية وثرواتها ومناطقها الشاسعة. وفي عام 1812 اندلعت الحرب بين بريطانيا والولايات المتحدة، وتحولت الأراضي الكندية إلى ساحة حرب. وقد تحالف الكنديون الإنكليز والكنديون الفرنسيون على طرد الأمريكيين. وفي عام 1814 انتهت الحرب بمعاهدة غاند Gand.
تمكنت كندا وبسرعة كبيرة من فرض نفسها كقوة اقتصادية عالمية، مما عزز مسار الاستقلال السياسي. ومنذ السنوات الأولى من القرن العشرين، أخذت كندا تفاوض، بصورة مستقلة عن بريطانيا في أمورها التجارية، ثم أكدت استقلالها السياسي إبان حرب البوير (1899-1902) التي اشتركت فيها بكتيبة، ولكن من دون أن تسهم في إدارة العمليات العسكرية، وفي الحرب العالمية الأولى، انضمت كندا إلى الحلفاء، وأرسلت 500 ألف من جنودها إلى أوربا للقتال تحت قيادة كندية أو بريطانية. وفي نهاية الحرب، اشتركت في مؤتمر السلام، ووقعت معاهدة فرساي، ثم احتلت مقعدها في عصبة الأمم بصفتها دولة مستقلة.
في عام 1931 تأكد اعتراف بريطانيا باستقلال كندا السياسي، متمتعة بالسيادة الكاملة، وأصبحت من الأعضاء المؤسسين في الكومنولث البريطاني.
وتمتد كندا من الشرق إلى الغرب على مسافة 5187كم، بين سواحل نيوفاوندلند Newfoundland وجبال سانت إلياس Saint-Elias التي تقع في مقاطعة يوكون Yukon في أقصى الشمال الغربي من البلاد، وتمتد كندا من أقصى حد جنوبي لها في بحيرة إيريه Erié لمسافة 4627كم إلى رأس كولومبيا شمالاً، مما يجعل كندا بامتدادها الطولاني والعرضاني تحتل مساحة شاسعة تبلغ 9093507كم2، وبذلك تتفوق في مساحتها على الولايات المتحدة وبقية دول العالم الكبرى باستثناء روسيا. غير أن معظم هذه المساحة الشاسعة يقع داخل نطاق المناخ البارد، ويعيش معظم سكان كندا ضمن نطاق ضيق من الأرض لا يزيد عرضه على 300كم، يمتد على طول حدودها الجنوبية. أما الجزء الأكبر من الأراضي الكندية فغير مأهول، أو أن كثافة السكان فيه قليلة، وذلك لقسوة المناخ، أو وعورة السطح، أو كثافة الغابات. وتوجد في كندا ستة نطاقات توقيت، فعندما يكون الوقت ظهراً في مدينة فانكوفر Vancouver في أقصى الغرب تكون الساعة 4.30 في مدينة سانت جونز Saint-John’s في أقصى الشرق في نيوفاوندلند. يبلغ مجموع أطوال الحدود السياسية بين كندا والولايات المتحدة 11961كم منها (55٪) حدود مائية والباقي حدود برية.
يرجع تاريخ تعيين معظم هذه الحدود بينهما إلى عام 1783، عندما كانت كندا مستعمرة خاضعة للسيطرة البريطانية، إذ اتفق آنذاك على أن يكون نهر سان لوران Saint-Laurent ووسط البحيرات باستثناء بحيرة متشيغان Michigan حداً سياسياً. ولما كان إقليم غربي المسيسبي في ذلك الوقت فرنسي التبعية والسيطرة، فقد اشترته الولايات المتحدة من فرنسا في عام 1803. وفي عام 1818 تم الاتفاق بين بريطانيا والولايات المتحدة على أن يكون خط العرض 49 ْ شمالاً حداً سياسياً بينهما غرب بحيرة سوبيريور Superieur وحتى المحيط الهادئ، ومنذ ذلك التاريخ لم يحدث أي تعديل في مسار الحدود السياسية، ومن ثم تمتعت أمريكا الأنغلوسكسونية بالاستقرار السياسي، مما ساعد البلدين على التطور الاقتصادي الكبير الذي تنعم به البلدان، بل أصبحتا في الوقت الحاضر من الدول الثماني الكبرى في المجال الاقتصادي على المستوى العالمي.
بحيرة أونتاريو
يبـدأ الحد السـياسـي بين كندا والولايات المتحدة من الطرف الجنوبي لشبه جزيرة إيكوسيا الجديدة أو (نوفاسكوشا Nova Scotia) التي تقع داخل حدود كندا، ثم يمر الحد السياسي من شمالي ميناء كاليه Calais الأمريكي عند خط العرض 45 ْ شمالاً ليفصل بين كندا وولاية مين Maine الأمريكية ثم ينحرف الحد نحو الشمال الغربي، ثم يعود ويتجه نحو الجنوب، فالغرب ليلتقي بنهر سان لوران عند كورنول Cornwall على خط العرض 45 ْ شمالاً مرة ثانية. ثم يسير الحد السياسي مع منتصف حيِّز مجرى سان لوران، ثم يواصل امتداده غرباً مخترقاً ومنصفاً بحيرة أونتاريو Ontario وهورُن Huron، ثم يترك بحيرة سوبيريور ليواصل الحد السياسي مسيره بعد ذلك مع خط العرض 49 ْ شمالاً حتى ينتهي جنوب ميناء فانكوفر الكندي مباشرة.
هذا الموقع الفلكي الذي يضع معظم الأراضي الكندية شمال خط العرض 49 ْ شمالاً، أسهم في إضفاء سمة واضحة للنشاط البشري الذي يتركز على النشاط الغابي والسمكي، مما أعطى كندا شخصية إقليمية متميزة كثيراً عن الشخصية الإقليمية للولايات المتحدة الأمريكية، كما قلل هذا الموقع الفلكي إلى حد كبير من تأثير الموقع الجغرافي البحري الذي تتسم به كندا، إذ إن المؤشرات البحرية تميل إلى أن تكون مؤشرات باردة أكثر منها دافئة مما يزيد من قسوة المناخ.
يرجع تاريخ كندا كدولة مستقلة إلى عام 1867، وتتكون مما كان يسمى كندا العليا وكندا السفلى، أو كما تسمى حالياً كيبك Quebec وأنتاريو مع ولايات نيوبرونزويك New Brunswick ونوفاسكوشا، وفي عام 1870 أصبحت مانيتوبا Manitoba مقاطعة وانضمت إلى المقاطعات الأخرى التي شكلت الدولة الجديدة. وفي عام 1871 انضمت كولومبيا البريطانية، وفي عام 1873 انضمت جزيرة الأمير إدوارد Prince Edouard، وفي عام 1905 انضمت ولايات البراري وألبرت Albert وسسكتشوان Saskatchewan، وأخيراً انضمت جزيرة نيوفاوندلند في عام 1948، وبذلك أصبحت كندا مكونة من اثنتي عشرة مقاطعة تتفاوت مساحاتها بين مساحة مقاطعة الأمير إدوارد البالغة 5.6كم2، ومساحة مقاطعة أونتاريو البالغة 1068كم2 ومقاطعة كيبك البالغة 1541كم2.
تمتاز أراضي كندا بالتنوع الكبير، فالمناطق الغربية تتكون من سلاسل جبلية عالية تنتشر فيها البحيرات والغابات، وأما في الوسط، فتنتشر حقول القمح والحبوب الأخرى في مناطق البراري الكندية، وتتناقض طبيعة هذه الأراضي الخصبة مع الأراضي القطبية الرديئة التي تكون المناطق الشمالية. ولهذا فإن معظم الأراضي الزراعية والمناطق الصناعية تقع بالقرب من البحيرات العظمى ونهر سان لوران الذي يقع في كندا الوسطى.
تمتاز كندا بمناخها البارد، لموقعها الشمالي، وإن اختلفت الظروف المناخية من منطقة إلى أخرى. تجلب الرياح الغربية إلى كندا خلال فصل الشتاء رياحاً قطبية شديدة البرود، ولهذا فإن متوسط درجة الحرارة في شهر كانون الثـاني/يناير يقل عن -18 ْم في أكثر من ثلثي مسـاحة البلاد، ولا يزيد على درجة التجمد، إلا على طول سـاحل كولومبيا البريطانية British Columbia، حيث تتمتع تلك المنطقة بمناخ معتدل، نظراً لهبوب رياح لطيفة من المحيط الهادئ.
الصيف في شمالي كندا مائل إلى البرودة، فمتوسط حرارة شهر تموز/يوليو يقل عن 4 ْم في الجزر القطبية الشمالية. أما الصيف في جنوبي كندا فيكفي، سواء من حيث طوله، أو ارتفاع درجة حرارته، لنمو المحاصيل الزراعية. تؤدي الرياح التي تهب من خليج المكسيك إلى ارتفاع كبير في درجة الحرارة، خاصة في جنوبي أونتاريو ووادي سان لوران، إذ يزيد متوسط درجة حرارة شهر تموز/يوليو في جنوبي أونتاريو على 20 ْم.
تراوح المعدلات السنوية للأمطار في البراري الكندية بين 250 إلى 500مم، يهطل معظمها في فصل الصيف، مما يجعل من البراري منطقة مثالية لزراعة الحبوب. مناخ جنوب شرقي كندا مناخ رطب تراوح أمطاره بين 750مم في جنوبي أونتاريو و1500مم في سواحل نوفاسكوشا ونيوفاوندلند.
الأقاليم الجغرافية
من المناسب تقسيم كندا إلى ثلاثة أقاليم تعد امتداداً للأقاليم الطبيعية في الولايات المتحدة وهي:
إقليم الدرع الكندي: إقليم واسع يحيط بخليج هدسون، ويمتد بين الساحل القطبي للمناطق الشمالية الغربية إلى سواحل لابرادور Labrador ونيوفاوندلند، ويشغل هذا الإقليم أكثر من نصف مساحة كندا.
بحيرة فِرميليون Vermillion في ولاية ألبرت بكندا
يتكون من صخور قديمة، يراوح ارتفاع معظم هذا الإقليم بين 180 و366م فوق مستوى سطح البحر. تغلب على هذا الإقليم التلال المنخفضة، وآلاف البحيرات التي تشكل مصدراً لمياه الأنهار العديدة التي تجري في الإقليم، والتي تكثر في مجاريها الشلالات. وتستغل تلك الشلالات في توليد الكهرباء اللازمة لتشغيل العديد من المصانع. يضم هذا الإقليم جزءاً كبيراً من الثروة المعدنية في كندا، إذ يوجد فيه معظم احتياطي خامات الحديد، كما تستغل في الإقليم خامات الكوبالت والنحاس والنيكل والبلاتينيوم بالقرب من مدينة سَدْبري Sudbury.
يغلب على سطح الإقليم المظهر الجبلي القليل الارتفاع والتضرس الشديد، حيث تكثر التلال المكونة من الصخور الصلبة والأودية التكتونية العميقة التي تتكون من الصخور اللينة. ويمتد منخفض خليج هدسون المنبسط، الذي تكثر فيه المستنقعات بين الدرع الكندي والساحل الجنوبي الغربي لخليج هدسون، مسافة 1300كم بين نهري تشرشل Churchill في مانيتوبا ونوتاوي Nottaway في كيبك، يغطي سطح هذا الجزء من إقليم الدرع الكندي غابات فقيرة وبقايا مواد عضوية غير مكتملة التحلل. وتتكون المراكز الحضرية في هذه المنطقة من بعض القرى الصغيرة والقلاع القديمة وبعض الموانئ الصغيرة.
أما منخفض سان لوران، فيتكون من الأراضي المنبسطة والمتموجة على طول نهر سان لوران، وعلى الرغم من المساحة الصغيرة لهذا المنخفض، إلا أنه يضم أكثر من 50٪ من مجموع سكان الإقليم، حيث توفر الخلجان البحرية مرافئ جيدة لصيد السمك. ويعدّ جنوبي أونتاريو المنطقة الوحيدة في كندا التي تضم الإقليم الرئيس للغابات النفضية. وعلى العموم يغطي أراضي الإقليم مزيج من الغابات النفضية ودائمة الخضرة، أما الأراضي الزراعية فيكاد يقتصر وجودها على السهول والأودية الموجودة في جزيرة الأمير إدوارد ووادي سانت جونز ووديان نوفاسكوشا.
من ناحية المناخ يمكن ملاحظة بعض الفروقات بين الشمال والجنوب، إذ تتصف الأجواء الشمالية بمناخ شتوي ثلجي طويل مع فصل صيف دافئ قصير نسبياً. وفي الجنوب يصبح المناخ معتدلاً مع صيف دافئ وطويل نسبياً. تراوح درجات الحرارة في فصل الشتاء بين 4.4 ْم في سانت جونز و9.4 ْم في مونتريال. تهطل الأمطار في جميع أشهر السنة وتزيد كميتها على 1000مم في السنة، ومعظم الأمطار تهطل في نصف السنة الشتوي، ولا تقل كمية الهطل في أشهر الصيف عن 75مم.
بحيرة مويان ووادي القمم العشرة في ألبرت بكندا
تسيطر على الإقليم الغابات الصنوبرية والغابات المختلطة التي تغطي سفوح الجبال حيث يكون لها دور مهم في اقتصاديات الإقليم، ويمتاز الساحل بموانئه العديدة الصالحة للملاحة وبغنى مياهه بالأسماك. يمثل صيد الأسماك أقدم الحرف التي مارسها الإنسان، وكانت هذه الحرفة في البداية قاصرة على صيد الأسماك للاستهلاك المحلي، ولكنها تطورت بعد ذلك لتشمل تسويقه على نطاق واسع في القارة الأوربية. وكان للظروف الطبيعية دور مهم في دعم هذا الاتجاه البحري منذ البداية. إذ يتسم الإقليم بالطبيعة الجبلية التي تكسوها الغابات من ناحية أو يكسوها الجليد من ناحية أخرى، ومن ثم كانت بيئةً طاردةً لسكانها في مراحل الاستقرار الأولى. ومما أسهم في هذا الاتجاه غنى السواحل بالثروة السمكية، حيث تنتشر هنا الشطوط البحرية الضحلة التي تشكل البيئة المثالية لتكاثر الأسماك، إضافة إلى ذلك تتلاقى فوق هذه المنطقة التيارات البحرية الدفيئة والباردة (تيار الخليج وتيار لابرادور) مما ينتج بيئة أكثر مناسبة لانتشار الأسماك، كما أن غنى المنطقة بالغابات أدى إلى توافر الأخشاب اللازمة لبناء السفن.
والحرفة الثانية العريقة والمهمة هي قطع الأخشاب، حيث تغطي الغابات أكثر من نصف مساحة الإقليم، وتنشط هذه الحرفة في فصل الشتاء المتجمد، وهو فترة راحة بالنسبة لحرفتي الزراعة وصيد الأسماك، ثم تستغل المجاري المائية عند حلول فصل الصيف في نقلها إلى الموانئ، أو حيث تتركز مصانع الخشب أو اللب pulp.
منظر من السهول الكندية
أما الزراعة فهي حرفة محدودة بسبب الظروف المناخية القاسية، لذلك فهي تشغل مساحات صغيرة ومتقطعة من الأرض، وهي تكاد تكون مرتبطة بمناطق السهول والأودية المحمية من خطر الصقيع والتي تتوافر فيها موارد المياه والتربة الطينية الخصبة. وأهم المحاصيل الزراعية في الإقليم التفاح والشوفان والبطاطا والأعلاف، إضافة إلى مزارع الألبان واللحوم والدواجن، ويمكن القول إن الزراعة في الإقليم محدودة المساحة والإنتاج بسبب المعوقات الطبيعية والبشرية.
يعد إقليم الدرع الكندي من أغنى الأقاليم الكندية بالثروة المعدنية، وخاصة الفحم الحجري وخامات الحديد والرصاص والزنك والنحاس، مما يؤهله لإقامة الصناعات الثقلية من خلال استخراج الفحم الجيد (خاصة الهيماتيت) ذي الاحتياطي الكبير، وتعد جزيرة نيوفاوندلند رائدة في هذا المجال، وعموماً تعدّ منطقة الأبالاش الكندية العمود الفقري لهذا الإقليم بإنتاج الفحم أكثر من المعادن الأخرى.
وعلى الرغم من غنى الإقليم بالثروة المعدنية إلا أن الصناعة مازالت محدودة بالمقارنة مع المناطق الأمريكية المقابلة. ومن أهم الصناعات في الإقليم صناعة لب الخشب والورق وتمليح الأسماك وتعليبها، إلى جانب قطع الأخشاب وصهر المعادن وخاصة الحديد وبناء السفن.
ويعد ميناء هاليفاكس Halifax في نوفاسكوشا الميناء الرئيس للإقليم إذ لا تتجمد مياهه في فصل الشتاء، وينتهي إليه الخط الحديدي الكندي، وهو بمنزلة مركز التجارة الكندية عبر المحيط الأطلسي. كما يعدّ ميناء سانت جونز في نيوبرونزويك ميناء رئيساً مفتوحاً للملاحة طوال العام.
يتركز السكان والنشاط الاقتصادي في الجزء الجنوبي من الإقليم وخاصة في حوض سان لوران والبحيرات الكبرى، حيث المناخ المناسب والمدن الكبرى والنشاط الصناعي.
إقليم البراري:
يقع هذا الإقليم بين الدرع الكندي شرقاً وأقدام جبال روكي Rocky غرباً وإقليم أشجار الصنوبر شمالاً، إذ يعد امتداده طبيعياً لبراري الولايات المتحدة الأمريكية، ويضم هذا الإقليم المقاطعات الوسطى الثلاثة وهي مانيتوبا وسسكتشوان وألبرتا ويغطي نحو 20٪ من مساحة البلاد.
ويمتد الإقليم في نطاق من الأرض المستوية، التي تأخذ في الارتفاع التدريجي في اتجاه الغرب في مجموعة من العقبات الكبرى المتتابعة كما هي الحال في الأراضي المقابلة في الولايات المتحدة، ويصرف مياه البراري مجموعة من الأنهار أهمها النهر الأحمر ورافداه أسينيبوين Assiniboine في اتجاه الجنوب ونهر سسكتشوان في اتجاه الشمال. ويتوسط البراري المنخفضة بحيرة وينبغ Winnipeg التي تعد البقية الباقية من البحيرة الكبيرة التي كانت تسمى أغاسيز Agassiz. وقد تخلف عن البحيرة المنكمشة طبقة سمكية من الرواسب الصلصالية والطين البحيري، مما جعل هذه المنطقة من أهم مناطق الزراعة في كندا.
ويغطي أراضي البراري عامة تربة طينية خفيفة غنية بالمواد العضوية التي يراوح عمقها بين 3-5م، وهي تربة سوداء بحيرية تشكل نطاقاً شبه دائري، يصل بين وينبغ في الشرق وكالغاري Calgary في الغرب، وخارج نطاق التربة السوداء تمتد تربة الغابات الرمادية.
وتميل أرض البراري إلى الاتساع باستمرار على حساب غابات الصنوبر، وذلك من خلال الجهود الحثيثة للاستغلال الاقتصادي، التي يتمخض عنها اتساع النشاط العمراني واتساع نطاق الزراعة نحو الشمال في أرض الصنوبريات.
مناخ هذا الإقليم قاري شديد البرودة في الشتاء دافئ في الصيف، حيث يراوح متوسط حرارة شهر كانون الثاني/يناير بين -17 ْ في وينبغ و-13.3 ْم في إدمونتُن Edmonton في حين تنخفض إلى -26 ْم في تشرشل على خليج هدسن Hudson، ولا تصل درجة حرارة الصيف إلى 19 ْم سوى في الأجزاء الجنوبية. والفترة التي يزيد فيها متوسط درجة الحرارة على 10 ْم تراوح بين أربعة إلى خمسة أشهر، وتنخفض إلى شهرين في تشرشل، والأمطار أقل مما هي عليه في الإقليم السابق. معظم الأمطار تهطل في نصف السنة الصيفي، والشتاء لا يخلو من الهطل ولا يقل ما يهطل فيه عن سنتيمتر واحد في أي شهر، ومعظم الهطل يكون على هيئة ثلوج.
أما الغطاء النباتي فتمثله الحشائش التي تميل إلى التركز في المناطق الشرقية الرطبة، إلى جانب بعض الغابات المختلطة التي تمتد شمال وشرق وغرب إقليم الحشائش.
تعدّ الزراعة الحرفة الرئيسة في إقليم البراري، فعلى الرغم من قصر فصل النمو الذي لا يزيد كثيراً على 100 يوم في المناطق الجنوبية وأقل من 70 يوماً في المناطق الشمالية، إلا أن طول نهار أيام الصيف المشمسة تعوض قصر فصل النمو وتساعد على تجميع درجة الحرارة وقيام الزراعة. وإن قصر فصل النمو لا يقف وحده دون التوسع الزراعي، بل إن ظروف المناخ وخاصة الأمطار القليلة بصفة عامة، مع زيادة معدل التبخر من خلال تركز فصل الهطل في فصل الحرارة، مما أدى إلى إشاعة الجفاف الذي وقف دون التوسع الزراعي.
وكان النشاط الزراعي الأول قائماً على تربية الحيوانات. وعندما تحركت تربية الحيوانات نحو الغرب عبر البراري حلّت زراعة القمح محل تربية الحيوانات في الشرق، ثم تحركت زراعة القمح نحو الغرب لتنتشر على طول الأرض السوداء حتى أقدام جبال روكي Rocky Mountains .
واستمر التطور في مجال استخدام الأراضي في إقليم البراري، حيث نشطت الزراعة المختلطة في الجزء الشرقي من الإقليم، وتخصص النطاق الأوسط بزراعة القمح الربيعي، في حين نجحت تربية الحيوانات على هوامش البراري الغربية.
تنتج البراري الكندية نصف إنتاج كندا الزراعي، على الرغم من أن المساحة المزروعة لا تزيد على 25٪ من مساحة كندا الزراعية. وأهم المحاصيل الزراعية هي القمح والشوفان والشيلم والشعير والبطاطا والكتان وغيرها. ويشغل القمح 55٪ من المساحة المزروعة والشوفان 25٪. وتعد منطقة القمح في كندا امتداداً لمنطقة القمح الربيعي في الولايات المتحدة.
ويعد إقليم البراري المصدر الرئيس لإنتاج الطاقة، وخاصة النفط والفحم والغاز الطبيعي، كما يستخرج من هذا الإقليم معادن مهمة مثل النحاس والزنك والذهب والفضة وغيرها.
وينتج الإقليم معظم بترول كندا من جنوب شرق مدينة أدمونتن ثم ينقل بأنابيب إلى ميناء فانكوفر على المحيط الهادئ في الغرب.
تنتشر في إقليم البراري مجموعة من المدن بعد مد الخطوط الحديدية ، وأهم هذه المدن هي وينبغ (600 ألف نسمة) وإدمونتن (750 ألف نسمة) وكالغاري (670 ألف نسمة)، حسب تقديرات عام 2001. وتعد مدينة وينبغ مركزاً مهماً لطرق المواصلات، حيث يمر بها الخط الحديدي الرئيس الذي يربط بين وينبغ والولايات المتحدة وبينها وبين ميناء تشرشل على خليج هدسن، إضافة إلى مجموعة من الطرق البرية التي تربطها بأجزاء البلاد وبالولايات المتحدة.
جبال روكي الكندية
إقليم المرتفعات الغربية:
يمثل هذا الإقليم الجزء الجبلي المرتفع في كندا، الذي يزيد وسطي ارتفاعه على 2000م، ويتكون من عدة سلاسل جبلية هي امتداد لتلك الموجودة في الولايات المتحدة وخاصة جبال روكي وسلسلة جبال الساحل الباسيفيكي التي تستمر في كندا على هيئة جزر جبلية خارج خط الساحل في كولومبيا البريطانية. وتتقطع هذه السلسلة الساحلية في عدة مواقع حيث تعبرها الأنهار التي تنبع من الهضبة وتتجه غرباً نحو المحيط الهادئ، ممثلة في نهر فريزر Fraser ونهر سكينا Skeena.
تعد جبال هذا الإقليم شديدة التضرس وذات قمم مرتفعة تكللها الثلوج وتنحدر من سفوحها ووديانها الثلاجات، وتصل في ارتفاعها إلى مايزيد على 3000م فوق مستوى سطح البحر، ولا تكاد تترك سهلاً ساحلياً يذكر، بل تشرف مباشرة على المحيط الهادئ.
ويمتاز الساحل الغربي بكثرة الخلجان والفيوردات والنتوءات الصخرية والجزر الساحلية العديدة، وأكبر هذه الجزر فانكوفر، كما أن الحدود بين كولومبيا البريطانية ومقاطعة ألبرتا تسير مع جبال روكي، وتأخذ الهضاب الداخلية في الضيق نتيجة لاقتراب سلسلة جبال روكي من السلسلة الساحلية.
يمتاز ساحل كولومبيا البريطانية بتضرسه بسبب الأودية العديدة التي تهبط نحو المحيط الهادئ، والذي زاد عمقها وانحدارها في الفترة الجليدية التي سادت الإقليم، مما أدى إلى إغراق مجاريها الدنيا بعد انحسار العصور الجليدية وارتفاع مستوى سطح البحر وتشكل مجموعة من الفيوردات تتوغل كثيراً نحو الداخل، وتعد منطقة مثالية لنمو الأسماك وخاصة السلمون، كما أسهمت في تكوين الجزر الجبلية الممتدة على طول الساحل.
نهر فريزر
يتنوع المناخ في هذا الإقليم الجبلي، فالمنطقة الساحلية يقل فيها المدى الحراري، حيث يكون الشتاء معتدلاً والصيف دافئاً، في حين يأخذ هذا المدى الحراري من خلف السلسلة الجبلية الساحلية في الزيادة بوضوح، وخاصة في جبال روكي، حيث الشتاء طويل وقارس البرد والصيف دافئ، وخاصة في الأودية. أما الأمطار فهي غزيرة جداً على طول الساحل، وتقل باتجاه الداخل حيث تصبح جافة جداً في بعض المناطق، بحيث لا تسمح بنمو الغابات، ثم تعود الأمطار للغزارة في جبال روكي والسلاسل الجبلية المجاورة.
يعيش في هذا الإقليم نحو مليونين ونصف المليون نسمة، ويضم الإقليم مجموعة من المدن أهمها فانكوفر التي يزيد عدد سكانها على 790 ألف نسمة، وهي بذلك تعد ثالث مدن كندا بعد مونتريال وتورنتو. أما مدينة فكتوريا Victoria فهي عاصمة مقاطعة كولومبيا البريطانية، وهي ميناء يقع عند الطرف الجنوبي الشرقي لجزيرة فانكوفر، وتضم بعض الصناعات المحلية مثل تعليب الأسماك والصناعات الخشبية والورق.
ميناء فانكوفر في كولومبيا البريطانية بكندا
الجغرافية الاقتصادية
يمكن القول بصفة عامة إن النشاطات الاقتصادية في كندا كانت محدودة في البدايات الأولى لقيام الدولة الكندية لأسباب عديدة، من أهمها الظروف الطبيعية القاسية وخاصة في الشمال، واتساع الأراضي الكندية، ووفرة الموارد الطبيعية مع قلة السكان، مما جعل النشاط الاقتصادي يتركز على الحرف الأولية كالصيد والرعي وقطع الأخشاب والزراعة، والتعدين، كما أن قلة السكان مع وفرة الموارد جعل التصدير سمة واضحة في الاقتصاد الكندي.
وبشيء من الإيجاز، إن ثروة كندا الزراعية موزعة بين إقليم سان لوران والبحيرات الكبرى وإقليم البراري، في حين تتميز المقاطعات البحرية بتربية الحيوان وصيد الأسماك، كما توجد الثروة الغابية في إقليم المرتفعات الغربية، أما الثروة المعدنية فتستغل في مناطق البحيرات والبراري.
بلغ إنتاج كندا من القمح 23552 ألف طن في عام 2003، وجاءت كندا في المرتبة السادسة في إنتاج القمح بعد الهند والصين والولايات المتحدة وفرنسا وأستراليا، وبلغ إنتاج كندا من الذرة الصفراء نحو 9587.3 ألف طن، كما صدرت 12202573 طن من القمح، وبلغ إنتاج الرز 27400 طن وبلغ استيرادها من الرز في عام 2002 نحو 4017178 طن، كما تنتج الشعير والشوفان والشيلم ومحاصيل العلف والبطاطا وغيرها.
تطور القطاع الصناعي الكندي بصورة متسارعة بعد الحرب العالمية الثانية. وتتركز معظم الصناعات الكندية في الأجزاء الشرقية، وأهمها صناعة الخشب ومعجون الورق، وصناعة تكرير البترول، وبناء السفن، واستخراج وتنقية المعادن، والصناعات النسيجية والمفروشات، وصناعة الطائرات والسيارات، والصناعات الغذائية، وصناعة الأجهزة الكهربائية، وتكاد تتوطد الصناعة في منطقة البحيرات ـ سان لوران، التي تعدّ قلب كندا الصناعي والسكاني والحضاري والمالي، وتعد هذه المنطقة امتداداً طبيعياً لإقليم الصناعة في شمال شرقي الولايات المتحدة، حيث توافرت مقومات الإنتاج الصناعي، وخاصة الموقع الجغرافي الجيد، وتوافر القوى العاملة، والمناخ الدافئ المناسب للصناعة، ووفرة المعادن في منطقة الدرع الكندي وسهولة المواصلات.
الجغرافية البشرية
كندا بلد شاسع وحديث النشأة والاستقلال، ويفصل المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ كندا عن قارات العالم القديم المزدحمة بالسكان في آسيا وأوربا، وعلى الرغم من كونها إحدى الدول العظمى من حيث المساحة والغنى الاقتصادي، فهي تفتقر إلى العدد المناسب من السكان، فعدد سكان جارتها الولايات المتحدة وصل إلى أكثر من 293 مليون نسمة في عام 2004، في حين لم يزد عدد سكان كندا كثيراً على 32.5 مليون نسمة في العام نفسه.
وعلى الرغم من انتشار العمران وتطور كثير من مناطق البلاد، فإن المساحة المستغلة لا تزيد على 8.5٪ من جملة مساحتها، ولا تكاد تبعد مناطق العمران عن الحدود الكندية الأمريكية أكثر من 300كم. وسكان كندا موزعون على شكل شريط ضيق يبدأ من حوض سان لوران ويتسع قليلاً في إقليم البراري، ويرتبط هذا التوزيع بالظروف المناخية القاسية في الأجزاء الشمالية من البلاد. تبلغ الكثافة السكانية في عموم كندا 3 نسمة/كم2 تقريباً، بينما ترتفع الكثافة السكانية في الأجزاء الجنوبية من البلاد إلى 37 نسمة/كم2.
بلغ عدد سكان كندا نحو 7.2 مليون نسمة عام 1911 ثم ارتفع إلى 16 مليون عام 1956 وإلى 32.5 مليون نسمة في عام 2004، وبلغ معدل النمو السكاني 1.3٪ خلال الفترة 1991-2000، ثم تراجع معدل النمو السكاني إلى 8 في الألف فقط خلال الفترة 2000-2005، وقدرت النسبة المئوية لسكان الحضر بنحو 80٪ لعام 2003 .
وبلغ نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي عام 2002 نحو 28070 دولاراً. ويبـلغ العمـر المتوسط للذكور 76.7 سنة للذكور و81.9 سنة للإناث. ولا شك أن الإمكانات الغابية والزراعية والمعدنية والصناعية تغري بتزايد عدد السكان في البلاد سواء أكانوا من المهاجرين القادمين من مختلف بلدان العالم أم بتشجيع زيادة نسبة الولادات للسكان المحليين.
أكبر المدن الكندية من حيث عدد السكان حسب تقديرات عام 2003 هي مدينة تورنتو Toronto التي بلغ عدد سكانها 3.8 مليون نسمة، تليها مدينة مونتريال Montreal وعدد سكانها نحو 3.2 مليون نسمة، وتضم المدينتان نحو ربع سكان البلاد.
وهناك مـدن أخرى مهمة وخـاصة مدينة كيبك 500 ألف نسـمة، وينيغ 600 ألـف نسمة، والعاصمة أوتاوا Ottawa 150 ألف نسمة، وفانكوفر وهاليفاكس وغيرها.
يتسم التكوين السلالي في كندا بظاهرة التجانس إلى حد كبير، إذ يمثل البيض من الأنجلو ساكسون نحو 50٪ من مجموع السكان، ويمثل السكان المتحدرون من أصول فرنسية نحو 36٪، إضافة إلى بعض الجاليات الأوربية الأخرى القليلة، وخاصة الألمان والدول الإسكندنافية وبولندا وأكرانيا والعرب واليهود وغيرهم.
وهكذا يمثّل الإنكليز والفرنسيون نحو 86٪ من مجموع السكان، مما يعزز تماسك اللحمة الوطنية. ينقسم السكان من حيث اللغة الإنكليزية والفرنسية، لكن جيل الشباب يتكلم اللغتين الفرنسية والإنكليزية معاً.
تسود في كندا الديانة المسيحية، وخاصة المذهب البروتستنتي والمذهب الكاثوليكي، إضافة إلى الأقليات الإسلامية واليهودية وديانات الأسكيمو وغيرها.
لمحة تاريخية:
يرجح المؤرخون وصول قبائل آسيوية إلى الأرض الكندية عبر مضيق (بيرينغ) بهرنغ Behring منذ أكثر من 20 ألف سنة، ثم تبعهم الأسكيمو الذين استوطنوا المناطق الشمالية الشرقية قادمين من آلاسكا، في 24 حزيران/يونيو من عام 1497 حين وصل جون كابوت J.Cabot الإيطالي إلى سواحل كندا، وبهذا الاكتشاف بدأ تاريخ كندا الحديث. ثم تلا ذلك الاكتشاف الفرنسي لكندا، وأقيمت أول مستعمرة فرنسية في شرقي البلاد في القرن السابع عشر الميلادي. وفي عام 1763 تمكنت بريطانيا من السيطرة على معظم الأراضي الكندية. في عام 1867 تعاون الكنديون الناطقون بالفرنسية، والناطقون بالإنكليزية في إقامة مستعمرة موحّدة عرفت بحكومة كندا، واستقلت في عام 1931. في ذلـك التاريخ بلـغ عدد المستوطنين الفرنسيين 15 ألف نسمة مقابل 275 ألف من البريطانيين. وبحلول عام 1667 برز الصراع الفرنسي- البريطاني من أجل السيطرة على أمريكا الشمالية وثرواتها ومناطقها الشاسعة. وفي عام 1812 اندلعت الحرب بين بريطانيا والولايات المتحدة، وتحولت الأراضي الكندية إلى ساحة حرب. وقد تحالف الكنديون الإنكليز والكنديون الفرنسيون على طرد الأمريكيين. وفي عام 1814 انتهت الحرب بمعاهدة غاند Gand.
تمكنت كندا وبسرعة كبيرة من فرض نفسها كقوة اقتصادية عالمية، مما عزز مسار الاستقلال السياسي. ومنذ السنوات الأولى من القرن العشرين، أخذت كندا تفاوض، بصورة مستقلة عن بريطانيا في أمورها التجارية، ثم أكدت استقلالها السياسي إبان حرب البوير (1899-1902) التي اشتركت فيها بكتيبة، ولكن من دون أن تسهم في إدارة العمليات العسكرية، وفي الحرب العالمية الأولى، انضمت كندا إلى الحلفاء، وأرسلت 500 ألف من جنودها إلى أوربا للقتال تحت قيادة كندية أو بريطانية. وفي نهاية الحرب، اشتركت في مؤتمر السلام، ووقعت معاهدة فرساي، ثم احتلت مقعدها في عصبة الأمم بصفتها دولة مستقلة.
في عام 1931 تأكد اعتراف بريطانيا باستقلال كندا السياسي، متمتعة بالسيادة الكاملة، وأصبحت من الأعضاء المؤسسين في الكومنولث البريطاني.