ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    الجهاد أنواعه وضوابطه للشيخ سعد البريك

    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    الجهاد أنواعه وضوابطه للشيخ سعد البريك Empty الجهاد أنواعه وضوابطه للشيخ سعد البريك

    مُساهمة من طرف أحمد الجمعة فبراير 15, 2013 10:40 am

    الجهاد أنواعه وضوابطه


    فضل الجهاد والمجاهدين ، وفضل الشهادة
    الجهاد أفضل الأعمال : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:" سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله. قيل: ثم ماذا ؟ قال: الجهاد في سبيل الله ، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور " متفق عليه .
    غدوة في سبيل الله خير من الدنيا : عن أنس قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها " متفق عليه.
    الجهاد جزاؤه الجنة : قال تعالى  إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ  وقال تعالى  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ .
    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وإيماناً وتصديقاً برسلي فهو ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى منزله الذي خرج منه بما نال من أجر أو غنيمة، والذي نفس محمد بيده ما من كلم (أي جرح) يُكْلَم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئة يوم كُلِمَ، لونه لون الدم وريحه ريح المسك ،والذي نفس محمد بيده لولا أن يشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزوا في سبيل الله أبداً ، ولكن لا أجد سعة ويشق عليهم أن يتخلفوا عنى ، والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل ثم أغزو فأقتل ثم أغزو فأقتل " رواه مسلم .
    المجاهدون لا خوف عليهم : وقال تعالى وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ .
    المجاهدون لهم الأجر العظيم : قال الله تعالى  لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا .
    المجاهدون أعظم درجة عند الله وهم الفائزون : قال الله تعالى أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ  .
    عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال : كنت عند منبر رسول الله صلي الله عليه وسلم في نفر من أصحابه ، فقال رجل منهم ما أبالي أن لا أعمل لله عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج ، وقال آخر: بل عمارة المسجد الحرام ، وقال الآخر: بل الجهاد في سبيل الله خير مما قلتم فزجرهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو يوم الجمعة،ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيته فيما اختلفتم فيه، فأنزل الله تعالى أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ . رواه الإمام مسلم .
    قال الفضل بن زياد سمعت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل وذُكر له أمر العدو فجعل يبكي ويقول ما من أعمال البر أفضل منه .

    * ـــ كراهية الجهاد من النفاق :
    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق". رواه مسلم .
    وقال تعالى قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ . وقال تعالى فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ .
    * ـــ معنى الجهاد : الجهاد هو بذل الجهد والوسع والطاقة بالقتال في سبيل الله تعالى بالنفس والمال واللسان أو غير ذلك أو المبالغة في ذلك . (قاله الكاساني في بدائع الصنائع 7/97).
    * ـــ أنواع الجهاد : الجهاد يكون بالنفس والمال واللسان . قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: " جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم ألسنتكم". رواه أبو داوود بإسناد صحيح .
    ومن الجهاد ، مجاهدة النفس على الطاعة . روى أحمد وابن حبان والحاكم وصححه ووافقه الذهبي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال :" المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله ، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه " .
    وكلمة الحق عند السلطان الجائر من الجهاد . قال النبي صلي الله عليه وسلم: " أفضل الجهاد كلمة عدل عند ذي سلطان جائر " رواه أبو داوود والترمذي والنسائي .
    ومن الجهاد ، جهاد المنافقين بالحجة والبيان . قال تعالى:  فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا، أي بالقرآن .
    قال ابن القيم رحمه الله مبيناً مراتب الجهاد :
    فجهاد النفس أربع مراتب:-
    إحداها: أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به ومتى فاتها علمه شقيت في الدارين .
    الثانية: أن يجاهدها على العمل به بعد علمه وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها .
    الثالثة: أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه مَن لا يعلمه وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات ولا ينفعه علمه ولا ينجيه من عذاب الله .
    الرابعة: أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق ويتحمل ذلك كله لله .
    وجهاد الشيطان على مرتبتين : دفع الشبهات ، ودفع الشهوات .
    وجهاد الكفار والمنافقين أربع مراتب : بالقلب ، واللسان ، والمال ، والنفس .
    وجهاد المنافقين أخص باللسان ، وجهاد الكفار أخص باليد .
    وجهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات ثلاث مراتب :-
    الأولى: باليد إذا قدر .
    الثانية: فإن عجز فباللسان .
    الثالثة: إن عجز جاهدهم بقلبه .
    (زاد المعاد 2/39-40 بتصرف واختصار ).
    وتظهر فائدة تعدد أنواع الجهاد ومراتبه وعدم انحصاره في القتال وإن كان القتال هو ذروة سنام الإسلام ، وهو المقصود في إطلاق الآيات والأحاديث في معرفة ما هو أولى بالعمل وما هو مقدم على غيره من هذه أنواع الجهاد، وما هو الشيء الذي يستحق المجاهدة والتغيير قبل غيره.
    فإن بعض من جهلوا أنواع الجهاد ومراتبه ، اندفعوا إلى أعمال غير مقبولة لا مبرر شرعي أو عقلي لها ، تخلصاً مما يظنون أنه تضييع للجهاد .
    قال ابن القيم : " ولما كان جهاد أعداء الله في الخارج فرعاً على جهاد العبد نفسه في ذات الله " كما قال النبي صلي الله عليه وسلم:" المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه " كان جهاد النفس مقدماً على جهاد العدو في الخارج وأصلاً له فإنه ما لم يجاهد نفسه أولاً لتفعل ما أمرت به وتترك ما نهيت عنه ويحاربها في الله لم يمكنه جهاد عدوه في الخارج .(الزاد 2/38).
    وليس المقصود من هذا تعطيل الجهاد بمعنى القتال إذا تعين ، والتولي بحجة مجاهدة النفس، بل المقصود بيان حقيقة كونية وسنة شرعية لا يمكن أن يقوم الجهاد إلا بها وقد سار عليها الأنبياء وأصحابهم ، وهي مجاهدة النفس على الطاعة ومراغمتها وحملها على ما يحب الله ويرضى وامتثال أوامره . ولذا بوب البخاري في صحيحه : باب عمل صالح قبل القتال .وقال أبو الدر داء : إنما تقاتلون بأعمالكم .
    * ـــ ومما ينبغي التنبه له هو مراعاة حال الأمة ، من حيث الضرورة والأولية ، فجهاد الطلب يختلف عن جهاد الدفع ، فالأول لا بد له من الاستعداد الإيماني والعسكري له ، أما الثاني فإن نفرة المسلمين كل على حسب حاله هي الواجبة إذا وجد الأمير ووضحت الراية ، كما سيأتي معنا .


    * ـــ شروط وجوب الجهاد :
    لما كان الجهاد بذل أعظم وأنفس ما عند المؤمنين وهي أنفسهم ، ولما كان فيه ترك الزوجات والذريات وهجر الأوطان والمساكن ولما كان فيه قتل الأنفس وإراقة الدماء كان حرِيّاً بالشارع أن يضع له أعظم الضوابط وأقوى الأحكام حتى لا تراق الدماء في كل واد وسبيل وحتى لا يختلط الحابل بالنابل ولا يدري القاتلُ فيم قَتل ولا المقتولُ فيم قُتِل .
    فدماء المسلمين وأرواحهم عند الله شيء عظيم. قال صلى الله عليه و سلم :" لزوال الدنيا أهون على الله عز وجل من قتل رجل مسلم". رواه الترمذي وصححه الألباني رحمه الله .
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه و سلم وهو يطوف بالكعبة :" ما أطيبك وما أطيب ريحك ، ما أعظمك وما أعظم حرمتك ، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله منك ماله ودمه ".رواه الترمذي وصححه الألباني .
    ولذا وضع أهل العلم شروطاً وضوابط للجهاد هي :
    الإسلام والبلوغ والعقل والحرية والذكورة والسلامة من الضرر ووجود النفقة وإذن ولي الأمر .
    فلا يجب الجهاد على الكفار من أهل الذمة والمعاهدين .
    ولا يجب على الصغار الذين لم يبلغوا الحلم .
    ولا يجب على العبد المملوك .
    ولا يجب على النساء .
    ولا يجب الجهاد على من عدم نفقته.
    ولا يجب إذا ترجحت مفسدة القتال على المصلحة المتوخاة منه لأن الشريعة جاءت بجلب المصالح وتكثيرها ودفع المفاسد وتقليلها ، فإذا ترتب على الجهاد حدوث مفسدة اكبر من المصلحة المتوقعة حرم الجهاد حينئذ .
    يقول الإمام الشاطبي رحمه الله في الموافقات : ( لما ثبت أن الأحكام شرعت لمصالح العباد وكانت الأعمال معتبرة بذلك ، لأنه مقصود الشارع ، فإذا كان الأمر في ظاهره وباطنه على أصل المشروعية فلا إشكال ، وإن كان الظاهر موافقاً والمصلحة مخالفة فالعمل غير صحيح وغير مشروع ، لأن الأعمال الشرعية ليست مقصودة لنفسها، وإنما قُصد بها أمور أخرى هي معانيها وهي المصالح التي شرعت لأجلها ) . ( الموافقات 2 / 268 ) .
    وعلى ذلك إذا لم يحقق الجهاد المصالح المرجوة منه بل حقق مفاسد ، أو رجحت كفة مفاسد القتال على مصالحه : كان القتال ممنوعاً محظوراً .
    يقول ابن تيمية رحمه الله : ( إذا تعارضت المصالح والمفاسد والحسنات والسيئات وتزاحمت ، فإنه يجب ترجيح الراجح منهما، فإن الأمر والنهي وإن كان متضمناً لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة فيُنظر في المعارض له ، فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر ، لم يكن مأموراً به ، بل يكون محرماً إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته ) .
    ويقول رحمه الله : ( الشريعة جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها ، وإنها ترجيح خير الخيرين وشر الشرين ، وتحصيل أعظم المصلحتين وتفويت أدناهما، وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما . قال تعالى {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا}.فتبين أن السيئة تحتمل في معرضين : دفع ما هو أسوأ منها إذا لم يدفع إلا بها . وتحصيل ما هو أنفع من تركها إذا لم يحصل إلا بها . والحسنة تترك في موضعين : إذا كانت مفوتتة لما هو أحسن منها . أو مستلزمة لسيئة تزيد مضرتها على منفعة الحسنة .
    ولا يجب الجهاد في حالة ضعف المسلمين ، فلا بد أن يكون فِي المسلمين قوة وإمكانية لِمجاهدة الكفار، أمَّا إن لَم يكن عندهم إمكانية ولا قوة فلا جهاد عليهم، فالرسول صلى الله عليه و سلم وأصحابه كانوا فِي مكة قبل الهجرة، ولَم يُشرع لَهم الجهاد، لضعف حالهم .
    ولا يجب الجهاد إلا بإذن ولي الأمر ؛ لأنه هُوَ الَّذِي يأمر به، وينظمه ويتولاه، ويشرف عليه، ولا يجوز لأي أحد كائناً من كان ولا أي جماعة أن تحرض الناس وتدفعهم إلى الجهاد دون إذن ولي الأمر .
    قال ابن قدامة في المغنى: (8/352-353) وأمر الجهاد موكول إلى الإمام ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك ، فإن عدم الإمام لم يؤخر الجهاد لأن مصلحته تفوت بتأخيره وإن حصلت غنيمة قسمها أهلها على موجب الشرع.
    َقَالَ الشيخ عُمَر بن مُحَمَّد بن سليم كما فِي الدرر السنية (7/313): "ولا يَجوز الافتيات عليه –أي عَلَى الإمام- بالغزو وغيره، وعقد الذمة والمعاهدة إلا بإذنه، فإنه لا دين إلا بِجماعة، ولا جَماعة إلا بإمامة، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة، فإن الخروج عن طاعة ولي الأمر من أعظم أسباب الفساد فِي البلاد والعباد.
    سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: إنني أحب الجهاد وقد امتزج حبه في قلبي . ولا أستطيع أن أصبر عنه , وقد استأذنت والدتي فلم توافق , ولذا تأثرت كثيرا ولا أستطيع أن أبتعد عن الجهاد . سماحة الشيخ :إن أمنيتي في الحياة هي الجهاد في سبيل الله وأن أقتل في سبيله وأمي لا توافق . دلني جزاك الله خيرا على الطريق المناسب؟
    فأجاب الشيخ رحمه الله :جهادك في أمك جهاد عظيم , الزم أمك وأحسن إليها , إلا إذا أمرك ولى الأمر بالجهاد فبادر , لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " وإذا استنفرتم فانفروا " رواه البخاري
    ومادام ولي الأمر لم يأمرك فأحسن إلى أمك وارحمها.
    وسئل الشيخ الفوزان حفظه الله : ما حكم الجهاد في هذا الوقت مع منع ولي الأمر ؟
    فأجاب : "لا جهاد إلا بإذن ولي الأمر؛ لأن هذا من صلاحيته والجهاد بدون إذنه افتيات عليه، فلا بد من رأيه وإذنه، وإلا فكيف تقاتل وأنت لست تَحت رايته، ولا تَحت إمرة ولي أمر المسلمين؟"..
    * ـــ الرد على استدلال بعضهم على جواز قتل الكفار دون الرجوع إلى ولي الأمر، بقصة أبي بصير وأبي جندل في صلح الحديبية:
    معلوم أن النبي صلى الله عليه و سلم عقد مع قريش صلح الحديبية -وكان مبعوثهم فيه سهيل بن عمرو رضي الله عنه قبل إسلامه-ومن شروط الصلح : لا يأتيك منا رجل-وإن كان على دينك- إلا رددته إلينا. قال المسلمون: سبحان الله، كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلمًا؟ فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده إليَّ فقال النبي صلى الله عليه و سلم:"إنَّا لم نقض الكتاب بعد" قال: فوالله إذا لم أصالحك على شيء أبدًا. قال النبي صلى الله عليه و سلم:"فأجزه لي" قال: ما أنا بمجيزه لك .قال:"بلى فافعل" قال: ما أنا بفاعل.قال أبو جندل: أي معشر المسلمين، أُرَدُّ إلى المشركين وقد جئت مسلمًا ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذب عذابا شديدا في الله...ثم رجع النبي صلى الله عليه و سلم إلى المدينة، فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا: العهد الذي جعلت لنا فدفعه إلى الرجلين، فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدًا. فاستله الآخر فقال: أجل والله إنه لجيد، لقد جربت به ثم جربت. فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه حتى برد، وفر الآخر حتى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو. فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم حين رآه:"لقد رأى هذا ذُعْرًَا" فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه و سلم قال: قتل والله صاحبي وإني لمقتول. فجاء أبو بصير فقال: يا نبي الله، قد والله أوفى الله ذمتك قد رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم. قال النبي صلى الله عليه و سلم:"ويل أُمِّهِ مَسْعَرَ حرب لو كان له أحدٌ" فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم فخرج حتى أتى سيف البحر. فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه و سلم تناشده بالله والرحم لَمَّا أَرْسَلَ، فمن أتاه فهو آمن. فأرسل النبي صلى الله عليه و سلم إليهم فأنزل الله تعالى{وَهُوَ الّذِي كَفّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ }-حتى بلغ-{الْحَمِيّةَ حَمِيّةَ الْجَاهِلِيّةِ}وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله ولم يقروا بـ"بسم الله الرحمن الرحيم" وحالوا بينهم وبين البيت . رواه البخاري
    فقالوا: فأبو بصير قد قَتَل من قَتَل أولاً، قَتَل هو ومن معه، ونهبوا الأموال، كل ذلك دون رجوع إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فلماذا تنكرون علينا الاقتداء بهؤلاء الصحابة؟!
    والرد على ذلك: أن أبا بصير ومن لحق به بعد ذلك كانوا غير داخلين في عهده صلى الله عليه و سلم مع قريش، وهذا مُصَرَّحٌ به في القصة، ولذا ردَّ النبي صلى الله عليه و سلم أبا بصير وأبا جندل، لما أصر سهيل بن عمرو على إرجاع أبي جندل، ولما أرسلت قريش في طلب أبي بصير حسب صلح الحديبية، وعلى ذلك فليسوا داخلين في صلح النبي صلى الله عليه و سلم مع قريش، وقد قال الحافظ ابن حجر في فوائد هذه القصة:"ولا يعد ما وقع من أبي بصير غدراً؛ لأنه لم يكن في جملة من دخل في المعاقدة التي بين النبي صلى الله عليه و سلم وبين قريش لأنه إذ ذاك كان محبوساً بمكة. وفيه أن من فعل مثل فعل أبي بصير لم يكن عليه قود ولا دية وقد وقع عند ابن إسحاق: أن سهيل بن عمرو لما بلغه قتل العامري- أي الرجل الأول الذي قتله أبو بصير- طالب بديته؛ لأنه من رهطه فقال له أبو سفيان: ليس على محمد مطالبة بذلك؛ لأنه وفى بما عليه وأسلمه لرسولكم ولم يقتله بأمره ولا على آل أبي بصير أيضاً شيء؛ لأنه ليس على دينهم" .
    وقد سئل العلامة الشيخ صالح الفوزان السؤال التالي: ما رأي فضيلتكم فيمن يستدل على عدم إذن الإمام بالجهاد بقصة أبي بصير؟
    الجواب: أبو بصير ما هو في قبضة الإمام، أبو بصير في قبضة الكفار في ولايتهم، فهو يريد أن يخلص نفسه من الكفار وليس هو تحت ولاية الرسول صلى الله عليه و سلم؛ لأن الرسول رده لهم بموجب العهد والصلح الذي جرى، أن من جاء من المسلمين فإنه يسلمه للكفار، فالرسول وفىَّ بهذا العهد وردهم والرسول توكل على الله واعتقد أن الله سيجعل لهم فرجًا فأبو بصير كان تحت سلطة الكفار وهو يريد التخلص منهم وليس هو في بلاد المسلمين أو تحت قبضة ولي الأمر .



    * ـــ متى يكون الجهاد بغير إذن الإمام؟
    الذي عليه أهل العلم أن الجهاد بغير إذن الإمام لا يكون؛ إلا في حالة أن يُهاجَم المسلمون في عقر دارهم، في هذه الحالة لا يشترط هذا كما نصّ على ذلك جمع من العلماء.
    فقد جاء في مسائل أحمد بن حنبل رواية ابنه عبد الله:"سمعت أبي يقول إذا أذن الإمام القوم يأتيهم النفير فلا بأس أن يخرجوا. قلت لأبي: فإن خرجوا بغير إذن الإمام. قال: لا, إلا أن يأذن الإمام, إلا أن يكون يفاجئهم أمرٌ من العدوّ, ولا يمكنهم أن يستأذنوا الإمام فأرجو أن يكون ذلك دفعاً من المسلمين" .
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- :"وأما قتال الدفع فهو أشدّ أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين, فواجب إجماعاً, فالعدوُّ الصائلُ الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه, فلا يشترط له شرط, بل يدفع بحسب الإمكان, وقد نصَّ على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم, فيجب التفريق بين دفع الصائل الظالم الكافر وبين طلبه في بلاده" .
    وقال العلامة الشيخ صالح الفوزان:"ولا يجوز للمسلمين أن يقاتلوا بدون إذن إلا في حالة واحدة إذا دهمهم عدو يخشون كلبه ( شره وأذاه ) ، فإنهم يدفعونه بالقتال ولا يحتاج إلى إذن الإمام ؛ لأن هذا دفع خطر".
    وقال العلامة الألباني رحمه الله: "الدفاع هذا يجب المبادرة إليه حين يهاجم المرء المسلم في عقر داره سواء كانت المهاجمة متوجه إلى فرد من أفراده أو إلى نفس جماعة المسلمين، فلا يجوز ترك الكافر يهاجمنا في أرضنا ونحن مكتوفي الأيدي، وإنما علينا المبادرة للدفاع عن البلد بقدر الاستطاعة، فهذا دفاع عن النفس لا بد منه كما يفيد رسول الله صلى الله عليه و سلم:"من قتل دون ماله فهو شهيد" ، فإذا سألت أن دولة كافرة تهاجم منطقة إسلامية وهم على غير استعداد لا من حيث الاستعداد النفسي الذي يستلزم فهم الإسلام فهمًا صحيحًا وتطبيقه تطبيقًا صحيحاً ولا الاستعداد المادي المأمور به في القرآن -هذا تفصيل لهذين الاستعدادين- لا يسقط عن المسلم الدفاع حينما يهاجم في عقر داره" .
    * ـــ وهنا سؤال: من المراد بقولهم:"الإمام" الذي يقاتل تحت رايته في عصرنا هذا؟
    وقد أجاب عن هذا السؤال العلامة ابن عثيمين بقوله:"هو ولي الأمر الأعلى في الدولة، ولا يشترط أن يكون إماماً عاماً للمسلمين؛ لأن الإمامة العامة انقرضت من أزمنة متطاولة، والنبي صلى الله عليه و سلم قال:"اسمعوا وأطيعوا ولو تأمر عليكم عبد حبشي" فإذا تأمر إنسان على جهةٍ ما، صار بمنزلة الإمام العام، وصار قوله نافذاً، وأمره مطاعاً، ومن عهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه والأمة الإسلامية بدأت تتفرق، فابن الزبير في الحجاز، وبنو مروان في الشام، والمختار بن عبيد وغيره في العراق، فتفرقت الأمة، وما زال أئمة الإسلام يدينون بالولاء والطاعة لمن تأمر على ناحيتهم، وإن لم تكن له الخلافة العامة؛ وبهذا نعرف ضلال ناشئة نشأت تقول: إنه لا إمام للمسلمين اليوم، فلا بيعة لأحد!! -نسأل الله العافية- ولا أدري أيريد هؤلاء أن تكون الأمور فوضى ليس للناس قائد يقودهم؟! أم يريدون أن يقال: كل إنسان أمير نفسه؟! هؤلاء إذا ماتوا من غير بيعة فإنهم يموتون ميتة جاهلية-والعياذ بالله- لأن عمل المسلمين منذ أزمنة متطاولة على أن من استولى على ناحية من النواحي، وصار له الكلمة العليا فيها، فهو إمام فيها، وقد نص على ذلك العلماء مثل صاحب سبل السلام ( الشرح الممتع (8/9_10 ) .
    وقال -رحمه الله- : ومنذ أزمنة بعيدة من زمن الأئمة والناس متفرقون، كل جهة لها إمام، وكل إمام مسموع له ومطاع بإجماع المسلمين، لم يقل أحد من المسلمين إنه لا يجب الطاعة إلا إذا كان خليفة واحداً لجميع بلاد المسلمين، ولا يمكن أن يقول أحد بذلك؛ لأنه لو قيل بهذا؛ ما بقي للمسلمين الآن إمام، ولا أمير، فالإمام في مكان وفي كل منطقة بحسبها". (شرح رياض الصاحين 4/503)
    وقد حكى الإجماع غير واحد من العلماء على طاعة الحاكم المتغلب؛ وإجماعهم هذا مطلق لا تقييد فيه، قال ابن بطال:"والفقهاء مجمعون على أن الإمام المتغلب طاعته لازمة، ما أقام الجماعات والجهاد،وأن طاعته خير من الخروج عليه؛ لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء" . ونقله ابن حجر وأقره .
    فإن قيل: إن الإجماع المذكور آنفاً معارض بأحاديث، وإجماع آخر، أما الأحاديث فهي: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :"إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما" رواه مسلم
    وحديث عرفجة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول:"من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه" رواه مسلم
    وفي رواية:"فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان".
    وحديث عبـد الله بن عمرو رضي الله عنهما مرفوعاً:" ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر" رواه مسلم .
    وأما الإجماع فهو ما قاله ابن حزم في "مراتب الإجماع":"واتفقوا أنه لا يجوز أن يكون على المسلمين في وقت واحد في جميع الدنيا إمامان، لا مُتَّفقان، ولا مفترقان ولا في مكانين، ولا في مكان واحد" .
    والجواب: نعم، لا يجوز تفريق الأمة، والواجب عليهم أن يجتمعوا على الحق، وتحت إمام واحد، ولكن البحث فيما إذا وقع التفرق، وعدمت القدرة عن دفع مَنْ تَغلب؛ فهل يُترك الناس بلا إمام يأمرهم وينهاهم؟ وهل يترك الناس للاقتتال وسفك الدماء فيما بينهم؟!! لا أحد يقول: نعم يترك الناس بلا إمام!! أو يتركوا ليسفكوا دمائهم!! لأن هذا القول فيه من الفساد ما لا يخفى، وقائله إن وجد مخالف للمنقول والمعقول، ولا يستحق أن يخاطب بالحجة؛ لأنه إما مكابر، أو جاهل.
    فإذا علمنا ذلك؛ فإن الجواب على حديث أبي سعيد رضي الله عنه وغيره، هو أن هذا يكون عند قدرة المسلمين وقوتهم، واجتماع كلمتهم على خليفة ذي شوكة وسلطان، ثم جاء آخر ينازعه؛ فيقتل كائناً من كان؛ لأنه بذلك يريد أن يشق عصا المسلمين، وأمرهم جميع على رجل، كما أخبر النبي صلى الله عليه و سلم.
    قال النووي:"معناه ادفعوا الثاني فإنه خارج على الإمام فإن لم يندفع إلا بحرب وقتال فقاتلوه فإن دعت المقاتلة إلى قتله جاز قتله ولا ضمان فيه لأنه ظالم متعد في قتاله" .
    وقال أيضاً:"فيه الأمر بقتال من خرج على الإمام أو أراد تفريق كلمة المسلمين ونحو ذلك وينهى عن ذلك فإن لم ينته قوتل وإن لم يندفع شره إلا بقتله فقتل" .
    أما إذا كان المسلمون متفرقون، ولكل من الخليفتين شوكة، وستطحن رحى الفتن المسلمين هنا وهناك، فهنا يظهر الإجماع الذي حكاه غير واحد من العلماء على طاعة الحاكم المتغلب.
    فلا تعارض إذاً بين الإجماعين، وما دل عليه حديث أبي سعيد رضي الله عنه وغيره؛ لأن من المعلوم أن ما أمر به المسلم من الأحكام منوط بالاستطاعة؛ حتى ما كان من أركان الإسلام، قال تعالى:{وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}، وهذا من الوضوح بمكان فلا يحتاج إلى تفصيل. والله أعلم.
    * ـــ جهاد الدفع وجهاد الطلب
    ثمة حالتين للجهاد :
    إحداهما، جهاد الطلب : وصورته أن يكون الكفار في بلادهم ، فيطلبهم المسلمون لنشر الاسلام وتبليغ دين الله ، فإن أسلموا أو رضوا بالجزية ، وإلا قاتلوهم . وهذا النوع فرض كفاية إذا فعله البعض سقط الحرج عن الباقين ، ومعلوم أن هذا النوع من الجهاد لا يجب على صبي ومجنون وامرأة ومريض وذي عرج بيّن وأقطع وأشل وعبد وعادم أهبة قتال.
    الثانية ، جهاد الدفع : وصورته أن يخل الأعداء بلداً من بلاد المسلمين ، فيجب وجوباً عينياً على أهلها الدفع بالممكن ، فإذا لم يقوموا أثم كل من لا عذر له من الأعذار السابق بيانها من الصبيان والنساء والمرضى وغيرهم . ذكره النووي في روضة الطالبين .
    فإن عجز أهل البلد عن مدافعة العدو وجب على من جاورهم أن يعينهم بما يمكنهم من ذلك . قال القرطبي في تفسيره (4/2990-2991) : إذا تعين الجهاد بغلبة العدو على قطر من الأقطار أو بحلوله بالعقر فإذا وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافاً وثقالاً ، شباناً وشيوخاً ، كل على قدر طاقته من كان له أب بغير إذنه ومن لا أب له ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج من مقاتل أو مكثر فإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم كان على من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم ومدافعتهم وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم لزمه أيضاً الخروج إليهم فالمسلمون كلهم يد على من سواهم ولو قارب العدو دار الإسلام ولم يدخلها لزمهم أيضاً الخروج إليه حتى يظهر دين الله وتحمى البيضة وتحفظ الحوزة ويخزى العدو ولا خلاف في ذلك . أ . هـ .
    * ـــ أما إذا كان المراد بجهاد الدفع هو الدفاع عن بلدك في حالة هجوم العدو عليه, فالإمام له في القتال الدفاعي حالتان:
    الحالة الأولى: إذا صدر نهي الإمام عن القتال الدفاعي، وقد هجم العدو على المسلمين، وكان ذلك النهي من أجل إعداد الخطة للدفاع بقصد أن يكون الدفاع مجدياً ، منظماً منكياً للعدو بشكل اكبر ، وكان لا يترتب على انتظار إذنه أي ضرر ففي هذه الحال تجب طاعة الإمام.
    الحالة الثانية: إذا كان نهي الإمام عن القتال الدفاعي إنما هو لمجرد الخوف من الأعداء سواء الخوف على نفسه، أو الخوف على ملكه، وما شابه ذلك، فهو يتقرب إليهم بهذا المنع من القتال. أو لم يكن الأمر كذلك، وكان الإمام مُخْلِصًا، ولكن يترتب على انتظار إذنه في القتال إلحاق ضرر بالمسلمين ففي كلتا الحالتين حالة الخوف على نفسه وملكه وحالة الضرر من انتظار الإذن يجب على قادة القطاعات المسلحة، وعلى من يقدر على القتال من المسلمين المتطوعين أن يهبوا للدفاع عن المسلمين وعن البلاد، على الفور، وأن يقاتلوا العدو المغير بضرواة؛ لأن القتال في هذه الحال أصبح فرض عين على المسلمين الذين استهدف العدو بلادهم. وفي انتظار إذن الإمام إذا كان مخلصًا إلحاق ضررٍ بالمسلمين كما في طاعته في حال خيانته-فوق ما في هذه الطاعة من إلحاق ضررٍ بالمسلمين- فهي هنا أيضًا تكون من نوع الطاعة في أمر فيه معصية- وكلاهما لا يجوز! إذ"لا ضرر ولا ضرار"، و"لا طاعة في معصية الله؛ إنما الطاعة في المعروف" متفق عليه
    قال عبد الله بن الإمام أحمد:"سمعتُ أبي يقول: إذا أذن الإمامُ, القومُ يأتيهم النفير فلا بأس أن يخرجوا. قلتُ لأبي: فإن خرجوا بغير إذن الإمام؟ قال: لا, إلا أن يأذن الإمام, إلا أن يكون يفجأهم أمرٌ مِن العدو ولا يُمكِنُهم أن يستأذنوا الإمام فأرجو أن يكون ذلك دفعاً مِن المسلمين" .
    وقال الخرقي-رحمه الله- في"مختصره":"وواجب على الناس إذا جاء العدو، أن ينفروا؛ المقل منهم، والمكثر، ولا يخرجوا إلى العدو إلا بإذن الأمير، إلا أن يفجأهم عدو غالب يخافون كلبه، فلا يمكنهم أن يستأذنوه"
    قال ابن قدامة -رحمه الله- شارحًا: "ولأنهم إذا جاء العدو، صار الجهاد عليهم فرض عين, فوجب على الجميع، فلم يَجُز لأحدٍ التخلف عنه، فإذا ثبت هذا، فإنهم لا يخرجون إلا بإذن الأمير؛ لأن أمر الحرب موكول إليه، وهو أعلم بكثرة العدو وقلتهم، ومكامن العدو وكيدهم، فينبغي أن يُرجع إلى رأيه, لأنه أحوط للمسلمين، إلا أن يتعذر استئذانه لمفاجـأة عدوهم لهم، فلا يجب استئذانه، لأن المصلحة تتعين في قتالهم, والخروج إليهم، لتعين الفساد في تركهم، ولذلك لما أغار الكفار على لقاح النبي صلى الله عليه و سلم، فصادفهم سلمة بن الأكوع خارجًا من المدينة، تبعهم، فقاتلهم، من غير إذن، فمدحه النبي صلى الله عليه و سلم وقال:"خير رجالتنا سلمة بن الأكوع". وأعطاه سهم فارس وراجل متفق عليه .
    ولا شك أن ولاة أمور المسلمين مفترض فيهم أن يكونوا أحرص على حماية بلاد المسلمين من غزو العدو, وأعرف بتحركاته, وكثرته وقلته, وما عندهم من سلاح، وما عندنا من قوة، فقيام فئة من الرعية بالدفاع وحدها دون الانضمام إلى ولي الأمر وطاعته, والقتال تحت لوائه, يشتت الجهود, ويُضعف القوى،وهذا هو عين ما يريده الأعداء. والصحابة رضي الله عنه دافعوا مع النبي صلى الله عليه و سلم في غزوة الخندق (الأحزاب) ولم ينفصلوا عنه, ولم يستبدَّ أحدٌ منهم برأيٍ دون النبي صلى الله عليه و سلم حتى كتب الله لهم النصر.
    فعلينا بفهم سلفنا الصالح، فنتبع ولا نبتدع فنسلم. والله الموفق.
    ومن المناقشة السابقة يتبين خطأ إطلاق القول: إن جهاد الدفع لا يجب فيه إذن الإمام. والله أعلم.
    ولكن الذي يجب أن نعلمه هو: أن الدفاع عن بلد مسلم آخر غير بلدنا, يجب على غيرهم من المسلمين عند القدرة عليه، قال البغوي في حكم هذا الجهاد:"وهو في حق من بَعُدَ عنهم من المسلمين فرض على الكفاية، فإن لم تقع الكفاية بمن نزل بهم يجب على من بَعُدَ منهم من المسلمين عونهم، وإن وقعت الكفاية بالنازلين بهم، فلا فرض على الأبعدين إلا على طريق الاختيار، والاستحباب، ولا يدخل في هذا القسم العبيد، والفقراء .
    وقال ابن عبد البر:"وإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم كان على من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا قلوا أو كثروا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم ومدافعتهم، وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم لزمه أيضًا الخروج لهم فالمسلمون يد على من سواهم حتى إذا قام بدفع العدو أهل الناحية التي نزل العدو عليها واحتل بها سقط الفرض على الآخرين"
    فالمسلمون عليهم التعاون في دفع العدو، إذا نزل على أحد منهم، فواجب عليهم أن يكونوا يداً واحدةً في ذلك على الكفار.
    فنصرة المسلم لأخيه المسلم واجبة إن لم يكن هناك مانع منها, قال ابن المناصف:"فمن ترك دفاع كافر عن مؤمن تثاقلاً من غير عذر يُسقط به عنه القيام، فقد ترك المعاونة على البر والتقوى، وجعل للكافرين سبيلاً على المؤمنين، وقد نفى الله تعالى ذلك أن يكون من الشرع، ففعل ذلك معصية، وتعد لحدود الله تعالى. أخرج أبو داود، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:"المؤمنون تتكافأ دماؤهم، يسعي بذمتهم أدناهم، ويُجير عليهم أقصاهم، وهم يدٌ على من سواهم" . وذلك مما لا يُعرف فيه خلاف" (الإنجاد في أبواب الجهاد 1/45-46).
    ومما سبق يتبين وجوب القتال لدفع العدوان الواقع على بلاد المسلمين، وأن هذا الوجوب فرض عين على أهل البلاد التي احتلت، أو على وشك الاحتلال، فإن لم تحصل بهم الكفاية لرد العدوان وجب القتال على من يليهم، ثم على من وراءهم، هكذا حتى تحصل الكفاية، ويطرد العدو من بلاد المسلمين
    فإن الكفار متى اعتدوا على بلد مسلمة ولم يكن لهم عهد عند المسلمين فيجب نصرة هؤلاء المسلمين المعتدى عليهم؛ لأن نصرة المسلم لأخيه المسلم واجبة، فالمسلمون يد على من سواهم .
    وقد استنبط من قصة أبي بصير وأبي جندل في صلح الحديبية، وقتالهم المشركين: أنه إذا كان بين بعض ملوك المسلمين وبعض ملوك الكفار عهد، جاز لملك آخر من ملوك المسلمين أن يغزو الكفار، فليس عهد ولا ميثاق ملك ملزماً للآخر من الملوك، بل كل دولة مستقلة وحدها
    قال الإمام ابن القيم - في ذكر الفوائد الفقهية في قصة الحديبية -:"والعهد الذي كان بين النبي صلى الله عليه و سلم وبين المشركين، لم يكن عهداً بين أبي بصير وأصحابه وبينهم، وعلى هذا فإذا كان بين بعض ملوك المسلمين وبعض أهل الذمة من النصارى وغيرهم عهد، جاز لملك آخر من ملوك المسلمين أن يغزوهم، ويغنم أموالهم إذا لم يكن بينه وبينهم عهد، كما أفتى به شيخ الإسلام في نصارى مَلَطْيَةَ (إحدى مدن تركيا اليوم) وسبيهم، مستدلاً بقصة أبي بصير مع المشركين"
    * ـــ الفرق بين الجهاد والإفساد :
    ـــ شُرع الجهاد في سبيل الله { حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}. فإذا أصبح الجهاد نفسه محدثاً للفتنة في الدين ومانعاً من تعبيد الناس لربهم وصداً للناس عن دعوة الحق ؛ صار حراماً لأنه لم يحقق مقصوده .
    أما أفعال التكفيريين فكلها فساد وإفساد : شوهت صورة الاسلام ، ونفرت الناس من الدين ، وأعطت الذريعة لأعدائنا للتدخل في شؤوننا، وأشغلوا الدولة والعلماء والدعاة بمواجهتهم بدلاً من الالتفات إلى ما هو أهم وأولى . فضلاً عن إزهاق الأرواح البريئة وزعزعة استقرار الناس وترويعهم .
    فالجهاد مع عدم تحقق الغاية منه : غلو وتشدد مذموم في الشريعة .
    وثمة من يقول : يجب على المسلمين أن يجاهدوا دون النظر إلى النتائج، وحتى لو كان المسلم بمفرده لوجب عليه الجهاد ، لأنه فريضة لا تسقط عن المسلم بأي حال من الأحوال ، وأن من أراد الجنة فعليه بالجهاد ، وكيف يدخل الجنة من لم يقاتل أو يجاهد في سبيل الله ؟ .
    وهؤلاء قد غاب عنهم الهدف الأسمى الذي من أجله شُرع الجهاد ألا وهو إقامة الدين ورفع راية التوحيد { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ } .فالقتال فُرض لمنع الفتنة ومحق الشرك أما إذا أدى إلى الفتنة ولم يحقق مقاصده المشروعة فهو ممنوع شرعاً وعقلاً .
    فكلُّ فرض فرضه الشارع الحكيم إنما هو لتحقيق المصلحة ودرء المفسدة ، وإذا لم يحقق الفرض ذلك سقط .
    فالحج فريضة ، لكنها تسقط إذا لم يأمن الحاج على نفسه أو ماله في الطريق . والصوم فريضة ، لكنها تسقط في حالة المرض المزمن الذي يزداد ويشتد بالصوم ، لأن المفسدة هنا أعظم من مصلحة الصوم ، فإذا صام المريض مرضاً مزمناً فقد يؤدي هذا إلى فقده حياته وانقطاع عمله بالكلية بما فيه الصوم وغيره .
    ـــ الجهاد فريضة تكتنفها الرحمة والشفقة ، فلا يجوز قتل النساء والأطفال والشيوخ .عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً ولا صغيراً ولا امرأة ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ". رواه أبو داوود.
    وقال الصديق رضي الله عنه ليزيد : ( وإني موصيك بعشر لا تقتلن امرأة ولا صبيا ولا كبيراً هرماً ولا تقطعن شجراً مثمراً ولا تخربن عامراً ولا تعقرن شاة ولا بعيراً إلا لمآكله ولا تحرقن نخلاً ولا تفرقنه ولا تغلل ولا تجبن ).
    أما أفعال التكفيريين فلم تعرف هذه المعاني السامية ، كلنا شاهدنا أشلاء الأطفال والنساء والشيوخ في التفجيرات المتنقلة التي استهدفت المملكة هنا وهناك ، فهذا الفكر في حقيقته فكر دموي إجرامي استغل الدين لعمل تخريبي منظم لأغراض مقصودة .
    ــ في الجهاد يجب احترام العهود والمواثيق ، وإذا شعر المسلمون أن عدوهم سينقض العهد ، لم يجز لهم أن يقاتلوه قبل أن يعلموه بإنهاء العهد الذي بينهم وبينه ولا يفاجئوه بالقتال دون إعلام ، قال تعالى {وإما تخافن من قوم خيانه فأنبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين } .
    فالخيانة والغدر ليس من شيم المسلمين ولا من خصالهم بل هو من خصال المنافقين . عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر". رواه البخاري ومسلم .
    قال ابن تيمية رحمه الله: "جاء الكتاب والسنة بالأمر بالوفاء بالعهود والشروط والمواثيق والعقود، وبأداء الأمانة ورعاية ذلك، و النهي عن الغدر ونقض العهود والخيانة والتشديد على من يفعل ذلك.
    والذين يدخلون تحت عهد المسلمين من الكفار ثلاثة أنواع : المستأمن وهو الذي يدخل بلاد المسلمين بأمان منهم لمصلحة يرونها كأداء عمل أو إنجاز مشروع ألخ ، ثم يرجع إلى بلده بعد إنهاء ما دخل لأجله ، والمعاهد هو الذي يدخل تحت صلح بين المسلمين والكفار وهذا يؤمن حتى ينتهي العهد الذي بين الفئتين ولا يجوز لأحد أن يعتدي عليه كما لا يجوز له أن يعتدي على أحد من المسلمين ، الصف الثالث هم من يدفعون الجزية ويدخلون تحت حكمهم . فالإسلام يكفل لهؤلاء الأمن على دماءهم وأموالهم وأعراضهم ومن اعتدى عليهم فقد لعنه النبي صلى الله عليه و سلم . عن علي رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم :" ذمة المسلمين واحدة فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل ومن تولى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل". رواه البخاري .
    أما أفعال الشرذمة التكفيرية ، فإنهم يغدرون بالآمنين والمستأمنين ، والعجيب أن هؤلاء المعتدين يسمون عملهم جهادا فى سبيل الله وهذا من أعظم الكذب على الله فإن الله جعل هذا فسادا ولم يجعله جهادا ، ولكن لا نعجب حينما نعلم أن سلف هؤلاء هم من الخوارج كفروا الصحابة وقتلوا عثمان وعلياً رضي الله عنه وهما من الخلفاء الراشدين ومن العشرة المبشرين بالجنة قتلوهما وسموا هذا جهادا في سبيل الله.
    إذا ،،، الجهاد يتميز بوضوح هدفه، ووضوح وسائله، والتزامه بأحكام الشرع، ومكارم الأخلاق التي جاء بها الإسلام قبل القتال، وأثناء القتال، وبعد القتال. أما أفعال التكفيريين وإفسادهم فينقصه الوضوح في الرؤية ، وتميزه العشوائية في التصرفات والغموض في الأهداف والارتباط بمن يريدون بالبلاد والعباد شراً وفتنة.
    فالجهاد يستخدم القوة في موضعها، وفي أوانها، وبقدر ما توجبه ضرورة الجهاد، ومع الأعداء الذين احتلوا الأرض، وانتهكوا الحرمات والمقدسات ، قال تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين } .
    * ـــ من القواعد الهامة في فقه الجهاد : مراعاة حال القوة وحال الضعف :
    فليس بخافٍ أن حال الأمة الإسلامية يختلف ما بين ضعف وقوة ، فقد كان حال الأمة عند بعثة النبي صلى الله عليه و سلم كانت ضعيفة ، وكان لهذا الضعف الأحكام الشرعية الخاصة به ، كعدم الجهر في الدعوة ، وكالأمر بكف اليد وعدم القتال ، وتأخر نزول كثير من الأحكام الفقهية .
    أما في العهد المدني ، وبعد أن صار للمسلمين دولة وشوكة ومنعة ، نزل الأمر بالقتال ومجاهدة المشركين المعتدين ، ونزلت الأحكام الشرعية التفصيلية ، وما ذاك إلا لأن الحال حال قوة ومنعة .
    ولذا ، ذهب أهل التحقيق كشيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من أهل العلم إلى أن الفقه يتنزل بتنزل الأحوال ويختلف باختلاف الأحوال ، وقد أشار ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه إعلام الموقعين إلى إن الفتوى تتغير بتغير الأحوال بتغير المكان والزمان والعوائد والأحوال.
    فالواجب هو التفريق بين فقه القوة وفقه الضعف ، وإن كان هناك من أهل العلم من يقول إن الأحكام هذه نسختها آية السيف، لكن المحققين من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره لا يرون النسخ في ذلك بل يربطون هذا بحال المسلمين، فإذا كان في ضعف نُزلت عليهم أحكام الضعف، إذا كانوا في غربة من السنة نزّلت عليهم أحكام غربة السنة، إذا كان في قوة تنزّل عليهم أحكام القوة، مستدلين بقول النبي صلى الله عليه و سلم :" بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ". وبقوله صلى الله عليه و سلم :" إن الله يبتعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها". رواه أبو داوود.
    قال ابن تيمية رحمه الله في الصارم المسلول فيمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف أو في وقت هو فيه مستضعف فليعمل بأية الصبر والصفح والعفو عمن يؤذي الله ورسوله صلى الله عليه و سلم من الذين أتوا الكتاب والمشركين.
    وقال الشيخ العثيمين رحمه الله عن شرط القوة في الجهاد :لا بد فيه ـــ أي الجهاد ــ من شرط : وهو أن يكون عند المسلمين قدرة وقوة يستطيعون بها القتال ,فان لم يكن لديهم قدرة فإن إقحام أنفسهم في القتال هو إلقاء بأنفسهم إلى التهلكة ,ولهذا لم يوجب الله سبحانه وتعالى على المسلمين القتال وهم في مكة , لأنهم عاجزون ضعفاء , فلما هاجروا إلى المدينة وكونوا الدولة الإسلامية , وصار لهم شوكة أمروا بالقتال , وعلى هذا فلا بد من هذا الشرط , وإلا سقط عنهم كسائر الواجبات , لان جميع الواجبات يشترط فيها القدرة لقوله تعالى {فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا } وقال { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } .
    * ـــ ومن القواعد الهامة في فقه الجهاد ، مراعاة فقه الضرورة .فإن المعلوم أن للأفراد ضرورة يرونها قد تختلف عن الضرورة التي يراها المجتمع ، وقد يكون للدولة ضرورة أو ضرورات تراها تختلف أن تنسجم إلى حد ما مع ما يراه الأفراد والمجتمع .
    فإذا أنزلنا هذه الضرورات المختلفة منزلة واحدة فإننا نكون قد جانبنا الصواب ولم نفقه مقاصد الشريعة.
    الضرورة تُقدّر بقدرها ، وكل يقدر الضرورة على حسب حاله ، فالفرد يقدر الضرورة التي يحتاجها ، والمجتمع يقدر ضرورته أيضاً والدولة هي التي تقدر الضرورة التي تراها. فيجب اعتماد هذه القاعدة عند النظر فيما يوجه به ولاة الأمر ، كالإذن بالجهاد أو عدم الإذن ... ألخ .
    * ـــ ومن القواعد الهامة في فقه الجهاد ، لزوم غرز العلماء . فإن مما لا شك فيه أن الجهاد من أعظم الأمور الدقيقة التي يرجع لأهل العلم فيها. قال ابن تيمية رحمه الله كما في منهاج السنة ، في معرض كلامه عن الجهاد :فالبحث في هذه الدقائق من وظيفة خواص أهل العلم.
    وقال ابن القيم رحمه الله : العالم بكتاب الله وسنة نبيه وأقوال الصحابة فهو المجتهد في النوازل فهذا النوع الذي يسوغ لهم الاستفتاء ويسوغ إستفتاؤهم ...وهم الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها.
    فلابد للناس من مرجع يرجعون إليه قال تعالى {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُ
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    الجهاد أنواعه وضوابطه للشيخ سعد البريك Empty رد: الجهاد أنواعه وضوابطه للشيخ سعد البريك

    مُساهمة من طرف أحمد الجمعة فبراير 15, 2013 10:40 am

    http://www.saadalbreik.com/Sad/news.php?action=show&id=468

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 14, 2024 10:03 pm