عَبْدُ اللّهِ بنُ المُبَارَك بن وَاضِح الحَنْظَلِيّ التّمِيْمِيّ، مولاَهُم أَبو عَبْدِ الرّحْمَن المَرْوَزِيّ، أحد الأئمة الذين قلَّ بعد الصحابة والتابعين نظراؤهم وطاب مدح العلماء لهم وطال عليهم ثناؤهم، وقد اجتمع في هذا الإمام من حميد الصفات وعجيب الكمالات ما يندر أن يحصل لغيره فرضي الله تعالى عنه وعن سائر أئمة هذه الأمة، ونفعنا الله بما ورثوه وبلغوه من علوم النبوة.
ولابن المبارك تراجم مبسوطة في كتب كثيرة؛ راجع ترجمته في التاريخ الكبير ج5ص212 والتاريخ الصغير ج2ص225 وتاريخ الثقات للعجلي ص275-276 الجرح والتعديل ج1ص260-280 وج5ص179 ومشاهير علماء الأمصار ص194 وحلية الأولياء ج8ص162 والارشاد للخليلي ج1ص272 وج3ص887-890 وتاريخ بغداد ج10ص152 وتهذيب الكمال وفروعه وتذكرة الحفاظ ج1ض274 وسير أعلام النبلاء ج8ص378-421 والعبر ج1ص280 وشذرات الذهب ج1ص295 .
بل قد أفرد ترجمته بالتأليف غير واحد من العلماء والمؤرخين والباحثين، منهم الحافظ الذهبي فقد ألف في ترجمته كتاباً أسماه (قضِّ نهارك بأخبار ابن المبارك)، ذكره الصفدي في (الوافي بالوفيات) (2/164) وفي (نكْت الهميان) (ص243) وابن شاكر الكتبي في (عيون التواريخ) وغيرُهما.
ومما يحسن التنبيه عليه هنا أن الذهبي كان قد افرد بالتأليف سير جماعة من الأئمة وغيرهم من الأعلام، وقد ضاع بعضها إلا انه - بحسب ما قاله الصفدي في ترجمة الذهبي من (الوافي بالوفيات) وابن شاكر الكتبي فيها من (فوات الوفيات) - أدخل الجميع في (سير أعلام النبلاء).
قال الصفدي في الموضعين المشار إليهما: (وله [يعني للذهبي] تراجم في الأعيان، لكل واحد مصنف قائم الذات، مثل الأئمة الأربعة ومن جرى مجراهم، ولكنه أدخل الكل في (النبلاء)---)؛. وكذا قال ابن شاكر الكتبي.
ولكن قال د . بشار في (الذهبي ومنهجه) (ص202): (وقول الصفدي هذا لا يعني أن الذهبي أدخل التراجم والسير المستقلة بأكملها في (سير أعلام النبلاء) لكنه قد يكون أدخل مختصراتها)؛ ثم ذكر على هذا أدلة قوية واضحة.
وقال الذهبي في (التذكرة) (1/274-279):
(والله إني لأحبه في الله، وأرجو الخير بحبه، لما منحه الله من التقوى والعبادة والإخلاص والجهاد وسعة العلم والاتقان والمواساة والفتوة والصفات الحميدة)؛ ثم راح يذكر من مناقبه وثناء الأئمة عليه وعلى علمه وحفظه وإتقانه؛ رحمه الله تعالى.
*******
وأما خصائصه في علمه بالرجال والعلل فيتلخص أهمها بما يلي:
1- كان ابن المبارك من كبار الحفاظ ومن العارفين بالحديث وعلله، وانظر ما يأتي من كلام ابن رجب في آخر هذا البحث.
2-كان من أكثر أهل عصره اجتهاداً في طلب العلم ومثابرة فيه، فكان واسع الاطلاع عظيم الحفظ، قال ابن حجر في (التهذيب):
(وقال أحمد: لم يكن في زمن ابن المبارك أطلب للعلم منه، رحل إلى اليمن، وإلى مصر والشام والبصرة والكوفة؛ وكان من رواة العلم، وكان أهلَ ذاك؛ كتب عن الصغار والكبار وجمع أمراً عظيماً؛ ما كان أحد أقل سقطاً من ابن المبارك؛ وكان يحدث من حفظه، ولم يكن ينظر في كتاب----.
وعن الثوري قال: ابن المبارك أعلم أهل المشرق وأهل المغرب.
وعن ابن عيينة قال: ابن المبارك عالم المشرق والمغرب وما بينهما----.
وعن أبي أسامة قال: كان ابن المبارك في أصحاب الحديث مثل أمير المؤمنين في الناس----.
3- كان يحب الاشتغال بالحديث الصحيح دون غيره من الضعاف والغرائب، قال ابن حجر في (تهذيب التهذيب): وكان ابن المبارك يقول: (لنا في صحيح الحديث شغل عن سقيمه).
[قلت: إلا أنه أورد في كتابه (الزهد) أحاديث ضعيفة، ولعل عذره في ذلك أن الكتاب في الترغيب والترهيب والفضائل؛ فمثله صنيع الإمام أحمد في (زهده)].
وقال: العلم ما يجيئك من ها هنا وها هنا، يعني المشهور.
4- كان ابن المبارك من أهل الورع في النقد والتوقي فيه، ولعله لم يكن ليتكلم في أحد من الرواة إلا عند وضوح الحاجة إلى ذلك، ولذلك كان من مزاياه في نقده أنه كان فيه عف اللسان خفيف اللفظة، يكاد يستغني بالإشارة إلى جرح الراوي عن التصريح به، فإذا اقتضى أمر الدين وواجب النصح أن يجرح ويحذر لم يقصر، ولكن مع التزام الأدب والورع والتقوى والإنصاف.
قال عبد الله بن الإمام أحمد كما في ترجمة عبد السلام بن حرب من (ضعفاء العقيلي) و(تهذيب الكمال) (18/68) عن الحسن بن عيسى: سمعت عبد الله بن المبارك وسألته عن عبد السلام بن حرب الملائي، فقال: قد عرفته؛ وكان إذا قال: قد عرفته، فقد أهلكه).
وقال عبد الله أيضاً: قال أبي: وقيل لابن المبارك في عبد السلام؟ فقال: ما تحملني رجلي إليه).
وقال مسلم في مقدمة (الصحيح) (1/11): (وقال محمد [يعني ابن عببد الله بن قهزاذ]: سمعت علي بن شقيق يقول: سمعت عبد الله بن المبارك يقول على رؤوس الناس: دعوا حديث عمرو بن ثابت، فإنه كان يسب السلف).
وقال مسلم (1/12): (وحدثني محمد بن عبد الله بن قهزاذ من أهل مرو قال: أخبرني علي بن حسين بن واقد قال: قال عبد الله بن المبارك: قلت لسفيان الثوري: إن عباد بن كثير من تعرف حاله، وإذا حدث جاء بأمر عظيم فترى أن أقول للناس: لا تأخذوا عنه؟ قال سفيان: بلى؛ قال عبد الله: فكنت إذا كنت في مجلس ذكر فيه عباد أثنيت عليه في دينه وأقول: لا تأخذوا عنه!.
وقال محمد حدثنا عبد الله بن عثمان قال: قال أبي: قال عبد الله بن المبارك: انتهيت إلى شعبة فقال: هذا عباد بن كثير فاحذروه).
وقال مسلم في مقدمة (صحيحه) (1/18): (حدثني أحمد بن يوسف الأزدي قال سمعت عبد الرزاق يقول: ما رأيت ابن المبارك يفصح بقوله (كذاب) إلا لعبد القدوس، فإني سمعته يقول له: كذاب).
5- كان ابن المبارك في نقده معتدلاً بل لعله كان فيه أقرب إلى التساهل، وقد وصفه ابن حزم في (المحلى) (7/241) بجمود اللسان وشدة التوقي؛ ووصفه العلامة المعلمي في تعليقه على (الفوائد المجموعة) (ص214) بأنه ليس ممن يشدد يعني في نقد الرواة؛ وعبارة المعلمي هذه قد تكون مشعرة بأن ابن المبارك كان فيه شيء يسير من التساهل في الكلام على الرواة؛ والله أعلم.
6- كان ابن المبارك لا يرضى أن يُحمل عنه شيء في المذاكرة؛ قال الذهبي في (السير) (13/80): (وقال احمد بن محمد بن سليمان: سمعت أبا زرعة يقول: لا تكتبوا عني بالمذاكرة، فإني أخاف أن تحملوا خطأ، هذا ابن المبارك كره أن يحمل عنه بالمذاكرة، وقال لي إبراهيم بن موسى: لا تحملوا عني بالمذاكرة شيئاً).
****************
هذا وقد عقد ابن أبي حاتم في تقدمة (الجرح والتعديل) باباً أسماه (باب ما ذكر من معرفة ابن المبارك برواة الآثار وناقلة الأخبار وكلامه فيهم) فانظره فيها (ج1 ص269-274) منه.
*****************
ومما اشتهر من كلمات ابن المبارك رحمه الله تعالى أنه قيل له: هذه الأحاديث المصنوعة؟ قال: تعيش لها الجهابذة.
ومن أقواله التي اشتهرت عنه: (الإسناد عندي من الدين، لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء، فإذا قيل له: من حدثك؟ بقي).
أخرجه مسلم في مقدمة الصحيح وكثير من المصنفين؛ وقد جمع طرق هذا الخبر عدد من المعاصرين، ومنهم من افرده بالتصنيف.
*****************
ومن أقواله المهمة قوله (حديث أهل المدينة أصح وإسنادهم أقرب)؛ ذكره السيوطي في (التدريب) (1/85).
وقوله (ما رأيت رجلاً أطعن في الرجال من شعبة)؛ رواه عنه أبو زرعة في (الضعفاء) (ص618).
******************
وهذه جملة الآثار التي رواها عن ابن المبارك رحمه الله الإمامُ مسلم رحمه الله في مقدمة (صحيحه)؛ لعل فيها بعض الإبانة عن رتبة هذا الإمام في النقد وعن طريقته فيه:
قال مسلم:
(وحدثني محمد بن عبدالله بن قهزاذ، من أهل مرو، قال: سمعت عبدان بن عثمان يقول: سمعت عبدالله بن المبارك يقول: الإسناد من الدين؛ ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء.
وقال محمد بن عبدالله: حدثني العباس بن أبي رزمة؛ قال: سمعت عبدالله يقول: بيننا وبين القوم القوائم؛ يعني الإسناد.
وقال محمد: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن عيسى الطالقاني؛ قال: قلت لعبدالله بن المبارك: يا أبا عبدالرحمن! الحديث الذي جاء "إن من البر بعد البر، أن تصلي لأبويك مع صلاتك، وتصوم لهما مع صومك" قال: فقال عبدالله: يا أبا إسحاق عمن هذا؟ قال: قلت له: هذا من حديث شهاب بن خراش؛ فقال: ثقة؛ عمن؟ قال: قلت: عن الحجاج بن دينار؛ قال: ثقة؛ عمن؟ قال: قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: يا أبا إسحاق! إن بين الحجاج بن دينار وبين النبي صلى الله عليه وسلم مفاوز، تنقطع فيها أعناق المطي، ولكن ليس في الصدقة اختلاف.
وقال محمد: سمعت علي بن شقيق يقول: سمعت عبدالله بن المبارك يقول على رؤوس الناس: دعوا حديث عمرو بن ثابت فإنه كان يسب السلف).
ثم قال في موضع آخر من المقدمة أيضاً:
(وحدثني محمد بن عبدالله بن قهزاذ، من أهل مرو، قال: أخبرني علي بن حسين بن واقد، قال: قال عبدالله بن المبارك: قلت لسفيان الثوري: إن عباد بن كثير من تعرف حاله؛ وإذا حدث جاء بأمر عظيم؛ فترى أن أقول للناس: لا تأخذوا عنه؟ قال سفيان: بلى؛ قال عبدالله: فكنت إذا كنت في مجلس ذكر فيه عباد، أثنيت عليه في دينه، وأقول: لا تأخذوا عنه.
وقال محمد: حدثنا عبدالله بن عثمان قال: قال أبي: قال عبدالله بن المبارك: انتهيت إلى شعبة، فقال: هذا عباد بن كثير فاحذروه).
ثم قال في موضع ثالث منها:
(حدثني محمد بن عبدالله بن قهزاذ، قال: سمعت عبدالله بن عثمان بن جبلة يقول: قلت لعبدالله بن المبارك: من هذا الرجل الذي رويت عنه حديث عبدالله بن عمرو (يوم الفطر يوم الجوائز)؟ قال: سليمان بن الحجاج؛ انظر ما وضعت في يدك منه.
قال ابن قهزاذ: وسمعت وهب بن زمعة يذكر عن سفيان بن عبدالملك قال: قال عبدالله، يعني ابن المبارك: رأيت رَوح بن غطيف، صاحب الدم قدر الدرهم، وجلست إليه مجلساً، فجعلت أستحيي من أصحابي أن يروني جالساً معه، كره حديثه.
حدثني ابن قهزاذ قال: سمعت وهباً يقول عن سفيان، عن ابن المبارك؛ قال: بقية صدوق اللسان؛ ولكنه يأخذ عمن أقبل وأدبر).
ثم قال في موضع رابع منها:
(وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال: سمعت بعض أصحاب عبدالله قال: قال ابن المبارك: نعم الرجل بقية، لولا أنه كان يكني الأسامي ويسمي الكنى؛ كان دهراً يحدثنا عن أبي سعيد الوحاظي؛ فنظرنا فإذا هو عبدالقدوس.
وحدثني أحمد بن يوسف الأزدي قال: سمعت عبدالرزاق يقول: ما رأيت ابن المبارك يفصح بقوله: كذاب إلا لعبدالقدوس، فإني سمعته يقول له: كذاب).
ثم قال في موضع آخر منها:
(وحدثني محمد بن عبدالله بن قهزاذ قال: سمعت أبا إسحاق الطالقاني يقول: سمعت ابن المبارك يقول: لو خيرت بين أن أدخل الجنة وبين أن ألقى عبدالله بن محرر، لاخترت أن ألقاه ثم أدخل الجنة؛ فلما رأيته، كانت بعرة أحب إلي منه).
ثم قال في موضع آخر منها:
(قال [يعني بشر بن الحكم]: وسمعت الحسن بن عيسى يقول: قال لي ابن المبارك: إذا قدمت على جرير فاكتب علمه كله إلا حديث ثلاثة؛ لا تكتب حديث عبيدة بن معتب؛ والسري بن إسماعيل؛ ومحمد بن سالم).
***************
وأختم ما تقدم عن هذا الحبر الجليل بترجمة كتبها له بعض الأئمة وهو الإمام الحافظ ابن رجب؛ فقد قال في (شرح علل الترمذي) (1/473-478) بعد تراجم بعض الأئمة:
(فهذا ما أشار إليه الترمذي من تراجم بعض أعيان الأئمة الحفاظ المقتدى بهم في هذا العلم؛ وذكر أنه ذكره على وجه الاختصار، ليُستدل به على منازلهم وتفاوت مراتبهم في الحفظ.
ونذكر بعض تراجم الأئمة الذين تكرر ذكرهم في هذا الكتاب في أثناء الأبواب، وحكي عنهم الكلام في الجرح والتعديل والعلل، ولم يذكرهم ها هنا.
(فمنهم عبد الله بن المبارك الخراساني أبو عبد الرحمن إمام خراسان الجامع بين الخلال الحسان.
قال ابن عيينة: (كان فقيهاً، عالماً، زاهداً، سخياً، شجاعاً، شاعراً).
وقال أحمد: (لم يكن في زمن ابن المبارك أطلب للعلم منه، رحل إلى اليمن، وإلى مصر والشام والبصرة والكوفة، وكان من رواة العلم، وكان أهل ذاك).
كتب عن الصغار والكبار، وجمع أمراً عظيماً، ما كان أحد أقل سقطاً من ابن المبارك؛ وكان يحدث من حفظه، لم يكن ينظر في كتاب).
وقال أيضاً: (ما أخرجب خراسان مثل ابن المبارك).
وعن الثوري قال: (ابن المبارك أعلم أهل المشرق وأهل المغرب).
وعن ابن عيينة قال: (ابن المبارك عالم المشرق والمغرب وما بينهما).
وقال ابن مهدي: (ما رأيت مثل ابن المبارك!)، فقيل له: ولا سفيان ولا شعبة؟! فقال: (ولا سفيان ولا شعبة).
وقال معتمر بن سليمان: (ما رأيت مثل ابن المبارك، نصيب عنده الشيء الذي لا يصاب عند أحد).
وقال أبو الوليد الطيالسي: (ما رأيت أجمع من ابن المبارك).
وروى ابن الطباع عن ابن مهدي قال: (الأئمة أربعة: الثوري ومالك، وحماد بن زيد، وابن المبارك).
وقال أبو إسحاق الفزاري: (ابن المبارك إمام المسلمين).
وقال نعيم بن حماد: (قلت لابن مهدي: أيهما أفضل عندك ابن المبارك أو سفيان؟ قال: ابن المبارك؛ قلت: إن الناس يخالفونك! قال: إن الناس لم يجربوا، ما رأيت مثل ابن المبارك).
وعنه قال: (ابن المبارك أثبت من الثوري).
وقال سُنيد: عن شعيب بن حرب سمعت سفيان الثوري يقول: (لو جهدت جهدي أن أكون في السَّنة ثلاثة أيام على ما عليه بن المبارك لم أقدر عليه!).
وقال ابن عيينة: (لا ترى عينك مثل ابن المبارك).
وسئل ابن معين: من أثبت في حيوة، ابن المبارك أو ابن وهب؟ قال: (ابن المبارك أثبت منه – يعني ابن وهب – في جميع ما يروي، ثم قال: ابن المبارك بابه يحيى بن سعيد القطان، يعني أنه يشبهه).
وقال أسود بن سالم: (كان ابن المبارك إماماً يقتدى به، كان من أثبت الناس في السنة؛ إذا رأيت رجلاً يغمز ابن المبارك بشيء فاتهمه على الإسلام).
وقال الأوزاعي لرجل: (لو رأيت ابن المبارك لقرّت عينك).
ولما مات ابن المبارك قال الفضيل بن عياض: (ما خلّف بعده مثله).
وعن ابن عيينة قال: (نظرت في الصحابة فما رأيت لهم فضلاً على ابن المبارك إلا صحبتهم للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وغزوهم معه!).
وعن أبي أسامه قال: (كان ابن المبارك في أصحاب الحديث مثل أمير المؤمنين في الناس!).
وقال شعيب بن حرب: (ما لقي ابن المبارك رجلاً إلا وابن المبارك أفضل منه).
وقال الحسن بن عياش: (لم يأخذ ابن المبارك في فن من الفنون إلا يخّيل إليك أن علمه كان فيه).
وقال إسماعيل بن عياش: (ما على وجه الأرض مثل ابن المبارك، ولا أعلم أن الله خلق خصلة من خصال الخير إلا وقد جعلها فيه).
وقال عبد العزيز بن أبي زرمة: (لم تكن خصلة من خصال البر إلا جمعت في ابن المبارك: حياء، وكرم، وحسن خلق، وحسن صحبة، وحسن مجالسة، والزهد، والورع، وكل شيء).
وقال الحسن بن عيسى: (اجتمع جماعة من أصحاب ابن المبارك: مثل الفضل بن موسى، ومخلد بن حسين، ومحمد بن النضر، فقالوا: تعالوا حتى نعد خصال ابن المبارك من أبواب الخير، فقالوا: جمع العلم والأدب والنحو واللغة والزهد والشعر والفصاحة والورع والإنصاف وقيام الليل والعبادة والحج والغزو والشجاعة والفروسية والشدة في بدنه وترك الكلام فيما لا يعنيه وقلة الخلاف على أصحابه).
وقال العباس بن مصعب: (جمع ابن المبارك الحديث والفقه والعربية وأيام الناس والشجاعة والتجارة والسخاء والمحبة عند الفرق).
وقال ابن المديني: (ابن المبارك أوسع علماً من ابن مهدي ويحيى بن آدم).
وقال جعفر الطيالسي: قلت لابن معين: (إذا اختلف يحيى القطان ووكيع؟ قال: القول قول يحيى؛ قلت: إذا اختلف عبد الرحمن ويحيى؟ قال: يحتاج من يفصل بينهما، قلت: أبو نعيم وعبد الرحمن؟ قال: يحتاج من يفصل بينهما، قلت: ابن المبارك؟ قال: ذاك أمير المؤمنين).
وقال النسائي: (أثبت أصحاب الأوزارعي ابن المبارك).
وقال إبراهيم الحربي عن أحمد: (إذا اختلف أصحاب معمر فالقول قول ابن المبارك).
قال نعيم بن حماد: قال ابن المبارك: (قال لي أبي: لئن وجدت كتبك لأحرقها! فقلت له: وما عليّ من ذلك وهو في صدري).
وكان ابن المبارك يقول: (لنا في صحيح الحديث شغل عن سقيمة). وقال: (العلم ما يجيئك من هاهنا وهاهنا،يعني المشهور؛ وقيل له: (هذه الأحاديث المصنوعة! قال: تعيش لها الجهابذة).
وفضائله ومناقبه كثيرة جداً، وله تصانيف كثيرة في فنون العلم؛ رضي الله عنه).
انتهى كلام ابن رجب بنصه.
ولابن المبارك تراجم مبسوطة في كتب كثيرة؛ راجع ترجمته في التاريخ الكبير ج5ص212 والتاريخ الصغير ج2ص225 وتاريخ الثقات للعجلي ص275-276 الجرح والتعديل ج1ص260-280 وج5ص179 ومشاهير علماء الأمصار ص194 وحلية الأولياء ج8ص162 والارشاد للخليلي ج1ص272 وج3ص887-890 وتاريخ بغداد ج10ص152 وتهذيب الكمال وفروعه وتذكرة الحفاظ ج1ض274 وسير أعلام النبلاء ج8ص378-421 والعبر ج1ص280 وشذرات الذهب ج1ص295 .
بل قد أفرد ترجمته بالتأليف غير واحد من العلماء والمؤرخين والباحثين، منهم الحافظ الذهبي فقد ألف في ترجمته كتاباً أسماه (قضِّ نهارك بأخبار ابن المبارك)، ذكره الصفدي في (الوافي بالوفيات) (2/164) وفي (نكْت الهميان) (ص243) وابن شاكر الكتبي في (عيون التواريخ) وغيرُهما.
ومما يحسن التنبيه عليه هنا أن الذهبي كان قد افرد بالتأليف سير جماعة من الأئمة وغيرهم من الأعلام، وقد ضاع بعضها إلا انه - بحسب ما قاله الصفدي في ترجمة الذهبي من (الوافي بالوفيات) وابن شاكر الكتبي فيها من (فوات الوفيات) - أدخل الجميع في (سير أعلام النبلاء).
قال الصفدي في الموضعين المشار إليهما: (وله [يعني للذهبي] تراجم في الأعيان، لكل واحد مصنف قائم الذات، مثل الأئمة الأربعة ومن جرى مجراهم، ولكنه أدخل الكل في (النبلاء)---)؛. وكذا قال ابن شاكر الكتبي.
ولكن قال د . بشار في (الذهبي ومنهجه) (ص202): (وقول الصفدي هذا لا يعني أن الذهبي أدخل التراجم والسير المستقلة بأكملها في (سير أعلام النبلاء) لكنه قد يكون أدخل مختصراتها)؛ ثم ذكر على هذا أدلة قوية واضحة.
وقال الذهبي في (التذكرة) (1/274-279):
(والله إني لأحبه في الله، وأرجو الخير بحبه، لما منحه الله من التقوى والعبادة والإخلاص والجهاد وسعة العلم والاتقان والمواساة والفتوة والصفات الحميدة)؛ ثم راح يذكر من مناقبه وثناء الأئمة عليه وعلى علمه وحفظه وإتقانه؛ رحمه الله تعالى.
*******
وأما خصائصه في علمه بالرجال والعلل فيتلخص أهمها بما يلي:
1- كان ابن المبارك من كبار الحفاظ ومن العارفين بالحديث وعلله، وانظر ما يأتي من كلام ابن رجب في آخر هذا البحث.
2-كان من أكثر أهل عصره اجتهاداً في طلب العلم ومثابرة فيه، فكان واسع الاطلاع عظيم الحفظ، قال ابن حجر في (التهذيب):
(وقال أحمد: لم يكن في زمن ابن المبارك أطلب للعلم منه، رحل إلى اليمن، وإلى مصر والشام والبصرة والكوفة؛ وكان من رواة العلم، وكان أهلَ ذاك؛ كتب عن الصغار والكبار وجمع أمراً عظيماً؛ ما كان أحد أقل سقطاً من ابن المبارك؛ وكان يحدث من حفظه، ولم يكن ينظر في كتاب----.
وعن الثوري قال: ابن المبارك أعلم أهل المشرق وأهل المغرب.
وعن ابن عيينة قال: ابن المبارك عالم المشرق والمغرب وما بينهما----.
وعن أبي أسامة قال: كان ابن المبارك في أصحاب الحديث مثل أمير المؤمنين في الناس----.
3- كان يحب الاشتغال بالحديث الصحيح دون غيره من الضعاف والغرائب، قال ابن حجر في (تهذيب التهذيب): وكان ابن المبارك يقول: (لنا في صحيح الحديث شغل عن سقيمه).
[قلت: إلا أنه أورد في كتابه (الزهد) أحاديث ضعيفة، ولعل عذره في ذلك أن الكتاب في الترغيب والترهيب والفضائل؛ فمثله صنيع الإمام أحمد في (زهده)].
وقال: العلم ما يجيئك من ها هنا وها هنا، يعني المشهور.
4- كان ابن المبارك من أهل الورع في النقد والتوقي فيه، ولعله لم يكن ليتكلم في أحد من الرواة إلا عند وضوح الحاجة إلى ذلك، ولذلك كان من مزاياه في نقده أنه كان فيه عف اللسان خفيف اللفظة، يكاد يستغني بالإشارة إلى جرح الراوي عن التصريح به، فإذا اقتضى أمر الدين وواجب النصح أن يجرح ويحذر لم يقصر، ولكن مع التزام الأدب والورع والتقوى والإنصاف.
قال عبد الله بن الإمام أحمد كما في ترجمة عبد السلام بن حرب من (ضعفاء العقيلي) و(تهذيب الكمال) (18/68) عن الحسن بن عيسى: سمعت عبد الله بن المبارك وسألته عن عبد السلام بن حرب الملائي، فقال: قد عرفته؛ وكان إذا قال: قد عرفته، فقد أهلكه).
وقال عبد الله أيضاً: قال أبي: وقيل لابن المبارك في عبد السلام؟ فقال: ما تحملني رجلي إليه).
وقال مسلم في مقدمة (الصحيح) (1/11): (وقال محمد [يعني ابن عببد الله بن قهزاذ]: سمعت علي بن شقيق يقول: سمعت عبد الله بن المبارك يقول على رؤوس الناس: دعوا حديث عمرو بن ثابت، فإنه كان يسب السلف).
وقال مسلم (1/12): (وحدثني محمد بن عبد الله بن قهزاذ من أهل مرو قال: أخبرني علي بن حسين بن واقد قال: قال عبد الله بن المبارك: قلت لسفيان الثوري: إن عباد بن كثير من تعرف حاله، وإذا حدث جاء بأمر عظيم فترى أن أقول للناس: لا تأخذوا عنه؟ قال سفيان: بلى؛ قال عبد الله: فكنت إذا كنت في مجلس ذكر فيه عباد أثنيت عليه في دينه وأقول: لا تأخذوا عنه!.
وقال محمد حدثنا عبد الله بن عثمان قال: قال أبي: قال عبد الله بن المبارك: انتهيت إلى شعبة فقال: هذا عباد بن كثير فاحذروه).
وقال مسلم في مقدمة (صحيحه) (1/18): (حدثني أحمد بن يوسف الأزدي قال سمعت عبد الرزاق يقول: ما رأيت ابن المبارك يفصح بقوله (كذاب) إلا لعبد القدوس، فإني سمعته يقول له: كذاب).
5- كان ابن المبارك في نقده معتدلاً بل لعله كان فيه أقرب إلى التساهل، وقد وصفه ابن حزم في (المحلى) (7/241) بجمود اللسان وشدة التوقي؛ ووصفه العلامة المعلمي في تعليقه على (الفوائد المجموعة) (ص214) بأنه ليس ممن يشدد يعني في نقد الرواة؛ وعبارة المعلمي هذه قد تكون مشعرة بأن ابن المبارك كان فيه شيء يسير من التساهل في الكلام على الرواة؛ والله أعلم.
6- كان ابن المبارك لا يرضى أن يُحمل عنه شيء في المذاكرة؛ قال الذهبي في (السير) (13/80): (وقال احمد بن محمد بن سليمان: سمعت أبا زرعة يقول: لا تكتبوا عني بالمذاكرة، فإني أخاف أن تحملوا خطأ، هذا ابن المبارك كره أن يحمل عنه بالمذاكرة، وقال لي إبراهيم بن موسى: لا تحملوا عني بالمذاكرة شيئاً).
****************
هذا وقد عقد ابن أبي حاتم في تقدمة (الجرح والتعديل) باباً أسماه (باب ما ذكر من معرفة ابن المبارك برواة الآثار وناقلة الأخبار وكلامه فيهم) فانظره فيها (ج1 ص269-274) منه.
*****************
ومما اشتهر من كلمات ابن المبارك رحمه الله تعالى أنه قيل له: هذه الأحاديث المصنوعة؟ قال: تعيش لها الجهابذة.
ومن أقواله التي اشتهرت عنه: (الإسناد عندي من الدين، لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء، فإذا قيل له: من حدثك؟ بقي).
أخرجه مسلم في مقدمة الصحيح وكثير من المصنفين؛ وقد جمع طرق هذا الخبر عدد من المعاصرين، ومنهم من افرده بالتصنيف.
*****************
ومن أقواله المهمة قوله (حديث أهل المدينة أصح وإسنادهم أقرب)؛ ذكره السيوطي في (التدريب) (1/85).
وقوله (ما رأيت رجلاً أطعن في الرجال من شعبة)؛ رواه عنه أبو زرعة في (الضعفاء) (ص618).
******************
وهذه جملة الآثار التي رواها عن ابن المبارك رحمه الله الإمامُ مسلم رحمه الله في مقدمة (صحيحه)؛ لعل فيها بعض الإبانة عن رتبة هذا الإمام في النقد وعن طريقته فيه:
قال مسلم:
(وحدثني محمد بن عبدالله بن قهزاذ، من أهل مرو، قال: سمعت عبدان بن عثمان يقول: سمعت عبدالله بن المبارك يقول: الإسناد من الدين؛ ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء.
وقال محمد بن عبدالله: حدثني العباس بن أبي رزمة؛ قال: سمعت عبدالله يقول: بيننا وبين القوم القوائم؛ يعني الإسناد.
وقال محمد: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن عيسى الطالقاني؛ قال: قلت لعبدالله بن المبارك: يا أبا عبدالرحمن! الحديث الذي جاء "إن من البر بعد البر، أن تصلي لأبويك مع صلاتك، وتصوم لهما مع صومك" قال: فقال عبدالله: يا أبا إسحاق عمن هذا؟ قال: قلت له: هذا من حديث شهاب بن خراش؛ فقال: ثقة؛ عمن؟ قال: قلت: عن الحجاج بن دينار؛ قال: ثقة؛ عمن؟ قال: قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: يا أبا إسحاق! إن بين الحجاج بن دينار وبين النبي صلى الله عليه وسلم مفاوز، تنقطع فيها أعناق المطي، ولكن ليس في الصدقة اختلاف.
وقال محمد: سمعت علي بن شقيق يقول: سمعت عبدالله بن المبارك يقول على رؤوس الناس: دعوا حديث عمرو بن ثابت فإنه كان يسب السلف).
ثم قال في موضع آخر من المقدمة أيضاً:
(وحدثني محمد بن عبدالله بن قهزاذ، من أهل مرو، قال: أخبرني علي بن حسين بن واقد، قال: قال عبدالله بن المبارك: قلت لسفيان الثوري: إن عباد بن كثير من تعرف حاله؛ وإذا حدث جاء بأمر عظيم؛ فترى أن أقول للناس: لا تأخذوا عنه؟ قال سفيان: بلى؛ قال عبدالله: فكنت إذا كنت في مجلس ذكر فيه عباد، أثنيت عليه في دينه، وأقول: لا تأخذوا عنه.
وقال محمد: حدثنا عبدالله بن عثمان قال: قال أبي: قال عبدالله بن المبارك: انتهيت إلى شعبة، فقال: هذا عباد بن كثير فاحذروه).
ثم قال في موضع ثالث منها:
(حدثني محمد بن عبدالله بن قهزاذ، قال: سمعت عبدالله بن عثمان بن جبلة يقول: قلت لعبدالله بن المبارك: من هذا الرجل الذي رويت عنه حديث عبدالله بن عمرو (يوم الفطر يوم الجوائز)؟ قال: سليمان بن الحجاج؛ انظر ما وضعت في يدك منه.
قال ابن قهزاذ: وسمعت وهب بن زمعة يذكر عن سفيان بن عبدالملك قال: قال عبدالله، يعني ابن المبارك: رأيت رَوح بن غطيف، صاحب الدم قدر الدرهم، وجلست إليه مجلساً، فجعلت أستحيي من أصحابي أن يروني جالساً معه، كره حديثه.
حدثني ابن قهزاذ قال: سمعت وهباً يقول عن سفيان، عن ابن المبارك؛ قال: بقية صدوق اللسان؛ ولكنه يأخذ عمن أقبل وأدبر).
ثم قال في موضع رابع منها:
(وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال: سمعت بعض أصحاب عبدالله قال: قال ابن المبارك: نعم الرجل بقية، لولا أنه كان يكني الأسامي ويسمي الكنى؛ كان دهراً يحدثنا عن أبي سعيد الوحاظي؛ فنظرنا فإذا هو عبدالقدوس.
وحدثني أحمد بن يوسف الأزدي قال: سمعت عبدالرزاق يقول: ما رأيت ابن المبارك يفصح بقوله: كذاب إلا لعبدالقدوس، فإني سمعته يقول له: كذاب).
ثم قال في موضع آخر منها:
(وحدثني محمد بن عبدالله بن قهزاذ قال: سمعت أبا إسحاق الطالقاني يقول: سمعت ابن المبارك يقول: لو خيرت بين أن أدخل الجنة وبين أن ألقى عبدالله بن محرر، لاخترت أن ألقاه ثم أدخل الجنة؛ فلما رأيته، كانت بعرة أحب إلي منه).
ثم قال في موضع آخر منها:
(قال [يعني بشر بن الحكم]: وسمعت الحسن بن عيسى يقول: قال لي ابن المبارك: إذا قدمت على جرير فاكتب علمه كله إلا حديث ثلاثة؛ لا تكتب حديث عبيدة بن معتب؛ والسري بن إسماعيل؛ ومحمد بن سالم).
***************
وأختم ما تقدم عن هذا الحبر الجليل بترجمة كتبها له بعض الأئمة وهو الإمام الحافظ ابن رجب؛ فقد قال في (شرح علل الترمذي) (1/473-478) بعد تراجم بعض الأئمة:
(فهذا ما أشار إليه الترمذي من تراجم بعض أعيان الأئمة الحفاظ المقتدى بهم في هذا العلم؛ وذكر أنه ذكره على وجه الاختصار، ليُستدل به على منازلهم وتفاوت مراتبهم في الحفظ.
ونذكر بعض تراجم الأئمة الذين تكرر ذكرهم في هذا الكتاب في أثناء الأبواب، وحكي عنهم الكلام في الجرح والتعديل والعلل، ولم يذكرهم ها هنا.
(فمنهم عبد الله بن المبارك الخراساني أبو عبد الرحمن إمام خراسان الجامع بين الخلال الحسان.
قال ابن عيينة: (كان فقيهاً، عالماً، زاهداً، سخياً، شجاعاً، شاعراً).
وقال أحمد: (لم يكن في زمن ابن المبارك أطلب للعلم منه، رحل إلى اليمن، وإلى مصر والشام والبصرة والكوفة، وكان من رواة العلم، وكان أهل ذاك).
كتب عن الصغار والكبار، وجمع أمراً عظيماً، ما كان أحد أقل سقطاً من ابن المبارك؛ وكان يحدث من حفظه، لم يكن ينظر في كتاب).
وقال أيضاً: (ما أخرجب خراسان مثل ابن المبارك).
وعن الثوري قال: (ابن المبارك أعلم أهل المشرق وأهل المغرب).
وعن ابن عيينة قال: (ابن المبارك عالم المشرق والمغرب وما بينهما).
وقال ابن مهدي: (ما رأيت مثل ابن المبارك!)، فقيل له: ولا سفيان ولا شعبة؟! فقال: (ولا سفيان ولا شعبة).
وقال معتمر بن سليمان: (ما رأيت مثل ابن المبارك، نصيب عنده الشيء الذي لا يصاب عند أحد).
وقال أبو الوليد الطيالسي: (ما رأيت أجمع من ابن المبارك).
وروى ابن الطباع عن ابن مهدي قال: (الأئمة أربعة: الثوري ومالك، وحماد بن زيد، وابن المبارك).
وقال أبو إسحاق الفزاري: (ابن المبارك إمام المسلمين).
وقال نعيم بن حماد: (قلت لابن مهدي: أيهما أفضل عندك ابن المبارك أو سفيان؟ قال: ابن المبارك؛ قلت: إن الناس يخالفونك! قال: إن الناس لم يجربوا، ما رأيت مثل ابن المبارك).
وعنه قال: (ابن المبارك أثبت من الثوري).
وقال سُنيد: عن شعيب بن حرب سمعت سفيان الثوري يقول: (لو جهدت جهدي أن أكون في السَّنة ثلاثة أيام على ما عليه بن المبارك لم أقدر عليه!).
وقال ابن عيينة: (لا ترى عينك مثل ابن المبارك).
وسئل ابن معين: من أثبت في حيوة، ابن المبارك أو ابن وهب؟ قال: (ابن المبارك أثبت منه – يعني ابن وهب – في جميع ما يروي، ثم قال: ابن المبارك بابه يحيى بن سعيد القطان، يعني أنه يشبهه).
وقال أسود بن سالم: (كان ابن المبارك إماماً يقتدى به، كان من أثبت الناس في السنة؛ إذا رأيت رجلاً يغمز ابن المبارك بشيء فاتهمه على الإسلام).
وقال الأوزاعي لرجل: (لو رأيت ابن المبارك لقرّت عينك).
ولما مات ابن المبارك قال الفضيل بن عياض: (ما خلّف بعده مثله).
وعن ابن عيينة قال: (نظرت في الصحابة فما رأيت لهم فضلاً على ابن المبارك إلا صحبتهم للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وغزوهم معه!).
وعن أبي أسامه قال: (كان ابن المبارك في أصحاب الحديث مثل أمير المؤمنين في الناس!).
وقال شعيب بن حرب: (ما لقي ابن المبارك رجلاً إلا وابن المبارك أفضل منه).
وقال الحسن بن عياش: (لم يأخذ ابن المبارك في فن من الفنون إلا يخّيل إليك أن علمه كان فيه).
وقال إسماعيل بن عياش: (ما على وجه الأرض مثل ابن المبارك، ولا أعلم أن الله خلق خصلة من خصال الخير إلا وقد جعلها فيه).
وقال عبد العزيز بن أبي زرمة: (لم تكن خصلة من خصال البر إلا جمعت في ابن المبارك: حياء، وكرم، وحسن خلق، وحسن صحبة، وحسن مجالسة، والزهد، والورع، وكل شيء).
وقال الحسن بن عيسى: (اجتمع جماعة من أصحاب ابن المبارك: مثل الفضل بن موسى، ومخلد بن حسين، ومحمد بن النضر، فقالوا: تعالوا حتى نعد خصال ابن المبارك من أبواب الخير، فقالوا: جمع العلم والأدب والنحو واللغة والزهد والشعر والفصاحة والورع والإنصاف وقيام الليل والعبادة والحج والغزو والشجاعة والفروسية والشدة في بدنه وترك الكلام فيما لا يعنيه وقلة الخلاف على أصحابه).
وقال العباس بن مصعب: (جمع ابن المبارك الحديث والفقه والعربية وأيام الناس والشجاعة والتجارة والسخاء والمحبة عند الفرق).
وقال ابن المديني: (ابن المبارك أوسع علماً من ابن مهدي ويحيى بن آدم).
وقال جعفر الطيالسي: قلت لابن معين: (إذا اختلف يحيى القطان ووكيع؟ قال: القول قول يحيى؛ قلت: إذا اختلف عبد الرحمن ويحيى؟ قال: يحتاج من يفصل بينهما، قلت: أبو نعيم وعبد الرحمن؟ قال: يحتاج من يفصل بينهما، قلت: ابن المبارك؟ قال: ذاك أمير المؤمنين).
وقال النسائي: (أثبت أصحاب الأوزارعي ابن المبارك).
وقال إبراهيم الحربي عن أحمد: (إذا اختلف أصحاب معمر فالقول قول ابن المبارك).
قال نعيم بن حماد: قال ابن المبارك: (قال لي أبي: لئن وجدت كتبك لأحرقها! فقلت له: وما عليّ من ذلك وهو في صدري).
وكان ابن المبارك يقول: (لنا في صحيح الحديث شغل عن سقيمة). وقال: (العلم ما يجيئك من هاهنا وهاهنا،يعني المشهور؛ وقيل له: (هذه الأحاديث المصنوعة! قال: تعيش لها الجهابذة).
وفضائله ومناقبه كثيرة جداً، وله تصانيف كثيرة في فنون العلم؛ رضي الله عنه).
انتهى كلام ابن رجب بنصه.