ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    عبد الله بن المبارك (118-181)

    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    عبد الله بن المبارك (118-181)  Empty عبد الله بن المبارك (118-181)

    مُساهمة من طرف أحمد السبت فبراير 02, 2013 1:25 pm

    عَبْدُ اللّهِ بنُ المُبَارَك بن وَاضِح الحَنْظَلِيّ التّمِيْمِيّ، مولاَهُم أَبو عَبْدِ الرّحْمَن المَرْوَزِيّ، أحد الأئمة الذين قلَّ بعد الصحابة والتابعين نظراؤهم وطاب مدح العلماء لهم وطال عليهم ثناؤهم، وقد اجتمع في هذا الإمام من حميد الصفات وعجيب الكمالات ما يندر أن يحصل لغيره فرضي الله تعالى عنه وعن سائر أئمة هذه الأمة، ونفعنا الله بما ورثوه وبلغوه من علوم النبوة.
    ولابن المبارك تراجم مبسوطة في كتب كثيرة؛ راجع ترجمته في التاريخ الكبير ج5ص212 والتاريخ الصغير ج2ص225 وتاريخ الثقات للعجلي ص275-276 الجرح والتعديل ج1ص260-280 وج5ص179 ومشاهير علماء الأمصار ص194 وحلية الأولياء ج8ص162 والارشاد للخليلي ج1ص272 وج3ص887-890 وتاريخ بغداد ج10ص152 وتهذيب الكمال وفروعه وتذكرة الحفاظ ج1ض274 وسير أعلام النبلاء ج8ص378-421 والعبر ج1ص280 وشذرات الذهب ج1ص295 .
    بل قد أفرد ترجمته بالتأليف غير واحد من العلماء والمؤرخين والباحثين، منهم الحافظ الذهبي فقد ألف في ترجمته كتاباً أسماه (قضِّ نهارك بأخبار ابن المبارك)، ذكره الصفدي في (الوافي بالوفيات) (2/164) وفي (نكْت الهميان) (ص243) وابن شاكر الكتبي في (عيون التواريخ) وغيرُهما.
    ومما يحسن التنبيه عليه هنا أن الذهبي كان قد افرد بالتأليف سير جماعة من الأئمة وغيرهم من الأعلام، وقد ضاع بعضها إلا انه - بحسب ما قاله الصفدي في ترجمة الذهبي من (الوافي بالوفيات) وابن شاكر الكتبي فيها من (فوات الوفيات) - أدخل الجميع في (سير أعلام النبلاء).
    قال الصفدي في الموضعين المشار إليهما: (وله [يعني للذهبي] تراجم في الأعيان، لكل واحد مصنف قائم الذات، مثل الأئمة الأربعة ومن جرى مجراهم، ولكنه أدخل الكل في (النبلاء)---)؛. وكذا قال ابن شاكر الكتبي.
    ولكن قال د . بشار في (الذهبي ومنهجه) (ص202): (وقول الصفدي هذا لا يعني أن الذهبي أدخل التراجم والسير المستقلة بأكملها في (سير أعلام النبلاء) لكنه قد يكون أدخل مختصراتها)؛ ثم ذكر على هذا أدلة قوية واضحة.
    وقال الذهبي في (التذكرة) (1/274-279):
    (والله إني لأحبه في الله، وأرجو الخير بحبه، لما منحه الله من التقوى والعبادة والإخلاص والجهاد وسعة العلم والاتقان والمواساة والفتوة والصفات الحميدة)؛ ثم راح يذكر من مناقبه وثناء الأئمة عليه وعلى علمه وحفظه وإتقانه؛ رحمه الله تعالى.
    *******
    وأما خصائصه في علمه بالرجال والعلل فيتلخص أهمها بما يلي:

    1- كان ابن المبارك من كبار الحفاظ ومن العارفين بالحديث وعلله، وانظر ما يأتي من كلام ابن رجب في آخر هذا البحث.

    2-كان من أكثر أهل عصره اجتهاداً في طلب العلم ومثابرة فيه، فكان واسع الاطلاع عظيم الحفظ، قال ابن حجر في (التهذيب):
    (وقال أحمد: لم يكن في زمن ابن المبارك أطلب للعلم منه، رحل إلى اليمن، وإلى مصر والشام والبصرة والكوفة؛ وكان من رواة العلم، وكان أهلَ ذاك؛ كتب عن الصغار والكبار وجمع أمراً عظيماً؛ ما كان أحد أقل سقطاً من ابن المبارك؛ وكان يحدث من حفظه، ولم يكن ينظر في كتاب----.
    وعن الثوري قال: ابن المبارك أعلم أهل المشرق وأهل المغرب.
    وعن ابن عيينة قال: ابن المبارك عالم المشرق والمغرب وما بينهما----.
    وعن أبي أسامة قال: كان ابن المبارك في أصحاب الحديث مثل أمير المؤمنين في الناس----.

    3- كان يحب الاشتغال بالحديث الصحيح دون غيره من الضعاف والغرائب، قال ابن حجر في (تهذيب التهذيب): وكان ابن المبارك يقول: (لنا في صحيح الحديث شغل عن سقيمه).
    [قلت: إلا أنه أورد في كتابه (الزهد) أحاديث ضعيفة، ولعل عذره في ذلك أن الكتاب في الترغيب والترهيب والفضائل؛ فمثله صنيع الإمام أحمد في (زهده)].
    وقال: العلم ما يجيئك من ها هنا وها هنا، يعني المشهور.

    4- كان ابن المبارك من أهل الورع في النقد والتوقي فيه، ولعله لم يكن ليتكلم في أحد من الرواة إلا عند وضوح الحاجة إلى ذلك، ولذلك كان من مزاياه في نقده أنه كان فيه عف اللسان خفيف اللفظة، يكاد يستغني بالإشارة إلى جرح الراوي عن التصريح به، فإذا اقتضى أمر الدين وواجب النصح أن يجرح ويحذر لم يقصر، ولكن مع التزام الأدب والورع والتقوى والإنصاف.
    قال عبد الله بن الإمام أحمد كما في ترجمة عبد السلام بن حرب من (ضعفاء العقيلي) و(تهذيب الكمال) (18/68) عن الحسن بن عيسى: سمعت عبد الله بن المبارك وسألته عن عبد السلام بن حرب الملائي، فقال: قد عرفته؛ وكان إذا قال: قد عرفته، فقد أهلكه).
    وقال عبد الله أيضاً: قال أبي: وقيل لابن المبارك في عبد السلام؟ فقال: ما تحملني رجلي إليه).
    وقال مسلم في مقدمة (الصحيح) (1/11): (وقال محمد [يعني ابن عببد الله بن قهزاذ]: سمعت علي بن شقيق يقول: سمعت عبد الله بن المبارك يقول على رؤوس الناس: دعوا حديث عمرو بن ثابت، فإنه كان يسب السلف).
    وقال مسلم (1/12): (وحدثني محمد بن عبد الله بن قهزاذ من أهل مرو قال: أخبرني علي بن حسين بن واقد قال: قال عبد الله بن المبارك: قلت لسفيان الثوري: إن عباد بن كثير من تعرف حاله، وإذا حدث جاء بأمر عظيم فترى أن أقول للناس: لا تأخذوا عنه؟ قال سفيان: بلى؛ قال عبد الله: فكنت إذا كنت في مجلس ذكر فيه عباد أثنيت عليه في دينه وأقول: لا تأخذوا عنه!.
    وقال محمد حدثنا عبد الله بن عثمان قال: قال أبي: قال عبد الله بن المبارك: انتهيت إلى شعبة فقال: هذا عباد بن كثير فاحذروه).
    وقال مسلم في مقدمة (صحيحه) (1/18): (حدثني أحمد بن يوسف الأزدي قال سمعت عبد الرزاق يقول: ما رأيت ابن المبارك يفصح بقوله (كذاب) إلا لعبد القدوس، فإني سمعته يقول له: كذاب).

    5- كان ابن المبارك في نقده معتدلاً بل لعله كان فيه أقرب إلى التساهل، وقد وصفه ابن حزم في (المحلى) (7/241) بجمود اللسان وشدة التوقي؛ ووصفه العلامة المعلمي في تعليقه على (الفوائد المجموعة) (ص214) بأنه ليس ممن يشدد يعني في نقد الرواة؛ وعبارة المعلمي هذه قد تكون مشعرة بأن ابن المبارك كان فيه شيء يسير من التساهل في الكلام على الرواة؛ والله أعلم.

    6- كان ابن المبارك لا يرضى أن يُحمل عنه شيء في المذاكرة؛ قال الذهبي في (السير) (13/80): (وقال احمد بن محمد بن سليمان: سمعت أبا زرعة يقول: لا تكتبوا عني بالمذاكرة، فإني أخاف أن تحملوا خطأ، هذا ابن المبارك كره أن يحمل عنه بالمذاكرة، وقال لي إبراهيم بن موسى: لا تحملوا عني بالمذاكرة شيئاً).
    ****************
    هذا وقد عقد ابن أبي حاتم في تقدمة (الجرح والتعديل) باباً أسماه (باب ما ذكر من معرفة ابن المبارك برواة الآثار وناقلة الأخبار وكلامه فيهم) فانظره فيها (ج1 ص269-274) منه.
    *****************
    ومما اشتهر من كلمات ابن المبارك رحمه الله تعالى أنه قيل له: هذه الأحاديث المصنوعة؟ قال: تعيش لها الجهابذة.
    ومن أقواله التي اشتهرت عنه: (الإسناد عندي من الدين، لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء، فإذا قيل له: من حدثك؟ بقي).
    أخرجه مسلم في مقدمة الصحيح وكثير من المصنفين؛ وقد جمع طرق هذا الخبر عدد من المعاصرين، ومنهم من افرده بالتصنيف.
    *****************
    ومن أقواله المهمة قوله (حديث أهل المدينة أصح وإسنادهم أقرب)؛ ذكره السيوطي في (التدريب) (1/85).
    وقوله (ما رأيت رجلاً أطعن في الرجال من شعبة)؛ رواه عنه أبو زرعة في (الضعفاء) (ص618).
    ******************
    وهذه جملة الآثار التي رواها عن ابن المبارك رحمه الله الإمامُ مسلم رحمه الله في مقدمة (صحيحه)؛ لعل فيها بعض الإبانة عن رتبة هذا الإمام في النقد وعن طريقته فيه:

    قال مسلم:
    (وحدثني محمد بن عبدالله بن قهزاذ، من أهل مرو، قال: سمعت عبدان بن عثمان يقول: سمعت عبدالله بن المبارك يقول: الإسناد من الدين؛ ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء.
    وقال محمد بن عبدالله: حدثني العباس بن أبي رزمة؛ قال: سمعت عبدالله يقول: بيننا وبين القوم القوائم؛ يعني الإسناد.
    وقال محمد: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن عيسى الطالقاني؛ قال: قلت لعبدالله بن المبارك: يا أبا عبدالرحمن! الحديث الذي جاء "إن من البر بعد البر، أن تصلي لأبويك مع صلاتك، وتصوم لهما مع صومك" قال: فقال عبدالله: يا أبا إسحاق عمن هذا؟ قال: قلت له: هذا من حديث شهاب بن خراش؛ فقال: ثقة؛ عمن؟ قال: قلت: عن الحجاج بن دينار؛ قال: ثقة؛ عمن؟ قال: قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: يا أبا إسحاق! إن بين الحجاج بن دينار وبين النبي صلى الله عليه وسلم مفاوز، تنقطع فيها أعناق المطي، ولكن ليس في الصدقة اختلاف.
    وقال محمد: سمعت علي بن شقيق يقول: سمعت عبدالله بن المبارك يقول على رؤوس الناس: دعوا حديث عمرو بن ثابت فإنه كان يسب السلف).

    ثم قال في موضع آخر من المقدمة أيضاً:
    (وحدثني محمد بن عبدالله بن قهزاذ، من أهل مرو، قال: أخبرني علي بن حسين بن واقد، قال: قال عبدالله بن المبارك: قلت لسفيان الثوري: إن عباد بن كثير من تعرف حاله؛ وإذا حدث جاء بأمر عظيم؛ فترى أن أقول للناس: لا تأخذوا عنه؟ قال سفيان: بلى؛ قال عبدالله: فكنت إذا كنت في مجلس ذكر فيه عباد، أثنيت عليه في دينه، وأقول: لا تأخذوا عنه.
    وقال محمد: حدثنا عبدالله بن عثمان قال: قال أبي: قال عبدالله بن المبارك: انتهيت إلى شعبة، فقال: هذا عباد بن كثير فاحذروه).

    ثم قال في موضع ثالث منها:
    (حدثني محمد بن عبدالله بن قهزاذ، قال: سمعت عبدالله بن عثمان بن جبلة يقول: قلت لعبدالله بن المبارك: من هذا الرجل الذي رويت عنه حديث عبدالله بن عمرو (يوم الفطر يوم الجوائز)؟ قال: سليمان بن الحجاج؛ انظر ما وضعت في يدك منه.
    قال ابن قهزاذ: وسمعت وهب بن زمعة يذكر عن سفيان بن عبدالملك قال: قال عبدالله، يعني ابن المبارك: رأيت رَوح بن غطيف، صاحب الدم قدر الدرهم، وجلست إليه مجلساً، فجعلت أستحيي من أصحابي أن يروني جالساً معه، كره حديثه.
    حدثني ابن قهزاذ قال: سمعت وهباً يقول عن سفيان، عن ابن المبارك؛ قال: بقية صدوق اللسان؛ ولكنه يأخذ عمن أقبل وأدبر).

    ثم قال في موضع رابع منها:
    (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال: سمعت بعض أصحاب عبدالله قال: قال ابن المبارك: نعم الرجل بقية، لولا أنه كان يكني الأسامي ويسمي الكنى؛ كان دهراً يحدثنا عن أبي سعيد الوحاظي؛ فنظرنا فإذا هو عبدالقدوس.
    وحدثني أحمد بن يوسف الأزدي قال: سمعت عبدالرزاق يقول: ما رأيت ابن المبارك يفصح بقوله: كذاب إلا لعبدالقدوس، فإني سمعته يقول له: كذاب).

    ثم قال في موضع آخر منها:
    (وحدثني محمد بن عبدالله بن قهزاذ قال: سمعت أبا إسحاق الطالقاني يقول: سمعت ابن المبارك يقول: لو خيرت بين أن أدخل الجنة وبين أن ألقى عبدالله بن محرر، لاخترت أن ألقاه ثم أدخل الجنة؛ فلما رأيته، كانت بعرة أحب إلي منه).

    ثم قال في موضع آخر منها:
    (قال [يعني بشر بن الحكم]: وسمعت الحسن بن عيسى يقول: قال لي ابن المبارك: إذا قدمت على جرير فاكتب علمه كله إلا حديث ثلاثة؛ لا تكتب حديث عبيدة بن معتب؛ والسري بن إسماعيل؛ ومحمد بن سالم).

    ***************
    وأختم ما تقدم عن هذا الحبر الجليل بترجمة كتبها له بعض الأئمة وهو الإمام الحافظ ابن رجب؛ فقد قال في (شرح علل الترمذي) (1/473-478) بعد تراجم بعض الأئمة:
    (فهذا ما أشار إليه الترمذي من تراجم بعض أعيان الأئمة الحفاظ المقتدى بهم في هذا العلم؛ وذكر أنه ذكره على وجه الاختصار، ليُستدل به على منازلهم وتفاوت مراتبهم في الحفظ.
    ونذكر بعض تراجم الأئمة الذين تكرر ذكرهم في هذا الكتاب في أثناء الأبواب، وحكي عنهم الكلام في الجرح والتعديل والعلل، ولم يذكرهم ها هنا.
    (فمنهم عبد الله بن المبارك الخراساني أبو عبد الرحمن إمام خراسان الجامع بين الخلال الحسان.
    قال ابن عيينة: (كان فقيهاً، عالماً، زاهداً، سخياً، شجاعاً، شاعراً).
    وقال أحمد: (لم يكن في زمن ابن المبارك أطلب للعلم منه، رحل إلى اليمن، وإلى مصر والشام والبصرة والكوفة، وكان من رواة العلم، وكان أهل ذاك).
    كتب عن الصغار والكبار، وجمع أمراً عظيماً، ما كان أحد أقل سقطاً من ابن المبارك؛ وكان يحدث من حفظه، لم يكن ينظر في كتاب).
    وقال أيضاً: (ما أخرجب خراسان مثل ابن المبارك).
    وعن الثوري قال: (ابن المبارك أعلم أهل المشرق وأهل المغرب).
    وعن ابن عيينة قال: (ابن المبارك عالم المشرق والمغرب وما بينهما).
    وقال ابن مهدي: (ما رأيت مثل ابن المبارك!)، فقيل له: ولا سفيان ولا شعبة؟! فقال: (ولا سفيان ولا شعبة).
    وقال معتمر بن سليمان: (ما رأيت مثل ابن المبارك، نصيب عنده الشيء الذي لا يصاب عند أحد).
    وقال أبو الوليد الطيالسي: (ما رأيت أجمع من ابن المبارك).
    وروى ابن الطباع عن ابن مهدي قال: (الأئمة أربعة: الثوري ومالك، وحماد بن زيد، وابن المبارك).
    وقال أبو إسحاق الفزاري: (ابن المبارك إمام المسلمين).
    وقال نعيم بن حماد: (قلت لابن مهدي: أيهما أفضل عندك ابن المبارك أو سفيان؟ قال: ابن المبارك؛ قلت: إن الناس يخالفونك! قال: إن الناس لم يجربوا، ما رأيت مثل ابن المبارك).
    وعنه قال: (ابن المبارك أثبت من الثوري).
    وقال سُنيد: عن شعيب بن حرب سمعت سفيان الثوري يقول: (لو جهدت جهدي أن أكون في السَّنة ثلاثة أيام على ما عليه بن المبارك لم أقدر عليه!).
    وقال ابن عيينة: (لا ترى عينك مثل ابن المبارك).
    وسئل ابن معين: من أثبت في حيوة، ابن المبارك أو ابن وهب؟ قال: (ابن المبارك أثبت منه – يعني ابن وهب – في جميع ما يروي، ثم قال: ابن المبارك بابه يحيى بن سعيد القطان، يعني أنه يشبهه).
    وقال أسود بن سالم: (كان ابن المبارك إماماً يقتدى به، كان من أثبت الناس في السنة؛ إذا رأيت رجلاً يغمز ابن المبارك بشيء فاتهمه على الإسلام).
    وقال الأوزاعي لرجل: (لو رأيت ابن المبارك لقرّت عينك).
    ولما مات ابن المبارك قال الفضيل بن عياض: (ما خلّف بعده مثله).
    وعن ابن عيينة قال: (نظرت في الصحابة فما رأيت لهم فضلاً على ابن المبارك إلا صحبتهم للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وغزوهم معه!).
    وعن أبي أسامه قال: (كان ابن المبارك في أصحاب الحديث مثل أمير المؤمنين في الناس!).
    وقال شعيب بن حرب: (ما لقي ابن المبارك رجلاً إلا وابن المبارك أفضل منه).
    وقال الحسن بن عياش: (لم يأخذ ابن المبارك في فن من الفنون إلا يخّيل إليك أن علمه كان فيه).
    وقال إسماعيل بن عياش: (ما على وجه الأرض مثل ابن المبارك، ولا أعلم أن الله خلق خصلة من خصال الخير إلا وقد جعلها فيه).
    وقال عبد العزيز بن أبي زرمة: (لم تكن خصلة من خصال البر إلا جمعت في ابن المبارك: حياء، وكرم، وحسن خلق، وحسن صحبة، وحسن مجالسة، والزهد، والورع، وكل شيء).
    وقال الحسن بن عيسى: (اجتمع جماعة من أصحاب ابن المبارك: مثل الفضل بن موسى، ومخلد بن حسين، ومحمد بن النضر، فقالوا: تعالوا حتى نعد خصال ابن المبارك من أبواب الخير، فقالوا: جمع العلم والأدب والنحو واللغة والزهد والشعر والفصاحة والورع والإنصاف وقيام الليل والعبادة والحج والغزو والشجاعة والفروسية والشدة في بدنه وترك الكلام فيما لا يعنيه وقلة الخلاف على أصحابه).
    وقال العباس بن مصعب: (جمع ابن المبارك الحديث والفقه والعربية وأيام الناس والشجاعة والتجارة والسخاء والمحبة عند الفرق).
    وقال ابن المديني: (ابن المبارك أوسع علماً من ابن مهدي ويحيى بن آدم).
    وقال جعفر الطيالسي: قلت لابن معين: (إذا اختلف يحيى القطان ووكيع؟ قال: القول قول يحيى؛ قلت: إذا اختلف عبد الرحمن ويحيى؟ قال: يحتاج من يفصل بينهما، قلت: أبو نعيم وعبد الرحمن؟ قال: يحتاج من يفصل بينهما، قلت: ابن المبارك؟ قال: ذاك أمير المؤمنين).
    وقال النسائي: (أثبت أصحاب الأوزارعي ابن المبارك).
    وقال إبراهيم الحربي عن أحمد: (إذا اختلف أصحاب معمر فالقول قول ابن المبارك).
    قال نعيم بن حماد: قال ابن المبارك: (قال لي أبي: لئن وجدت كتبك لأحرقها! فقلت له: وما عليّ من ذلك وهو في صدري).
    وكان ابن المبارك يقول: (لنا في صحيح الحديث شغل عن سقيمة). وقال: (العلم ما يجيئك من هاهنا وهاهنا،يعني المشهور؛ وقيل له: (هذه الأحاديث المصنوعة! قال: تعيش لها الجهابذة).
    وفضائله ومناقبه كثيرة جداً، وله تصانيف كثيرة في فنون العلم؛ رضي الله عنه).
    انتهى كلام ابن رجب بنصه.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    عبد الله بن المبارك (118-181)  Empty رد: عبد الله بن المبارك (118-181)

    مُساهمة من طرف أحمد السبت فبراير 02, 2013 1:29 pm

    عبد الله بن المبارك ( ع )

    ابن واضح الإمام شيخ الإسلام، عالم زمانه ، وأمير الأتقياء في وقته أبو عبد الرحمن الحنظلي ، مولاهم التركي ، ثم المروزي ، الحافظ ، الغازي ، أحد الأعلام ، وكانت أمه خوارزمية . مولده في سنة ثمان عشرة ومائة فطلب العلم وهو ابن عشرين سنة . فأقدم شيخ لقيه : هو الربيع بن أنس الخراساني ، تحيل ودخل إليه إلى السجن ، فسمع منه نحوا من أربعين حديثا ، ثم ارتحل في سنة إحدى وأربعين ومائة ، وأخذ عن بقايا التابعين ، وأكثر من الترحال والتطواف إلى أن مات في طلب العلم ، وفي الغزو ، وفي التجارة ، والإنفاق على الإخوان في الله ، وتجهيزهم معه إلى الحج .

    سمع من : سليمان التيمي ، وعاصم الأحول ، وحميد الطويل ، وهشام بن عروة ، والجريري ، وإسماعيل بن أبي خالد ، والأعمش ، وبريد بن عبد الله بن أبي بردة ، وخالد الحذاء ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وعبد الله بن عون ، وموسى بن عقبة ، وأجلح الكندي ، وحسين المعلم ، وحنظلة السدوسي ، وحيوة بن شريح المصري ، وكهمس ، والأوزاعي ، وأبي حنيفة ، وابن جريج ، ومعمر ، والثوري ، وشعبة ، وابن أبي ذئب ، ويونس الأيلي ، والحمادَين ، ومالك ، والليث ، وابن لهيعة ، وهشيم ، وإسماعيل بن عياش ، وابن عيينة ، وبقية بن الوليد ، وخلق كثير . وصنف التصانيف النافعة الكثيرة .

    حدث عنه : معمر ، والثوري ، وأبو إسحاق الفزاري ، وطائفة من شيوخه ، وبقية ، وابن وهب ، وابن مهدي ، وطائفة من أقرانه ، وأبو داود ، وعبد الرزاق بن همام ، والقطان ، وعفان ، وابن معين ، وحبان بن موسى ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، ويحيى بن آدم ، وأبو أسامة ، وأبو سلمة المنقري ، ومسلم بن إبراهيم ، وعبدان ، والحسن بن الربيع البوراني ، وأحمد بن منيع ، وعلي بن حجر ، والحسن بن عيسى بن ماسرجس ، والحسين بن الحسن المروزي ، والحسن بن عرفة ، وإبراهيم بن مجشِّر ، ويعقوب الدورقي ، وأمم يتعذر إحصاؤهم ، ويشق استقصاؤهم . وحديثه حجة بالإجماع ، وهو في المسانيد والأصول . ويقع لنا حديثه عاليا . وبيني وبينه بالإجازة العالية ستة أنفس .

    أنبأنا أحمد بن سلامة وعدة ، عن عبد المنعم بن كليب ، أخبرنا ابن بيان ، أخبرنا ابن مخلد ، أخبرنا إسماعيل الصفار ، حدثنا ابن عرفة ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن يونس بن يزيد الأيلي ، عن الزهري ، عن سهل بن سعد الساعدي ، عن أبي بن كعب ، قال : إنما كانت الفتيا في الماء من الماء رخصة في أول الإسلام ، ثم نهي عنها .

    أخرجه الترمذي عن أحمد بن منيع ، عن ابن المبارك ، ورواته ثقات . لكن له علة ، لم يسمعه ابن شهاب من سهل . ارتحل ابن المبارك إلى الحرمين ، والشام ، ومصر ، والعراق والجزيرة ، وخراسان ، وحدث بأماكن . قال قَعْنب بن المحرر : ابن المبارك مولى بني عبد شمس من تميم . وقال البخاري : ولاؤه لبني حنظلة . وقال العباس بن مصعب في "تاريخ مرو" : كانت أم عبد الله بن المبارك خوارزمية ، وأبوه تركي ، وكان عبدا لرجل تاجر من همذان ، من بني حنظلة ، فكان عبد الله إذا قدم همذان يخضع لوالديه ، ويعظمهم .

    أخبرنا أبو الغنائم المسلم بن محمد القيسي ، وغيره كتابة ، أخبرنا أبو اليمن الكندي ، أخبرنا أبو منصور الشيباني ، حدثنا أبو بكر الخطيب ، حدثني أبو عبد الله أحمد بن أحمد السيبي ، حدثنا محمد بن أحمد بن حماد بن سفيان بالكوفة ، حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد ، حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن قتيبة ، حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رِزْمة ، سمعت أبي ، سمعت ابن المبارك يقول : نظر أبو حنيفة إلى أبي ، فقال : أدت أمه إليك الأمانة ، وكان أشبه الناس بعبد الله . قال أبو حفص الفلاس ، وأحمد بن حنبل : ولد ابن المبارك سنة ثمان عشرة ومائة . وأما الحاكم ، فروى عن أبي أحمد الحمادي ، سمعت محمد بن موسى الباشاني ، سمعت عبدان بن عثمان يقول : سمعت عبد الله يقول : ولدت سنة تسع عشرة ومائة .

    وقال الفسوي : حدثنا بشر بن أبي الأزهر ، قال : قال ابن المبارك : ذاكرني عبد الله بن إدريس السنن ، فقلت : إن العجم لا يكادون يحفظون ذلك ، لكني أذكر أني لبست السواد وأنا صغير عندما خرج أبو مسلم ، وكان أخذ الناس كلهم بلبس السواد ، الصغار والكبار .

    نعيم بن حماد قال : كان ابن المبارك يكثر الجلوس في بيته ، فقيل له : ألا تستوحش ؟ فقال : كيف أستوحش وأنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه ؟ !

    قال أحمد بن سنان القطان : بلغني أن ابن المبارك أتى حماد بن زيد ، فنظر إليه ، فأعجبه سمْته فقال : من أين أنت ؟ قال : من أهل خراسان ، من مرو . قال : تعرف رجلا يقال له : عبد الله بن المبارك ؟ قال : نعم . قال : ما فعل ؟ قال : هو الذي يخاطبك ، قال : فسلم عليه ، ورحب به .

    وقال إسماعيل الخطبي : بلغني عن ابن المبارك أنه حضر عند حماد بن زيد ، فقال أصحاب الحديث لحماد : سل أبا عبد الرحمن أن يحدثنا . فقال : يا أبا عبد الرحمن ، تحدثهم ، فإنهم قد سألوني ؟ قال : سبحان الله ، يا أبا إسماعيل ، أحدث وأنت حاضر ؟ ! فقال : أقسمت عليك لتفعلن . فقال : خذوا . حدثنا أبو إسماعيل حماد بن زيد ، فما حدث بحرف إلا عن حماد .

    قال أبو العباس بن مسروق : حدثنا ابن حميد ، قال : عطس رجل عند ابن المبارك ، فقال له ابن المبارك : أيش يقول الرجل إذا عطس ؟ قال : الحمد لله ، فقال له : يرحمك الله .

    قال أحمد العجلي : ابن المبارك ثقة ثبت في الحديث ، رجل صالح يقول الشعر ، وكان جامعا للعلم .

    قال العباس بن مصعب : جمع عبد الله الحديث ، والفقه ، والعربية ، وأيام الناس ، والشجاعة ، والسخاء ، والتجارة ، والمحبة عند الفرق .

    قال محمد بن عبد الوهاب الفراء : ما أخرجت خراسان مثل هؤلاء الثلاثة : ابن المبارك ، والنضر بن شميل ، ويحيى بن يحيى .

    عثمان الدارمي : سمعت نعيم بن حماد ، سمعت يحيى بن آدم يقول : كنت إذا طلبت دقيق المسائل ، فلم أجده في كتب ابن المبارك ، أيست منه . علي بن زيد الفرائضي : حدثنا علي بن صدقة ، سمعت شعيب بن حرب قال : ما لقي ابن المبارك رجلا إلا وابن المبارك أفضل منه . وقال : وسمعت أبا أسامة يقول : ابن المبارك في المحدثين مثل أمير المؤمنين في الناس .

    عمر بن مدرك : حدثنا القاسم بن عبد الرحمن ، حدثنا أشعث بن شعبة المصِّيصي ، قال : قدم الرشيد الرقة ، فانجفل الناس خلف بن المبارك ، وتقطعت النعال ، وارتفعت الغبرة ، فأشرفت أم ولد لأمير المؤمنين من برج من قصرالخشب ، فقالت : ما هذا ؟ قالوا : عالم من أهل خراسان ، قدم . قالت : هذا والله المُلْك ، لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بِشُرَط وأعوان .

    قال عثمان بن خرَّزاذ : حدثنا محمد بن حيان ، حدثنا عبد الرحمن بن زيد الجهضمي ، قال : قال الأوزاعي : رأيتَ ابن المبارك ؟ قلت : لا . قال: لو رأيته لقرت عينك . وقال عبد العزيز بن أبي رزمة : قال لي شعبة : ما قدم علينا من ناحيتكم مثل ابن المبارك .

    الدغولي : حدثنا عبد المجيد بن إبراهيم ، حدثنا وهب بن زمعة ، حدثنا معاذ بن خالد ، قال : تعرفت إلى إسماعيل بن عياش بعبد الله بن المبارك ، فقال إسماعيل : ما على وجه الأرض مثل ابن المبارك ، ولا أعلم أن الله خلق خصلة من خصال الخير إلا وقد جعلها في عبد الله بن المبارك . ولقد حدثني أصحابي أنهم صحبوه من مصر إلى مكة ، فكان يطعمهم الخبيص ، وهو الدهر صائم .

    قال الحاكم : أخبرني محمد بن أحمد بن عمر ، حدثنا محمد بن المنذر ، حدثني عمر بن سعيد الطائي ، حدثنا عمر بن حفص الصوفي بمنبج ، قال : خرج ابن المبارك من بغداد ، يريد المصيصة ، فصحبه الصوفية ، فقال لهم : أنتم لكم أنفس تحتشمون أن ينفق عليكم . يا غلام هات الطست ، فألقى عليه منديلا ، ثم قال : يلقي كل رجل منكم تحت المنديل ما معه ، فجعل الرجل يلقي عشرة دراهم ، والرجل يلقي عشرين ، فأنفق عليهم إلى المصيصة ، ثم قال : هذه بلاد نفير . فنقسم ما بقي ، فجعل يعطي الرجل عشرين دينارا ، فيقول : يا أبا عبد الرحمن ، إنما أعطيت عشرين درهما ، فيقول : وما تنكر أن يبارك الله للغازي في نفقته .

    قال الخطيب :أخبرنا عمر بن إبراهيم ، وأبو محمد الخلال ، قالوا : حدثنا إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الكاتب ، حدثنا أحمد بن الحسن المقرئ ، سمعت عبد الله بن أحمد الدورقي ، سمعت محمد بن علي بن الحسن بن شقيق ، سمعت أبي قال : كان ابن المبارك إذا كان وقت الحج ، اجتمع إليه إخوانه من أهل مرو ، فيقولون : نصحبك ، فيقول : هاتوا نفقاتكم ، فيأخذ نفقاتهم ، فيجعلها في صندوق ، ويقفل عليها ، ثم يكتري لهم ، ويخرجهم من مرو إلى بغداد ، فلا يزال ينفق عليهم ، ويطعمهم أطيب الطعام ، وأطيب الحلوى ، ثم يخرجهم من بغداد بأحسن زي وأكمل مروءة ، حتى يصلوا إلى مدينة الرسول -صلى الله عليه وسلم - فيقول لكل واحد : ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من المدينة من طرفها ؟ فيقول : كذا وكذا ، ثم يخرجهم إلى مكة ، فإذا قضوا حجهم ، قال لكل واحد منهم : ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من متاع مكة ؟ فيقول : كذا وكذا ، فيشتري لهم ، ثم يخرجهم من مكة ، فلا يزال ينفق عليهم إلى أن يصيروا إلى مرو ، فيجصص بيوتهم وأبوابهم ، فإذا كان بعد ثلاثة أيام ، عمل لهم وليمة وكساهم ، فإذا أكلوا وسروا ، دعا بالصندوق ، ففتحه ودفع إلى كل رجل منهم صرته ، عليها اسمه .

    قال أبي : أخبرني خادمه أنه عمل آخر سَفْره سافرها دعوةَ ، فقدَّم إلى الناس خمسة وعشرين خوانا فالوذج . فبلغنا أنه قال للفضيل : لولاك وأصحابك ما اتجرت . وكان ينفق على الفقراء في كل سنة مائة ألف درهم .

    علي بن خشرم : حدثني سلمة بن سليمان قال : جاء رجل إلى ابن المبارك ، فسأله أن يقضي دينا عليه ، فكتب له إلى وكيل له ، فلما ورد عليه الكتاب ، قال له الوكيل : كم الدين الذي سألته قضاءه ؟ قال : سبع مائة درهم ، وإذا عبد الله قد كتب له أن يعطيه سبعة آلاف درهم ، فراجعه الوكيل ، وقال : إن الغلات قد فنيت ، فكتب إليه عبد الله : إن كانت الغلات قد فنيت ، فإن العمر أيضا قد فني ، فأجز له ما سبق به قلمي .

    قال محمد بن المنذر : حدثني يعقوب بن إسحاق ، حدثني محمد بن عيسى ، قال : كان ابن المبارك كثير الاختلاف إلى طرسوس ، وكان ينزل الرقة في خان ، فكان شاب يختلف إليه ، ويقوم بحوائجه ، ويسمع منه الحديث ، فقدم عبد الله مرة ، فلم يره ، فخرج في النفير مستعجلا ، فلما رجع ، سأل عن الشاب ، فقال : محبوس على عشرة آلاف درهم ، فاستدل على الغريم ، ووزن له عشرة آلاف ، وحلفه ألا يخبر أحدا ما عاش ، فأخرج الرجل ، وسرى ابن المبارك ، فلحقه الفتى على مرحلتين من الرقة ، فقال لي : يا فتى ، أين كنت ؟ لم أرك . قال : يا أبا عبد الرحمن كنت محبوسا بدَين . قال : وكيف خلصت ؟ قال : جاء رجل ، فقضى ديني ، ولم أدر . قال : فاحمد الله . ولم يعلم الرجل إلا بعد موت عبد الله .

    أبو العباس السراج : سمعت إبراهيم بن بشار ، حدثني علي بن الفضيل ، سمعت أبي يقول لابن المبارك : أنت تأمرنا بالزهد والتقلل ، والبلغة ، ونراك تأتي بالبضائع ، كيف ذا ؟ قال : يا أبا علي ، إنما أفعل ذا لأصون وجهي ، وأكرم عرضي ، وأستعين به على طاعة ربي . قال : يا ابن المبارك ما أحسن ذا إن تم ذا .

    الفتح بن سخرف : حدثنا عباس بن يزيد ، حدثنا حبان بن موسى ، قال : عوتب ابن المبارك فيما يفرق من المال في البلدان دون بلده ، قال : إني أعرف مكان قوم لهم فضل وصدق ، طلبوا الحديث ، فأحسنوا طلبه لحاجة الناس إليهم احتاجوا ، فإن تركناهم ضاع علمهم ، وإن أعناهم بثوا العلم لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- لا أعلم بعد النبوة أفضل من بث العلم .

    عباس الدوري : سمعت يحيى يقول : ما رأيت أحدا يحدث لله إلا ستة نفر ، منهم : ابن المبارك .

    أبو حاتم : حدثنا ابن الطباع ، عن ابن مهدي قال : الأئمة أربعة : سفيان ، ومالك ، وحماد بن زيد ، وابن المبارك .

    وروي عن ابن مهدي قال : ما رأيت رجلا أعلم بالحديث من سفيان ، ولا أحسن عقلا من مالك ، ولا أقشف من شعبة ، ولا أنصح للأمة من ابن المبارك .

    وقال محمد بن المثنى : سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول : ما رأت عيناي مثل أربعة : ما رأيت أحفظ للحديث من الثوري ، ولا أشد تقشفا من شعبة ، ولا أعقل من مالك ، ولا أنصح للأمة من ابن المبارك .

    أبو نشيط : سمعت نعيم بن حماد : قلت لابن مهدي : أيهما أفضل ، ابن المبارك ، أو سفيان الثوري ؟ فقال : ابن المبارك . قلت : إن الناس يخالفونك ، قال : إنهم لم يجربوا ، ما رأيت مثل ابن المبارك .

    نوح بن حبيب : حدثنا ابن مهدي قال : حدثنا ابن المبارك ، وكان نسيج وحده .

    أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز : سمعت يحيى بن معين يقول : سمعت ابن مهدي يقول : ابن المبارك أعلم من سفيان الثوري .

    وقال محمد بن أعين : سمعت عبد الرحمن بن مهدي ، واجتمع إليه أصحاب الحديث ، فقالوا له : جالست الثوري ، وسمعت منه ، ومن ابن المبارك ، فأيهما أرجح ؟ قال : لو أن سفيان جهد على أن يكون يوما مثل عبد الله لم يقدر .

    ابن أبي العوام : حدثنا أبي ، سمعت شعيب بن حرب ، يقول : قال سفيان : إني لأشتهي من عمري كله أن أكون سنة مثل ابن المبارك ، فما أقدر أن أكون ولا ثلاثة أيام .

    محمد بن المنذر : حدثنا إبراهيم بن بحر الدمشقي ، حدثنا عمران بن موسى الطرسوسي ، قال : سأل رجل سفيان ، فقال : من أين أنت ؟ قال : من أهل المشرق ، قال : أو ليس عندكم أعلم أهل المشرق ؟ قال : ومن هو ؟ قال : عبد الله بن المبارك . قال : وهو أعلم أهل المشرق ؟ قال : نعم ، وأهل المغرب .

    قال محمد بن المنذر : وحدثني محمد بن أحمد بن الحسين القرشي ، حدثنا أحمد بن عبدة ، قال : كان فضيل وسفيان ومشيخة جلوسا في المسجد الحرام ، فطلع ابن المبارك من الثنية ، فقال سفيان : هذا رجل أهل المشرق . فقال فضيل : رجل أهل المشرق والمغرب وما بينهما .

    وقال علي بن زيد : حدثني عبد الرحمن بن أبي جميل قال : كنا حول ابن المبارك بمكة ، فقلنا له : يا عالم الشرق حدثنا -وسفيان قريب منا يسمع- فقال : ويحكم عالم المشرق والمغرب وما بينهما .

    وقال محمد بن عبد الله بن قهزاذ : سمعت أبا الوزير يقول : قدمت على سفيان بن عيينة ، فقالوا له : هذا وصي عبد الله ، فقال : رحم الله عبد الله ، ما خلَّف بخراسان مثله .

    أحمد بن أبي الحواري : حدثنا أبو عصمة ، قال : شهدت سفيان وفضيل بن عياض ، فقال سفيان لفضيل : يا أبا علي ، أي رجل ذهب -يعني ابن المبارك- قال : يا أبا محمد ، وبقي بعد ابن المبارك من يستحيى منه ؟ .

    محمد بن مخلد : حدثنا عبد الصمد بن حميد ، سمعت عبد الوهاب بن عبد الحكم يقول : لما مات ابن المبارك بلغني أن هارون أمير المؤمنين قال : مات سيد العلماء .

    المسيب بن واضح : سمعت أبا إسحاق الفزاري يقول : ابن المبارك إمام المسلمين أجمعين . قلت : هذا الإطلاق من أبي إسحاق معني بمسلمي زمانه .

    قال المسيب : ورأيت أبا إسحاق بين يدي ابن المبارك قاعدا يسأله .

    قال أبو وهب أحمد بن رافع -وراق سويد بن نصر- : سمعت علي بن إسحاق بن إبراهيم يقول : قال ابن عيينة : نظرت في أمر الصحابة ، وأمر عبد الله ، فما رأيت لهم عليه فضلا إلا بصحبتهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وغزوهم معه . محمود بن وَالان ، قال : سمعت عمار بن الحسن يمدح ابن المبارك ويقول : إذا سار عبد الله من مروَ ليلةً

    فقـد سـار منها نورهـا وجمالها إذا ذُكـر الأحبـارُ في كل بلدة

    فهم أنجـم فيهـا وأنـت هلالهـا

    هاشم بن مرثد : حدثنا عثمان بن طالوت ، سمعت علي بن المديني يقول : انتهى العلم إلى رجلين : إلى ابن المبارك ، ثم إلى ابن معين .

    وقال أحمد بن يحيى بن الجارود : قال علي بن المديني : عبد الله بن المبارك أوسع علما من عبد الرحمن بن مهدي ، ويحيى بن آدم .

    قال أبو سلمة التبوذكي : سمعت سلام بن أبي مطيع يقول : ما خلف ابن المبارك بالمشرق مثله .

    إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد : سمعت يحيى بن معين ، وذكروا عبد الله بن المبارك ، فقال رجل : إنه لم يكن حافظا ، فقال ابن معين : كان عبد الله -رحمه الله- كيسا مستثبتا ثقة ، وكان عالما صحيح الحديث ، وكانت كتبه التي يحدث بها عشرين ألفا أو واحدا وعشرين ألفا .

    قال أبو معشر حمدويه بن الخطاب البخاري : سمعت نصر بن المغيرة البخاري ، سمعت إبراهيم بن شماس يقول : رأيت أفقه الناس ابن المبارك ، وأورع الناس الفضيل ، وأحفظ الناس وكيع بن الجراح .

    أحمد بن أبي خيثمة : سمعت يحيى بن معين يقول - وذكر أصحاب سفيان - فقال : خمسة : ابن المبارك ، فبدأ به ، ووكيع ، ويحيى ، وابن مهدي ، وأبو نعيم .

    قال جعفر بن أبي عثمان : قلت لابن معين : اختلف القطان ووكيع ؟ قال : القول قول يحيى . قال : فإذا اختلف عبد الرحمن ويحيى ؟ قال : يحتاج من يفصل بينهما . قلت : فأبو نعيم وعبد الرحمن ؟ قال : يحتاج من يفصل بينهما . قلت : الأشجعي ؟ قال : مات الأشجعي ، ومات حديثه معه . قلت : ابن المبارك ؟ قال : ذاك أمير المؤمنين في الحديث .

    محمود بن والان : سمعت محمد بن موسى ، سمعت إبراهيم بن موسى يقول : كنت عند يحيى بن معين ، فجاءه رجل ، فقال : من أثبتُ في معمر ؟ ابن المبارك أو عبد الرزاق ؟ وكان يحيى متكئا فجلس وقال : كان ابن المبارك خيرا من عبد الرزاق ومن أهل قريته ، كان عبد الله سيدا من سادات المسلمين .

    وسئل إبراهيم الحربي : إذا اختلف أصحاب معمر ؟ قال : القول قول ابن المبارك .

    الدغولي : حدثنا يحيى بن زكريا ، حدثنا محمد بن النضر بن مساور ، قال : قال أبي : قلت لابن المبارك : هل تتحفظ الحديث ؟ فتغير لونه ، وقال : ما تحفظت حديثا قط ، إنما آخذ الكتاب فأنظر فيه ، فما اشتهيته علق بقلبي .

    قال الحسن بن عيسى : أخبرني صخر ، صديق ابن المبارك ، قال : كنا غلمانا في الكتاب ، فمررت أنا وابن المبارك ، ورجل يخطب ، فخطب خطبة طويلة ، فلما فرغ قال لي ابن المبارك : قد حفظتها ، فسمعه رجل من القوم فقال : هاتها ، فأعادها وقد حفظها .

    نعيم بن حماد : سمعت ابن المبارك قال : قال لي أبي : لئن وجدت كتبك ، لأحرقنها ، قلت : وما عليّ من ذلك وهي في صدري .

    وقال أبو وهب محمد بن مزاحم : العجب ممن يسمع الحديث من ابن المبارك عن رجل ، ثم يأتي ذلك الرجل حتى يحدثه [به] . قال ابن خراش : ابن المبارك مروزي ثقة .

    قال القاسم بن محمد بن عباد : سمعت سويد بن سعيد يقول : رأيت ابن المبارك بمكة أتى زمزم ، فاستقى شربة ، ثم استقبل القبلة فقال : اللهم إن ابن أبي الموال ، حدثنا عن محمد بن المنكدر عن جابر ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : ماء زمزم لما شرب له وهذا أشربه لعطش القيامة ، ثم شربه .

    كذا قال : ابن أبي الموال ، وصوابه ابن المؤمل عبد الله المكي ، والحديث به يعرف ، وهو من الضعفاء ، لكن يرويه عن أبي الزبير ، عن جابر ، فعلى كل حال خبر ابن المبارك فرد منكر ، ما أتى به سوى سويد ، رواه الميانجي ، عن ابن عباد .

    أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب : سمعت الخليل أبا محمد قال : كان عبد الله بن المبارك إذا خرج إلى مكة قال : بغض الحيـاة وخـوف الله أخرجني

    وبيع نفسي بما ليست له ثمنا إني وزنـت الـذي يبقـى ليعدلـه

    ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا

    قال نعيم بن حماد : كان ابن المبارك إذا قرأ كتاب الرقاق ، يصير كأنه ثور منحور ، أو بقرة منحورة من البكاء ، لا يجترئ أحد منا أن يسأله عن شيء إلا دفعه .

    أبو حاتم الرازي : حدثنا عبدة بن سليمان المروزي قال : كنا سرية مع ابن المبارك في بلاد الروم ، فصادفنا العدو ، فلما التقى الصفان ، خرج رجل من العدو ، فدعا إلى البراز ، فخرج إليه رجل فقتله ، ثم آخر فقتله ، ثم آخر فقتله ، ثم دعا إلى البِراز ، فخرج إليه رجل ، فطارده ساعة فطعنه فقتله ، فازدحم إليه الناس ، فنظرت فإذا هو عبد الله بن المبارك ، وإذا هو يكتم وجهه بكمه ، فأخذت بطرف كمه فمددته ، فإذا هو هو . فقال : وأنت يا أبا عمرو ممن يشنع علينا !!

    قال العباس بن مصعب : حدثني بعض أصحابنا قال : سمعت أبا وهب يقول : مر ابن المبارك برجل أعمى ، فقال له : أسألك أن تدعو لي أن يرد الله علي بصري ، فدعا الله فرد عليه بصره وأنا أنظر .

    وقال أبو حسان عيسى بن عبد الله البصري : سمعت الحسن بن عرفة يقول : قال لي ابن المبارك : استعرت قلما بأرض الشام ، فذهبت على أن أرده ، فلما قدمت مرو نظرت فإذا هو معي ، فرجعت إلى الشام حتى رددته [على صاحبه] .

    قال أسود بن سالم : كان ابن المبارك إماما يقتدى به ، كان من أثبت الناس في السنة ، إذا رأيت رجلا يغمز ابن المبارك فاتهمه على الإسلام .

    أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق بن محمد المصري بها ، أخبرنا الفتح بن عبد الله بن محمد الكاتب ببغداد ، أخبرنا أبو الفضل محمد بن عمر القاضي ، وأبو غالب محمد بن علي بن الداية ، وأبو عبد الله محمد بن أحمد الطرائفي (ح) وأخبرنا يحيى بن أبي منصور ، وعلي بن أحمد كتابة ، قالا : أخبرنا عمر بن طبرزد ، أخبرنا أبو منصور محمد بن عبد الملك المقرئ ، وأنبأنا يحيى ، أنبأنا عمر بن محمد ، أخبرنا يحيى بن علي بن الطراح ، وعبد الخالق بن عبد الصمد ، وأبو غالب بن البناء (ح) ، وأخبرنا أبو المرهف المقداد بن أبي القاسم القيسي ، أخبرنا بن محمد الرزاز (ح)، وأخبرنا المسلم بن محمد بن علان في كتابه ، وغيره ، أن داود بن أحمد بن محمد الوكيل ، أخبرهم قالوا : أخبرنا أبو الفضل الأرموي ، وكتب إلينا الفخر علي بن البخاري ، قال : أخبرتنا نعمة بنت علي بن يحيى بن علي ، أخبرنا جدي ، قال سبْعتهم : أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد المعدل ، أخبرنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري ، قال : حدثنا جعفر بن محمد الفريابي ، حدثنا محمد بن الحسن البلخي بسمرقند ، سنة ست وعشرين ومائتين ، أخبرنا عبد الله بن المبارك ، أخبرنا ابن لهيعة ، حدثنا أبو المصعب مشرح بن هاعان ، عن عقبة بن عامر الجهني قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : أكثر منافقي أمتي قراؤها .

    وبه إلى الفريابي : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا ابن لهيعة عن مشرح فذكره .

    وبه إلى الفريابي : حدثني أبو بكر سعيد بن يعقوب الطالقاني ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن الأوزاعي ، عن هارون بن رئاب ، أن عبد الله بن عمرو لما حضرته الوفاة قال : انظروا فلانا -لرجل من قريش- فإني كنت قلت له في ابنتي قولا كشبيه العِدة ، وما أحب أن ألقى الله تعالى بثلث النفاق ، وأشهدكم أني قد زوجته . هارون ثقة ، لكنه لم يلحق عبد الله بن عمرو . قال أحمد بن حنبل : لم يكن أحد في زمان ابن المبارك أطلب للعلم منه وعن شعبة قال : ما قدم علينا أحد مثل ابن المبارك . وقال أبو أسامة : ما رأيت رجلا أطلب للعلم من ابن المبارك ، وهو في المحدثين مثل أمير المؤمنين في الناس .

    قال الحسن بن عيسى بن ماسرْجس مولى ابن المبارك : اجتمع جماعة مثل الفضل بن موسى ، ومخلد بن الحسين ، فقالوا : تعالوا نعد خصال ابن المبارك من أبواب الخير ، فقالوا : العلم ، والفقه ، والأدب ، والنحو ، واللغة ، والزهد ، والفصاحة ، والشعر ، وقيام الليل ، والعبادة ، والحج ، والغزو ، والشجاعة ، والفروسية ، والقوة ، وترك الكلام فيما لا يعنيه ، والإنصاف ، وقلة الخلاف على أصحابه .

    قال نعيم بن حماد : قال رجل لابن المبارك : قرأتُ البارحة القرآن في ركعة ، فقال : لكني أعرف رجلا لم يزل البارحة يكرر أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ إلى الصبح ما قدر أن يتجاوزها -يعني نفسه .

    قال العباس بن مصعب : عن إبراهيم بن إسحاق البناني ، عن ابن المبارك قال : حملت العلم عن أربعة آلاف شيخ ، فرويت عن ألف شيخ ، ثم قال العباس : فتتبعتهم حتى وقع لي ثمان مائة شيخ له .

    قال حبيب الجلاب : سألت ابن المبارك : ما خير ما أعطي الإنسان ؟ قال : غريزة عقل . قلت : فإن لم يكن ؟ قال : حسن أدب . قلت : فإن لم يكن ؟ قال : أخ شفيق يستشيره . قلت : فإن لم يكن ؟ قال : صمت طويل . قلت : فإن لم يكن ؟ قال : موت عاجل .

    وروى عبدان بن عثمان ، عن عبد الله ، قال : إذا غلبت محاسن الرجل على مساوئه لم تذكر المساوئ ، وإذا غلبت المساوئ عن المحاسن لم تذكر المحاسن .

    قال نعيم : سمعت ابن المبارك يقول : عجبت لمن لم يطلب العلم ، كيف تدعوه نفسه إلى مكرمة .

    قال عبيد بن جناد : قال لي عطاء بن مسلم : رأيت ابن المبارك ؟ قلت : نعم . قال : ما رأيت ولا ترى مثله .

    قال عبيد بن جناد : وسمعت العمري يقول : ما رأيت في دهرنا هذا من يصلح لهذا الأمر - يعني الإمامة - إلا ابن المبارك .

    قال معتمر بن سليمان : ما رأيت مثل ابن المبارك ، تصيب عنده الشيء الذي لا تصيبه عند أحد .

    قال شقيق البلخي : قيل لابن المبارك : إذا أنت صليت لم لا تجلس معنا ؟ قال : أجلس مع الصحابة والتابعين ، أنظر في كتبهم وآثارهم ، فما أصنع معكم ؟ أنتم تغتابون الناس .

    وعن ابن المبارك قال : ليكن عمدتكم الأثر ، وخذوا من الرأي ما يفسر لكم الحديث .

    محبوب بن الحسن : سمعت ابن المبارك يقول : من بخل بالعلم ، ابتلي بثلاث : إما موت يذهب علمه ، وإما ينسى ، وإما يلزم السلطان فيذهب علمه .

    وعن ابن المبارك قال : أول منفعة العلم أن يفيد بعضهم بعضا . المسيب بن واضح : سمعت ابن المبارك ، وقيل له : الرجل يطلب الحديث لله يشتد في سنده ، قال : إذا كان لله ، فهو أولى أن يشتد في سنده .

    وعنه ، قال : حب الدنيا في القلب ، والذنوب فقد احتوشته ، فمتى يصل الخير إليه ؟

    وعنه قال : لو اتقى الرجل مائة شيء ، ولم يتق شيئا واحدا لم يك من المتقين ، ولو تورع عن مائة شيء سوى شيء واحد لم يكن ورعا ، ومن كانت فيه خلة من الجهل كان من الجاهلين . أما سمعت الله يقول لنوح -عليه السلام- من أجل ابنه : إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ إسنادها لا يصح . وقد تقدم عن ابن المبارك خلاف هذا ، وأن الاعتبار بالكثرة ، ومراده بالخلة من الجهل : الإصرار عليها . وجاء أن ابن المبارك سئل : مَن الناس ؟ فقال : العلماء . قيل : فمن الملوك ؟ قال : الزهاد ، قيل : فمن الغوغاء ؟ قال : خزيمة وأصحابه -يعني من أمراء الظلمة- قيل : فمن السفلة ؟ قال : الذين يعيشون بدينهم .

    وعنه قال : ليكن مجلسك مع المساكين ، وإياك أن تجلس مع صاحب بدعة .

    وعن ابن المبارك قال : إذا عرف الرجل قدر نفسه ، يصير عند نفسه أذل من كلب .

    وعنه قال : لا يقع موقع الكسب على العيال شيء ولا الجهاد في سبيل الله .

    وقال : رب عمل صغير تكثره النية ، ورب عمل كثير تصغره النية .

    أخبرنا أحمد بن سلامة إجازة عن عبد الرحيم بن محمد الكاغدي ، أخبرنا أبو علي الحداد ، أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي ، حدثنا أبو إسحاق الطالقاني ، قال : سألت ابن المبارك عن الرجل يصلي عن أبويه . فقال : من يرويه ؟ قلت : شهاب بن خراش . قال : ثقة . عمن ؟ قلت : عن الحجاج بن دينار . قال : ثقة ، عمن ؟ قلت : عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : بينه وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- مفاوز تنقطع فيها أعناق الإبل .

    أخبرنا بيبرس بن عبد الله المجدي ، أخبرنا هبة الله بن الحسن الدوامي ، أخبرتنا تجنِّي مولاة ابن وهبان ، وأخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن المرداوي ، أخبرنا الإمام أبو محمد بن قدامة ، أخبرنا عبد الله بن أحمد الخطيب ، وتجني الوهبانية ، وفخر النساء شهدة (ح) وأخبرنا أبو الحسين علي بن محمد ، وأحمد بن تاج الأمناء ، قالا : أخبرنا محمد بن إبراهيم (ح) وأخبرتنا ست الأهل بنت الناصح ، أخبرنا البهاء عبد الرحمن ، قالا : أخبرتنا شهدة ، قالوا : أخبرنا طراد بن محمد الزينبي (ح) وأخبرنا محمد بن عبد الوهاب الأغلبي ، أخبرنا علي بن مختار ، أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ ، أخبرنا القاسم بن الفضل ، قالا : أخبرنا هلال بن محمد بن جعفر الحفار ، حدثنا الحسين بن يحيى القطان ، حدثنا إبراهيم بن مجشر ، أخبرنا عبد الله بن المبارك ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن عبيد بن أبي عبيد ، عن أبي هريرة قال : ومررت معه ببقعة ، فقال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : رُبّ يمين لا تصعد إلى الله -عز وجل- في هذه البقعة قال أبو هريرة : فرأيت فيها النخاسين . وبه إلى ابن المبارك : أخبرنا ابن عجلان ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : كل مسكر حرام ، وكل مسكر خمر .

    أخبرنا إسحاق بن طارق الأسدي ، أخبرنا ابن خليل ، أخبرنا عبد الرحيم بن محمد الكاغدي ، أخبرنا أبو علي المقرئ ، أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، حدثنا محمد بن إسحاق ، سمعت ابن أبي رزمة ، سمعت علي بن الحسن بن شقيق ، سمعت عبد الله بن المبارك يقول : إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية . وبه إلى محمد بن إسحاق السراج : سمعت أبا يحيى يقول :

    سمعت علي بن الحسن بن شقيق يقول : قلت لعبد الله بن المبارك : كيف يعرف ربنا -عز وجل ؟ قال : في السماء على العرش . قلت له : إن الجهمية تقول هذا . قال: لا نقول كما قالت الجهمية : هو معنا هاهنا .

    قلت : الجهمية يقولون : إن الباري تعالى في كل مكان ، والسلف يقولون : إن علم الباري في كل مكان ، ويحتجون بقوله تعالى وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ يعني : بالعلم ، ويقولون : إنه على عرشه استوى ، كما نطق به القرآن والسنة .

    وقال الأوزاعي ، وهو إمام وقته : كنا - والتابعون متوافرون - نقول : إن الله -تعالى- فوق عرشه ، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته ، ومعلوم عند أهل العلم من الطوائف أن مذهب السلف إمرار آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت من غير تأويل ولا تحريف ولا تشبيه ولا تكييف ، فإن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات المقدسة . وقد علم المسلمون أن ذات الباري موجودة حقيقة لا مثل لها ، وكذلك صفاته تعالى موجودة لا مثل لها .

    أخبرنا يحيى بن أبي منصور الفقيه إجازة ، أخبرنا عبد القادر الحافظ ، أخبرنا محمد بن أبي نصر بأصبهان ، أخبرنا حسين بن عبد الملك ، أخبرنا عبد الله بن شبيب ، أخبرنا أبو عمر السلمي ، أخبرنا أبو الحسن اللبناني ، حدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب "الرد على الجهمية" له ، قال : حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي ، حدثنا علي بن الحسن بن شقيق قال : سألت ابن المبارك : كيف ينبغي لنا أن نعرف ربنا ؟ قال : على السماء السابعة على عرشه ، ولا نقول كما تقول الجهمية : إنه هاهنا في الأرض .

    وروى عبد الله بن أحمد في هذا الكتاب بإسناده ، عن ابن المبارك أن رجلا قال له : يا أبا عبد الرحمن ، قد خفت الله -تعالى- من كثرة ما أدعو على الجهمية . قال : لا تخف ، فإنهم يزعمون أن إلهك الذي في السماء ليس بشيء .

    قال عبد الله بن إدريس : كل حديث لا يعرفه ابن المبارك ، فنحن منه براء . وعن ابن المبارك قال : في صحيح الحديث شغل عن سقيمه .

    أخبرنا يحيى بن أحمد الجذامي ، أخبرنا محمد بن عماد ، أخبرنا ابن رفاعة ، أخبرنا أبو الحسن الخلعي ، أخبرنا ابن الحاج ، أخبرنا أبو الفضل محمد بن عبد الرحمن الرملي ، حدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي ، حدثنا أحمد بن يونس ، سمعت ابن المبارك قرأ شيئا من القرآن ثم قال : من زعم أن هذا مخلوق فقد كفر بالله العظيم .

    قال علي بن الحسن بن شقيق : قمت لأخرج مع ابن المبارك في ليلة باردة من المسجد ، فذاكرني عند الباب بحديث أو ذاكرته ، فما زلنا نتذاكر حتى جاء المؤذن للصبح . وقال فضالة النسائي : كنت أجالسهم بالكوفة ، فإذا تشاجروا في حديث قالوا : مُرُّوا بنا إلى هذا الطبيب حتى نسأله ، يعنون ابن المبارك .

    قال وهب بن زمعة المروزي : حدث جرير بن عبد الحميد بحديث عن ابن المبارك ، فقالوا له : يا أبا عبد الحميد ، تحدث عن عبد الله ، وقد لقيت منصور بن المعتمر؟ فغضب ، وقال : أنا مثل عبد الله ، أحمل علم أهل خراسان ، وعلم أهل العراق ، وأهل الحجاز ، وأهل اليمن ، وأهل الشام .

    قال أحمد بن أبي الحواري : جاء رجل من بني هاشم إلى عبد الله بن المبارك ليسمع منه ، فأبى أن يحدثه ، فقال الشريف لغلامه : قم ، فإن أبا عبد الرحمن لا يرى أن يحدثنا ، فلما قام ليركب ، جاء ابن المبارك ليمسك بركابه ، فقال : يا أبا عبد الرحمن تفعل هذا ولا ترى أن تحدثني ! فقال : أَذِلّ لك بدني ، ولا أذل لك الحديث .

    روى المسيب بن واضح : أنه سمع ابن المبارك ، وسأله رجل عمن يأخذ ، فقال : قد يلقى الرجل ثقة ، وهو يحدث عن غير ثقة ، وقد يلقى الرجل غير ثقة يحدث عن ثقة ، ولكن ينبغي أن يكون : ثقة عن ثقة .

    عثمان بن سعيد الدارمي : سمعت نعيم بن حماد يقول : ما رأيت ابن المبارك يقول قط :" حدثنا" كان يرى " أخبرنا" أوسع وكان لا يرد على أحد حرفا إذا قرأ . وقال نعيم : ما رأيت أعقل من ابن المبارك ، ولا أكثر اجتهادا في العبادة.

    الحسن بن الربيع : قال ابن المبارك في حديث ثوبان ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- : استقيموا لقريش ما استقاموا لكم يفسره حديث أم سلمة : لا تقتلوهم ما صلوا . واحتج ابن المبارك في مسألة الإرجاء ، وأن الإيمان يتفاوت ، بما روى عن ابن شوذب ، عن سلمة بن كهيل ، عن هزيل بن شرحبيل ، قال : قال عمر : لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض ، لرجح . قلت : مراد عمر -رضي الله عنه- أهل أرض زمانه .

    نعيم بن حماد : سمعت ابن المبارك يقول : السيف الذي وقع بين الصحابة فتنة ، ولا أقول لأحد منهم هو مفتون .

    وعن ابن المبارك، وسأل : من السفلة ؟ قال : الذي يدور علي القضاة يطلب الشهادات .

    وعنه قال : إن البصراء لا يأمنون من أربع : ذنب قد مضى لا يدرى ما يصنع فيه الرب -عز وجل- ، وعمر قد بقي لا يدري ما فيه من الهلكة، وفضل قد أُعطي العبد لعله مكرٌ واستدراج ، وضلالة قد زينت ، يراها هدى ، وزيغ قلب ساعة فقد يسلب المرء دينه ولا يشعر .

    قال منصور بن دينار ، صاحب ابن المبارك : إن عبد الله كان يتصدق لمقامه ببغداد كل يوم بدينار .

    وعن عبد الكريم السكري قال : كان عبد الله يعجبه إذا ختم القرآن أن يكون دعاؤه في السجود .

    قال إبراهيم بن نوح الموصلي : قدم الرشيد عين زربة فأمر أبا سليم أن يأتيه بابن المبارك ، قال : فقلت : لا آمن أن يجيب ابن المبارك بما يكره فيقتله . فقلت : يا أمير المؤمنين ، هو رجل غليظ الطباع ، جلف ، فأمسك الرشيد .

    الفضل بن محمد الشعراني : حدثنا عبدة بن سليمان قال : سمعت رجلا يسأل ابن المبارك عن الرجل يصوم يوما ويفطر يوما .

    قال : هذا رجل يضيع نصف عمره، وهو لا يدري -يعني لمَ لا يصومها ؟ قلت : أحسب ابن المبارك لم يذكر حيتئذ حديث : أفضل الصوم صوم داود ولا حديث : النهي عن صوم الدهر .

    قال أبو وهب المروزي : سألت ابن المبارك : ما الكبر؟ قال : أن تزدري الناس . فسألته عن العُجْب ؟ قال : أن ترى أن عندك شيئا ليس عند غيرك ، لا أعلم في المصلين شيئا شرا من العُجْب .

    قال حاتم بن الجراح : سمعت علي بن الحسن بن شقيق ، سمعت ابن المبارك ، وسأله رجل عن قرحة خرجت في ركبته منذ سبع سنين ، وقد عالجتُها بأنواع العلاج ، وسألت الأطباء ، فلم أنتفع به . فقال له : اذهب ، فاحفر بئرا في مكان حاجة إلى الماء ، فإني أرجو أن ينبع هناك عين ، ويمسك عنك الدم ، ففعل الرجل ، فبرأ .

    قال أحمد بن حنبل : كان ابن المبارك يحدث من الكتاب ، فلم يكن له سقط كثير ، وكان وكيع يحدث من حفظه ، فكان يكون له سقط كم يكون حفظ الرجل .

    وروى غير واحد أن ابن المبارك قيل له : إلى متى تكتب العلم ؟ قال : لعل الكلمة التي أنتفع بها لم أكتبها بعد .

    قال عمرو الناقد : سمعت ابن عيينة يقول : ما قدم علينا أحد يشبه ابن المبارك ، ويحيى بن أبي زائدة .

    وقال مخلد بن الحسين : جالست أيوب وابن عون ، فلم أجد فيهم من أفضله على ابن المبارك .

    قال عبدان : قال ابن المبارك ، وذكر التدليس ، فقال فيه قولا شديدا ثم أنشد : دلـس للنــاس أحاديثـه

    واللـه لا يقبـل تدليسـا

    عن ابن المبارك قال : من استخف بالعلماء ، ذهبت آخرته ، ومن استخف بالأمراء ، ذهبت دنياه ، ومن استخف بالإخوان ، ذهبت مروءته . قد أسلفنا لعبد الله ما يدل على فروسيته .

    وقال محمد بن المثنى : حدثنا عبد الله بن سنان قال : كنت مع ابن المبارك ، ومعتمر بن سليمان بطرسوس ، فصاح الناس : النفير ، فخرج ابن المبارك والناس ، فلما اصطف الجمعان ، خرح رومي ، فطلب البراز ، فخرج إليه رجل ، فشد العلج عليه فقتله ، حتى قتل ستة من المسلمين ، وجعل يتبختر بين الصفين يطلب المبارزة ، ولا يخرج إليه أحد ، فالتفت إليَّ ابن المبارك فقال : يا فلان ، إن قُتِلت فافعل كذا وكذا ، ثم حرك دابته ، وبرز للِعلج ، فعالج معه ساعة ، فقتل العلج ، وطلب المبارزة ، فبرز له علج آخر فقتله ، حتى قتل ستة علوج ، وطلب البراز ، فكأنهم كاعوا عنه ، فضرب دابته ، وطرد بين الصفين ، ثم غاب ، فلم نشعر بشيء ، وإذا أنا به في الموضع الذي كان ، فقال لي : يا عبد الله لئن حدثت بهذا أحدا ، وأنا حي ، فذكر كلمة .

    قال أبو صالح الفراء : سألت ابن المبارك عن كتابة العلم " فقال : لولا الكتاب ما حفظنا . وسمعته يقول : الحِبر في الثوب خلوق العلماء . وقال : تواطُؤ الجيران على شيء أحب إلي من شهادة عدلين . وقيل : إن ابن المبارك مر براهب عند مقبرة ومزبلة ، فقال : يا راهب ، عندك كنز الرجال ، وكنز الأموال وفيهما معتبر . وقد تفقه ابن المبارك بأبي حنيفة ، وهو معدود في تلامذته . وكان عبد الله غنيا شاكرا ، رأس ماله نحو الأربع مائة ألف . قال حبان بن موسى : رأيت سُفرة ابن المبارك حملت على عجلة . وقال أبو إسحاق الطالقاني : رأيت بعيرين محملين دجاجا مشويا لسفرة ابن المبارك . وروى عبد الله بن عبد الوهاب ، عن محمد بن عبد الرحمن بن سهم ، قال : كنت مع ابن المبارك ، فكان يأكل كل يوم ، فيشوى له جدي ، ويتخذ له فالوذق . فقيل له في ذلك . فقال : إني دفعت إلى وكيلي ألف دينار ، وأمرته أن يوسع علينا .

    قال الحسن بن حماد : دخل أبو أسامة على ابن المبارك ، فوجد في وجهه عبد الله أثر الضُّر ، فلما خرج ، بعث إليه أربعة آلاف درهم ، وكتب إليه : وفتـىً خلـا من مالِـه

    ومن المروءة غير خال أعطـاك قبـل سـؤاله

    وكفـاك مكروه السؤال

    وقال المسيب بن واضح : أرسل ابن المبارك إلى أبي بكر بن عياش أربعة آلاف درهم ، فقال : سد بها فتنة القوم عنك . قال علي بن خشرم : قلت لعيسى بن يونس : كيف فضلكم ابن المبارك ، ولم يكن بأسن منكم ؟ قال : كان يقدم ، ومعه الغلمة الخراسانية ، والبزة الحسنة ، فيصل العلماء ، ويعطيهم ، وكنا لا نقدر على هذا .

    قال نعيم بن حماد : قدم ابن المبارك أَيْلة على يونس بن يزيد ، ومعه غلام مفرغ لعمل الفالوذج ، يتخذه للمحدثين .

    أخبرنا ابن أبي الخير في كتابه ، عن عبد الرحيم بن محمد ، أخبرنا الحسن بن أحمد ، أخبرنا أبو نعيم ، حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا إسماعيل بن عبد الله ، حدثنا نعيم بن حماد ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا ابن المبارك ، عن خالد الحذاء ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : البركة مع أكابركم . فقلت للوليد : أين سمعت من ابن المبارك ؟ قال : في الغزو .

    عن ابن المبارك قال : ليكن مجلسك مع المساكين ، واحذر أن تجلس مع صاحب بدعة . قال الحسن بن الربيع : لما احتضر ابن المبارك في السفر قال : أشتهي سويقا ، فلم نجده إلا عند رجل كان يعمل للسلطان ، وكان معنا في السفينة ، فذكرنا ذلك لعبد الله ، فقال : دعوه ، فمات ولم يشربه . قال العلاء بن الأسود : ذُكر جهم عند ابن المبارك ، فقال : عجبت لشـيطان أتى النـاس داعيا

    إلى النار وانشق اسمه من جهنم

    أخبرنا إسحاق الأسدي ، أخبرنا ابن خليل ، أخبرنا عبد الرحيم بن محمد ، أخبرنا أبو علي الحداد ، أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني ، حدثنا سعيد بن سليمان ، عن ابن المبارك ، عن معمر، عن محمد بن حمزة ، عن عبد الله بن سلام ، قال : كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا نزل بأهله الضيق أمرهم بالصلاة ، ثم قرأ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ . هذا مرسل ، قد انقطع فيه ما بين محمد وجد أبيه عبد الله . وقد كان ابن المبارك -رحمه الله- شاعرا ، محسنا ، قوالا بالحق .

    قال أحمد بن جميل المروزي : قيل لابن المبارك : إن إسماعيل ابن علية ، قد ولي القضاء ، فكتب إليه : يـا جاعـل العلم له بازيـا

    يصطـاد أمـوال المسـاكيـن احـتلت للـدنيـا ولذاتهــا

    بحيلــة تــذهب بــالدين فصـرت مجنونـا بها بعدما

    كـــنت دواء للمجـــانين أيـن رواياتك في سردهـا ؟

    عـن ابـن عون وابن سيرين أيـن رواياتك فيما مضـى ؟

    فـي تـرك أبواب السلاطيـن إن قلت أكرهت فمـا ذا كـذا

    زل حمـار العلـم فـي الطين

    وروى عبد الله بن محمد قاضي نصيبين ، حدثنا محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة ، قال : أملى علي ابن المبارك سنة سبع وسبعين ومائة ، وأنفذها معي إلى الفضيل بن عياض من طرسوس : يا عابـد الحرمين لو أبصرتنـا

    لعلمـت أنك في العبـادة بتلعب من كان يخـضب جيده بدموعه

    فنحورنــا بدمائنـا تتخضب أو كـان يتعـب خيله في باطل

    فخيولنـا يـوم الصبيحة تتعب ريح العبير لكم ونحن عبيرنـا

    رهج السنابك والغبـار الأطيب ولقـد أتانـا من مقـال نبينـا

    قــول صحيح صادق لا يكذب لا يستوي وغبار خيل الله فـي

    أنـف امرئ ودخان نار تلهب هـذا كتاب اللـه ينطق بيننـا

    ليس الشـهيد بميـت لا يكذب فلقيت الفضيل بكتابه في الحرم ، فقرأه وبكى ، ثم قال : صدق أبو عبد الرحمن ونصح .

    قال ابن سهم الأنطاكي : سمعت ابن المبارك ينشد : فكيف قَرّت لأهـل العلم أعينهـم

    أو اسـتلذوا لذيذ النـوم أو هجعوا والنار ضاحيـةٌ لا بـد موردهـا

    وليس يدرون من ينجو ومـن يقع وطارت الصحف في الأيدي منشَّرة

    فيهــا السـرائر والجبـار مطلع إما نعيم وعيش لا انقضـاء لـه

    أو الجحــيم فلا تُبقـي ولا تـدع تهوي بساكنهـا طـورا وترفعـه

    إذا رجَوا مخرجا مـن غمها قمعوا لينفـع العلم قبـل الموت عالمـه

    قد سال قوم بها الرُّجعى فما رجعوا

    وروى إسحاق بن سُنين لابن المبارك : إنـي امـرؤ ليس في ديني لغامزه

    ليـن ولسـت على الإسلام طعانا فلا أسُـب أبـا بكــر ولا عمـرا

    ولـن أسـب -معاذ الله- عثمانا ولا ابـن عـم رسـول الله أشتمه

    حـتى ألبَّس تحـت الترب أكفـانا ولا الزبـير حـواري الرسـول ولا

    أهـدي لطلحة شـتما عز أو هانا ولا أقـول علـيّ في السحـاب إذا

    قـد قلـت والله ظلمـا ثم عدوانا ولا أقـول بقـول الجـهم إن لـه

    قـولا يضـارع أهل الشرك أحيانا ولا أقـول تخــلى مـن خليقتـه

    ربُّ العبـاد وولى الأمـر شيطانا ما قـال فرعـون هـذا في تمرده

    فرعون موسى ولا هامان طغيانا اللـه يدفـع بالسـلطان معضلـة

    عـن ديننا رحمـة منه ورضوانا لـولا الأئمـة لم تأمـن لنا سبـل

    وكــان أضعفنـا نهبـا لأقوانـا

    فيقال : إن الرشيد أعجبه هذا ، فلما أن بلغه موت ابن المبارك بِهيت قال : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ يا فضل : إيذن للناس يعزُّونا في ابن المبارك . وقال : أما هو القائل : اللـه يدفع بالسلطان معضلة

    ......................... فمن الذي يسمع هذا من ابن المبارك ، ولا يعرف حقنا ؟ قال الكديمي : حدثنا عبدة بن عبد الرحيم قال : كنت عند فضيل بن عياض وعنده ابن المبارك ، فقال قائل : إن أهلك وعيالك قد احتاجوا مجهودين محتاجين إلى هذا المال ، فاتق الله ، وخذ من هؤلاء القوم ، فزجره ابن المبارك ، وأنشأ يقول : خـذ مـن الجـاروش والــ

    ــأرزِ والخـبـز الشعيـر واجـــعلن ذاك حــلالـا

    تنــج مـن حـر السعيـر وانـأ مـا اسـطعت -هـدا

    ك الله- عـن دار الـأميـر لـا تزرهــا واجتنبـهــا

    إنهـــا شــر مــزور تُــوهن الــديـن وتــد

    نيـك مـن الحـوب الكبيـر قبـــل أن تســقط يــا

    مغـرور فـي حـفرة بيـر وارض -يـا ويحـك- مـن

    دنيـاك بـالقـوت اليـسيـر إنـهــــــا دار بـلـاء

    وزوال وغـــــــرور مـا تــرى قــد صـرعت

    قبلــك أصحـاب القصـور كــم ببطــن الأرض مـن

    ثــاوٍ شــريف ووزيــر وصغــير الشــأن عبــد

    خــامل الذكــر حــقير لـو تصفحـــت وجـــو

    ه القـوم فـي يـوم نضيـر لـــم تمـــيزهم ولــم

    تعـرف غنيـا مـن فقـيـر خـمدُوا فـالقوم صـرعـى

    تحـت أشــقاق الصخـور واســتووا عنــد مـليـك

    بمســــاويهم خـــبير احــذر الصـرعــة يــا

    مسـكين مـن دهـر عثـور أيـــن فـرعـون وهــا

    مــان ونمـرود النســور أو مـــا تخـشـــاه أن

    يـرميك بـالمـوت المبيـر أوَ مــا تـحــذر مــن

    يــوم عبـوس قمطريــر اقْمـطــرَّ الـشـر فـيـه

    بعــــذاب الزمهريـــر

    قال : فغشي على الفضيل ، فرد ذلك ولم يأخذه . ولابن المبارك : جربت نفسـي فمـا وجـدت لهـا

    مـن بعـد تقـوى الإله كالأدب فـي كـل حالاتهـا وإن كـرهتْ

    أفضل مـن صمتها عـن الكذب أو غيبــة النـاس إن غيبتهـم

    حرّمـهـا ذو الجـلال في الكتب قلـت لهــا طائعـا وأكرههـا

    الحلـم والعلم زَيـنُ ذي الحسب إن كان مـن فضـة كـلامك يـا

    نفس فإن السـكوت من ذهـب

    قال أبو العباس السراج : أنشدني يعقوب بن محمد لابن المبارك : أبإذن نـزلتَ بـي يـا مشيبُ

    أي عيش وقـد نــزلت يطيــب وكفى الشـيب واعظا غير أني

    آمــل العيش والممــات قـريب كـم أنادي الشباب إذ بانَ مني

    ونــدائي موليــا مــا يجـيب وبه : يـا عـائب الفقـر ألا تزدجر

    عيـب الغنـي أكثر لو تعتبر من شـرف الفقر ومن فضله

    علي الغني لو صح منك النظر إنـك تعصـي لتنـال الغنـى

    وليس تعصـي الله كي تفتقر

    قال حبان بن موسى : سمعت ابن المبارك ينشد : كـيف القرار وكيف يهدأ مسلم

    والمسلمات مع العدو المعتدي الضاربـات خـدودهن برنّـة

    الداعيـات نبيهـن محـمـد القائلات إذا خشـين فضيحـة

    جـهد المقالـة ليتنـا لم نولد ما تسـتطيع ومالها من حيلة

    إلا التسـتر مـن أخيهـا باليد

    قال أبو إسحاق الطالقاني : كنا عند ابن المبارك ، فانهد القَهَنْدز فأتى بسنَّين فوجد وزن أحدهما منوان فقال عبد الله : أتيــت بســنّين قـ
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    عبد الله بن المبارك (118-181)  Empty رد: عبد الله بن المبارك (118-181)

    مُساهمة من طرف أحمد السبت فبراير 02, 2013 1:29 pm

    http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=18591&highlight=%C7%E1%E3%C8%C7%D1%DF
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    عبد الله بن المبارك (118-181)  Empty رد: عبد الله بن المبارك (118-181)

    مُساهمة من طرف أحمد الأحد مايو 12, 2013 2:26 am

    من كلام الإمام عبد الله بن المبارك


    صاحب البدعة على وجهه غبار، وإن ادّهن في اليوم ثلاثين مرة.

    من تهاون بالأدب عوقب بحرمان السنن، ومن تهاون بالسنن عوقب بحرمان الفرائض، ومن تهاون بالفرائض عوقب بحرمان المعرفة.

    لا يزال أمر الناس صالحا ما دام فيهم من يطلب الحديث.

    الكذب للروافض، والخصومة للمعتزلة، والاستحلال لأهل الرأي، والدين لأهل الحديث.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    عبد الله بن المبارك (118-181)  Empty رد: عبد الله بن المبارك (118-181)

    مُساهمة من طرف أحمد السبت أكتوبر 12, 2013 6:44 am

    قال عبد الله بن المبارك:
    رأس التواضع أن تضع نفسك عند من دونك في نعمة الدنيا حتى تعلمه أنه ليس لك بدنياك عليه فضل، وأن ترفع نفسك عمن هو فوقك في الدنيا حتى تعلمه أنه ليس له بدنياه عليك فضل.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    عبد الله بن المبارك (118-181)  Empty رد: عبد الله بن المبارك (118-181)

    مُساهمة من طرف أحمد السبت أكتوبر 12, 2013 6:44 am

    كان عبد الله بن المبارك عابدا مجتهدا، وعالما بالقرآن والسنة، يحضر مجلسه كثير من الناس؛ ليتعلموا من علمه الغزير.وفي يوم من الأيام، كان يسير مع رجل في الطريق، فعطس الرجل، ولكنه لم يحمد الله. فنظر إليه ابن المبارك، ليلفت نظره إلى أن حمد الله بعد العطس سنة على كل مسلم أن يحافظ عليها، ولكن الرجل لم ينتبه.فأراد ابن المبارك أن يجعله يعمل بهذه السنة دون أن يحرجه، فسأله:أي شىء يقول العاطس إذا عطس؟فقال الرجل: الحمد لله!عندئذ قال له ابن المبارك:يرحمك الله .

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 14, 2024 6:36 pm