ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    مقتطفات من كتب أهل العلم

    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    مقتطفات من كتب أهل العلم Empty مقتطفات من كتب أهل العلم

    مُساهمة من طرف أحمد الإثنين يناير 07, 2013 5:43 am

    بين الصمت و الكلام



    الأَخْلاَقُ وَالسِّيَرُ / ابْنِ حَزْمٍ :
    كم شاهدنا ممن أهلكه كلامه ولم نر قط أحداً ولا بلغنا أنه أهلكه سكوته فلا تتكلم إلا بما يقربك من خالقك فإن خفت ظالماً فاسكت.
    ****
    رأيت الناس في كلامهم الذي هو فصل بينهم وبين الحمير والكلاب والحشرات ينقسمون أقساماً ثلاثة:
    أحدها: من لا يبالي فيما أنفق كلامه فيتكلم بكل ما سبق إلى لسانه غير محقق نصر حق ولا إنكار باطل وهذا هو الأغلب في الناس.
    والثاني: أن يتكلم ناصراً لما وقع في نفسه أنه حق ودافعاً لما توهم أنه باطل غير محقق لطلب الحقيقة لكن لجاجاً فيما التزم وهذا كثير وهو دون الأول.
    والثالث: واضع الكلام في موضعه، وهذا أعز من الكبريت الأحمر.
    ===
    جامع العلوم والحكم

    وقال على بن أبي طلحة عن ابن عباس يكتب على الإنسان كل ما تكلم به من خير أو شر حتى إنه ليكتب قوله أكلت وشربت ذهبت وجئت حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله فأقر ما كان فيه من خير أو شر وألقي سائره فذلك قوله تعالى :
    (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)- الرعد-
    وعن يحيى بن أبي كثير قال ركب رجل الحمار فعثر به فقال تعس الحمار
    فقال صاحب اليمين ما هي حسنة أكتبها
    وقال صاحب الشمال ما هي من السيئات فأكتبها
    فأوحى الله إلى صاحب الشمال ما ترك صاحب اليمين من شيء فاكتبه
    فأثبت في السيئات تعس الحمار
    وظاهر هذا أن ما ليس بحسنة فهو سيئة وإن كان لا يعاقب عليها فإن بعض السيئات قد لا يعاقب عليها وقد تقع مكفرة باجتناب الكبائر ولكن زمانها قد خسره صاحبها حيث ذهبت باطلا فيحصل له بذلك حسرة في القيامة وأسف عليه وهو نوع عقوبة
    ====
    الداء و الدواء
    ومن العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والإحتراز من أكل الحرام ، والظلم ، والزنا والسرقة ، وشرب الخمر ، ومن النظر المحرم ، وغيرذلك ,
    ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه ، حتى يري الرجل يشار إليه بالدين ، والزهد ، والعبادة ، وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله لا يلقى لها بالا ينزل بالكلمة الواحدة منها أبعد ما بين المشرق والمغرب .

    وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم ولسانه يفري فى أعراض الأحياء والأموات ولا يبالى مايقول
    وإذا أردت أن تعرف ذلك فأنظر إلى ما رواه مسلم فى صحيحه من حديث جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قال رجل : والله لا يغفر الله لفلان ، فقال الله عز وجل : من ذا الذي يتألى علىّ أني لا أغفر لفلان ؟ ، قد غفرت له وأحبطت عملك ) .
    فهذا العابد الذي قد عبد الله ما شاء أن يعبده أحبطت هذه الكلمة الواحدة عمله كله .
    ===
    مجمع الأمثال/الميداني


    يضرب في النهي عن الإكثار مخافة الإهجار.
    ذكروا أن ملكاً من ملوك حمير خرج متصيداً ومعه نديم له كان يقربه ويكرمه،
    فأشرف على صخرة ملساء ووقف عليها فقال له النديم:
    لو أن إنساناً ذبح على هذه الصخرة إلى أن كان يبلغ دمه.
    فقال الملك: اذبحوه عليها ليرى دمه أين يبلغ؟
    فذبح عليها.
    فقال الملك: رب كلمة تقول لصاحبها دعني.


    *****
    المستطرف/الأبشيهي
    العافية عشرة أجزاء: تسعة منها في الصمت إلا عن ذكر الله تعالى


    ...


    كيف تستريح من الهموم


    الأَخْلاَقُ وَالسِّيَرُ / ابْنِ حَزْمٍ :
    تطلبت غرضاً يستوي الناس كلهم في استحسانه وفي طلبه فلم أجده إلا واحداً وهو طرد الهم
    ****
    إذا تعقبت الأمور كلها فسدت عليك وانتهيت في آخر فكرتك باضمحلال جميع أحوال الدنيا إلى أن الحقيقة إنما هي العمل للآخرة فقط
    لأن كل أمل ظفرت به فعقباه حزن إما بذهابه عنك وإما بذهابك عنه
    ولا بد من أحد هذين الشيئين إلا العمل لله عز وجل فعقباه على كل حال سرور في عاجل وآجل.
    أما العاجل فقلة الهم بما يهتم به الناس وإنك به معظم من الصديق والعدو
    وأما في الآجل فالجنة.
    =====
    ابن الجوزي/ صيد الخاطر:
    أشد الناس جهلًا منهوم باللذات. واللذات على ضربين:
    مباحة ومحظورة:
    فالمباحة لا يكاد يحصل منها شيء إلا بضياع ما هو مهم من الدين، فإذا حصلت منها حبة، قارنها قنطار من الهم
    ****
    هيهات أن يجتمع الهم مع التلبس بأمور الدنيا! خصوصًا الشاب الفقير، الذي قد ألف الفقر؛ فإنه إذا تزوج، وليس له شيء من الدنيا، اهتم بالكسب، أو بالطلب من الناس، فتشتت همته، وجاءه الأولاد، فزاد الأمر عليه، ولا يزال يرخص لنفسه فيما يحصل إلى أن يتلبس بالحرام.
    ومتى يفكر، فهمته ما يأكل، وما يأكله أهله، وما ترضى به الزوجة من النفقة والكسوة، وليس له ذلك، فأي قلب يحضر له؟! وأي هم يجتمع؟!
    هيهات! والله، لا يجتمع الهم، والعين تنظر إلى الناس، والسمع يسمع حديثهم، واللسان يخاطبهم، والقلب متوزع في تحصيل ما لا بد منه.
    فإن قال قائل: فكيف أصنع؟! قلت: إن وجدت ما يكفيك من الدنيا، أو معيشة تكفك، فاقنع بها، وانفرد في خلوة عن الخلق مهما قدرت. وإن تزوجت، فبفقيرة تقنع باليسير، وتصبر أنت على صورتها وفقرها، ولا تترك نفسك تطمح إلى من تحتاج إلى فضل نفقته؛ فإن رزقت امرأة صالحة جمعت همك،فذاك، وإن لم تقدر، فمعالجة الصبر أصلح لك من المخاطرة
    ****
    البعد البعد عمن همته الدنيا، فإن زادهم اليوم إلى أن يحصل أقرب منه إلى أن يؤثر
    ولا تكاد ترى إلا عدوًّا في الباطن، صديقًا في الظاهر، شامتًا على الضر، حسودًا على النعمة.
    فاشتر العزلة بما بيعت، فإن من له قلب إذا مشى في الأسواق، وعاد إلى منزله، تغير قلبه، فكيف إن عرقله بالميل إلى أسباب الدنيا؟!
    واجتهد في جمع الهم بالبعد عن الخلق، ليخلو القلب بالتفكر في المآب، وتتلمح عين البصيرة خيم الرحيل!
    ***
    وما رأيت مشتتًا للهم، مبددًا للقلب مثل شيئين:
    أحدهما: أن تطاع النفس في طلب كل شيء تشتهيه، وذلك لا يوقف على حد فيه، فيذهب الدين والدنيا، ولا ينال كل المراد، مثل أن تكون الهمة في المستحسنات، أو في جمع المال، أو في طلب الرئاسة، وما يشبه هذه الأشياء.
    فيا له من شتات لا جامع له! يذهب العمر، ولا ينال بعض المراد منه.
    والثاني: مخالطة الناس -خصوصًا العوام- والمشي في الأسواق، فإن الطبع يتقاضىالشهوات، وينسى الرحيل عن الدنيا، ويحب الكسل عن الطاعة والبطالة والغفلة والراحة، فيثقل على من ألف مخالطة الناس التشاغل بالعلم، أو بالعبادة، ولا يزال يخالطهم حتى تهون عليه الغيبة، وتضيع الساعات في غير شيء.
    1333- فمن أراد اجتماع همه، فعليه بالعزلة، بحيث لا يسمع صوت أحد؛ فحينئذ يخلو القلب بمعارفه، ولا تجد النفس رفيقًا مثل الهوى يذكرها ما تشتهي، فإذا اضطر إلى المخالطة، كان على وفاق، كما تتهوى الضفدع لحظة، ثم تعود إلى الماء، فهذه طريق السلامة، فتأمل فوائدها، تطب لك.
    ****
    لا عيش في الدنيا إلا للقنوع باليسير؛ فإنه كلما زاد الحرص على فضول العيش، زاد الهم، وتشتت القلب، واستعبد العبد.
    ====
    ابن القيم / الفوائد
    من ترك الاختيار والتدبير فى رجاء زيادة او خوف نقصان أو طلب صحة او فرار من سقم
    وعلم ان الله على كل شيء قدير وأنه المتفرد بالاختيار والتدبير وأن تدبيره لعبده خير من تدبير العبد لنفسه ,
    وانه أعلم بمصلحته من العبد وأقدر على جلبها وتحصيلها منه
    وانصح للعبد منه لنفسه وأرحم منه بنفسه وأبر به منه بنفسه
    وعلم مع ذلك أنه لا يستطيع أن يتقدم بين يدي تدبيره خطوة واحدة ولا يتأخر عن تدبيره له خطوة واحدة
    فلا متقدم له بين يدي قضائه وقدره ولا يتأخر
    فألقى نفسه بين يديه وسلم الأمر كله اليه وانطرح بين يديه انطراح عبد مملوك ضعف بين يدي ملك عزيز قاهر له التصرف في عبده بكل ما يشاء ,وليس للعبد التصرف فيه بوجه من الوجوه
    فاستراح حينئذ من الهموم والغموم والأنكاد والحسرات
    وحمل كل حوائجه ومصالحه من لا يبالي بحملها ولا يثقله ولا يكترث بها
    فتولاها دونه وأراه لطفه وبره ورحمته واحسانه فيها من غير تعب من العبد ولا نصب ولا اهتمام منه ,لانه قد صرف اهتمامه كله اليه وجعله وحده همه فصرف عنه اهتمامه بحوائجه ومصالح دنياه وفرغ قلبه منها
    فما أطيب عيشه وما انعم قلبه وأعظم سروره وفرحه
    وإن أبي الا تدبيره لنفسه واختياره لها واهتمامه بحظه دون حق ربه
    خلاه وما اختاره و ولاه ما تولي
    فحضره الهم والغم والحزن والنكد الخوف والتعب وكسف البال وسوء الحال
    فلا قلب يصفو ولا عمل يزكو ولا أمل يحصل ولا راحة يفوز بها ولا لذة بتهنى بها
    بل بل قد حيل بينه وبين مسرته وفرحه وقرة عينه
    فهو يكدح فى الدنيا كدح الوحش ولا يظفر منه بأمل ولا يتزود منها لمعاد

    ...


    ==العزلة ==
    الأَخْلاَقُ وَالسِّيَرُ / ابْنِ حَزْمٍ
    من جالس الناس لم يعدم هماً يؤلم نفسه ,وإثما يُندم عليه في معاده ,وغيظاً ينضج كبده ,وذلاً ينكس همته
    فما الظن بعد بمن خالطهم وداخلهم؟؟!!
    والعزة والراحة والسرور والسلامة في الانفراد عنهم
    ولكن اجعلهم كالنار تدفأ بها ولا تخالطها.
    فلو لم يكن في مجالسة الناس إلا عيبان لكفيا:
    أحدهما: الاسترسال عند الأنس بالأسرار المهلكة القاتلة التي لولا المجالسة لم يبح بها البائح.
    والثاني: مواقعة الغيبة المهلكة في الآخرة
    فلا سبيل إلى السلامة من هاتين البليتين إلا بالإنفراد عن المجالسة جملة.
    صيد الخاطر/ ابن الجوزي
    لا يصفو التعبد و التزهد و الاشتغال بالآخرة إلا بالانقطاع الكلي عن الخلق, بحيث لا يبصرهم و لا يسمع كلامهم إلا في وقت ضرورة كصلاة جمعة او جماعة, و يحترز في تلك الساعات منهم.
    و إن كان عالما يريد نفعهم وعدهم و قتا معروفا و احترز في الكلام معهم
    أما من يمشي في الأسواق اليوم ، و يبيع و يشتري مع هذا العالم المظلم ، ويرى المنكرات و المستهجنات ، فما يعود إلى البيت إلا وقد أظلم القلب .
    وقد كان جماعة من السلف يبيعون و يشترون و يحترزون ، و مع هذا ما صفا لصافيهم وقت حتى قاطع الخلق .
    قال أبو الدرداء: زاولت العبادة و التجارة فلم يجتمعا فاخترت العبادة .
    فمن قدر على الحمية النافعة و اضطر إلى المخالطة والكسب للعائلة ، فليحترز احتراز الماشي في الشوك ، و بعيد سلامته !!
    منهاج القاصدين/ ابن قدامة المقدسي
    ولهذا قال الربيع بن خثيم : تفقه ثم اعتزل، والعلم أصل الدين، ولا خير في عزلة العوام .
    سئل بعض العلماء : ما تقول في عزلة الجاهل ؟
    فقال : خبال ووبال
    فقيل له : فالعالم ؟
    فقال : مالك ولها، دعها فمعها حذاؤها وسقاؤها، ترد الماء، وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها .
    ابن القيم/ الفوائد
    قسوة القلب من أربعة أشياء اذا جاوزت قدر الحاجة:
    الأكل والنوم والكلام والمخالطة
    ***
    من فقد أنسه بالله بين الناس ووجده في الوحدة فهو صادق ضعيف
    ومن وجده بين الناس وفقده في الخلوة فهو معلول
    ومن فقده بين الناس وفي الخلوة فهو ميت مطرود
    ومن وجده في الخلوة وفي الناس فهو المحب الصادق القوى


    ...


    ===احفظ الله يحفظك===
    ابن رجب/ جامع العلوم و الحكم
    وهذا الحديث يتضمن وصايا عظيمة وقواعد كلية من أهمِّ أمور الدين ، حتى قال بعض العلماء :
    تدبرتُ هذا الحديثَ ، فأدهشني وكِدتُ أطيشُ ، فوا أسفي من الجهل بهذا الحديث ، وقِلَّةِ التفهم لمعناه .
    ***
    ومَنْ حفظ الله في صباه وقوَّته ، حفظه الله في حال كبَره وضعفِ قوّته ، ومتَّعه بسمعه وبصره وحولِه وقوَّته وعقله .
    كان بعض العلماء قد جاوز المئة سنة وهو ممتَّعٌ بقوَّتِه وعقله ، فوثب يوماً وثبةً شديدةً ، فعُوتِبَ في ذلك ، فقال : هذه جوارحُ حفظناها عَنِ المعاصي في الصِّغر ، فحفظها الله علينا في الكبر.
    وعكس هذا أنَّ بعض السَّلف رأى شيخاً يسأل الناسَ ، فقال : إنَّ هذا ضيَّع الله في صغره ، فضيَّعه الله في كبره .
    ***
    وقد يحفظُ الله العبدَ بصلاحه بعدَ موته في ذريَّته كما قيل في قوله تعالى :
    { وَكَانَ أَبُوْهُمُا صَالِحاً } : أنَّهما حُفِظا بصلاح أبيهما .
    قال سعيد بن المسيب لابنه : لأزيدنَّ في صلاتي مِنْ أجلِك ، رجاءَ أنْ أُحْفَظَ فيكَ ، ثم تلا هذه الآية
    { وَكَانَ أَبُوْهُمُا صَالِحاً }.
    وقال عمرُ بن عبد العزيز : ما من مؤمن يموتُ إلاَّ حفظه الله في عقبه وعقبِ عقبه .
    وقال ابن المنكدرِ : إنَّ الله ليحفظُ بالرجل الصالح ولدَه وولدَ ولده والدويرات التي حوله فما يزالونَ في حفظ من الله وستر
    ***
    النوع الثاني من الحفظ ، وهو أشرف النوعين : حفظُ الله للعبد في دينه وإيمانه ، فيحفظه في حياته من الشبهات المُضِلَّة ، ومن الشهوات المحرَّمة ، ويحفظ عليه دينَه عندَ موته ، فيتوفَّاه على الإيمان
    ****
    ابن الجوزي/ صيد الخاطر
    وقد يهان الشيخ في كبره حتى ترحمه القلوب، ولا يدري أن ذلك لإهماله حق الله تعالى في شبابه!
    فمتى رأيت معاقبًا؛ فاعلم أنه لذنوبٍ.
    ***
    قال صاحب الموضوع : و كم رأيت من شيخ كبير وهن عظمه و اشتعل رأسه شيبا و لا زال منهمكا في الذنوب , فأشفق عليه حتى أكاد أتهم القدر , فلما قرأت هذا الحديث و كلام العلماء , زال عني الاشكال و علمت أن الله لا يظلم أحدا , وأن ذلك بسبب تضييع حدود الله, فاحذر أن يضيعك الله في دينك و في شيخوختك


    ...



    **الذنب لا ينسى**
    صيد الخاطر/ ابن الجوزي
    من تأمل أفعال البارئ سبحانه، رآها على قانون العدل، وشاهد الجزاء مرصدًا للمجازي، ولو بعد حين، فلا ينبغي أن يغتر مُسَامح، فالجزاء قد يتأخر.
    ومن أقبح الذنوب التي قد أعد لها الجزاء العظيم: الإصرار على الذنب، ثم يصانع صاحبه باستغفار وصلاة وتعبد، وعنده أن المصانعة تنفع!.
    وأعظم الخلق اغترارًا من أتى ما يكرهه الله، وطلب منه ما يحبه هو، كما روي في الحديث: "والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني"
    ومما ينبغي للعاقل أن يترصده وقوع الجزاء، فإن ابن سيرين قال: عيرت رجلًا فقلت: يا مفلس! فأفلست بعد أربعين سنةً.
    وقال ابن الجلاء: رآني شيخ لي وأنا أنظر إلى أمرد! فقال: ما هذا؟! لتجدن غبها، فَنُسِّيتُ القرآن بعد أربعين سنة.
    وبالضد من هذا، كل من عمل خيرًا، أو صحح نية، فلينتظر جزاءها الحسن، وإن امتدت المدة
    قال الله عز وجل: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} "يوسف: 90".
    فليعلم العاقل أن ميزان العدل لا يحابي.
    ====
    الداء و الدواء/ ابن القيم
    وَهَاهُنَا نُكْتَةٌ دَقِيقَةٌ يَغْلَطُ فِيهَا النَّاسُ فِي أَمْرِ الذَّنْبِ ، وَهِيَ أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ تَأْثِيرَهُ فِي الْحَالِ ، وَقَدْ يَتَأَخَّرُ تَأْثِيرُهُ فَيُنْسَى ، وَيَظُنُّ الْعَبْدُ أَنَّهُ لَا يُغَبرُ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَأَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ :
    إِذَا لَمْ يُغَبرْ حَائِطٌ فِي وُقُوعِهِ ===فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ الْوُقُوعِ غُبَارُ
    وَسُبْحَانَ اللَّهِ ! مَاذَا أَهْلَكَتْ هَذِهِ النُّكْتَةُ مِنَ الْخَلْقِ ؟
    وَكَمْ أَزَالَتْ غُبَارَ نِعْمَةٍ ؟
    وَكَمْ جَلَبَتْ مِنْ نِقْمَةٍ ؟
    وَمَا أَكْثَرَ الْمُغْتَرِّينَ بِهَا من الْعُلَمَاءِ وَالْفُضَلَاءِ ، فَضْلًا عَنِ الْجُهَّالِ ، وَلَمْ يَعْلَمِ الْمُغْتَرُّ أَنَّ الذَّنْبَ يَنْقَضُّ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ ، كَمَا يَنْقَضُّ السُّمُّ ، وَكَمَا يَنْقَضُّ الْجُرْحُ الْمُنْدَمِلُ عَلَى الْغِشِّ وَالدَّغَلِ .
    وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ : اعْبُدُوا اللَّهَ كَأَنَّكُمْ تَرَوْنَهُ ، وَعُدُّوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ الْمَوْتَى ، وَاعْلَمُوا أَنَّ قَلِيلًا يُغْنِيكُمْ ، خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ يُلْهِيكُمْ ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْبِرَّ لَا يَبْلَى ، وَأَنَّ الْإِثْمَ لَا يُنْسَى .
    وَنَظَرَ بَعْضُ الْعُبَّادِ إِلَى صَبِيٍّ ، فَتَأَمَّلَ مَحَاسِنَهُ ، فَأُتِيَ فِي مَنَامِهِ وَقِيلَ لَهُ : لَتَجِدَنَّ غِبَّهَا بَعْدَ أَرْبَعِينَ سَنَةً .
    هَذَا مَعَ أَنَّ لِلذَّنْبِ نَقْدًا مُعَجَّلًا لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ ، قَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ : إِنَّ الرَّجُلَ لَيُصِيبُ الذَّنْبَ فِي السِّرِّ فَيُصْبِحُ وَعَلَيْهِ مَذَلَّتُهُ .
    وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ الرَّازِيُّ عَجِبْتُ مِنْ ذِي عَقْلٍ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ : اللَّهُمَّ لَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ ، ثُمَّ هُوَ يُشْمِتُ بِنَفْسِهِ كُلَّ عَدُوٍّ لَهُ ، قِيلَ : وَكَيْفَ ذَلِكَ ؟ قَالَ يَعْصِي اللَّهَ وَيَشْمَتُ بِهِ فِي الْقِيَامَةِ كُلُّ عَدُوٍّ .
    وَقَالَ ذُو النُّونِ : مَنْ خَانَ اللَّهَ فِي السِّرِّ هَتَكَ اللَّهُ سِتْرَهُ فِي الْعَلَانِيَةِ .
    وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : إِنِّي لَأَعْصِي اللَّهَ فَأَرَى ذَلِكَ فِي خُلُقِ دَابَّتِي ، وَامْرَأَتِ
    ====
    جامع العلوم و الحكم/ابن رجب الحنبلي
    ...وقال طائفة لا تمحى الذنوب من صحائف الأعمال بتوبة ولا غيرها, بل لا بد أن يوقف عليها صاحبها ويقرأها يوم القيامة واستدلوا بقوله تعالى:
    {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} (49) سورة الكهف
    وفي الاستدلال بهذه الآية نظر لأنه إنما ذكر فيها حال المجرمين وهم أهل الجرائم والذنوب العظيمة فلا يدخل فيهم المؤمنون التائبون من ذنوبهم أو المغفورة ذنوبهم بحسناتهم
    وأظهر من هذا الاستدلال قوله
    {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} (7) {وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (8) سورة الزلزلة
    وقد ذكر بعض العلماء والمفسرين أن هذا القول هو الصحيح عند المحققين
    وقد روي هذا القول عن الحسن البصري وبلال بن سعد الدمشقي
    قال الحسن :فالعبد يذنب ثم يتوب ويستغفر الله , فيغفر له ولكن لا يمحى من كتابه دون أن يقف عليه ثم يسأله عنه, ثم بكى الحسن بكاء شديدا وقال:
    ولو لم نبك إلا للحياء من ذلك المقام لكان ينبغي لنا أن نبكي
    وقال بلال بن سعد: إن الله يغفر الذنوب ولكن لا يمحوها من الصحيفة حتى يوقفه عليها يوم القيامة وإن تاب
    وقال أبو هريرة: يدني الله العبد يوم القيامة فيضع عليه كنفه فيستره من الخلائق كلها ويدفع إليه كتابه في ذلك الستر فيقول: اقرأ يا بن آدم كتابك
    فيقرأ فيمر بالحسنة فيبيض لها وجهه ويسر بها قلبه
    فيقول الله أتعرف ياعبدي
    فيقول نعم يا رب
    فيقول إني قبلتها منك فيسجد
    فيقول ارفع رأسك وعد في كتابك
    فيمر بالسيئة فيسود لها وجهه ويوجل لها قلبه وترتعد منها فرائضه ويأخذه من الحياء من ربه ما لا يعلمه غيره
    فيقول الله أتعرف يا عبدي
    فيقول نعم يا رب
    فيقول إني قد غفرتها لك فيسجد
    فلا يرى منه الخلائق إلا السجود
    حتى ينادي بعضهم بعضا طوبى لهذا العبد الذي لم يعص الله قط ولا يدرون ما قد لقي فيما بينه وبين ربه عز و جل مما قد وقفه عليه

    ...


    ***أهمية الوقت***
    تفسير القرآن العظيم/أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي
    قال الشافعي، رحمه الله:
    لو تدبر الناس هذه السورة لكفتهم: { وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } [سورة العصر].
    =====
    صيد الخاطر/ ابن الجوزي
    ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه، وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل.
    ولتكن نيته في الخير قائمة من غير فتور بما لا يعجز عنه البدن من العمل
    وقد كان جماعة من السلف يبادرون اللحظات
    فنقل عن عامر بن عَبْدِ قَيْسٍ أن رجلًا قال له: كلمني!
    فقال له: أمسك الشمس!
    وقال ابن ثابت البناني ذهبت ألقن أبي
    فقال: يا بني! دعني، فإني في وردي السادس.
    ودخلوا على بعض السلف عند موته وهو يصلي، فقيل له
    فقال: الآن تطوى صحيفتي.
    فإذا علم الإنسان -وإن بالغ في الجد- بأن الموت يقطعه عن العمل، عمل في حياته ما يدوم له أجره بعد موته
    فإن كان له شيء من الدنيا، وقف وقفًا، وغرس غرسًا، وأجرى نهرًا، ويسعى في تحصيل ذرية تذكر الله بعده، فيكون
    الأجر له
    أو أن يصنف كتابًا في العلم؛ فإن تصنيف العالم ولده المخلد
    وأن يكون عاملًا بالخير، عالمًا فيه، فينقل من فعله ما يقتدي الغير به؛ فذلك الذي لم يمت.
    ................ قَدْ مَاتَ قَوْمٌ وَهُمْ فِي النَّاسِ أحياءُ
    ====
    لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف/ عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي
    فكل زمان شغله المؤمن بطاعة الله فهو زمان مبارك عليه
    وكل زمان شغله العبد بمعصية الله فهو مشؤم عليه
    ====
    ابن قيم الجوزية /الفوائد
    فمن لم يورثه التعمير وطول البقاء إصلاح معائبه وتدارك فارطه واغتنام بقية أنفاسه, فيعمل على حياة قلبه وحصول النعيم المقيم ,وإلا فلا خير له في حياته
    فإن العبد على جناح سفر إما إلى الجنة وإما إلى النار فإذا طال عمره وحسن عمله كان طول سفره زيادة له في حصول النعيم واللذة
    فإنه كلما طال السفر إليها كانت الصبابة أجل وأفضل
    وإذا طال عمره وساء عمله كان طول سفره زيادة في ألمه وعذابه ونزولا له إلى أسفل
    فالمسافر إما صاعد وإما نازل
    ****
    هلم الي الدخول على الله ومجاورته فى دار السلام بلا نصيب ولا تعب ولا عناء بل من أقرب الطرق وأسهلها
    وذلك انك فى وقت بين وقتين وهو فى الحقيقة عمرك, وهو وقتك الحاضر بين ما مضى وما يستقبل
    فالذى مضي تصلحه بالتوبة والندم والاستغفار, وذلك شيء لا تعب عليك فيه ولا نصب ولا معاناة عمل شاق, إنما هو عمل قلب
    و تمتنع فيما يستقبل من الذنوب, وامتناعك ترك وراحة ليس هو عملا بالجوارح يشق عليك معاناته وإنما هو عزم ونية جازمه تريح بدنك وقلبك وسرك
    فما مضى تصلحه بالتوبة
    وما يستقبل تصلحه بالامتناع والعزم والنية
    وليس للجوارح فى هذين نصب ولا تعب
    ولكن الشأن فى عمرك وهو وقتك الذي بين الوقتين
    فإن أضعته أضعت سعادتك ونجاتك ,وإن حفظته مع إصلاح الوقتين اللذين قبله وبعده بما ذكرت نجوت وفزت بالراحة واللذة والنعيم
    و حفظه أشق من إصلاح ما قبله وما بعده, فان حفظه أن تلزم نفسك بما هو أولى بها وانفع لها وأعظم تحصيلا لسعادتها
    وفى هذا تفاوت الناس أعظم تفاوت
    فهى والله أيامك الخالية التى تجمع فيها الزاد لمعادك إما إلى الجنة إما الى النار
    فان اتخذت إليها سبيلا الى ربك بلغت السعادة العظمى والفوز الأكبر فى هذه المدة اليسيرة التى لا نسبة لها الى الأبد
    وان آثرت الشهوات والراحات واللهو و اللعب انقضت عنك بسرعة واعقبتك الألم العظيم الدائم الذي مقاساته ومعاناته اشق وأصعب وأدوم من معاناة الصبر عن محارم الله والصبر على طاعته ومخالفة الهوى لأجله
    =====
    الداء و الدواء / ابن القيم
    وَمِنْهَا : أَنَّ الْمَعَاصِيَ تُقَصِّرُ الْعُمُرَ وَتَمْحَقُ بَرَكَتَهُ وَلَا بُدَّ ، فَإِنَّ الْبِرَّ كَمَا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ ، فَالْفُجُورُ يُقَصِّرُ الْعُمُرَ .
    وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ .
    فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : نُقْصَانُ عُمُرِ الْعَاصِي هُوَ ذَهَابُ بَرَكَةِ عُمُرِهِ وَمَحْقُهَا عَلَيْهِ ، وَهَذَا حَقٌّ ، وَهُوَ بَعْضُ تَأْثِيرِ الْمَعَاصِي .
    وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : بَلْ تُنْقِصُهُ حَقِيقَةً ، كَمَا تُنْقِصُ الرِّزْقَ ، فَجَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِلْبَرَكَةِ فِي الرِّزْقِ أَسْبَابًا كَثِيرَةً تُكَثِّرُهُ وَتَزِيدُهُ ، وَلِلْبَرَكَةِ فِي الْعُمُرِ أَسْبَابًا تُكَثِّرُهُ وَتَزِيدُهُ .
    قَالُوا وَلَا تُمْنَعُ زِيَادَةُ الْعُمُرِ بِأَسْبَابٍ كَمَا يُنْقَصُ بِأَسْبَابٍ ، فَالْأَرْزَاقُ وَالْآجَالُ ، وَالسَّعَادَةُ وَالشَّقَاوَةُ ، وَالصِّحَّةُ وَالْمَرَضُ ، وَالْغِنَى وَالْفَقْرُ ، وَإِنْ كَانَتْ بِقَضَاءِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ ، فَهُوَ يَقْضِي مَا يَشَاءُ بِأَسْبَابٍ جَعَلَهَا مُوجِبَةً لِمُسَبَّبَاتِهَا مُقْتَضِيَةً لَهَا .
    وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى : تَأْثِيرُ الْمَعَاصِي فِي مَحْقِ الْعُمُرِ إِنَّمَا هُوَ بِأَنَّ حَقِيقَةَ الْحَيَاةِ هِيَ حَيَاةُ الْقَلْبِ ، وَلِهَذَا جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْكَافِرَ مَيِّتًا غَيْرَ حَيٍّ ،
    كَمَا قَالَ تَعَالَى :( أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ) [ سُورَةُ النَّحْلِ : 21 ] .
    فَالْحَيَاةُ فِي الْحَقِيقَةِ حَيَاةُ الْقَلْبِ ، وَعُمُرُ الْإِنْسَانِ مُدَّةُ حَيَّاتِهِ فَلَيْسَ عُمُرُهُ إِلَّا أَوْقَاتَ حَيَاتِهِ بِاللَّهِ ، فَتِلْكَ سَاعَاتُ عُمُرِهِ ، فَالْبِرُّ وَالتَّقْوَى وَالطَّاعَةُ تَزِيدُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي هِيَ حَقِيقَةُ عُمُرِهِ ، وَلَا عُمُرَ لَهُ سِوَاهَا .
    وَبِالْجُمْلَةِ ، فَالْعَبْدُ إِذَا أَعْرَضَ عَنِ اللَّهِ وَاشْتَغَلَ بِالْمَعَاصِي ضَاعَتْ عَلَيْهِ أَيَّامُ حَيَاتِهِ الْحَقِيقِيَّةُ الَّتِي يَجِدُ غِبَّ إِضَاعَتِهَا يَوْمَ يَقُولُ :( يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) [ سُورَةُ الْفَجْرِ : 24 ] .
    فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَعَ ذَلِكَ تَطَلُّعٌ إِلَى مَصَالِحِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ أَوْ لَا
    فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَطَلُّعٌ إِلَى ذَلِكَ فَقَدْ ضَاعَ عَلَيْهِ عُمُرُهُ كُلُّهُ ، وَذَهَبَتْ حَيَاتُهُ بَاطِلًا
    وَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَلُّعٌ إِلَى ذَلِكَ طَالَتْ عَلَيْهِ الطَّرِيقُ بِسَبَبِ الْعَوَائِقِ ، وَتَعَسَّرَتْ عَلَيْهِ أَسْبَابُ الْخَيْرِ بِحَسْبِ اشْتِغَالِهِ بِأَضْدَادِهَا ، وَذَلِكَ نُقْصَانٌ حَقِيقِيٌّ مِنْ عُمُرِهِ .
    وَسِرُّ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ عُمُرَ الْإِنْسَانِ مُدَّةُ حَيَّاتِهِ وَلَا حَيَاةَ لَهُ إِلَّا بِإِقْبَالِهِ عَلَى رَبِّهِ ، وَالتَّنَعُّمِ بِحُبِّهِ وَذِكْرِهِ ، وَإِيثَارِ مَرْضَاتِهِ
    ====
    الأَخْلاَقُ وَالسِّيَرُ/علي بن أحمد بن سعيد بْنِ حَزْمٍ ، أبومحمد ، الأَنْدَلُسِ
    لا تحقر شيئاً من عمل غد أن تحققه بأن تعجله اليوم وإن قل فإن من قليل الأعمال يجتمع كثيرها وربما أعجز أمرها عند ذلك فيبطل الكل.
    *****
    إهمال ساعة يفسد رياضة سنة.
    ====
    تلبيس إبليس/ ابن الجوزي
    وكان أبو الوفاء بن عقيل يقول :
    أجل محصول عند العقلاء الوقت وأقل متعبد به الماء


    ...


    ** سر تأخير إجابة الدعاء**

    صيد الخاطر/جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى : 597هـ):


    نزلت في شدة، وأكثرت من الدعاء أطلب الفرج والراحة، و تأخرت الإجابة فانزعجت النفس وقلقت.
    فصحت بها: و يلك تأملي أمرك أمملوكة أنت أم مالكة، أمدبرة أنت أم مدبرة؟
    أما علمت أن الدنيا دار ابتلاء واختبار، فإذا طلبت أغراضك لم تصبري على ما ينافي مرادك فأين الابتلاء؟
    هل الابتلاء إلا الإعراض وعكس المقاصد؟
    فافهمي معني التكليف وقد هان عليك ما عزَّ وسهل ما استصعب، فلما تدبرت ما قلته سكتت بعض السكون.
    فقلت لها وعندي: جواب ثان وهو أنك تقتضين الحق بأغراضك ولا تقتضين نفسك بالواجب له، وهذا عين الجهل، و إنما كان ينبغي أن يكون الأمر بالعكس لأنك مملوكة والمملوك, العاقل يطالب نفسه بأداء حق المالك، ويعلم أنه لا يجب على المالك تبليغه ما يهوى. فسكنت أكثر من ذلك السكون.
    و قلت لها: عندي جواب ثالث: و هو أنك قد استبطأت الإجابة، وأنت سددت طرقها بالمعاصي فلو قد فتحت الطريق أسرعت، كأنك ما علمت أن سبب الراحة التقوى أو ما سمعت قوله تعالى:
    ((وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا))
    ((وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا))
    ، أو ما فهمت أن العكس بالعكس؟
    آه من سكر غفلة صار أقوى من كل سكر في وجه مياه المراد يمنعها من الوصول إلى زرع الأماني – فعرفت النفس أن هذا حق فاطمأنت.


    فقلت: وعندي جواب رابع: وهو أنك تطلبين ما لا تعلمين عاقبته، وربما كان فيه ضررك فمثلك كمثل طفل محموم يطلب الحلوى. و المدبر له أعلم بالمصالح كيف وقد قال تعالى:
    ((وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ))
    فلما بان الصواب للنفس في هذه الأجوبة زادت طمأنتها.


    فقلت لها عندي جواب خامس: وهو أن هذا المطلوب ينقص من أجرك، ويحط من مرتبتك فمنع الحق لك ما هذا سبيله عطاء منه لك, و لو أنك طلبت ما يصلح آخرتك كان أولى لك، فأولى لك أن تفهمي ما قد شرحت لك.
    فقالت: «لقد سرحت في ما شرحت، فهمت، فهمت»


    ======
    مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين/محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله

    فالله سبحانه يسأله من في السموات والأرض يسأله أولياؤه وأعداؤه و يمد هؤلاء و هؤلاء
    و أبغض خلقه عدوه إبليس و مع هذا فقد سأله حاجة فأعطاه إياها و متعه بها ,و لكن لما لم تكن عونا له على مرضاته كانت زيادة له في شقوته و بعده عن الله وطرده عنه
    و هكذا كل من استعان به على أمر وسأله إياه و لم يكن عونا على طاعته كان مبعدا له عن مرضاته قاطعا له عنه ولا بد
    و ليتأمل العاقل هذا في نفسه و في غيره وليعلم أن إجابة الله لسائليه ليست لكرامة السائل عليه بل يسأله عبده الحاجة فيقضيها له وفيها هلاكه و شقوته و يكون قضاؤها له من هوانه عليه وسقوطه من عينه
    و يكون منعه منها لكرامته عليه و محبته له
    فيمنعه حماية و صيانة و حفظا لا بخلا, و هذا إنما يفعله بعبده الذي يريد كرامته و محبته و يعامله بلطفه
    فيظن بجهله أن الله لا يحبه ولا يكرمه ,و يراه يقضي حوائج غيره فيسيء ظنه بربه وهذا حشو قلبه ولا يشعر به والمعصوم من عصمه الله
    و الإنسان على نفسه بصيرة وعلامة هذا حمله على الأقدار وعتابه الباطن لها كما قيل
    وعاجز الرأي مضياع لفرصته ... حتى إذا فات أمر عاتب القدرا
    فوالله لو كشف عن حاصله وسره لرأي هناك معاتبة القدر و إتهامه و أنه قد كان ينبغي أن يكون كذا وكذا ولكن ما حيلتي والأمر ليس إلي والعاقل خصم نفسه والجاهل خصم أقدار ربه
    فاحذر كل الحذر أن تسأله شيئا معينا خيرته وعاقبته مغيبة عنك, وإذا لم تجد من سؤاله بدا فعلقه على شرط علمه تعالى فيه الخيرة
    و قدم بين يدي سؤالك الإستخارة و لا تكن استخارة باللسان بلا معرفة بل استخارة من لا علم له بمصالحه ولا قدرة له عليها ولا اهتداء له إلى تفاصيلها ولا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا
    بل إن وكل إلى نفسه هلك كل الهلاك وانفرط عليه أمره


    وإذا أعطاك ما أعطاك بلا سؤال تسأله أن يجعله عونا لك على طاعته وبلاغا إلى مرضاته
    و لا يجعله قاطعا لك عنه و لا مبعدا عن مرضاته
    و لا تظن أن عطاءه كل ما أعطى لكرامة عبده عليه ولا منعه كل ما يمنعه لهوان عبده عليه
    و لكن عطاؤه ومنعه ابتلاء وامتحان يمتحن بهما عباده قال الله تعالى :


    ( فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن كلا )
    أي ليس كل من أعطيته و نعمته و خولته فقد أكرمته وما ذاك لكرامته علي و لكنه ابتلاء علي وامتحان له
    :أيشكرني فأعطيه فوق ذلك
    أم يكفرني فأسلبه إياه و أخول فيه غيره
    وليس كل من ابتليته فضيقت عليه رزقه وجعلته بقدر لا يفضل عنه ,فذلك من هوانه علي ولكنه ابتلاء وامتحان مني له
    أيصبر فأعطيه أضعاف أضعاف ما فاته من سعة الرزق أم يتسخط فيكون حظه السخط
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    مقتطفات من كتب أهل العلم Empty رد: مقتطفات من كتب أهل العلم

    مُساهمة من طرف أحمد الجمعة فبراير 21, 2014 10:28 am

    أنا عاشق لمقدمات الكتب
    لأنها تكون أحلام المصنف التي يريد أن يوفي بها ،وواقع الكتاب يصدقها أو يكذبها

    العلامة أبو موسى

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 14, 2024 9:42 pm