بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا.
أمَّا بعد: فهذه رسالة كتبها أبو الفرج عبد الرحمن بن علي المشهور بـ«ابن الجوزي» (509هـ - 597هـ) لولده علي نصحه فيها أبلغ نصح وأخلصه بعد أن مات كل أبنائه الذكور ولم يبق له إلا ولده عليٌّ هذا ، وهي رسالة تتضمن رسائل أو نصائح ألخصها فيما يلي لعل الله أن ينفع بتلخيصها وتقريبها:
الرسالة الأولى:
(ميز الله الآدمي بالعقل ليعمل بمقتضاه).
وعلى ذلك فالإنسان إذا غلبه هواه ولم يعمل بمقتضى العقل فقد تساوى مع من لا عقل له من البهائم والجمادات حتى لو كان من أذكياء العالم.
الرسالة الثانية:
(استحضر عقلك ، وأعمل فكرك ، واخل بنفسك ، تعلم بالدليل أنك مخلوق مكلف ، وأن عليك فرائض أنت مطالبٌ بها ، وأن المَلكينِ عليهما السلام يحصيان ألفاظك ونظراتك ، وأن أنفاس خطواتك إلى أجلك ومقدار اللبث في الدنيا قليل ، والحبس في القبور طويل ، والعذاب على موافقة الهوى وبيل ، فأين لذة أمس ؟! : قد رحلت وأبقت ندمًا. وأين شهوة النفس ؟! : نكست رأسًا وأزلت قدمًا ).
الرسالة الثالثة:
(ما سَعِد مَن سَعِد إلا بمخالفة هواه ، ولا شَقِيَ مَن شَقِي إلا بإيثار دنياه).
الرسالة الرابعة:
(الكسلُ عن الفضائل بئس الرفيق ، وحبُ الراحة يورث من الندم ما يربو على كل لذة).
الرسالة الخامسة:
(طلبُ الفضائل نهايةُ مرادِ المجتهدين).
الرسالة السادسة
(الفضائل تتفاوت ، فمن الناس من يرى الفضائل الزهد في الدنيا ، ومنهم من يراها التشاغل بالتعبد ، وعلى الحقيقة فليست الفضائل الكاملة إلا الجمع بين العلم والعمل ، فإذا حصلا رفعا صاحبهما إلى تحقيق معرفة الخالق سبحانه ، وحركاه إلى محبته والشوق إليه ، فتلك الغاية القصوى).
الرسالة السابعة
(ليس كلُّ مُرِيدٍ مُرَادًا ، ولا كلُّ طالبٍ واجِدًا ، ولكن على العبد الاجتهاد ، وكلٌّ مُيسَّرٌ لما خُلِق له).
الرسالة الثامنة
( أول ما ينبغي النظر فيه معرفة الله تعالى بالدليل .. فإذا ثبت عنده وجود الخالق [ وهو ثابت لا محالة مع صحة النظر وسلامة الفطرة ]، وصدَّق الرسول صلى الله عليه وسلم وجب عليه تسليم عنانه إلى الشرع .. ثم ينبغي له أن يعرف ما يجب عليه من الوضوء والصلاة والزكاة .. وغير ذلك من الواجبات ، فإذا عرف قدر الواجب وقام به فينبغي لذي الهمة أن يترقى إلى الفضائل ).
الرسالة التاسعة
(( انظر إلى نفسِك عند الحدود ، فتَلَمَّح كيف حِفظُك لها ، فإنَّه من رَاعَى رُوعِي ، ومن أَهْمَل تُرِك )).
قال الله تعالى: { وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ } (البقرة : 282)
الرسالة العاشرة:
(( انتبه لنفسِك ، واندم على ما مضى من تفريطِك ، واجتهد في لحاقِ الكاملين ، ما دام في الوقتِ سَعَةٌ ، واسق غُصْنَك ما دامت فيه رطوبةٌ ، واذكر ساعاتك التي ضاعت فكفى بها عظة ، ذهبت لذة الكسل فيها وفاتت مراتب الفضائل ، وقد كان السلف يحبون جَمْعَ كلِّ فضيلةٍ ، ويبكون على فوتِ واحدةٍ منها )).
الرسالة الحادية عشرة:
(( اعلم أنَّ الأيامَ تُبْسَط ساعات ، والساعاتُ تُبْسَطُ أنْفَاسًا ، ولكلِّ نَفَسٍ خزانة ، فاحذر أن تُذْهِب نَفَسًا في غير شيء ، فترى يوم القيامة خزانةً فارغةً فتندم )).
الرسالة الثانية عشرة :
(( من تفكر في الدنيا قَبْل أن يُوجد رأى مدةً طويلةً ، فإذا تَفكَّر فيها بعد أن يخرج رأى مدةً قصيرةً وعلم أن اللبث في القبور طويل ، فإذا تفكر في يوم القيامة علم أنَّه خمسون ألف سنة ، فإذا تفكر في الجنة والنار علم أنه لا نهاية له ، فإذا عاد إلى النظر في مقدار بقائه في الدنيا - فرضنا ستين سنة مثلا - فإنَّه يمضي منها ثلاثون في النوم ، ونحو خمس عشرة في الصبا فإذا حسبت الباقي كان أكثره في الشهوات والمطاعم والمكاسب ، فإذا خلص ما للآخرة وُجِد فيه من الرياء والغفلة كثير ، فبماذا تشتري الحياة الأبدية ، وإنَّما الثمن هذه الساعات!! )).
الرسالة الثالثة عشرة :
(( لا يُيْئِسُك من الخيرِ ما مضى من التفريطِ ، فإنَّه قد انتبه خلقٌ كثيرٌ بعد الغفلةِ والرُّقادِ الطويلِ)).
الرسالة الرابعة عشرة:
((ألزم نفسك الانتباه عند طلوع الفجر ، ولا تتحدث بحديث الدنيا ، فقد كان السلف لا يتكلمون في ذلك الوقت بشيء من أمور الدنيا)).
الرسالة الخامسة عشرة :
((عليك بالعُزْلةِ فهي أصلُ كلِّ خيرٍ، ولتكن جلساؤك الكتبَ، وعليك بالنظر في سِيَرِ السلف، ولا تشتغل بعلمٍ حتى تُحْكم ما قَبْلَه، وتَلَمَّح سِير الكاملين في العلمِ والعملِ، ولا تقنع بالدُّونِ )).
قال الشاعر:
( ولم أرَ في عيوبِ النَّاسِ شيئًا ***** كنقصِ القادرينَ على التَّمامِ )
الرسالة السادسة عشرة :
(( اعلم أنَّ العلم يرفع الأراذلَ ، فقد كان خلقٌ كثير من العلماء لا نسب لهم يُذْكر ، ولا صورة تُسْتَحسن ، وكان عطاء بن أبي رباح أسود اللون ومستوحش الخلقة ، وجاء إليه سليمان بن عبد الملك - وهو خليفة - ومعه ولداه ، فجلسوا يسألونه عن المناسك ، فحدَّثهم وهو معرضٌ عنهم بوجهه ، فقال سليمان لولديه: قوما ولا تنيا في طلب العلم ، فما أنسى ذُلَّنا بين يدي هذا العبد الأسود ، وكان الحسن مولى ، وابن سيرين ، ومكحول ، وخلق كثير ، وإنما شرفوا بالعلم والتقوى )).
الرسالة السابعة عشرة:
(( اجتهد في صيانةِ عِرْضِك من التَّعرُّضِ لطلب الدنيا ، ولا تَذِلَّنَّ لأهلِها ، واقنع وتَعَزَّ ، فقد قيل: من قنع بالخبز والبقل لم يسعتبده أحد )).
الرسالة الثامنة عشرة:
(( متى صَحَّحْتَ التقوَى رأيتَ كلَّ خيرٍ ، فالمتقِي لا يُرائي الخلقَ ، ولا يتعرضُ لما يؤذي دينَه ، ومن حَفِظ حدودَ الله حُفِظَ )).
الرسالة التاسعة عشرة :
(( اجعل لكَ ذخائرَ خيرٍ مِن تقوَى تَجِدْ تأثيرَهَا ))
(( واعلم أنَّ أوفى الذخائر غضُّ طرفٍ عن مُحَرّمٍ ، وإمساكُ فضول كلمةٍ ، ومراعاةُ حَدٍّ ، وإيثارُ الله تعالى على هوى النَّفسِ )).
الرسالة العشرون :
(( ينبغي أن تسمو همتك إلى الكمال ، فإنَّ خلقًا وقفوا مع الزهد ، وخلقًا تشاغلوا بالعلم ، وندر أقوامٌ جمعوا بين العلم الكامل والعمل الكامل ، وقد تصفَّحتُ التابعين ومن بعدهم فما رأيتُ أحظى بالكمال من أربع أنفسٍ : سعيد بن المسيب ، وسفيان الثوري ، والحسن البصري ، وأحمد بن حنبل ، وقد كانوا رجالًا ، إنما كانت لهم هممٌ ضعفتْ عندنا ، وقد كان في السلف خلق كثير لهم هممٌ عاليةٌ ، فإذا أردتَ أن تنظر إلى أحوالهم فانظر في كتاب "صفوة الصفوة" )).
الرسالة الواحدة والعشرون :
(( إياك أن تقف مع صورة العلم دون العمل به ، فإنَّ الداخلين على الأمراء والمقبلين على أهل الدنيا
قد أعرضوا عن العمل بالعلم ، فمنعوا البركة والنفع )).
الرسالة الثانية والعشرون :
(( إيَّاك أن تتشاغل بالتعبد دون عِلْمٍ فإنَّ خَلْقًا من المتزهدين والمتصوفة خَلَّوا طريق الهدى؛ إذ عَمِلوا بغيْرِ علمٍ )).
الرسالة الثالثة والعشرون:
(( استر نَفْسَك بثوبينِ جميلينِ، لا يُشْهِرانِك بين أهلِ الدُّنيا برفعتِهما، ولا بين المتزهدين بِضِعَتِهما ،
وحاسب نفسك عند كلِّ كلمةٍ وكل نظرةٍ وخطوةٍ فإنَّك مسؤولٌ عن ذلك )).
الرسالة الرابعة والعشرون :
(( علَى قَدْرِ انتفاعِك بالعلم ينتفعُ السامعون ، ومتى لم يعمل الواعظُ بعلمه ، زلَّتْ موعظته عن القلوب كما يزل الماء عن الحجر ، فلا تعظنَّ إلا بنيةٍ ، ولا تمشينَّ إلا بنيةٍ ، ولا تأكلنَّ إلا بنيةٍ ، ومع مطالعات أخلاق السَّلفِ ينكشفُ لك الأمرُ )).
الرسالة الخامسة والعشرون :
(( كن حَسَنَ المُداراةِ للخَلْقِ ، مع شدَّةِ الاعتزال عنهم ، فإنَّ العزلة راحةٌ من خلطاء السوء ، ومنقبة للوقار ، فإنَّ الواعظ خاصة ينبغي أن لا يُرَى متبذلًا ، ولا ماشيًا في سوقٍ ، ولا صاخبًا ، لتحسين الظن به ، فيُنْتفع بوعظه ، فإذا اضطررت إلى مخالطة النَّاس فبالحلم عنهم ، فإنَّك إن كشفت أخلاقهم لم تقدر على مداراتهم )).
الرسالة السادسة والعشرون :
(( أدِ إلى كل ذي حق حقه من زوجة أو ولدٍ أو قرابة ، وانظر كل ساعة بماذا تذهب ، ولا تودعها إلا أشرف ما يمكن )).
الرسالة السابعة والعشرون:
(( راعِ عواقبَ الأمورِ يهُنْ عليك الصبر على المُشْتهى وعلى المكروه ، وإن وجدت من نفسِك غفلةً فاحملها إلى المقابر ، وذكِّرها قربَ الرحيل ودبر أمرك في إنفاقك من غير تبذير ، لئلا تحتاج إلى الناس )).
الحمد لله ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا.
أمَّا بعد: فهذه رسالة كتبها أبو الفرج عبد الرحمن بن علي المشهور بـ«ابن الجوزي» (509هـ - 597هـ) لولده علي نصحه فيها أبلغ نصح وأخلصه بعد أن مات كل أبنائه الذكور ولم يبق له إلا ولده عليٌّ هذا ، وهي رسالة تتضمن رسائل أو نصائح ألخصها فيما يلي لعل الله أن ينفع بتلخيصها وتقريبها:
الرسالة الأولى:
(ميز الله الآدمي بالعقل ليعمل بمقتضاه).
وعلى ذلك فالإنسان إذا غلبه هواه ولم يعمل بمقتضى العقل فقد تساوى مع من لا عقل له من البهائم والجمادات حتى لو كان من أذكياء العالم.
الرسالة الثانية:
(استحضر عقلك ، وأعمل فكرك ، واخل بنفسك ، تعلم بالدليل أنك مخلوق مكلف ، وأن عليك فرائض أنت مطالبٌ بها ، وأن المَلكينِ عليهما السلام يحصيان ألفاظك ونظراتك ، وأن أنفاس خطواتك إلى أجلك ومقدار اللبث في الدنيا قليل ، والحبس في القبور طويل ، والعذاب على موافقة الهوى وبيل ، فأين لذة أمس ؟! : قد رحلت وأبقت ندمًا. وأين شهوة النفس ؟! : نكست رأسًا وأزلت قدمًا ).
الرسالة الثالثة:
(ما سَعِد مَن سَعِد إلا بمخالفة هواه ، ولا شَقِيَ مَن شَقِي إلا بإيثار دنياه).
الرسالة الرابعة:
(الكسلُ عن الفضائل بئس الرفيق ، وحبُ الراحة يورث من الندم ما يربو على كل لذة).
الرسالة الخامسة:
(طلبُ الفضائل نهايةُ مرادِ المجتهدين).
الرسالة السادسة
(الفضائل تتفاوت ، فمن الناس من يرى الفضائل الزهد في الدنيا ، ومنهم من يراها التشاغل بالتعبد ، وعلى الحقيقة فليست الفضائل الكاملة إلا الجمع بين العلم والعمل ، فإذا حصلا رفعا صاحبهما إلى تحقيق معرفة الخالق سبحانه ، وحركاه إلى محبته والشوق إليه ، فتلك الغاية القصوى).
الرسالة السابعة
(ليس كلُّ مُرِيدٍ مُرَادًا ، ولا كلُّ طالبٍ واجِدًا ، ولكن على العبد الاجتهاد ، وكلٌّ مُيسَّرٌ لما خُلِق له).
الرسالة الثامنة
( أول ما ينبغي النظر فيه معرفة الله تعالى بالدليل .. فإذا ثبت عنده وجود الخالق [ وهو ثابت لا محالة مع صحة النظر وسلامة الفطرة ]، وصدَّق الرسول صلى الله عليه وسلم وجب عليه تسليم عنانه إلى الشرع .. ثم ينبغي له أن يعرف ما يجب عليه من الوضوء والصلاة والزكاة .. وغير ذلك من الواجبات ، فإذا عرف قدر الواجب وقام به فينبغي لذي الهمة أن يترقى إلى الفضائل ).
الرسالة التاسعة
(( انظر إلى نفسِك عند الحدود ، فتَلَمَّح كيف حِفظُك لها ، فإنَّه من رَاعَى رُوعِي ، ومن أَهْمَل تُرِك )).
قال الله تعالى: { وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ } (البقرة : 282)
الرسالة العاشرة:
(( انتبه لنفسِك ، واندم على ما مضى من تفريطِك ، واجتهد في لحاقِ الكاملين ، ما دام في الوقتِ سَعَةٌ ، واسق غُصْنَك ما دامت فيه رطوبةٌ ، واذكر ساعاتك التي ضاعت فكفى بها عظة ، ذهبت لذة الكسل فيها وفاتت مراتب الفضائل ، وقد كان السلف يحبون جَمْعَ كلِّ فضيلةٍ ، ويبكون على فوتِ واحدةٍ منها )).
الرسالة الحادية عشرة:
(( اعلم أنَّ الأيامَ تُبْسَط ساعات ، والساعاتُ تُبْسَطُ أنْفَاسًا ، ولكلِّ نَفَسٍ خزانة ، فاحذر أن تُذْهِب نَفَسًا في غير شيء ، فترى يوم القيامة خزانةً فارغةً فتندم )).
الرسالة الثانية عشرة :
(( من تفكر في الدنيا قَبْل أن يُوجد رأى مدةً طويلةً ، فإذا تَفكَّر فيها بعد أن يخرج رأى مدةً قصيرةً وعلم أن اللبث في القبور طويل ، فإذا تفكر في يوم القيامة علم أنَّه خمسون ألف سنة ، فإذا تفكر في الجنة والنار علم أنه لا نهاية له ، فإذا عاد إلى النظر في مقدار بقائه في الدنيا - فرضنا ستين سنة مثلا - فإنَّه يمضي منها ثلاثون في النوم ، ونحو خمس عشرة في الصبا فإذا حسبت الباقي كان أكثره في الشهوات والمطاعم والمكاسب ، فإذا خلص ما للآخرة وُجِد فيه من الرياء والغفلة كثير ، فبماذا تشتري الحياة الأبدية ، وإنَّما الثمن هذه الساعات!! )).
الرسالة الثالثة عشرة :
(( لا يُيْئِسُك من الخيرِ ما مضى من التفريطِ ، فإنَّه قد انتبه خلقٌ كثيرٌ بعد الغفلةِ والرُّقادِ الطويلِ)).
الرسالة الرابعة عشرة:
((ألزم نفسك الانتباه عند طلوع الفجر ، ولا تتحدث بحديث الدنيا ، فقد كان السلف لا يتكلمون في ذلك الوقت بشيء من أمور الدنيا)).
الرسالة الخامسة عشرة :
((عليك بالعُزْلةِ فهي أصلُ كلِّ خيرٍ، ولتكن جلساؤك الكتبَ، وعليك بالنظر في سِيَرِ السلف، ولا تشتغل بعلمٍ حتى تُحْكم ما قَبْلَه، وتَلَمَّح سِير الكاملين في العلمِ والعملِ، ولا تقنع بالدُّونِ )).
قال الشاعر:
( ولم أرَ في عيوبِ النَّاسِ شيئًا ***** كنقصِ القادرينَ على التَّمامِ )
الرسالة السادسة عشرة :
(( اعلم أنَّ العلم يرفع الأراذلَ ، فقد كان خلقٌ كثير من العلماء لا نسب لهم يُذْكر ، ولا صورة تُسْتَحسن ، وكان عطاء بن أبي رباح أسود اللون ومستوحش الخلقة ، وجاء إليه سليمان بن عبد الملك - وهو خليفة - ومعه ولداه ، فجلسوا يسألونه عن المناسك ، فحدَّثهم وهو معرضٌ عنهم بوجهه ، فقال سليمان لولديه: قوما ولا تنيا في طلب العلم ، فما أنسى ذُلَّنا بين يدي هذا العبد الأسود ، وكان الحسن مولى ، وابن سيرين ، ومكحول ، وخلق كثير ، وإنما شرفوا بالعلم والتقوى )).
الرسالة السابعة عشرة:
(( اجتهد في صيانةِ عِرْضِك من التَّعرُّضِ لطلب الدنيا ، ولا تَذِلَّنَّ لأهلِها ، واقنع وتَعَزَّ ، فقد قيل: من قنع بالخبز والبقل لم يسعتبده أحد )).
الرسالة الثامنة عشرة:
(( متى صَحَّحْتَ التقوَى رأيتَ كلَّ خيرٍ ، فالمتقِي لا يُرائي الخلقَ ، ولا يتعرضُ لما يؤذي دينَه ، ومن حَفِظ حدودَ الله حُفِظَ )).
الرسالة التاسعة عشرة :
(( اجعل لكَ ذخائرَ خيرٍ مِن تقوَى تَجِدْ تأثيرَهَا ))
(( واعلم أنَّ أوفى الذخائر غضُّ طرفٍ عن مُحَرّمٍ ، وإمساكُ فضول كلمةٍ ، ومراعاةُ حَدٍّ ، وإيثارُ الله تعالى على هوى النَّفسِ )).
الرسالة العشرون :
(( ينبغي أن تسمو همتك إلى الكمال ، فإنَّ خلقًا وقفوا مع الزهد ، وخلقًا تشاغلوا بالعلم ، وندر أقوامٌ جمعوا بين العلم الكامل والعمل الكامل ، وقد تصفَّحتُ التابعين ومن بعدهم فما رأيتُ أحظى بالكمال من أربع أنفسٍ : سعيد بن المسيب ، وسفيان الثوري ، والحسن البصري ، وأحمد بن حنبل ، وقد كانوا رجالًا ، إنما كانت لهم هممٌ ضعفتْ عندنا ، وقد كان في السلف خلق كثير لهم هممٌ عاليةٌ ، فإذا أردتَ أن تنظر إلى أحوالهم فانظر في كتاب "صفوة الصفوة" )).
الرسالة الواحدة والعشرون :
(( إياك أن تقف مع صورة العلم دون العمل به ، فإنَّ الداخلين على الأمراء والمقبلين على أهل الدنيا
قد أعرضوا عن العمل بالعلم ، فمنعوا البركة والنفع )).
الرسالة الثانية والعشرون :
(( إيَّاك أن تتشاغل بالتعبد دون عِلْمٍ فإنَّ خَلْقًا من المتزهدين والمتصوفة خَلَّوا طريق الهدى؛ إذ عَمِلوا بغيْرِ علمٍ )).
الرسالة الثالثة والعشرون:
(( استر نَفْسَك بثوبينِ جميلينِ، لا يُشْهِرانِك بين أهلِ الدُّنيا برفعتِهما، ولا بين المتزهدين بِضِعَتِهما ،
وحاسب نفسك عند كلِّ كلمةٍ وكل نظرةٍ وخطوةٍ فإنَّك مسؤولٌ عن ذلك )).
الرسالة الرابعة والعشرون :
(( علَى قَدْرِ انتفاعِك بالعلم ينتفعُ السامعون ، ومتى لم يعمل الواعظُ بعلمه ، زلَّتْ موعظته عن القلوب كما يزل الماء عن الحجر ، فلا تعظنَّ إلا بنيةٍ ، ولا تمشينَّ إلا بنيةٍ ، ولا تأكلنَّ إلا بنيةٍ ، ومع مطالعات أخلاق السَّلفِ ينكشفُ لك الأمرُ )).
الرسالة الخامسة والعشرون :
(( كن حَسَنَ المُداراةِ للخَلْقِ ، مع شدَّةِ الاعتزال عنهم ، فإنَّ العزلة راحةٌ من خلطاء السوء ، ومنقبة للوقار ، فإنَّ الواعظ خاصة ينبغي أن لا يُرَى متبذلًا ، ولا ماشيًا في سوقٍ ، ولا صاخبًا ، لتحسين الظن به ، فيُنْتفع بوعظه ، فإذا اضطررت إلى مخالطة النَّاس فبالحلم عنهم ، فإنَّك إن كشفت أخلاقهم لم تقدر على مداراتهم )).
الرسالة السادسة والعشرون :
(( أدِ إلى كل ذي حق حقه من زوجة أو ولدٍ أو قرابة ، وانظر كل ساعة بماذا تذهب ، ولا تودعها إلا أشرف ما يمكن )).
الرسالة السابعة والعشرون:
(( راعِ عواقبَ الأمورِ يهُنْ عليك الصبر على المُشْتهى وعلى المكروه ، وإن وجدت من نفسِك غفلةً فاحملها إلى المقابر ، وذكِّرها قربَ الرحيل ودبر أمرك في إنفاقك من غير تبذير ، لئلا تحتاج إلى الناس )).