الأمر بالصبر والنهي عن الجزع
لو كان في الجزع فضل لما تقدمت فيه ذوات الحجول والحجال، على الفحول من الرجال. ما تضع والقضاء نازل، والموت حكم شامل، وإن لم نلذ بعصمة الصبر، فقد اعترضنا على مالك الأمر. اعلم أن الجزع للرب مسخطة، وللأجر محبطة. عليك عزيمة الصبر، وصريمة الجلد، فإنهما في العين حتم، وفي الرأي حزم، وليس في خلافهما للحي انتفاع، ولا للميت ارتجاع. اعلم أن المتوفي لا ترده نار تلهبها من الهم على كبدك، ولا يرجعه انزعاج تسلطه بالحزن على جسدك، وخير لك من ذلك أن تفعل ما يفعله الذاكرون، وتقول إنا لله وإنا إليه راجعون. أنت تعلم أن شوائب الدهر لا تدفع إلا بعزائم الصبر. اجعل بين هذه اللوعة الغالبة، والدمعة الساكبة، حاجباً من فضلك، وحاجزاً من عقلك، ومانعاً من يقينك. أنت أعرف بالدهر ومصارفه، والزمان ومخاوفه، من أن تدع التماسك وهو مرجع اللبيب ومثواه، وتتهالك في الجزع وهو منزع الجهول ومغزاه. أن المحن إذا لم تعالج بالصبر، كانت كالمنح إذا لم تعالج بالشكر. إذا رأيت أن تأتي في توخي الصبر، واحراز الأجر ما يوجبه الحجا، فإنه أحرى بك وأحجى، صبراً صبرا ففحول الرجال لا تستفزها الأيام بخطوبها، كما أن متون الجبال لا تهزها العواصف بهبوبها. المرء لا بد سال، ولو بعد أحوال وأحوال. فما عليك أن تعجل ما يغتنمه البررة، وتقدم ما يؤخره الفجرة .