يقول راجي الصمد بن علي احمد
حمداً لمن هداني بالنطق والبيان
واشرف الصلاة من واهب الصلات
على النبي الهادي وآله الأمجاد
وبعد فالكلام لحسنه اقسام
والقول ذوفنون في الجد والمحبون
وروضة الاريضي السجع والقريض
والشعر ديوان العرب وكم انال من ارب
فاقبل اذا رمت الأدب اليه من كل حدب
رواية الأشعار تكسو الأديب العاري
وترفع الوضيعا وتكرم الشفيعا
وتطرب الاخوانا وتذهب الأحزانا
وتنعش العشاقا وتونس المشتاقا
وتنسخ الأحقادا وتثبت الودادا
وتقدم الجبانا وتعطف الغضبانا
وتنعت الحبيبا والرشأ المريبا
وخيره ما أطربا مستمعاً وأعجبا
وهذه الأرجوزة في فنها وجيزة
بديعة الألفاظ تسهل للحفاظ
تطرب كل سامع بحسن لفظ جامع
ابياتها قصير ما شأنها قصور
ضمنتها معاني في عشرة الإخوان
تشرح للألباب محاسن الآداب
فان حسن العشرة ما حاز قوم عشرة
واكثر الإخوان في العصر والأوان
صحبتهم نفاق ما زانها وفاق
يلقي الخليل خله بظا اتى محله
بظاهر مموه وباطن مشوه
يظهر من صداقته ما هو فوق طاقته
والقلب منه خالي كفارغ المخالي حتى اذا ما انصرفا اعرض عن ذاك الصفا
وان يكن ثم حسد انشب انشاب الاسد
في عرضة مخالبه مستقصياً مثالبه
مجتهداً في غيبته لم يرع حق غيبته
فهذه صحبة من تراه في هذا الزمن
فلا تكن معتمدا على صديق أبداً
وان اطقت الا تصحب منهم خلا
فانك الموفق بل السعيد المطلق
وان قصدت الصحبة فخذ لها في الأهبة
واحرص على آدابها تعدّ من اربابها
واستنب عن شروطها والزم عرى مشروطها
وان اردت علمها وحدها ورسمها
فاستمله من رجزي هذا البديع الموجز
فانه كفيل بشرحه حفيل
فصلته فصولا تقرّب الوصولا
لمنهج الآداب في صحبة الاصحاب
تهدي جميع الصحب الى الطريق الرحب
سميتها اذ طربا بنظمنه واغربا
بنغمة الأغاني في عشرة الاخوان
والله ربي اسأل وهو الكريم المفضل
الهامي الامدادا ومنجي السدادا .
-----------
(فصل في تعريف الصديق والصداقة)
قالوا الصديق من صدق في حبه وما مذق
وقيل من لم يعطنا في قوله انت انا
وقيل لفظ لا يرى معناه في هذا الورى
وفسروا الصداقة بالحب حسب الطاقة
وقال من قد اطلقا هي الوداد مطلقا
وآخرون نصوا بأنها اخص
وهو الصحيح الراجح والحق فيه واضح
إذ خلة الصديق عند اولى التحيق
محبة بلا غرض والصدق فيها مفترض
ومطلق الحب أعم ومن ابى فقد زعم
وحدها المعقول عندي ما اقول
هي بلا اشتباه اخوة في الله
---------
(فصل فيما ينبغي ان يصادق ويصافا ويصاحب ويوافا)
اذا صحبت فاصحب ذا حسب ونسب
رب صلاح وتقى ينهاه عما يتقي
من غية وغدر وخدعة ومكر مهذب لاخلاق يطرب
للتلاقي يحفظ حق غيبتك يصون ما في عيبتك
يزينه ما زانكا يشينه ما شانكا
يظهر منك الحسنا ويذكر المستحسنا
ويكتم المعيبا ويحفظ المغيبا
يسره ما سركا ولا يذيع سركا
ان قال قولا صدقك او قلت انت صدقك
وان شكوت عسرا افدت منه يسرا
يلقاك بالأمان من حادث الزمان
يهدي لك النصيحة بنية صحيحة
خلته مدانية في العسر والعلانية
صحبته لا لغرض فذاك في القلب مرض
لم يتغير ان ولي عن الوداد الأول
يرعى عهود الصحبة لا سيما في النكبة
لا يسلم الصديقا ان بال يوما ضيقا
يعين ان امر عنا ولا يفوه بالخنا
يولي ولا يعتذر عما عليه يقدر
هذا هو الأخ الثقة المستحق للمقة
ان ظفرت يداكا به فكد عداكا
فانه السلاح والكف والجناح
وقد روى الرواة السادة الثقاة
عن الامام المرتضى سيف الآله المنتضى
في الصحب والاخوان انهما صنفان
اخوان صدق وثقة وانفس متفقة
هم الجناح واليد والكهف
والمستند والأهل والأقارب اذنتهم التجارب
فافدهم بالروح في القرب
والنزوح واسلك بحيث سلكوا
وابذل لهم ما تملك فلا يزول مالكا من دونهم لما لكا
وصاف من صافاهم وناف من نافاهم
واحفظهم وصنهم وانف الظنون عنهم
فهم اعز في الورى ان عنّ خطب او عرى
من احمر الياقوت بل من حلال القوت
واخوة للأنس ونيل حظ النفس
هم عصبة المجاملة لا الصدق في المعاملة
منهم تصيب لذتك اذ الهموم بدتك
فضلهم ما وصلوا وابذل لهم ما بذلوا
من ظاهر الصداقة بالبشر والطلاقة
ولا تسل ان ظهروا للود عما اضمروا
واطوهم مد الحقب طي السجل للكتب
وقال بشر الحافي بل عدة الأصناف
ثلاثة فالأول للدين و هو الافضل
وآخر للدنيا يهديك نجد العليا
وثالث للأنس لكونه ابن جنس
فأعط كلا ما يجب وعن سواهم فاحتجب
-----------
(فصل في شروط الصداقة وادابها)
صداقة الاخوان الخلص الأعوان
لها شروط عدة على الرخا والشدة
والرفق والتلطف والود والتعطف
وكثرة التعهد لهم بكل معهد
البر بالأصحاب من أحكم الأسباب
والنصح للاخوان من اعظم الانسان
والصدق والتصافي من أحسن الاوصاف
دع خدع المودة للأوجه المسودة
فالمحض في الاخلاص كالذهب الخلاص
حفظ العهود والوفا حق لأخوان الصفا
عاملهم بالصدق واصحب بحسن الخلق
والعدل والانصاف وقلة الخلاف
ولا قهم بالبشر وحيهم بالشكر
صفهم بما يستحسن واخف ما يستهجن
وان رأيت هفوة فانصحهم في الخلوة
بالرمز والاشارة والطف العبارة
اياك والتعنيفا والعذل والعنيفا
وان ترد عتابهم فلا تسيء خطابهم
وأحسن العتاب ما كان في كتاب
فالعتب في المشافهة ضرب من المسافهة
وعن امام النحل قاتل كل فحل
عابت اخاك الجاني بالبر والإحسان
حافظ على الصديق في الوسع والمضيق
فهو نصيب الروح ومرهم الجروح
وفي الحديث الناطق عن الإمام الصادق
من كان ذاحميم نجا من الجحيم
لقول اهل النار وعصبة الكفار
فما لنا من شافع ولا صديق نافع
والقرب في الخلائق امن من البوائق
فقارب الأخوانا وكن لهم معوانا
لا تسمع المقالا فيهم وان توالا
فمن اطاع الواشي سار بليل غاش
وضيع الصديقا وكذب الصديقا
وان سمعت قيلا يحتمل التأويلا
فاحمله خير محمل فعل الرجال الكمل
وان رأيت وهنا فلا تسمهم طعنا
فالطعن بالكلام عند ذوي الأحلام
انفذ في الجنان من طعنة السنان
فعد من زلاتهم وسد من خلاتهم
سل عنهم ان غابوا وزرهم ان آبوا
واستنب عن احوالهم وعف عن اموالهم
اطعهم ان امروا وصلهم ان هجروا
فقاطع الوصالا كقاطع الاوصالا
ان نصحوك فاقبل وان دعوك فاقبل
واصدقهم في الوعد فالخلف حق الوغد
واقبل اذا ما اعتذروا اليك مما ينكر
وارع صلاح حالهم واشفق على امحالهم
وكن له غياثا اذ الزمان عاثا
واعطهم ما املوا ان اخثصبوا او امحلوا .
----------
(فصل في اعانة الاخوان في نوائب الحدثان وحوادث الزمان وهو كما رقم)
حقيقة الصديق تعرف عند الضيق
وتخبر الاخوان اذا جفى الزمان
لا خير في اخاء يكون في الرخاء
وانما الصداقة في العسر والاضاقة
لا تدخر المودة الا ليوم السدة
ولا تعدّ الخلة الا لسد الخلة
عن اخاك واعضد وكن له كالعضد
لا سيما ان قعدا به الزمان أو عدي
بئس الخليل من نكل من حله اذا اتكل
لا تجف في حال اخا ضر الزمان او سخا
وان شكى من خطبه فزد من اللطف به
واسع لكشف كربته واحفظ عهود صحبته
وكن له كالنور في ظلمة الديجور
ولا تدع ولا تذر ما تستطيع من نظر
حتى يزول الهم ويكشف الملم
ان الصديق الصادقا من فرّج المضائقا
واكرم الأخوانا اذا شكوا هوانا
واسعف الحميما من حمله العظيما
وانجد الأصحابا ان ريب دهر نابا
اعانهم بماله ونفسه وآله
ولا يرى مقصرا في بذل مال وقرا
فعل ابي امامة مع خلة الحمامة
فان اردت فاسمع حديثهم كيما تعي
------------
(حديث الفار والحمامة وهو مثل لمعاونة الاخوان في نوائب الزمان)
روى اولو الاخبار وناقلوا الآثار
عن سرب طير سارب من الحمام الراعبي
بكر يوماً سحرا وسار حتى اسحرا
في طلب المعاش وهو ربيط الجاش
فابصروا على الثرا حبا منقا منثرا
فاحمدوا الصباحا واستيقنوا النجاحا
واسرعوا اليه وأقبلوا عليه حتى اذا ما اصطفوا
حذاءه اصفوا فصاح منهم حازم لنصحهم ملازم
مهلا فكم من عجلة ادنت لحي اجله
تمهلوا لا تقعوا وانصتوا لي واسمعوا
اليّة بالرب ما نثر هذا الحب
في هذه الفلات الا لأمر عاتي
اني ارى حبالا قد ضمنت وبالا
وهذه الشباك في ضمنها الهلاك
فكابدوا المجاعة وأنظروني ساعة
حتى ارى واختبروالفوز حق المصطبر فاعرضوا
عن قوله واستضحكوا من هوله قالوا
وقد غطى القدر السمع منهم والبصر
ليس على الحق مرا حب معدي للقرا
القي في التراب للأجر والثواب
ما فيه من محذور لجائع مضرور ا
غدوا على الغذاء فالجوع شر داء
فسقطوا جميعا للقطه سريعا
وما دروا ان الردى اكمن في ذاك الغذا
فوقعوا في الشبكة وايقنوا بالهلكة
وندموا وما الندم مجد وقد زلّ القدم
فأخذوا في الخبط لحل ذاك الربط
فالتوت الشباك والتفت الأشراك
فصاح ذاك الناصح ما كل سعي ناجح
هذا جزاء من عصى نصيحة وانتقصا
للحرص طعم مر وشره شمّر
وكم غدت امنية جالبة منية
وكم شقا في نعم ونقم في لقم
فقالت الجماعة دع الملام الساعة
ان اقبل القناص فما لنا مناص
والفرك في الفكاك من ورطة الهلاك
اولى من الملام وكثرة الكلام
وما يفيد اللاحي في القدر المتاح
فاحتل على الخلاص كحيلة ابن العاص
فقال ذاك الحازم طوع النصيح لازم
فان اطعتم نصحي ظفرتم بالنجح
وان عصيتم امري خاطرتم بالعمر
فقال كل هات فكرك في النجاة
جميعنا مطيع لما ترى سريع
وليس كل وقت يضل عقل الثبت
فقال لا ترتبكوا فتستمرم الشبك
واتفقوا في الهمة لهذه الملمة
حتى تطيروا بالشرك وتأمنوا من الدرك
ثم الخلاص بعد لكم علي وعد فقبلوا
مقاله وامتثلوا ما قاله واجتمعوا
في الحركة وارتفعوا بالشبكة
فقال سيروا عجلا سيراً يفوت الأجلا
ولا تملوا فالملل يعوق والخطب جلل
فأمهم وراحوا كأنهم رياح
واقبل الحبال في مشيه يختال
يحسب ان البركة قد وقعت في الشبكة
فأبصر الحماما قد حلقت اماما
وفلّت الحبالة واوقعت خياله
فعض غيضاً كفه على ذهاب الكفه
فراح يعدو خلفها يرجو اللحاق سفها
حتى اذا ما يئسا عادلها مبتئسا
واقبل الحمام كأنه غمام
على فلاة قفر من الأنام صفر
فقالت الحمامة بشراكم السلامة
هذا مقام الأمن من كل خوف يغني
وان اردتم فقعوا لا يعتريكم
فزع فهذه المومات لنا بها النجات
ولي بها خليل احسانه جزيل
ينعم بالفكاك من ربقة الشباك
فلجأوا اليها ووقعوا عليها
فنادت الحمامة اقبل ابا امامة
فأقبلت فويرة كانها نويرة
تقول من ينادي ابي بهذا الوادي
قال لها المطوق انا الخليل الشيق
قولي له فليخرج واذنيه بالمجي
فرجعت واقبلا فار يهد الجبلا
فأبطر المطوقا فضمه واعتنقا
فقال اهلا بالفتى ومرحبا بمن اتى
قدمت خير مقدم على الصديق الأعظم
فادخل بيمن داري وشرفن مقداري
وانزل برحب ودعة وجفنة مدعدعة
واشف جوى القلوب بوصلك المحبوب
فالشوق للتلاق قد بلغ التراقي
فقال كيف انعم ام كيف يهني المنعم
وهل يطيب عيش ام هل يقرّ طيش
واسرتي في الأسر يشكون كل عسر
اعناقهم في غل وكلهم في ذل
فقال مرني ائتمر عداك نحس مستمر
قال اقرض الحباله قرضا بلا ملالة
وخلص الأصحابا واغتنم الثوابا
وحل قيد اسرهم وفكهم من اسرهم
قال امرت طائعا وعبد ودّ سامعا
فقرض الشباكا وقطع الاشراكا
وخلص الحماما وقد رءا الحماما
فاعلنوا بحمده واعترفوا بمجده
فقال قروا عينا ولا شكوتم اينا
وقدم الحبوبا للأكل والمشروبا
وقام بالضيافة بالبشر واللطافة
اضافهم ثلاثا من بعد ما اغاثا
فقال ذاك الخل الخير لا يمل
فقت ابا امامه جودا على ابن مامة
وجيت بالصداقة بالصدق فوق الطاقة
البستنا اطواقا وزدتنا اطواقا
من فضلك الجميل وفعلك الجزيل
مثلك من يدخر لريب دهر
يحذر وترتجيه الصحب ان عز يوم خطب
فاذن بالإنصراف لنا بلا تجافي
دام لك الانعام ما غرد الحمام
ودمت مشكور النعم مارن شاد بنغم
فقال ذاك الفار جفا الصديق عار
ولست ارضى بعدكم لا ذقت يوماً فقدكم
ولا ارى خلافكم ان رمتم انصرافكم
عمتكم السلامة في الظعن والإقامة
فودعوا وانصرفوا والدمع منهم يذرف
فاعجب لهذا المثل المعرب المؤثل
او ردته ليحتذى اذا عرى الخل اذى .
------------
فصل باتحاد الصديقين واتصاف كل منهما بصفات الاخر)
الصدق في الوداد يقضي بالاتحاد
في النعت والصفات والحال والهيئات
فيكتسى المشوق ما كسي المعشوق
حتى يظن انه من الحبيب كنهه
لشدة العلاقة والصدق في الصداقة
وهذه القضية في حكمها مرضية
اثبتها البيان النقل والعيان
لذاك قال الأول والحق لا يأوّل
نحن من المساعدة نحيى بروح واحدة
ومثلوا بالجسد والروح ذي التجرد
فالروح ان امرعنا تقول للجسم
انا وقال جد الناظم مستند الأعاظم
من للعلوم قد نشر منصور استاد البشر
ولم هاذا الحكم لم يقترن بعلم
وانه قد ظهرا مشاهداً بلا مرا
فمنه ما جرى لي في غابر الليالي
اصابني يوم الم من غير انذار الم
فاحترت منه عجبا لما فقدت السببا
واستغرقتني الفكر حتى اتاني الخبر
ان صديقا لي عرض لجسمه هذا المرض
فازداد عند علمي تصديق هذا الحكم فالصدق
في المحبة توجب هذي النسبة
فكن صديقا صادقا ولا تكن مماذقا
حتى تقول معلنا اني ومن اهوى انا
-----------
(فصل في تزاور الأخوان وتلاقيهم)
تزاور الإخوان من خالص الإيمان
ان التآخي شجرة لها التلاقي ثمرة
لا تترك الزيارة فتركها حقارة
كل أخ زوار وان تناءت دار
وقد رأوا آراء واختلفوا اهواء
في الحد للزيارة والمدة المختارة
فقيل كل يوم كالشمس بين القوم
وقيل كل شهر مثل طلوع القمر
وقيل ما نص الأثر عليه نصاً واشتهر
زر من تحب غبا تزدد اليه حبا
واختلفوا في السغب عن اي معنى ينبي
فقيل عن ايام خوفا من الابرام
وقيل عن اسبوع وقفا على المسموع
وقيل بل معناه زر يوماً ويوماً لا تزر
فاعمل بما تراه في وصل من تهواه
وزر اخاك عارفا بحقه ملاطفا
وان حللت منزله فاجعل صنيع الفضل له
واقبل اذا ما راما منه له الإكراما
فمن ابى الكرامة حلت به الملامة
وان اتاك زائرا فانهض اليه شاكرا
وقل مقال من شكر فضل الصديق وذكر
ان زارني بفضله او زرته لفضله
فالفضل في الحالين له ووصل
من تهوى صله والضم والمصافحة
من سنة المصالحة
او كان يوم عيد او جاء من بعيد
هذا هو المشهور يصنعه الجمهور
وقد اتى في الأثر عن النبي المنذر
تصافح الاخوان يسن كل آن ما افترقا
واجتمعا يغشاهما الخير معا.
----------
(فصل في محادثة الأخوان)
ان رمت ان تحدثا بما مضى او حدثا
لتونس الأصحابا فأحسن الخطابا
واختصر العبارة ولا تكن مهذارة
واختر من الكلام ما لاق بالمقام
من فائق العلوم ورائق المنظوم
واذكر من المنقول ما صح في العقول
واجتنب الغرائبا كيلا تظن كاذبا
وان اخوك اسمعا فكن له مستمعا
والزم له السكاتا واحسن الإنصاتا
ولا تكن ملتفتا عنه الى ان يسكتا
وان اتى بنقل سمعته من قبل
فلا تقل هذا الخبر علمته فيما غير
فلا تكذب ما روى ودع سبيل من غوى .
------------
(فصل في مزاح الأخوان ومداعبتهم)
المزح والدعابة من شيم الصحابة
فانه في الخلق عنوان حسن الخلق
تولي به السرورا خليلك المصدورا
فامزح مزاح من قسط وكن على حد وسط
واجتنب الايحاشا ولا تكن فحاشا
فالفحش في المزاح ضرب من السلاح
يجر للسخيمة والوظنة الوخيمة
وجانب الاكثارا وحاذر العثارا
وكثرة الدعابة تذهب بالمحابة
وعثرة اللسان توقع بالانسان
واحمل مزاح الأخوة وخل عنك النخوة
فالبسط في المصاحبة يفضي الى المداعبة
وان سمعت نادرة فلا تفه ببادرة
لا تغضبن فالغضب في المدح من سوء الأدب
وانظر الى المقام وقايل المقام
فان يكن وليا وصاحبا صفيا
فقوله وان نبا فهو الولاء المجتبى
وان يكن عدوا وكاشحا مجفوا
فقوله وان خلا لسامع هو البلا
الا ترى للعرب تقول عند العجب
قاتله الله ولا تقول ذاك عن قلا .
-----------
(فصل في ضيافة الاخوان)
اذا صديق طرقا من غير وعد سبقا
فقدّمن ما حضر فليس في البر خطر
ولا ترم تكلفا خير الطعام ما كفى
واعلم بان الالفة مسقطة للكافة
وان دعوت فاحتفل ولا تكن كمن بخل
وقم بحق الضيف في شتوة وصيف
واسأله عما يشتهي من طرق التفكه وأت
بما يقترح فلطف لا يستقبح
واعمل بقول الاول الضيف رب المنزل
واظهر الأناسا ولا تكن عباسا
فالبشر واللطافة خير من الضيافة
وخدمة الاضياف سجية الاشراف
احرس على سرورهم بالبسط في حضورهم
لا تشك دهراً عندهم ولا تكدر وردهم
واعلم عن الخدام في الفعل والكلام
وان اساؤا الادبا كيلا يروك مغضباً
وقدم الخوانا واكرم الاخوانا
عن انتظار من يجي فذاك فعل المهرج
وقد رووا فيما ورد اعظم ما يضني الجسد
مائدة تنتظر بأكلها من يحضر
انسهم في الاكل فعل الكريم الجزل
واطل الحديثا ولا تكن حثيثا
فاللبث بالطعام من شيم الكرام
وشيع الاضيافا ان طلبوا انصرافا
وان دعاك من تحب الى طعام فأجب
اجابة الصدّيق فرض على التحقيق
فان عجبت دعوته فاحذر وجانب جفوته
ولا تذر بصاحب أو احد الاقارب
واجلس بحيث اجلسك وانس به ما آنسك
لا تأب من كرامته وكف عن غرامته
إياك والتنقيلا ولا تكن ثقيلا
لا تحتقر ما احضرا ولا تعب ما حضرا
فالذم للطعام من شيمة الطغام
لا تحتشم من اكل كفعل أهل الجهل
ما جيء بالطعام إلا للالتقام .
----------
(فصل في عيادة الاخوان)
عيادة العليل فرض على الخليل
فعد اخاك ان مرض واعمل بحكم ما فرض
واسأله عن احواله باللطف في سؤاله
وسلّه عما به يسل عن اكتآبه وادع له
بالعافية والصحة الموافية
واحذر من التطويل يضجّر العليل
فمكث ذي الصداقة قدر احتلاب الناقة
إلا اذا ما التمسا بنفسه أن تجلسا
والعود للعيادة بعد ثلاث عادة
هذا لمن احبا وان تشأ فغبا
وسنة المعتل ايذان كل حل
ليقصدوا وفادته ويغنموا عيادته
وليترك الشكاية ويكتم النكاية
عن عائد وزائر فعل الكريم الصابر
وليحمد الله على بلائه بما ابتلى
ليحزر الثوابا والاجر والصوابا .
----------
(فصل في مكاتبة الاخوان)
تواصل الاحباب في البعد بالكتاب
فكاتب الاخوانا ولا تكن خوانا
فتركك المكاتبة ضرب من المجانبة
والبدؤ للمسافر فى الكتب لا للحاظر
والرد للجواب فرض بلا ارتياب .
----------
(فصل في التحذير من صحبة الاحمق)
لا تصحبن الاحمقا المائق الشمقمقا
عدو سوء عاقل ولا صديق جاهل
ان اصطحاب المائق من اعظم البوائق
فانه لحمقه وغوصه في عمقه
يحب جهلا فعله وان تكون مثله
يستحسن القبيحا ويبغض النصيحا
بيانه فهاهة وحمله سفاهة
وربما تمطى وكشف المغطى
لا يحفظ الأسرارا ولا يخاف عارا
يعجب من غير عجب يغضب من غير غضب
كثيره وجيز ليس له تميز
وربما اذا نظر اراد نفعا
فأضر كفعل ذاك الدب بخله المحب .
-----------
(حكاية الدب وانعكاس فعله الجميل)
رووا اولو الأخبار عن رجل سيار
ابصر في صحراء فسيحة الأرجاء
دبا عظيما موثقا في سرحة معلقا
يعوي عواء الكلب من شدة وكرب
فأدركته الشفقة عليه حتى اطلقه
وحله من قيده لأمنه من كيده
ونام تحت الشجرة منام من قد ضجره
طول الطريق والسفر فنام من فرط الضجر
فجاء ذاك الدب عن وجهه يدب
وقال ذاك الخل جفاه لا يحل
انقذني من اسري وفك قيد عسري
فحقه ان ارصده من كل سوء قصده
فأقبلت ذبابة ترن كالربابة
فوقعت لحيته على شفار عينه
فجاش غيظ الدب وقال لا وربي
لا ادع الذبابا ليسومه عذابا
فأسرع الدبيبا لصخرة قريبا
فقلها واقبلا يسعى اليه عجلا
حتى اذا حاذاه صك بها مجلاه
ليقتل الذبابة من غير ما ارابه
فرض منه الراسا وفرق الأضراسا
واهلك الخليلا بقصده الجليلا
فهذه الرواية تنهى عن الغواية
في طلب الصداقة عند اولي الحماقة
ان كان فعل الدب هذا لفرط الحب
وجاء في الصحيح نقلا عن المسيح
عالجت كل اكمه وابرص مشوه
لكنني لم أطق قط علاج الأحمق .
-----------
(فصل في التحذير عن مودة البخيل)
مودة البخيل جهل بلا تأويل
يستكثر القليلا ويحرم الخليلا
يبخل ان جدب عرا ولا يجود بالقرا
يمنع ذا الودادا موارد الامدادا
يقول لا ان سألا بخلا ويوليه القلا
يحرمه ما عنده ولا يراعي وده
ان رام منه قرضا رأى البعاد فرضا
يضن بالزهيد في الزمن الشديد
فصحبة الشحيح تمسك بالريح
لا تحسب المودة تحل منه عقدة
ان وجوه الحيلة في البخل مستحيلة
واسمع حديثاً عجبا قد نقلته الأدبا
في البخل عن مزبد مع ربرب لتهتدي .
-----------
(حكاية مزبد وربرب المدينة)
حكى اولوالأخبار وناقلو الآثار
عن غادة عطبول تلعب بالعقول
بطرفها الكحيل و خصرها النحيل
وخدها المورد وصدغها المزرد
وقدها القضيب وردفها الكثيب
وتعمر المغاني برنة الأغاني
كانت تسمى ربربا تحي النفوس طربا
وكانت الأشراف والسادة الظراف
يجمعهم مغناها ليسمعوا غناها
وكان مولاها فتى بكل ظرف نعثا
فاجتمعت جماعة للبسط والخلاعة
واستطردوا في النقل لذكر اهل البخل
فاتفقوا بأسرهم ان لم يروا في عصرهم
ولا رأوا فيما مضى من الزمان وانقضى
بل لا يكون ابدا شخصا على مزبدا
في بخله والشح وحرصه الملح
فقالت الفتاة لا الغادة
الا لايا اني لكم كفيلة بأخذه بالحيلة
حتى يجود بالذهب ويستقل ما وهب
فقال مولاها لها اشهد ارباب النهى
ان تخدعي مزبدا عليك حين ما بدا
لانثرن الذهبا عليك حتى يذهبا
قالت اذا جاء فلا تحجبه عني عجلا
وخل عنك الغيرة ولا تنفر طيرة
فقال اقسمت بمن حلاك بالخلق الحسن لارفعن الغيرة
ولو حباك ابره فأرسلوا رسولا يسأله الوصولا
فجاءهم عشية واحسن التحية
فأهلوا ورحبوا حتى اذا ما شربوا تساكروا
عن عمد وهوموا عن قصد كيما يروا ويسمعوا
لربرب ما تصنع فعندها رأتهم قد سكروا
وهوموا مالت الى مزبد بالبشر
والتودد واقبلت عليه مشيرة اليه
قالت ابا اسحق نعمت بالتلاق
كانني بنفسك اذ غرقت بانسك
تهوى بأن اغني سار الفريق عني
فقال زوجي طالق وخدمي عتائق
ان لم تكوني عارفة بالغيب او مكاشفة
فاستمعته وطرب ثم شقته وشرب
وخاطبته ثانية بلطفها مدانية
قالت ابا اسحاق يا سيد الرفاق
اني اظن قلبك يهوى جلوس قربك
لتلثم الخدودا وتقطف الورودا
فقال مالي صدقة وامرأتي مطلقة
ان لم تكوني في الورى ممن مضى
وغبرا عالمة بالغيب حقاً بغير ريب
فنهضت اليه وجلست لديه فضمها وقبلا
وقال نلت الأملا يا غرة الغواني ومنتهى الأماني
تفديك امي وابي وكل شاد مطرب
فحين ظنت انها قد اوسعته منّها قالت له الانرا لزلة
لن تغفرا من هؤلاء القوم في مثل هذا اليوم
يدعونني للطرب وكلهم يأنس بي
ولم يكن منهم فتى للبر بي ملتفتا
فيشتري ريحانا بدرهم مجانا
فهات انت درهما وفقهم تكرما
فقام منها ووثب وصاح يدعو من كثب
وقال مه اي زانية صليت ناراً انية
دنست علم الغيب منك بكل عيب
فضحك الأقوام من فعله وقاموا
وعملوا ان الخدع لم تجد في ذاك للكع
فأقبلت باللوم عليه بين القوم
فسبها واغضبا وسار عنهم مغضبا
فهذه الحكاية تكفي اولي الهداية
في شيمة البخيل ودائه الدخيل
------------
(فصل في التحذير من صحبة الكذاب)
صحابة الكذاب كلا مع السراب
يخلف ما يقول معلومه مجهول
يقرب البعيدا ويأمن الوعيدا
ويحلف الموعودا ولا يلين عودا
يمين في اليمين وليس بالأمين
وفي كلام الأدبا العلماء النجبا
لم يرفي القبائح وجملة الفضائح
كالكذب اوهى سببا ولا اضل مذهبا
ولا اعز طالبا ولا اذل صاحبا
يسلم من يعتصم به ومن يلتزم طلوعه
افول وفضله فضول غليله لا ينقع وخرقه
لا يرقع صاحبه مكذب وفي غد معذب
فجانب الكذابا واوله اجتنابا
فاسمع حديثاً عجبا في ذم من قد كذبا .
-----------
(حكاية الفتى البغدادي مع الأمير المهلبي)
روى اولو الأخبار وناقلو الآثار
عن حدث ذي ادب وخلق مهذب
ليسكن في بغداد في نعمه تلادي
فارق يوماً والده وطرفه وتالده
وحل ارض البصرة بلوعة وحسرة
فظل فيها حائرا يكابد الفواقرا
ولم يزل ذا فحص يسأل كل شخص
عمن بها من نازل وفاضل مشاكل
فوصفوا نديما ذا أدب كريما ينادم المهلب
وهو امير العرب فأمه وقصده وحين حل معهده
عرّفه بأمره وحلوه ومره
فقال انت تصلح بل خير من يستملح
لصحبة الأمير السيد الخطير
ان كنت ممن يصبر لخصلة يستنكر
فقال اي خصلة فيه تنافي وصله
فقال هذا رجل لا يعتريه الملل
من افتراه الكذب في حزن وطرب
فان اردت طوله فصدقن قوله
في كل ما يختلق ويفتري وينطق
حتى تنال نائله ولا ترى غوائله
قال الفتى سأفعل ذاك ولست اجهل
فذهب النديم وهو به زعيم
فعرف الأميرا بفضله كثرا حتى دعاه
فحضر وسره عند النظر فراشه
في الحال بكسوة ومال فلازم الملازمة
للأنس والمنادمة ولم يزل يصدقه
في كل افك يخلقه فقال يوماً
وافترى بهتاً وكذبا منكرا
لي عادة مستحسنة افعلها كل سنة
اطبخ للحجاج من لحم الدجاج
في فرد قدر نزلا يكفي الجميع اكلا
فحار ذلك الفتى من قوله وبهتا
وقال ليت شعري ما قدر هذا القدر
هل هي بين زمزم ام هي بحر القلزم
ام هي في الفضاء بادية الدهناء
فغضب الأمير وغاضه النكير
فقال ردوا صلته
منه وقدوا خلعته
واخرجوه الآنا عنا فلا يرانا
فندم الأديب وساءه التكذيب
وعاود النديما لعذره مقيما
وقال منذ دهري لم اشتعل بسكر
فغالني الشراب وحاق بي العذاب
وقلت ما لا اعقل والهفو قد يحتمل
فسل لي الاغضاءوالعفو والرضاء
قال النديم اني ارضيه بالتأني
بشرط ان تنيبا وتترك التكذيبا
فراجع الأميرا واستوهب التقصيرا
واستأنف الانعاما عليه والاكراما
فعاد للمنادمة باللطف والملائمة
فكان كلما كذب وقال افكا وانتذب
صدقه واقسما بكونه مسلما
حتى جرى في خبر ذكر كلاب عبقر
ووصفها بالصغر وخلقها المختصر
قال الأمير وابتكر ليس العيان كالخبر
قد كان منذ مدة لدي منها عدة
اضعها في مكحلة للهزل والخزعبلة
وكان عندي مسخرة اكحل منها بصره
فكانت الكلاب في عينه تنساب
وهي على مجونه تنبح في جفونه
فقام ذلك الفتى يقول لا عشت متى
صدقت هذا الكذبا شاء الأمير او ابى
ورد ما كساه به وما حباه
وراح يعدو عاريا من البلاء ناجيا
-----------
(فصل في التحذير من صحبة الاشرار)
وصحبة الأشرار اعظم في الأضرار
من خدعة الأعداء ومن عضال الداء
يقبحون الحسنا ودأبهم قول الخنا
شأنهم النميمة والشيم الذميمة
اذا أردت تصنع خيراً بشخص منعوا
الغل فيهم والحسد والشر حبل
من مسد ان منعوا ما طلبوا تنمروا
وكلبوا واعرضوا إعراضا ومزقوا الأعراضا
ليس لهم صلاح حرامهم مباح
لا يتقون قبحا ولا يعون نصحا
يغرون بالقبيح والضرو التبريح
كلامهم افحاش وأنفسهم ايحاش
الخير منهم وان والشرّ منهم
دان شيطانهم مطاع ودينهم مضاع
لا يرقبون الا ولا يرون خلا
اخلاصهم مداهنة وودهم مشاحنة
صلاحهم فساد رواجهم كساد
عزيزهم ذليل صحيحهم
عليل ضياؤهم ظلام وعذرهم
ملام تقريبهم تبعيد ووعدهم وعيد
اذا سألت ضنوا او منحوك منوا
وان عدلت مالوا وان سألت قالوا
ربحهم خسران وشكرهم كفران
شرابهم سراب وعذبهم عذاب
وفاقهم نفاق انجاحهم اخفاق
وفاؤهم محال وخصبهم امحال
ودادهم خداع وسرهم مذاع
اذعانهم لجاج معينهم اجاج
وليس فيهم عار من ادراع العار
البعد عنهم خير والقرب منهم
ضير فاحذرهم كل الحذر
لحاك لاح او عذر واسمع مقال الناصح
سمع اللبيب الراجح
وقال ارباب الحكم العالمين بالأمم
ان شئت ان تصاحبا من الأنام صاحبا
من حالة تريدها او حاجة تفيدها
فان اشار ناصحا بالخير كان صالحا
فأوله الصداقة ولا تخف شقاقه
فالخير فيه طبع واصله والفرع
وان اشار مغريا بالشر كان مغويا
فاجتنب اصطحابه واوجب اجتنابه
فالشيم الردية اضحت له سجية
هذا وقد تم الرجز بعون ربي ونجز
وهاكها احكاما احكمتها احكاما
كدرر البحور عى نحور الحور
تشنف المسامعا وتطرب المجامعا
تفحم كل ناظم وصادع وباغم
والحمد لله على ابلاغه المؤملا
ثم الصلاة ابدا على النبي احمدا
وآله الأطهار وصحبه الأبرار
ماطار طير وشذى ولاح فجر وبدى
حمداً لمن هداني بالنطق والبيان
واشرف الصلاة من واهب الصلات
على النبي الهادي وآله الأمجاد
وبعد فالكلام لحسنه اقسام
والقول ذوفنون في الجد والمحبون
وروضة الاريضي السجع والقريض
والشعر ديوان العرب وكم انال من ارب
فاقبل اذا رمت الأدب اليه من كل حدب
رواية الأشعار تكسو الأديب العاري
وترفع الوضيعا وتكرم الشفيعا
وتطرب الاخوانا وتذهب الأحزانا
وتنعش العشاقا وتونس المشتاقا
وتنسخ الأحقادا وتثبت الودادا
وتقدم الجبانا وتعطف الغضبانا
وتنعت الحبيبا والرشأ المريبا
وخيره ما أطربا مستمعاً وأعجبا
وهذه الأرجوزة في فنها وجيزة
بديعة الألفاظ تسهل للحفاظ
تطرب كل سامع بحسن لفظ جامع
ابياتها قصير ما شأنها قصور
ضمنتها معاني في عشرة الإخوان
تشرح للألباب محاسن الآداب
فان حسن العشرة ما حاز قوم عشرة
واكثر الإخوان في العصر والأوان
صحبتهم نفاق ما زانها وفاق
يلقي الخليل خله بظا اتى محله
بظاهر مموه وباطن مشوه
يظهر من صداقته ما هو فوق طاقته
والقلب منه خالي كفارغ المخالي حتى اذا ما انصرفا اعرض عن ذاك الصفا
وان يكن ثم حسد انشب انشاب الاسد
في عرضة مخالبه مستقصياً مثالبه
مجتهداً في غيبته لم يرع حق غيبته
فهذه صحبة من تراه في هذا الزمن
فلا تكن معتمدا على صديق أبداً
وان اطقت الا تصحب منهم خلا
فانك الموفق بل السعيد المطلق
وان قصدت الصحبة فخذ لها في الأهبة
واحرص على آدابها تعدّ من اربابها
واستنب عن شروطها والزم عرى مشروطها
وان اردت علمها وحدها ورسمها
فاستمله من رجزي هذا البديع الموجز
فانه كفيل بشرحه حفيل
فصلته فصولا تقرّب الوصولا
لمنهج الآداب في صحبة الاصحاب
تهدي جميع الصحب الى الطريق الرحب
سميتها اذ طربا بنظمنه واغربا
بنغمة الأغاني في عشرة الاخوان
والله ربي اسأل وهو الكريم المفضل
الهامي الامدادا ومنجي السدادا .
-----------
(فصل في تعريف الصديق والصداقة)
قالوا الصديق من صدق في حبه وما مذق
وقيل من لم يعطنا في قوله انت انا
وقيل لفظ لا يرى معناه في هذا الورى
وفسروا الصداقة بالحب حسب الطاقة
وقال من قد اطلقا هي الوداد مطلقا
وآخرون نصوا بأنها اخص
وهو الصحيح الراجح والحق فيه واضح
إذ خلة الصديق عند اولى التحيق
محبة بلا غرض والصدق فيها مفترض
ومطلق الحب أعم ومن ابى فقد زعم
وحدها المعقول عندي ما اقول
هي بلا اشتباه اخوة في الله
---------
(فصل فيما ينبغي ان يصادق ويصافا ويصاحب ويوافا)
اذا صحبت فاصحب ذا حسب ونسب
رب صلاح وتقى ينهاه عما يتقي
من غية وغدر وخدعة ومكر مهذب لاخلاق يطرب
للتلاقي يحفظ حق غيبتك يصون ما في عيبتك
يزينه ما زانكا يشينه ما شانكا
يظهر منك الحسنا ويذكر المستحسنا
ويكتم المعيبا ويحفظ المغيبا
يسره ما سركا ولا يذيع سركا
ان قال قولا صدقك او قلت انت صدقك
وان شكوت عسرا افدت منه يسرا
يلقاك بالأمان من حادث الزمان
يهدي لك النصيحة بنية صحيحة
خلته مدانية في العسر والعلانية
صحبته لا لغرض فذاك في القلب مرض
لم يتغير ان ولي عن الوداد الأول
يرعى عهود الصحبة لا سيما في النكبة
لا يسلم الصديقا ان بال يوما ضيقا
يعين ان امر عنا ولا يفوه بالخنا
يولي ولا يعتذر عما عليه يقدر
هذا هو الأخ الثقة المستحق للمقة
ان ظفرت يداكا به فكد عداكا
فانه السلاح والكف والجناح
وقد روى الرواة السادة الثقاة
عن الامام المرتضى سيف الآله المنتضى
في الصحب والاخوان انهما صنفان
اخوان صدق وثقة وانفس متفقة
هم الجناح واليد والكهف
والمستند والأهل والأقارب اذنتهم التجارب
فافدهم بالروح في القرب
والنزوح واسلك بحيث سلكوا
وابذل لهم ما تملك فلا يزول مالكا من دونهم لما لكا
وصاف من صافاهم وناف من نافاهم
واحفظهم وصنهم وانف الظنون عنهم
فهم اعز في الورى ان عنّ خطب او عرى
من احمر الياقوت بل من حلال القوت
واخوة للأنس ونيل حظ النفس
هم عصبة المجاملة لا الصدق في المعاملة
منهم تصيب لذتك اذ الهموم بدتك
فضلهم ما وصلوا وابذل لهم ما بذلوا
من ظاهر الصداقة بالبشر والطلاقة
ولا تسل ان ظهروا للود عما اضمروا
واطوهم مد الحقب طي السجل للكتب
وقال بشر الحافي بل عدة الأصناف
ثلاثة فالأول للدين و هو الافضل
وآخر للدنيا يهديك نجد العليا
وثالث للأنس لكونه ابن جنس
فأعط كلا ما يجب وعن سواهم فاحتجب
-----------
(فصل في شروط الصداقة وادابها)
صداقة الاخوان الخلص الأعوان
لها شروط عدة على الرخا والشدة
والرفق والتلطف والود والتعطف
وكثرة التعهد لهم بكل معهد
البر بالأصحاب من أحكم الأسباب
والنصح للاخوان من اعظم الانسان
والصدق والتصافي من أحسن الاوصاف
دع خدع المودة للأوجه المسودة
فالمحض في الاخلاص كالذهب الخلاص
حفظ العهود والوفا حق لأخوان الصفا
عاملهم بالصدق واصحب بحسن الخلق
والعدل والانصاف وقلة الخلاف
ولا قهم بالبشر وحيهم بالشكر
صفهم بما يستحسن واخف ما يستهجن
وان رأيت هفوة فانصحهم في الخلوة
بالرمز والاشارة والطف العبارة
اياك والتعنيفا والعذل والعنيفا
وان ترد عتابهم فلا تسيء خطابهم
وأحسن العتاب ما كان في كتاب
فالعتب في المشافهة ضرب من المسافهة
وعن امام النحل قاتل كل فحل
عابت اخاك الجاني بالبر والإحسان
حافظ على الصديق في الوسع والمضيق
فهو نصيب الروح ومرهم الجروح
وفي الحديث الناطق عن الإمام الصادق
من كان ذاحميم نجا من الجحيم
لقول اهل النار وعصبة الكفار
فما لنا من شافع ولا صديق نافع
والقرب في الخلائق امن من البوائق
فقارب الأخوانا وكن لهم معوانا
لا تسمع المقالا فيهم وان توالا
فمن اطاع الواشي سار بليل غاش
وضيع الصديقا وكذب الصديقا
وان سمعت قيلا يحتمل التأويلا
فاحمله خير محمل فعل الرجال الكمل
وان رأيت وهنا فلا تسمهم طعنا
فالطعن بالكلام عند ذوي الأحلام
انفذ في الجنان من طعنة السنان
فعد من زلاتهم وسد من خلاتهم
سل عنهم ان غابوا وزرهم ان آبوا
واستنب عن احوالهم وعف عن اموالهم
اطعهم ان امروا وصلهم ان هجروا
فقاطع الوصالا كقاطع الاوصالا
ان نصحوك فاقبل وان دعوك فاقبل
واصدقهم في الوعد فالخلف حق الوغد
واقبل اذا ما اعتذروا اليك مما ينكر
وارع صلاح حالهم واشفق على امحالهم
وكن له غياثا اذ الزمان عاثا
واعطهم ما املوا ان اخثصبوا او امحلوا .
----------
(فصل في اعانة الاخوان في نوائب الحدثان وحوادث الزمان وهو كما رقم)
حقيقة الصديق تعرف عند الضيق
وتخبر الاخوان اذا جفى الزمان
لا خير في اخاء يكون في الرخاء
وانما الصداقة في العسر والاضاقة
لا تدخر المودة الا ليوم السدة
ولا تعدّ الخلة الا لسد الخلة
عن اخاك واعضد وكن له كالعضد
لا سيما ان قعدا به الزمان أو عدي
بئس الخليل من نكل من حله اذا اتكل
لا تجف في حال اخا ضر الزمان او سخا
وان شكى من خطبه فزد من اللطف به
واسع لكشف كربته واحفظ عهود صحبته
وكن له كالنور في ظلمة الديجور
ولا تدع ولا تذر ما تستطيع من نظر
حتى يزول الهم ويكشف الملم
ان الصديق الصادقا من فرّج المضائقا
واكرم الأخوانا اذا شكوا هوانا
واسعف الحميما من حمله العظيما
وانجد الأصحابا ان ريب دهر نابا
اعانهم بماله ونفسه وآله
ولا يرى مقصرا في بذل مال وقرا
فعل ابي امامة مع خلة الحمامة
فان اردت فاسمع حديثهم كيما تعي
------------
(حديث الفار والحمامة وهو مثل لمعاونة الاخوان في نوائب الزمان)
روى اولو الاخبار وناقلوا الآثار
عن سرب طير سارب من الحمام الراعبي
بكر يوماً سحرا وسار حتى اسحرا
في طلب المعاش وهو ربيط الجاش
فابصروا على الثرا حبا منقا منثرا
فاحمدوا الصباحا واستيقنوا النجاحا
واسرعوا اليه وأقبلوا عليه حتى اذا ما اصطفوا
حذاءه اصفوا فصاح منهم حازم لنصحهم ملازم
مهلا فكم من عجلة ادنت لحي اجله
تمهلوا لا تقعوا وانصتوا لي واسمعوا
اليّة بالرب ما نثر هذا الحب
في هذه الفلات الا لأمر عاتي
اني ارى حبالا قد ضمنت وبالا
وهذه الشباك في ضمنها الهلاك
فكابدوا المجاعة وأنظروني ساعة
حتى ارى واختبروالفوز حق المصطبر فاعرضوا
عن قوله واستضحكوا من هوله قالوا
وقد غطى القدر السمع منهم والبصر
ليس على الحق مرا حب معدي للقرا
القي في التراب للأجر والثواب
ما فيه من محذور لجائع مضرور ا
غدوا على الغذاء فالجوع شر داء
فسقطوا جميعا للقطه سريعا
وما دروا ان الردى اكمن في ذاك الغذا
فوقعوا في الشبكة وايقنوا بالهلكة
وندموا وما الندم مجد وقد زلّ القدم
فأخذوا في الخبط لحل ذاك الربط
فالتوت الشباك والتفت الأشراك
فصاح ذاك الناصح ما كل سعي ناجح
هذا جزاء من عصى نصيحة وانتقصا
للحرص طعم مر وشره شمّر
وكم غدت امنية جالبة منية
وكم شقا في نعم ونقم في لقم
فقالت الجماعة دع الملام الساعة
ان اقبل القناص فما لنا مناص
والفرك في الفكاك من ورطة الهلاك
اولى من الملام وكثرة الكلام
وما يفيد اللاحي في القدر المتاح
فاحتل على الخلاص كحيلة ابن العاص
فقال ذاك الحازم طوع النصيح لازم
فان اطعتم نصحي ظفرتم بالنجح
وان عصيتم امري خاطرتم بالعمر
فقال كل هات فكرك في النجاة
جميعنا مطيع لما ترى سريع
وليس كل وقت يضل عقل الثبت
فقال لا ترتبكوا فتستمرم الشبك
واتفقوا في الهمة لهذه الملمة
حتى تطيروا بالشرك وتأمنوا من الدرك
ثم الخلاص بعد لكم علي وعد فقبلوا
مقاله وامتثلوا ما قاله واجتمعوا
في الحركة وارتفعوا بالشبكة
فقال سيروا عجلا سيراً يفوت الأجلا
ولا تملوا فالملل يعوق والخطب جلل
فأمهم وراحوا كأنهم رياح
واقبل الحبال في مشيه يختال
يحسب ان البركة قد وقعت في الشبكة
فأبصر الحماما قد حلقت اماما
وفلّت الحبالة واوقعت خياله
فعض غيضاً كفه على ذهاب الكفه
فراح يعدو خلفها يرجو اللحاق سفها
حتى اذا ما يئسا عادلها مبتئسا
واقبل الحمام كأنه غمام
على فلاة قفر من الأنام صفر
فقالت الحمامة بشراكم السلامة
هذا مقام الأمن من كل خوف يغني
وان اردتم فقعوا لا يعتريكم
فزع فهذه المومات لنا بها النجات
ولي بها خليل احسانه جزيل
ينعم بالفكاك من ربقة الشباك
فلجأوا اليها ووقعوا عليها
فنادت الحمامة اقبل ابا امامة
فأقبلت فويرة كانها نويرة
تقول من ينادي ابي بهذا الوادي
قال لها المطوق انا الخليل الشيق
قولي له فليخرج واذنيه بالمجي
فرجعت واقبلا فار يهد الجبلا
فأبطر المطوقا فضمه واعتنقا
فقال اهلا بالفتى ومرحبا بمن اتى
قدمت خير مقدم على الصديق الأعظم
فادخل بيمن داري وشرفن مقداري
وانزل برحب ودعة وجفنة مدعدعة
واشف جوى القلوب بوصلك المحبوب
فالشوق للتلاق قد بلغ التراقي
فقال كيف انعم ام كيف يهني المنعم
وهل يطيب عيش ام هل يقرّ طيش
واسرتي في الأسر يشكون كل عسر
اعناقهم في غل وكلهم في ذل
فقال مرني ائتمر عداك نحس مستمر
قال اقرض الحباله قرضا بلا ملالة
وخلص الأصحابا واغتنم الثوابا
وحل قيد اسرهم وفكهم من اسرهم
قال امرت طائعا وعبد ودّ سامعا
فقرض الشباكا وقطع الاشراكا
وخلص الحماما وقد رءا الحماما
فاعلنوا بحمده واعترفوا بمجده
فقال قروا عينا ولا شكوتم اينا
وقدم الحبوبا للأكل والمشروبا
وقام بالضيافة بالبشر واللطافة
اضافهم ثلاثا من بعد ما اغاثا
فقال ذاك الخل الخير لا يمل
فقت ابا امامه جودا على ابن مامة
وجيت بالصداقة بالصدق فوق الطاقة
البستنا اطواقا وزدتنا اطواقا
من فضلك الجميل وفعلك الجزيل
مثلك من يدخر لريب دهر
يحذر وترتجيه الصحب ان عز يوم خطب
فاذن بالإنصراف لنا بلا تجافي
دام لك الانعام ما غرد الحمام
ودمت مشكور النعم مارن شاد بنغم
فقال ذاك الفار جفا الصديق عار
ولست ارضى بعدكم لا ذقت يوماً فقدكم
ولا ارى خلافكم ان رمتم انصرافكم
عمتكم السلامة في الظعن والإقامة
فودعوا وانصرفوا والدمع منهم يذرف
فاعجب لهذا المثل المعرب المؤثل
او ردته ليحتذى اذا عرى الخل اذى .
------------
فصل باتحاد الصديقين واتصاف كل منهما بصفات الاخر)
الصدق في الوداد يقضي بالاتحاد
في النعت والصفات والحال والهيئات
فيكتسى المشوق ما كسي المعشوق
حتى يظن انه من الحبيب كنهه
لشدة العلاقة والصدق في الصداقة
وهذه القضية في حكمها مرضية
اثبتها البيان النقل والعيان
لذاك قال الأول والحق لا يأوّل
نحن من المساعدة نحيى بروح واحدة
ومثلوا بالجسد والروح ذي التجرد
فالروح ان امرعنا تقول للجسم
انا وقال جد الناظم مستند الأعاظم
من للعلوم قد نشر منصور استاد البشر
ولم هاذا الحكم لم يقترن بعلم
وانه قد ظهرا مشاهداً بلا مرا
فمنه ما جرى لي في غابر الليالي
اصابني يوم الم من غير انذار الم
فاحترت منه عجبا لما فقدت السببا
واستغرقتني الفكر حتى اتاني الخبر
ان صديقا لي عرض لجسمه هذا المرض
فازداد عند علمي تصديق هذا الحكم فالصدق
في المحبة توجب هذي النسبة
فكن صديقا صادقا ولا تكن مماذقا
حتى تقول معلنا اني ومن اهوى انا
-----------
(فصل في تزاور الأخوان وتلاقيهم)
تزاور الإخوان من خالص الإيمان
ان التآخي شجرة لها التلاقي ثمرة
لا تترك الزيارة فتركها حقارة
كل أخ زوار وان تناءت دار
وقد رأوا آراء واختلفوا اهواء
في الحد للزيارة والمدة المختارة
فقيل كل يوم كالشمس بين القوم
وقيل كل شهر مثل طلوع القمر
وقيل ما نص الأثر عليه نصاً واشتهر
زر من تحب غبا تزدد اليه حبا
واختلفوا في السغب عن اي معنى ينبي
فقيل عن ايام خوفا من الابرام
وقيل عن اسبوع وقفا على المسموع
وقيل بل معناه زر يوماً ويوماً لا تزر
فاعمل بما تراه في وصل من تهواه
وزر اخاك عارفا بحقه ملاطفا
وان حللت منزله فاجعل صنيع الفضل له
واقبل اذا ما راما منه له الإكراما
فمن ابى الكرامة حلت به الملامة
وان اتاك زائرا فانهض اليه شاكرا
وقل مقال من شكر فضل الصديق وذكر
ان زارني بفضله او زرته لفضله
فالفضل في الحالين له ووصل
من تهوى صله والضم والمصافحة
من سنة المصالحة
او كان يوم عيد او جاء من بعيد
هذا هو المشهور يصنعه الجمهور
وقد اتى في الأثر عن النبي المنذر
تصافح الاخوان يسن كل آن ما افترقا
واجتمعا يغشاهما الخير معا.
----------
(فصل في محادثة الأخوان)
ان رمت ان تحدثا بما مضى او حدثا
لتونس الأصحابا فأحسن الخطابا
واختصر العبارة ولا تكن مهذارة
واختر من الكلام ما لاق بالمقام
من فائق العلوم ورائق المنظوم
واذكر من المنقول ما صح في العقول
واجتنب الغرائبا كيلا تظن كاذبا
وان اخوك اسمعا فكن له مستمعا
والزم له السكاتا واحسن الإنصاتا
ولا تكن ملتفتا عنه الى ان يسكتا
وان اتى بنقل سمعته من قبل
فلا تقل هذا الخبر علمته فيما غير
فلا تكذب ما روى ودع سبيل من غوى .
------------
(فصل في مزاح الأخوان ومداعبتهم)
المزح والدعابة من شيم الصحابة
فانه في الخلق عنوان حسن الخلق
تولي به السرورا خليلك المصدورا
فامزح مزاح من قسط وكن على حد وسط
واجتنب الايحاشا ولا تكن فحاشا
فالفحش في المزاح ضرب من السلاح
يجر للسخيمة والوظنة الوخيمة
وجانب الاكثارا وحاذر العثارا
وكثرة الدعابة تذهب بالمحابة
وعثرة اللسان توقع بالانسان
واحمل مزاح الأخوة وخل عنك النخوة
فالبسط في المصاحبة يفضي الى المداعبة
وان سمعت نادرة فلا تفه ببادرة
لا تغضبن فالغضب في المدح من سوء الأدب
وانظر الى المقام وقايل المقام
فان يكن وليا وصاحبا صفيا
فقوله وان نبا فهو الولاء المجتبى
وان يكن عدوا وكاشحا مجفوا
فقوله وان خلا لسامع هو البلا
الا ترى للعرب تقول عند العجب
قاتله الله ولا تقول ذاك عن قلا .
-----------
(فصل في ضيافة الاخوان)
اذا صديق طرقا من غير وعد سبقا
فقدّمن ما حضر فليس في البر خطر
ولا ترم تكلفا خير الطعام ما كفى
واعلم بان الالفة مسقطة للكافة
وان دعوت فاحتفل ولا تكن كمن بخل
وقم بحق الضيف في شتوة وصيف
واسأله عما يشتهي من طرق التفكه وأت
بما يقترح فلطف لا يستقبح
واعمل بقول الاول الضيف رب المنزل
واظهر الأناسا ولا تكن عباسا
فالبشر واللطافة خير من الضيافة
وخدمة الاضياف سجية الاشراف
احرس على سرورهم بالبسط في حضورهم
لا تشك دهراً عندهم ولا تكدر وردهم
واعلم عن الخدام في الفعل والكلام
وان اساؤا الادبا كيلا يروك مغضباً
وقدم الخوانا واكرم الاخوانا
عن انتظار من يجي فذاك فعل المهرج
وقد رووا فيما ورد اعظم ما يضني الجسد
مائدة تنتظر بأكلها من يحضر
انسهم في الاكل فعل الكريم الجزل
واطل الحديثا ولا تكن حثيثا
فاللبث بالطعام من شيم الكرام
وشيع الاضيافا ان طلبوا انصرافا
وان دعاك من تحب الى طعام فأجب
اجابة الصدّيق فرض على التحقيق
فان عجبت دعوته فاحذر وجانب جفوته
ولا تذر بصاحب أو احد الاقارب
واجلس بحيث اجلسك وانس به ما آنسك
لا تأب من كرامته وكف عن غرامته
إياك والتنقيلا ولا تكن ثقيلا
لا تحتقر ما احضرا ولا تعب ما حضرا
فالذم للطعام من شيمة الطغام
لا تحتشم من اكل كفعل أهل الجهل
ما جيء بالطعام إلا للالتقام .
----------
(فصل في عيادة الاخوان)
عيادة العليل فرض على الخليل
فعد اخاك ان مرض واعمل بحكم ما فرض
واسأله عن احواله باللطف في سؤاله
وسلّه عما به يسل عن اكتآبه وادع له
بالعافية والصحة الموافية
واحذر من التطويل يضجّر العليل
فمكث ذي الصداقة قدر احتلاب الناقة
إلا اذا ما التمسا بنفسه أن تجلسا
والعود للعيادة بعد ثلاث عادة
هذا لمن احبا وان تشأ فغبا
وسنة المعتل ايذان كل حل
ليقصدوا وفادته ويغنموا عيادته
وليترك الشكاية ويكتم النكاية
عن عائد وزائر فعل الكريم الصابر
وليحمد الله على بلائه بما ابتلى
ليحزر الثوابا والاجر والصوابا .
----------
(فصل في مكاتبة الاخوان)
تواصل الاحباب في البعد بالكتاب
فكاتب الاخوانا ولا تكن خوانا
فتركك المكاتبة ضرب من المجانبة
والبدؤ للمسافر فى الكتب لا للحاظر
والرد للجواب فرض بلا ارتياب .
----------
(فصل في التحذير من صحبة الاحمق)
لا تصحبن الاحمقا المائق الشمقمقا
عدو سوء عاقل ولا صديق جاهل
ان اصطحاب المائق من اعظم البوائق
فانه لحمقه وغوصه في عمقه
يحب جهلا فعله وان تكون مثله
يستحسن القبيحا ويبغض النصيحا
بيانه فهاهة وحمله سفاهة
وربما تمطى وكشف المغطى
لا يحفظ الأسرارا ولا يخاف عارا
يعجب من غير عجب يغضب من غير غضب
كثيره وجيز ليس له تميز
وربما اذا نظر اراد نفعا
فأضر كفعل ذاك الدب بخله المحب .
-----------
(حكاية الدب وانعكاس فعله الجميل)
رووا اولو الأخبار عن رجل سيار
ابصر في صحراء فسيحة الأرجاء
دبا عظيما موثقا في سرحة معلقا
يعوي عواء الكلب من شدة وكرب
فأدركته الشفقة عليه حتى اطلقه
وحله من قيده لأمنه من كيده
ونام تحت الشجرة منام من قد ضجره
طول الطريق والسفر فنام من فرط الضجر
فجاء ذاك الدب عن وجهه يدب
وقال ذاك الخل جفاه لا يحل
انقذني من اسري وفك قيد عسري
فحقه ان ارصده من كل سوء قصده
فأقبلت ذبابة ترن كالربابة
فوقعت لحيته على شفار عينه
فجاش غيظ الدب وقال لا وربي
لا ادع الذبابا ليسومه عذابا
فأسرع الدبيبا لصخرة قريبا
فقلها واقبلا يسعى اليه عجلا
حتى اذا حاذاه صك بها مجلاه
ليقتل الذبابة من غير ما ارابه
فرض منه الراسا وفرق الأضراسا
واهلك الخليلا بقصده الجليلا
فهذه الرواية تنهى عن الغواية
في طلب الصداقة عند اولي الحماقة
ان كان فعل الدب هذا لفرط الحب
وجاء في الصحيح نقلا عن المسيح
عالجت كل اكمه وابرص مشوه
لكنني لم أطق قط علاج الأحمق .
-----------
(فصل في التحذير عن مودة البخيل)
مودة البخيل جهل بلا تأويل
يستكثر القليلا ويحرم الخليلا
يبخل ان جدب عرا ولا يجود بالقرا
يمنع ذا الودادا موارد الامدادا
يقول لا ان سألا بخلا ويوليه القلا
يحرمه ما عنده ولا يراعي وده
ان رام منه قرضا رأى البعاد فرضا
يضن بالزهيد في الزمن الشديد
فصحبة الشحيح تمسك بالريح
لا تحسب المودة تحل منه عقدة
ان وجوه الحيلة في البخل مستحيلة
واسمع حديثاً عجبا قد نقلته الأدبا
في البخل عن مزبد مع ربرب لتهتدي .
-----------
(حكاية مزبد وربرب المدينة)
حكى اولوالأخبار وناقلو الآثار
عن غادة عطبول تلعب بالعقول
بطرفها الكحيل و خصرها النحيل
وخدها المورد وصدغها المزرد
وقدها القضيب وردفها الكثيب
وتعمر المغاني برنة الأغاني
كانت تسمى ربربا تحي النفوس طربا
وكانت الأشراف والسادة الظراف
يجمعهم مغناها ليسمعوا غناها
وكان مولاها فتى بكل ظرف نعثا
فاجتمعت جماعة للبسط والخلاعة
واستطردوا في النقل لذكر اهل البخل
فاتفقوا بأسرهم ان لم يروا في عصرهم
ولا رأوا فيما مضى من الزمان وانقضى
بل لا يكون ابدا شخصا على مزبدا
في بخله والشح وحرصه الملح
فقالت الفتاة لا الغادة
الا لايا اني لكم كفيلة بأخذه بالحيلة
حتى يجود بالذهب ويستقل ما وهب
فقال مولاها لها اشهد ارباب النهى
ان تخدعي مزبدا عليك حين ما بدا
لانثرن الذهبا عليك حتى يذهبا
قالت اذا جاء فلا تحجبه عني عجلا
وخل عنك الغيرة ولا تنفر طيرة
فقال اقسمت بمن حلاك بالخلق الحسن لارفعن الغيرة
ولو حباك ابره فأرسلوا رسولا يسأله الوصولا
فجاءهم عشية واحسن التحية
فأهلوا ورحبوا حتى اذا ما شربوا تساكروا
عن عمد وهوموا عن قصد كيما يروا ويسمعوا
لربرب ما تصنع فعندها رأتهم قد سكروا
وهوموا مالت الى مزبد بالبشر
والتودد واقبلت عليه مشيرة اليه
قالت ابا اسحق نعمت بالتلاق
كانني بنفسك اذ غرقت بانسك
تهوى بأن اغني سار الفريق عني
فقال زوجي طالق وخدمي عتائق
ان لم تكوني عارفة بالغيب او مكاشفة
فاستمعته وطرب ثم شقته وشرب
وخاطبته ثانية بلطفها مدانية
قالت ابا اسحاق يا سيد الرفاق
اني اظن قلبك يهوى جلوس قربك
لتلثم الخدودا وتقطف الورودا
فقال مالي صدقة وامرأتي مطلقة
ان لم تكوني في الورى ممن مضى
وغبرا عالمة بالغيب حقاً بغير ريب
فنهضت اليه وجلست لديه فضمها وقبلا
وقال نلت الأملا يا غرة الغواني ومنتهى الأماني
تفديك امي وابي وكل شاد مطرب
فحين ظنت انها قد اوسعته منّها قالت له الانرا لزلة
لن تغفرا من هؤلاء القوم في مثل هذا اليوم
يدعونني للطرب وكلهم يأنس بي
ولم يكن منهم فتى للبر بي ملتفتا
فيشتري ريحانا بدرهم مجانا
فهات انت درهما وفقهم تكرما
فقام منها ووثب وصاح يدعو من كثب
وقال مه اي زانية صليت ناراً انية
دنست علم الغيب منك بكل عيب
فضحك الأقوام من فعله وقاموا
وعملوا ان الخدع لم تجد في ذاك للكع
فأقبلت باللوم عليه بين القوم
فسبها واغضبا وسار عنهم مغضبا
فهذه الحكاية تكفي اولي الهداية
في شيمة البخيل ودائه الدخيل
------------
(فصل في التحذير من صحبة الكذاب)
صحابة الكذاب كلا مع السراب
يخلف ما يقول معلومه مجهول
يقرب البعيدا ويأمن الوعيدا
ويحلف الموعودا ولا يلين عودا
يمين في اليمين وليس بالأمين
وفي كلام الأدبا العلماء النجبا
لم يرفي القبائح وجملة الفضائح
كالكذب اوهى سببا ولا اضل مذهبا
ولا اعز طالبا ولا اذل صاحبا
يسلم من يعتصم به ومن يلتزم طلوعه
افول وفضله فضول غليله لا ينقع وخرقه
لا يرقع صاحبه مكذب وفي غد معذب
فجانب الكذابا واوله اجتنابا
فاسمع حديثاً عجبا في ذم من قد كذبا .
-----------
(حكاية الفتى البغدادي مع الأمير المهلبي)
روى اولو الأخبار وناقلو الآثار
عن حدث ذي ادب وخلق مهذب
ليسكن في بغداد في نعمه تلادي
فارق يوماً والده وطرفه وتالده
وحل ارض البصرة بلوعة وحسرة
فظل فيها حائرا يكابد الفواقرا
ولم يزل ذا فحص يسأل كل شخص
عمن بها من نازل وفاضل مشاكل
فوصفوا نديما ذا أدب كريما ينادم المهلب
وهو امير العرب فأمه وقصده وحين حل معهده
عرّفه بأمره وحلوه ومره
فقال انت تصلح بل خير من يستملح
لصحبة الأمير السيد الخطير
ان كنت ممن يصبر لخصلة يستنكر
فقال اي خصلة فيه تنافي وصله
فقال هذا رجل لا يعتريه الملل
من افتراه الكذب في حزن وطرب
فان اردت طوله فصدقن قوله
في كل ما يختلق ويفتري وينطق
حتى تنال نائله ولا ترى غوائله
قال الفتى سأفعل ذاك ولست اجهل
فذهب النديم وهو به زعيم
فعرف الأميرا بفضله كثرا حتى دعاه
فحضر وسره عند النظر فراشه
في الحال بكسوة ومال فلازم الملازمة
للأنس والمنادمة ولم يزل يصدقه
في كل افك يخلقه فقال يوماً
وافترى بهتاً وكذبا منكرا
لي عادة مستحسنة افعلها كل سنة
اطبخ للحجاج من لحم الدجاج
في فرد قدر نزلا يكفي الجميع اكلا
فحار ذلك الفتى من قوله وبهتا
وقال ليت شعري ما قدر هذا القدر
هل هي بين زمزم ام هي بحر القلزم
ام هي في الفضاء بادية الدهناء
فغضب الأمير وغاضه النكير
فقال ردوا صلته
منه وقدوا خلعته
واخرجوه الآنا عنا فلا يرانا
فندم الأديب وساءه التكذيب
وعاود النديما لعذره مقيما
وقال منذ دهري لم اشتعل بسكر
فغالني الشراب وحاق بي العذاب
وقلت ما لا اعقل والهفو قد يحتمل
فسل لي الاغضاءوالعفو والرضاء
قال النديم اني ارضيه بالتأني
بشرط ان تنيبا وتترك التكذيبا
فراجع الأميرا واستوهب التقصيرا
واستأنف الانعاما عليه والاكراما
فعاد للمنادمة باللطف والملائمة
فكان كلما كذب وقال افكا وانتذب
صدقه واقسما بكونه مسلما
حتى جرى في خبر ذكر كلاب عبقر
ووصفها بالصغر وخلقها المختصر
قال الأمير وابتكر ليس العيان كالخبر
قد كان منذ مدة لدي منها عدة
اضعها في مكحلة للهزل والخزعبلة
وكان عندي مسخرة اكحل منها بصره
فكانت الكلاب في عينه تنساب
وهي على مجونه تنبح في جفونه
فقام ذلك الفتى يقول لا عشت متى
صدقت هذا الكذبا شاء الأمير او ابى
ورد ما كساه به وما حباه
وراح يعدو عاريا من البلاء ناجيا
-----------
(فصل في التحذير من صحبة الاشرار)
وصحبة الأشرار اعظم في الأضرار
من خدعة الأعداء ومن عضال الداء
يقبحون الحسنا ودأبهم قول الخنا
شأنهم النميمة والشيم الذميمة
اذا أردت تصنع خيراً بشخص منعوا
الغل فيهم والحسد والشر حبل
من مسد ان منعوا ما طلبوا تنمروا
وكلبوا واعرضوا إعراضا ومزقوا الأعراضا
ليس لهم صلاح حرامهم مباح
لا يتقون قبحا ولا يعون نصحا
يغرون بالقبيح والضرو التبريح
كلامهم افحاش وأنفسهم ايحاش
الخير منهم وان والشرّ منهم
دان شيطانهم مطاع ودينهم مضاع
لا يرقبون الا ولا يرون خلا
اخلاصهم مداهنة وودهم مشاحنة
صلاحهم فساد رواجهم كساد
عزيزهم ذليل صحيحهم
عليل ضياؤهم ظلام وعذرهم
ملام تقريبهم تبعيد ووعدهم وعيد
اذا سألت ضنوا او منحوك منوا
وان عدلت مالوا وان سألت قالوا
ربحهم خسران وشكرهم كفران
شرابهم سراب وعذبهم عذاب
وفاقهم نفاق انجاحهم اخفاق
وفاؤهم محال وخصبهم امحال
ودادهم خداع وسرهم مذاع
اذعانهم لجاج معينهم اجاج
وليس فيهم عار من ادراع العار
البعد عنهم خير والقرب منهم
ضير فاحذرهم كل الحذر
لحاك لاح او عذر واسمع مقال الناصح
سمع اللبيب الراجح
وقال ارباب الحكم العالمين بالأمم
ان شئت ان تصاحبا من الأنام صاحبا
من حالة تريدها او حاجة تفيدها
فان اشار ناصحا بالخير كان صالحا
فأوله الصداقة ولا تخف شقاقه
فالخير فيه طبع واصله والفرع
وان اشار مغريا بالشر كان مغويا
فاجتنب اصطحابه واوجب اجتنابه
فالشيم الردية اضحت له سجية
هذا وقد تم الرجز بعون ربي ونجز
وهاكها احكاما احكمتها احكاما
كدرر البحور عى نحور الحور
تشنف المسامعا وتطرب المجامعا
تفحم كل ناظم وصادع وباغم
والحمد لله على ابلاغه المؤملا
ثم الصلاة ابدا على النبي احمدا
وآله الأطهار وصحبه الأبرار
ماطار طير وشذى ولاح فجر وبدى