ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    و قيل : يا أرض ابلعي ماءك و يا سماء أقلعي ... الآية

    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    و قيل : يا أرض ابلعي ماءك و يا سماء أقلعي ... الآية Empty و قيل : يا أرض ابلعي ماءك و يا سماء أقلعي ... الآية

    مُساهمة من طرف أحمد السبت سبتمبر 25, 2010 8:10 am

    هذه الآية من أبلغ آيات القرآن الكريم
    حتى أنه يروى فيها قصة (و الله أعلم بما إذا كانت صحيحة أم لا) ، و هي أن ابن المقفع (الأديب البليغ) مترجم (كليلة و دمنة) كان قد عزم على معارضة القرآن الكريم (بمعنى أن يأتي بمثله ، و العياذ بالله) ، فبدأ يعارض آيات القرآن حتى وصل إلى هذه الآية ( و هي في سورة هود) ، فلما أدرك قوة إعجازها البياني قام بتمزيق كل الأوراق التي كتبها !!
    و الله أعلم .
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    و قيل : يا أرض ابلعي ماءك و يا سماء أقلعي ... الآية Empty رد: و قيل : يا أرض ابلعي ماءك و يا سماء أقلعي ... الآية

    مُساهمة من طرف أحمد السبت سبتمبر 25, 2010 8:11 am

    (و قيل : يا أرض ابلعي ماءك
    و يا سماء أقلعي
    و غيض الماء
    و قضي الأمر
    و استوت على الجودي
    و قيل : بعدا للقوم الظالمين)

    قال الإمام السيوطي في (الإتقان) :

    وقوله ‏{‏وقيل يا أرض ابلعي ماءك‏}‏ الآية أمر فيها ونهى وأخبر ونادى ونعت وسمى وأهلك وأبقى وأسعد وأشقى وقص من الأنباء ما لوشرح ما ندرج في هذه الجملة من بديع اللفظ والبلاغة والإيجاز والبيان لجفت الأقلام وقد أفردت بلاغة هذه الآية بالتأليف‏.‏

    وفي العجائب للكرماني‏:‏ أجمع المعاندون على أن طوق البشر قاصر عن الإتيان بمثل هذه الآية بعد أن فتشوا جميع كلام العرب والعجم فلم يجدوا مثلها في فخامة ألفاظها وحسن نظمها وجودة معانيها في تصوير الحال مع الإيجاز من غير إخلال .
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    و قيل : يا أرض ابلعي ماءك و يا سماء أقلعي ... الآية Empty رد: و قيل : يا أرض ابلعي ماءك و يا سماء أقلعي ... الآية

    مُساهمة من طرف أحمد السبت سبتمبر 25, 2010 8:13 am

    يقول القاسمي : (هذه الآية بلغت من أسرار الإعجاز غايتها، وحوت من بدائع الفرائد نهايتها، وقد اهتم علماء البيان بإيضاح تحب من لطائفها، ومن أوسعهم مجالاً في مضمار معارفها الإمام السكاكي فقد أطال وأطاب في كتابه المفتاح، وتلطف في البيان بألطف من نسيم الصباح، ونحن نورده بتمامه لنعطر الألباب بعرف مبتدئه ومسك ختامه، قال عليه الرحمة في بحث البلاغة والفصاحة، وتعريفها الأول: بأنها بلوغ المتكلم في تأدية المعاني حداً له اختصاص بتوفية خواص التراكيب حقها، وإيراد أنواع التشبيه والمجاز والكناية على وجهها، ثم تقديمه للفصاحة إلى ما يرجع إلى المعنى، وهو خلوص الكلام عن التعقيد، وإلى اللفظ وهو كونه عربياً أصلياً، جارياً على قوانين اللغة، أدور على ألسنة الفصحاء، وأكثر في الاستعمال. يقول: وإذ قد وقفت على البلاغة وعثرت على الفصاحة المعنوية واللفظية، فأنا أذكر على سبيل الأنموذج آية أكشف لك فيها عن وجوه البلاغة والفصاحتين ما عسى يسترها عنك، ثم إن ساعدك الذوق أدركت منها ما قد أدرك من تحدوا بها. يعني: أن من تحدوا بها من جهابذة اللغة والبلاغة والبيان والأدب وهم فحول قريش، قد رأوا بما عندهم من مفاهم البلاغة ومعرفتها ما أعجزهم عن أن يأتوا بمثل القرآن الكريم، فهذه المعاني أدركها هؤلاء لعلو شأوهم في الفصاحة وفي البلاغة، وعجزوا عن أن يأتوا بمثلها. يقول: وهي قوله علت كلمته: وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [هود:44]، والنظر في هذه الآية من أربعة جهات: من جهة علم البيان. ومن جهة علم المعاني، وهما مرجعا البلاغة. ومن جهة الفصاحة المعنوية. ومن جهة الفصاحة اللفظية.

    الجهة الأولى: علم البيان في قوله تعالى: (وقيل يا أرض ابلعي ماءك)



    أما النظر فيها من جهة علم البيان، وهو النظر فيما فيها من المجاز والاستعارة والكناية وما يتصل بها فنقول: إنه عز سلطانه لما أراد أن يبين معنى: أردنا أن نرد ما انفجر من الأرض إلى بطنها فارتد، وأن نقطع طوفان السماء فانقطع، وأن نغيض الماء النازل من السماء فغاض، وأن نقضي أمر نوح، وهو إنجاز ما كنا وعدنا من إغراق قومه فقضي، وأن نسوي السفينة على الجودي فاستوت، وأبقينا الظلمة غرقى، بنى الكلام على تشبيه المراد منه بالمأمور الذي لا يتأتى منه -لكمال هيبته- العصيان، وتشبيه تكوين المراد بالأمر الجازم النافذ في تكوين المقصود، تصويراً لاقتداره العظيم، وأن السماوات والأرض وهذه الأجرام العظام تابعة لإرادته، إيجاداً وعدماً، ولمشيئته تغييراً وتبديلاً كأنها عقلاء مميزون قد عرفوه حق معرفته. لا شك أنه لا ينبغي القول بأن القرآن فيه مجاز، لأنه لا مانع على الإطلاق أن الله سبحانه وتعالى يخلق في الأرض إدراكاً بحيث تخاطب، كما في هذا الموضع: (( وقيل يا أرض ابلعي ماءك )) ما المانع أن يخاطب الله الأرض فتمتثل حقيقة هذا الأمر؟! وكذلك قوله: (( ويا سماء أقلعي ))، وقد قال تعالى: فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ [فصلت:11]، ما الذي يمنع أن يكون القول حقيقياً، وأن تكون الإجابة منهما أيضاً حقيقية. يقول: كأنها عقلاء مميزون قد عرفوه حق معرفته، وأحاطوا علماً بوجوب الانقياد لأمره، والإذعان لحكمه، وتحتم بذل المجهود عليهم في تحصيل مراده، وتصور مزيد اقتداره، فعظمت مهابته في نفوسهم، وضربت سرادقها في أفنية ضمائرهم، فكما يلوح لهم إشارته، كان المشار إليه مقدماً، وكما يرد عليهم أمره كان المأمور به متمماً، لا تلقي لإشارته بغير الإمضاء والانقياد، ولا لأمره بغير الإذعان والامتثال. ثم بنى على تشبيهه هذا نظم الكلام فقال جل وعلا: (وقيل) على سبيل المجاز المرسل عن الإرادة الواقع بسببها قول القائل، وجعل قرينة المجاز الخطاب للجماد وهو (يا أرض!) (ويا سماء!). ثم قال كما ترى: (يا أرض!) (ويا سماء!) مخاطباً لهما على سبيل الاستعارة للشبه المذكور، ثم استعار لمرور الماء في الأرض البلع: (ابلعي ماءك) الذي هو إعمال الجاذبة في المطعوم للشبه بينهما، وهو الذهاب إلى مقر خفي، ثم استعار الماء للغذاء استعارة بالكناية تشبيهاً له بالغذاء؛ لتقوى الأرض بالماء في الإنبات للزروع والأشجار تقوي الآكل بالطعام، وجعل قرينة الاستعارة لفظة (ابلعي) لكونها موضوعة للاستعمال في الغذاء دون الماء. ثم أمر على سبيل الاستعارة للشبه المقدم ذكره، وخاطب في الأمر ترشيحاً لاستعارة النداء. ثم قال: (( وقيل يا أرض ابلعي ماءك )) بإضافة الماء إلى الأرض على سبيل المجاز، تشبيهاً لاتصال الماء بالأرض باتصال الملك بالمالك، يعني: كأن الأرض تملك هذا الماء. واختار ضمير الخطاب لأجل الترشيح، ثم اختار لاحتباس المطر الإقلاع الذي هو ترك الفاعل فعله للشبه بينهما في عدم ما كان، ثم أمر على سبيل الاستعارة وخاطب في الأمر قائلاً: (( ويا سماء أقلعي )) بمثلما تقدم في (( ابلعي )) ثم قال: (( وغيض الماء )) فلم يصرح بمن غاض الماء. (( وقضي الأمر )): ولم يصرح أيضاً بمن قضي عليه الأمر، ومن سوى السفينة. (( وقيل بعداً )) كما لم يصرح بقائل: (يا أرض!) (ويا سماء!) في صدر الآية. سلك في كل واحد من ذلك سبيل الكناية، بمعنى: أن تلك الأمور العظام لا تتأتى إلا من ذي قدرة قهار لا يغالب، فلا مجال لذهاب الوهم إلى أن يكون غيره -جلت عظمته- قائلاً: (يا أرض!) (ويا سماء!). هذه حقيقة مقررة لا تحتاج لبيانها وتوضيحها؛ لأنه لا يتصور أن يقدر على هذه الأفعال إلا الله سبحانه وتعالى، ولذلك قال: وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [هود:44]. فهو قهار لا يغالب، فلا مجال لذهاب الوهم أن يكون غيره -جلت عظمته- هو قائل: (يا أرض!) (ويا سماء!) ولا غائض مثلما غاض، ولا قاضي مثل ذلك الأمر الهائل، وأن تكون تسوية السفينة وإقرارها بتسوية غيره وإقراره، ثم ختم الكلام بالتعريض بالدعاء على قوم نوح بالهلاك: (( وقيل بعداً للقوم الظالمين )) تنبيهاً لسالكي مسلكهم في تكذيب الرسل ظلماً لأنفسهم، وإظهار لمكان السخط، ولجهة استحقاقهم إياه، وأن قيامة الطوفان وتلك الصورة الهائلة ما كانت إلا لظلمهم.

    الجهة الثانية: علم المعاني في قوله تعالى: (وقيل يا أرض ابلعي ماءك)



    قال: أما النظر فيها من حيث علم المعاني، وهو النظر في فائدة كل كلمة منها، وجهة كل تقديم وتأخير فيما بين جملها، فذلك أنه اختير (يا) دون سائر أخواتها؛ لكونها أكثر في الاستعمال، وأنها دالة على بعد المنادى الذي يستدعيه مقام إظهار العظمة. المقام هنا مقام إظهار عظمة الله سبحانه وتعالى، فيناسب أن تنادى الأرض والسماء بنداء البعيد: (يا أرض!) (ويا سماء!) فمقام العظمة يستدعي وجود البعد بين مرتبة الخالق الآمر والمخلوق الذي يؤمر هنا. قال: وأنها دالة على بعد المنادى الذي يستدعيه مقام إظهار العظمة وإبداء شأن العزة والجبروت، وهو تبعيد المنادى المؤذن بالتهاون به، ولم يقل: يا أرضي بالإضافة؛ لإبداء التهاون. يعني: لو أنه قال: يا أرضي ابلعي ماءك، فمثل هذه الإضافة يكون فيها تكريم للأرض وتشريف، لكنه قال: (يا أرض ابلعي ماءك) لإبداء التهاون، فترك هذه النسبة. ولم يقل: يا أيتها الأرض! لقصد الاختصار، مع الاحتراز عما في (أيتها) من تكلف التنبيه غير المناسب للمقام. واختير لفظ الأرض دون سائر أسمائها؛ لكونها أخف وأدوم، دون سائر أسمائها. أي: كالغبراء أو المقلة من أسماء الأرض؛ لكنه استعمل لفظة الأرض. واختير لفظ السماء بمثلما تقدم في الأرض. أي: لم يقل: الخضراء أو المظلة أو غير ذلك من أسماء السماء، مع قصد المطابقة؛ لأنها في مقابلة الأرض. واختير لفظ: (ابلعي) على ابتلعي؛ لكونه أقصر، ولمجيء خط التجانس بينه وبين (أقلعي). (( وقيل يا أرض ابلعي ماءك )) لما كان في الجمع من صورة الاستكثار المتأبي عنها مقام إظهار الكبرياء والجبروت، وهو الوجه في إفراد الأرض والسماء، وإنما لم يقل: ابلعي بدون المفعول؛ لئلا يستلزم تركه ما ليس بمراد من تعميم الابتلاع للجبال والتلال والبحار وساكنات الماء بأسرهن، نظراً إلى مقام ورود الأمر الذي هو مقام عظمة وكبرياء؛ لأنه ممكن أن الأرض تبتلع الجبال وتبتلع التلال وتبتلع البحار، لكن قال: (( وقيل يا أرض ابلعي ماءك )). ثم بيَّن المراد واختصر الكلام مع أقلعي: (( ويا سماء أقلعي )) ولا يحتاج هنا إلى أن يذكر أقلعي عن الماء؛ احترازاً عن الحشو المستغنى عنه. وهو الوجه في أن (( قيل يا أرض ابلعي ماءك )) فبلعت (( ويا سماء أقلعي )) فأقلعت. واختير غيض على غيّض المشدد لكونه أقصر. وقيل: (( وغيض الماء )) ولم يقل: وغيض ماء طوفان السماء. وقيل: (( وقضى الأمر )) دون أن يقال: أمر نوح، وهو إنجاز ما كان الله وعد نوحاً من إهلاك قومه؛ لقصد الاقتصار والاستغناء بحرف التعريف عن ذلك. وقيل: (( واستوت على الجودي )) ولم يقل: سويت على الجودي؛ بمعنى: أقرت على الجودي. وقيل: وغيض وقضي بالبناء للمفعول اعتباراً ببناء الفعل للفاعل مع السفينة، في قوله: (( وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ ))، فلما جاء ذكر السفينة بني الفعل للمعلوم فناسب أن يقول هنا: (( واستوت )) ولم يقل: وسويت على الجودي جرياً على السياق الذي جرى من قبل وهو قوله: (( وهي تجري بهم في موج )) مع قصد الاختصار في اللفظ. ثم قال: (( وقيل بعداً للقوم )) ولم يقل: ليبعد القوم؛ طلباً للتأكيد مع الاختصار، وهو نزول (بعداً) وحده منزلة ليبعدوا بعداً، مع فائدة أخرى: وهي استعمال اللام مع بعداً الدال على معنى أن البعد لصيق بهم وحق له؛ لأنه لو قال: ليبعد القوم لما ظهرت اللام. (( الظالمين )) هنا أطلق الظلم ليتناول كل نوع حتى يدخل فيه ظلمهم أنفسهم، لزيادة التنبيه على فظاعة سوء اختيارهم في تكذيب الرسل. هذا من حيث النظر إلى تركيب الكلمة والألفاظ، وأما من حيث النظر إلى تركيب الجمل فذاك أنه قد قدم النداء على الأمر: (( وقيل يا أرض ابلعي ويا سماء أقلعي )) ولم يقل: ابلعي يا أرض! ولم يقل: أقلعي يا سماء! جرياً على مقتضى اللازم فيمن كان مأموراً حقيقة من تقديم التنبيه؛ ليمكن الأمر الوارد عقبه في نفس المنادى. ثم قدم أمر الأرض على أمر السماء: (( وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي ))؛ لأن الطوفان ابتدأ من الأرض، وبنزولها منزلة الأصل، والأصل بالتقديم أولى. ثم أتبعهما قوله: (( وغيض الماء )) لاتصاله بقصة الماء، وغيض الماء النازل من السماء فغاض، ثم أتبعه ما هو مقصود من القصة وهو قوله: (( وقضي الأمر )) أي: بإنجاء نوح ومن معه في السفينة، ثم أتبعه حديث السفينة وهو قوله: (( واستوت على الجودي ))، ثم ختمت القصة بما ختمت وهو التعريض الذي سبق بيانه. هذا كله نظر في الآية من جانبي البلاغة.

    الجهة الثالثة: الفصاحة المعنوية في قوله تعالى: (وقيل يا أرض ابلعي ماءك)



    أما النظر فيها من جانب الفصاحة المعنوية: فهي كما ترى نظم للمعاني لطيف، وتأدية لها ملخصة مبينة، وفي أوجز وأقصر عبارة وأبلغها يقول عز وجل: وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [هود:44]، لا تعقيد يعكر الفكرة في طلب المراد، ولا التواء يشيك الطريق إلى المراد، بل إذا جربت نفسك عند اجتماعها وجدت ألفاظها تسابق معانيها ومعانيها تسابق ألفاظها، فما من لفظة في تركيب الآية ونظمها تسبق إلى أذنك إلا ومعناها أسبق إلى قلبك. وهذا من أعظم مظاهر الإعجاز في هذه الآية الكريمة، فكأن المعنى في مسابقة مع اللفظ حتى كاد المعنى يسبق إلى قلبك قبل أن يصل اللفظ إلى أذنك من شدة الوضوح وسلاسة التعبير.

    الجهة الرابعة: الفصاحة اللفظية في قوله تعالى: (وقيل يا أرض ابلعي ماءك)



    أما النظر فيها من جانب الفصاحة اللفظية، فألفاظها على ما ترى عربية مستعملة، جارية على قوانين اللغة، سليمة من التنافر، بعيدة عن البشاعة، عذبة على العذبات، سلسة على الأسلات، كل منها كالماء في السلاسة، وكالعسل في الحلاوة، وكالنسيم في الرقة، ولله در شأن التنزيل لا يتأمل العالم آية من آياته إلا أدرك لطائف لا تسع الحصر. ولا تظنن هذه الآية الكريمة مقصورة على ما ذكرت من البلاغة والفصاحة، وإنما هذه مجرد إشارات، لكن من تمعن وتحرى سيجد ما هو أضعاف أضعاف هذه الفوائد، ولعل ما تركت أكثر مما ذكرت، لأن المقصود لم يكن إلا مجرد الإشارة بكيفية اجتناء ثمرات علمي المعاني والبيان، وأن لا علم في باب التفسير بعد علم الأصول أقرأ منهما عن المرء لمراد الله تعالى من كلامه، ولا أعون على تعاطي تأويل مشتبهاته، ولا أنفع في درك لطائف نكته وأسراره، ولا أكشف للقناع على وجه إعجازه، وهو الذي يوفي كلام رب العزة من البلاغة حقه، ويصون له في مظان التأويل ماءه ورونقه، ولكَم من آية من آيات القرآن تراها قد ضيمت حقها، واستلبت ماؤها ورونقها، إن وقعت إلى من ليسوا من أهل هذا العلم، فأخذوا بها في مآخذ مردودة، وحملوها على محامل غير مقصودة، وهم لا يدرون ولا يدرون أنهم لا يدرون، فتلك الآي من مآخذهم في عويل، ومن محاملهم على ويل طويل: وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف:104].
    انتهى كلام السكاكي .
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    و قيل : يا أرض ابلعي ماءك و يا سماء أقلعي ... الآية Empty رد: و قيل : يا أرض ابلعي ماءك و يا سماء أقلعي ... الآية

    مُساهمة من طرف أحمد السبت سبتمبر 25, 2010 8:13 am

    http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=FullContent&audioid=168780


    ذكر من ألف ذكر شيئاً في إعجاز الآية الكريمة



    وقد تصدى أبو حيان أيضاً في تفسيره المسمى بالنهر للطائفها، وساق أحداً وعشرين نوعاً من البديع. وألف السيد محمد بن إسماعيل الأمير رسالة مستقلة في هذه الآية الكريمة سماها: النهر المورود في تفسير آية هود، وهي في استخراج أوجه الإعجاز والبلاغة في هذه الآية الكريمة، أورد تلك الأنواع البديعية أيضاً وهي: المناسبة، والمطابقة، والمجاز، والاستعارة، والإشارة، والتمثيل، والإرداف، والتعليل، وحسن التقسيم، والاحتراف، والإيضاح، والمساواة، وحسن النسق، والإيجاز، والتسهيم، والتهذيب، وحسن البيان، والتمكين، والتجنيس، والمقابلة، والذم، والوصف. إن هذا البحث يحتاج إلى تفصيل أكثر من هذا، لكن هذا أنموذج من الثمرات التي يقطفها العلماء من علم إعجاز القرآن الكريم، انظر كم من عناوين لبعض البحوث لا نعرف معناها مثل: التسهيم والاحتراف والإيضاح، وغير هذه من الاصطلاحات الفنية في علم البلاغة، ومن خبرها وسبر غورها فإنه يستطيع أن يتذوق حلاوة القرآن الكريم. فهذه إشارة وأنموذج لما يمكن أن يستنبط من الكنوز من كلام الله سبحانه وتعالى فإنه لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ [فصلت:42]. فإذاً علم الإعجاز علم ضخم جداً وعلم عالي القدر، وهو من أشرف علوم القرآن الكريم. المؤلفات في إعجاز القرآن كثيرة جداً، لكن هذا بحر لا يتمكن من الغوص فيه إلا من كان خبيراً بهذا الغوص؛ حتى يستطيع أن يستخرج هذه اللآلئ.

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 14, 2024 7:40 pm