ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    بعض أحكام الردة والمرتدين

    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    بعض أحكام الردة والمرتدين Empty بعض أحكام الردة والمرتدين

    مُساهمة من طرف أحمد الأربعاء فبراير 03, 2010 12:34 pm

    أنا مسرور لأني وصلت إلى موقعك هذا ، وقد ولدت مسلماً وتلقيت الكثير من التعليم الإسلامي بعد بلوغي ، وأحاول استيعاب وفهم أمور ديني .
    وقد قرأت في بعض إجابتك المتعلقة بموضوع الردة أن عقوبة المرتد القتل ، لكني قرأت في أحد المواقع في الانترنت أن المرتد الذي يقتل هو الذي يتخذ موقفاً محارباً للدين . وأنا أميل إلى الرأي الثاني أكثر .
    والسبب في ذلك أن لي اصدقاء ولدوا من عائلات إسلامية ويتسمون بأسماء إسلامية لكن بعضهم لا يعرف كيف يتوضأ وكيف يصلي ولكنهم يعرفون الشهادتين .
    فهل يمكن أن نعتبر هؤلاء مرتدين ونقتلهم ؟.

    الحمد لله

    أولاً :

    على المسلم أن لا يميل إلى قول دون قول لمجرد موافقة القول لهواه أو لعقله ، بل لا بد أن يأخذ الحكم بدليله من الكتاب والسنة ، ولا بد أن يقدِّم نصوص الشريعة وأحكامها على كل شيء مما عداها .

    ثانيا :

    الردة والخروج من الإسلام قد تكون بالقلب أو اللسان أو العمل .

    فقد تكون الردة بالقلب كتكذيب الله تعالى ، أو اعتقاد وجود خالق مع الله عز وجل ، أو بغض الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم .

    وقد تكون الردة قولاً باللسان كسبِّ الله تعالى أو رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

    وقد تقع الردة بعمل ظاهر من أعمال الجوارح كالسجود للصنم ، أو إهانة المصحف ، أو ترك الصلاة .

    والمرتد شرٌّ من الكافر الأصلي .

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية – في الرد على الاتحادية الباطنية - :

    "ومعلوم أن التتار الكفار خير من هؤلاء فإن هؤلاء مرتدون عن الإسلام من أقبح أهل الردة ، والمرتد شرٌّ من الكافر الأصلي من وجوه كثيرة" اهـ .

    مجموع الفتاوى " ( 2 / 193 ) .

    ثالثاً :

    ليس كل مسلم وقع في الكفر يكون كافرا مرتداً ، فهناك أعذار قد يعذر بها المسلم ولا يحكم بكفره ، منها :

    الجهل ، والتأويل ، والإكراه ، الخطأ .

    أما الأول : فهو أن يكون الرجل جاهلاً لحكم الله تعالى ، بسبب بعده عن ديار الإسلام كالذي ينشأ في البادية أو في ديار الكفر أو أن يكون حديث عهد بجاهلية ، وقد يدخل في هؤلاء كثير من المسلمين الذين يعيشون في مجتمعات يغلب فيها الجهل ، ويقل العلم ، وهم الذي استشكل السائل الحكم بتكفيرهم وقتلهم .

    والثاني : هو أن يفسر الرجل حكم الله تعالى على غير مراد الشرع ، كمن قلد أهل البدع فيما تأولوه كالمرجئة والمعتزلة والخوارج ونحوهم .

    والثالث : كما لو تسلط ظالم بعذابه على رجل من المسلمين فلا يخلي سبيله حتى يصرح بالكفر بلسانه ليدفع عنه العذاب ، ويكون قلبه مطمئناً بالإيمان .

    والرابع : ما يسبق على اللسان من لفظ الكفر دون قصد له .

    وليس كل واحدٍ ممن جهل الوضوء والصلاة يمكن أن يكون معذوراً وهو يرى المسلمين يقومون بالصلاة ويؤدونها ، ثم هو يقرأ ويسمع آيات الصلاة ، فما الذي يمنعه من أدائها أو السؤال عن كيفيتها وشروطها ؟ .

    رابعاً :

    المرتد لا يقتل مباشرة بعد وقوعه في الردة ، لا سيما إذا كانت ردته بسبب شبهة حصلت له ، بل يستتاب ويعرض عليه الرجوع إلى الإسلام وتزال شبهته إن كان عنده شبهة فإن أصر على الكفر بعد ذلك قتل .

    قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/18) :

    المرتد لا يُقْتَلُ حَتَّى يُسْتَتَابَ ثَلاثًا . هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ; مِنْهُمْ عُمَرُ , وَعَلِيٌّ , وَعَطَاءٌ , وَالنَّخَعِيُّ , وَمَالِكٌ , وَالثَّوْرِيُّ , وَالأَوْزَاعِيُّ , وَإِسْحَاقُ , وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ . . . . لأَنَّ الرِّدَّةَ إنَّمَا تَكُونُ لِشُبْهَةٍ , وَلا تَزُولُ فِي الْحَالِ , فَوَجَبَ أَنْ يُنْتَظَرَ مُدَّةً يَرْتَئِي فِيهَا , وَأَوْلَى ذَلِكَ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ اهـ .

    وقد دلت السنة الصحيحة على وجوب قتل المرتد .

    روى البخاري (6922) عن ابْن عَبَّاسٍ قَالَ : قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) .

    وروى البخاري ( 6484 ) ومسلم ( 1676 ) عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس ، والثيب الزاني ، والتارك لدينه المفارق للجماعة ) .

    وعموم هذه الأحاديث يدل على وجب قتل المرتد سواء كان محاربا أو غير محارب .

    والقول بأن المرتد الذي يقتل هو المحارب للدين فقط مخالف لهذه الأحاديث ، وقد جعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السبب في قتله هو ردته لا محاربته للدين .

    ولا شك أن بعض أنواع الردة أقبح من بعض ، وأن ردة المحارب أقبح من ردة غيره ، ولذلك فرّق بعض العلماء بينهما ، فلم يوجب استتابة المحارب ولا قبول توبته ، بل يقتل ولو تاب ، وأما غير المحارب فتقبل توبته ولا يقتل . وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .

    قال رحمه الله :

    الردة على قسمين : ردة مجردة ، وردة مغلظة شرع القتل على خصوصها ، وكلتاهما قد قام الدليل على وجوب قتل صاحبها ؛ والأدلة الدالة على سقوط القتل بالتوبة لا تعمّ القسمين ، بل إنما تدل على القسم الأول – أي : الردة المجردة - ، كما يظهر ذلك لمن تأمل الأدلة على قبول توبة المرتد ، فيبقى القسم الثاني – أي: الردة المغلظة - وقد قام الدليل على وجوب قتل صاحبه ، ولم يأت نص ولا إجماع بسقوط القتل عنه ، والقياس متعذر مع وجود الفرق الجلي ، فانقطع الإلحاق ، والذي يحقق هذه الطريقة أنه لم يأت في كتاب ولا سنة ولا إجماع أن كل من ارتد بأي قول أو أي فعل كان فإنه يسقط عنه القتل إذا تاب بعد القدرة عليه ، بل الكتاب والسنة والإجماع قد فرّق بين أنواع المرتدين ....

    " الصارم المسلول " ( 3 / 696 ) .

    والحلاّج من أشهر الزنادقة الذين تمّ قتلهم دون استتابة ، قال القاضي عياض :

    وأجمع فقهاء بغداد أيام المقتدر من المالكية على قتل الحلاج وصلبه لدعواه الإلهيــة والقول بالحلول ، وقوله : " أنا الحق " مع تمسكه في الظاهر بالشريعة ، ولم يقبلوا توبته .

    " الشفا بتعريف حقوق المصطفى " ( 2 / 1091 ) .

    وعليه : فيتبين خطأ ما قاله الأخ السائل من كون المرتد لا يقتل إلا إن كان محارباً للدين ، والتفريق الذي ذكرناه عن شيخ الإسلام ابن تيمية لعله أن يزيل الإشكال ويوضح المراد .

    والمحاربة للدين ليست قاصرة على محاربة السلاح فقط ، بل المحاربة تكون باللسان كسب الإسلام أو النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوالطعن في القرآن ونحو ذلك . بل قد تكون المحاربة باللسان أشد من المحاربة بالسلاح في بعض الصور .

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية :

    المحاربة نوعان : محاربة باليد ، ومحاربة باللسان ، والمحاربة باللسان في باب الدين قد تكون أنكى من المحاربة باليد - كما تقدم تقريره في المسألة الاولى - ، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يَقتل من كان يحاربه باللسان مع استبقائه بعض من حاربه باليد ، خصوصاً محاربة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته؛ فإنها إنما تمكن باللسان ، وكذلك الإفساد قد يكون باليد ، وقد يكون باللسان ، وما يفسده اللسان من الأديان أضعاف ما تفسده اليد ، كما أن ما يصلحه اللسان من الأديان أضعاف ما تصلحه اليد ، فثبت أن محاربة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم باللسان أشد ، والسعي في الأرض لفساد الدين باللسان أوكد .

    " الصارم المسلول " ( 3 / 735 ) .

    خامساً :

    وأما ترك الصلاة : فالصحيح أن تاركها كافر مرتد . راجع السؤال (5208) .

    والله أعلم .


    الإسلام سؤال وجواب
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    بعض أحكام الردة والمرتدين Empty رد: بعض أحكام الردة والمرتدين

    مُساهمة من طرف أحمد الأربعاء يونيو 05, 2013 10:42 am

    أدلة وجوب قتل المرتد:

    ـ في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة».

    ـ وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يحل دم المسلم، إلا بثلاث: إلا أن يزني وقد أحصن فيرجم، أو يقتل إنسانا فيقتل، أو يكفر بعد إسلامه فيقتل».(صحيح)

    ـ وفي البخاري عن عكرمة، أن عليا رضي الله عنه، حرَّق قوما، فبلغ ابن عباس رضي الله عنهما فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تعذبوا بعذاب الله«، ولقتلتهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه».ي)..

    ـ في ((الصحيحين)) أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا موسى الأشعري رضي الله عنه واليا إلى اليمن، ثم أتبعه معاذ بن جبل رضي الله عنه، فلما قدم عليه ألقى أبو موسى وسادة لمعاذ، وقال: انزل، وإذا رجل عنده موثق، قال معاذ: ما هذا؟ قال: كان يهوديا فأسلم ثم تهود، قال: اجلس، قال: لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله ـ ثلاث مرات ـ فأمر به فقتل.

    ـ في الصحيحين عن أبي هريرة، قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر لأبي بكر: كيف تقاتل الناس؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه، إلا بحقه وحسابه على الله»، فقال: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه، فقال عمر: «فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق».

    ـ عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبيه، قال: أخذ ابن مسعود قوما ارتدوا عن الإسلام من أهل العراق؛ فكتب فيهم إلى عمر فكتب إليه: «أن اعرض عليهم دين الحق، وشهادة لا إله إلا الله فإن قبلوها= فخل عنهم، وإن لم يقبلوها= فاقتلهم، فقبلها بعضهم= فتركه، ولم يقبلها بعضهم = فقتله». (صحيح).

    ـ وعَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: أُتِيَ عَلِيٌّ بِشَيْخٍ كَانَ نَصْرَانِيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ، ثُمَّ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: «لَعَلَّكَ إِنَّمَا ارْتَدَدْتَ لِأَنْ تُصِيبَ مِيرَاثًا ثُمَّ تَرْجِعَ إِلَى الْإِسْلَامِ» قَالَ: لَا. قَالَ: «فَلَعَلَّكَ خَطَبْتَ امْرَأَةً فَأَبَوْا أَنْ يُنْكِحُوكَهَا فَأَرَدْتُ أَنْ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ تَرْجِعَ إِلَى الْإِسْلَامِ» قَالَ: لَا. قَالَ: «فَارْجِعْ إِلَى الْإِسْلَامِ» قَالَ: أَمَا حَتَّى أَلْقَى الْمَسِيحَ فَلَا، فَأَمَرَ بِهِ عَلِيٌّ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ، وَدُفِعَ مِيرَاثُهُ إِلَى وَلَدِهِ الْمُسْلِمِينَ .(صحيح).
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    بعض أحكام الردة والمرتدين Empty رد: بعض أحكام الردة والمرتدين

    مُساهمة من طرف أحمد الأربعاء يونيو 05, 2013 10:43 am

    الحمد لله وحده..

    فهذا تقرير عقوبة المرتد بكلام علماء المسلمين، مع الحرص على النقول المحررة المحققة عنهم؛ تعضيدًا لما سبق ذكره بالنقل والعقل عن هذه العقوبة، مع ملاحظة أني سأذكر أقوالهم في تقرير عقوبة المرتد بقطع النظر عن قول من يقول بعدم قتل المرتدة وبقطع النظر عن خلافهم هل يستتاب أم لا؛ لأن كل العلماء حتى الذين يقولون بعدم قتل المرتدة وحتى الذين يقولون بالاستتابة ويرفعون مدتها إلى شهر أو شهرين(وهو أقصى ما ثبت عن الأئمة) كل هؤلاء يقرون أن بعد هذه المدة اليسيرة يقتل المرتد ولو لم يكن محاربًا وهذا هو محل الحجة على المخالفين في ذلك من المعاصرين..

    الإمام أبو حنيفة:
    «قلت(أي: لأبي حنيفة): أَرَأَيْت الرجل الْـمُسلم إِذا ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام كَيفَ الحكم فِيهِ قَالَ: يعرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام فَإِن أسلم وَإِلَّا قتل مَكَانَهُ إِلَّا أَن يطْلب أَن يُؤَجل فتؤجله ثَلَاثَة أَيَّام قلت: فَهَل بلغك فِي هَذَا أثر قَالَ: نعم بلغنَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قتل الْمُرْتَد نَحْو من هَذَا وبلغنا عَن عَليّ بن أبي طَالب وعبد الله بن مَسْعُود ومعاذ بن جبل نَحْو من هَذَا وَهَذَا الحكم وَالسّنة» «السير الصغير» (ص/197).

    «وسئل: أَرَأَيْت الْمُرْتَد هَل تُؤْكَل ذَبِيحَته قَالَ: لَا قلت: وَإِن كَانَ نَصْرَانِيّا قَالَ: وَإِن كَانَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْزِلَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ أَلا ترى أَنه لَا يتْرك على دينه حَتَّى يسلم أَو يقتل» «السير الصغير» (ص/200).

    الإمام الشافعي : قال في «الأم»:
    «فلم يختلف المسلمون أنه لا يحل أن يفادى بمرتد بعد إيمانه ولا يمن عليه ولا تؤخذ منه فدية ولا يترك بحال حتى يسلم أو يقتل». «الأم» (6/169).
    وقال: «وَقَدْ آمَنَ بَعْضُ النَّاسِ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ فَلَمْ يَقْتُلْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَتَلَ مِنْ الْمُرْتَدِّينَ مَنْ لَمْ يُظْهِرِ الْإِيمَانَ». «الأم» (6/180).

    الإمام أحمد:
    في «مسائله- برواية ابنه الفضل»: «وَقَالَ أبي: الْمُرْتَد يُسْتَتَاب ثَلَاثَة أَيَّام حَدِيث عمر أَلا أدخلتموه بَيْتا وَابْن مَسْعُود استتاب وَقتل وَحَدِيث أنس يروي عَن عمر أدخلهم من الْبَاب الَّذِي خَرجُوا مِنْهُ أحب إِلَيّ من كَذَا وَكَذَا وقصة معَاذ قدم الْيمن وَقد كَانَ أَبُو مُوسَى استتاب الرجل شهرا فَقَالَ معَاذ: لَا أنزل حَتَّى أضْرب عُنُقه، وَقَالَ أبي: التبديل الْإِقَامَة على الشّرك فَأَما من تَابَ فَإِنَّهُ لَا يكون تبديلا أَرْجُو».(2/476)
    وفي «مسائل عبد الله»: «سَمِعت أبي: يَقُول فِي الْمُرْتَد: يُسْتَتَاب ثَلَاث فَإِن تَابَ وإلا قتل على حَدِيث عمر بن الْخطاب».(430).

    الإمام الترمذي:
    «عن عكرمة: أن عليا حرق قوما ارتدوا عن الإسلام فبلغ ذلك ابن عباس فقال : لو كنت أنا لقتلتهم؛ لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم: «من بدل دينه فاقتلوه»... هذا حديث صحيح حسن والعمل على هذا عند أهل العلم في المرتد». «سنن الترمذي» (1458).

    الإمام ابن جرير الطبري:
    قال في «تفسيره»: «المسلمون جميعا قد نقلوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أنه أكره على الإسلام قوما فأبى أن يقبل منهم إلا الإسلام وحكم بقتلهم إن امتنعوا منه وذلك كعبده الأوثان من مشركي العرب وكالمرتد عن دينه دين الحق إلى الكفر». «تفسير الطبري» (3/17).

    الإمام ابن عبد البر:
    قال «التمهيد»:
    «من ارتد عن دينه حل دمه، وضربت عنقه، والأمة مجتمعة على ذلك، وإنما اختلفوا في استتابته .. فالقتل بالردة - على ما ذكرنا - لا خلاف بين المسلمين فيه و لا اختلفت الرواية و السنة عن النبي صلى الله عليه و سلم فيه». «التمهيد» (5/306-318 ).
    الإمام أبو محمد ابن حزم:
    قال في « المحلى»: «هَذِهِ الآيَةَ لَيسَت عَلَى ظاهِرِها؛ لأََنَّ الأُمَّةَ مُجمِعَةٌ عَلَى إكراهِ المُرتَدِّ عَن دِينِهِ فَمِن قائِلٍ: يُكرَهُ وَلاَ يُقتَلُ، وَمِن قائِلٍ: يُكرَهُ وَيُقتَلُ».

    الإمام المنذري:
    «الناس مخيرون بين إحدى ثلاث كما جاء عند المصنف (الإمام مسلم) من حديث سليمان بن بريدة عن أبيه، إما الإسلام، فإن أبوا فالجزية، فإن أبوا فالقتال، ولذلك ? ? {لا إكراه في الدين} البقرة: 256 ولم يعرف في تاريخ المسلمين أنهم أكرهوا أحدًا على الدخول في الإسلام، اللهم إلا أن يكون ذلك في المرتدين فإنه لا يقبل منهم إلا الإسلام أو يقتلون». «مختصر مسلم» (1/5).
    الإمام ابن قدامه:
    قال: «المرتد: هو الراجع عن دين الإسلام إلى الكفر ... وأجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتد». «المغني» (9/16).
    أبو الحسن الماوردي:
    قال في «الحاوي»: «فإذا ثبت خطر الردة بكتاب الله تعالى فهي موجبة للقتل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع صحابته رضي الله عنهم». «الحاوي» (13/147)
    الإمام تقي الدين ابن دقيق العيد:
    قال: «قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «لا يحل دم امرىء مسلم .. إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة».. و المراد بـ «الجماعة»: جماعة المسلمين وإنما فراقهم بالردة عن الدين وهو سبب لإباحة دمه بالإجماع في حق الرجل». «إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام» (4/84).
    الإمام النووي:
    قال: «و يقتل المرتد بضرب الرقبة .. ولا خلاف أنه لا يخلى في مدة الإمهال بل يحبس ولا خلاف أنه لو قتل قبل الاستتابة أو قبل مضي مدة الإمهال لم يجب بقتله شيء وإن كان القاتل مسيئا بفعله». «روضة الطالبين» (10 /76).
    وفي «شرح صحيح مسلم»: «قوله في اليهودي الذي أسلم: «ثم ارتد .. فأمر به فقتل». فيه: وجوب قتل المرتد وقد أجمعوا على قتله لكن اختلفوا في استتابته، هل هي واجبه أم مستحبة». «شرح النووي على صحيح مسلم»(12/208).
    شيخ الإسلام ابن تيميه :
    قال في «الصارم المسلول»: «رد الخروج من الدين يوجب القتل وإن لم يفارق جماعة الناس»1/320.
    وقال: «وقد استقرت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلي من وجوه متعددة: منها: أن المرتد يقتل بكل حال». «الفتاوى الكبرى» (3/555) انتهى.
    ويقول شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى»: «طائفة كانت مسلمه فارتدت عن الإسلام .. وهؤلاء أعظم جرما عند الله – وعند رسوله و المؤمنين من الكافر الأصلي من وجوه كثيرة. فإن هؤلاء يجب قتلهم حتما ما لم يرجعوا إلى ما خرجوا عنه لا يجوز أن يعقد لهم ذمة ولا هدنه ولا أمان ولا يطلق أسيرهم ولا يفادى بمال ولا رجال ويقتل من قاتل منهم ومن لم يقاتل كالشيخ الهرم والأعمى والزَّمِن – باتفاق العلماء .. فالكافر المرتد أسوأ حالا في الدين والدنيا من الكافر المستمر على كفره .. وفيهم صنف رابع شر من هؤلاء؛ وهم قوم ارتدوا عن شرائع الإسلام وبقوا مستمسكين بالانتساب إليه. فهؤلاء الكفار المرتدون والداخلون فيه من غير التزام لشرائعه والمرتدون عن شرائعه لا عن سمته: كلهم يجب قتالهم بإجماع المسلمين حتى يلتزموا شرائع الإسلام وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله وحتى تكون كلمة الله – التي هي: كتابه وما فيه من أمره ونهيه و خبره – هي العليا. هذا إذا كانوا قاطنين في أرضهم فكيف إذا استولوا على أراضي الإسلام من العراق وخراسان... والروم؟! فكيف إذا قصدوكم وصالوا عليكم بغيا وعدوانا؟! «مجموع الفتاوى» (28/413- 416 ).

    الإمام ابن رجب: قال في كتابه ((جامع العلوم و الحكم)): « النبي صلى الله عليه و سلم قال: «لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث: رجل كفر بعد إسلامه أو زنى بعد إحصانه أو قتل نفسا بغير نفس» .. والقتل بكل واحدة من هذه الخصال الثلاث متفق عليه بين المسلمين».

    الإمام الشوكاني :
    قال: «قتل المرتد عن الإسلام متفق عليه في الجملة». «السيل الجرار» (4/ 372).
    الطاهر ابن عاشور:
    قال: «حكمة تشريع قتل المرتد مع أن الكافر بالأصالة لا يقتل= أن الارتداد خروج فرد أو جماعة من الجامعة الإسلامية فهو بخروجه من الإسلام بعد الدخول فيه ينادي على أنه لما خالط هذا الدين وجده غير صالح ووجد ما كان عليه قبل ذلك أصلح فهذا تعريض بالدين واستخفاف به، وفيه أيضا تمهيد طريق لمن يريد أن ينسل من هذا الدين وذلك يفضي إلى انحلال الجامعة، فلو لم يجعل لذلك زاجر ما انزجر الناس ولا نجد شيئا زاجرا مثل توقع الموت، فلذلك جعل الموت هو العقوبة للمرتد حتى لا يدخل أحد في الدين إلا على بصيرة، وحتى لا يخرج منه أحد بعد الدخول فيه، وليس هذا من الإكراه في الدين المنفي بقوله تعالى: {لا إكراه في الدين} البقرة: 256 على القول بأنها غير منسوخة، لأن الإكراه في الدين هو إكراه الناس على الخروج من أديانهم والدخول في الإسلام وأما هذا فهو من الإكراه على البقاء في الإسلام». «التحرير والتنوير»(2/319).
    الشيخ محمد متولي الشعراوي:
    قال: «الذين اعترضوا على القصاص اعترضوا أيضًا على إقامة حَدّ الردَّة، ورأوا فيه وحشية وكَبْتًا للحرية الدينية التي كفَلها الإسلام في قوله تعالى: {لا إكراه في الدين} البقرة: 256
    والحقيقة أن الإسلام حينما شرع حَدَّ الردة، وقال بقتل المرتد عن الدين أراد أن يُصعِّب على غير المسلمين الدخول في الإسلام، وأن يُضيِّق عليهم هذا الباب حتى لا يدخل في الإسلام إلا مَنْ أخلص له، واطمأنَّ قلبه إليه، وهو يعلم تمامًا أنه إنْ تراجع عن الإسلام بعد أن دخل فيه فجزاؤه القتل.
    فهذه تُحسَب للإسلام لا عليه؛ لأنه اشترط عليك أولًا، وأوضح لك عاقبة ما أنت مُقدِم عليه.
    أما حرية الدين والعقيدة فهي لك قبل أن تدخل الإسلام دخولًا أوليًّا، لا يجبرك أحد عليه، فلك أنْ تظلَّ على دينك كما تحب، فإنْ أردتَ الإسلام فتفكّر جيدًا وتدبّر الأمر وابحثه بكل طاقات البحث لديك». «تفسيره».
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    بعض أحكام الردة والمرتدين Empty رد: بعض أحكام الردة والمرتدين

    مُساهمة من طرف أحمد الأربعاء يونيو 05, 2013 10:43 am

    عقوبة المرتد..بالعقل



    بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

    الحمد لله وحده..
    مشكلة حرية الاعتقاد والفرق بين موقف الإسلاميين المقيد بالوحي وبين موقف الليبراليين الوضعي الفلسفي،هي من المشكلات الدقيقة التي يحتاج تحريرها إلى بسط تاريخي واستدلالي.
    لكني أكتفي في هذا المقال بالكلام عن الردة ومدى انسجام موقف الوحي منها مع العقل الصحيح؛لبيان أن الشريعة التي قررها الله سبحانه في الوحي هي شريعة عقلانية تفوق في سمو مقاصدها وسلامة بناءها العقلي الشرائعَ الوضعية التي يزعم الليبراليون ونحوهم أنها هي المناسبة لزماننا وأنها زبدة نتاج العقل الإنساني في العصر الحديث.
    وإذا ثبت أن هذه الشريعة الثابتة بالوحي جارية على أصول العقل السليم،يمكن إثبات حسنها بالعقل= امتنع تقديم الشرائع الوضعية عليها؛ لأنه إما أن يقال إن شريعة الوحي جمعت العقل الصحيح مع كونها صادرة عن الله الخالق المدبر العليم الخبير فاجتمع لها حسنان أوجبا تقديمها،وإما أن يقال إنها شريعة ثبتت صلاحيتها بأدلة عقلية وجب على من يطعن فيها أن يرد على هذه الأدلة العقلية وأن يثبت أن الشريعة التي يستند هو إليها قامت على أصول عقلية أحسن وأوفى،أما تقديم الشرائع والقوانين الوضعية على القوانين الثابتة بالوحي مع عدم خوض هذا المعترك الاستدلالي المقارن فهو نهج غير علمي وتحيز غير موضوعي،يأباه المنهج العلمي الصحيح ويرفضه العقل الحر .
    وواضح جداً أنني لن أتكلم عن عقوبة المرتد وصورتها في الشريعة وخلاف الفقهاء حولها وحول شروط إنفاذها؛إذ إن من نحاورهم ينكرون مطلق عقوبة المرتد ويرون أن فيها عدواناً على حرية الاعتقاد فناسب أن نثبت لهم معقولية هذه العقوبة وسلامة بنائها العقلي والقانوني بقطع النظر عن صورتها وكيفيتها.
    وواضح جداً أيضاً أن حديثنا هنا هو مع من يرد العقوبة الشرعية لأنه يرى فيها عدواناً على القيم سواء كان يقر بأن هذه العقوبة هي شرع الله بالفعل أو كان ينازع في هذا.

    فنقول :
    عندنا مجموعتان من النصوص ،المجموعة الأولى هي التي تنتظم نصوص عدم الإكراه في الدين كقوله سبحانه :
    ((لا إكراه في الدين))،وقوله سبحانه : ((فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر)) ،وقوله سبحانه : ((ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)).
    والمجموعة الثانية هي التي تنتظم نصوص حاكمية الوحي وسلطانه وحرمة الفكاك منها كقوله سبحانه : ((وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم))،وكقوله في الحديث الذي رواه البخاري : ((من بدل دينه فاقتلوه)).

    وضربُ مجموعتي النصوص هاتين ببعضهما ومعارضة المجموعة الأولى بالمجموعة الثانية فيه مغالطة أدت إلى الغفلة عن أن المجموعتين لا تردان على محل واحد،وإنما هما تعالجان حالتين مختلفتين.
    وهذه المغالطة متكررة الحدوث ومن أمثلتها ضرب نصوص السِلم في القرآن بنصوص الجهاد ،وجعل الإسلام سلم كله أو حرب كله أو اتهامه بالتناقض،بينما واقع الحال هو أن نصوص السلم لها موضع ومشروطية معينة،ونصوص الحرب لها موضع ومشروطية مختلفة تماماً.
    وفي مسألتنا نجد أن المجموعة الأولى تعالج أمر الذين لم يؤمنوا بهذا الدين ولم يقروا بالالتزام بأوامره وأحكامه،فليس لحامل الرسالة الإسلامية معهم سوى الدعوة والتذكير والنصح،وليس له أن يكرههم أن يكونوا مؤمنين،والدليل على أن هذا هو المراد بآيات هذا المجموعة ظاهر جداً في دلالات ألفاظ الآيات فالآيات تتحدث عن قوم لم يؤمنوا وتمنع إكراههم على الإيمان.

    وفي المقابل تتحدث المجموعة الثانية من النصوص عن قوم آمنوا وعن قوم دانوا بهذا الدين والتزموا أحكامه ،فهي تخاطب المؤمن والمؤمنة والحديث يخبر عن من دان بدين الإسلام بالفعل ،وهنا لا يسوي الوحي بين الحالتين أبداً،ويجعل حكم الذي آمنوا ودانوا بهذا الدين هو وجوب الالتزام بأحكامه وحرمة عصيانها وأنهم معاقبون إن عصوا ومعاقبون إن ارتدوا عن هذا الدين بعد أن آمنوا به وانضووا تحت لوائه.

    وهذ التفريق الذي أتى به الوحي هو الذي يؤيده العقل الصحيح وتسير عليه القوانين المعاصرة،فإن إجماع القوانين والنظم المعاصرة قائم على التفريق بين من أقروا بالالتزام بالقانون وبين من لم يدخلوا تحت مظلته أصلاً،فالمقرون معاقبون إن خالفوا ومن لم يدخلوا تحت مظلة القانون فلا سلطة للقانون عليهم،والأمثلة التالية توضح ذلك :

    (1) فلو انتخب رجل حكومة بالانتخاب الحر ،ثم أتت هذه الحكومة بعد أن استوت على سدة الحكم فشرعت قانوناً ،فجاء هذا الرجل وقال إن لي حرية عدم التزام هذا القانون بما أني كنت حراً في اختيار هذه الحكومة أصلاً = لأجمع العقلاء جميعاً على أن هذا التصرف غير جائز وعلى أن الحرية قبل الانتخاب لا تعني الفكاك من الإلزام القانوني الذي تأتي به هذه الحكومة المنتخبة.
    (2) الانتماء بالولاء لدولة أجنبية ليس جريمة يعاقب عليها القانون إلا إذا كان هذا المنتمي قد سبق له الدخول تحت ولاء دولة أخرى،وحينها يكون ولاءه لدولة ثانية إشكالاً قانونياً قد يصل لحد اتهامه بالخيانة العظمى بحسب طبيعة الولاء الذي صرفه لتلك الدولة الأجنبية.
    (3) تفرق القوانين المعاصرة بين القانون قبل أن يُسن تشريعياً فهو في هذه الحالة غير ملزم ولا يعاقب المواطن على مخالفته وتقوم المحاكم الإدارية بإلغاء أي عقوبة بنيت على أساس قانون لم يشرع بالطرق التشريعية المقررة في الدولة،أما إذا سن القانون تشريعياً وتم الإعلام به فإن المواطن يعد مقراً ضمنياً بوجوب الالتزام به ويعاقب عند مخالفته.
    (4) تتم معاقبة الفرد الأجنبي الموجود داخل حدود دولة غير دولته بقوانين تلك الدولة لإقراره الضمني عند دخوله باحترام البلد الذي دخله وقوانينه،في الوقت نفسه الذي لا سلطة لهذا البلد عليه إن ارتكب جريمة خارج حدودها.
    (5) يحاسب على نقض الاتفاقات والمعاهدات الدولية من دخل طرفاً فيها دون غيره.
    تنبيه: مسألة الولاء للدولة أوردناها كمثال على معقولية التفريق بين ما قبل الولاء وما بعده،وبالتالي فلا يعترض بأن الدول تسمح بالتجنس بدون عقوبة لأن هذا ليس هو المحل الذي أوردنا الولاء للدولة شاهداً له،كما أن من المعقول أن تُعد الردة من باب خيانة الولاء لا من باب تغييره المباح،ولو جعلت دولة ما تغيير جنسيتها بمثابة الخيانة لكان هذا قانوناً معقولاً بقطع النظر عن وجود قوانين أخرى لا تعده كذلك فالكلام في امتناع تقبيح ذلك عقلاً.
    وإذاً : فالعقل السليم شاهد على أن لصاحب السلطة القانونية الإلزامية أن يفرق في الأحكام والعقوبات بين من سبق له الالتزام بقانونه والإقرار بالخضوع له،وبين من لم يخضع لهذا القانون أصلاً.
    ومن هنا فقد جاء الوحي بعقوبة من التزم بالخضوع لأحكام الشرع والانضواء تحت مظلة الإسلام إن هو أراد الردة عن الدين أو معصية أحكام الشرع،وهذه العقوبة في هذه الحالة سليمة البناء العقلي والقانوني،ولا يمكن الزعم بأن هذه العقوبة مضادة لحرية الاعتقاد ؛لأن هذه الحرية ليست مطلقة وإنما هي كحرية التملك وحرية الحركة وحق الحياة كلها حقوق وحريات يمكن تقييدها والحد منها بالقوانين التي تكون ملزمة للمنضوين تحت الإطار الإلزامي للقانون .
    ولذلك :
    (1) تقيد حرية الحركة بقوانين الهجرة والجنسية بل وبقوانين السجن.
    (2) ويقيد حق التملك بألا يكون هذا التملك بطريق السرقة .
    (3) ويقيد حق التصويت بألا يكون المصوت دون السن القانونية.
    (4) ويقيد حق الحياة وينزع من الإنسان عقوبة له على انتزاع حياة غيره عمداً.
    (5) وتقيد الحرية الجنسية في القوانين الغربية بمنع معاشرة القاصرات.

    فلا يمكن إذاً الاعتراض على البناء العقلي والقانوني لعقوبة المرتد في الشريعة الإسلامية،وليس تقييد هذه العقوبة لحرية الاعتقاد بأعظم من تقييد عقوبة الإعدام في القوانين المعاصرة لحق الحياة نفسه.

    وبالتالي لا يجوز الاعتراض على عقوبة المرتد بكونها مضادة لحرية الاعتقاد ؛لأن مجرد كون القانون يقيد حرية من الحريات ليس مطعناً فيه ،وإنما يكون محل النظر العقلي هو هل مصلحة تقييد الحرية بهذا القانون أعظم وأكبر وأنفع للبناء القانوني ولصالح الناس والمجتمعات أم مصلحة بقاء هذه الحرية على حالها من غير تقييد.

    فإنه لا نزاع بين دعاة الحرية في أن هذه الحرية محكومة ومقيدة بعدم العدوان على الغير ،وبالتالي فإن حرية الاعتقاد لا يصح ولا يجوز أن تبلغ مبلغ العدوان على أحكام الدين التي سبق لهذا المسلم أن أقر بوجوب الالتزام به،ومن حق مشرع القانون وقتها أن يعاقبه على عدم التزامه بالقانون الذي أقر هو بأنه سيلتزم به.
    والذي نزعمه ثابتاً ثبوتاً عقلياً ناصعاً هو أن مصلحة تقييد حرية الاعتقاد أعظم بكثير من من مصلحة عدم التقييد؛لأن هذا التقييد يتضمن عقوبة لمن أقر بالالتزام بأحكام الدين إذا أراد أن ينحل منها ،وعقوبة من يريد الانحلال من الأحكام التي أقر بها والتزمها لا يجادل في مشروعيتها منصف؛وإلا تلعب الناس بالأحكام ولم تكن لها حرمة،والحفاظ على الدين من العبث هو في منظومة التشريع الإسلامي لا يقل أهمية عن أهمية الحفاظ على ثوابت الانتماء الوطني من العبث.

    فإن قيل : هذا رأيه فلم لا تناقشونه بالرأي ؟
    قلنا : إن هذا الرأي ليس مجرداً بل هو رأي يتضمن نقض العقد الذي سبق وقطعه هذا المسلم على نفسه بالالتزام بأحكام الشريعة،ومن هنا كان من حق الطرف الثاني من العقد أن يعاقبه على نقضه لهذا العقد وفق مظلته القانونية المعلنة ؛ولذلك فإنه لو أتى رجل وتخابر لصالح إسرائيل فإن للقانون المصري معاقبته ولا يقول عاقل حينها إنه لا تجوز معاقبته لأن له رأياً مفاده أن مصر تصادر حق إسرائيل في إقامة دولتها؛لأن القانون المصري المعلن يجرم هذا التخابر ويقيد بهذا التجريم مساحة حرية الرأي هذه؛كي لا تتضمن عدواناً على حقوق الآخرين.
    فإن قيل : فلم لا تقرون هذه العقوبة على المرتد من دينه إلى دين الإسلام؟
    كان الجواب : أن هذا في البناء العقلي القانوني للتشريع الإسلامي متسق جداً ؛لأن خروج الإنسان عن دين آخر ليدخل دين الإسلام هو زيادة في الخير ورحمة بهذا الذي فعل هذا وهو غرض الدعوة أصلاً ولسنا مخولين بالحفاظ على المنظومات الدينية للآخرين إن اختاروا هم تركها بإرادتهم.
    وبالتالي فإن تشكل الدول المحكومة بالشريعة الإسلامية من غالبية مسلمة يوجب التسامح في المعاملة مع أهل الملل الأخرى،ولا يقبل في الوقت نفسه أن يترك المسلم دينه لأن في ذلك إخلالاً بالعقد الذي عقده هذا المسلم على نفسه حين دخل الإسلام،ولا يرى إشكالاً في أن ينضم من الأقليات عدد ما لدين الأغلبية؛لأن ذلك في صالح توطيد دعائم الدولة،فوق أنه لا يخالف قانوناً أو عقداً سبق وأن التزم به هذا الذي أسلم مع الدولة القائمة المحكومة بالشريعة الإسلامية،وهذا مثل أن للدولة أن تعاقب مواطنها إن تخابر عليها لصالح دولة أجنبية وليس لها أن تعاقب مواطناً آخر إن تخابر لصالح نفس الدولة؛لأن مظلة الدولة القانونية لا تشمل هذا المواطن ولا يضر بناءها الأمني أن يتخابر لصالح دولة غير وطنه،وكذلك ارتداد الذي يدين بدين غير دين الإسلام عن دينه ولو إلى دين غير الإسلام هو شيء لا يضر البناء الاجتماعي للدولة المحكومة بالشريعة الإسلامية.

    هذا ما أردنا بيانه فيما يتعلق بسلامة البناء العقلي والقانوني لعقوبة المرتد في الشريعة الإسلامية،وأنه من جنس الأبنية العقلية والقانونية التي لا ينازع في معقوليتها المؤمنون بالقوانين الوضعية.

    تبقى مسألة مهمة وهي مدى معقولية عقوبة من ولد لأبوين مسلمين،ولم يختر الإسلام بإرادته.

    فالمخالف يقول: لو سلمنا أن مسوغ كونه المرتد يعاقب هو أنه اختار الدين بإرادته=فلم يعاقب من كان مسلماً لمجرد أنه ولد لأبوين مسلمين؟

    والجواب: أن لهذه المسألة صورتان:
    الصورة الأولى: ألا تحدث الردة إلا بعد بلوغه مسلماً وإقراره بالإيمان ولو ساعة قبل أن يرتد = فحكمه حينها حكم سائر المرتدين.
    الصورة الثانية: أن يرتد قبل بلوغه أو عند بلوغه مباشرة فلا يصدر منه إقرار بالإيمان بعد البلوغ قط.

    ورغم ندرة هذه الصورة فالصواب في ذلك هو معقولية عقوبته أيضاً كسائر المرتدين ،بناء على ولادته لأبوين مسلمين ثبت له حكم الإيمان بانتسابه لهما،وإن لم يختر الإيمان بعد بلوغه،وسائر القوانين المعاصرة تعطي للطفل حكم أبويه في إثبات التجنس وفي وجوب الالتزام بالقوانين التي أقر بها أبواه،وتعاقب من لم يبلغ سن الرشد على جرائمه ،وتعاقبه عقوبة الراشد ولو ارتكب جريمته بعد الرشد بيوم واحد،وتلزمه الدول بطاعة الحكومة القائمة والتزام قانونها رغم أنه لم يشارك في اختيار هذه الحكومة؛وإنما كان هذا النمط من التعامل مع الطفل بإلحاقه بالقوانين القائمة وإن لم يخترها ومعاملته ملحقاً بوالديه؛لأن هذا هو مقتضى العدل؛إذ إنه منذ ولد وهو يأخذ جميع حقوقه لمجرد ولادته لهذين الأبوين،سواء في ذلك حقوق المواطنة كما في صورة قوانين الدول أو حقوق المسلم كما في مسألتنا محل البحث، وليس من العدل أن يفرح بحقوق استحقها لمجرد الولادة لهذين الأبوين ثم يحتج على الواجبات التي تجب عليه بهذا الانتساب.

    فإذا تقررت معقولية العقوبة على هذا الوجه=تأتي بعد ذلك النصوص القطعية المقررة لهذه العقوبة وممارسات الصحابة ومن بعدهم في تطبيقها وإجماع المسلمين على تقريرها لترفع أدنى شك في هذه المعقولية ولتقرن هذا الحسن العقلي للعقوبة بأحكامه الشرعية.

    والحقيقة أن سبب ظهور هذه المعقولية: هو أن الدولة القومية الحديثة قد سحبت عقوبة المرتد من الأحكام الدينية وعلمنتها لصالحها، فصار الغارقون في العلمنة يستسيغون هذا التصرف من الدولة ولا يستسيغونه لحق الله بعدما تم مسخ عقولهم بهذه الدولة القومية المعلمنة.

    والحمد لله رب العالمين.

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 15, 2024 1:40 am