سمعت أبا الحسن الماسرجسي الفقيه يقول: كان شيخنا أبو علي ابن أبي هريرة يقول: من تأدب من الكتاب صحف الكلام، ومن تفقه من الكتاب غيّر الأحكام، ومن تنجّم من الكتاب أخطأ الأيام، ومن تطبب من الكتاب قتل الأنام. وكان يقال: علم لا يعبر معك الوادي لا يعمر بك النادي. وينشد في معناه:
إني لأكره علماً لا يكون معي إذا خلوت به في جوف حمّام
وينشد فيه أيضاً:
ليس بعلم ما حوى القمطـر ما العلم إلا ما حواه الصدر
وأنشدني الأمير صاحب الجيش أبو المظفر نصر بن ناصر الدين فذكرني ما نسيت منها:
صاحب الكتـب تـراه أبـداً غير ذي فهم، ولكن ذا غلط
كلما فتشته عـن عـلـمـه قال علمي يا خليلي في سفط
في كراريس جياد أحكمـت وبخط، أي خـط، أي خـط
فإذا قـلـت لـه: هـات إذاً حك لحييه جميعاً، وامتخـط
وأنشد الجاحظ لمحمد بن بشير، وهو أحسن ما قيل في معناه:
أما لو أعي كل ما أسـمـع وأحفظ من ذاك ما أجمـع
ولم استفد غير ما قد جمـع ت، لقيل هو العالم المقنـع
ولكن نفسي إلى كل شـيء من العلم تسمعـه تـنـزع
فلا أنا أحفظ ما قد جـمـع ت، ولا أنا من جمعه أشبع
وأحضر بالعي في مجلسـي وعلمي في البيت مستـودع
ومن يك في علمه هـكـذا يكن، دهره، القهقرى يرجع
إذا لم تكن حافـظـاً واعـياً فجمعك للكتـب لا ينـفـع
وأنشد يونس النحوي لبعضهم:
استودع العلم قرطاساً فضيعـه فبئس مستودع العلم القراطيس
فقال: قاتله الله ما أحسن صيانته للعلم وأشد صبابته به.
ولأبي بكر الخوارزمي رسالة في آفات الكتب، جمع نكتها بعض تلامذته، في قوله:
عليك بالحفظ دون الجمع في كتب فإن للكتب آفـات تـفـرقـهـا
الماء يغرقها، والنار تحـرقـهـا والفأر يخرقها، واللص يسرقهـا