ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


2 مشترك

    أصحاب الأخدود

    almazny 2
    almazny 2
    مشرف متميز
    مشرف متميز


    عدد الرسائل : 642
    الموقع : أرض الـــــلــــــه
    المزاج : الــحــمــد لــلـــه
    نقاط : 2611
    تاريخ التسجيل : 27/09/2008

    أصحاب الأخدود Empty أصحاب الأخدود

    مُساهمة من طرف almazny 2 الأربعاء ديسمبر 09, 2009 2:57 pm


    موقع القصة في القرآن الكريم:

    ورد ذكر القصة في سورة البروج الآيات 4-9، وتفصيلها في صحيح الإمام مسلم.

    قال الله تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ}.

    القصــــة:

    إنها قصة فتاً آمن، فصبر وثبت، فآمنت معه قريته. لقد كان غلاما نبيها، ولم يكن قد آمن بعد. وكان يعيش في قرية ملكها كافر يدّعي الألوهية. وكان للملك ساحر يستعين به. وعندما تقدّم العمر بالساحر، طلب من الملك أن يبعث له غلاما يعلّمه السحر ليحلّ محله بعد موته. فاختير هذا الغلام وأُرسل للساحر.

    فكان الغلام يذهب للساحر ليتعلم منه، وفي طريقه كان يمرّ على راهب. فجلس معه مرة وأعجبه كلامه. فصار يجلس مع الراهب في كل مرة يتوجه فيها إلى الساحر. وكان الساحر يضربه إن لم يحضر. فشكى ذلك للراهب. فقال له الراهب: إذا خشيت الساحر فقل حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل حبسني الساحر.

    وكان في طريقه في أحد الأيام، فإذا بحيوان عظيم يسدّ طريق الناس. فقال الغلام في نفسه، اليوم أعلم أيهم أفضل، الساحر أم الراهب. ثم أخذ حجرا وقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس. ثم رمى الحيوان فقلته، ومضى الناس في طريقهم. فتوجه الغلام للراهب وأخبره بما حدث. فقال له الراهب: يا بنى، أنت اليوم أفضل مني، وإنك ستبتلى، فإذا ابتليت فلا تدلّ عليّ.

    وكان الغلام بتوفيق من الله يبرئ الأكمه والأبرص ويعالج الناس من جميع الأمراض. فسمع به أحد جلساء الملك، وكان قد فَقَدَ بصره. فجمع هدايا كثرة وتوجه بها للغلام وقال له: أعطيك جميع هذه الهداية إن شفيتني. فأجاب الغلام: أنا لا أشفي أحدا، إنما يشفي الله تعالى، فإن آمنت بالله دعوت الله فشفاك. فآمن جليس الملك، فشفاه الله تعالى.

    فذهب جليس الملجس، وقعد بجوار الملك كما كان يقعد قبل أن يفقد بصره. فقال له الملك: من ردّ عليك بصرك؟ فأجاب الجليس بثقة المؤمن: ربّي. فغضب الملك وقال: ولك ربّ غيري؟ فأجاب المؤمن دون تردد: ربّي وربّك الله. فثار الملك، وأمر بتعذيبه. فلم يزالوا يعذّبونه حتى دلّ على الغلام.

    أمر الملك بإحضار الغلام، ثم قال له مخاطبا: يا بني، لقد بلغت من السحر مبلغا عظيما، حتى أصبحت تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل. فقال الغلام: إني لا أشفي أحدا، إنما يشفي الله تعالى. فأمر الملك بتعذيبه. فعذّبوه حتى دلّ على الراهب.

    فأُحضر الراهب وقيل له: ارجع عن دينك. فأبى الراهب ذلك. وجيئ بمشار، ووضع على مفرق رأسه، ثم نُشِرَ فوقع نصفين. ثم أحضر جليس الملك، وقيل له: ارجع عن دينك. فأبى. فَفُعِلَ به كما فُعِلَ بالراهب. ثم جيئ بالغلام وقيل له: ارجع عن دينك. فأبى الغلام. فأمر الملك بأخذ الغلام لقمة جبل، وتخييره هناك، فإما أن يترك دينه أو أن يطرحوه من قمة الجبل.

    فأخذ الجنود الغلام، وصعدوا به الجبل، فدعى الفتى ربه: اللهم اكفنيهم بما شئت. فاهتزّ الجبل وسقط الجنود. ورجع الغلام يمشي إلى الملك. فقال الملك: أين من كان معك؟ فأجاب: كفانيهم الله تعالى. فأمر الملك جنوده بحمل الغلام في سفينة، والذهاب به لوسط البحر، ثم تخييره هناك بالرجوع عن دينه أو إلقاءه.

    فذهبوا به، فدعى الغلام الله: اللهم اكفنيهم بما شئت. فانقلبت بهم السفينة وغرق من كان عليها إلا الغلام. ثم رجع إلى الملك. فسأله الملك باستغراب: أين من كان معك؟ فأجاب الغلام المتوكل على الله: كفانيهم الله تعالى. ثم قال للملك: إنك لن تستطيع قتلي حتى تفعل ما آمرك به. فقال الملك: ما هو؟ فقال الفتى المؤمن: أن تجمع الناس في مكان واحد، وتصلبي على جذع، ثم تأخذ سهما من كنانتي، وتضع السهم في القوس، وتقول "بسم الله ربّ الغلام" ثم ارمني، فإن فعلت ذلك قتلتني.

    استبشر الملك بهذا الأمر. فأمر على الفور بجمع الناس، وصلب الفتى أمامهم. ثم أخذ سهما من كنانته، ووضع السهم في القوس، وقال: باسم الله ربّ الغلام، ثم رماه فأصابه فقتله.

    فصرخ الناس: آمنا بربّ الغلام. فهرع أصحاب الملك إليه وقالوا: أرأيت ما كنت تخشاه! لقد وقع، لقد آمن الناس.

    فأمر الملك بحفر شقّ في الأرض، وإشعال النار فيها. ثم أمر جنوده، بتخيير الناس، فإما الرجوع عن الإيمان، أو إلقائهم في النار. ففعل الجنود ذلك، حتى جاء دور امرأة ومعها صبي لها، فخافت أن تُرمى في النار. فألهم الله الصبي أن يقول لها: يا أمّاه اصبري فإنك على الحق.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    أصحاب الأخدود Empty رد: أصحاب الأخدود

    مُساهمة من طرف أحمد الأحد أبريل 26, 2015 12:11 pm

    قصة أصحاب الأخدود
    دراسة وتحليل
    تمهيد:

    قصة أصحاب الأخدود وردت مختصرة في كتاب الله تعالى في سورة البروج.
    قال تعالى:"قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (البروج: 4 - 11).
    وقد جاءت تفصيلاتها في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
    إنها قصة فئة آمنت بربها، واستعلت بإيمانها أمام أعداء جبارين مستهترين بحق الإنسان في التمتع بدينه الحق.
    وقد جعلت هذه الفئة الناس ألعوبة يلعبون بهم كيفما شاؤوا، وأغرقوهم بالسحر والشعوذة، ولكن كما قيل: رجل عنده همة يحيي أمة.
    فكانت هداية الجماهير على يد غلام، تمكن الإيمان من قلبه.
    وهي قصة ذات معان عظيمة، منها: يتعلم الدعاة التضحية في سبيل الله، حتى لو أدى ذلك إلى ذهاب النفس.
    وكيف يأتي الله بنيان الكفرة المتكبرين (ولو كانوا ملوكا) من القواعد ، فيخر عليهم السقف من فوقهم ويأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون.
    وتحدث الكرامة الإلهية التي نحن بصدد الحديث عنها ، والتي هي صلب موضوعنا: عندما يتكلم الطفل في المهد ، ليدل أمه على أن العيش عيش الآخرة ، وأن متاع الدنيا بسيط مهما ظن الناس أنها طويلة.
    لنقف على الحديث الشريف ونأخذ منه الدروس والعبر.
    عَنْ صُهَيْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
    كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ، فَلَمَّا كَبِرَ قَالَ لِلْمَلِكِ: إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ فَابْعَثْ إِلَىَّ غُلاَمًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ.
    فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلاَمًا يُعَلِّمُهُ فَكَانَ فِى طَرِيقِهِ إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ ، فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلاَمَهُ فَأَعْجَبَهُ، فَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ بِالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إِلَيْهِ، فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ.
    فَقَالَ: إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ فَقُلْ: حبسني أَهْلِي، وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ فَقُلْ: حبسني السَّاحِرُ.
    فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ، فَقَالَ: الْيَوْمَ أَعْلَمُ الساحر أَفْضَلُ أَمِ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ.
    فَأَخَذَ حَجَرًا فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ حَتَّى يَمْضِىَ النَّاسُ.
    فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا وَمَضَى النَّاسُ ، فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ.
    فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: أَيْ بُنَيَّ أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّي ، قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى، وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى فَإِنِ ابْتُلِيتَ فَلاَ تَدُلَّ عَلَيَّ.
    وَكَانَ الْغُلاَمُ يُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَيُدَاوِى النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الأَدْوَاءِ.
    فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِىَ فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ، فَقَالَ: مَا هَا هُنَا لَكَ أَجْمَعُ إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِى.
    فَقَالَ: إِنِّي لاَ أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ، فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللَّهِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكَ.
    فَآمَنَ بِاللَّهِ فَشَفَاهُ اللَّهُ، فَأَتَى الْمَلِكَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ.
    فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ؟
    قَالَ: رَبِّى.
    قَالَ: وَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي؟
    قَالَ: رَبِّى وَرَبُّكَ اللَّهُ.
    فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلاَمِ.
    فجيء بِالْغُلاَمِ ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: أَيْ بُنَيَّ قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ ، وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ.
    فَقَالَ: إِنِّي لاَ أَشْفِى أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِى اللَّهُ.
    فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ.
    فجيء بِالرَّاهِبِ، فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى ، فَدَعَا بِالْمِئْشَارِ، فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِى مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ.
    ثُمَّ جيء بِجَلِيسِ الْمَلِكِ ، فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى ، فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ.
    ثُمَّ جيء بِالْغُلاَمِ ، فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى ، فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ، فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ، وَإِلاَّ فَاطْرَحُوهُ فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ.
    فَرَجَفَ بِهِمُ الْجَبَلُ فَسَقَطُوا، وَجَاءَ يَمْشِى إِلَى الْمَلِكِ.
    فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟
    قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللَّهُ.
    فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِى قُرْقُورٍ فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلاَّ فَاقْذِفُوهُ ، فَذَهَبُوا بِهِ ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ.
    فَانْكَفَأَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ فَغَرِقُوا، وَجَاءَ يَمْشِى إِلَى الْمَلِكِ.
    فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟
    قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللَّهُ.
    فَقَالَ لِلْمَلِكِ: إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ.
    قَالَ: وَمَا هُوَ ؟
    قَالَ: تَجْمَعُ النَّاسَ فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَتَصْلُبُنِى عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي، ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ فِى كَبِدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قُلْ: بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلاَمِ، ثُمَّ ارْمِنِي، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي.
    فَجَمَعَ النَّاسَ فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلاَمِ. ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ في صُدْغِهِ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغِهِ فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ.
    فَقَالَ النَّاسُ: آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلاَمِ ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلاَمِ ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلاَمِ.
    فَأُتِىَ الْمَلِكُ فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ؟ قَدْ وَاللَّهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ قَدْ آمَنَ النَّاسُ.
    فَأَمَرَ بِالأُخْدُودِ فِي أَفْوَاهِ السِّكَكِ فَخُدَّتْ وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ، وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا. أَوْ قِيلَ لَهُ: اقْتَحِمْ.
    فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِىٌّ لَهَا فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا، فَقَالَ لَهَا الْغُلاَمُ: يَا أُمَّهِ اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقّ".
    رواه مسلم: 7703.
    وفي رواية الترمذي(3263):
    عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ: ........كَانَ مَلِكٌ مِنْ الْمُلُوكِ، وَكَانَ لِذَلِكَ الْمَلِكِ كَاهِنٌ يَكْهَنُ لَهُ.
    فَقَالَ الْكَاهِنُ: انْظُرُوا لِي غُلَامًا فَهِمًا.
    أَوْ قَالَ: فَطِنًا لَقِنًا فَأُعَلِّمَهُ عِلْمِي هَذَا، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ أَمُوتَ فَيَنْقَطِعَ مِنْكُمْ هَذَا الْعِلْمُ، وَلَا يَكُونَ فِيكُمْ مَنْ يَعْلَمُهُ.
    قَالَ: فَنَظَرُوا لَهُ عَلَى مَا وَصَفَ ، فَأَمَرُوهُ أَنْ يَحْضُرَ ذَلِكَ الْكَاهِنَ، وَأَنْ يَخْتَلِفَ إِلَيْهِ فَجَعَلَ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ، وَكَانَ عَلَى طَرِيقِ الْغُلَامِ رَاهِبٌ فِي صَوْمَعَةٍ.
    (قَالَ مَعْمَرٌ: أَحْسِبُ أَنَّ أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ كَانُوا يَوْمَئِذٍ مُسْلِمِينَ).
    قَالَ: فَجَعَلَ الْغُلَامُ يَسْأَلُ ذَلِكَ الرَّاهِبَ كُلَّمَا مَرَّ بِهِ ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أَخْبَرَهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَعْبُدُ اللَّهَ.
    قَالَ: فَجَعَلَ الْغُلَامُ يَمْكُثُ عِنْدَ الرَّاهِبِ، وَيُبْطِئُ عَنْ الْكَاهِنِ، فَأَرْسَلَ الْكَاهِنُ إِلَى أَهْلِ الْغُلَامِ: إِنَّهُ لَا يَكَادُ يَحْضُرُنِي.
    فَأَخْبَرَ الْغُلَامُ الرَّاهِبَ بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: إِذَا قَالَ لَكَ الْكَاهِنُ: أَيْنَ كُنْتَ؟
    فَقُلْ: عِنْدَ أَهْلِي.
    وَإِذَا قَالَ لَكَ أَهْلُكَ: أَيْنَ كُنْتَ؟ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّكَ كُنْتَ عِنْدَ الْكَاهِنِ.
    قَالَ: فَبَيْنَمَا الْغُلَامُ عَلَى ذَلِكَ إِذْ مَرَّ بِجَمَاعَةٍ مِنْ النَّاسِ كَثِيرٍ قَدْ حَبَسَتْهُمْ دَابَّةٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ تِلْكَ الدَّابَّةَ كَانَتْ أَسَدًا.
    قَالَ: فَأَخَذَ الْغُلَامُ حَجَرًا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مَا يَقُولُ الرَّاهِبُ حَقًّا فَأَسْأَلُكَ أَنْ أَقْتُلَهَا.
    قَالَ: ثُمَّ رَمَى، فَقَتَلَ الدَّابَّةَ.
    فَقَالَ النَّاسُ: مَنْ قَتَلَهَا؟
    قَالُوا: الْغُلَامُ ، فَفَزِعَ النَّاسُ، وَقَالُوا: لَقَدْ عَلِمَ هَذَا الْغُلَامُ عِلْمًا لَمْ يَعْلَمْهُ أَحَدٌ.
    قَالَ: فَسَمِعَ بِهِ أَعْمَى، فَقَالَ لَهُ: إِنْ أَنْتَ رَدَدْتَ بَصَرِي فَلَكَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ لَهُ: لَا أُرِيدُ مِنْكَ هَذَا، وَلَكِنْ أَرَأَيْتَ إِنْ رَجَعَ إِلَيْكَ بَصَرُكَ أَتُؤْمِنُ بِالَّذِي رَدَّهُ عَلَيْكَ؟
    قَالَ: نَعَمْ.
    قَالَ: فَدَعَا اللَّهَ فَرَدَّ عَلَيْهِ بَصَرَهُ فَآمَنَ الْأَعْمَى ، فَبَلَغَ الْمَلِكَ أَمْرُهُمْ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ فَأُتِيَ بِهِمْ.
    فَقَالَ: لَأَقْتُلَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ قِتْلَةً لَا أَقْتُلُ بِهَا صَاحِبَهُ فَأَمَرَ بِالرَّاهِبِ، وَالرَّجُلِ الَّذِي كَانَ أَعْمَى، فَوَضَعَ الْمِنْشَارَ عَلَى مَفْرِقِ أَحَدِهِمَا فَقَتَلَهُ، وَقَتَلَ الْآخَرَ بِقِتْلَةٍ أُخْرَى.
    ثُمَّ أَمَرَ بِالْغُلَامِ، فَقَالَ: انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا فَأَلْقُوهُ مِنْ رَأْسِهِ ، فَانْطَلَقُوا بِهِ إِلَى ذَلِكَ الْجَبَلِ ، فَلَمَّا انْتَهَوْا بِهِ إِلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي أَرَادُوا أَنْ يُلْقُوهُ مِنْهُ ، جَعَلُوا يَتَهَافَتُونَ مِنْ ذَلِكَ الْجَبَلِ ، وَيَتَرَدَّوْنَ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا الْغُلَامُ.
    قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ، فَأَمَرَ بِهِ الْمَلِكُ أَنْ يَنْطَلِقُوا بِهِ إِلَى الْبَحْرِ فَيُلْقُونَهُ فِيهِ، فَانْطُلِقَ بِهِ إِلَى الْبَحْرِ ، فَغَرَّقَ اللَّهُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ وَأَنْجَاهُ.
    فَقَالَ الْغُلَامُ لِلْمَلِكِ: إِنَّكَ لَا تَقْتُلُنِي حَتَّى تَصْلُبَنِي وَتَرْمِيَنِي، وَتَقُولَ إِذَا رَمَيْتَنِي: بِسْمِ اللَّهِ رَبِّ هَذَا الْغُلَامِ.
    قَالَ: فَأَمَرَ بِهِ فَصُلِبَ، ثُمَّ رَمَاهُ ، فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ رَبِّ هَذَا الْغُلَامِ، قَالَ: فَوَضَعَ الْغُلَامُ يَدَهُ عَلَى صُدْغِهِ حِينَ رُمِيَ ثُمَّ مَاتَ.
    فَقَالَ أُنَاسٌ: لَقَدْ عَلِمَ هَذَا الْغُلَامُ عِلْمًا مَا عَلِمَهُ أَحَدٌ فَإِنَّا نُؤْمِنُ بِرَبِّ هَذَا الْغُلَامِ.
    قَالَ: فَقِيلَ لِلْمَلِكِ: أَجَزِعْتَ أَنْ خَالَفَكَ ثَلَاثَةٌ ، فَهَذَا الْعَالَمُ كُلُّهُمْ قَدْ خَالَفُوكَ.
    قَالَ: فَخَدَّ أُخْدُودًا ثُمَّ أَلْقَى فِيهَا الْحَطَبَ وَالنَّارَ ، ثُمَّ جَمَعَ النَّاسَ، فَقَالَ: مَنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ تَرَكْنَاهُ، وَمَنْ لَمْ يَرْجِعْ أَلْقَيْنَاهُ فِي هَذِهِ النَّارِ، فَجَعَلَ يُلْقِيهِمْ فِي تِلْكَ الْأُخْدُودِ.
    قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهِ:" قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ حَتَّى بَلَغَ: الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ"
    قَالَ: فَأَمَّا الْغُلَامُ فَإِنَّهُ دُفِنَ فَيُذْكَرُ أَنَّهُ أُخْرِجَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأُصْبُعُهُ عَلَى صُدْغِهِ كَمَا وَضَعَهَا حِينَ قُتِلَ".
    قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ
    وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي: 2661، دون قوله: "يقول الله.....
    ورواه النسائي في السنن الكبرى: 11661، وأحمد في مسنده: 22805.

    معاني بعض الكلمات:

    الأكمه: الذي خلق أعمى.
    المئشار: المنشار.
    القرقور: السفينة ، قيل: الصغيرة ، وقيل: الكبيرة.
    انكفأت: انقلبت.
    الصعيد: وجه الأرض.
    الأخدود: الشق العظيم في الأرض.
    تقاعست: توقفت ولزمت موضعها ، وامتنعت عن التقدم.
    الكنانة: الوعاء الذي يوضع فيه السهام.
    كبد القوس: وضع السهم من القوس قبل إطلاقه.
    أفواه السكك: مداخل الطرق.
    الهمس: الكلام الخفي الذي لا يكاد يسمع.
    اللقن: الرجل الذكي.
    الصدغ: ما بين العين والأذن.
    النهاية في غريب الأثر: 5/ 636 ، تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم : ص 232 ، صحيح القصص النبوي: 308 .


    تحليل القصة وفوائدها[1].

    نلاحظ أن سورة البروج المكية بدأت بالقسم، بالسماء ذات البروج: (أي النجوم العظيمة والمجرات الهائلة التي تحمل تلك النجوم).
    وهذا القَسَم يتبعه قسم آخر يحمل في ثناياه تحذيرا لهؤلاء الظلمة من اليوم الموعود: يوم القيامة.
    ثم يتبع ذلك قسم بالشاهد الذي يشهد على الخلائق يوم القيامة، وقد قيل: إن الشاهد يوم القيامة والمقصود به هنا: رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وفي الحقيقة الشهداء على الإنسان يوم القيامة كثير، فالرسول صلى الله عليه وسلم أعظم الشهداء ، وخير الشهداء على البشرية عموما، وعلى أمته خصوصا، قال سبحانه:"فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا" (النساء: 41).
    والإنسان يشهد على نفسه، فأعضاؤه تشهد بما عمل من خير أو شر، قال سبحانه: "الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" (يس: 65).
    والأرض تحدث بما جرى على ظهرها، قال سبحانه: " يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا" (الزلزلة: 4-5).
    والمشهود: قد يكون يوم القيامة لأن جميع الخلائق تشهده.
    وقد يراد به: الأعمال التي تكون مشهودة، يشهدها أصحابها يوم القيامة.
    والآن تعالوا معنا لنحلل الحديث الشريف، ونقف على فوائد هذه القصة البطولية.

    عَنْ صُهَيْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
    كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ، فَلَمَّا كَبِرَ قَالَ لِلْمَلِكِ: إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ فَابْعَثْ إِلَىَّ غُلاَمًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ.
    فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلاَمًا يُعَلِّمُهُ.

    1- في الحديث إشارة للزمن التاريخي الذي وقعت فيه القصة "فيمن كان قبلكم"، في الأمم السالفة.
    2- نلاحظ حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على إبهام الأشخاص، فلم يحدد لنا اسم القوم، أو المكان الذي وقعت فيه القصة، وذلك حرصا منه عليه الصلاة والسلام أن تنصرف العقول إلى الأشياء المهمة فقط، ألا وهي: العظة والعبرة.
    3- وإبهام الأشخاص فيه من الفوائد: أن تتجاوز القصة القيد التاريخي، لأنها قد تحدث في كل زمان وفي كل مكان، فالجبابرة والطواغيت في كل عصر يتفننون في تعذيب الصالحين حتى يصدوهم عن دينهم.
    4- في الحديث مواساة للصحابة الذين كانوا يعذبون على أيدي الكفرة من قريش، فهم ليسوا أول من عذب على طريق الدعوة.
    5- قوله:"ملك"، فيه إشارة إلى أعداء الدعوة في كل عصر وفي كل مصر، فهم: الملأ، الكبراء أصحاب السلطة والنفوذ من القوم.
    6- كان الملوك قديما يعتمدون على السحرة في إرساء ملكهم.
    7- يقوم السحرة بإخضاع الناس للحكام بما يبثونه بينهم من أوهام وخرافات، حتى يضللوا الشعوب ويبعدوهم عن وعيهم وعلمهم، حتى يظل الناس عبيدا للملوك.
    8- نلاحظ حرص الساحر أن يعلم غلاما مكانه لأنه كبر سنه، وفي هذا إشارة إلى: حرص بطانة السوء أن تبقي الأوضاع كما هي مستقرة لمصلحة الملك، وهذا أمر مشاهد في كل زمان، وفيه إشارة إلى رغبة السحرة المتعاونين مع الشياطين على إفشاء السحر فيما بين الناس.
    9- وفي طلب الساحر للغلام: دلالة على أن الكيد لعنصر الشباب ليس بالأمر الجديد، فيطمسوا على فطرتهم السليمة السوية، ومحاولة إغراقهم في وحل الشياطين والسحر.
    وقد وقع في رواية الترمذي: أن الساحر قد طلب غلاما نبيها، لأن: الإنسان النبيه الفطن إذا كان ساحرا ، أو طاغية فإنه سوف يكون لديه الوسائل في إقناع الناس بالسحر وطاعة الملك الظالم.
    10- أراد الملك والساحر أن يكون الغلام هو الذي يثبت دعائم الحكم الظالم، وأراد الله أن يكون الغلام خير داعية إليه، وإلى دينه، وأن يهز الله به عروش الظلمة، فحكم الله نافذ لا محالة.

    فَكَانَ فِى طَرِيقِهِ إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ ، فَقَعَدَ إِلَيْهِ ، وَسَمِعَ كَلاَمَهُ فَأَعْجَبَهُ، فَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ بِالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إِلَيْهِ، فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ.
    فَقَالَ: إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ ، فَقُلْ: حبسني أَهْلِي ، وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ ، فَقُلْ: حبسني السَّاحِرُ.

    1- لقد سخر الله لذلك الغلام راهبا، ليعلم الناس أن قدرة الله نافذة، مهما خطط الطواغيت وكادوا لأهل الإيمان، فالملك والساحر أرادا للغلام أن يكون ساحرا فاسدا يدافع عن الملك وظلمه، وأراد الله أن يكون الغلام خير داعية إلى الله تعالى.
    2- وجود الراهب في المجتمع الموبوء يدل على أن كل عصر لا يخلو من الصالحين.
    3- صار الغلام يتلقى من مصدرين متناقضين، واحد يدل على الخير ، والآخر يدل على الشر.
    4- الظاهر أن أسلوب الراهب كان فيه من الحكمة العظيمة حتى انسجم معه الغلام، لأن الدين الحق يحتاج إلى الحكمة في التبليغ، كما قال سبحانه: "ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" (النحل: 125).
    وإلا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن منكم منفرين....." رواه البخاري: 663، ومسلم: 1072.
    5- ضرب الساحر للغلام فيه إشارة إلى قوة انسجام الغلام مع كلام الراهب ، لأنه: يستطيع تركه ويريح نفسه من ضرب الساحر، ولكن الحق الذي مع الراهب يوافق الفطرة السليمة.
    6- وفي ضرب الساحر للغلام إشارة إلى بداية الابتلاء في حياة الغلام، وأن من سلك طريق الحق فلا بد أن يبتلى.
    7- تقدم الغلام بالشكوى إلى الراهب تدل على أن الراهب هو شيخ الغلام، والتلميذ يطلب من شيخه حل مشاكله، ولم تكن أبدا الشكوى بقصد التراجع عن الطريق، وقد استجاب الراهب لطلب الغلام فقدم له الحل.
    8- يجوز الكذب في الحالات الضرورية، خصوصا إذا دفع الإنسان بالكذب شر الأعداء عن نفسه كما فعل الغلام.

    فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ، فَقَالَ: الْيَوْمَ أَعْلَمُ الساحر أَفْضَلُ أَمِ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ.
    فَأَخَذَ حَجَرًا فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ حَتَّى يَمْضِىَ النَّاسُ.
    فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا وَمَضَى النَّاسُ.

    1- ولأنه غلام صغير فقد عانى من ازدواجية الأفكار فأراد أن يقطع وساوس الشيطان، ويتعرف من أفضل الساحر أم الراهب؟ رغم أنه يعلم أن أمر الراهب أحب إليه لأنه كان يتلقى منه طوعا.
    2- شعر الغلام أن الدين الذي عند الراهب ليس نظريا فيحتاج إلى تضحية، وإلا فإنه كان يستطيع أن يأخذ من الاثنين معا فأراد أن يفصل في الأمر.
    فسخر الله له هذه الدابة(وقع في رواية الترمذي أنها أسد)، ولا شك أن الأسد مما يخاف منه.
    3- قول الغلام: اللَّهُمَّ إن كان.....، يدل على إيمانه بالله تعالى، ولكنه طلب الطمأنينة كما طلبها خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي" (البقرة: 260).
    4- قوله: "إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ": يدل على قناعته بأمر الراهب لأنه بدأ به أولا، وما قال: إن كان أمر الساحر أحب .....
    5- طرح الغلام نفسه أمام الناس كداعية بهذه الخدمة الاجتماعية ، بأن قتل الدابة حتى يمر الناس، وهكذا كل داعية ناجح لا بد من تقديم أشياء عملية للناس.
    6- أجرى الله على يد الغلام كرامة باهرة، فلا يمكن في مقياس البشر أن يُقتل الأسد بحجر، ولكن الله قتله.
    7- وهذه الكرامات يجريها الله على يد أهل الإيمان: إخبارا بصدق إيمانهم وحسن سيرتهم، وصدق الدين الذي ينتمون إليه.

    فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: أَيْ بُنَيَّ أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّى. قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى، وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى فَإِنِ ابْتُلِيتَ فَلاَ تَدُلَّ عَلَيَّ.

    1- إخبار الراهب الغلام بأنه أفضل منه يدل على مدى الإيمان الذي يتمتع به الراهب، وتجرده عن حظوظ النفس، وزهده في هذه الحياة الدنيا.
    2- كون الغلام أفضل من الراهب يدل على أن الفضل والمنزلة في الدعوة لا تكون بالسبق وطول العمر، بل بمقدار الإيمان والتقوى، وهذا أمر نلاحظه في المساجد ، فتجد الشاب الذي يصلي حديثا لربما صار عنده من الإيمان أكثر من الكبير الذي له عشرات السنوات في المسجد.
    3- التلميذ أفضل من شيخه، فقد حقق الغلام ما لم يحقق الراهب، ولكن يبقى للراهب فضل هداية الغلام، ومن دل على خير فله مثل أجر فاعله.
    4- إخبار الراهب الغلام بأنه سيبتلى فيه دلالة أن الدعوة إلى طريق الدين صعبة ، ولا بد للدعاة أن يصيبهم ما قدر الله عليهم.
    5- وإخبار الراهب الغلام بالابتلاء فيه تذكير للدعاة القدامى أن يذكروا الجدد منهم ليجهزوا أنفسهم للابتلاء، ويستعدوا خير استعداد لمواجهة أهل الباطل.
    6- أخبر الراهب الغلام أن لا يدل عليه: فيه دليل على أهمية السرية في بداية الدعوة، حتى لا يقتلها أهل الباطل.
    وقد استعملها رسولنا عليه الصلاة والسلام في بداية دعوته المكية، واستعملها مؤمن آل فرعون الذي يكتم إيمانه.

    وَكَانَ الْغُلاَمُ يُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَيُدَاوِى النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الأَدْوَاءِ.
    فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِىَ فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ، فَقَالَ: مَا هَا هُنَا لَكَ أَجْمَعُ إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِى.
    فَقَالَ: إِنِّي لاَ أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ، فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللَّهِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكَ.
    فَآمَنَ بِاللَّهِ فَشَفَاهُ اللَّهُ،

    1- تتوالى الكرامات على يد الغلام من الله تعالى، تثبيتا لفؤاده، ودلالة على صدق دعوته، فإن الشيء العجيب الذي يصاحب أهل الإيمان كرامة من كرامات الصالحين، وأما الذي يصاحب الطغاة فإما سحرا ، وإما كهانة وشعوذة.
    2- انتقل الغلام من الدعوة السرية إلى الدعوة العلنية.
    3- الغلام يستخدم الأسلوب الأمثل في الدعوة إلى الله: خدمة الناس، فلا بد للداعية أن يخالط الناس ويصبر على أذاهم ويخدمهم.
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم أعظم أجرا من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم".
    رواه ابن ماجه: 4022، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 939.
    4- رفض الغلام لهدايا جليس الملك يدل على صدق دينه وزهده في الدنيا، ولأنه أدعى لمحبة الناس له وقبولهم لدعوته، فالزهد مما في أيدي الناس سبب لمحبة الله للزاهد.
    5- رد الغلام على جليس الملك بأنه لا يشفي إنما يشفي الله: يعرف الجليس على الله، وهذا واجب الجميع فالإسلام ليس للشيخ فقط كما يظن الناس.
    فالطبيب داعية، والمهندس داعية، والمحاسب داعية، والمدرس مهما كانت المادة التي يدرسها داعية.
    وقد حدثنا عن بعض التجار في أمريكا وأوربا أنه قد أسلم على أيديهم المئات من الكفار.
    ويا ليت المسلمين الذين يذهبون إلى تلك البلاد أن يكونوا خير دعاة إلى الله لأسلم كل من في تلك البلاد.
    وقد حدثني رجل زار أمريكا، أنه التقى برجل عنده محل تحل تجاري، فأخبره أنه لا يتكلم مع من يشتري منه عن الإسلام بشيء ، ولكن عنده ورقة صغيرة فيها تعريف بالإسلام، فيضع هذه الورقة مع المشتريات، فمن يرغب منهم في الإسلام يرجع إليه ويستفسر عن هذا الدين الذي لا يعرفه، فأخبره أنه قد أسلم على يديه: ألف وخمسمائة شخص.
    6- استغل الغلام حاجة الجليس ودعاه إلى الله، وفي هذا دليل أن الإنسان إذا كان محتاجا لشيء فإن استجابته تكون أسرع.
    ولو نظرنا إلى مسلمي أفريقيا اليوم وقد تنصر منهم الآلاف، وكيف استغل المبشرون حاجتهم للمال والطعام ، فاستغلوهم أبشع استغلال لاتباع باطلهم.
    بينما لم يجدوا أحدا من أغنياء المسلمين ينفق عليهم ولو القليل.
    7- الداعية الناجح المؤثر سرعان ما يكون لكلامه الأثر البالغ، لأن الإيمان كامن في النفوس، وموافق للفطرة، ولكن يحتاج إلى من يحرك هذا الإيمان.
    فجليس الملك بمجرد دعوته من الغلام أعلن إسلامه.
    8- لم يخبر الغلام جليس الملك أن لا يدل عليه، لأنه يريد من الدعوة أن تنتقل إلى المجال العلني، حتى يسمع الناس بها فيدخلوا في دين الله.

    فَأَتَى الْمَلِكَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ؟
    قَالَ: رَبِّى.
    قَالَ: وَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي؟
    قَالَ: رَبِّى وَرَبُّكَ اللَّهُ.
    فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلاَمِ.

    1- دخل الإيمان في قلب جليس الملك سريعا، وتمكن منه، وما أروع الإيمان عندما تخالط بشاشته القلوب.
    2- لقد تحول الجليس من عدو لله إلى داعية إليه، ومن عابد للملك إلى عابد لرب الملك، وفيه ذكرى لنا أن لا ييأس المسلم من دعوة أحد، فقد سجل الإسلام نماذج رائعة: خالد بن الوليد، عكرمة بن أبي جهل وغيرهم الكثير ، في كل عصر ، وفي كل مصر.
    3- لقد اختار الجليس أن يبدأ دعوته بأعتى رجل، وهذا يدل على أن الإيمان بالله واليوم الآخر يولد عند المسلم شجاعة وحبا للآخرة.
    4- رأى الملك في كلام الجليس بوادر تهدد ملكه وسلطانه، لأنهم يعلمون أن دعوة الحق تحول بينهم وبين رغباتهم الباطلة وشهواتهم المنحرفة.
    5- لقد ادعى الملك الربوبية: وهذا أعتى ما يصل إليه الظلمة والكفرة ، ورغم كل هذا فلا يزداد المؤمن إلا ثقة بالله ووعده، كما حصل مع الجليس الذي لم يخف من تلك الكلمة.
    6- يصيب الجليس ما يصيب كل داعية، حيث عذبه الملك لأنه قال: لا إله إلا الله.
    7- قد يضعف رجل العقيدة عن احتمال الأذى ، ويبوح بأسرار لا يجوز البوح بها ، ولكن: من شدة العذاب، فالجليس دل على الغلام، والغلام فيما بعد دل على الراهب، والكل فيهم معذور، وعلى الدعاة أن يعذر بعضهم بعضا ، إن حل بهم مثل ما حل بهؤلاء.

    فجيء بِالْغُلاَمِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: أَيْ بُنَيَّ قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ.
    فَقَالَ: إِنِّي لاَ أَشْفِى أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِى اللَّهُ.
    فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ.

    1- يخاطب الملك الغلام بقوله: أي بني: والكلمة في ظاهرها حنان، ولكنها تحمل في ثناياها مكر واستهزاء لأنه أعقبها باتهامه أنه ساحر.
    2- ينجح الغلام في مخاطبة الملك بكل جرأة: إني لا أشفي أحدا ، إنما يشفي الله ، وما أعظم كلمة الحق عندما تقال لسلطان جائر.
    3- يعذب الملك الغلام ، ويثبت على دينه ، ولكنه لا يثبت على سر معلمه: الراهب، ويدل عليه، ولا شك أن العذاب الذي استخدمه الملك حتى دل الغلام المؤمن على الراهب قد أفقده وعيه حتى نطق بهذا السر العظيم.
    4- وفي هذا درس للدعاة أن لا يكثروا من الأسرار، لأنه في أي لحظة قد يقع في مصيدة الظلمة فيبوح بتلك الأسرار.
    5- على القيادة أن تعطي عذرا لأولئك المعذبين، لأنه ما باح بتلك الأسرار المؤلمة التي قد تؤدي إلى قتل مؤمنين إلا تحت العذاب الشديد.

    فجيء بِالرَّاهِبِ، فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى فَدَعَا بِالْمِئْشَارِ، فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِى مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ.
    ثُمَّ جيء بِجَلِيسِ الْمَلِكِ فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ.

    1- كان الملك حريصا على ارتداد هؤلاء عن دينهما حتى لا يفشو الأمر بين الناس، فيكون ما حدث سرا قد دفن، ولم يعلم به أحد.
    2- قتلهما بوساطة المنشار يدل على مدى الحقد الذي وصل إليه الملك على المؤمنين، لذلك قال الله عنهم:" وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ" (البروج: 8).
    ولا شك أنه في كل عصر يبتكر الظلمة من وسائل التعذيب غير الإنسانية التي لا يتصورها العقل.
    3- وهذا في حد ذاته يدل على أن أهل الباطل لا يقبلون الحوار، لأن الحوار سيهزمهم لقلة حجتهم، فيواجهونه بالباطل.
    4- الموت في سبيل الله نصرة لأهل الحق، لأن الدنيا متاعها قليل، وسرعان ما يذهب المسلم المقتول ظلما إلى جنة عرضها السموات والأرض.
    5- وجوب الصبر على الأذى في الله، فقد صبر الجليس والراهب ما لا يصبره إلا القليل.
    6- لقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الألوان من العذاب الذي كان يعانيه القدامى المؤمنون من الجبابرة الطغاة، فقد جاء في الحديث:
    فعَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ قَالَ: "شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ.
    قُلْنَا لَهُ: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟
    قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ.
    وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ".
    رواه البخاري: 3343.

    ثُمَّ جيء بِالْغُلاَمِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ، فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ، وَإِلاَّ فَاطْرَحُوهُ فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ.
    فَرَجَفَ بِهِمُ الْجَبَلُ فَسَقَطُوا، وَجَاءَ يَمْشِى إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟
    قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللَّهُ.
    فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِى قُرْقُورٍ(سفينة صغيرة) فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلاَّ فَاقْذِفُوهُ.
    فَذَهَبُوا بِهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ.
    فَانْكَفَأَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ فَغَرِقُوا، وَجَاءَ يَمْشِى إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟
    قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللَّهُ.

    1- كان الملك يعتبر الغلام القائد الفعلي للدعوة، لأنه هو المعروف بين الناس، والمحبوب من قبلهم، فالتخلص منه تخلص من الدعوة وأهلها.
    2- أراد الملك أن ينظر الغلام إلى مقتل الراهب والجليس ، لعله يرجع عن دينه، لأنه إن رجع فإن الشعب كله سيعلم أن الحق ما عليه الملك وحاشيته.
    3- لعل في عدم قتل الغلام كما قتل الراهب والجليس فرصة للتفكير وحرص من الملك أن يرجع الغلام عن دينه.
    4- الغلام متوكل على ربه مفوض أمره إليه، ويظهر هذا من خلال دعائه.
    5- وفي الحديث فضل الدعاء، وأنه سلاح عظيم.
    قال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ".
    رواه أبو داود: 1264 ، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 3407 .
    فكيف إذا كان الداعي مظلوما ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ".
    رواه البخاري: 1496 ، ومسلم: 27 .
    6- يظهر الله سبحانه كرامة أخرى على يد الغلام، بأن انكفأت السفينة ورجف الجبل، وهذا في حد ذاته يدل على صدق الغلام ، ونصرة الله له.
    7- لم يكن الغلام حريصا على حياته البتة لأنه في كل مرة كان بإمكانه الهرب، ولكنه أراد أن يضحي بنفسه لأجل إسلام الناس.
    8- اعتبر الغلام أن اختفاءه هزيمة لدعوته، فأراد للدعوة الظهور مهما حدث.
    9- وهنا يظهر الفرق بين التهور والشجاعة، فالتهور: هو التضحية بلا ضرورة، وأما الشجاعة: فهي التضحية للضرورة.
    10- في قول الملك للغلام: ما فعل أصحابك ؟ حيث نسب الصحبة إليه، مع أنهم أصحاب الملك: فيبدو أن عودة الغلام بدونهم كانت كافية لاعتقاد الملك أن الجنود:
    إما أسلموا مع الغلام، فصاروا صحبة له.
    وإما أنه هزمهم فلا يريد أن ينسب الهزيمة لنفسه أمام الغلام، وهذا يدل على حكمة الملك الكافر وسرعة تذكره.

    فَقَالَ لِلْمَلِكِ: إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ.
    قَالَ: وَمَا هُوَ؟

    1- الموت والحياة بيد الله سبحانه، لقد أراد الملك قتل الغلام مرتين، ولكن ما جاء أجل الغلام الذي كتبه الله له، وفي هذا درس عظيم أن يطمئن المسلم على أجله لأنه مكتوب، فقد يعمل الإنسان العمل الخطير الذي يظن أن فيه الموت ولا يموت، وقد يعمل العمل البسيط الآمن فيكن فيه هلاكه.
    2- أيقن الملك أنه عاجز عن قتل الغلام، فصار الغلام يصدر الأوامر والملك ينفذ، لأنه وصل إلى طريق مسدود يريد أن يتخلص من الغلام بأية وسيلة.
    3- وفي هذا الموقف ذل من الله تعالى لهذا الملك الكافر: فقد كان بالأمس هو المتكبر الآمر الناهي، ويزعم أنه رب الناس، فصار يتلقى الأوامر من الغلام، فالغلام يقول: حتى تفعل ما آمرك به، والملك يقول: وما هو؟

    قَالَ تَجْمَعُ النَّاسَ فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي، ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قُلْ:
    بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلاَمِ، ثُمَّ ارْمِنِي، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي.

    1- الغلام يدل على قتله ويبذل نفسه لتحيا الدعوة، وهذا مثال للتضحية في سبيل الله، وهذا ليس من باب الانتحار أبدا، فلم يكن الغلام غبيا يطلب الموت ، ولكنه كان يطلب إيمان الناس.
    2- في قول الغلام:( تجمع الناس في صعيد واحد) : حرص الغلام على حضور الجماهير لسماع كلمة الحق، فيؤمنوا بها.
    3- دل الغلام على طريقة قتله ليكتمل ضعف الغلام أمام الجماهير المحتشدة، فتثار العواطف للإيمان برب هذا الغلام، وفي هذا درس للدعاة أن يستثيروا عواطف الناس في توجيههم إلى الله تعالى واليوم الآخر، وقد خاطب الله في كتابه عواطف الإنسان للدلالة على أمور كثيرة ، منها: التوحيد ، والإيمان.
    4- توجيه الغلام لطريقة قتله، وأن يأخذ سهما من كنانته، فيه إهانة للملك وأنه عاجز أمام الناس، وأن الذي يملك الموت ليس الملك ، فليس عنده أدوات الموت، وأن الذي يملكها هو الله.
    5- أصر الغلام أن يقول الملك قبل قتله: بسم الله رب الغلام، حتى يقدم للناس العقيدة الصحيحة في الله، وأن الملك ليس ربا.

    فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلاَمِ. ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ في صُدْغِهِ(الصدغ: جانب الوجه بين العين والأذن) فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغِهِ فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ،
    فَقَالَ النَّاسُ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلاَمِ ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلاَمِ ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلاَمِ.

    1- لقد جعل الغلام عمره وقفا على دعوته، ولذلك بذله في سبيلها.
    2- لا شك أن الأحداث المؤلمة للدعاة تؤتي الأثر المطلوب في قلوب العباد، فكيف إذا كان الدعاة ممن يقدمون الخدمة للمجتمع مثل: الغلام، ولو علم الطغاة كم يترك تعذيب الدعاة من أثر في نفوس الناس، وكم يمتلئون عليهم حقدا، لتركوهم يدعون كما يشاؤون لأن تأثير الدعوة بدون هذا سيكون أقل تأثيرا.
    3- علم الناس أن الدعوة التي يقدم أصحابها أنفسهم لها، لا بد وأنها صحيحة.
    4- قيمة العلم عظيمة، فمتى علم الناس بالحق آمنوا به، وهتفوا: آمنا برب الغلام.

    فَأُتِىَ الْمَلِكُ فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ قَدْ وَاللَّهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ قَدْ آمَنَ النَّاسُ.
    فَأَمَرَ بِالأُخْدُودِ فِي أَفْوَاهِ السِّكَكِ فَخُدَّتْ وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ، وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا. أَوْ قِيلَ لَهُ اقْتَحِمْ.
    فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِىٌّ لَهَا فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا، فَقَالَ لَهَا الْغُلاَمُ: يَا أُمَّهِ اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقّ".

    1- يهيئ الله سبحانه بين الفينة والأخرى من يعلي منار الدين ، ومن يجدد الإسلام ، ويقوم عليه، فقد آمن الناس على يد الغلام، الذي لربما ظنه الكثيرون أنه بسيط لا يستطيع حمل أعباء الدعوة.
    2- وقع ما كان يحذر الملك، وهكذا كما قال سبحانه: "وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" (الأنفال: 30).
    3- لم يجد الملك إلا الاضطهاد والتعذيب في مواجهة الحق: فأمر بإضرام النيران في الطرق، فمن عاد عن دينه تركه، ومن لم يعد ألقاه في النار.
    4- وهكذا الباطل لا يستخدم أسلوب النقاش والحجة، لأنه ليس عنده حجة يحتج بها، ولا يملك منطقا، فلا يجد مسلكا لباطله أمام الناس إلا التنكيل والتعذيب.
    5- لم توقف الأخاديد زحف المؤمنين ولم تثنهم عن العقيدة الصافية، ولنتعلم درسا من إيمان هؤلاء الذي كان في لحظة واحدة ، واستعد الواحد منهم بالتضحية بأعز ما يملك لأجله، ولا يستعد الواحد منا أن يضحي بشيء يسير من وقته وماله، ونرى الناس يعيشون السنوات الطوال: السبعين والثمانين، ولا يتقدم الواحد منهم في الإسلام شبرا واحدا، حتى ترى منهم من يعادي الإسلام وهو يرى أنه ينتصر له، ومن يرتضي لنفسه من المناهج الأرضية التي تخالف زعمه الباهت أنه مؤمن برب البشرية.
    حقيقة إنه الإيمان الصادق عندما يخالط القلب فليس هناك ما هو ألذ منه.
    6- كلما زاد ابتلاء العبد زادت حسناته عند الله، وزادت أسهمه عند الناس، وصار كلامه مسموعا، مع أن الابتلاء شديد على النفس، ولكن كما قال ربنا سبحانه:"وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ" (البقرة: 216).
    7- واصلت الجماهير اندفاعها نحو الأخاديد، لأنها آثرت ما عند ربها، وفازوا بالشهادة، ولم يتأسفوا على هذه الدنيا التي يتقاتل الناس اليوم عليها من أجل دريهمات معدودة.
    8- أخبر الله سبحانه أنه لعن أصحاب الأخدود: بمعنى طردهم من رحمته، فالحياة قصيرة مهما تمتع بها الطغاة والجبارون.
    9- ماذا يصبح الإنسان عندما يفقد الرحمة من قلبه، كيف جلس هؤلاء يتلذذون بمنظر النار وهي تأكل الحياة؟
    كيف يتلهون بمنظر الأجساد الكريمة من شيوخ كبار ، ونساء وأطفال ، وهي تتحول إلى وقود وتراب؟
    كيف ترتفع النشوة الخسيسة في نفوس هؤلاء الطغاة وهم ينظرون إلى عذاب المؤمنين، ولربما كان الكثير منهم لهم أقارب من هؤلاء، لأن الظن أنهم من بلد واحد؟
    وحتى الوحوش في الغابات تفترس لتأكل، لا تفترس لتتلذذ على الافتراس، فكان هؤلاء أخس من هذه الوحوش.
    10- الحسابات الأرضية حسابات مؤلمة، والحسابات الحقيقية الأخروية مفرحة: فالبعض لأنه لم ير في القصة أن الله قد أخذ الفئة الباغية كما أخذ فرعون وجنوده ، وقوم نوح ، وقوم هود ، وقوم صالح، يظن وهو يقرأ القصة ويتصور: أن الفئة الباغية الآن تقر في ملكها فرحة بنصرها الوهمي، ولكن أنى ذلك؟
    لقد انتهى كل شيء فالقصة لها مئات وربما آلاف السنين، والطغاة منذ نهاية حياتهم مشغولون في عذابهم، ويوم القيامة ادخلوا الطغاة أشد العذاب.
    وأما أهل الإيمان فلم يجدوا من مس القتل إلا كما يجد أحدنا من مس القرصىة، وهم يتمتعون برضوان الله وجنته.
    فالحياة الدنيا ليست هي الميزان، إنما الميزان الذي توزن به أعمال العباد يوم القيامة.
    قال سبحانه:"وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِه..."(آل عمران: 170،169).
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما يجد الشهيد من مس القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة".
    رواه الترمذي: 1668، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
    وصححه الألباني في السلسة الصحيحة: 960.
    11- في هذه النهاية المأساوية للمؤمنين تنبيه للمؤمنين والدعاة أن أمر الدعوة والعقيدة يتولاه الله، فلربما لا يشهد الدعاة النصر، فأنت عليك أن تزرع ، والله عليه الثمر، ويأتي النبي يوم القيامة وليس معه أحد ، ولم يؤمن به أحد ، وما قصر النبي في دعوته أبدا ، ولكنه قدر الله للدين والعقيدة وأهلها، وقد سجل القرآن أن من الأنبياء من قتل في سبيل دعوته وعقيدته، فلسنا بأفضل من الأنبياء.
    12- على المؤمن أن لا يستهين بأحد وهو يدعو إلى الله، فهذا الغلام الذي في نظر الناس لا وزن له، ولا يلتفت إليه، قد أحيا الله به أمة كاملة، وهكذا يا أيها الدعاة ،وهكذا يا أئمة المساجد، لا تستهينوا بأحد فقد يكون له شأن كبير.
    13- وقد كان من آخر كرامات الله للغلام أن حفظ جسمه فلا يبلى ، ولا تأكله الأرض ، وقد كشفوا عنه في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فوجدوه كما هو ، وأصبعه على صدغه كما وضعه ، صدق الله فصدقه الله.


    وفي نهاية حال المؤمنين في هذه القصة:
    تحدث الكرامة:
    طفل يتكلم في المهد

    لقد أجرى الله الكرامة على يد طفل رضيع تحمله أمه، والنيران مشتعلة أمامها ، فتخاف من الوقوع فيها، وصلابة دينها وقوة عقيدتها لا تسمح لها بالكفر.
    إنها لا تخاف على نفسها من النار، ولكن حنان الأم الذي يجعل حياة الولد مقدمة على حياة الأم، إنه ثمرة الفؤاد.
    ولكن ينادي الطفل وينطق بأمر الله، ويأمر أمه بالصبر لأنها على الحق، ولأن اجتماع الأهل والأحبة عند ملك الملوك خير من اجتماعهم عند ملك عادل في الدنيا بما فيها من المنغصات والمصائب، فكيف إذا كان الاجتماع عند ملك ظالم لا يستطيع المسلم أن يفعل أدنى شعائره الدينية في مملكته.
    إذن فالذهاب عند الله أفضل، فقد هان الموت على الطفل، ونطق بأمر الله، وربما رأى الكفار هذه الكرامة من الله ، ولكن أنى لقلوب مثل الحجارة أن تلين لذكر الله وآياته، فجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا.
    وكم تكلم الناس على مر الأجيال عن قصة الغلام، وهذا الطفل الرضيع، وكم وقف العلماء أمام هذه القصة دراسة وتحليلا، كم استخلصوا منها العبر والمواعظ والدروس.
    لقد خلد الله ذكراهم بكل خير وجعل من حياتهم عبرة يهتدي بها أهل الإسلام، ويقتبس منها الدعاة الدروس والعبر.
    فماذا تركت لنفسك بعد موتك؟
    هل سيذكرك الناس بالخير أم بالشر؟
    هل سيبقى لك ذكر أم أن ذكرك سيموت بموتك؟
    والله سبحانه يقول:"إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ" (يس: 12).
    ولا شك أن الدعاة يعرفون بعد موتهم أكثر من حياتهم، فالذكر بعد الموت عمر ثان يعيشه المسلم كما قال بعض أهل العلم.
    وانظر إلى من يتذكرهم الناس بكل خير وصلاح، وقد مضت على موتهم: القرون الطويلة.
    فكم يقول الناس في اليوم: أبو هريرة رضي الله عنه، وكم يقولون: الشافعي رحمه الله ، وغيرهم الكثير.
    فاترك
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    أصحاب الأخدود Empty رد: أصحاب الأخدود

    مُساهمة من طرف أحمد الأحد أبريل 26, 2015 12:11 pm

    هذه القصة تمثل دور دعوة كاملة
    أهذه القصة تجربة حية مرتبطة بكل زمان ومكان إلى قيام الساعة
    ميزة أهل الحق الوضوح وميزة أهل الباطل الدجل والتضليل
    خطورة تعريض الطفل للكفر والزندقة والبدع والخرافات
    توجيه الطاقات النادرة والذكية إلى خدمة الدين
    إذا أراد الله الهداية للعبد يسر له الأسباب الشرعية
    ترك التعقيد في عرض قضايا الدين والعقيدة
    الإسلام دين الامتحان والابتلاء
    جواز الكذب وتقديم الرخصة الشرعية لمصلحة المسلمين
    الحق والباطل طرفا نقيض ولابد من التمييز
    إقرار الفطرة بإحقاق الحق وبطلان الباطل
    حقيقة الألوهية مرتكزة في الفطرة
    إثبات الكرامة للأولياء
    التجرد من الحسد والاعتراف بالفضل للآخرين
    التكتم والسرية لمصلحة الدين
    استخدام الغلام للمعجزات التي أعطاه الله إياها في الدعوة وانتشار أمره
    عدم أخذ الأجرة على الرقية لمصلحة الدعوة
    وضوح المنهج في الدعوة إلى الله عز وجل
    الطغاة يستميلون أهل الحق إما بالترغيب أو الترهيب
    بداية الابتلاء الحقيقي
    السر في قتل الغلام بطريقة أخرى
    أهمية لجوء الداعية إلى الله عند اشتداد الكرب
    التركيز على قضية توحيد الألوهية
    التضحية من أجل مصلحة دعوة الناس إلى الدين
    قوة الإيمان وعمقه في نفوس المؤمنين والصبر على البلاء من أجله
    إذا أراد الله شيئاً غير ما يريده الكفار لم تنفع خططهم
    العاقبة والانتصار الحقيقي للمؤمنين
    ترك الاغترار بالكافرين
    لابد من العمل للإسلام دون النظر إلى النتيجة
    المعركة بين المسلمين والكفار معركة عقيدة
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    أصحاب الأخدود Empty رد: أصحاب الأخدود

    مُساهمة من طرف أحمد الأحد أبريل 26, 2015 12:12 pm

    من فوائد الحديث:



    1- جَوَاز الْكَذِب فِي الْحَرْب وَنَحْوهَا, وَفِي إِنْقَاذ النَّفْس مِن الْهَلَاك, سَوَاء نَفْسه أَوْ نَفْس غَيْره مِمَّنْ لَهُ حُرْمَة.

    2- أن الغلام أمر بقتل نفسه لأجل مصلحة ظهور الدين، ولهذا جوز الأئمة الأربعة أن يغمس المسلم في صف الكفار وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين. وهذه تختلف عن ما يسمى اليوم بالعمليات الاستشهادية، والتي اختلف فيها العلماء المعاصرون، بين المنع منها، وجوازها إذا كان فيها مصلحة عامة للمسلمين، والله أعلم بالصواب.

    3- شدة عداوة الكفار للمؤمنين، والسعي في صدهم عن دينهم، فإن الناس لما آمنوا فتنهم الكفار حتى يرجعوا عن دينهم.

    4- عزة المؤمنين، وثباتهم على دينهم، وصبرهم على الابتلاء، وقد أثنى الله عليهم، وخلد ذكرهم في سورة البروج، قال تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم {والسماء ذات البروج* واليوم الموعود* وشاهد ومشهود* قتل أصحاب الأخدود* النار ذات الوقود* إذ هم عليها قعود* وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود* وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد* الذي له ملك السماوات والأرض والله على كل شيء شهيد* إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق}(1).

    5- لزوم العناية بالأطفال لما يتمتعون به من صفاء، وحسن استعداد للتعليم والتربية، ولاسيما من يلمس فيه النبوغ والذكاء، حتى يرتقوا بأنفسهم ويقدموا النفع لأمتهم. كما تجب صيانتهم من أسباب الغواية والضلال لسرعة تقبلهم، وسهولة التأثير عليهم.

    6- خطر دعاة الضلالة على الناس، وسعيهم في نشر الفساد بينهم، كما تجلى ذلك في حرص الساحر على بقاء علمه، مع ما في السحر من المحادة لأمر الله تعالى، والشر والضرر على الناس.

    7- رحمة الله تعالى بعباده، حيث هيأ للغلام ذلك الراهب المؤمن، الذي كان على الدين الصحيح في ذلك الوقت – دين عيسى عليه السلام غير المحرف – فتعلم من الدين الحق، وسلم من فتنة الساحر وغوايته.

    8- إثبات كرامة الأولياء، وهي الخوارق التي يؤيد الله تعالى بها عباده الصالحين المتمسكين بالحق.

    9- مشروعية السعي في مصالح الناس، وإزالة ما يضرهم، وإبعاد الأذى من طريقهم، وقد عد النبي - صلى الله عليه وسلم- ذلك من شعب الإيمان.

    10- لزوم توجيه الناس إلى خالقهم، وأن يغرس في نفوسهم أن النفع والضر هو بيد الله تعالى وحده دون من سواه، فلا يجوز أن تتعلق القلوب بغيره، ولذا لما سأل جليس الملك الأعمى الغلامَ أن يشفيه، قال الغلام: ( إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ, فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللَّهِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكَ)، فَآمَنَ بِاللَّهِ فَشَفَاهُ اللَّهُ.

    11- تواضع العالم لتلميذه، وثناؤه عليه إذا استحق ذلك، ولكن بالقدر المناسب الذي يحفزه على النشاط في أمره، ولا يوقعه في الاغترار بما هو عليه.

    12- اقتضت سنة الله تعالى في عباده أن يبتليهم ويمتحنهم ليتميز الصادق من الكاذب، والمؤمن من المنافق، قال الله تعالى:{ ألم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}(2).

    13- صدق الالتجاء إلى الله تعالى، بدعائه، والثقة بالإجابة، وذلك عندما قال الغلام: (( اللهم اكفنيهم بما شئت )) فاستجاب الله له، ونجاه منهم.

    14- الإصرار على الدعوة، والحرص على إظهار الحق، وتبليغه للناس، ومقاومة الباطل.

    15- أن الحق ينتصر ويعلو، ويعتنقه الناس إذا اجتهد الداعون إليه في بيانه، وضحوا في سبيله.

    16- أن من صور النصر العظيمة انتصار الإيمان، بالثبات عليه، والموت في سبيله؛ لأن العاقبة هي الفوز برضاء الله تعالى وجنته.

    17- تثبيت الله تعالى للمؤمنين، كما جرى للمرأة التي أرادت أن ترجع فأنطق الله تعالى صبيها، وقال: اصبري يا أماه، فإنك على الحق.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    أصحاب الأخدود Empty رد: أصحاب الأخدود

    مُساهمة من طرف أحمد الأحد أبريل 26, 2015 12:12 pm

    أكثر من عشرين فائدة من قصة أصحاب الأخدود


    عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
    كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر فلما كبر قال للملك: إني قد كبرت فابعث إلي غلاماً أعلمه السحر، فبعث إليه غلاماً يعلمه، فكان في طريقه إذا سلك راهب فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه.

    فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد إليه فإذا أتى الساحر ضربه، فشكا ذلك إلى الراهب فقال: إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر.

    فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس فقال: اليوم أعلم آلساحر أفضل أم الراهب أفضل، فأخذ حجراً وقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس، فرماها فقتلها ومضى الناس فأتى الراهب فأخبره .

    فقال له الراهب: أي بني أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى وإنك ستبتلى فإن ابتليت فلا تدل علي.

    وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي الناس من سائر الأدواء، فسمع جليس للملك كان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة فقال: ما هاهنا لك أجمع إن أنت شفيتني فقال: إني لا أشفي أحداً إنما يشفي الله فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك فآمن بالله فشفاه الله.

    فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس فقال له الملك: من رد عليك بصرك؟ قال :ربي. قال: ولك رب غيري؟! قال: ربي وربك الله.

    فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام، فجيء بالغلام فقال له الملك : أي بني قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل ؟.
    فقال : إني لا أشفي أحداً إنما يشفي الله، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب.

    فجيء بالراهب فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه، ثم جيء بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك فأبى. فوضع المئشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه.

    ثم جيء بالغلام. فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل، فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه.

    فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فرجف بهم الجبل فسقطوا وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟! قال: كفانيهم الله. فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور، فتوسطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه، فذهبوا به فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فانكفأت بهم السفينة فغرقوا وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟! قال: كفانيهم الله.

    فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال: وما هو؟! قال: تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع ثم خذ سهماً من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل: باسم الله رب الغلام، ثم ارمني. فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني.

    فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثم أخذ سهماً من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال: باسم الله رب الغلام، ثم رماه فوقع السهم في صدغه فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات .

    فقال الناس: آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام.

    فأتي الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر قد والله نزل بك حذرك، قد آمن الناس، فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخدت وأضرم النيران وقال: من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها أو قيل له اقتحم، ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام: يا أمه! اصبري فإنك على الحق .

    الفوائد :
    ١- القصص وأثرها التربوي، وهذا منهج قرآني كما هو في كثير من السور، ولك أن تتأمل مثلاً تكرار قصة آدم وإبليس وقصة موسى وفرعون، وهناك سورة كاملة تحكي قصة وهي سورة يوسف، وفي الآية الكريمة ((فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ))[الأعراف:176] وفي السنة النبوية عشرات القصص التي يحكي فيها النبي قصص السابقين فيقول: ( كان فيمن كان قبلكم ).

    والقصة لها وقع في نفوس وتؤثر في المستمع والقارئ لها، وحري بالدعاة والمربين أن يعتنوا بها تأليفاً وحكايةً في المجالس وخطب الجمعة، وللأطفال وللنساء وللشباب وهكذا نختار القصص المعبرة من قصص الأنبياء والسلف الصالح ومن واقعنا المعاصر .

    ٢- رغبة أهل الباطل في نشر باطلهم لمن وراءهم ، حيث أن الساحر أراد تعليم الغلام السحر قبل أن يموت ليبقى السحر في حياة الناس، وهذا ظاهر في نشاط الكفار في كل زمان ومكان وبرامجهم ظاهرة في تثبيت الباطل في النفوس ودعوة الناس له .

    ٣- في ذهاب الغلام للساحر نتساءل: أين دور الأسرة التربوي في حفظ الصغار من الشرور حيث تركوه عند الساحر يتعلم منه السحر والباطل ؟.

    ولاشك أن هذا إهمال كبير في رعاية الصغار ، وللأسف أن يتكرر المشهد في حياة بعضنا حينما نترك أولادنا لقنوات الفسق، ولبعض الألعاب التي تمتلأ بالمخالفات العقدية والسلوكية، بل ونتساهل في متابعتهم عبر الجوال للمقاطع التي قد تكون فيها مخالفات، ولانكلف أنفسنا حتى التوجيه لهم في ضبط مشاهداتهم .

    ٤- كلام الدين تميل له النفوس ولو رفضته في ظاهر الأمر ، وهذا واضح من كلام الغلام لما بدأ يلازم الراهب ويرغب في البقاء عنده، وهذه هي الفطرة النقية التي لم تتلوث بالباطل، تجد أنها تحب الحق وترغب في التمسك به .

    ٥- جواز الكذب للحاجة ، وهذا ظاهر في كذب الغلام على أهله حينما يتأخر عليهم وحينما يتأخر عن الساحر وإن كان هذا في شريعة من قبلنا فهو في شريعتنا حيث أجازت الكذب حينما تكون المصلحة ظاهرة؛ مثل كذب الرجل على زوجته والعكس، والكذب للإصلاح .

    ٦- كرامة الله للصالحين ولمنهجهم، وهذا واضح من الدعاء الذي نطق بها الغلام " اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليكمن أمر الساحر فاقتل هذه الدابة؛ حيث استجاب الله له وماتت الدابة، والكرامة هي شيء خارق للعادة يظهره الله على الصالحين تثبيتاً لهم ونصرةً لمنهجهم .

    والمؤمن الصادق لا ينتظر الكرامات، بل يثبت على الدين لأجل الله ويعلم أن أعظم الكرامة في لزوم الاستقامة، والكرامة إن جاءت فالحمد لله وإن لم تأت فهي غير مهمة في حياة الصادقين .

    ٧- الداعية الصادق لابد أن تجري عليه صنوف البلايا والامتحان وتأمل قول الراهب للغلام " وإنك ستبتلى " ويؤكد هذا ماجرى للأنبياء والصالحين على مر الزمن (( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ))[محمد:31] .

    ٨- لا تعرض نفسك للفتن وهذا ظاهر من قول الراهب للغلام " وإنك سبتلتى فلا تدل علي " .

    وهذا من فقه المرء " أن يبتعد عن مواطن البلاء " سواء كانت في باب الشبهات أو الشهوات .

    ٩- الجاهل ربما يخطئ في عبارته عند المستشار والطبيب والراقي وهذا واضح من قول الرجل الأعمى للغلام " إن أنت شفيتني " والواجب على الداعية وطالب العلم والمستشار أن يصحح الخطأ اللفظي الذي يصدر من السائل بالأسلوب الحكيم وبالرفق مع التماس العذر له .

    ١٠ - لزوم العناية بالصغار لما يتمتعون به من صفاء الذهن ، وهذا بين من حرص الساحر على أن يعلم غلام صغير ولم يطلب أن يعلم رجل ، وياليتنا نحرص على تعليم الصغار ونتميز في تربيتنا لهم .

    ١١ - التشجيع والثناء للطالب المتميز، وهذا ظاهر من قول الراهب للغلام " أنت اليوم أفضل مني " وكم نحن بحاجة في حياتنا التربوية إلى استخدام مبدأ التحفيز في كل مجالاتنا، المدير مع موظفيه، الرجل في بيته ، مع زوجته ، المرأة مع زوجها، الصديق مع الأصدقاء، الداعية مع المدعو، العالم مع طلابه، وهكذا نجد التحفيز وسيلة تربوية فعالة للارتقاء بالآخرين نحو الكمال .

    ١٢ - المبادرة لخدمة الناس وإزالة مايضرهم ، وهذا بين من مبادرة الفتى لإزالة الدابة التي في الطريق ، وهذا مما ينبغي فعله على الداعية والمربي أن يكون مبادراً لخدمة الآخرين في الأمور التربوية والمالية والاجتماعية والحياتية وأن لايكون دور المصلحين مقتصر فقط على التوجيهات والفتاوى ثم نبتعد عن إصلاح حياة الناس وحاجياتهم .

    ١٣- الإيمان بالله سبب للشفاء وللهداية وهذا واضح من قول الغلام للرجل الأعمى " أنا لا أشفي وإنما يشفي الله فإن أنت آمنت دعوت الله لك " فما أعجب هذه الدعوة من ذلك الفتى حيث علق قلب ذلك الرجل الأعمى بالله وجعل إيمانه بالله سبب لشفاءه وعافيته، وهكذا ينبغى للدعاة أن يعلقوا قلوب الناس بالله تعالى وحده وأن لا يسمحوا لأنفسهم أن تطلب حظاً من حظوظ الدنيا من الشهرة والالتفات وتعلقات البشر بها .

    ١٤- التعذيب والاظطهاد منهج قديم ، والتقطنا هذا من قوله في الحديث: " فلم يزل يعذبه " وهذا يوحي لك بامتداد سلسلة المكر الكبار الذي يمارسه الطغاة على مر الزمن وأذية أهل الإيمان أصحاب المنهج الحق ، وصور التاريخ القديم والحديث حافلة بصور التعذيب والتنكيل بكل من دخل في دائرة الإيمان .

    ١٥ - الصبر على البلاء حيث نشر بالمنشار الأعمى والراهب ولم يرجعا عن الدين، وفي هذا تذكير لنا بمدأ الصبر الذي يجب أن يعيش ويموت عليه صاحب المنهج، وعدم التراجع عن الطريق مهما كانت العقبات ومهما نزلت بنا من مصائب.

    وحينما تتأمل الصبر في كتاب الله تعالى تجد ألواناً من الآيات التي تحدثت عنه، من الأمر به ((وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ ))[لقمان:17] ومن البشارة لأهله ((وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ))[البقرة:155] ومن محبة الله لهم ((وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ))[آل عمران:146] وغيرها من الآيات .

    قال الإمام أحمد : ورد الصبر في القرآن في نحو تسعين موضعاً من كتاب الله .

    ١٦ - التوكل على الله والاستعانة بالله وحده ، واقتبسنا هذه القاعدة من قول الغلام " اللهم اكفنيهم بما شئت " لما أخذه الجنود ليرموه من على الجبل ومن فوق السفينة.

    ووالله إنها لقصة عجيبة تفيد السائرين في طريق الدعوة إلى الله تعالى وتبصرهم بضرورة التعلق بالله تعالى وتفويض الأمور إليه سبحانه وبحمده وأن نقطع التعلق بالبشر مهما كانوا.

    - حفظ الله للدعاة الصادقين، وهذا الأمر تراه جلياً مما جرى للغلام في هذه القصة العجيبة ، حيث يذهب الجنود به ليرموه من فوق الجبل ، ولكن هنا تأتي إرادة الله ويظهر حفظه لهذا الغلام حيث يرتج الجبل فيسقطون كلهم إلا هو، وأنت حينما تتخيل هذا وكأنه مشهد تراه بعينك لتشعر بعظمة الله وقوته، التي حركت الجبل ليسقط أناس ويبقى غلام لم يتأثر بما جرى حوله وكأنه لم يكن موجوداً معهم .

    إن العقل ليقف محتاراً مندهشاً من عظمة هذه الرعاية الربانية .

    وقل مثل ذلك لما ذهبوا به ليرموه من السفينة في وسط البحر فينقلب بهم ذلك القارب ويسقطون ثم يرجع ذلك الغلام لم يضره شيء .

    سبحانك يارب كيف تكافئ عبادك الصالحين ، وكأنك ترسل لنا رسالة مفادها: لاتخف أيها الصادق فأنا معك بحفظي ورعايتي حتى لو كاد لك جميع أهل الأرض فمادمتُ معك فالخير كله معك، وكما قال الله لموسى: ((فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ))[الطور:48] وقال: ((وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ))[طه:39] وقال له ولهارون: (( لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ))[طه:46] وقال عن نبيه صلى الله عليه وسلم (( لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ))[التوبة:40].

    ١٧ - الثبات على الحق والإصرار على الدعوة فالغلام رجع للملك ولم يهرب في كلا الموقفين لما ذهبوا به للجبل ولما ذهبوا به للبحر، وهذا يعطيك قاعدة أيها الداعية في الصبر والثبات على طريق الدعوة وعدم التنازل عنها مهما بلغت الظروف حولك.

    فانظر لهذا الغلام الذي رجع للملك لكي يدعوه مرات ومرات ولم يرحل ويفر بنفسه حتى لايعاقبه مرةً أخرى .

    إن الغلام لديه رسالة وهدف لابد أن يوصله للملك وهو " أن الله هو الإله الحق ".

    إنه نموذج مميز للداعية الحق والذي لايريد إلا نفع الناس ودعوتهم مهما حصل له من أذى .

    فيا ترى هل نجد مثل هذا النموذج في واقعنا من الثبات على طريق الدعوة ؟

    أم أننا سنسمع أن ذلك الداعية ترك برامجه لأسباب لاتذكر .

    أيها الداعية اثبت على دعوتك ، واستمر على منهج نبيك صلى الله عليه وسلم ، وتذكر سير العلماء والمجددين الذين كانوا قدوةً في الثبات على الحق والعلم والتعليم والدعوة.

    ولك أن تتأمل حياة ابن باز رحمه الله تعالى لترى ثباته على تعليم الناس حتى وصل عمره في التسعين بلا كلل ولا ملل، وهذا ابن عثيمين رحمه الله تعالى يلقي درسه الأخير وهو في غرفته الطبية التي وضعت له في المسجد الحرام مع أن مرض السرطان قد أكل جسده وأصبح ممداً على فراشه وكان وزنه حينها لايتجاوز ٣٠ كيلو من شدة المرض ومع ذلك كان يلقي الدرس ليعلم الناس .

    إنه لمشهد مؤثر يجعلك تحتقر نفسك الضعيفة التي تكسل عند أي عارض وتترك الدعوة بسبب الكسل والفتور ولاحول ولا قوة إلا بالله .

    ١٨- علو الهمة عند هذا الشاب، ولاحظ أنه غلام وشاب وليس رجلاً في الأربعين والخمسين، وهذا هو النموذج الذي يجب أن يُقتدى به ونتطلع للشباب أن يكونوا مثله، فياترى أين الشباب من علو الهمة في الدعوة إلى الله تعالى ونفع الناس، ولماذا لاتكاد ترى صوراً مميزةً للشباب في هذا المسلك المهم .

    إنني أدعو الشباب لبذل الجهد والتميز والتنافس في البرامج الدعوية والتعليمية للناس؛ لأن الناس بحاجة ماسة إلى نور الهداية فهم بين ظلمات الجهل والعصيان يتقلبون ، فمن لهم بعد الله إلا أنتم ياشباب الاستقامة .

    هيا سيروا على بركة الله وانطلقوا في الدعوة إلى دين الله عبر إخلاص واتباع مع همة عالية تتحطم دونها العوائق .

    ١٩ - من أعظم صور الانتصار " الموت على المعتقد الصحيح وهذا هو الفوز الكبير " .

    إن هؤلاء الذين آمنوا بالله في نهاية القصة في الحقيقة لم يتمتعوا بمزيد من الرفاهية ولا العيش لساعات في هذه الدنيا، إنهم ماتوا بعد دقائق من إيمانهم بالله وإعلانهم أن لا إله إلا الله، وليتهم ماتوا بشكل معروف ومقبول كما يموت الناس، ولكنهم ماتوا حرقاً بالنار، يا الله ما أقوى هذا المشهد الذي يجعلك تعيش في عالم الاستغراب.

    يشاهدون النار أمامهم، والطغاة حولها يهددونهم بأنهم إن لم يرجعوا عن دينهم فسوف يرمونهم في النار، ففي تلك اللحظات إما الحياة مع الكفر، وإما الموت حرقاً ولكن مع الإيمان بالله الحي القيوم.

    وهنا تتوارد على النفس شهوة الحياة وبهجتها، ولكن ماقيمة الحياة إن لم تكن مع الله وفي ظل الإيمان به والتنعم بالقرب منه، الموت على الإيمان بالله خير من الحياة الكافرة .

    ثم يجمعون كلهم على الإيمان، ويكون الانتصار الكبير الذي ربما لم يحصل مثله في التاريخ ، ويختار هؤلاء " ربهم الكريم الودود " لينتقلوا في جواره عبر تلك الأخاديد التي أضرمتها النيران .

    ويتساقطون الواحد تلو الآخر وتحترق الأجساد وتتقلب في النيران ، ثم في غمضة عين إذ بهم إن شاء الله في جنان الخلد مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ولهذا جاء في الآيات بعدها ((ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ ))[البروج:11].

    فصبراً يا أهل الإيمان ، والله الله في الثبات على الصراط المستقيم، واعلموا أن أعظم الكرامة لزوم الاستقامة .

    ٢٠- التعذيب الذي مارسه أولئك الكفار بالنار يقابله الوعيد الرباني ((وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ))[البروج:10]، وما أعظم الفرق بين حريق الدنيا وبينا حريق الآخرة .

    وهذه رسالة لكل طاغية يمارس تعذيب الصالحين أن يعلم بأن الله قد رصد له من العذاب مالايخطر على بال كما قال تعالى: (( إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ))[البروج:12].

    ٢١- وقت الفتن تكون الكرامات تأييداً للصالحين ، وهذا بين من قصة الطفل الرضيع الذي قال لأمه " يا أماه اصبري فإنك على الحق " وهذا دليل على رعاية الله لتلك الفئة المؤمنة أن جعل الطفل ينطق بصحة منهجم مع أنه طفل، ولكن ليس الطفل هو الذي اختار هذه العبارة ليقولها فهو طفل لا يعقل ولايدرك ولكنه طفل أنطقه الله جل جلاله ليبين لأولئك المؤمنين أنهم على الحق .

    ٢٢- انتهى تاريخ الصالحين بالإحراق بالنار، وانتهى تاريخ الطغاة بالتعذيب بالنار، ومضت السنوات والتاريخ لايزال يذكر سير المؤمنين الصادقين الصابرين بكل شرف وفخر، وأما أهل الكفر والطغيان فليس لهم إلا الدعوات واللعنات تلاحقهم في قبورهم وجحيمهم .
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    أصحاب الأخدود Empty رد: أصحاب الأخدود

    مُساهمة من طرف أحمد الأحد أبريل 26, 2015 12:13 pm

    من فوائد قصة أصحاب الأخدود

    من فوائد الحديث:

    1- جَوَاز الْكَذِب فِي الْحَرْب وَنَحْوهَا, وَفِي إِنْقَاذ النَّفْس مِن الْهَلَاك, سَوَاء نَفْسه أَوْ نَفْس غَيْره مِمَّنْ لَهُ حُرْمَة.
    2- أن الغلام أمر بقتل نفسه لأجل مصلحة ظهور الدين، ولهذا جوز الأئمة الأربعة أن يغمس المسلم في صف الكفار وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين. وهذه تختلف عن ما يسمى اليوم بالعمليات الاستشهادية، والتي اختلف فيها العلماء المعاصرون، بين المنع منها، وجوازها إذا كان فيها مصلحة عامة للمسلمين، والله أعلم بالصواب.
    3- شدة عداوة الكفار للمؤمنين، والسعي في صدهم عن دينهم، فإن الناس لما آمنوا فتنهم الكفار حتى يرجعوا عن دينهم.
    4- عزة المؤمنين، وثباتهم على دينهم، وصبرهم على الابتلاء، وقد أثنى الله عليهم، وخلد ذكرهم في سورة البروج، قال تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم {والسماء ذات البروج* واليوم الموعود* وشاهد ومشهود* قتل أصحاب الأخدود* النار ذات الوقود* إذ هم عليها قعود* وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود* وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد* الذي له ملك السماوات والأرض والله على كل شيء شهيد* إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق}(1).
    5- لزوم العناية بالأطفال لما يتمتعون به من صفاء، وحسن استعداد للتعليم والتربية، ولاسيما من يلمس فيه النبوغ والذكاء، حتى يرتقوا بأنفسهم ويقدموا النفع لأمتهم. كما تجب صيانتهم من أسباب الغواية والضلال لسرعة تقبلهم، وسهولة التأثير عليهم.
    6- خطر دعاة الضلالة على الناس، وسعيهم في نشر الفساد بينهم، كما تجلى ذلك في حرص الساحر على بقاء علمه، مع ما في السحر من المحادة لأمر الله تعالى، والشر والضرر على الناس.
    7- رحمة الله تعالى بعباده، حيث هيأ للغلام ذلك الراهب المؤمن، الذي كان على الدين الصحيح في ذلك الوقت – دين عيسى عليه السلام غير المحرف – فتعلم من الدين الحق، وسلم من فتنة الساحر وغوايته.
    8- إثبات كرامة الأولياء، وهي الخوارق التي يؤيد الله تعالى بها عباده الصالحين المتمسكين بالحق.
    9- مشروعية السعي في مصالح الناس، وإزالة ما يضرهم، وإبعاد الأذى من طريقهم، وقد عد النبي - صلى الله عليه وسلم- ذلك من شعب الإيمان.
    10- لزوم توجيه الناس إلى خالقهم، وأن يغرس في نفوسهم أن النفع والضر هو بيد الله تعالى وحده دون من سواه، فلا يجوز أن تتعلق القلوب بغيره، ولذا لما سأل جليس الملك الأعمى الغلامَ أن يشفيه، قال الغلام: ( إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ, فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللَّهِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكَ)، فَآمَنَ بِاللَّهِ فَشَفَاهُ اللَّهُ.
    11- تواضع العالم لتلميذه، وثناؤه عليه إذا استحق ذلك، ولكن بالقدر المناسب الذي يحفزه على النشاط في أمره، ولا يوقعه في الاغترار بما هو عليه.
    12- اقتضت سنة الله تعالى في عباده أن يبتليهم ويمتحنهم ليتميز الصادق من الكاذب، والمؤمن من المنافق، قال الله تعالى:{ ألم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}(2).
    13- صدق الالتجاء إلى الله تعالى، بدعائه، والثقة بالإجابة، وذلك عندما قال الغلام: (( اللهم اكفنيهم بما شئت )) فاستجاب الله له، ونجاه منهم.
    14- الإصرار على الدعوة، والحرص على إظهار الحق، وتبليغه للناس، ومقاومة الباطل.
    15- أن الحق ينتصر ويعلو، ويعتنقه الناس إذا اجتهد الداعون إليه في بيانه، وضحوا في سبيله.
    16- أن من صور النصر العظيمة انتصار الإيمان، بالثبات عليه، والموت في سبيله؛ لأن العاقبة هي الفوز برضاء الله تعالى وجنته.
    17- تثبيت الله تعالى للمؤمنين، كما جرى للمرأة التي أرادت أن ترجع فأنطق الله تعالى صبيها، وقال: اصبري يا أماه، فإنك على الحق.

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 14, 2024 7:21 pm