نشأة الخليقة بين القرآن والمكتشفات الحديثة
بقلم د.أحمد عبد الحميد عبد الحق
بقلم د.أحمد عبد الحميد عبد الحق
"إن هذا القرآن يصف الكون من أعلى نقطة في الوجود
فكل شيء أمامه مكشوف " يوشيدي دكوزاي
حقب كثيرة تلك التي مرت على نشاة الكون ووجوده , إنها تقدر ببلايين السنين التي لم يستطع العلماء لها إحصاء إلى الآن (1) ومع ذلك فإن ما سجل في القرآن الكريم عن كيفية النشأة يبدو وكأنه كتب الآن بعد غزو الفضاء , وإطلاق المراكب الفضائية التي لا تفتأ تصور ما في الكون من عجائب كل حين , يقول الله سبحانه وتعالى " ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين " (2) (فصلت : 9 – 11 ).
فهذه الآية تشير إلى أن الكون الذي نعيش فيه كان في بدايته عبارة عن ذرات صغيرة أو غازات تعلق بها مواد صلبة ساخنة , تشبه الدخان المتصاعد , كما قال صاحب تفسير فتح القدير (3) : "وهي دخان " الدخان ما ارتفع من لهب النار , وهذا ما أثبته العلم الحديث بعد طفرته غير المسبوقة يقول ا /د يوشيدي دكوزاي مدير المراصد بطوكيو باليابان : لقد تضافرت الأدلة على أن أصل هذا الكون من دخان برد وتجمد , وأن بعض العلماء يتكلمون عن هذا الدخان بأنه ضباب , ولكن هذا الوصف غير صحيح , لأنه لا يتناسب مع السخونة المصاحبة له (4).
ثم ذكر أن النجوم المضيئة الآن كانت قبل ذلك دخان , وكانت مظلمة , ثم صارت شيئا فشيئا مرئية , وهذا يفسر ما جاء في قوله تعالى :"أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها * رفع سمكها فسواها * وأغطش ليلها وأخرج ضحاها" أي أزال ظلمتها.( سورة النازعات من 28 ـ 30).[img:d8a8]http://www.altareekh.com/new/doc/images/articles/NGC1705[1].jpg[/img:d8a8]
وقد دفعه هذا الاتفاق بين ما ورد في القرآن الكريم بشأن نشأة الكون , وبين ما لاحظه العلماء بعد الاكتشافات العصرية إلى أن يقول : " إن هذا القرآن يصف الكون من أعلى نقطة في الوجود , فكل شيء أمامه مكشوف , إن هذا القرآن يرى كل شيء , فليس هناك شيء خفي عليه , .. إننا نحن العلماء نركز على جزء صغير في دراستنا للكون, أما من يقرأ القرآن فإنه يرى صورة واسعة لهذا الكون .
ومن العجب أن العلم الحديث أثبت أن الكون دائم التمدد , وأنه مع هذا التمدد يفقد حرارته شيئا فشيئا , وهو الوصف المناسب لحركة الدخان الذي يظل في اتساع بعد صدوره حتى يزول , كما أن درجة حرارته تتناقص شيئا فشيئا (5).
ويقول الله سبحانه وتعالى : "أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون "(الأنبياء : 30 ) وقد حسب العلماء القدامى أن فتق في الآية بمعنى فصل , فعلق الطبري في تفسيره على هذه الآية بقوله : أولم ينظر هؤلاء الذين كفروا بالله بأبصار قلوبهم فيروا بها , ويعلموا أن السموات والأرض كانتا ملتصقتين ففصل الله بينهما (6) .
وقال محمد بن إسحق : كان أول ما خلق الله تبارك وتعالى النور والظلمة , ثم ميز بينهما فجعل الظلمة ليلا أسود مظلما , وجعل النور نهارا مضيئا مبصرا , ثم سمك السموات السبع من دخان ... وقد أغطش في السماء الدنيا ليلها , وأخرج ضحاها, فجرى فيها الليل والنهار , وليس فيها شمس ولا قمر ولا نجوم , ثم دحا الأرض , وأرساها بالجبال , وقدر فيها الأقوات , وبث فيها ما أراد من الخلق , ففرغ من الأرض , وما قدر فيها من أقواتها في أربعة أيام (7).
وظل هذا الفهم أقرب إلى أذهان الناس حتى أرسلت وكالة ناسا سنة 1989م قمرا صناعيا إلى الفضاء الخارجي باسم كوبي لدراسة موجات خاصة لها علاقة بخلق الكون , فوُجد أن ثمة شعاعا يملأ الكون كله , موجود بالليل والنهار , وفي كل الاتجاهات , وأن هذا الإشعاع باقي من إنفجار عظيم حدث في الكون عند بد الخلق .
وهذا الإنفجار ـ والله أعلم ـ هو المقصود بالفتق في قوله سبحانه " ففتقناهما " لأنه يتلائم مع وصف الدخان الذي ينجم عن الانفجار.
وقد ذُكر أن هذا الإشعاع هو أول وأبعد وأقدم شعاع يمكن لأي تلسكوب التقاطه , ومن المستحيل أن نرى قبله أي شيء ؛ لأن الكون قبل ذلك كان قاتما , وهذا ما أشارت إليه الآية التي ذكرت من قبل " أغطش ليلها " كما يفهم من قوله تعالى :" فقضاهن سبع سموات في يومين , وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم " ( فصلت : 9) ، ومن قوله تعالى : " وجعل الظلمات والنور " حيث ذكر الظلمات أولا مما يدل على سبقها الزمني .
وقد استطاعت كوبي التقاط صورا للكون منذ بدايته الأولى , وبالتحديد عندما كان عمره ثلاثمائة ألف سنة , فجاءت الصور عبارة عن فضاء مظلم به بقع زرقاء , لها طاقة أعلى أي أسخن , وحمراء لها طاقة أقل أي أقل حرارة , كما هي موضحة بالصورة , وصدق الله القائل : " سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق " .
ــــــــــــــــــ
الهوامش :
([b]1) بعض العلماء يقدر تلك السنين ب 13 ألف مليون سنة
(2) يقول ابن عباس في تفسير قوله تعالى : " طائعين " أما أنت يا سماء فأطلعي شمسك وقمرك ونجومك وأنت يا أرض فشقي أنهارك وأخرجي ثمارك ونباتك (تفسير البغوي : جزء 1 -
صفحة 165 )
(3) جزء 4 - صفحة 722
(4) من حوار له مع الأستاذ الدكتور عبد المجيد الزنداني
(5) د / علي حسن عبد الله : صدى الانفجار العظيم , مقال بمجلة العربي ص 147عدد 567
(6) تفسير الطبري : جزء 9 - صفحة 19
(7) السابق : جزء 1 - صفحة 222
[/b]