ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    لغة القرآن الكريم (مكانتها - تعظيم السلف لها)

    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    لغة القرآن الكريم (مكانتها - تعظيم السلف لها) Empty لغة القرآن الكريم (مكانتها - تعظيم السلف لها)

    مُساهمة من طرف أحمد الجمعة أبريل 24, 2009 10:10 am

    كتبه/ عبد المعطي عبد الغني
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
    مكانة اللغة العربية:
    اللغة العربية لغة فذة، لا تشبه لغة من اللغات، ولا تشبهها لغة من اللغات، فهي نسيج وحدها؛ فهي اللغة التي علمها اللهُ آدمَ -عليه السلام-، وهي اللغة التي يتخاطب بها أهل الجنة فيما بينهم، وهي اللغة التي نزل بها الوحي الإلهي على قلب سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
    قال الله -تعالى-: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(يوسف:2)، وقال -تعالى-: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ . عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ . بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ)(الشعراء:193-195)، وقال -تعالى-: (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُون)(فصلت:3).
    فاللغة العربية:
    هي حاملة الرسالة السماوية، ومبلغة الوحي الإلهي، وناشرة الدين الحنيف وسفيرته إلى العالمين، وفاتحة دعوته، ولسان شعائره، وجامعة الأمة، وآصرة المِلَّة. محفوظة حفظ الوحي المنزَّل بها.
    قال -تعالى-: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون)(الحجر:9).
    وهي مُبدِعة الحضارة العربية، وراويتها بين الأجيال، وذاكرتها على مر العصور، وهي لغة الإبداع الأدبي قبل الإسلام، ولغة الأعجاز الإلهي، حمَّلها الإسلامُ رسالتَه العالمية.
    شعور السلف بالمسئولية نحوها:
    ولما كانت اللغة العربية لغة القرآن الكريم، والحديث الشريف، والتراث الإسلامي شعر السلف بمسئوليتهم وواجبهم نحوها، فبذلوا جهوداً مضنية في تأصيلها وتنقيتها، ووضع قواعدها، وصيانتها من شوائب اللحن والخطأ الذي يذهب بجمالها ورونقها وبهائها.
    وقد ظل الأوائل غيورين على اللغة، ذابِّين عن حياضها، معتزين بخصائصها، حريصين كل الحرص على سلامتها وحفظها من الرطانة العجمية واللكنة العامية.
    يقول ابن منظور "ت1311هـ" -صاحب "لسان العرب"-، وهو يبين سبب تأليف معجمه:
    - "لم أقصد سوى حفظ أصول هذه اللغة النبوية، وضبط فضلها، إذ عليها مدار أحكام الكتاب العزيز، والسنة النبوية، وذلك لما رأيت قد غلب في هذا الأوان من اختلاف الألسنة والألوان، حتى لقد أصبح اللحن في الكلام يعد لحناً مردوداً، وصار النطق بالعربية من المعايب معدوداً، وتنافس الناس في تصانيف الترجمات في اللغة الأعجمية، وتفاصحوا في غير اللغة العربية، فجمعت هذا الكتاب في زمن أهله بغير لغته يفخرون، وصنـَعْتـُه كما صنع نوح الفلك وقومه منه يسخرون".أ.هـ. من "مقدمة لسان العرب".
    هكذا السلف الغـُيـَّر المخلِصون الذين أقاموا من أنفسهم حراساً يقظين على اللغة، يذودون عن حماها، ينبهون الناس إلى الخطأ حتى يجتنبوه، ويردوهم إلى الصواب كي يلتزموه.
    آثار سلفية في ذم اللحن:
    - القرآن الكريم كتاب الله -تعالى-، كتاب العربية الأكبر، وسر خلودها، قد جاءت فيه إشارة إلى استيحاش عدم الفصاحة فيما حكى الله -تعالى- عن نبيه موسى -عليه السلام-: (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي)(القصص:34).
    - أكد النبي -صلى الله عليه وسلم- تأكيداً بالغاً على سلامة الكلام من اللحن، حتى عَدَّ اللحن في الكلام ضلالاً، فمما يُروى في ذلك عنه -صلى الله عليه وسلم- أن رجلاً لحن أمامه فقال: "أرشدوا أخاكم فقد ضل"(رواه الحاكم).
    فتأمل الكلمة الزاجرة -فقد ضل- تَعلَمْ الاهتمام بإصلاح اللسان، وفظاعة أمر اللحن في الكلام.
    حرص الصحابة على سلامة اللغة:
    كان الصحابة -رضي الله عنهم- مهتمين بحفظ لغة القرآن، وصيانتِها من اللحن، حتى إن بعضهم كانوا يعدون الخطأ في اللغة جريمةً يستحق مرتكبها العقاب الصارم الرادع.
    - فعن الشعبي -رحمه الله- قال: قال أبو بكر الصديق: "لأن أقرأ فأُسْقِط أحبُّ إليَّ من أن أقرأ فألحن".
    - كان عمر يعتبر تعليم اللغة العربية والتعمق في علومها وآدابها مثل التعمق والتفقه في الدين يقول: "أما بعد، فتفقهوا في السنَّة، وتفقهوا في اللغة العربية، فإنها من دينكم، وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم".
    وقال عمر -رضي الله عنه-: "تعلموا الفرائض واللحن والسُنن كما تعلمون القرآن".
    وعن أبي مسلم البصري قال: قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "تعلموا العربية؛ فإنها تزيد في المروءة".
    يُروى أن أعرابياً سمع رجلاً يقرأ قول الله -تعالى-: (أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) يكسر اللام فقال: أنا برئ مما تبرأ الله منه، فزجره عمر، لأنه بذلك يكون متبرئاً من الرسول أيضاً، ولكنه قال: هكذا سمعت. فأمر عمر بأن لا يقرأ القرآن إلا عالمٌ باللغة".
    كان يأمر بجلد الكُتـَّاب وعزلهم إذا لحنوا في اللغة، فيُروى أن كاتب أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- كتب: إلى عمر من أبو موسى والصحيح "من أبي موسى"، فلما وصل الكتاب إلى عمر -رضي الله عنه- أعاده إلى أبي موسى آمراً إياه بقوله الزاجر: "إذا أتاك كتابي هذا فاجلده سوطاً، واعزله عن عمله"، وفي رواية: "عزمت عليك لَمَا ضربت كاتبك سوطاً".
    وكان يرى -رضي الله عنه- أن الخطأ في الرمي أهون من الخطأ في اللغة، فيُروى أنه مر على قوم يسيئون الرمي، فأنـَّبهم على ذلك، فقالوا: "يا عمر إنا قوم متعلمين -بدلاً من متعلمون-، فضجر عمر لذلك، وقال: "والله لخطؤهم في رَمْيِهم أهون على خطئهم في لسانهم".
    رحم الله عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كيف كان فطناً لخطورة الخطأ في اللغة؟! وكيف اهتم بالقضية، واعتنى بها؟! وكيف أدرك أن اللغة العربية أَجَلُّ وأسمى من أن يُحتَمل فيها الخطأ؟!
    وقد سبق -رضي الله عنه- بعقاب اللاحنين بقرون طويلة ما دعا إليه أحد أعضاء مجلس النواب الأمريكي "الكونجرس" قال: "إننا نضع القوانين لمعاقبة المجرمين الذين يسرقون ويقتلون، فلماذا لا نضع القوانين لمعاقبة الذين يفسدون اللغة"؟!
    وفرضت فرنسا ألفي فرنك فرنسي على كل من يستخدم كلمة أجنبيه واحدة يوجد بها مقابل في الفرنسية.
    وأخرج البيهقي والخطيب عن عمرو بن دينار أن ابن عمر وابن عباس كانا يضربان أولادهما على اللحن.
    - وعن ميمون بن مهران قال: "كان ابني يتعلم العربية فنهيته عنها، فشهدت ابن عمر وقد لحن ابنه فدفعه دفعة ألقاه حيث شاء الله، فرجعت إلى ابني فقلت: عليك بالعربية، فإني رأيت ابن عمر يضرب ولده على اللحن".
    عن أبي بن كعب قال: "تعلموا العربية في القرآن كما تعلمون حفظه".
    عناية الخلفاء والأمراء بصحة الكلام:
    اهتم الخلفاء والولاة بسلامة الكلام من اللحن، فكانوا يعيبون اللحن ويستهجنونه، ويعتبرونه عاراً للكريم، ومَسَبَّة للشريف.
    - الخليفة الأموي عبد الملك مروان كان من الأربع الذين لا يلحنون في جد ولا هزل، ويقول: "اللحن في الكلام أقبح من التفتيق في الثوب، والجدري في الوجه".
    وكان يقول: "الإعراب جمالٌ للوضيع، واللحن هُجْنَةٌ على الشريف".
    وكان يخاف من اللحن خوفاً عجَّل الشيبَ إليه والشيخوخةَ. قيل له: "لقد عجل عليك الشيبُ يا أمير المؤمنين؟ فقال: شيبني ارتقاء المنابر، وتوقع اللحن".
    وقال أيضاً: "كيف لا يعجل عليّ وأنا أعرض عقلي على الناس كل جمعة مرة أو مرتين".
    - دخل على عبد العزيز بن مروان رجل يشكو صهراً له فقال: "إن ختني فعل بي كذا وكذا. فقال له عبد العزيز: من خَتـَنـَك؟ -بفتح النون- فقال: خَتـَنَني الخَتـَّان الذي يختِن الناس.
    فقال عبد العزيز لكاتبه: ويحك بم أجابني؟
    فقال له أيها الأمير: إنك لحنت، وهو لا يعرف اللحن كان ينبغي أن تقول له: من خَتـْنـُك؟ -بضم النون-، فقال عبد العزيز: أراني أتكلم بكلام لا تعرفه العرب، لا شاهدت الناس حتى أعرف اللحن، فأقام في البيت جمعة لا يظهر، ومعه من يعلمه العربية.
    قال: فصلى بالناس الجمعة، وهو أفصح الناس.
    - ويروى أنه كان يعطي على العربية، ويَحرِم على اللحن، حتى قدم عليه زوَّار من أهل المدينة وأهل مكة من قريش، فجعل يقول للرجل منهم: ممن أنت؟ فيقول: من بني فلان. فيقول للكاتب: أعطه مائتي دينار. حتى جاءه رجل من بني عبد الدار فقال: ممن أنت؟ فقال من بنو عبد الدار -وذلك لحن إذ الصواب: من بني عبد الدار-. فقال: تَجدُها في جائزتك. وقال للكاتب: أعطه مائة دينار.
    - وكان الحجاج الثقفي -رغم جرائمه وفظائعه- معنيّاً بسلامة الكلام من الأخطاء عناية شديدة. تنسب إليه قصة طريفة رفعت إلى عبد الله بن المبارك قال: بعث الحجاج إلى البصرة أن اختر لي عشرة من عندك فاختار رجالاً منهم -كثير بن كثير- قال: وكان رجلاً عربياً، قال كثير: فقلت في نفسي لا أفلت من الحجاج إلا باللحن قال: فلما أُدخِلنا عليه دعاني فقال: ما اسمك؟ قلت: كثير، قال: ابن من؟ فقلت: إن قلتها بالياء لم آمن أن يتجاوزها، قال: أنا ابن أبا كثير -وذلك لحن إذ الصواب: ابن أبي كثير-، فقال: عليك لعنة الله، وعلى من بعثك، جثوا في قفاه. أي: اضربوا قفاه.
    كان اللحن عند أهل البادية ذنباً شنيعاً يستحق صاحبه حرمان الرزق. مما يؤثر عن أحد البدو العرب أنه توجه من الصحراء إلى سوق البصرة، فرأى الناس يلحنون، فصرخ في وجوههم: "يا عجباً، كيف تلحنون، وترزقون".
    ومن طريف ما يُروى أن أحد النحاة دخل على هشام بن عبد الملك، فلما حضر الغداء، وعاد هشام، وقال لفتيانه: تلاحنوا عليه، فجعل بعضهم يقول: "يا أمير المؤمنين رأيت أبي فلان، والآخر يقول: مر بي أبا فلان، ونحو ذلك. فلما أكثروا من اللحن، أدخل الأعرابي يده في الصحفة، ثم جعل يطلي لحيته، ويقول لنفسه: "ذوقي هذا جزاؤك في مجالسة الأنذال".
    الشتم بالعربية أحب من المرح بغيرها:
    ومن فرط حبهم للغة العربية، وغَيْرتِهم عليها، وصيانتهم لها كانوا يفضلون الشتم بها على المدح بغيرها، فقد أُثِر عن أبي الريحان البيروني قوله: "لئن أُشتَم بالعربية خير من أن أُمدَح بالفارسية".وفي رواية: "لئن أُهجَى بالعربية خير من أُمدَح بالفارسية".
    الضرب بالحجر أفضل من اللحن في اللغة:
    ومن صور حب السلف العجيب للغة، واهتمامهم بها، وحرصهم على صيانتها من الخطأ أنهم كانوا يفضلون الضرب على اللحن فيها، فينسب إلى قائد أموي قوله: "أحب إلي أن يضربني الرجل بحجر وألا يسمعني لحناً".
    حب العربية من الإيمان:
    كان سلفنا الصالح -رحمهم الله تعالى- يعدون تعلم العربية وخدمتها وحبها من الدين، ومن حب الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.
    يدل على ذلك ما قاله الإمام أبو منصور الثعالبي -رحمه الله-:
    "من أحب الله -تعالى- أحب رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ومن أحب الرسول العربي أحب العرب، ومن أحب العرب أحب العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العرب والعجم، ومن أحب العربية عني بها، وثابر عليها، وصرف همته إليها، ومن هداه الله للإسلام، وشرح صدره للإيمان، وأتاه حسن سريرة فيه اعتقد أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- خيرَ الرسل، والإسلامَ خيرَ الملل، والعربَ خيرَ الأمم، والعربيةَ خيرَ اللغات والألسنة، والإقبالَ على تفهمها من الديانة؛ إذ هي أداة العلم، ومفتاح التفقه في الدين، وسبب إصلاح المعاش والمعاد".
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    لغة القرآن الكريم (مكانتها - تعظيم السلف لها) Empty رد: لغة القرآن الكريم (مكانتها - تعظيم السلف لها)

    مُساهمة من طرف أحمد الأحد مايو 17, 2009 11:07 am

    قال أبو إسحاق الزَّجَّاج :
    "سَمِعْتُ أبا العَبَّاس المُبَرِّد يقول: كان بعضُ السَّلَف يقول: عليكم بالعربيَّة؛ فإنَّها المروءة الظَّاهرة، وهي كلام الله - عَزَّ وَجَلَّ - وأنبيائه وملائكته... إلى آخر كلامه - رَحمَه الله.


    وقد قال الشَّافعي - رحمَه الله -:
    إنَّ المسلمَ عليه أن يكونَ تَبَعًا فيما افتُرِضَ عليه، ونُدِبَ إليه، لا مَتْبُوعًا؛ أيْ: على كلِّ مسلمٍ أن يَتَعَلَّمَ من لغة العرب ما يكون به على أصل ما جاء به النَّبي - صَلَّى الله عليه وَسَلَّم - لا أن يظلَّ على لغته هو، أو عرف قومه واصطلاحهم ولهجتهم، وتتبعه لغة العرب التي جاءَ بها القرآن وسُنَّة النَّبي - صَلَّى الله عليه وَسَلَّم - فيكون بذلكَ متبوعًا.


    واعلم أنَّ شخصيَّة الأمَّة تبدو جَليَّة عند اعتيادها الأخذ بلغة الكتاب العزيز، وأن تَرْكَ تلكَ اللُّغة مضيعة لشخصيَّة الأمَّة، وامِّحاء لها، وذوبان لتلكَ الشَّخصيَّة في كيان الأمم التي تَتَكَلَّم الأمة لغاتها.


    فإن تَرَكَتِ الأمَّة لغةَ الكتاب إلى غير لُغَة مِمَّا يعتد به، فاعلم أنَّها أصْبَحَت أمَّة لا شخصيَّة لها، وعُدَّها في الموتى، وكَبِّر عليها أربعًا.
    قال شيخ الإسلام ابن تَيْمِيَّة - رحمَه الله -:
    "اعلم أنَّ اعتيادَ اللُّغة يؤثر في العقل والخُلُق والدِّين، تأثيرًا قويًّا بَيِّنًا، ويُؤَثِّر أيضًا في مشابهة صدر هذه الأمَّة منَ الصَّحابة والتابعينَ، ومُشَابَهتُهم تزيد العقل والدِّين والخُلُق" . ا. هـ



    ولِهَذا نقول: ينبغي لكُلِّ أحدٍ يَقدِر على تَعَلُّم العَرَبيَّة أن يَتَعَلَّمَهَا؛ لأنَّها اللسان الأَوْلَى بأن يكونَ مرغوبًا فيه، مِن غير أن يُحرِّم على أحدٍ أن ينطقَ بالعجميَّة.
    قال شيخ الإسلام:
    فقد كَرِه الشافعي لِمَن يعرف العربيَّة أن يسميَ بغيرها، وأن يَتَكَلَّمَ بها خالطًا لها بالعَجميَّة، وهذا الذي ذكره، قالَهُ الأئمة مأثورًا عنِ الصَّحابة والتابعينَ" ا. هـ



    وقال - رحمه الله - في موضع آخر:
    "وما زال السَّلَف يكرهون تغيير شعائر العرب حتَّى في المُعَامَلات، وهو التَّكَلُّم بغير العربيَّة، إلاَّ لحاجَة، كما نَصَّ على ذلك مالكٌ والشَّافعي وأحمد؛ بل قال مالك: مَن تَكَلَّم في مسجدنا بغير العربيَّة أُخرِج منه


    ولم يكنِ العَرَبُ عندما يفتحون بلدًا منَ البُلدان يتركون لسانَهم ولسان قرآنهم من أجل لسان أحد؛ وإنما تغلب العربيَّة على أهل المِصْر المَفْتوح حتَّى تطبق عليه، ويكره المسلمونَ أَشَدَّ الكُرْهِ أن تَتَفَشَّى فيهم العُجْمة والرَّطَانَة البعيدتان عن لغة الكتاب وأهله.


    ورَوى الخطيب البغدادي - رحمَه الله - في كتابه "الجامع لأخلاق الرَّاوي وآداب السامع" 2/25 (1067)، أنَّ عمرَ بن الخَطَّاب - رضيَ الله عنه - قال: تعلَّموا العربيَّة؛ فإنَّها تزيد في المروءة، وتثبت العقل.

    شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - في "اقتضاء الصِّراط المستقيم" ص 317: "وهذا الذي أمر به عمر - رضيَ الله عنه - من فقه العربيَّة، وفقه الشَّريعة، يجمع ما يُحْتَاج إليه؛ لأنَّ الدِّين فيه أقوال وأعمال، فَفِقه العربيَّة هو الطريق إلى فقه أقواله، وفِقه السُّنَّة هو فقه أعماله. ا.هـ

    ورَوَى ابن أبي شيبة أيضًا في "مصنفه"، عنِ ابن عمرَ - رضيَ الله عنهما - أنَّه كانَ يضرب ولده على اللَّحن[17].
    ورَوَى أيضًا، عن أُبَي بن كعب أنه قال: تعلَّموا العربيَّة، كما تعلمون حفظ القُرآن[18].
    ورَوَى أيضًا، عن ابن عمر أنَّه قال: أعرِبوا القرآن؛ فإنَّه عربي[19].
    ورَوَى أيضًا، عن ابن بُرَيْدَة، عن رجل من أصحاب النَّبي - صَلَّى الله عليه وَسَلَّم - أنَّه قال: لأَن أقرأَ آيةً بإعرابٍ أحبُّ إليَّ مِن أنْ أقرأَ كذا وكذا آية بغير إعرابٍ[20].
    ورَوَى أيضًا، عن أبي جعفر أنَّه قال: مِن فِقه الرجل عرفانه اللَّحن[21].

    ولذلكَ أجْمَعَ الأئمَّة منَ السَّلَف والخَلَف قاطبة على أنَّ النَّحو شرط في رتبة الاجتهاد، وأن المجتهد لو جَمَع كُلَّ العلوم لم يبلغ رتبة الاجتهاد حتى يعلم النَّحو، فيعرف به المعاني التي لا سبيل لمعرفتها بغيره، فرُتبة الاجتهاد مُتَوَقِّفة عليه، لا تتم إلاَّ به[22].


    سمع أبو عمرو أبا حنيفة يَتَكَلَّم في الفقه، ويلحن، فأعْجَبَه كلامه، واستقبح لَحنه، فقال: إنَّه لَخَطَّاب، لو ساعَدَهُ صَوَاب.
    ثم قال لأبي حنيفة: إنَّكَ لأَحوج إلى إصلاح لسانكَ من جميع النَّاس.
    - قال شعبة: مَن طَلَب الحديث، فلم يبصر العربيَّة، فمثله مَثَل رجل عليه بُرْنُس، وليس له رأس .
    - قال حَمَّاد بن سَلَمة: مَثَل الذي يَطلُب الحديثَ، ولا يعرف النَّحو، مثل الحِمار، عليه مخلاة ، لا شعير فيها .
    - قال حماد بن سلمة لإنسان: إن لحنتَ في حديثي فقد كذبتَ عليَّ؛ فإني لا ألحن .
    - قال الشعبي: النَّحو في العلم كالملح في الطَّعام، لا يُستَغنى عنه .
    - قال سالم بن قتيبة: كنتُ عند ابن هُبَيرة الأكبر، فجَرَى الحديث، حتى ذكر العربيَّة، فقال: والله ما استوى رجلان، دينُهما واحد، وحسبهما واحد، ومروءتهما واحدة، أحدهما يلحن، والآخر لا يلحن، إنَّ أفضلهما في الدنيا والآخرة الذي لا يلحن.

    فهذه جملة منَ الآثار الواردة عن سَلَفنا الصالح - رحمهم الله، تبين عنايتهم البالغة باللُّغة، وكيفَ أنَّها كانت أهم وسيلة عندهم لتَعَلُّم دينهم، ونحن مأمورونَ باقتفاء آثارهم، والاهتداء بمنارهم، ففيهم وفي سلوك سبيلهم الخير كله.
    وما زال الأمر على ذلكَ حتى يومنا هذا، فها هو سماحة الشَّيخ ابن عُثَيمين - رحمَه الله - ينادي بضرورة تعلُّم علم النَّحو، فقد ذَكَر - رحمه الله - في مقدمة شرحه لكتاب "نزهة النَّظَر" أنَّ علمَ النَّحو أهم من علم الحديث من وجه. ا.هـ

    وقال شاعر يصف النحو:
    اقْتَبِسِ اقْتَبِسِ النَّحْوَ فَنِعْمَ المُقْتَبَسْ وَالنَّحْوُ زَيْنٌ وَجَمَالٌ مُلْتَمَسْ
    صَاحِبُهُ مُكْرَمٌ حَيَثُ جَلَسْ مَنْ فَاتَهُ فَقَدْ تَعَمَّى وَانْتَكَسْ
    كَأَنَّ مَا فِيهِ مِنَ العِيِّ خَرَسْ شَتَّانَ مَا بَيْنَ الحِمَارِ وَالفَرَسْ
    ________________
    من كتاب أهمية تعلم علم النحو ومكانته عند السلف
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    لغة القرآن الكريم (مكانتها - تعظيم السلف لها) Empty رد: لغة القرآن الكريم (مكانتها - تعظيم السلف لها)

    مُساهمة من طرف أحمد الجمعة ديسمبر 17, 2010 1:54 am

    http://www.mosndy.net/vb/showthread.php?t=1474
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    لغة القرآن الكريم (مكانتها - تعظيم السلف لها) Empty رد: لغة القرآن الكريم (مكانتها - تعظيم السلف لها)

    مُساهمة من طرف أحمد الثلاثاء يناير 07, 2014 1:21 pm

    إن اللغات الأوروبية ليست لغات ذات قداسَة دينيَّة، ولا زَعَمَ لها أحدٌ ذلك من أهلها أنفسهم، وإن أيَّا من هذه اللغات لم ينزل بها دين سماوي، أو كتاب تَحَدَّى البشر في كل زمان ومكان.

    وأمَّا العربيَّة فهي من الدين، وتعلُّمها دين، وقد كان ابن تيميَّة يرى أن تعلمها فرض واجب على المسلم،

    إن تَخَلَّصْنا منَ الوهم الخطير الذي أشَاعَه علم اللغة الأوروبي الحديث يجعلنا نعيد حسابنا مع لغتنا المقدسة، ونَحذَرُ مِمَّا نندفع أو ندفع إليه من شأنها، ونَعرف أنَّه لا يَنطبق عليها ما ينطبق على لغات الغرب، وأنَّ اللغويينَ الغربيّين - وأغلبهم من اليهود - ليسوا أوصياء على لغتنا....

    منقول بتصرف عن مقالة للكاتب

    د.وليد قصاب
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    لغة القرآن الكريم (مكانتها - تعظيم السلف لها) Empty رد: لغة القرآن الكريم (مكانتها - تعظيم السلف لها)

    مُساهمة من طرف أحمد الأربعاء أكتوبر 08, 2014 4:36 am

    قال الإمام ابن مجاهد : (كنت عند أبي العباس ثعلب، فقال لي يا أبا بكر: اشتغل أصحاب القرآن بالقرآن ففازوا، واشتغل أهل الفقه بالفقه ففازوا، واشتغل أصحاب الحديث بالحديث ففازوا، واشتغلت أنا بزيد وعمرو، فليت شعري ما يكون حالي في الآخرة؟
    فانصرفت من عنده، فرأيت تلك الليلة النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال لي: أقرئ أبا العباس عني السلام، وقل له: إنك صاحب العلم المستطيل)
    المستطيل أي المنتشر الذي يبلغ نفعه أهل التفسير والحديث والفقه.
    المصدر: معجم الأدباء لياقوت الحموي (1/211) - تاريخ بغداد للخطيب البغدادي.

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 14, 2024 11:43 pm